00989338131045
 
 
 
 
 
 

 ما هي مزايا التعبير القرآني في جانب دقّة اللفظ والمعنى والشواهد عليه من القرآن الكريم؟ 

( القسم : علوم القرآن )

السؤال :

ما هي مزايا التعبير القرآني في جانب دقّة اللفظ والمعنى والشواهد عليه من القرآن الكريم؟



الجواب :

يمتاز القرآن على سائر الكلام بدقّته الفائقة في تعابيره، واضعاً كل شيء موضعه اللائق به، مراعياً كل مناسبة - لفظيةً كانت أم معنويةً - في أناقة تامّة.

وقد امتاز القرآن في هذا الجانب بما فاق سائر الكلام، وأعجز العرب أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، وإليك رشفة من ذلك البحر الخِضَمّ، ورَشَحة من ذلك الوابل الغزير.

 تقديم السمع على البصر

ومن دقيق تعبيره، أنّك تجد القرآن يذكر السمع مُقدّماً على البصر في عديد من الآيات {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]، وهي مسألة يعرف سرّها الآن علماء التشريح (الفسيولوجيا) ويُدركون أنّ جهاز السمع أرقى وأعقد وأدقّ وأرهف من جهاز الأبصار، ومثال ذلك تمييز الأمّ صوتَ بكاء ابنها من بين زحام هائل من أصوات متداخلة، يتمّ هذا في لحظة زمن... أمّا العين فهي تتوه في زحام التفاصيل ولا تعثر على ضالّتها، يتوه الابن عن عين أُمّه في الزحام ولا يتوه عن سمعها.

والعلم يمدّنا الآن بألف دليل على تفوّق معجزة السمع على معجزة البصر، ولم يكن هذا العلم موجوداً أيام نزول القرآن {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصّلت: 53]، وهذا تحدّ بمستقبل الأيّام سوف يُصادف على آيات ما زالت تُقرأ وهي غيوب محجّبة [محاولة لفهم عصري: ص 251].

آية القصاص

جاء قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] تعبيراً تامّاً وافياً بالمقصود تمام الوفاء، بل وفيها زيادة مزايا شَرَحها أرباب الأدب والتفسير.

قال سيّدنا الطباطبائي - طاب ثراه -: إنّ هذه الآية - على اختصارها وإيجازها، وقلّة حروفها، وسلاسة لفظها، وصفاء تركيبها - لهي من أبلغ التعابير وأرقى الكلمات، فهي جامعة بين قوّة الاستدلال وجمال المعنى ولطفه، ورقّة الدلالة وظهور المدلول.

وقد كان للبلغاء قبلها كلمات وتعابير في وضع قانون القصاص، كانت تعجبهم بلاغتها وجزالة أُسلوبها، كقولهم: (قتل البعض إحياء للجميع)، وقولهم: (أَكثروا القتل ليقلّ القَتل) وأَعجب من الجميع عندهم قولهم: (القتل أنفى للقتل). غير أنّ الآية أَنست الجميع، ونفت الكل، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} فهي أقلّ حروفاً وأسهل تلفّظاً، وفيها تعريف القصاص وتنكير الحياة، دلالة على أنّ الهدف الأقصى أوسع من أمر القصاص وأعظم شأناً، وهي الحياة، حياة الإنسان الكريمة. واشتمالها على بيان النتيجة وعلى بيان الحقيقة، وأنّ القصاص هو المؤدّي إلى الحياة، دون مطلق القتل، وغير ذلك ممّا تشتمل عليه من فوائد ولطائف... [تفسير الميزان: ج1، ص442].

أرض هامدة وأرض خاشعة

تعبيران وردا على الأرض الميتة فقدت حياتها؛ لأنّ السماء ضنّت بمائها فلم تَمطر عليها... فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج!

فقد جاء التعبير الأَوّل في سورة الحج: {يَا أَيّهَا النّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنّا خَلَقْنَاكُم مِن تُرَابٍ ... وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحجّ: 5].

وجاء التعبير الثاني في سورة فصّلت: {... فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالّذِينَ عِندَ رَبّكَ يُسَبّحُونَ لَهُ بِاللّيْلِ وَالنّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزّتْ وَرَبَتْ إِنّ الّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى‏ إِنّهُ عَلَى‏ كُلّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ} [فصّلت: 38 - 39].

أمّا لماذا هذا الاختلاف في التعبير في المقامينِ؟

الجوّ في السياق الأَوّل جوّ بعث ونشور وحشر أموات، فيتناسب معه تصوير الأرض (هامدة) لا حياة فيها ولا حركة ولا انتفاضة.

يقال: همدت النار أي خمدت وأُطفئت وهدأت حرارتها وسَكَن لهيبها، وهمد الثوب: إذا بَلي وتقطّع من طول البِلى.

لكن الجوّ في السياق الثاني جوّ عبادة وضراعة وخشوع وابتهال إلى الله تعالى، فناسبه تصوير الأرض (خاشعة) خشوع الذلّ والاستكانة. يقال: خشعت الأرض إذا يبست ولم تُمطَر.

أعجب آية باهرة

قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِي الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلى الْجُودِيّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ} [هود: 44].

وقد لنا نقل التاريخ قصّة النفر من فصحاء قريش الذين أزمعوا ليعارضوا القرآن، فعكفوا على لطيف الغذاء من لباب البُرّ وسُلاف الخمر ولحوم الضأن والخلوة، حتى بلغوا مجهودهم، فإذا فوجئوا بنزول هذه الآية، فطووا ما أزمعوا ويئسوا ممّا طمعوا فيه، وعلموا أنّه لا يشبه كلام مخلوق [العمدة لابن رشيق: ج 1 ص 211، وراجع الجزء الرابع من التمهيد: ص 202].

الأمر الذي دعا بعلماء الأدب والبيان أن يجعلوا هذه الآية بالذات موضع دراستهم والبحث عن مزاياها الخارقة، فخاضوا عبابها واستخرجوا لبابها في عرض عريض.

 

* تلخيص التمهيد، للشيخ محمد هادي معرفة، ج2، بتصرّف.



طباعة   ||   أخبر صديقك عن السؤال   ||   التاريخ : 2016 / 12 / 25   ||   القرّاء : 5101  


 
 

  التلاوة :
  • الحفظ (23)
  • التجويد (18)
  • القراءات السبع (2)
  • الصوت والنغم (7)
  علوم القرآن وتفسيره :
  • علوم القرآن (57)
  • التفسير (205)
  • المفاهيم القرآنية (10)
  • القصص القرآني (6)
  • الأحكام (26)
  • الاجتماع وعلم النفس (31)
  العقائد :
  • التوحيد (27)
  • العدل (10)
  • النبوّة (25)
  • الإمامة (6)
  • المعاد (17)
  استفتاءات المراجع :
  • السيد الخوئي (29)
  • السيد السيستاني (52)
  • السيد الخامنئي (7)
  • الشيخ مكارم الشيرازي (83)
  • السيد صادق الروحاني (37)
  • السيد محمد سعيد الحكيم (49)
  • السيد كاظم الحائري (7)
  • الشيخ الوحيد الخراساني (2)
  • الشيخ إسحاق الفياض (3)
  • الشيخ الميرزا جواد التبريزي (10)
  • السيد صادق الشيرازي (78)
  • الشيخ لطف الله الصافي (29)
  • الشيخ جعفر السبحاني (11)
  • السيد عبدالكريم الاردبيلي (1)
  • الشيخ جوادي آملي (23)
  • السيد محمود الشاهرودي (5)
  • السيد الامام الخميني (4)
  جديد الأسئلة والإستفتاءات :



 إمكان صدور أكثر من سبب نزول للآية الواحدة

 تذكير الفعل أو تأنيثه مع الفاعل المؤنّث

 حول امتناع إبليس من السجود

 الشفاعة في البرزخ

 في أمر المترفين بالفسق وإهلاكهم

 التشبيه في قوله تعالى: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}

 هل الغضب وغيره من الانفعالات ممّا يقدح بالعصمة؟

 كيف يعطي الله تعالى فرعون وملأه زينة وأموالاً ليضلّوا عن سبيله؟

 كيف لا يقبل الباري عزّ وجلّ شيئاً حتى العدل {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ}؟

 حول المراد من التخفيف عن المقاتلين بسبب ضعفهم

  البحث في الأسئلة والإستفتاءات :



  أسئلة وإستفتاءات قرآنية منوعة :



 كيفية قراءة الحروف في بداية سور القرآن

 كيف لنا أن نوفق بين ما يذكر في القرآن ومجريات هذا العصر وتغيرات الزمن؟

 تفسير الآية الكريمة: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [سورة البقرة: 86]

 هناك شبهة مطروحة بأن القرآن الكريم إذا أثبت الهداية لله تعالى، كما في الآية {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} والآية {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، فكيف يمك

 هل صحيح أن الإنسان الكافر غير المسلم أو حتى أهل الكتاب يبقون في النار إلى أمد طويل

 معطيات الآية الكريمة {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ...}

 اختلاف المحكم والمتشابه باختلاف القارئ

 حفظ القرآن في سنة أو سنتين أو أكثر؛ ما هو الأسلوب الأمثل لديكم من خلال تجربتكم؟

 لماذا تحديد (المخارج غير الصحيحة) وعدم إدراجها تحت (اللّهجات العاميّة)؟

 لماذا صار قلب أم موسى (ع) فارغاً من كل شيء إلا من الخوف على موسى، فكانت قوية حين إلقائه في اليم فلماذا ضعفت بعد ذلك؟

  إحصاءات الأسئلة والإستفتاءات :
  • عدد الأقسام الرئيسية : 4

  • عدد الأقسام الفرعية : 32

  • عدد الأسئلة والإستفتاءات : 900

  • تصفحات الأسئلة والإستفتاءات : 7770517

  • التاريخ : 28/03/2024 - 19:22

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • رئيسية الأسئلة والإستفتاءات القرآنية
  • أرشيف الأسئلة والإستفتاءات القرآنية
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net