• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : الإعجاز القرآني (7) .

الإعجاز القرآني (7)

الشيخ محمّد هادي معرفة (ره)

حقيقة القول بالصِّرفة

هناك قول في وجه الإعجاز - لعلّه يخالف رأي الجمهور - هو: أنّ الآية والمعجزة في القرآن إنّما هي لجهة صرف الناس عن معارضته، صرفَهم الله تعالى أن يأتوا بحديث مثله، وأمسك بعزيمتهم دون القيام بمقابلته، ولولا ذلك لاستطاعوا الإتيان بسورة مثله، وهذا التثبيط في نفسه إعجاز خارق للعادة، وآية دالّة على صدق نبوّته (صلّى الله عليه وآله).

وهذا المذهب فضلاً عن مخالفته لآراء جمهور العلماء فإنّه خطير في نفسه، قد يُوجب طعناً في الدين والتشنيع بمعجزة سيد المرسلين (صلّى الله عليه وآله) الطاهرين أن لا آية في جوهر القرآن ولا معجزة في ذاته، وإنّما هو لأمر خارج هو الجبر وسلب الاختيار، وهو ينافي الاختيار الذي هو غاية التشريع والتكليف، وغير ذلك من التوالي الفاسدة [قال الرافعي - بشأن الآثار السيّئة التي خلّفها القول بالصِّرفة -: على أنّ القول بالصِّرفة هو المذهب الناشئ من لدن قال ابن النظّام، يصوّبه فيه قوم ويشايعه عليه آخرون، ولولا احتجاج هذا البليغ لصحّته وقيامه عليه وتقلّده أمره لكان لنا اليوم كتب ممتعة في بلاغة القرآن وأسلوبه وإعجازه اللغوي وما إلى ذلك، ولكن القوم عفا الله عنهم أخرجوا أنفسهم من هذا كلّه، وكفوها مؤونته بكلمة واحدة تعلّقوا عليها، فكانوا فيها جميعاً كقول هذا الشاعر الظريف الذي يقول:

كأَنّنا والماء من حولنا *** قومٌ جلوس حولهم ماء] الأمر الذي استدعى تفصيل الكلام حوله والتحقيق عن جوانبه بما يتناسب مع وضع الكتاب.

حقيقة مذهب الصرف:

الصَّرف: مصدر (صرفه) بمعنى ردّه، والأكثر استعماله في ردّ العزيمة، قال تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ﴾ [الأعراف: ١٤٦].

قال السيّد شبّر: أي عن إبطال دلائلي، ومعناه - كما ذكره الطبرسي في المجمع -: سأفسخ عزائمهم على إبطال حججي بالقدح فيها وإمكان تكذيبها؛ وذلك بوفرة الدلائل الواضحة والتأييد الكثير، بما لا يدع مجالاً لتشكيك المعاندين ولا ارتياب المرتابين، كما يقال: فلان أخرسَ أعداءه عن إمكان ذمّه والطعن فيه، بما تحلّى من أفعاله الحميدة وأخلاقه الكريمة.

ومنه قوله تعالى - بشأن المنافقين -: ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [التوبة: ١٢٧] وهذا دعاء عليهم بصرف قلوبهم عن إرادة الخير؛ لكونهم قوماً حاولوا التعمية على أنفسهم فضلاً عن الآخرين..

* * *

وعلى ذلك فقد اختلفت الأنظار في تفسير مذهب الصرف على ما أراده أصحابه، قال الأمير يحيى بن حمزة العلوي الزيدي (توفّي سنة ٧٤٩ هـ): واعلم أنّ قول أهل الصرفة يمكن أن يكون له تفسيرات ثلاثة، لما فيه من الإجمال وكثرة الاحتمال.

التفسير الأوّل: أن يُريدوا بالصرفة أنّ الله تعالى سلب دواعيهم إلى المعارضة مع أنّ أسباب توفّر الدواعي في حقّهم حاصلة من التقريع بالعجز، والاستنزال عن المراتب العالية والتكليف بالانقياد والخضوع، ومخالفة الأهواء.

التفسير الثاني: أن يريدوا بالصرفة أنّ الله تعالى سلبهم العلوم التي لابدّ منها في الإتيان بما يشاكل القرآن ويقاربه.

ثمّ أنّ سلب العلوم يمكن تنزيله على وجهين:

أحدهما أن يقال: إنّ تلك العلوم كانت حاصلة لهم على جهة الاستمرار لكن الله تعالى أزالها عن أفئدتهم ومحاها عنهم.

وثانيهما أن يقال: إنّ تلك العلوم ما كانت حاصلةً لهم: خلا أنّ الله تعالى صرف دواعيهم عن تجديدها مخافةَ أن تحصل المعارضة.

التفسير الثالث: أن يراد بالصرفة أن الله تعالى منعهم بالإلجاء على جهة القسر عن المعارضة مع كونهم قادرين وسلب قُواهم عن ذلك؛ فلأجل هذا لم تحصل من جهتهم المعارضة، وحاصل الأمر في هذه المقالة: أنّهم قادرون على إيجاد المعارضة للقرآن، إلاّ أنّ الله تعالى منعهم بما ذكرناه... [الطراز: ج٣، ص٣٩١ - ٣٩٢].

وحاصل الفرق بين هذه التفاسير الثلاثة، أنّ الصرف على الأَوّل: عبارة عن عدم إثارة الدواعي الباعثة على المعارضة، كانوا مع القدرة عليها، ووفرة الدواعي إليها، خائري القُوى وخاملي العزائم عن القيام بها، وهذا التثبيط من عزائمهم وصرف إراداتهم كان من لطيف صنعه تعالى، ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون.

وعلى التفسير الثاني: كانوا قد أعوزتهم عمدة الوسائل المُحتاج إليها في معارضة مثل القرآن، وهي العلوم والمعارف المشتمل عليها آياته الحكيمة، حتّى إنّهم لو كانت عندهم شيء منها فقد أُزيلت عنهم ومُحيت آثارها عن قلوبهم، أَو لَم تكن عندهم ولكنّهم صُرفوا عن تحصيلها من جديد خشيةَ أن تقوم قائمتهم بالمعارضة.

وعلى الثالث: أنّ الدواعي كانت متوفّرة، والأسباب والوسائل المحتاج إليها للمعارضة كانت حاضرةً لديهم، لكنّهم مُنعوا عن القيام بالمعارضة منع إلجاءٍ، وقد أمسك الله بعنان عزيمتهم قهراً عليهم رغم الأُنوف.

قلت: والعقول من هذه التفاسير - نظراً لموقع أصحاب هذا الرأي من الفضيلة والكمال - هو التفسير الوسط، لكن بمعنى أنّهم افتقدوا وسائل المعارضة لقصورهم بالذات من جانب، وشموخ موضع القرآن من جانب آخر.. ومن المحتمل القريب إرادة هذا المعنى، حسبما جاء في عرض كلامهم ولا سيّما في كلام الشريف المرتضى ما ينبّه عليه.

وهكذا رجّح ابن ميثم البحراني (توفّي سنة ٦٩٩ هـ) إرادة هذا المعنى من كلام السيّد، قال: وذهب المرتضى (رحمه الله) إلى أنّ الله تعالى صرف العرب عن معارضته، وهذا الصرف يُحتمل أن يكون لسلب قُدَرهم، ويُحتمل أن يكون لسلب دواعيهم، ويُحتمل أن يكون لسلب العلوم التي يتمكّنون بها من المعارضة، نقل عنه أنّه اختار هذا الاحتمال الأخير [قواعد المرام: ص١٣٢].

وقد تنظّر سعد الدين التفتازاني (توفّي سنة ٧٩٣ هـ) في صحّة التفاسير الثلاثة جميعاً، قال: الصرفة إمّا بسلب قدرتهم، أو بسلب دواعيهم، أو بسلب العلوم التي لابدّ منها في الإتيان بمثل القرآن، بمعنى أنّها لم تكن حاصلةً لهم، أو بمعنى أنّها كانت حاصلةً فأزالها الله.

قال: وهذا (الأخير الذي هو أوسط التفاسير) هو المختار عند المرتضى، وتحقيقه أنّه كان عنده العلم بنظم القرآن والعلم بأنّه كيف يؤلّف كلام يساويه أو يدانيه، والمعتاد أنّ مَن كان عنده هذان العِلمان يتمكّن من الإتيان بالمثل، إلا أنّهم كلّما حاولوا ذلك أزال الله تعالى عن قلوبهم تلك العلوم، وفيه نظر... [شرح المقاصد: ج٢، ص١٨٤].

قال عبد الحكيم السيالكوتي الهروي - في تعليقته على شرح المواقف بعد نقل كلام التفتازاني هذا -: لعلّ وجه النظر استبعاد بعض الأقسام، أو كون سلب القدرة عبارة عن سلب العلوم [شرح المواقف (بالهامش): ج٣، ص١١٢].

وعلى أيّ حال، فالأجدر هو النظر في تفاصيل مقالاتهم، ماذا يريدون؟

مقالة أبي إسحاق النظّام(1)

لم نعثر على مقالته بالتفصيل، سِوى ما ينقل عنه هنا وهناك من مقتطفات، منها ما ذكره عبد الواحد بن عبد الكريم الزملكاني (توفّي سنة ٦٥١هـ)، قال: الأكثر على أنّ نظم القرآن معجز، خلافاً للنظّام، فإنّه قال: إنّ الله سبحانه صرف العرب عن معارضته وسلب علومهم، إذ نثرهم ونظمهم لا يخفى ما فيه من الفوائد، ومِن ثَمّ قالوا: ﴿لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: ٣١] وهذا على حدّ ما جعل الله سلب زكريّا عليه أفضل السلام النطق ثلاثة أيّام من غير علّة آيةً، أو أنّهم لم يحيطوا به علماً على ما قال تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾ [يونس: ٣٩]؛ [البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن: ٥٣].

يبدو من ذلك أنّه أراد المعنى الثاني من التفاسير الثلاثة، وهو سلب العلوم التي يحتاج إليها في المعارضة، أو فقدهم لتلك العلوم، حسبما نبّه عليه في آخر مقاله متمسّكاً بقوله تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ﴾.

لكن جاء في شرح المواقف للسيّد شريف الجرجاني (توفّي سنة ٨١٦ هـ) ما يبدو منه خلاف ذلك وأنّه أراد المعنى الأَوّل. قال الشريف: معنى الصرفة: أنّ العرب كانت قادرةً على كلام مثل القرآن قبل البعثة لكنّ الله صرفهم عن معارضته. واختلف في كيفية الصرف، فقال الأستاذ أبو إسحاق النظّام: صرفهم الله عنها مع قدرتهم عليها، وذلك بأن صرف دواعيهم إليها مع كونهم مجبولين عليها، خصوصاً عند توفّر الأسباب الداعية في حقّهم كالتقريع بالعجز والاستنزال عن الرئاسات والتكليف بالانقياد، فهذا الصرف خارق للعادة، فيكون معجزاً.

وأمّا إرادة سلب العلوم فنسبه إلى المرتضى عَلَم الهدى، قال: وقال المرتضى: بل صرفهم بأن سلبهم العلوم التي يحتاج إليها في المعارضة، يعني أنّ المعارضة والإتيان بالمثل يحتاج إلى علوم يُقتدر بها عليها، وكانت تلك العلوم حاصلة لكنّه تعالى سلبها عنهم فلم يبقَ لهم قدرة عليها [شرح المواقف: ج ٣ ص١١٢، والمتن للقاضي عضد الإيجي توفّي سنة ٧٥٦].

وفي مقالات الإسلاميّين لأبي الحسن الأشعري (توفّي سنة ٣٣٠ هـ) تصريح بأنّه المعنى الثالث، وهو المنع بالإلجاء والقهر، قال: وقال النظّام: الآية والأُعجوبة في القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب، فأمّا التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لولا أنّ الله منعهم بمنع وعَجز أحدثهما فيهم [مقالات الإسلاميّين: ج ١ ص ٢٩٦].

وأمّا عبد الكريم الشهرستاني فقد خلط بين المعنى الأَوّل والأخير، قال: التاسعة: قوله في إعجاز القرآن، أنّه من حيث الإخبار عن الأمور الماضية والآتية، ومن جهة صرف الدواعي عن المعارضة، ومنع العرب عن الاهتمام به جبراً وتعجيزاً. حتّى لو خلاّهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله بلاغةً وفصاحةً ونظماً [الملل والنحل: ج ١ ص ٥٦ - ٥٧].

غير أنّ الأرجح في النظر هو ما ذكره القاضي عضد الإيجي والسيّد شريف الجرجاني في تفسير مذهبه، فقد فصلا رأيه عن رأي الشريف المرتضى القائل بسلب العلوم، والتفصيل قاطع للشركة - على ما قيل -.

ويتأيّد هذا المعنى أيضاً بما جاء في عرض كلام تلميذه المتأثّر برأيه أبي عثمان الجاحظ [هو الكاتب أبو عثمان عمرو بن بحر، كان من غلمان النظّام، وتعلّم عليه، توفّي سنة ٢٥٥ هـ]، قال: ورفع الله من أوهام العرب وصرف نفوسهم عن المعارضة للقرآن... [كتاب الحيوان: ج ٤ ص ٣١].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1.  هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار بن هاني البصري ابن أُخت أبي الهذيل العلاّف شيخ المعتزلة (توفّي سنة ٢٣١هـ)، كانت له معرفة بالكلام وكان رأساً في الاعتزال، وكان له آراء تخصّه، منها رأيه في الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) نَصّ عليه بالإمامة وكتمته الصحابة، ورفض حجّية الإجماع، وقال: الحجّة هو نصّ المعصوم، وقد اشتهر قوله: علي بن أبي طالب (عليه السلام) محنة على المتكلّم، إن وفى حقّه غلا! وإن بخسه حقّه أساء، والمنزلة الوسطى دقيقة الوزن، حائرة الشأن، صعب المراقي إلاّ على الحاذق الديّن... نقله صاحب المناقب. وذكر الشهرستاني ميله إلى التشيّع ورفضه بِدع الطواغيت، قائلاً: لا إمامة إلاّ بالنصّ والتعيين ظاهراً مكشوفاً، وقد نصّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) على عليّ (عليه السلام) في مواضع، وأظهره إظهاراً لم يشتبه على الجماعة، إلاّ أنّ عمر كَتم ذلك لصالح أبي بكر يوم السقيفة، ونَسب إلى عمر شكّة في الرسالة وقال: إنّه هو الذي ضرب فاطمة (عليها السلام) يوم هجم على دارها لأخذ البيعة من عليّ، وكان مُتحصّناً في الدار، فجاءت فاطمة لتحول دون هجومه عليها فأصاب بطنها فأسقطت جنينها (محسناً)، وكان عمر يومذاك يصيح: احرقوا دارها بمَن فيها، وكان في الدار الحسنان سبطا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)... إلى آخر ما سرده من مطاعن ابن الخطّاب. (الملل والنحل: ج١، ص٥٧). قلت: ويتأيّد قوله في قضيّة الدار بما ذَكره ابن عبد ربّه - في (العقد الفريد): ج٣، ص٦٢ الطبعة الثانية القاهرة المطبعة الأزهرية (١٣٤٦هـ - ١٩٢٨م) في الباب الرابع عشر (في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم) في الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر (وهم عليّ والعبّاس والزبير وسعد بن عبادة)... قال: فأمّا علي والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطّاب ليخرجهم من البيت، وقال: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل عمر بقبس من نار، على أن يُضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطّاب أَجئت لتُحرق دارنا؟ قال عمر: نعم، أَو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة... فخرج عليّ حتّى دخل على أبي بكر فبايعه. وما ذكره ابن قتيبة - في كتابه (الإمامة والسياسة): ج١، ص١٩ تحقيق طه محمّد الزيني، في باب (كيف كانت بيعة عليّ بن أبي طالب) - قال: وإنّ أبا بكر تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند عليّ كرّم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار عليّ، فأبوا أن يخرجوا. فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأُحرقنّها على مَن فيها، فقيل له: يا أبا حفص، إنّ فيها فاطمة! فقال: وإن، فخرجوا فبايعوا إلاّ علياً؛ لأنّه حلف أن لا يضع ثيابه على عاتقه حتّى يجمع القرآن، فوقفت فاطمة (عليها السلام) على بابها فقالت: (لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جنازةً بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقّاً!) فأتى عمر أبا بكر، فقال له: أَلا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة؟! - يريد علياً (عليه السلام) - فأرسل أبو بكر قنفذاً مولاه ليُبلغه دعوته، فأبى عليّ (عليه السلام) أن يخرج، فكرّر عليه حتّى رفع عليّ صوته، فقال: (سبحان الله، لقد ادّعى ما ليس له)، فرجع قنفذ، ثمّ قام عمر ومشى معه جماعة حتّى أتوا باب فاطمة فدقّوا الباب، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: (يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة!) فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع، وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم (من الرجّالة) فأخرجوا عليّاً فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع، فقال: (إن أنا لم أفعل فمه؟) قالوا: إذاً والله نضرب عنقك، فقال: (إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله؟) قال عمر: أمّا عبد الله فنعم، وأمّا أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلّم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، ثمّ انطلقا إلى فاطمة وقالا: إنّا قد أغضبناها فاستأذنّا عليها، فلم تأذن لهما فأتيا علياً فكلّماه فأدخلهما عليها، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط، فسلّما عليها، فلم تردّ عليهما السلام... إلى آخر ما جرى بينها (عليها السلام) وبينهما. وقال المسعودي: وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب، وجمعه الحطب ليحرقهم، ويقول: إنّما أراد بذلك إن لا تنتشر الكلمة، ولا يختلف المسلمون، وأن يدخلوا في الطاعة، فتكون الكلمة واحدة، كما فعل عمر بن الخطّاب ببني هاشم لما تأخروا عن بيعة أبي بكر، فإنّه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار. (شرح النهج لابن أبي الحديد: ج٢٠، ص١٤٧، عن مروج الذهب: ج٣، ص٨٦). ونقل أبو جعفر عن بعض الزيدية احتجاجاً جاء فيه: وصار كشف بيت فاطمة والدخول عليها منزلها وجمع حطب ببابها وتهدّدها بالتحريق من أَوكد عُرى الدين! (شرح النهج: ج٢٠ ص ١٧).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مقالات مرتبطة:

الإعجاز القرآني (1)

الإعجاز القرآني (2)

الإعجاز القرآني (3)

الإعجاز القرآني (4)

الإعجاز القرآني (5)

الإعجاز القرآني (6)


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2383
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 07 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24