00989338131045
 
 
 
 

  • الصفحة الرئيسية لقسم النصوص

التعريف بالدار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • من نحن (2)
  • الهيكلة العامة (1)
  • المنجزات (15)
  • المراسلات (0)
  • ما قيل عن الدار (1)

المشرف العام :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • سيرته الذاتية (1)
  • كلماته التوجيهية (14)
  • مؤلفاته (4)
  • مقالاته (71)
  • إنجازاته (5)
  • لقاءاته وزياراته (14)

دروس الدار التخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التجويد (6)
  • الحفظ (14)
  • الصوت والنغم (11)
  • القراءات السبع (5)
  • المفاهيم القرآنية (6)
  • بيانات قرآنية (10)

مؤلفات الدار ونتاجاتها :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • المناهج الدراسية (7)
  • لوائح التحكيم (1)
  • الكتب التخصصية (8)
  • الخطط والبرامج التعليمية (6)
  • التطبيقات البرمجية (11)
  • الأقراص التعليمية (14)
  • الترجمة (10)
  • مقالات المنتسبين والأعضاء (32)
  • مجلة حديث الدار (51)
  • كرّاس بناء الطفل (10)

مع الطالب :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مقالات الأشبال (36)
  • لقاءات مع حفاظ الدار (0)
  • المتميزون والفائزون (14)
  • المسابقات القرآنية (22)
  • النشرات الأسبوعية (48)
  • الرحلات الترفيهية (12)

إعلام الدار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الضيوف والزيارات (160)
  • الاحتفالات والأمسيات (75)
  • الورش والدورات والندوات (62)
  • أخبار الدار (33)

المقالات القرآنية التخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • علوم القرآن الكريم (152)
  • العقائد في القرآن (62)
  • الأخلاق في القرآن (163)
  • الفقه وآيات الأحكام (11)
  • القرآن والمجتمع (69)
  • مناهج وأساليب القصص القرآني (25)
  • قصص الأنبياء (ع) (81)

دروس قرآنية تخصصية :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • التجويد (17)
  • الحفظ (5)
  • القراءات السبع (3)
  • الوقف والإبتداء (13)
  • المقامات (5)
  • علوم القرآن (1)
  • التفسير (16)

تفسير القرآن الكريم :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • علم التفسير (87)
  • تفسير السور والآيات (175)
  • تفسير الجزء الثلاثين (37)
  • أعلام المفسرين (16)

السيرة والمناسبات الخاصة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • النبي (ص) وأهل البيت (ع) (104)
  • نساء أهل البيت (ع) (35)
  • سلسلة مصوّرة لحياة الرسول (ص) وأهل بيته (ع) (14)
  • عاشوراء والأربعين (45)
  • شهر رمضان وعيد الفطر (19)
  • الحج وعيد الأضحى (7)

اللقاءات والأخبار :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • لقاء وكالات الأنباء مع الشخصيات والمؤسسات (40)
  • لقاء مع حملة القرآن الكريم (41)
  • الأخبار القرآنية (98)

الثقافة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • الفكر (2)
  • الدعاء (16)
  • العرفان (5)
  • الأخلاق والإرشاد (18)
  • الاجتماع وعلم النفس (12)
  • شرح وصايا الإمام الباقر (ع) (19)

البرامج والتطبيقات :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • البرامج القرآنية (3)

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية لهذا القسم
  • أرشيف مواضيع هذا القسم
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة









 
 
  • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .

        • القسم الفرعي : الأخلاق في القرآن .

              • الموضوع : تزكیة النفس من منظور الثقلین التوبة و الإنابة (3) .

تزكیة النفس من منظور الثقلین التوبة و الإنابة (3)

 آية الله العظمى السید كاظم الحائري "دام ظله"

اركان التوبة وشرائطها

هنا نبدأ الحدیث بالكلام المروي عن إمامنا أمیر المؤمنین(علیه‌ السلام)‌؛ فـقد رُوي أنـه قـال ـ لقائل بحضرته: استغفر اللّه ـ:«ثكلتك أُمّك‌ أتدری ما الاستغفار؟ إن الاستغفار درجة العلّیین، وهو اسم واقع عـلی‌ ستة معان: أوّلها‌ الندم‌ علی ما مضی، والثاني العزم علی ترك العود إلیـه أبداً، والثالث أن تؤدي إلی المـخلوقین حـقوقهم حتی تلقی اللّه أملس لیس علیك تبعة، والرابع أن تَعمد إلی كل‌ فریضة علیك ضیّعتها فتؤدی حقّها، والخامس أن تعمد إلی اللحم الذي نبت علی السُّحت فتذیبه بالاحزان حتی یلصق الجلد بالعظم، وینشأ بینهما لحم جدید، والسـادس أن تذیق الجسم‌ ألم‌ الطاعة كما أذقته حلاوة المعصیة، فعند ذلك تقول: استغفر اللّه» والاوّلان من هذه الامور ركنان للتوبة، والثالث والرابع شرطان لقبول التوبة، والاخیران شرطان لكمال التوبة‌. وإلیك قلیل من التفصیل عـن الاركـان والشرائط:

الركن الاول ـ الندم:

وكونه ركناً للتوبة من الواضحات، فإن التوبة تعني: الرجوع إلی اللّه سبحانه وتعالی‌، أو الرجوع إلی الفطرة الطاهرة التي تدنّست بالذنب، وهذا لا یمكن أن یكون من دون الندم علی ما فات.

ولنعم عـبد یـندم علی ذنبه قبل أن‌ یمضی‌ علی‌ ذلك سبع ساعات؛ وذلك‌ لان‌ الروایات‌ العدیدة دلّت علی أن كاتب السیئات لا یكتب السیئة التی تصدر عن العبد لمدة سبع ساعات، وهذا یعنی: أنه‌ إذا‌ وقعت‌ التـوبة قـبل السبع ساعات فلن یری العبد ذنبه‌ في‌ یوم القیامة في صحیفة عمله، بینما لو وقعت التوبة بعد السبع ساعات فقد یری ذنبه في صحیفة عمله‌ یوم‌ القیامة‌، وإن كان یری بـعد ذلك تـوبته أیـضاً.

فـعن الصادق(علیه‌ السلام)‌ قال‌: قال رسول اللّه(صلی الله علیه وآله): أربع من كنّ‌ فیه‌ لم یهلك علی اللّه بعدهنّ إلاّ هالك: یهمّ العبد بالحسنة فیعملها، فـإن هـو لم یعملها‌ كتب‌ اللّه له حسنة بحسن نیّته، وإن هو عملها كـتب اللّه له عشراً‌. ویهمّ بالسیئة أن یعملها، فإن لم یعملها لم یكتب علیه شيء، وإن‌ هو‌ عملها‌ أُجّل سبع ساعات، وقال صاحب الحسنات لصـاحب السـیئات وهـو صاحب الشمال: لا‌ تعجل‌ عسی أن یُتبعها بحسنة تمحوها، فإن اللّه ـ عزّوجل ـ یـقول: لي‌ (...إن الحسنات یذهبن السیئات...)، أو الاستغفار، فإن قال: استغفر اللّه‌ الذي‌ لا إله إلاّ هو عالم الغیب والشهادة العزیز الحكیم الغفور الرحـیم ذا الجـلال‌ والاكـرام‌ وأتوب‌ إلیه، لم یكتب علیه شيء، وإن مضت سبع ساعات ولم یتبعها بحسنة واسـتغفار‌ قـال‌ صاحب الحسنات لصاحب السیئات: اكتب علی الشقی المحروم.

والمقصود‌ طبعاً‌ بالاستغفار‌: طلب المغفرة المقترن بالتوبة بـقرینة مـا فـی ذیل الصیغة التی ذكرها للاستغفار، وهو‌ قوله‌: وأتوب إلیه، وبقرینة روایات أُخـر مـن قـبیل ما ورد عن‌ الباقر(علیه‌ السلام) من قوله: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقیم علی الذنـب وهـو‌ مـستغفر‌ منه كالمستهري»

وورد في حدیث تام السند، التأجیل من‌ الغدوة‌ إلی اللیل، فعن زرارة بسند تام‌ قـال‌: سـمعت أبا عبد اللّه(علیه السلام) یقول: «إن‌ العبد إذا أذنب ذنباً أُجّل من غدوة إلی اللیـل، فـإن اسـتغفر اللّه‌ لم‌ تُكتب علیه»

وفي‌ روایة‌ أخری عن‌ رسول‌ اللّه(صلی‌ الله علیه وآله): "صاحب الیـمین‌ أمـیر‌ علی صاحب الشمال، فإذا عمل العبد سیئة قال صاحب الیمین لصاحب‌ الشمال‌: لا تـعجل، وأنـظره سـبع‌ ساعات، فإن مضت‌ سبع‌ ساعات ولم یستغفر قال: اكتُب‌ فما أقل حیاء هذا العبد

الركن الثـاني ـ العـزم علی ترك‌ العود‌:

وكون هذا ركناً ـ ایضاً‌ ـ من الواضحات؛ إذ‌ بدونه لا یصدق عـنوان‌ الرجـوع‌ إلی اللّه أو الرجـوع إلی الفطرة الصافیة

والندم في الغالب یستبطن العزم‌ علی‌ عدم العود.

وقد ورد‌ في‌ الحدیث عن‌ ربـعي‌، عـن الصـادق(علیه السلام)، عن أمیر المؤمنین(علیه السلام): «إن الندم علی الشرّ یدعو إلی تركه» وعلیه تـحمل روایـات‌ فرض‌ الندامة، هي التوبة، من‌ قبیل‌ مرسلة‌ الصدوق‌ قال‌: من ألفاظ‌ رسول‌ اللّه(صلی الله علیه وآله) «النـدامة تـوبة».

وما عن عليّ الجهضمي عن الباقر(علیه السلام): »كفی‌ بالندم‌ توبة»

وأما بـاقي الشـرائط:

فمنها‌ ـ تدارك‌ ما‌ هضمه من حقوق اللّه وحـقوق النـاس، وقـد مضی ذلك في حدیث علی(علیه السلام) في نـهج البـلاغة لمن قال بحضرته: استغفر اللّه، ونظیره وارد ـ أیضاً ـ عن علی(علیه السلام) في حدیثه لكمیل فـي نقل تـحف العقول حیث قال في عـدّ مـعاني التوبة: «... والثـالث أن تـؤدّي حـقوق المخلوقین التي بینك وبینهم، والرابع‌ أن تـؤدّي حـق اللّه فی كل فرض...» حتی أنه ورد في سند صحیح عن هشام بن الحـكم، عـن الصادق(علیه السلام)شرط هدایة من أضلّه وإلیـك نص الحدیث:

عن‌ هـشام بـن الحكم (وفي بعض النقول: عـن هـشام بن الحكم وأبی بصیر جمیعاً) عن الصادق(علیه السلام) قال: «كان رجل في الزمـن‌ الاول‌ طـلب الدنیا من الحلال فلم‌ یـقدر‌ عـلیها، وطـلبها من الحرام فـلم یـقدر علیها، فأتاه الشیطان فـقال له: ألا أدلّك عـلی شيء تكثر به دنیاك وتكثر به تبعك‌؟ فقال: بلی، قال‌: تبتدع دیناً، وتدعو النـاس إلیـه. ففعل، فاستجاب له الناس وأطاعوه، فأصاب مـن الدنـیا، ثُمّ إنـه فـكر فـقال: ما صنعت؟! ابتدعت دیـناً‌، ودعوت الناس إلیه ما أری لي من توبة إلاّ أن آتی من دعوته إلیه فأردّه عنه، فجعل یأتي أصـحابه الذیـن أجابوه، فیقول: إنّ الذي دعوتكم إلیه بـاطل‌، وإنـّما ابـتدعته‌، فـجعلوا یـقولون: كذبت هو الحـقّ، و لكـنّك شككت فی دینك، فرجعت عنه فلّما‌ رأی ذلك عمد إلی سلسلة فوتّد لها وتداً، ثُمَّ جعلها‌ فی‌ عنقه‌ وقـال: لا أحـلّها حـتی یتوب اللِّه ـ عزّ وجلّ ـ عليّ، فأوحی اللّه ـ عزّ ‌‌وجـلّ‌ ـ إلی نـبيّ مـن الانـبیاء قـل لفـلان: وعزّتي لو دعوتني حتی تنقطع‌ أوصالك‌ ما‌ استجبت لك حتیّ ترُدّ من مات علی ما دعوته إلیه فیرجع عنه»

وإننا‌ نرجو أن یكون مفاد هذا الحدیث خاصّاً بمورده، وهو: ابـتداع الدین‌، أمّا لو كان‌ مفاده‌ عامّاً لكلّ من ضیّع حقاً ثُمّ عجز عن أدائه، أو لكلّ من ضیّع حقّاً من حقوق الناس ثُمّ عجز عن أدائه، فإنّني أخشی أن یكون كثیراً منّا مبتلی بمفاده‌، فـتبقی تـوبتنا ناقصة، وإنّا للَّه وإنّا إلیه راجعون. وعلی أیّة حال، فالتوبة واجبة حتی بمقدارها الناقص، ونرجو أن تنفعنا ولو نفعاً ناقصاً.

ثُمّ إنّه‌ لا‌ یبعد أن یكون قید العمل الصالح الوارد في بعض آیات التوبة إشـارة إلی هـذا الشرط من قبیل قوله تعالی:

1 ـ ﴿إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحا...﴾

2 ـ ﴿وإنّي لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدی﴾

3 ـ ﴿ثم ان ربك للذین عـملوا السـوء بجهالة ثم تابوا من بـعد ذلك وأصـلحوا‌ إن‌ ربك من بعدها لغفور رحیم﴾

وقد یُفترض أنّ تدارك الذنب بإداء حقوق اللَّه، وحقوق الناس، وحقوق اللَّه داخل في الانابة لا في التوبة، فالتوبة‌: رجوع‌ إلی اللَّه اعـتذاراً عـن الذنب‌. والانابة‌: رجوع إلیـه إصـلاحاً لما فرّط فیه. والتوبة: رجوع إلیه عهداً. والانابة: رجوع إلیه وفاءً.

إلاّ‌ أنّ‌ الظاهر‌: أنّ التوبة والانابة لهما معنیً واحد، وهو‌: الرجوع.

وعلی أیّة حال، فلیس هذا إلاّ مشاحّة في الاصطلاح.

ومـنها ـ أن یكون‌ ذلك‌ قبل انكشاف اُمور الاخرة أو قبل معاینة الهلاك كما ورد‌ فی القرآن: ﴿ولیست التوبة للذین یعملون السّیّئَات حتی إذا حضر أحدَهم الموت قال إنّي تبت الان...﴾

وقال ـ أیضاً ـ عزّ من قائل فـي قـِصَّة فرعون: ﴿...‌ حـتی إذا أدركه الغَرَق قال آمنتُ أنه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائیل وانا‌ من‌ المسلمین‌ * ألان وقد عصیت من قبل وكـنت من المفسدین﴾

والاحادیث‌ بهذا‌ الصدد‌ كثیرة من قبیل:

ما عن رسـول اللّه (صلی الله عـلیه وآله): «من‌ تاب‌ قبل‌ موته بسنة قَبَلَ اللَّه توبته، ثُمّ قال: إنّ السنة لكثیر، من‌ تاب‌ قبل مـوته ‌بـشهر قَبَلَ اللَّه توبته، ثُمّ قال: إنّ الشهر لكثیر‌، ثُمّ‌ قال: من تاب قَبلَ مـوته بـجمعة قـَبَلَ اللَّه توبته، ثُمّ قال: وإنّ‌ الجمعة لكثیر، من تاب قبل موته بیوم قَبَلَ اللَّه توبته، ثُمّ‌ قـال‌: إنّ یوماً لكثیر، من تاب قبل أن یعاین قَبَلَ اللَّه توبته».

وقد ورد‌ في‌ سند صـحیح عن زرارة، عن أبي جـعفر(علیه السـلام) قال: «إذا‌ بلغت‌ النفس‌ هذه وأهوی بیده إلی حلقه لم یكن للعالم توبة، وكانت للجاهل توبة»

وقد‌ یقال‌: إنّ من نعم اللَّه ـ تعالی ـ علی عبده أنّ الموت‌ یبدأ‌ بالرجل، وینتهی إلی الرأس دون العكس، فتكون للانسان مهلة التـوبة قبل أن یغرغر بروحه‌، ویعاین أمر الاخرة.

ومن الاحادیث الصحیحة سنداً الدالّة علی سَعَة‌ الوقت‌، بمعنی قبول التوبة متی ما وقعت‌ قبل‌ ساعة‌ الموت، وإن كانت هي من الواجبات‌ الفوریة‌، ما ورد عن محمد بـن مـسلم، عن الباقر(علیه السلام): «یا‌ محمّد‌ بن مسلم ذنوب المؤمن إذا‌ تاب‌ منها مغفورة‌ له‌، فلیعمل المؤمن لما یستأنف بعد التوبة‌ والمغفرة‌، أما واللّه إنّها لیست إلاّ لاهل الایمان، قلت: فإن‌ عاد‌ بعد التـوبة والاسـتغفار من الذنوب وعاد‌ في التوبة؟ قال‌: یا محمّد ابن مسلم أتری‌ العبد‌ المؤمن یندم علی ذنبه ویستغفر منه ویتوب ثُمّ لا یقبل اللّه توبته؟! قلت: فإنّه فعل ذلك‌ مراراً‌ یذنب‌ ثـم یـتوب ویستغفر‌؟ فقال: كلما عاد‌ المؤمن‌ بالاستغفار والتوبة عاد اللّه علیه بالمغفرة، وإن اللّه غفور رحیم یقبل التوبة ویعفو‌ عن‌ السیئات، فإیاك أن تقنّط المؤمنین‌ من‌ رحمة اللّه».

ولعل السر في شرط‌ عدم حـضور المـوت لقـبول التوبة أحد أمرین:

الاول ـ أن الایمان النـافع هـو‌ الایـمان‌ بالغیب، أما الایمان بالشهود فلا‌ قیمة‌ مهمة‌ له‌، فإن الایمان بالشهود‌ أمر‌ سهل یفعله كلّ أحد، وإنما الخروج من الامتحان یـكون بـالایمان بـالغیب واتّباعه؛ ولهذا قال‌ اللّه‌ سبحانه‌ وتعالی: بسم اللّه الرحـمن الرحـیم ﴿ ألم‌ * ذلك‌ الكتاب‌ لا‌ ریب فیه هدیً للمتقین * الذین یؤمنون بالغیب...﴾ أما إذا حضر الموت وانكشفت اُمور الاخرة فقد تحوّل الغـیب إلی الشـهود، وعـندئذ لا قیمة مهمة‌ لحدوث إیمان أو توبة؛ ولعله لهذا السبب قال اللّه تـعالی: ﴿وقالوا لولا أُنزِل علیه ملك ولو أنزلنا ملكاً لقضی الامر ثم لا یُنظرون﴾. إذ إن نزول الملك‌ الذي‌ هو من عالم الغیب یـعني تـحول الغـیب إلی الشهود، وعندئذ تنقطع المهلة، ویُقضی الامر. وأیضاً قال اللّه سبحانه وتعالی: ﴿وقـالوا یـا أیها الذی نزّل علیه‌ الذكر‌ انك لمجنون * لو ما تأتینا بالملائكة إن كنت من الصادقین * ما ننزّل الملائكة إلاّ بـالحق ومـا كـانوا إذن مُنظرین﴾

الثانی‌ ـ أن فتح باب التوبة‌ لم‌ یكن یعني: أن التائب لا یستحق العقاب عـلی مـعصیته، فـإن العاصي خالف الحق، ومخالفُ الحق یستحقُّ الجزاء ولو تاب، وذلك‌ من‌ قبیل ما لو أن‌ أحـداً‌ قـتل ابـنك، ثم تندّم علی ما فعل وتاب لم تُسقِط توبته حقَّ قِصاصك علیه، فكذلك من خـالف حـق الرب تبارك وتعالی فاستحق العقاب لا یُسقِط بتوبته استحقاقَه للعقاب‌، وإنما یعني فتح باب التـوبة: أن اللّه ـ تـعالی ـ یـرید تطهیر روحك، وتنظیف قلبك من الدنس الذی تدنّست به بسبب المعصیة، وجعل العقاب رحمةً بـك؛ كـي‌ یؤدي إلی‌ أن تحرق روحك بنار التوبة قبل نار جنهم، فإذا تبت فقد طـهرت مـن الدنـس، ورجعت‌ إلی الفطرة الصافیة، وكان هذا هو المقصود للّه سبحانه، فیقبل‌ توبتك‌؛ لان التوبة تعني: التحول والانقلاب الحـقیقیین فـي واقع نفسك، وهذا لا یكون حینما تكون ‌‌التوبة‌ نتیجة رؤیة البأس والهلاك؛ إذ عـندئذ یـندم الانـسان لما یری أمامه من‌ العذاب‌ الفعلي‌، وهذا لا یعني حصول التحول والانقلاب الحقیقیین في نفسه ورجـوع الصـفاء والطـهارة إلیه.

وعلی أیة حال، فالعلاجات الروحیة الواردة في القرآن أو عن المعصومین(علیهم‌ السلام) حـالها حـال وصفات‌ أطباء‌ الجسم، أي إنه كما تكون وصفة الطبیب نافعة حینما تستعمل في محلها، أما لو استعملت وصـفة الطـبیب التي وضعها لمرض التیفو مثلاً فی مرض ذات الجَنْب، والوصفة التي‌ وضعها لمـرض ذات الجـَنْب في مرض التیفو، لا تنفع بل تضرّ، كـذلك الوصـفات الروحـیة الواردة في الكتاب والسنة، فمثلاً هذه المهلة والسـعة التـي عرفتها في باب التوبة قد‌ وضعت‌ لعلاج مرض الیأس؛ لانه لولاها لیأس الذیـن لم یـمارسوا التوبة فور حصول المعصیة ولادّي ذلك إلی تـمادیهم فـي الغيّ وهـلاكهم، فـجعل بـاب التوبة مفتوحاً أمامهم ما لم‌ یـحضرهم‌ المـوت. أما لو استعملها أحد في مقام تسویف التوبة بحجة أنه مادامت التوبة مـقبولة قـبل حضور الموت، والسنة كثیرة، والشهر كـثیر، والجمعة كثیرة، والیوم‌ كـثیر‌، فـلا داعی لی إلی الاستعجال بالتوبة وحرمان النـفس مـن اللذات والشهوات، فقد اصبحت الوصفة هنا مضرة لا نافعة؛ لان تأجیل التوبة وتسویفها یجعل الانسان بـین خـطرین‌، خطر‌ مباغتة الموت وحیلولته بـین الانـسان‌ والتـوبة‌، وخطر اشتداد ریـن القـلب بالتمادی في الذنوب إلی أن یـنحرم مـن التوبة ولا یتوفّق لها.

وقد ورد عن إمامنا‌ أمیر‌ المؤمنین(علیه‌ السلام) أنه قال: «لا تكن ممّن یـرجو‌ الاخـرة‌ بغیر عمل، ویرجّی التوبة بطول الامـل، یـقول في الدنـیا بـقول الزاهـدین، ویعمل فیها بعمل الراغـبین...‌ إلی‌ أن‌ قال: إن عرضت له شهوة أسلف المعصیة، وسوّف‌ التوبة...»

وقد رُوی عن لقمان أنه قال لابـنه: «یـا بنيّ لا تؤخّر التوبة فإن‌ الموت‌ یـأتي‌ بـغتة...»

فـالذي یـستعمل هـذه الوصفة بهذا الاسـلوب غـیر الصحیح‌ وهو‌ تأجیل التوبة لا یأمن الابتلاء في یوم موته بالوصف المنقول عن إمامنا أمیر المؤمنین(علیه السـلام) فـیما‌ ورد‌ فـي‌ نهج البلاغة من قوله:... اجتمعت علیهم سـكرة المـوت وحـسرة الفـوت‌، فـفترت‌ لهـا أطرافهم، وتغیّرت لها ألوانهم، ثم ازداد الموت فیهم ولوجاً، فحیل‌ بین‌ أحدهم‌ وبین منطقه، وإنه لبین أهله ینظر ببصره، ویسمع بأذنه علی صحة من‌ عقله‌ وبقاء من لبـّه، یفكر فیمَ أفنی عمره، وفیم أذهب دهره ویتذكر‌ أموالاً‌ جمعها‌ أغمض في مطالبها، وأخذها من مصرّحاتها ومشتبهاتها، قد لزمته تَبِعات جَمعها، وأشرف‌ علی فراقها، تبقی لمن وراءه ینعمون فیها، ویتمتّعون بـها، فـیكون‌ المَهَنأُ‌ لغیره‌، والعبءُ علی ظهره، والمرء قد غلِقَت رهونُهُ بها، فهو یعضّ یدیه ندامة‌ علی‌ ما أصحر له عند موته من أمره، ویزهد فیما كان یرغب‌ فیه‌ أیام‌ عمره، ویـتمنّی أن الذی كـان یغبطُهُ بها ویحسدهُ علیها قد حازها دونه...

وعن‌ إمامنا‌ زین العابدین(علیه السلام) أنه قال فی حدیث طویل:

فیالهف نفسی‌ كم‌ أُسوّف توبتی وعـمری فـان والردی لي ناظر

وكل الذي أسلفتُ فی الصـحف مـثبت یجازی علیه‌ عادل‌ الحكم قاهر.

ومنها ـ الایمان كما هو صریح القرآن فی قوله‌ تعالی‌: ﴿ولیست التوبة للذین یعملون السیئات حتی‌ إذا‌ حضر‌ أحدهم الموت قـال إنـي تبت الان ولا‌ الذین‌ یموتون وهـم كـفار اولئك أعتدنا لهم عذاباً ألیما﴾، وقد جاء قید الایمان‌ في‌ عدید من آیات التوبة كقوله‌:

﴿إلاّ‌ من‌ تاب‌ وآمن وعمل صالحاً فاولئك یدخلون الجنة‌ ولا‌ یظلمون شیئا﴾

﴿وإني لغفار لمن تاب وآمن وعـمل صـالحاً ثم‌ اهتدی﴾

﴿إلاّ من تاب وآمن‌ وعمل عملاً صالحاً فاولئك‌ یبدّل‌ اللّه سیئاتهم حسنات﴾

﴿والذین عملوا السیئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور‌ رحیم﴾

ولیس قید الایمان‌ مستأنفاً‌ بـتخیّل‌ أن الكـافر لا‌ معنی‌ لان یـتوب إلی اللّه‌؛ وذلك لان الكفر لا ینحصر في إنكار اللّه عزّ وجل، فقد یكون كتابیاً‌ یؤمن‌ باللّه، بل وقد یكون مشركاً‌ مـن‌ عبدة الاوثان‌ الذین‌ یقولون‌: ﴿... ما نعبدهم‌ إلاّ لیقربونا إلی اللّه زلفی...﴾

وقد دلّت بعض الروایـات عـلی اشـتراط الایمان‌ بالمعنی‌ الخاص، وهو: التشیع من‌ قبیل‌ ما‌ مضی‌ من‌ صحیحة محمد بن‌ مسلم‌ عن الباقر(علیه السـلام «أمـا واللّه إنها لیست إلاّ لاهل الایمان». فإن كلمة‌ (أهل‌ الایمان)‌ في ذاك التاریخ مصطلح للشیعة.

وأمـا‌ شـرائط‌ الكـمال‌ فالروایات‌ فیها‌ عدیدة:

منها ـ ما مضی من كلام أمیر المؤمنین(علیه السلام) في نهج البلاغة والذی ذكـر فیه إذابة اللحم النابت من الحرام، وإذاقة الجسم ألم‌ الطاعة كما ذاق حلاوة المـعصیة ونحوه كلام أمیر المـؤمنین(علیه السـلام) لكمیل في روایة تحف العقول.

ومنها ـ ما ورد فیه شرط الصوم كحدیث أبی بصیر عن الصادق(علیه السلام)‌ فی‌ تفسیر توبة النصوح قال: «هو صوم یوم الاربعاء والخمیس والجمعة»

ومنها ـ ما ورد في شـرط الصلاة من قبیل ما في نهج البلاغة: «ما أهمنی‌ ذنب‌ أمهِلتُ بعده حتی أُصلّی ركعتین واسأل اللّه العافیه»

ومنها ـ ما ورد في شرط الغسل والصلاة من قبیل ما عن مسعدة‌ ابن‌ زیاد قـال:«كـنت عن‌ أبي‌ عبد اللّه(علیه السلام)، فقال له رجل: بأبي أنت وأمي أدخل كنیفاً ولي جیران، وعندهم جوار یتغنّین ویضربن بالعود، فربّما أطلت‌ الجلوس‌ استماعاً مني لهن فقال(علیه‌ السلام)‌: لا تفعل، فقال الرجل واللّه مـا أتـیتهن، إنما هو سماع أسمعه بأُذنی؟ فقال(علیه السلام): للّه أنت أما سمعت اللّه یقول: ﴿إن السمع والبصر‌ والفؤاد‌ كل أُولئك كان عنه مسؤولا﴾. فقال: بلی واللّه لكأنّی لم أسمع بهذه الایة من كتاب اللّه من عربيّ ولا مـن عـجميّ، لا جرم إنّي لا أعود إن‌ شاء‌ اللّه، وإنّي أستغفر اللّه، فقال له: قم فاغتسل وصلّ ما بدالك، فإنك كنت مقیماً علی‌ أمر عظیم، ما كان أسوأ حالك لو متّ علی ذلك‌، أحمد‌ اللّه وسله التـوبة مـن كـل ما یكره، فإنه لا یكره إلاّ كـل قـبیح، والقـبیح دعه ‌‌لاهله‌، فإن لكل أهلاً.

التوبة النصوح

قال اللّه سبحانه‌ وتعالی‌: ﴿یا أیها الذین آمنوا توبوا إلی اللّه توبة نصوحاً عسی ربكم أن یكفّر عـنكم سـیئاتكم‌ ویـدخلكم جنّات تجری من تحتها الانهار یوم لا یخزی اللّه النبي والذیـن آمـنوا‌ معه نورهم یسعی بین‌ أیدیهم‌ وبأیمانهم یقولون ربّنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك علی كل شیء قدیر﴾ «إلهـي أنـت الذی فـتحت لعبادك باباً إلی عفوك سمّیته التوبة، فقلت: توبوا إلی اللّه‌ توبة نـصوحاً فما عُذرُ من أغفل دخول الباب بعد فتحه...»

أما ما معنی التوبة النصوح؟ فقد فُسِّرت فی الروایات بـتفاسیر ثـلاثة:

1 ـ أن یـتوب‌ العبد‌ من الذنب، ثم لا یعود إلیه. وبذلك نطقت صحیحة أبي بـصیر قـال: «قلت لابي عبد اللّه(علیه السلام): ﴿یا أیها الذین آمنوا توبوا إلی اللّه توبةً نصوحا...﴾‌ قال‌: هو الذنب الذي لا یـعود فـیه أبـداً، قلت وأیّنا لم یعد؟ فقال: یا أبا محمد إن اللّه یحب من عباده المفتن التـوّاب».

2 ـ أن یكون باطن التائب كظاهره وأفضل كما دلت علی ذلك روایة عبد اللّه بن سنان عن الصادق(علیه السـلام) قـال: ﴿التـوبة النصوح أن یكون باطن الرجل‌ كظاهره‌ وأفضل» ونحوها غیرها.

3 ـ أن‌ یبدأ التوبة بصوم یوم الاربـعاء والخـمیس والجمعة كما فی روایة أبی بصیر عن الصادق(علیه السلام) في قوله تعالی: ﴿... تـوبوا‌ إلی‌ اللّه‌ توبة نصوحا﴾ قال: «... هو صوم یوم‌ الاربعاء‌ والخمیس والجمعة»

وإذا استثنینا المعنی الثالث لوضوح كـونه تـفسیراً بالمقدمة، فكأن المعنی: أن صوم تلك‌ الایام‌ الثلاثة‌ توفِّق الانسان للتوبة النصوح، إذن یبقی المـعنیان الاولان. ولا یـبعد رجـوعهما إلی معنیً واحد.

فتفسیرها بعدم العود یعنی: أن التوبة النصوح هي التي‌ تخلُق‌ فی‌ النفس تغیّراً وانـقلاباً وتـطهیراً یمنع صاحبها من أن یرجع إلی ذلك‌ الذنب‌ أبداً. وهذا هو الذی یكون باطنه كـظاهره وأفـضل.

وإن شـئت فقل: إن‌ النصوح‌ صفة‌ مشبّهة، أو مبالغة فی الناصح الذي هو عبارة عن الشيء الكامل‌ والصاحي‌ والمـحكم‌ ومـا إلی ذلك مـن التعبیرات، فمن علائم نصح التوبة عدم الرجوع إلی‌ الذنب‌، ومن علائمه كـون البـاطن كالظاهر وأفضل، ومن مقدماته صوم الایام الثلاثة.

وأما‌ الكلام علی الاثار الاُخرویة للتوبة النصوح فكأنه یـستفاد مـن الایة الكریمة.

إن‌ التوبة‌ النصوح زائداً علی ما یترتب علیها من المغفرة ودخـول الجـنة لها مزیتان اُخریتان هامّتان‌:

الاُولی ـ أنها توجب سـتر العـیب فـي یوم القیامة ﴿تُبلی السرائر * فما‌ له‌ مـن قـوة ولا ناصر﴾؛ وذلك قوله تعالی: ﴿... توبوا إلی اللّه توبة نصوحاً‌ عسی‌ ربكم أن یكفّر عنكم سیئاتكم ویدخلكم جـنّات تـجری من تحتها الانهار یوم‌ لا‌ یـخزی‌ اللّه النـبي والذین آمـنوا مـعه...﴾ ومـن الواضح أن فضح الذنب في عرصات یـوم القـیامة‌ من‌ أشد‌ أنحاء الاخزاء، أعاذنا اللّه منه.

وقد ورد التصریح بذلك‌ أعنی‌ ستر عـیب التـائب توبة نصوحاً في حدیث صحیح السـند عن معاویة بن وهـب قـال: "سمعت‌ أبا‌ عبد اللّه(علیه السـلام) یـقول: «إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبّه اللّه‌، فستر علیه فی الدنیا والاخرة. قلت‌ وكـیف‌ یـستر‌ علیه؟ قال: ینسی ملكیه مـا‌ كـتبا‌ عـلیه من الذنوب، ویـوحی إلی جـوارحه اكتمي علیه ذنوبه، ویـوحی إلی‌ بقاع‌ الارض اكتمي ما كان یعمل‌ علیك‌ من الذنوب‌، فیلقی‌ اللّه حین یلقاه ولیس شيء یـشهد‌ عـلیه‌ بشيء من الذنوب».

والثانیة ـ أنها تـبعث للتـائبین في ظـلمات‌ یـوم‌ القـیامة نواراً بین أیدیهم وبـأیمانهم، وهو المستفاد من ذیل‌ الایة‌ المباركة حیث قال: ﴿نورهم‌ یسعی‌ بین أیدیهم وبأیمانهم یقولون ربـّنا أتـمم لنا نورنا واغفر لنا إنك عـلی كـل‌ شـیء‌ قـدیر﴾.

وهـذا التعبیر‌ قد‌ ورد‌ ـ أیـضاً ـ فـی‌ القرآن فی صفة المؤمنین‌ والمؤمنات‌ فی قوله تعالی: ﴿یوم تری المؤمنین والمؤمنات یسعی نورهم بین أیـدیهم وبـأیمانهم‌ بـشراكم‌ الیوم جنّات تجری من تحتها الانهار‌ خـالدین‌ فـیها ذلك هـو‌ الفـوز‌ العـظیم * یوم یقول‌ المنافقون والمنافقات للذین آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قیل ارجعوا ورائكم فالتمسوا نورا﴾ ویبدو لي من ذیل هذه الایة‌ الاخیرة‌: أن‌ المنافقین‌ یتخیّلون أن نور‌ المؤمنین‌ یـشبه نور سراج الدنیا الذی یمكن لغیر صاحب النور أن یستفید منه لو جعله صاحب النور‌ أمام‌ من‌ یرید الاستفادة؛ ولذلك یقولون: انظرونا‌ كی‌ یصبح‌ النور‌ الذي‌ فی‌ مقابلكم في مقابلتنا أیضاً، فنستفید منه، ولكـنهم لا یـعلمون أن هذا النور لیس كنور المصباح الدنیوي، بل لو صحّ تشبیهه بالانوار الدنیویة فالانسب أن‌ یشبّه بنور البصر الذي لا یقبل الاكتساب، بل هو نور ذاتي للبصر یستفید منه صاحب النور فحسب، ولا یـكون إلاّ فـي عین صحیحة، فمن كان من حین‌ ولادته‌ وفي رحم أُمّه مثلاً أعمی لا یصح له أن یقول للمبصر: انظرني أقتبس من نورك، ولو قال له ذلك لاجابه المبصر بـأن هـذا النور إنما جئتُ به‌ مـن‌ رحـم أُمي، فارجع إلی وراءك في رحم أُمك وائت بالنور، فكذلك یقال للمنافقین والمنافقات فی یوم القیامة: إن المؤمنین قد‌ أتوا‌ بهذا النور من الدنیا فارجعوا‌ وراءكم‌ إلی الدنیا، والتـمسوا لكـم منها نوراً.

وفي خـتام الحـدیث عن التوبة النصوح تجب الاشارة إلی أن التائب لو خانته نفسه، ولم‌ یستطع علی جعل توبته‌ نصوحاً‌ بمعنی عدم العود، وتكرّر منه ذلك، فلیس المفروض به أن ییأس من فائدة التوبة، فقد مضی فی ذیـل صـحیحة أبي بصیر قوله(علیه السلام) «... إن اللّه یحب من‌ عباده‌ المفتّن التواب». والانسان یكون في كثیر من الاحیان قبل تزكیة نفسه بالریاضات النفسیة مبتلیً بحالة الوقوع فی كسر التوبة والرجوع إلیها مراراً وتـكراراً، فـحاله كحالة الطـفل الذي یعطی‌ لوالدیه‌ التعهد بترك‌ الجهالات ثم یكسر ذلك ویكرر المخالفة والتوبة، وهذا لا یوجب طرده من قبل والدیه.

وبـهذه المناسبة لا بأس بذكر القصّة التالیة التي فیها عظة‌ وعبرة‌:

روی أن شیخاً كـان یـمشی فـي احد الطرق، فرأی طفلاً جالساً یبكي، فسأله مِمّ ‌‌بكاؤك‌؟ فقال: أن أُمي أخرجتني من البیت، وكلما أستجیر بـالبیوت‌ ‌الاُخـری‌ لا‌ یُفتح‌ لي الباب. فجلس الشیخ عند الطفل، وأخذ یوافق الطفل في البكاء، وقال‌: لو أن طـفلاً نـهرته أمـه وطردته من البیت لا یفتح له باب‌ آخر فمن ینهره اللّه ـ تعالی عن بابه إلی أین یذهب، وكـیف ینفتح علیه باب آخر؟! ثم قام الشیخ لكي یذهب فی طریقه، فتعلّق بـه الطفل، وطلب منه أن یـشفّعه لدی‌ أمّه، فوافق الشیخ علی ذلك، وأخذ بید الطفل إلی بیت أمّه، وشفّعه عندها، فبكت الام، وقالت: یا شیخ نعم الشفیع أنت، ولكن قد شفّعه‌ـ أیضاً ـ قبلك قانون «أولادنا أكبادنا»، ولكنه یا شیخ إني كـلّما أمنعه عن اللعب لا ینزجر، فاعلم أیها الشیخ: لو خرج مرة أُخری من دون إذني من‌ البیت‌ لیلعب قطعت عنه علاقة الاُمومة والبنوّة، فوافق الشیخ علی ذلك، فطلبت منه أن یكتب رسالة بهذا المعنی، كی لا یـلعب بـعد هذا مع الاطفال، وإلاّ‌ فما‌ هو ابني ولا أنا أُمّه، فكتب الشیخ بذلك رسالة، وأعطاها إیاها، فأخذت بید الطفل، وأدخلته البیت، فما مضت إلاّ سویعة وإذا رأی الشیخ أن‌ الطفل‌ قد‌ خرج من البیت، وانـشغل‌ بـاللعب‌ مع‌ الاطفال، فغضبت الام، وسدّت علیه الباب إلی أن انتهوا من اللعب، وذهب كل واحد منهم إلی بیته، وبقي‌ وحده‌، فجاء إلی البیت، ولكن كلما دق‌ الباب‌ لم تفتح علیه الباب، فالتجأ إلی بیوت الجیران واحـداً واحـداً، ولكنهم لم یفتحوا له أبوابهم، فاحتار‌ في‌ امره‌، ورجع مرة أُخری إلی بیت أمّه، وكلما دقّ‌ الباب لم یُفتح له: فقال: یا أمّ إن لم ینفتح عليّ باب الجیران كان لي وجه‌ للرجوع‌ إلی‌ هذا الباب، ولكـن لو لم یـنفتح عـليّ ذا الباب‌ لیس‌ لي وجه للرجوع إلی بـاب آخـر، وأخـذ یبكی ویئنّ، وجعل وجهه علی التراب إلی‌ أن‌ أخذه‌ النوم وأمّه تراقب حاله من علی السطح، فحینما رأت الطفل قد‌ نام‌ بـكمال‌ الذل والانـكسار فـي التراب رمت بنفسها، ورفعت رأس طفلها من علی تـراب الذلّ‌، وأخـذت‌ تمسح الغبار عن وجهه وهو نائم، ولما استیقظ الطفل، ونظر إلی وجه‌ أُمّه‌ قال: یا أم لو تقطعی عنّي الماء والخبر فـهو مـقبول، ولو‌ تـفركي‌ أُذني‌ فأنا مستحق لذلك، ولو تركتیني في البكاء والحنین أتحمّل ذلك، ولكن الذی‌ أطلبه‌ منك أن لا ترسلیني من باب بیتك إلی أبواب الاخرین، فلمّا رأی الشیخ‌ هذه‌ القصة‌ شق قمیصه، وقال: اتّضح لي من هـذه القـصة أمـران:

1 ـ إن‌ العبد لیس له باب وطریق غیر باب اللّه عزّوجل

2 ـ إن‌ علاقة المـحبة لا تـنفصم بأي شیء .

أقول: یا تری أن الام تفرح‌ برجوع‌ ولدها‌ وتوبته، وتتجاوز عن سیئته، ولكن اللّه ـ تعالی ـ الذي‌ ألهـم‌ الام هـذه الرحمة وهو أرحم الراحمین لا یقبل توبة العبد، ولا یفرح برجوع عبده المؤمن‌؟! وإن عـطفه تـعالی ورحـمته علی العباد ثابتان حتی في یوم المعاد‌ في‌ حین أن عطف الام وحنانها لا یبقی‌ لهما‌ أثـر‌ فـی ذلك الیـوم: ﴿یوم ترونها تذهل‌ كلّ‌ مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وتری الناس سـكاری ومـاهم بسكاری‌ ولكن‌ عذاب اللّه شدید﴾

﴿یوم‌ یفر المرء‌ من‌ أخیه‌ * وأُمه وأبیه * وصاحبته وبـنیه‌ * لكـل امـرء منهم یومئذ شأن یغنیه﴾

﴿یوم تكون السماء كالمهل‌ * وتكون الجبال كالعهن * ولا یسأل‌ حمیم حـمیما * یـُبصَّرونهم‌ یودّ‌ المجرم لو یفتدی من عذاب‌ یومئذ‌ ببنیه * وصاحبته وأخیه * وفصیلته التی تؤویه * ومـن فـی الارض جـمیعاً‌ ثم‌ ینجیه * كلاّ إنها لظی‌ * نزّاعة‌ للشوی﴾ ﴿یوم‌ لا ینفع مال ولا‌ بنین‌ * إلاّ من أتی اللّه بقلب سـلیم﴾

وفـي ختام حدیثنا عن التوبة‌ أقول‌: إن الایة الشریفة ﴿قل یا‌ عبادی‌ الذین أسـرفوا‌ عـلی‌ أنـفسهم‌ لا تقنطوا من رحمة‌ اللّه إن اللّه یغفر الذنوب جمیعاً إنه هو الغفور الرحیم * وأنیبوا إلی ربكم...﴾. قد ذُكرت لهـا شـؤون نـزول، ویُحتمل‌ أنها‌ كانت‌ جمیعاً‌ من قبیل التطبیق‌ علی‌ المورد لا من قبیل شـأن النـزول، ولكنها علی أی حال تعتبر جمیعاً قصصاً لاشخاص صدرت‌ عنهم‌ الذنوب‌ الكبار العظام مما یؤدی إلی سعة الامـل‌ للمـذنبین‌ بهذه‌ الایة‌ المباركة‌، ولذا نشیر هنا إلی بعض تلك الموارد:

أحدهما ـ قیل: إنها نـزلت بـشأن وحشي، وقد ورد في تفسیر الأمثل: أن سورة الزمـر‌ مـن السـور المكیة، ووقتئذ لم یكن قد وقعت قصة وحـشي ولا وقـعة أُحد، فلا یمكن أن تكون قصة وحشي بشأن نزول الایة المباركة، فلعل هذا كـان تـطبیقاً‌ لهذه‌ الایة علی ذاك المورد.

وعـلی أیـة حال، فـوحشي هـو ذاك المـجرم المعروف قاتل حمزة عم النبي(صلی الله عـلیه وآله) في وقعة أُحد.

وقد رُوي‌ في‌ تفسیر القمي أن هند بنت عتبة «... كـانت فـي یوم أُحد في وسط العسكر، فـكلّما انهزم رجل من قـریش رفـعت له میلاً‌ ومكحلة‌، وقالت: إنما أنـت‌ امـرأة‌، فاكتحل بهذا، وكان حمزة بن عبد المطلب یحمل علی القوم، فإذا رأوه انهزموا، ولم یـثبت له أحـد، وكانت هند‌ بنت‌ عتبة قـد أعـطت وحـشیاً‌ عهداً‌: لئن قتلت مـحمداً أو عـلیّاً أو حمزة لاعطیتك رضاك، وكـان وحـشی عبداً لجبیر بن مطعم حبشیّاً، فقال وحشی: أما محمد فلا أقدر علیه، وأما عـليّ‌ فـرأیته‌ رجلاً حذراً كثیر الالتفات فلم أطـمع فـیه، فكمنت لحـمزة، فـرأیته یـهدّ الناس هدّاً، فمرّ بـي، فوطأ علی جرف نهر فسقط، فأخذت حربتي فهززتها ورمیته، فوقعت‌ في خاصرته‌، وخرجت من مثانته، مـغمسة بـالدم، فسقط، فأتیته، فشققت بطنه، فأخذت كـبده‌، وأتـیت بـها إلی هـند، فـقلت لها: هذه كـبد‌ حـمزة‌، فأخذتها في فیها فلاكتها، فجعلها اللّه في فیها مثل الداغصة، ولفظتها ورمت بها، فبعث ‌‌اللّه‌ ملكاً فـحملها وردّهـا إلی مـوضعها»

وقد ورد في سفینة البحار‌: «حكی‌ أن مسیلمة الكـذاب اشـترك فـي قـتله وحـشي وأبـو دجانة، فكان وحشی یقول: قتلت‌ خیر الناس وشرّ الناس حمزة ومسیلمة... ومنه الحدیث: «حمزة وقاتله في‌ الجنّة»

وذُكر‌ فی‌ تفسیر الأمثل نقلاً عن بعض المفسرین:

لما كـثرت انتصارات الاسلام أراد وحشي أن یسلم، لكنّه كان یخشی عدم قبول اسلامه، فنزلت الایة، فأسلم، وقال له‌ رسول اللّه(صلی الله علیه وآله): كیف قتلت عمّي حمزة؟ فذكر وحشي قصة قتله لحمزة(رحمه الله)، فـبكی رسـول اللّه(صلی الله علیه وآله) بكاءً شدیداً، وقَبِل توبته، ولكنه‌ قال‌ له: غیّب وجهك عنّي، فانّي لا استطیع النظر إلیك. فلحق بالشام، فمات في أرض تُسمی بالخمر.

وورد في تفسیر الفخر الرازي: لما أسلم‌ وحشي‌ بـناءً عـلی هذه الایة قیل لرسول اللّه(صلی الله علیه وآله): «هذه له خاصة أم للمسلمین عامة؟ فقال: بل للمسلمین عامة»

وثانیهما ـ ما رواه‌ فی‌ تفسیر الأمثل باختصار عـن تـفسیر أبي الفتوح الرازي ج 9 ص 421 من أن شاباً جـاء إلی رسـول اللّه(صلی الله علیه وآله) باكیاً مع شدة التأثر، وكان یقول‌: إنّي‌ أخشی من غضب اللّه، قال‌ له‌ الرسول(صلی الله علیه وآله): هل أشركت؟ قال: لا، قال(صلی الله علیه وآلهـ): هـل قتلت أحداً بغیر‌ حـق‌؟ قـال: لا، قال(صلی الله علیه وآله)‌: یغفر اللّه لك ذنوبك مهما كثرت، قال: إن ذنبي أعظم من السماء والارض والعرش والكرسيّ، فقال‌ له‌ رسول‌ اللّه(صلی الله علیه وآله): هل أن ذنبك أعظم من‌ اللّه؟! قال: لا، اللّه اكبر من كل شيء، قـال له: تـب فإن‌ الاله‌ العظیم یغفر الذنب العظیم.

ثم قال له: اذكر‌ لی‌ ذنبك، قال: استحي منك من ذكره، قال(صلی الله علیه وآله): اذكره لنا‌ كي نعرف‌ ماهو هذا الذنب، قال: كنت أنبش القـبور سـبع سنین، وأسـرق‌ أكفان‌ الموتی إلی أن أنتهیت إلی قبر أنصاریة، وبعد أن أخذت كفنها وسوستني نفسي‌، وهنا‌ یشرح فعلته الشنیعة معها، فغضب رسـول اللّه(صلی الله علیه وآله) وقال: أخرجوا‌ هذا‌ الفاسق عنّي، وقال له: ما أقـربك مـن النـار، فخرج وكان‌ یبكی‌ بكاءً‌ عظیماً، وذهب إلی الصحراء، وكان یقول: یا إله محمد(صلی الله علیه‌ وآله)‌ إن قبلت توبتي أخبر رسـولك ‌بـذلك، وإلاّ فأرسل صاعقة من السماء وأحرقني‌ بها‌، وأنجنی بذلك من عذاب الاخرة، فنزلت الایـة: ﴿قـل یـا عبادي الذین أسرفوا علی‌ أنفسهم‌ لا تقنطوا من رحمة اللّه﴾.

وقد ذكر الشیخ المجلسی(رحمه‌ الله)‌ هذه‌ القـصة بكل تفصیل فی البحار، إلاّ أن الایة التي فرض نزولها في تلك القصة‌ لیست‌ الایـة‌ الماضیة، بل آیة أخـری، وهـی قوله تعالی: ﴿والذین إذا‌ فعلوا‌ فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم ومن یغفر الذنوب إلاّ اللّه ولم یصرّوا علی‌ ما‌ فعلوا وهم یعملون * اولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنّات تجری من‌ تحتها‌ الانهار خالدین فیها ونـعم أجر العاملین﴾

وثالثهما‌ ـ ما رواه الفخر الرازي فی تفسیره‌ بعنوان‌ أحد الاُمور التی ذكرت في سبب نزول الایة، وهو أنه قیل: «إنها‌ نزلت في اهل مكة، فإنهم‌ قالوا: یزعم‌ محمد‌ أن من عبد الاوثـان، وقـتل‌ النفس‌ لم یغفر له، وقد عبدنا وقتلنا، فكیف نسلم؟!» فنزلت‌ هذه‌ الایة معلنةً عن قبول توبتهم.

وممّا یناسب ذكره‌ فی‌ المقام قصة أبی لبابة التی‌ رواها‌ المجلسي في البحار عن تفسیر عـلي بـن ابراهیم في ذیل الایة: ﴿وآخرون‌ اعترفوا‌ بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر‌ سیئاً‌ عسی‌ اللّه أن یتوب‌ علیهم‌ إن اللّه غفور‌ رحیم﴾‌، قال: "نزلت فی أبی لبابة بن عبد المنذر، وكان رسول اللّه(صلی‌ الله عـلیه وآله) لما حاصر بنی قریظة‌ قالوا‌ له: ابعث‌ إلینا‌ أبا لبابة نستشیره في‌ أمرنا، فقال رسول اللّه(صلی الله علیه وآله): «یا أبا لبابة أئت حلفاءك وموالیك‌، فأتاهم، فقالوا له: یا‌ أبا‌ لبابة‌ مـا‌ تـری‌؟ أنـنزل علی‌ حكم‌ رسول اللّه؟ فقال: انـزلوا، واعـلموا أن حـكمه فیكم هو الذبح وأشار إلی حلقه‌، ثم‌ ندم علی ذلك، فقال: خنت‌ اللّه‌ ورسوله‌، ونزل‌ من‌ حصنهم، ولم یرجع إلی رسول اللّه(صلی الله علیه وآله)، ومـرّ إلی المـسجد، وشـدّ فی عنقه حبلاً، ثم شدّه إلی الاُسطوانة التی كـانت تـسمّی‌ اُسطوانة التوبة، فقال: لا أحلّه حتی أموت، أو یتوب اللّه علیّ، فبلغ رسول اللّه(صلی الله علیه وآله) ذلك، فقال: أما لو أتانا لاستغفرنا اللّه له فـأما‌ إذا‌ قـصد إلی ربـّه فاللّه أولی به. وكان أبو لبابة یصوم النهار، ویأكل باللیل مـا یمسك رمقه، وكانت بنته تأتیه بعشائه، وتحلّه عند قضاء الحاجة، فلما‌ كان بعد ذلك ورسول اللّه(صلی الله علیه وآله)في بـیت أمّ سـلمة نزلت توبته، فقال: یا أمّ سلمة قد تاب اللّه علی‌ أبي‌ لبـابة، فـقالت: یا‌ رسول‌ اللّه أفأُؤذنه بذلك؟ فقال: لتفعلّن، فأخرجت رأسها من الحجرة، فقالت: یا أبا لبابة أبشر قـد تـاب اللّه عـلیك، فقال‌: الحمد للّه، فوثب‌ المسلمون یحلّونه، فقال: لا واللّه حتی یحلّني رسول اللّه(صلی الله علیه وآله) بـیده، فـجاء رسول اللّه(صلی الله علیه وآله) فقال: یا أبا لبابة قد تاب اللّه‌ علیك‌ توبة لو ولدت مـن أُمـّك یـومك هذا لكفاك، فقال: یا رسول اللّه أفأتصدّق بمالي كلّه؟ قال: لا، قال: فبثلثیه؟ قال: لا، قال‌: فـبنصفه‌؟ قـال: لا، قال: فبثلثه؟ قال: نعم، فأنزل اللّه ﴿وآخرون اعترفوا‌ بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سـیئاً عـسی اللّه أن یـتوب علیهم‌ إن‌ اللّه‌ غفور رحیم * خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكیهم بها وصلّ عـلیهم إن صـلاتك سكن لهم واللّه ‌‌سمیع‌ علیم * ألم یعلموا أن اللّه هو یقبل التوبة عن عباده ویأخذ الصدقات‌ وأن اللّه هـو التواب الرحیم﴾

فلئن كانت هذه الذنوب العظام قد حطّتها التوبة ونحن نرجو‌ أن لا تكون لنا ذنـوب مـن هذا المستوی، فكلّنا رجاءٌ أن یغفر‌ اللّه لنا ذنوبنا بتوبتنا‌ واستغفارنا‌ خاصة إذا استغفرنا ربّنا فـي الاسـحار، وقـد قال اللّه تعالی في وصف المتقین: ﴿كانوا قلیلاً من اللیل ما یهجعون * وبالاسحار هم یستغفرون﴾، وقـال ـ أیـضاً ـ فـي‌ وصفهم: ﴿الصابرین والصادقین والقانتین والمنفقین والمستغفرین بالاسحار﴾ وأیضاً قال اللّه تعالی في الحوار الذي نـقله بـین یعقوب وأبنائه: ﴿قالوا یاأبانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا كنّا خاطئین * قال سوف استغفر‌ لكم‌ ربّي إنـه هـو الغفور الرحیم﴾

وقد فسّر هذا التأجیل في الاستغفار بالتأجیل إلی السحر.

وفي الكـافي بـسند صحیح عن عمر بن أُذینة قال: «سـمعت أبـا‌ عـبد‌ اللّه(علیه السلام) یقول: إن في اللیل لساعة مـا یـوافقها عبد مسلم ثم یصلّي ویدعو اللّه عزوجل فیها إلاّ استجاب له فی كل لیلة. قلت: أصـلحك اللّه وأی‌ ساعة هي من اللیـل؟ قـال: اذا مضی نـصف اللیـل هـي السدس الاول من أول النصف»

ولا یخفی أن الشیخ الطـوسي(رحمه الله) روی نفس الحدیث بسند‌ صحیح‌ عن‌ عمر بن یزید، عن‌ أبی‌ عبد‌ اللّه (علیه السـلام)، إلاّ أنه جاء التعبیر في مقام تـحدید الوقت هكذا: «... إذا مضی نـصف اللیـل إلی الثلث الباقي»

فلو فسّرنا السـدس فـي التعبیر الذی نقلناه عن‌ الكافي‌ بمعنی: سدس اللیل، لا بمعنی سدس النصف، تطابق التعبیران؛ وذلك لان مـا بـین النصف الاول‌ والثلث‌ الاخیر‌ عبارة عـن السـدس الرابـع.

وذكر الغزالي حـدیثاً عـن‌ رسول اللّه(صلی الله علیه وآله): «أن مـن اللیل ساعة لا یوافیها عبد مسلم یسأل اللّه خیراً إلاّ‌ أعطاه‌ إیّاه». وفی حدیث آخر: یسأل اللّه خـیراً مـن أمر‌ الدنیا‌ والاخرة إلاّ أعطاه إیّاه، وذلك كـل لیـلة ثم قـال الغـزالي: ومـطلوب القائمین تلك‌ الساعة‌ وهـي‌ مبهمة فی جملة اللیل... وعلّق علیه الشیخ الفیض(رحمه الله) بقوله: بل‌ هي‌ معلومة بتعلیم عـلماء اهـل البیت ـ صلوات اللّه وتسلیماته علیهم ـ إیّانا، وهـي‌: السـدس‌ الرابـع مـن اللیـل... ولكنّ العامة عـن بـركة أمثالها لمعزولون.

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/06/30   ||   القرّاء : 3682





 
 

كلمات من نور :

ثلاث يذهبن بالبلغم : قراءة القرآن ، واللبان ، والعسل .

البحث في القسم :


  

جديد القسم :



 تجلّي آيات من القرآن الكريم في سيرة الإمام الحسين (عليه السلام)

 الامام الحسن (عليه السلام) بين جهل الخواص وخذلان العوام

 ظاهرة الحروف المقطعة في فواتح سور القرآن - درس التفسير 1

 التدبر المضموني والبنيوي في الحروف المقطعة - الدرس 2

 ذكر فضائل علي اقتداءٌ برسول الله

 وفد من الكويت في زيارة للدار

 رئيس القساوسة في جورجيا يزور دار السيدة رقية (ع)

 دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم تحقق المركز الأول لجائزة 114 القرآنية العالمية

 الختمة القرآنية المجوّدة للدكتور القارئ رافع العامري

 المصحف المرتل بصوت القارئ الحاج مصطفى آل إبراهيم الطائي

ملفات متنوعة :



 الادراكات الحسية والفسلجية في القرآن الكريم

 أمسية قرآنية إحتفالية بحضور المهتمين بالشأن القرآني في الأحساء

 شهادة الإمام الجواد (عليه السلام) وما قيل فيه *

 خَمسَةُ نَماذِج قُرآنيّة مُتَقابِلَة

 زيارة قرآنيي العتبة الحسينية لدار السيدة رقية (ع)

 دقائق من تفسير أهل البيت (عليهم السلام) للقرآن الكريم

 دور أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن (القسم الثاني)

 التنافس الشريف؛ أن يكون متماشياً مع روح القرآن الكريم

 آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري رحمه الله

 النمو الأخلاقي لمرحلة الصبا والفتوة بين علم النفس والإسلام

إحصاءات النصوص :

  • الأقسام الرئيسية : 13

  • الأقسام الفرعية : 71

  • عدد المواضيع : 2213

  • التصفحات : 15963343

  • التاريخ :

المكتبة :

. :  الجديد  : .
 الميزان في تفسير القرآن (الجزء العشرون)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء التاسع عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الثامن عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء السابع عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء السادس عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الخامس عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الرابع عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الثالث عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الثاني عشر)

 الميزان في تفسير القرآن (الجزء الحادي عشر)



. :  كتب متنوعة  : .
 الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء التاسع)

 التدبّر الموضوعّي في القرآن

 تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة ـ ج 2

 تفسير النور - الجزء العاشر

 اتحاف البرية بضبط متني التحفة والجزرية

 الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء الأول)

 رسالة التدبر الترتيبي في القرآن - أسس ومبادئ ومنهج

 تفسير النور - الجزء الرابع

 رواية حفص بين يديك

 خلاصة التجويد

الأسئلة والأجوبة :

. :  الجديد  : .
 إمكان صدور أكثر من سبب نزول للآية الواحدة

 تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل المؤنّث

 حول امتناع إبليس من السجود

 الشفاعة في البرزخ

 في أمر المترفين بالفسق وإهلاكهم

 التشبيه في قوله تعالى: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}

 هل الغضب وغيره من الانفعالات ممّا يقدح بالعصمة؟

 كيف يعطي الله تعالى فرعون وملأه زينة وأموالاً ليضلّوا عن سبيله؟

 كيف لا يقبل الباري عزّ وجلّ شيئاً حتى العدل {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ}؟

 حول المراد من التخفيف عن المقاتلين بسبب ضعفهم



. :  أسئلة وأجوبة متنوعة  : .
 على رأي أبي بن كعب ما هي الآيات التي حذفت من سورة الأحزاب؟

 سؤال: كيف يمكن لنا ان نرى الحقائق كما هي؟

 كيف لنا أن نوفق بين ما يذكر في القرآن ومجريات هذا العصر وتغيرات الزمن؟

 هل يجوز الالتذاذ بالاستماع إلى مقرئ للقرآن وهو يرجّع بصوته أثناء القراءة ؟

 هل معنى الاشاءتين في الآيتين واحد؟

 المقصود من قوله تعالى: {آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ}

 الفرق بين الانصات والاستماع للقرآن الكريم

 توجد عند شخص كتب ضلال ضد الاسلام ، أو ضد مذهب الحق ، وأراد شخص أن يحرقها لاشتمالها على الضلال والتحريف .. هل يجوز ذلك مع فرض أنها لا تخلو من لفظ الجلالة أحيانا ، بل لعلها لا تخلو من بعض الايات القرآنية ؟

 رواة كيفية قراءة القرآن الكريم

 هل يجوز للمتيمم بدلا عن الغسل مس كتابة القرآن الكريم وترتفع بتيممه الكراهة عند القراءة؟

الصوتيات :

. :  الجديد  : .
 الصفحة 604

 الصفحة 603

 الصفحة 602

 الصفحة 601

 الصفحة 600

 الصفحة 599

 الصفحة 598

 الصفحة 597

 الصفحة 596

 الصفحة 595



. :  الأكثر إستماع  : .
 مقام البيات ( تلاوة ) ـ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد (24843)

 مقام صبا ( تلاوة ) ـ حسان (12927)

 مقام البيات ( تواشيح ) ـ فرقة القدر (9823)

 مقام صبا ( تواشيح ) ـ ربي خلق طه من نور ـ طه الفشندي (9305)

 الدرس الأول (8312)

 الشیخ الزناتی-حجاز ونهاوند (8062)

 آل عمران من 189 إلى 195 + الكوثر (7569)

 الدرس الأوّل (7554)

 سورة الحجرات وق والانشراح والتوحيد (7510)

 درس رقم 1 (7405)



. :  الأكثر تحميلا  : .
 مقام البيات ( تلاوة ) ـ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد (6693)

 مقام صبا ( تواشيح ) ـ ربي خلق طه من نور ـ طه الفشندي (4934)

 مقام النهاوند ( تلاوة ) محمد عمران ـ الاحزاب (4158)

 مقام صبا ( تلاوة ) ـ حسان (3928)

 سورة البقرة والطارق والانشراح (3654)

 مقام البيات ( تواشيح ) ـ فرقة القدر (3479)

 الدرس الأول (3289)

 تطبيق على سورة الواقعة (3170)

 الرحمن + الواقعة + الدهر الطور عراقي (3153)

 الدرس الأوّل (3087)



. :  ملفات متنوعة  : .
 الصفحة 200

 الاسراء 45 - 63

 الصفحة 35

 ياطيبة

 الجزء الثالث والعشرون

 الصفحة 154

 سورة غافر

 سورة الانعام

 الصفحة 272

 يوسف

الفيديو :

. :  الجديد  : .
 الأستاذ السيد نزار الهاشمي - سورة فاطر

 الأستاذ السيد محمدرضا المحمدي - سورة آل عمران

 محمد علي فروغي - سورة القمر و الرحمن و الكوثر

 محمد علي فروغي - سورة الفرقان

 محمد علي فروغي - سورة الأنعام

 أحمد الطائي _ سورة الفاتحة

 أستاذ منتظر الأسدي - سورة الإنسان

 أستاذ منتظر الأسدي - سورة البروج

 أستاذ حيدر الكعبي - سورة النازعات

 اعلان لدار السیدة رقیة (ع) للقرآن الکریم



. :  الأكثر مشاهدة  : .
 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الاول (9095)

 القارئ أحمد الدباغ - سورة الدخان 51 _ 59 + سورة النصر (8476)

 سورة الطارق - السيد محمد رضا المحمدي (7526)

 سورة الدهر ـ الاستاذ عامر الكاظمي (7216)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثالث (7066)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثاني (6947)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الحادي عشر (6779)

 سورة الانعام 159الى الأخيرـ الاستاذ ميثم التمار (6775)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الخامس (6769)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الرابع (6544)



. :  الأكثر تحميلا  : .
 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الاول (3175)

 القارئ أحمد الدباغ - سورة الدخان 51 _ 59 + سورة النصر (2830)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثاني (2640)

 سورة الطارق - السيد محمد رضا المحمدي (2492)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الرابع (2400)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس السابع (2368)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الثالث (2346)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الحادي عشر (2340)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الخامس (2332)

 سورة الدهر ـ الاستاذ عامر الكاظمي (2314)



. :  ملفات متنوعة  : .
 الأستاذ السيد نزار الهاشمي - سورة فاطر

 تواشيح الاستاذ أبي حيدر الدهدشتي_ مدينة القاسم(ع)

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس العاشر

 محمد علي فروغي - سورة القمر و الرحمن و الكوثر

 الفلم الوثائقي حول الدار أصدار قناة المعارف 1

 محمد علي فروغي - سورة الفرقان

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس التاسع

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس الرابع

 دورة التجويد المبسط لسنة 1429 ـ الدرس السادس

 سورة الرعد 15-22 - الاستاذ رافع العامري

















 

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net