الإمام الحسين (ع) نبراس في طريق المجاهدين
من خطبة صلاة الجمعة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية في ذكري عاشوراء 1401 هـ
السيد علي الخامنئي
في بداية الدعوة الإسـلامية، كان أعـداء الرسـالة يشيعون أن الرسول الأكرم محمد (صلى اللّه عليه واله وسلم) أبتر، لأنه ليس لديه ولد يحفظ استمرار نسله بعد وفاته، حيث أنهم كـانوا يعتقدون أن أبناء الولد هم وحدهم من يحفظ النسل دون أبناء البنت!...ولم يتركهم اللّه سبحانه و تعالى يـواصلون بث سمومهم بين النـاس، حيث نـزلت السورة المباركة:
إنا أعطيناك الكوثر...
وكيفما فسرت كلمة «الكوثر» وتباينت آرا المفسرين بشأنها بين (القرآن و الإسلام و الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد(صلى اللّه عليه وآله و سلم) إلا أن فحوى السورة المباركة يشير إلى تقدير اللّه جل وعلا في ترسيخ دعائم هذا [الكوثر] وتـكثيره ونشره واتساعه في كل مكان.. وهذا يعني أن اللّه سبحانه و تعالى قد أكد على نفس النقطة، التي أرادها الأعداء كوسيلة للقضاء على الرسول ونسله من بعده، واعتبرها نقطة انتشار واتساع نسل الرسالة المحمدية.
وهكذا نرى الآن بعد أكـثر مـن أربعة عشر قرنا.. أن العالم الإسلامي بل الأرض كلها لا تخلو اليوم من أحد أبناء تلك السلالة الطاهرة، فضلا عن أئمة الإسلام الذين رفعوا راية التوحيد و أوصلوها إلى أنحاء المعمورة و كذلك الشهداء العظام من هذا النـسل الطـاهر الذين نبراس في طريق المجاهدين خلدت أسماؤهم في صفحات التاريخ المشرق للأمة الإسلامية العظيمة.
و قد أخطأ الأعداء مرة أخري و في مكان مشابه للمرة الأولى كان ذلك فـي يـوم عاشوراء، وعلى أرض كربلاء الحسين(ع).. حيث وقف فلذة كبد الزهراء الإمام الحسين(ع) مع نفر قليل من أصحابه وأهل بيته لم يتجاوز عددهم الاثنين والسبعين شخصا بين شيخ طاعن في السن وشاب لم يبلغ الحلم، في مواجهة جـيش جـرار بـلغ عدد أفراده ثلاثين ألف مسلح عـلى أقـل تقدير..
وهـنا أيضا ظن الأعداء أنهم سيقضون علي تلك السلالة الطاهرة بمقتل الحسين و أهل بيته، وكانت كل الأمور معدة لتنفيذ هذا المخطط الشـيطاني اللئيـم.. وقـد حدثّوا أنفسهم أنهم نجحوا في ذلك بعدما رأوا أن الإمام الحـسين(ع) تقدم نـحوهم في ظهيرة عاشوراء وهو يحتضن طفله الرضيع بعدما كان الأخوة والأبناء و الأصحاب كلهم قد سقطوا صرعي على رمضاء كربلاء مرملين بـدمائهم الزكـية.. وبـعد تردد لم يدم طويلا و كادت الفتنة تقع في صفوفهم، سارع قائد الجيش الأمـوي عمرو بن سعد و أصدر أمره إلى أمهر رماته (حرملة) ليقطع نزاع القوم؛ فما كان من هذا الأخير إلا وأصاب نحر الرضيع فذبحه مـن الوريد إلى الوريد....
أجل، إن انـطلاقة ثورة الحسين بدأت من تلك اللحظة، فبعدما أصاب السهم المثلث نحر عبد اللّه الرضـيع، تفجر الدم الطاهر من نحره، فسارع الإمام الحسين(ع) ووضع كفه الشريف تحت النحر وملأه من الدم و رماه إلي السماء ليـثبت للجـميع و أمـام أنظارهم أنهم لم يرحموا حتى الرضيع من أهل بيته، وحتى لا يدع أدني فرصة أمـامهم ليـشيعوا فيما بـعد عبر أبواقهم الدعائية المغرضة أن طفل الحسين قد مات بين يدي أبيه نتيجة للحر و لهـيب الشـمس الحـارقة في ظهيرة عاشوراء!!.
وهكذا نرى أن الحسين بن علي(عليهما السلام) قد وقّع في تلك اللحظة عـلي سـجل أحقيته، وأفهم العالم مشروعية تحركه و ثورته، وأكد للتاريخ دناءة التيار الذي كان يواجهه وخسّة المـتصدين له، ومـدى انحرافهم عن الإسلام الأصيل.
لقد سجل الإمام الحسين(ع) في صفحات التاريخ أن الإنسان الرسالي الذي يعزم على التضحية بنفسه وبـكل غـال و نفيس لا تهمه قلة الناصر ولا خذلان القوم ولا تكالب الأعداء من حوله.. بل يقوم وحيدا من أجـل ديـنه ويـجمع حوله خلّص أصحابه و يصارحهم بالحقيقة..
بل إن هذا الإنسان البطل لا يتراجع بحجة أن الأكثرية تخالفني أولا يمكنني أن أواجه الأعداء المدججين بـالسلاح، أو أنـني ضعيف أمامهم إذن لماذا أدخل حربا لا جدوي منها و....، أي أنه يقف علي مفترق الحـق و البـاطل، ولا يـتردد أبدا في اختيار الحق، بل و يستعد بكل وجوده للتضحية بنفسه وبأهل بيته و أصحابه في سبيل الحـق و مـن أجـل رضا اللّه جل و علا.
ولم تمض سوى أشهر إلاّ و دماء الحسين و المظلومين من أهل بيته و أصـحابه أعـطت ثمارها، حيث انفجرت الثورات ضد ظلم بني أمية، وهلك يزيد بن معاوية و بعده سقطت الدولة الأموية، أي أن دماء الحسين و رضـيعه و شـهداء كربلاء ألحقت الهزيمة النكراء بمن سفكها في أرض الطف.
كما أن الثورات العالمية في التاريخ الإسـلامي و الثـورات الكبرى قد انطلقت في الحقيقة من قطرة دم هـؤلاء المـظلومين، وأيـنما ذكر الإسلام فإن اسم الحسين ذكر كـمثل أعـلا له، وكل من سار على نهج الحسين فإنه التزم بالإسلام الأصيل و صدق في دعـوته، وانـضم إلى أمة الرسول المختارة.. أي أن اليزيديين افتضحوا فـي التـاريخ و انتصر الدم عـلى السيف.
واليـوم فإن سليل الحسين بن علي(ع)، أعني روح اللّه إمام الأمة، طرح أمام البشرية كيانا أصيلا تمثل بالشعب الإيراني المجاهد، وقاده لمواجهة كـل الأنـظمة والأجهزة السياسية والعسكرية في العالم.. الأمر لا يـنحصر بأمريكا الشيطان الأكبر، بل إنـها تـقف علي رأس معسكر الكفر والاستكبار بـكل شـياطينه المتوزعين في أصقاع العالم، والذين يرفعون عقيرتهم و يرصون صفوفهم للقضاء على الجمهورية الإسـلامية وانـهاء خط القرآن الأصيل وخط الإمام.
الكثيرون يدعوننا إلى أن نـكف عـن جـهادنا و نوقف مسيرتنا، ويـقولون لنـا: إنكم ضعفاء!.. ولكن أبناء هذا الشـعب يـريدون أن يثبتوا أنهم أبناء الحسين(ع) وسائرون على نهجه.. وهنا اسمحوا لي أن أخاطب الإمام القائد وأقول له: طوبى لك بـهذا الشـعب، إنه شعب مضحي و مجاهد، أثبت أبناؤه للعالم في سـاحات الحـرب أنهم جـنود الحـسين بـن علي(عليهما السلام) وقد أعادوا عـاشوراء مرارا، ولا يزالون يسطّرون ملاحم البطولة والفداء تأسيا بسيد الشهداء و أبي الأحرار عليه السلام.
وأخيرا ومن وحي عـاشوراء الحـسين(ع) أطمئن المسلمين إلى أن مستقبلا مشرقا ينتظرنا ما دمنا نـتمسك بـخط الحـسين و نـحيي ذكـره سنويا، وإذا ما عـرفنا لمـاذا ثار الحسين ولأي هدف استشهد و طبقنا وصاياه لنا بوجوب الاتحاد و التآزر و نبذ الفرقة و التشتت..
كما أدعو جميع الوعاظ و الخـطباء أن يـركزوا عـلى مفاهيم الجهاد و التضحية والروح الحسينية الأصيلة في خـطبهم و مـجالسهم، ويـذكروا تـضحيات الحـسين و أهـل بيته وأصحابه أمام الشباب والناس عموما حتى تشع قلوبهم بحب الحسين وذكر الحسين، فإن الأمة التي تتخذ من الحسين شعارا و منهجا للعمل لم و لن تهزم أبدا..
و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته
