الجواب : قال بعض المفسرين في الجواب على هذا السؤال: ان السبب في جعل الخليفة وتعيين الواسطة هو قصور الناس وعدم اكتمال استعدادهم لتلقي الفيض بنحو مباشر(1) ولاجل هذا السبب ايضا كانت الواسطة اي الرسول بشرا ولم يكن ملكا، ولو كان النبي ملكا لظهر في هيئة انسان كما قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا}(2) وهذه الوساطة العقلية شبيهة بالوساطةالحسية للغضروف بين اللحم والعظم لان العظم لا يستطيع جذب الغذاء بنحو مباشر.
وطبقاً لهذه الملاحظة فحتى الانبياء ايضا مختلفون فيما بينهم في تلقي الوحي اي لان قدراتهم وقابلياتهم مختلفة فلا يتيسر لهم جميعا ان يكونوا في اي وقت مثل الكليم موسى(عليه السلام) في الميقات ومثل النبي الاكرم(صلى الله عليه وآله) في المعراج، حيث يتكلمون مع الله بغير واسطة، بل ان منهم من يتلقى الوحي عن طريق الرؤيا أو الالهام ومنهم من يتلقّاه عن طريق نزول الملك، وحتى الكليم موسى نفسه ونبي الاسلام الاكرم ايضا في كثير من الموارد او اكثرها يتلقيان الوحي عن طريق نزول الملك(3).
ونصب الخليفة يكون تارة بسبب قصور الفاعل، واخرى لاجل قصور القابل والقسم الاول يتصور في حالة كون المستخلف عنه بسبب الغياب العجز او الضعف لا يستطيع القيام بوظائفه وهذه الحالة لايمكن تصورها ولا معنى لها بالنسبة لله سبحانه الذي هو دائم الحضور و {بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ}(4) و{عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}(5) والذي لا يتصور ان يعتريه اي نحو من العجز والضعف. فالذي يمكن تصوره بالنسبةالى الله سبحانه وان كان متواصلاً و مستمراً لجميع الموجودات لكن غالبيتها ولا سيما الموجودات الارضية غير قادرةعلى تلقي الفيض والاحكام والعلوم والمعارف الالهية بغير واسطة بل هي محتاجة الى واسطة تعرف لغتها ويمكنهم الارتباط بها ويشعرون بحضورها فيما بينهم بنحو محسوس وملموس.
ــــــــــــــ
1 . تفسير منهج الصادقين، ج 1، ص 221.
2 . سورة الانعام الآية 9.
3 . تفسير منهج الصادقين، ج 1، ص 219ـ220.
4 . سورة فصلت، الآية 54.
5 . سورة الحج، الآية 17.
تسنيم في تفسير القرآن الشيخ جوادي آملي |