أبو الفضل العباس حامل لواء الحسين (ع) في کربلاء (*)
قال الله تعالى: {وَمَن يطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَاُوْلَـئِکَ مَعَ الَّذِينَ اَنْعَمَ اللهُ عَلَيهِم مِّنَ النَّبِيينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ اُولَـئِکَ رَفِيقاً} 1.
وقال عزّ وجلّ: {وَاَشْرَقَتِ الاَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْکِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِي بَينَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يظْلَمُونَ} 2.
وقال سبحانه {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ اُوْلَئِکَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ اَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآياتِنَا اُوْلَئِکَ اَصْحَابُ الْجَحِيمِ} 3.
الآيات الکريمة يتضح فيها الارتباط بين النبيين والشهداء والصديقين والصالحين , وحسن اولئک رفيقاً. ولکن الشهداء والصديقون في درجات متفاوته. ولکن جميعهم يسلمون على ابا الفضل (سلام الله عليه).
السلام عليک ايها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله ولأمير المومنين والحسن والحسين... اشهد انک مضيت على ما مضى عليه البدريون والمجاهدون في سبيل الله، المناصحون في جهاد اعدائه، المبالغون في نصرة اوليائه، الذّابّون عن احبّائه..
هذه مقدمة لزيارته (ع) المنقولة عن الامام الصادق (عليه السلام). 4.
فقد قال الامام الصادق (عليه السلام): کان عمُّنا العباس بن علي نافذ البصيرة، صلب الايمان، جاهد مع ابي عبد الله (عليه السلام)، وابلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً 5.
وقال الامام زين العابدين (عليه السلام): رحم الله العباس، فلقد آثر وابلى، وفدى اخاه بنفسه حتّى قطعت يداه، فابدله الله عزّ وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائکة في الجنّة کما جعل لجعفر بن ابي طالب، وانّ للعباس عند الله تبارک وتعالى منزله يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة 6.
وجاء اسمه في زيارة الناحية المقدسة على لسان الامام بقيه الله (عليه السلام)، وسلّم عليه کالآتي: "السلام على ابي الفضل العباس بن امير المومنين، المواسي اخاه بنفسه، الآخذ لغده من امسه، الفادي له الواقي، الساعي اليه بمائه، المقطوعه يداه..7.
وقد قيل عن العبد الصالح ساقي عطاشا کربلاء :
- ما هي اعظم فضائل العباس؟
ان اعظم فضائله انه "ابو الفضل کله"
کان راسه شامخاً لا ينحني إلا لله..
وکانت مشکلتهم معه انه لا ينحني إلا لله..
ولذلک ضربوا بعمود من الحديد على راسه، لعله ينحني لهم..
فسقط على الارض وراسه مهشم بالعمود.. ولکنه ظل لا ينحني الا لله ! کان العباس شوکة في عيون الاعداء، ولما فشلوا في نزعه من عيونهم، زرعوا الشوک في عينه!
کان وحده کتيبة باکملها.
وکان سيفه وحده جيشاً بأجمعه.
لا ادري ايهما کان اشد عصره يوم عاشوراء:
العباس الذي لم يستطع ايصال الماء الى المخيم؟
ام الماء الذي لم يستطع ان يبقى في قربه العباس؟
روي انّ الامام امير المومنين (عليه السلام) قال لأخيه عقيل (وکان نسّابة عالماً باخبار العرب وانسابهم): اختر لي امراة ولدتها الفحولة من العرب لأتزوّجها فتلد لي غلاماً فارساً.
فقال له عقيل: اين انت عن فاطمة بنت حزام الکلابية العامرية.
فتزوّجها امير المومنين واوّل ما ولدت العباس! 8.
ولد العباس في الرابع من شعبان 26 هـ. فامه السيدة فاطمة بنت حزام العامرية الکلابية بنت خالد بن ربيعة بن عامر المعروف بالوحيد بن کلاب عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، المعروفة بامِّ البنين (عليها السلام).
وعاش العباس مع ابيه اربع عشرة سنة، حضر بعض الحروب فلم يأذن له ابوه بالنزال، ومع اخيه الحسن اربعاً وعشرين سنة، ومع اخيه الحسين (عليه السلام) اربعاً وثلاثين سنة، وذلک مدة عمره.
تزوّج العبّاس من لبابة بنت عبيد الله بن العبّاس (ابن عمّ ابيه)، ولد منها ولدان اسمهما عبيد الله، والفضل. وذکر البعض انه له ابنين آخرين اسماهما محمد والقاسم.
قبل يده ائمة ثلاثة وهم:
أ. الامام امير المؤمنين (ع) حين ولادته وبکى.
ب. الامام الحسين (ع) وهو مقطع من جسده الى جنب الشريعة.
ج. الامام زين العابدين (ع) حينما اراد ان يدفنه في اليوم ال13 من محرم.
يکنى بأبي الفضل ويلقب بالسقاء وهو صاحب لواء اخيه الحسين (ع) في کربلاء.
ومن القابه : کبش الکتيبه؛ وهو لقب اختص به دون سائر شهداء کربلاء.
وقال الشعراء :
عباس کبش کتيبتي وکنايتي ** وسري قومي بل اعز حصوني
حامي الظعينه:
قال السيد جعفر الحلي:
حامي الظعينة اين منه ربيعة ** ام اين من عليا ابيه مکرم
. ساقي العطاشى :
اذا کان ساقي الحوض في الحشر حيدر ** فسقا عطاشى کربلاء ابو الفضل
باب الحوائج، سَبع القنطره، کافل زينب، بطل الشريعة. وبطل العلقمي. والعميد . وقمر بني هاشم.
وکان العباس رجلاً وسيماً جسيماً، يرکب الفرس المطهَّم، ورجلاه تخطَّان في الارض..9.
لمَّا اخذ عبد الله بن حزام ابن خاال العباس (عليه السلام) اماناً من ابن زياد للعباس واخوته من اُمِّه، قال العباس واخوته : لا حاجه لنا في الامان، امانُ الله خير من امان ابن سمية.
ولمَّا نادى شمر: اين بنو اختنا؟ اين العباس واخوته؟ فلم يجبه احد، فقال الحسين (عليه السلام) : (اجيبوه وان کان فاسقاً، فانَّه بعض اخوالکم) 10.
فاجابه العباس (عليه السلام) : (ماذا تريد)؟ فقال : انتم يا بني اُختي آمنون، فقال له العباس (عليه السلام) : (لعنک الله، ولعن امانک، اتؤمِّننا وابن رسول الله لا امان له)؟! وتکلَّم اخوته بنحو کلامه، ثمَّ رجعوا.
عندها تقدم ابو الفضل نحو الحسين وقد خنقته العبرة، قال: والآن يا ابن رسول الله اما لي من رخصة، قال: اخي اخي عباس انت حامل لوائي فمن لي بعدک
قال : اخي اذا کان لا بد اذهب واطلب لهولاء الاطفال ماء، فحمل على القوم قائلاً:
انا الذي اعرف عند الزمجره بابن علي المسمى حيدره
انا الذي اعرف عند الزمجره بابن علي المسمى حيدره
حتى کشفهم عن الماء، ما ان وصل الى الماء، ملأ القربة ولکن من شدة عطشه غرف غرفة من الماء ليشرب فتذکر عطش الحسين فرمى الماء وقال:
کان العباس عليه السلام مظهراً ورمزاً للايثار والوفاء والتفاني. لما دخل الفرات کان في غاية العطش لکنه لم يشرب الماء بسبب عطش اخيه الحسين، بل وخاطب نفسه بالقول:
يا نفس من بعد الحسـين هوني
وبـعـده لا کنـت ان تکـونـي
هـذا الحسـين وارد المنــون
وتشـربيـن بـارد المـعـيـن
تـالله مـا هـذا فِـعَـالُ ديـني
وأقسم أن لا يذوق الماء(11)،
ثم حمل نحو القوم، فصاح عمر بن سعد: ويلکم حولوا بينه وبين ايصال الماء الى المخيم فلئن وصل الماء الى الحسين لا تمتاز ميمنتکم عن ميسرتکم فحمل عليهم العباس وقتل منهم مقتله عظيمه، الى ان کمن له رجل وراء نخله، فلما مر به ابو الفضل ضربه بسيفه على يمينه فبراها، فالتقت السيف بشماله ولما قطعت يمينه انشد وهو يقول :
والله لـو قطعـتموا يمـينــي
اني احـامـي ابـداً عن ديـني
وعـن امـام صـادق اليقيــن
نجـل النـبي الطـاهر الاميـن
يا نفس لا تخـشي من الکـفـار
وابشـري برحـمـه الجـبّـار
مـع النبي السـيد المختــار
قـد قطـعوا ببغيهـم يسـاري
فاصـلهم يـا ربِّ حـرّ النـار
فبينما هو کذلک واذ بالسهام نزلت عليه مثل المطر، فوقع سهم في نحره، وسهم في صدره واصاب سهم عينه اليمنى فطفاها، وسهم اصاب القربة فأريق ماؤها، فجاؤوا بعمد الحديد، وضربوه على ام راسه فهوى على الارض منادياً: اخي يا حسين أدرکني، فوصل اليه وجلس عنده فوجده مطبوخ الجبين: اخي ابا الفضل، الآن انکسر ظهري الآن شمت بي عدوي وقلت حيلتي، اراد ان يحمله الحسين الى المخيم
قال: اخي دعني اموت في مکاني، اوّلاً نزل بي الموت، وثانياً انا مستح من سکينة لاني وعدتها بالماء وکذلک الاطفال، ثم ان العباس رفع رأسه من حجر الحسين ومرغه بالتراب، فامسک الحسين راس العباس واعاده الى حجره ن فارجع العباس راسه الى الارض ثانية حتى فعلها ثلاث مرات، فقال له: اخي ابا الفضل لماذا کلما رفعت راسک ووضعته في حجري تعيده الى الارض، قال : اخي ابا عبد الله انت الآن تاخذ برأسي ولکن بعد ساعة من ياخذ براسک
عند ذلک صاح: اخي ابا عبد الله، ضع فمک على فمي، فوضع فمه على فمه حتى افاضت روحه الزکية، أي وا سيداه وا عباساه.
فما هي تلک الدرجة الايمانية والمعرفة التي سببت العباس (عليه السلام) في حين قطع يده اليمنى ان يرتجز؟ في تلک المشقة والمواقف العصيبة التي يفقد فيها الفرد امله، نطق العباس (عليه السلام) هذه الجمل: "والله ان قطعتموا يميني، اني احامي ابداً عن ديني، وعن امام صادق اليقين، نجل النبي الطاهر الامين".
ترک استشهاد العباس مرارة والماً في قلب الحسين (ع).
والعباس هو الذي في حين شهادته اتى الامام الحسين (عليه السلام) مصرعه وجعل رأسه على صدره، ونطق بکلام لا يکلمه في موضع سواه، کلام يشهد شهادة أخرى لدرجة العباس وعظمته، ولما سار مصرعه ووقف عند راسه قال قولته الطافحة بالالم والاسى: "الآن انکسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوّي.. 12.
وروى جماعه عن القاسم بن الاصبغ بن نباتة قال : رايت رجلاً من بني ابان بن دارم اسود الوجه وقد کنت اعرفه شديد البياض جميلاً، فسألته عن سبب تغيره وقلت له : ما کدت اعرفک. فقال : اني قتلت رجلاً بکربلا وسيماً جسيماً، بين عينيه اثر السجود، فما بت ليلة منذ قتلته الى الآن الا وقد جاءني في النوم، واخذ بتلابيبي وقادني الى جهنم فيدفعني فيها فأظل اصيح، فلا يبقى احد في الحي الا ويسمع صياحي، قال: فانتشر الخبر، فقالت جارة له: انه ما زلنا نسمع صياحه حتى ما يدعنا ننام شيئاً من الليل، فقمت في شباب الحي الى زوجته فسألناها، فقالت: اما اذا اخبر هو عن نفسه فلا أبعد الله غيره، قد صدقکم. قال: والمقتول هو العباس بن علي (عليهما السلام)13.
وکان العباس آخر من قتل من المحاربين لأعداء الحسين (عليه السلام)، ولم يقتل بعده الا الغلمان الصغار من آل ابي طالب الذين لم يحملوا السلاح. وفيه يقول الکميت بن زيد الاسدي :
وابو الفضل ان ذکرهم الحلو * شفاء النفوس في الاسقام
قتل الادعياء اذ قتلوه * اکرم الشاربين صوب الغمام
ويقول حفيده الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس :
اني لأذکر للعباس موقفه * بکربلاء وهام القوم تختطف
يحمي الحسين ويحميه على ظما * ولا يولي ولا يثني فيختلف
ولا ارى مشهداً يوماً کمشهده * مع الحسين عليه الفضل والشرف
اکرم به مشهداً بانت فضيلته * وما اضاع له افعاله خلف
واقول : امسند ذاک اللوا صدره * وقد قطعت منه يمنى ويسرى
لثنيت جعفر في فعله * غداه استضم اللوا منه صدرا
وابقيت ذکرک في العالمين * يتلونه في المحاريب ذکرا
واوقفت فوقک شمس الهدى * يدير بعينيه يمنى ويسرى
لئن ظل منحنياً فالعدى * بقتلک قد کسروا منه ظهرا
والقوا لواه فلف اللواء * ومن ذا ترى بعد يسطيع نشرا
نأى الشخص منک وابقى ثناک * الى الحشر يدلج فيه ويسرى
زيارة ابي الفضل العباس (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
السَّلامُ عَلَيکَ ايها العَبـدُ الصالِحِ المُطيعُ لله ولرسُولِهِ ولاَميرِ المومِنين والحَسَن والحُسـينِ صَلّـى اللهُ عَلَيهم وسَلَّم، السلامُ عليکَ ورَحَمَهُ اللهِ وَبرکاتُهُ ومَغفرَتُهُ ورضوانُهُ وعلى رُوحِک وبَدَنِکَ، اشهدُ واشهِدُ الله اَنَّک مَضيتَ على ما مَضى بهِ البدريونَ والمجاهدونَ في سَبيل الله، المناصِحوُن لَهُ في جِهادِ اعِدائهِ المُبالِغونَ في نُصرَهِ اوليائهِ الذّابّونَ عن احبّائهِ، فجزاکَ اللهُ افضل الجزاء واکثرَ الجزاء واوفرَ الجزاء واوفى جزاء احـد ممِّن وفى ببيعَتِهِ واستَجابَ لهُ دَعوَتَهُ واطاعَ ولاهَ امِرِه، اشَهِدُ انّکَ قد بالغَتَ في النصيحَةِ واعطيتَ غايةَ المجهُودِ فبَعثَک اللهُ فـي الشُهِدِاء وجَعَلَ رُوحَک مَع ارواحِ السُّعداء واعطاک من جنانهِ افسحَها منـزلاً وافضَلها غُرَفاً ورفَـعَ ذِکرَکِ فـي عليين وحَشَرَک مع النبيين والصدّيقين والشهداءِ والصالِحينَ وحَسُنَ اولئکَ رفيقاً، اشهدُ انّک لـم تَهن ولم تنکُل وانَّکَ مَضِيتَ علـى بصيرَهٍ من امرِک مقتدياً بالصالحين ومُتَّبعاً للنبيين، فَجَمَعَ اللهُ بينَنا وبينَک وبين رسُوله واوليائهِ في منازِل المخُبتين، فانّه ارحم الراحمين 14.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) من موقع مكتب الأستاذ حسين انصاريان على شبكة الانترنت
1. النساء 69.
2. الزمر 69.
3. الحديد 19..
4. مفاتيح الجنان:435.
5. عمدة الطالب : 356.
6. الامالي للشيخ الصدوق 548. سفينة البحار155:2.
7. بحار الانوار 66:45 .
8. عمدة الطالب : 357.
9. اعيان الشيعة 7 / 429.
10. عمدة الطالب : 357.
11. بحار الانوار 41:45..
12. معالي السبطين 446:1، مقتل الخوارزمي 30:2.
13. مناقب ابن شهرآشوب : 4 / 58.
14. مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي : ص435.
