الاسرة في القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسّلام على عباده الَّذين اصطفى محمّدٍ وآله الطاهرين
وبعد:
دأبت المجتمعات والأقوام بشتى طوائفها ومللها على تخليد عظمائها وتكريم علمائها؛ وذلك من خلال نشر آثارهم والإشادة بمواقفهم، وإطلاع الناس جيلاً بعد جيل على ما تركوه من بصمات واضحة المعالم على صفحات التاريخ الإنساني، وما أحدثوه من قفزات نوعيّة رسّخت تأثيراتِها على مجمل نواحي الواقع المعاش والتي كانت سبباً في تكامل تلك المجتمعات ورقيّها وسعادتها.
ويمكن القول: إنَّ الكتابة عن العلم والعلماء عريقة منذ العصور الاُولى وحتى يومنا الحاضر؛ حيث اتسعت المعارف ونضجت الأفكار، واتجهت الآراء إلى التمحيص والموضوعيّة المتّكئة على اُسس علميّة واقعيّة متأثّرة بطبيعة العصر في المنهجيّة والتنوير، الأمر الذي برز معه جيل من العلماء لم تنطوِ عليهم ما يزقّه المغرضون من اُحادي الرؤية أو المستشرقين الغرب الذين حاولوا مستميتين هم وأتباعهم أن يغيروا على تراثنا الضخم ويتتبعوا هفواته وسقطاته قبل خطواته الحثيثة المتواصلة في شتّى اتجاهاته المعروفة التي أغنت التاريخ البشري أجمعه.
ومن بين العلماء الفقهاء الذين وقفوا بكلِّ صلابة وعنفوان أمام الزحف الاستشراقي القادم إلى البلاد الإسلاميّة من وراء حدودها، ورفدوا المكتبة الإسلاميّة العامّة وأغنوها بالعلوم المختلفة، وأعطوا للقلم مساحة واسعة في حياتهم الزاخرة بالجدِّ والعطاء هو سماحة آية الله السيّد عبد الكريم الأردبيلي، حيث تناول ـ بالإضافة إلى درسه الخارج في الفقه والاُصول ـ دروساً رائعة في علوم القرآن الكريم ومجالاته المتنوعة، وقد تمخّضت عنها مجموعة من الكتب القيّمة كان أبرزها: القرآن كتاب هداية، تاريخ القرآن، نظرة في الآيات الاقتصاديّة، الاُسرة في القرآن، هذا بالإضافة إلى الكثير من البحوث والمقالات القرآنيّة التي لا تزال قيد الترجمة والطبع.
لذا أخذت دار السيدة رقيّة(عليها السلام) للقرآن الكريم على عاتقها نشر وطباعة وترجمة كلِّ ما يتعلّق بكتاب الله العزيز، فكان كتاب (الاُسرة في القرآن) هذا ضمن الجهود التي قامت بها هذه الدار بعد أن تصدت إلى ترجمته من اللغة الفارسيّة (الاُم) إلى اللغة العربيّة؛ إيماناً منها بوجوب تلاقح الثقافات المختلفة، وكون هذا التلاقح ظاهرةً مدنيّة تتصدر الظواهر التاريخيّة البارزة والنهضات الحضاريّة الكبرى؛ فشرعت باستخراج مصادر هذا السفر القرآني الخالد ومطابقة المتن معها، ثمَّ تبويبه وتقويم عباراته ومفرداته وتصحيحه لغويّاً وإملائيّاً بحسب قواعد الإملاء العربي، ومن ثمَّ إخراجه وطباعته، فكان مخاض عملنا المتواضع هذا أن يخرج الكتاب بحلّته القشيبة وثوبه الجديد هذا؛ لتتسنى قراءته لكلِّ الناطقين بلغة الضاد بعد أن يطّلعوا على العلوم والمعارف التي كتبتها أقلام العلماء الناطقين بغير هذه اللغة، {وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.
