00989338131045
 
 
 
 
 
 

 تفسير قوله تعالى (هل ينظرون إلا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام) 

( القسم : التفسير )

السؤال : ارجو الاستفسار عن معنى الاية الكريمة (( هل ينظرون إلا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) من سورة البقرة عن قدوم الله  تعالى في الغمام فماذا تعني؟


الجواب :

قال السيد الطباطبائي في ( الميزان في تفسير القرآن) ج2 / 102:
 قوله تعالى: (( هل ينظرون إلا ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام )) ، الظلل جمع ظلة وهي ما يستظل به ، وظاهر الآية ان الملائكة عطف على لفظ الجلالة ، وفي الآية التفات من الخطاب إلى الغيبة وتبديل خطابهم بخطاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالاعراض عن مخاطبتهم بأن هؤلاء حالهم حال من ينتظر ما أوعدناهم به من القضاء على طبق ما يختارونه من اتباع خطوات الشيطان والاختلاف والتمزق ، وذلك بأن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ، ويقضي الامر من حيث لا يشعرون ، أو بحيث لا يعبئ بهم وبما يقعون فيه من الهلاك ، وإلى الله ترجع الأمور ، فلا مفر من حكمه وقضائه ، فالسياق يقتضي ان يكون قوله : هل ينظرون ، هو الوعيد الذي أوعدهم به في قوله ‹تعالى في الآية السابقة فاعلموا ان الله عزيز حكيم . ثم إن من الضروري الثابت بالضرورة من الكتاب والسنة ان الله سبحانه وتعالى لا يوصف بصفة الأجسام ولا ينعت بنعوت الممكنات مما يقضي بالحدوث ، ويلازم الفقر والحاجة والنقص ، فقد قال تعالى : (( لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ )) (الشورى:11)،وقال تعالى : (( وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ )) (فاطر:15) ، وقال تعالى: (( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ )) (الزمر:62)، إلى غير ذلك من الآيات ، وهي آيات محكمات ترجع إليها متشابهات القرآن ، فما ورد من الآيات وظاهرها إسناد شئ من الصفات أو الأفعال الحادثة إليه تعالى ينبغي ان يرجع إليها ، ويفهم منها معنى من المعاني لا ينافي صفاته العليا وأسمائه الحسنى تبارك وتعالى ، فالآيات المشتملة على نسبة المجئ أو الاتيان إليه تعالى كقوله تعالى: (( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفّاً صَفّاً )) (الفجر:22)، وقوله تعالى: (( فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبُوا )) (الحشر:2)، وقوله تعالى: (( فَأَتَى اللَّهُ بُنيَانَهُم مِنَ القَوَاعِدِ )) (النحل:26) ، كل ذلك يراد فيها معنى يلائم ساحة قدسه تقدست أسمائه كالإحاطة ونحوها ولو مجازا ، وعلى هذا فالمراد بالاتيان في قوله تعالى : أن يأتيهم الله الإحاطة بهم للقضاء في حقهم . على أنا نجده سبحانه وتعالى في موارد من كلامه إذا سلب نسبة من النسب وفعلا من الافعال عن استقلال الأسباب ووساطة الأوساط فربما نسبها إلى نفسه وربما نسبها إلى امره كقوله تعالى: (( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ )) (الزمر:42)، وقوله تعالى : (( قُل يَتَوَفَّاكُم مَلَكُ المَوتِ )) (السجدة:11), وقوله تعالى: (( تَوَفَّتهُ رُسُلُنَا )) (الأنعام:61)، فنسب التوفي تارة إلى نفسه ، وتارة إلى الملائكة ثم قال تعالى  في أمر الملائكة: (( وَهُم بِأَمرِهِ يَعمَلُونَ )) (الأنبياء:27) ، وكذلك قوله تعالى: (( إِنَّ رَبَّكَ يَقضِي بَينَهُم )) (يونس:93)، وقوله تعالى: (( فَإِذَا جَاءَ أَمرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالحَقِّ )) (غافر:78) ، وكما في هذه الآية : ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام الآية وقوله تعالى : (( هَل يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَو يَأتِيَ أَمرُ رَبِّكَ )) (النحل:33). وهذا يوجب صحة تقدير الامر في موارد تشتمل على نسبة أمور إليه لا تلائم كبرياء ذاته تعالى نظير : جاء ربك ، ويأتيهم الله ، فالتقدير جاء أمر ربك ويأتيهم أمر الله . فهذا هو الذي يوجبه البحث الساذج في معنى هذه النسب على ما يراه جمهور المفسرين لكن التدبر في كلامه تعالى يعطي لهذه النسب معنى أرق وألطف من ذلك ، وذلك أن أمثال قوله تعالى: (( وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ )) (فاطر:15)، وقوله تعالى: (( العَزِيزِ الوَهَّابِ )) (صّ:9)، وقوله تعالى (( أَعطَى كُلَّ شَيءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدَى )) (طـه:50)، تفيد أنه تعالى واجد لما يعطيه من الخلقة وشؤونها وأطوارها ، ملئ بما يهبه ويجود به وان كانت أفهامنا من جهة اعتيادها بالمادة وأحكامها الجسمانية يصعب عليها تصور كيفية اتصافه تعالى ببعض ما يفيض على خلقه من الصفات ونسبته إليه تعالى ، لكن هذه المعاني إذا جردت عن قيود المادة وأوصاف الحدثان لم يكن في نسبته إليه تعالى محذور فالنقص والحاجة هو الملاك في سلب معنى من المعاني عنه تعالى ، فإذا لم يصاحب المعنى نقصا وحاجة لتجريده عنه صح اسناده إليه تعالى بل وجب ذلك لان كل ما يقع عليه اسم شئ فهو منه تعالى بوجه على ما يليق بكبريائه وعظمته .
فالمجئ والآتيان الذي هو عندنا قطع الجسم مسافة بينه وبين جسم آخر بالحركة واقترابه منه إذا جرد عن خصوصيه المادة كان هو حصول القرب ، وارتفاع المانع والحاجز بين شيئين من جهة من الجهات ، وحينئذ صح إسناده إليه تعالى حقيقة من غير مجاز : فإتيانه تعالى إليهم ارتفاع الموانع بينهم وبين قضائه فيهم ، وهذه من الحقائق القرآنية التي لم يوفق الأبحاث البرهانية لنيله إلا بعد إمعان في السير ، وركوبها كل سهل ووعر ، وإثبات التشكيك في الحقيقة الوجودية الأصيلة .
وكيف كان فهذه الآية تتضمن الوعيد الذي ينبئ عنه قوله سبحانه في الآية السابقة : إن الله عزيز حكيم ، ومن الممكن أن يكون وعيداً بما سيستقبل القوم في الآخرة يوم القيامة كما هو ظاهر قوله تعالى في نظير الآية: (( هَل يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَو يَأتِيَ أَمرُ رَبِّكَ )) (النحل:33)، ومن الممكن أن يكون وعيد بأمر متوقع الحصول في الدنيا كما يظهر بالرجوع إلى ما في سورة يونس بعد قوله تعالى: (( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ )) (يونس:47) ، وما في سورة الروم بعد قوله تعالى : (( فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً )) (الروم:30)، وما في سورة الأنبياء وغيرها على أن الآخرة آجلة هذه العاجلة وظهور تام لما في هذه الدنيا ، ومن الممكن أيضا أن يكون وعيدا بما سيقع في الدنيا والآخرة معا ، وكيف كان فقوله في ظلل من الغمام يشتمل من المعنى على ما يناسب مورده .

http://www.aqaed.com/faq/questions.php?sid=234



طباعة   ||   أخبر صديقك عن السؤال   ||   القرّاء : 9045  


 
 

  التلاوة :
  • الحفظ (23)
  • التجويد (18)
  • القراءات السبع (2)
  • الصوت والنغم (7)
  علوم القرآن وتفسيره :
  • علوم القرآن (57)
  • التفسير (205)
  • المفاهيم القرآنية (10)
  • القصص القرآني (6)
  • الأحكام (26)
  • الاجتماع وعلم النفس (31)
  العقائد :
  • التوحيد (27)
  • العدل (10)
  • النبوّة (25)
  • الإمامة (6)
  • المعاد (17)
  استفتاءات المراجع :
  • السيد الخوئي (29)
  • السيد السيستاني (52)
  • السيد الخامنئي (7)
  • الشيخ مكارم الشيرازي (83)
  • السيد صادق الروحاني (37)
  • السيد محمد سعيد الحكيم (49)
  • السيد كاظم الحائري (7)
  • الشيخ الوحيد الخراساني (2)
  • الشيخ إسحاق الفياض (3)
  • الشيخ الميرزا جواد التبريزي (10)
  • السيد صادق الشيرازي (78)
  • الشيخ لطف الله الصافي (29)
  • الشيخ جعفر السبحاني (11)
  • السيد عبدالكريم الاردبيلي (1)
  • الشيخ جوادي آملي (23)
  • السيد محمود الشاهرودي (5)
  • السيد الامام الخميني (4)
  جديد الأسئلة والإستفتاءات :



 إمكان صدور أكثر من سبب نزول للآية الواحدة

 تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل المؤنّث

 حول امتناع إبليس من السجود

 الشفاعة في البرزخ

 في أمر المترفين بالفسق وإهلاكهم

 التشبيه في قوله تعالى: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}

 هل الغضب وغيره من الانفعالات ممّا يقدح بالعصمة؟

 كيف يعطي الله تعالى فرعون وملأه زينة وأموالاً ليضلّوا عن سبيله؟

 كيف لا يقبل الباري عزّ وجلّ شيئاً حتى العدل {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ}؟

 حول المراد من التخفيف عن المقاتلين بسبب ضعفهم

  البحث في الأسئلة والإستفتاءات :



  أسئلة وإستفتاءات قرآنية منوعة :



 ما حكم القائل بتحريف القرآن بزيادة آيات فيه أو نقصانها بمعنى أنّ القرآن الذي بين أيدينا ليس القرآن المنزل؟

 هل يجب قراءة القرآن بالتجويد وأحكامه؟ وهل يؤثم الشخص بعدم الالتزام بالتجويد أثناء قراءة القرآن؟

 ما تفسير هذه الآية من سورة التوبة (الآية: 38): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْ

 في قول الله عز وجل {ان النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربي}

 فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٢٩) سورة الحجر

 السمع والبصر في القرآن الكريم ؟

 في قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}

 الإعجاز العددي في القرآن

 س: ماذا تقصد بدور الأستاذ؟

 ما هي أفضل الطرق لتفسير القرآن؟

  إحصاءات الأسئلة والإستفتاءات :
  • عدد الأقسام الرئيسية : 4

  • عدد الأقسام الفرعية : 32

  • عدد الأسئلة والإستفتاءات : 900

  • تصفحات الأسئلة والإستفتاءات : 7809122

  • التاريخ : 19/04/2024 - 00:35

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • رئيسية الأسئلة والإستفتاءات القرآنية
  • أرشيف الأسئلة والإستفتاءات القرآنية
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net