• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : الثقافة .
              • القسم الفرعي : الدعاء .
                    • الموضوع : خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (13) .

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (13)

اعداد: القسم الثقافي / عباس الجعفري

في الحلقة السابقة ذكرنا وبشكل تفصيلي مجموعة من المكارم التي تحصل للإنسان عندما يدعو لفرج مولانا الامام الحجة (عليه السلام). في هذه الحلقة نقوم ببيان باقي المكارم مستعينين بالملك الجبار:

المكرمة الثانية عشرة: الفوز بشفاعة خير البشر وصاحب الشفاعة الكبرى في المحشر

ويدل على ذلك - مضافًا إلى جميع ما مر، لأن التوسل إلى الإمام الثاني عشر توسل إلى النبي المطهر-:

- ما رواه رئيس المحدثين في الخصال [الخصال للشيخ الصدوق: 1 / 196 باب الأربعة ح 1] بإسناده عن مولانا الرضا، قال: حدثني أبي عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة أنا الشفيع لهم يوم القيامة ولو أتوني بذنوب أهل الأرض: معين أهل بيتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه، والدافع عنهم بيده عقوبة.

- وروى العلامة الحلي (ره) [المنتهى: 1 / 544] عن النبي (صلى الله عليه وآله) مرسلاً أنه قال: إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف، ولو جاءوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق ورجل أحب ذريتي باللسان والقلب، ورجل سعى في حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا.

- وعن الامام الرضا عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله ): أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي والقاضي لهم حوائجهم، والساعي في أمورهم ما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه عندما اضطروا. [بحار الأنوار: 8 / 49 باب 21 ح 53]

أقول: لا يخفى صدق ثلاثة من هذه العناوين على الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الأمر، لأنه نوع من النصر، ومحبة لسانية، وقضاء الحاجة كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

- ومما يدل على المقصود ما عن العلامة (ره) في وصاياه لولده، قال: قال الصادق (عليه السلام): إذا كان يوم القيامة، نادى مناد: أيها الخلائق أنصتوا، فإن محمدًا (صلّى الله عليه وآله) يكلمكم، فينصت الخلائق، فيقوم النبي (صلّى الله عليه وآله) فيقول: يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منة أو معروف فليقم حتى نكافيه، فيقولون: بآبائنا وأمهاتنا أي يد أو أي منة أو أي معروف! بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) على جميع الخلائق. فيقول (صلّى الله عليه وآله): بلى من آوى أحدًا من أهل بيتي، أو برهم، أو كساهم من عري، أو أشبع جائعهم، فليقم، حتى أكافيه.

فيقوم أناس قد فعلوا ذلك، فيأتي النداء من قبل الله: يا محمد يا حبيبي، قد جعلت مكافأتهم إليك، فأسكنهم في الجنة حيث شئت، فيسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين. [المنتهى: 544]

أقول: لا ريب في أن الدعاء بالخير من أقسام البر، فيستحق الداعي بذلك شفاعة سيد البشر، في يوم المحشر، واعلم أن هذا الحديث أيضًا مما يدل على ثبوت الشفاعة في زيادة الثواب كما ثبتت في رفع العقاب، فتعقل.

- ويدل على المقصود أيضًا ما رواه الصدوق في أماليه [الأمالي للشيخ الصدوق: 228 .] بإسناده عن الباقر (عليه السلام) عن آبائه، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله )، أنه قال: من أراد التوسل إلي، وأن يكون له عندي يد، أشفع له بها يوم القيامة، فليصل أهل بيتي، ويدخل السرور عليهم.

أقول: لا ريب في سرور أهل البيت (عليهم السلام) جميعًا بالدعاء، في تعجيل فرج صاحب الزمان (عليه السلام) وظهوره، بل يمكن أن يكون من أفراد الصلة لهم صلوات الله عليهم أيضًا فتدبر.

المكرمة الثالثة عشرة أنه وسيلة إلى الله عز وجل

وقد أمر الله تعالى بابتغاء الوسيلة إليه في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 35] وجعل الفلاح والنجاة موقوفًا على هذه الأمور الثلاثة، وهي مجتمعة في الدعاء لمولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه، لأن أول مراتب التقوى هو الإيمان، ولا ريب أن الدعاء له وبتعجيل فرجه علامة للإيمان وسبب لكمال الإيمان كما مر.

ويأتي إن شاء الله تعالى وهو من أقسام المجاهدة باللسان ووسيلة إلى الخالق المنان، وتقريره من وجهين:

أحدهما: أن معنى الوسيلة كما في مجمع البيان [مجمع البيان: 3 / 189] الوصلة والقربة، ولا شبهة في كون هذا الدعاء وصلة إلى الله تعالى، وقربة إليه كسائر العبادات التي يتقرب بها إليه غير أن هذا من أعظم الوسائل قربة، وأقربها وسيلة، وأرفعها شأنًا وأجلها مقدارًا كما يتبين في هذا الكتاب بعون الملك الوهاب، وهو الهادي إلى نهج الصواب.

الوجه الثاني: أن المراد بالوسيلة في خصوص الآية الشريفة هو الإمام، لما ذكره علي بن إبراهيم القمي (ره) [تفسير القمي: 155] في تفسيره في قوله تعالى: ﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ [المائدة: 35] قال: فقال تقربوا إليه بالإمام والظاهر استناده إلى الرواية عن الإمام في تعيين هذا المرام.

فتحصل من جميع ذلك أن المراد بالوسيلة هو الإمام، فابتغاء الوسيلة إلى الله هو تحصيل ما يكون سببًا لرضاه وقربة إلى جنابه، وحيث إن الله عز اسمه جعل لكل قوم هاديا ولكل أمة إماما، كما قال عز اسمه ﴿أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: 7] فجعله هاديًا، ووسيلة لهم إليه. فاللازم على كل قوم أن يعرفوا هاديهم ووسيلتهم، ويبتغوا إليه الوسيلة بما يرضيه عنهم، ويطلب منهم، إذ لا يجدي التقرب بأحد منهم، مع الجهل بولي الأمر والإمام في كل عصر.

- ولذلك قال في [غيبة النعماني: 180] الحديث المعروف المتلقّى بالقبول بين الفريقين: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فحال الجاهل بإمام زمانه حال الجاهل بجميع الأئمة ويدل على ما ذكرناه الأخبار المتواترة.

- منها: ما في مرآة الأنوار [ص: 58] وغيره، بالإسناد عن الصادق (عليه السلام)، قال: خرج الحسين (عليه السلام) على أصحابه، فقال: أيها الناس إن الله عز وجل ما خلق العباد إلا ليعرفوا، فإذا عرفوا وعبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه فقال له رجل: يا بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأبي أنت وأمي فما معرفة الله؟ قال (عليه السلام) معرفته في كل زمان معرفة إمامهم الذي يجب عليهم طاعته.

إذا تقرر ما ذكرنا، فنقول: لا ريب أن الدعاء بتعجيل الفرج لمولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه من أعظم الوسائل، التي جعلها الله تعالى وسيلة إليه، لأنه ليس وسيلة إليه فقط، بل هو وسيلة إلى جميع الأئمة بل جميع الأنبياء والأوصياء، الذين هم الوسائل الربانية، وذوو الأبوة الروحانية، وهو سبب لسرورهم ورضاهم، وطلب لما هو مقصدهم ومناهم، ومع ذلك كله، إطاعة لأولي الأمر، الذين أمر الله تعالى بإطاعتهم في قوله: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]

- ويشهد لما ذكرناه، ويؤيده ما روي في البرهان [تفسير البرهان: 4 / 335 / ح 9] وغيره عن مولانا أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، في قوله تعالى في سورة الجمعة: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ﴾ [الجمعة: 10] (الخ) قال: يعني بالصلاة بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبالأرض الأوصياء أمر الله بطاعتهم وولايتهم كما أمر بطاعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وطاعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، كنّى الله في ذلك عن أسمائهم فسمّاهم بالأرض، وفي قوله: ﴿وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ﴾ قال: هكذا نزلت: وابتغوا فضل الله على الأوصياء.. الخبر.

أقول: إنما شبهوا بالأرض لوجوه:

منها: أن الله تعالى شأنه قد جعل الأرض سكنًا وقرارًا للخلائق فبذلك يعيشون ويسكنون ويدرجون ويستريحون وقد تقدم آنفًا أن سكون الأرض وقرارها بوجود الإمام، فسكون جميع ما في الأرض واستراحته ليس إلا بسبب وجوده صلوات الله عليه.

ومنها: أن الأرض واسطة في وصول البركات السماوية إلى أهل العالم قال عز وجل: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: 5] والإمام أيضًا واسطة في وصول البركة الإلهية إلى أهل العالم كما مر.

ومنها: أن الله تعالى قد أخرج من الأرض أنواعًا من النعم، والفواكه والثمرات والعشب والكلأ، وغيرها بحسب حاجة الخلق، لكي ينتفع كل واحد منهم من بني آدم وغيرهم، من الحيوانات والحشرات بما يصلحه ويناسبه، قال تعالى: ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ [عبس: 26ـ32]. وقد أخرج من وجود الإمام أنواعًا من العلوم والأحكام بحسب حوائج الخلق ومصالحهم كي لا يحتاجوا إلى غيره، إلى غير ذلك من الوجوه التي تظهر بالتدبر إن شاء الله تعالى وقد اختلج هذه الوجوه عجالة بالبال، والله الموفق في كل حال.

المكرمة الرابعة عشرة استجابة الدعاء

يعني أن الداعي إذا جعل دعاءه لنفسه مقرونًا بالدعاء لمولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه، يصير دعاؤه لمولاه سببًا وواسطة في استجابة ما يدعو به لنفسه.

ويدل على ذلك وجوه عقلية ونقلية:

الأول: أنه لا شك ولا شبهة في تحقق إجابة دعاء العبد لمولانا صاحب الزمان لوجود المقتضي، وعدم المانع، وكلاهما واضحان، والتأخير في الإجابة لا يدل على نفي الإجابة كما لا يخفى، فإذا جعل الشخص أول دعائه وآخره لصاحب الأمر بتعجيل فرجه، وتسهيل مخرجه، كان مقتضى كرم أكرم الأكرمين أن يستجيب ما بينهما أيضًا، وقد قرر سبحانه ذلك بين عباده، فإن من اشترى أمتعة مختلفة بصفقة واحدة، وكان بعضها معيبًا يجب عليه إما أن يقبل الجميع أو يرد الجميع، ولا يجوز أن يرد المعيب فقط.

الوجه الثاني: أن جملة من الذنوب والسيئات مانعة عن إجابة الدعوات، فإذا قرن الإنسان دعاءه بالدعاء لمولانا صاحب الزمان غفرت له تلك الذنوب الموانع فيصير دعاؤه بلا مانع فيستجيب له المنان الواسع وسيأتي في المكرمة الثامنة عشرة اقتضاء الدعاء له (عليه السلام) غفران الذنوب إن شاء الله تعالى.

الوجه الثالث: قد ذكرنا سابقًا أن من فوائد الدعاء له (عليه السلام) دعاءه في حق الداعي، ولا ريب أن دعاءه بكفاية مهم الداعي يقتضي استجابة ما يسأله من الله جل شأنه كما لا يخفى.

- الوجه الرابع: ما روي في فضل الصلاة على محمد وآله مرسلاً عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: من كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، فإن الله عز وجل أكرم من أن يقبل الطرفين، ويدع الوسط، إذ كانت الصلوات على محمد وآل محمد لا تحجب عنه. [الكافي: 2 / 494 / ح 16]

أقول: وجه دلالته على المطلوب، أن عموم التعليل يقتضي استجابة كل دعاء يقع بين دعاءين مستجابين، لأنه تعالى أكرم من أن يستجيب الطرفين ويرد ما وقع في البين. وقد ذكرنا في الوجه الأول أن دعاء المؤمن في فرج مولاه (عليه السلام) وطلب نصرته، مستجاب لا محالة.

فهذا الدليل النقلي شاهد لما ذكرناه من الوجه العقلي.

الوجه الخامس: ما سيأتي من دعاء الملائكة للداعي في حق مؤمن غائب، بأضعاف ما سأل له، ولا ريب في استجابة دعاء الملائكة لخلوه عن الموانع، فيقتضي دعاؤهم استجابة دعائه في حق نفسه.

- الوجه السادس: ما روي في أصول الكافي [الكافي: 2 / 487 باب العموم في الدعاء ح 1] بسند معتبر، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إذا دعا أحدكم فليعم، فإنه أوجب للدعاء، وفي بعض النسخ: فليعم في الدعاء، فإنه أوجب للدعاء.

أقول: قوله (صلّى الله عليه وآله) فإنه أوجب للدعاء، يعني أن الدعاء للعموم أثبت، وألزم لدعاء الداعي في حقه، من أن يدعو لنفسه فقط، خاليًا عن الدعاء للمؤمنين، فحاصله سببية ذلك الدعاء العام، لإجابة الدعاء ونيل المرام. ووجه دلالة هذا الكلام على ما هو المقصود في هذا المقام، أن العموم في الدعاء يتصور على وجهين:

أحدهما: أن يشرك الداعي جميع المؤمنين والمؤمنات في دعائه، بأن يدخل نفسه فيهم، فيدعو له ولهم جميعًا كأن يقول: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، واقض حوائج المؤمنين والمؤمنات. أو يقول: اللهم اغفر لنا، واقض حاجتنا، مريدًا بذلك نفسه وسائر المؤمنين والمؤمنات.

وثانيهما: أن يكون دعاؤه دعاءً يشمل نفعه جميع المؤمنين والمؤمنات، وإن لم يصرح بهم، كالدعاء بطلب الأمنية، ونزول البركات السماوية، وخروج البركات الأرضية، ودفع البلاء، ونحوها مما يعم نفعه جميعهم وهذا أيضًا تعميم في الدعاء. والدعاء لفرج مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) من هذا القبيل، فيكون من مصاديق هذا الدليل، ويترتب عليه الفائدة المذكورة، وهي على العارفين غير مستورة، وإن تجمد أحد لقصوره، وأنكر ما ذكرناه مع ظهوره، وأنكر كون هذا القسم تعميمًا في الدعاء قلنا - مماشاة ومسالمة للخصماء -: إذا قصد الداعي، أو صرح بأن غرضه من هذا الدعاء انتفاع جميع المؤمنين والسعداء، فلا ريب في كونه دعاء للعموم، وبذلك يقحم المتعنت الخصوم.

وأما كون الدعاء لظهور مولانا صاحب الزمان عليه صلوات الملك المنان مما ينتفع به جميع أهل الإيمان، فلا يحتاج إلى مزيد بيان، بعدما ذكرناه في الباب الرابع، بأحسن تبيان، إذ بظهوره فرج كل مؤمن، وفرح كل موقن، وظهور كل عدل، وخمود كل جهل، وانكشاف العلوم، واندفاع الغموم، وارتفاع العاهات، وانتشار البركات وغلبة المؤمنين، وهلاك الظالمين، وأمن البلاد، وسلامة العباد، واجتماع الأحباب، وغيره مما بيناه في مطاوي هذا الكتاب والله تعالى هو الهادي إلى نهج الصواب.

وأما قوله (صلّى الله عليه وآله) إذا دعا أحدكم فليعم فهو يحتمل أمورًا:

أحدها: أن يكون المقصود أن المؤمن إذا دعا فليجعل دعاءه هذا عامًّا للمؤمنين، وليدخل نفسه في جملتهم فإذا فعل ذلك: بأن دعا دعاء شاملاً عامًّا لجميعهم، كان ذلك أوجب، أي: أثبت، يعني يكون هذا الدعاء أسرع إجابة، وأشد نفوذًا من دعائه لنفسه فقط، فهذا الوجه يقتضي كون التعميم سببًا لسرعة إجابة هذا الدعاء.

وحاصلة أنك لو قلت: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات كان أوجب لمغفرتك من قولك: اللهم اغفر لي، وإذا قلت: اللهم عجل فرج مولانا صاحب الزمان، كان أوجب لفرجك من أن تقول: اللهم اجعل لي من أمري فرجًا، لأن الدعاء لفرجه (عليه السلام) دعاء للفرج لجميع المؤمنين والمؤمنات فتدبر.

الأمر الثاني: أن يكون من باب المشارفة ويكون المقصود أنك إذا أردت الدعاء لنفسك في أمر من الأمور فابدأ بالدعاء للعموم، فإنه أوجب لدعائك، يعني أن دعاءك للعموم يصير سببًا لاستجابة دعائك، وثبوت مرادك وحصول مرامك فيكون هذا الكلام من قبيل قوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: 6] وقوله: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ﴾ [النحل: 98] ونحوهما.

وحاصل هذا الوجه أن معنى قوله (عليه السلام): إذا دعا أحدكم فليعم، أنه إذا أراد أحدكم الدعاء لنفسه، فليبدأ بدعاء عام للمؤمنين ثم يدع لنفسه فإن ذلك أوجب لدعائه لنفسه، وأثبت له، لأن في تقديم الدعاء لأهل الإيمان تأثيرًا تامًّا في استجابة دعاء الإنسان..

- كما ورد في عدة روايات  عن الامام الصادق (عليه السلام): إن من قدم أربعين رجلاً من إخوانه فدعا لهم، ثم دعا لنفسه، استجيب له فيهم وفي نفسه. [الكافي: 2 / 509 / ح 5]

الأمر الثالث: أن يكون المراد مطلق المقارنة العرفية يعني أنك إذا دعوت في كل زمان لنفسك، فادع بدعاء عام لإخوانك، سواء كان قبل دعائك لنفسك أم بعده، أو دعاء عامًّا له ولهم. وهذا النوع من الاستعمال كثير في اللغة العربية والمحاورات العرفية كما لا يخفى على العارف البصير، ولا ينبئك مثل خبير.

- الوجه السابع: ما رواه محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تبارك وتعالى ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [الشورى: 26] قال (عليه السلام): هو المؤمن، يدعو لأخيه بظهر الغيب، فيقول له الملك: آمين، ويقول الله العزيز الجبار: ولك مِثلا ما سألت وقد أعطيت ما سألت بحبك إياه. [الكافي: 2 / 507 باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب]

قوله: وقد أعطيت ما سألت بحبك إياه، يدل على إجابة ما سأل لنفسه ببركة دعائه في حق أخيه الغائب، ويحتمل بعيدًا أن يكون لفظة أعطيت بصيغة المتكلم المبني للفاعل.

يعني أعطيت ما سألت لأخيك الغائب والله العالم.

فيا أيها الطالب الراغب في نيل المطالب هل تعرف مؤمنًا أكمل إيمانًا، وأتم يقينًا، وأشد اجتهادًا، وأقرب إلى الله حبًا، وأعظم عند الله شأنًا، وأرفع جاهًا من مولاك صاحب الزمان (عليه السلام)؟ فأكثر الدعاء لمولاك حتى يستجيب الله ببركته دعاك.

الوجه الثامن: أنه قد تقدّم ويأتي أن من فوائد الدعاء لظهوره وتعجيل فرجه كمال الإيمان، وقوة اليقين، والنجاة من وساوس المشككين والمضلين، وذلك من الأسباب المقتضية لإجابة الدعاء كما أن ضعف اليقين والشك في أصول الدين مانع عن الإجابة فإذا كان العبد مواظبًا في الدعاء لمولاه (عليه السلام) قوي يقينه وكمل إيمانه، وإذا قوي يقينه وكمل إيمانه، رزقه الله تعالى الإجابة.

- ويدل على ذلك ما رواه ثقة الإسلام الكليني (ره) [الكافي: 2 / 200 / ح 9] في الموثق كالصحيح عن محمد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) (يعني الباقر والصادق صلوات الله عليهما) قال: قلت: إنا لنرى الرجل له عبادة واجتهاد وخشوع، ولا يقول بالحق، فهل ينفعه ذلك شيئًا؟ فقال (عليه السلام): يا محمد إن مثل أهل البيت مثل أهل بيت كانوا في بني إسرائيل، كان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة إلا دعا فأجيب وإن رجلاً منهم اجتهد أربعين ليلة، ثم دعا فلم يستجب له فأتى عيسى ابن مريم، على نبينا وآله وعليه السلام، يشكو إليه ما هو فيه ويسأله الدعاء.

قال (عليه السلام) فتطهر عيسى (عليه السلام) وصلّى، ثم دعا الله عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه: يا عيسى، إن عبدي أتاني من غير الباب الذي أؤتى منه إنه دعاني وفي قلبه شك منك، فلو دعاني حتى ينقطع عنقه وتنتثر أنامله ما استجبت له.

قال: فالتفت إليه عيسى (عليه السلام) فقال: تدعو ربك وأنت في شك من نبيه؟ فقال يا روح الله وكلمته، قد كان والله ما قلت، فادع الله أن يذهب به عني. قال: فدعا له عيسى صلّى الله عليه فتاب الله عليه وقبل منه وصار في حد أهل بيته.

الوجه التاسع: ما ذكره المجلسي (ره) في مرآة العقول [مرآة العقول: 2 / 447 باب الصلاة على محمد وآله] في سر حجب الدعاء بدون الصلاة على محمد وآله، قال: إن المقصود من إيجاد الثقلين وسائر الموجودات، والقابل من فيوض الفائضة من بدء الإيجاد إلى ما لا يتناهى من الأزمنة والأوقات، هو رسول الله وأهل بيته عليهم أفضل الصلوات، فلهم الشفاعة الكبرى في هذه النشأة، والنشأة الأخرى وبواسطتهم تفيض الرحمات على جميع الورى. إذ لا بخل في المبدأ وإنما النقص من القابل، وهم القابلون لجميع الفيوض القدسية والرحمات الإلهية فإذا أراد الداعي استجلاب رحمة من الله تعالى، يصلّي عليهم، ولا يرد هذا الدعاء لأن المبدأ فياض، والمحل قابل، وببركتهم يفيض على الداعي بل على جميع الخلق كما إذا جاء أعرابي، أو كردي غير مستأهل لشيء من الإكرام إلى باب سلطان، نافذ حكمه في الأنام، فأمر له ببسط الموائد واختصه بأنواع العوائد نسبه العقلاء إلى قلة العقل، وسخافة الرأي، بخلاف ما إذا أمر بذلك لأحد من مقربي حضرته، وأمراء جنده أو لرسول أحد من سلاطين عصره فحضر هذا الأعرابي أو الكردي تلك المائدة فأكل منها، يكون مستحسنًا، بل لو منع منها يكون مستقبحًا بظاهر النظر. انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول: لا يخفى أن هذا الوجه يجري في الدعاء لمولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه حرفًا بحرف وهذا واضح بأدنى نظر لمن تبصر واعتبر.

الوجه العاشر: ما ذكره هذا الفاضل العلام في ذاك المقام أيضًا، فقال: إنهم صلوات الله عليهم وسائط بيننا وبين ربّنا تقدس وتعالى في إيصال الحكم والأحكام منه إلينا، لعدم ارتباطنا بساحة جبروته، وبعدنا عن حريم ملكوته، فلا بد أن يكون بيننا وبين ربّنا سفراء وحجب ذوو جهات قدسية، وحالات بشرية، يكون لهم بالجهات الأول ارتباط بالجناب الأعلى، يأخذون عنه، ويكون لهم بالجهات الثانية مناسبة للخلق، يلقون إليهم ما أخذوا من ربهم.

ولذا جعل الله سفراءه وأنبياءه ظاهرًا من نوع البشر، وباطنًا مباينين عنهم في أطوارهم وأخلاقهم، ونفوسهم وقابلياتهم فهم مقدسون روحانيون قائلون: ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الكهف: 110] لئلا ينفر عنهم أمتهم، وليقبلوا منهم، ويأنسوا بهم فكذلك في إفاضته سائر الفيوض والكمالات.

هم وسائط بين ربهم وبين سائر الموجودات، فكل فيض وجود يبتدئ بهم، ثم ينقسم على سائر الخلق، فالصلوات عليهم استجلاب للرحمة من معدنها، وللفيوض إلى مقسمها، لتنقسم على سائر البرايا، بحسب استعداداتها وقابلياتها. انتهى كلامه قدس سرّه.

أقول: وهذا الوجه أيضًا يجري في المقام، كما لا يخفى على ذوي الأفهام فهذه الوجوه عشرة كاملة. يقتضي كون الإجابة للداعي شاملة بسبب دعائه لمولانا القائم عليه الصلاة والسلام الدائم، والله الموفق وهو العاصم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مقالات مرتبطة:

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (1)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (2)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (3)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (4)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (5)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (6)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (7)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (8)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (9)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (10)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (11)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (12)


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2359
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 05 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24