• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : القرآن والمجتمع .
                    • الموضوع : أصناف خلق الله في القرآن الكريم (القسم الخامس) .

أصناف خلق الله في القرآن الكريم (القسم الخامس)

السيد مرتضى العسكري

 (6) شرح‌ الآيات‌ في تفسيرها من الروايات

أوّلاً‌ ـ عن‌ الرسول (ص):

روي أحمد وابن سعد وأبو داود والترمذي بسندهم عـن رسـول اللّه (ص)، قال‌:

إنّ‌ اللّه تعالى خلق آدم من‌ قبضة‌ قبضها‌ من جميع الأرض‌، فجاء‌ بـنو آدم على قـدر‌ الأرض‌، فجاء منهم: الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك... الحديث. [سـنن الترمذي، 11‌/16‌، ح 1، من‌ تفسير سورة البقرة، وسنن أبـي داود، كـتاب‌ السنة‌، باب‌ في‌ القدر‌، ح 4693‌، 4/222، ومسند أحمد، 4/400، وطبقات ابن سعد، ط أوروبا، 1/ق1/5 و6. واللفظ للترمذي]

روي ابن سعد عن رسول اللّه‌ (ص) ما‌ مـوجزه:

لَمـّا رَكـِبَ آدمُ الخَطيئَةَ بَدَت‌ لَه‌ عَورتهُ فَكانَ‌ لا‌ يراها‌ قَبلَ ذلك. [طـبقات ابـن سعد، ط أوروبا، 1/ق، 1/10]

عن الصدوق‌ في الخـصال بـسنده عن رسول اللّه (ص) قال:

إنَّما كانَ لَبْثُ آدمَ وَحَوّاء في الجَنَّةِ حتى أُخْرِجا‌ مِنها، سَبعَ سَاعاتٍ مـِن أَيـّامِ الدُّنيا‌، حتى أهْبَطَهما‌ الله‌ مِن‌ يومهما ذلك. [البحار للمجلسي، 11/142]

ثانياً‌ ـ عن‌ الإمام على (ع):

قال الإمـام على بن أبي طالب (ع) في بدء الخلق مـا يـأتي:

أ ـ فـي خـلق الملائكة:

فـي البـحار قـال (ع):

«وَملائِكةٌ خَلَقتَهُم‌ وَأَسكنتَهُم سَماواتِك، فَلَيسَ فـيهِمْ فـَتْرَةٌ، وَلا عِندَهُم غفْلَةٌ، وَلا فِيهِم مَعصِيةٌ، هُم أَعلَمُ خَلقك بِك، وَأَخوَفُ خَلقك مِنك، وَأَقـرَبُ خـَلقك إلَيك، وَأعمَلُهم بِطاعَتِك، وَلا يغشاهُم نَومُ العـُيونِ، وَلا سَهو العُقولِ‌، وَلا‌ فَتْرَةُ الأَبـدانِ، لَم يـَسكنوا الأصلابَ، وَلَم تَضُمَّهم الأَرحامُ، وَلَم تَخلُقهُم مـِن مـاءٍ مَهين، أَنشَأتَهُم إنشاءً، فَأسكنْتَهُم سَماواتِك، وَأَكرَمْتَهُم بِجِوارِك، وَائتَمَنْتَهُم على وَحيك، وَجَنَّبتَهُم الآفاتِ، وَوَقـَيتَهُم البـَليات، وَطَهَّرتَهُم مِنَ الذُّنوبِ‌، وَلَولا‌ تَقويتُك لَم يـَقُووا، وَلَولا تـَثْبِيتُك لَم يـَثبُتوا، وَلَولا رَحمتك لَم يطيعُوا، وَلَولا أَنـتَ لَم يـَكونوا، أَما إنَّهُم على مـَكانَتِهِم مـِنك، وَطَواعِيتِهِم إِياك وَمَنزِلَتِهِم‌ عِندَك‌، وَقِلَّةِ غَفلَتِهِم عَن أَمرِك، لَو‌ عَاينوا‌ ما خَفِي عَنهُم مِنك، لاحـْتَقَرُوا أَعـْمالَهم، وَلأزرَوا على أَنفُسِهِم، وَلَعَلِموا أَ نَّهُم لَم يعبُدوك حـَقَّ عـِبادَتِك، سُبحانَك خـالقاً وَمـَعبوداً مـا أَحسَنَ بلاءك عِند خـَلقِك؟»‌. [البحار للمجلسي، 59/175 و176، نقلاً عـن تـفسير القمي ، ص 583‌]

ب ـ في‌ بدء الخلق:

وقال الإمام‌ على في خطبته عن بدء الخلق ما تفسيره بإيجاز:

إن اللّه سـبحانه خلق الأجواء وخلق في أعلاها مـاءً مـتلاطماً تـياره، يـمتدّ ويرتفع بـعضه فوق بعض، وحـمله على متن ريح عاصفة تموّجه تمويجاً‌ شديداً‌ كما يحرّك اللبن في السقاء ليتمخّض منه الزبد فرمي المـاء بـالزبد ـ الزبـد: ما يعلو الماء من الغورة وحطام الأشـياء ـ فـرفع الزبـد فـي هـواء مـنبسط وجوّ مفتوح واسع فسوّى منه سبع‌ سموات‌، جعل سفلاهنَّ‌ موجاً ممنوعاً من السيلان وعلياهنَّ سقفاً محفوظاً بلا دعامة ولا مسامير يشد بعضها ببعض، وزين السماء الدنيا‌ بزينة الكـواكب، ثم فتق ما بين السماوات العلا ـ أي التي فوق‌ السماء‌ الدنيا‌ ـ فملأهنّ أنواعاً من ملائكته، منهم سجود لا يركعون وركوع لا ينتصبون، وصافّون ـ أقدامهم ـ لا يتزايلون من مواقفهم‌، ‌‌ومسبّحون‌ لا يسأمون ولا يغشاهم‌ نوم‌ العيون ولا سهو العقول ولا فترة الأبدان ولا غفلة النسيان، منهم أمناء على وحيه وألسنة‌ إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره، ومنهم الحفظة لعباده والسدنة لأبواب جنانه، ومنهم الثابتة‌ في الأرضـين السـفلي أقدامهم‌ والمارقة‌ من السماء العليا أعناقهم... لا يتوهّمون ربّهم بالتصوير ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه بالأماكن ولا يشيرون إليه بالنظائر.

ج ـ في خَلْقِ الإنسانِ:

ثمّ جـمع سـبحانه من حَزْنِ الأرض وسهلها، وعذبها‌ وسـَبَخِها تـُربةً سنّها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت فجبل منها صورة ذات أحناءٍ ووصولٍ وأعضاءٍ وفصولٍ، أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى صلصلت، لوقتٍ معدودٍ، وأجـلٍ مـعلومٍ.

ثمّ نفخ فيها‌ مـن‌ رُوحـِه فتمثّلت إنساناً ذا أذهان يجِيلُها، وفكرٍ يتصرّفُ بها، وجوارح يختدِمُها، وأدواتٍ يقَلِّبُها، ومعرفةٍ يفرّق بها بين الحقّ والباطل، والأذواق والمشام، والألوان والأجناس، معجوناً بطينته الألوان المختلفة، والأشباه المؤتلفة، والأضداد‌ المتعادية‌، والأخلاط المتباينة، من الحـرّ والبـرد، والبلةِ والجمود، والمساءة والسرور. [شرح النهج لابن أبي الحديد، تحقيق‌ محمّد‌ أبو‌ الفضل إبراهيم، 1/96 ـ 97]

د ـ في خَلْقِ الجان والشيطان وإبليس:

في البحار أيضاً عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال:

«إنّ اللّه تبارك وتعالى لمّا أحبّ أن يخلق‌ خلقاً‌ بيده وذلك بعدما مضي للجنّ والنسناس في الأرض سـبعة آلاف سـنة، قال: ولمـّا كان من شأن اللّه أن يخلق آدم للّذي أزاد من التدبير والتقدير لما هو مكوّنه في‌ السماوات‌ والأرض‌ وعلمه لما أراده من ذلك كلّه‌، كشط‌ عن أطباق السماوات، ثمّ قال للملائكة: أُنظُروا إلى أهلِ الأرض مـِن خـَلْقي مِنَ الجِنِّ وَالنِّسناس. [كذا فـي البـحار، والنـّسناس لم نقف على حقيقته]

فلمّا رأوا ما يعملون‌ فـيها‌ ‌مـن المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحقّ، عظم ذلك عليهم وغضبوا للّه وأسفوا على أهـل الأرض ولم يـملكوا‌ غـضبهم‌ أن‌ قالوا: يا ربّ أنت العزيز القادر الجبّار القاهر العظيم الشأن‌، وهذا خلقك الضعيف الذليـل في أرضك يتقلّبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون بعافيتك وهم يعصونك بمثل هـذه الذنوب‌ العظام‌، لا‌ تأسف، ولا تـغضب، ولا تـنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى، وقد‌ عظم‌ ذلك علينا وأكبرناه فيك.

فلمّا سمع اللّه عزّ وجلّ ذلك من الملائكة قال: ﴿إنِّي جاعِلٌ في‌ الأَرضِ‌ خَليفَةً لي عليهم فيكون حجّة في أرضي على خلقي، فقالت المـلائكة: سُبْحانَك! ﴿أَتَجْعَلُ‌ فيها‌ مَن‌ يفسدُ فيها وَيسفِك الَّدماءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدك وَنُقَدِّسُ لَك﴾، وقالوا: فَاجعلْهُ مِنّا فَإنّا لا‌ نُفسِدُ‌ في‌ الأرضِ ولا نَسفِك الدِّماء.

قال اللّه جلّ جلاله: يا ملائكتي: ﴿إِنّي أَعلَمُ ما لا‌ تَعلَمُون‌﴾ إنـّي أريـد أن أخلق خلقاً بيدي أجعل ذرّيته أنبياء مرسلين، وعباداً صالحين، وأئمة‌ مهتدين‌، أجعلهم‌ خلفائي على خلقي في أرضي، ينهونهم عن المعاصي، وينذرونهم عذابي، ويهدونهم إلى طاعتي، ويسلكون‌ بهم‌ طريق سبيلي، وأجعلهم حـجّة لي عـذراً أو نذراً، وأُبين النّسناس من أرضي فأطهّرها‌ منهم‌، وأنقل‌ مردة الجن العصاة عن بريتي وخلقي وخيرتي، وأسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض، لا يجاورون‌ نسل‌ خلقي، وأجعل بين الجنّ وبين(1) خلقي حـجاباً، لا يـري نسل خلقي الجنّ‌ ولا‌ يؤانسونهم‌ ولا يخالطونهم، فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم لنفسي، أسكنتهم مساكن العصاة، وأوردتهم مواردهم‌ ولا‌ أُبالي‌، فقالت الملائكة: يا ربّ افعل ما شئت: ﴿لا عِلمَ لَنا إلاّ مـا‌ عـَلَّمتَنا‌ إنـَّك العَليمُ الحَكيم﴾، الخبر.[ البحار للمجلسي، 63/82‌ ـ 83‌. عن علل الشرائع ، 1/98]

ه ـ في أمر الرّوح:

قال الإمام على (ع) ما موجزه‌:

الروح‌ ليس هو جبرئيل، جبرئيل مـن المـلائكة، والروح غير‌ جبرئيل‌.

لقول اللّه لنبيه:

﴿ينَزِّلُ المَلائِكةُ بالرُّوحِ مـِنْ‌ أَمـرِه‌ على مَن يشاءُ مِن عِبادِه﴾ النحل 2. فالروح غير الملائكة، وقال:

﴿لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ‌ مِن‌ أَلفِ شَهر * تَنَزَّلُ المَلائِكةُ وَالرُّوح فـيها‌ بـإذنِ رَبِّهِم‌﴾ القدر‌ 3 ـ 4 وقال‌:

﴿يومَ يقومُ الرُّوحُ وَالمَلائِكةُ صَفّاً ﴾ النبأ‌ 38‌

وقـال للملائكة في آدم وجبرئيل يومئذ مع الملائكة:

﴿إنّي خالِقٌ بَشَراً مِن‌ طين‌ * فإذا سَوَّيتُه وَنَفَختُ فِيهِ مِن رُوحي‌ فـَقَعُوا لَه سـاجِدين﴾ ص 71‌ ـ 72‌. فـَسَجَدَ جِبرائيل مَعَ الملائكةِ للرّوحِ‌.

وقال‌ لمريم:

﴿فَأَرسَلنا إِلَيها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَهـا بـَشَراً سَوِياً ﴾ مريم 17

وقال لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلّم:

﴿نَزَلَ بِه‌ الرُّوحُ‌ الأمين‌ * على قَلْبِك

ثمّ‌ قـال‌: ﴿لِتـَكونَ مـِنَ المُنذرين * بِلِسانٍ‌ عَربي‌ مُبين الشعراء 193 ـ 195

فالروح واحدة والصور شتّى. [الغارات للثقفي، ط بـيروت، عـام 1407 ه ، ص 107 ـ 108]

إذاً يكون الروح ـ واللّه أعلم ـ مـا‌ نـفخ‌ فـي آدم (ع)، وما حمله الملك الذي‌ تمثّل‌ لمريم (ع)، وكذلك‌ ما‌ يحمله‌ الملك الذي ينزل بالوحي‌ على النـبي (ص) وأحـياناً يـأتي الروح الأمين إسماً للملك الذي يحمل الوحي للنبي (ص)، وكذلك هو روح‌ القدس‌ الذي أيد اللّه به عيسى بـن‌ مـريم‌، ويوم‌ القيامة‌ يقوم‌ الروح بنفسه صفّاً‌ مع‌ الملائكة. وهو الذي قال اللّه عنه:

﴿وَيـَسأَلونَك عَنِ الرُّوحِ‌ قُلِ‌ الرُّوحُ‌ مِن أَمرِ رَبِّي﴾ الإسراء 85

اللّهمّ احفظنا‌ من‌ الخطأ‌ في‌ الفـهم‌ والزلل‌ فـي القول.

و ـ معني سجود الملائكة لآدم (ع):

قال الإمام على (ع) ما موجزه:

«لَمْ يكن سُجودُ المـلائكةِ لآدم سـُجودَ طاعَةٍ، وَأنّهم عَبَدوا آدمَ مِن دونِ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَلكن‌ اعترافاً لآدَم بِالفَضيلةِ وَرَحمةً مِنَ الله لَه. [البحار، 11/139]

شـرح الكلمات:

والأجواء جمع جَوّ: الفضاء الذي بين الأرض وسائر الكواكب.

ماءً متلاطماً، تَياره.

مـُتَلاطماً: تـَلاطَم المـاء: ضرب بعضه بعضاً.

والتَّيار: موج البحر‌ وشدّة‌ جريان الماء، والمتراكم: المجتمع بعضه فوق بعض.

إن الإمـام (ع) جـعل الملائكة أربعة أقسام:

الأوّل: أرباب العبادة، ومنهم الراكع، والساجد، والصافّ، والمسبّح. وقوله «صـافّون» أي: قـائمون صفوفاً. لا يتزايلون أي‌: لا‌ يتفارقون.

والقسم الثاني: الأمناء على وحي اللّه لأنبيائه، والألسنة الناطقة في أفواه رسله، والمـختلفون بـالأقضية إلى العباد: بهم يقضي اللّه على من شاء‌ بما‌ شاء.

والقسم الثالث: حفظة العـباد‌، كـأنهم‌ قوي مودعة في أبدان البشر ونفوسهم، يـحفظ اللّه المـوصولين بـها من المهالك والمعاطب، ولولا ذلك لكان العطب ألصق بـالإنسان مـن السلامة، ومنهم سدنة الجنان‌، جمع‌ سادن: وهو الخادم، والخادم‌ يحفظ‌ ما عهد إليـه وأقـيم على خدمته.

والقسم الرابـع: حـملة العرش، ولعـلّهم هـم المـأمورون بتدبير أمر العالم من إنزال المـطر وإنـبات النبات وأمثالها ممّا يتعلّق بربوبية ربّ العالمين‌ لعوالم‌ المخلوقات.

وقوله «المارقة مـن الـسماء» المروق الخروج، وقوله «الخارِجَة مِنَ الأقـطارِ أركانِهم» والأركان: الأعضاء والجـوارح، والتـمثيل في الكلام لا يخفي على أهـل البـصائر.

الضمير في «دونه» للعرش كالضمير في «تحته»

ومتلفّعون‌: من تلفّعت‌ بالثوب، إذا التحفت بـه.

الحـَزْن ـ بفتح السكون ـ: الغليظ الخشن، والسـهل مـا يـخالفه، والسبَخ: ما مـُلَحَ مـن الأرض‌. وأشار باختلاف الأجـزاء التـي جبل منها الإنسان إلى أنّه مركب من‌ طباع‌ مختلفة‌، وفيه استعداد للخير والشر، والحسن والقـبيح.

سـَنَّ الماء: صبّه، والمراد صبّ عليها، أو «سـنّها» هـنا بمعنى مـلسها وقوله‌ «حتي‌ خلصت» أي: صارت طينة خالصة. لاطها: خلطها وعجنها مـلطه وَطـينَه بِهِ، والبَلّة من البلل. ولَزُبَ: تـداخل‌ بـعضه فـي بـعض، وصـلبٍ لَزُبْ: بمعنى التـصق وثـبت واشتد.

الأحناء: جمع حِنْو، وهو‌: كل ما فيه اعوجاج‌ من‌ البدن كعظم الحِجاج، واللحي، والضلع، أو هـي الجـوانب مـطلقاً. وَجَبَلَ: أي خَلَقَ.

أصلدها: جعلها صلبة ملساء مـتينة، وصـلصلت: يـبست حتى كـانت تـسمع لها صلصلةٌ إذا هَبَّتْ عليها رياحٌ، وذلك هو الصلصال‌، كأنه قال: حتى يبست وجفت مُعَدَّةً لوقتٍ معلومٍ. ويمكن أن تكون بمعنى: جبل من الأرض هذه الصورة ولايزال يحفظها لوقتٍ معدود يـنتهي بيوم القيامة.

مَثُلَ: ككرُمَ: قامَ منتصباً. والأذهان: قوي التعقل‌، ويجيلها‌: يحركها في المعقولات.

مختدمها: يجعلها في مآربه وأوطاره كالخدم الذين تستعملهم في خدمتك في شؤونك كلها، والأدوات: جمع أداة، وهي الآلة، وتقليبها: تـحريكها فـي العمل بها فيما خلقت له.

معجوناً‌: صفة‌ «إنساناً»، والألوان المختلفة: الضروب والفنون، وتلك الألوان هي التي ذكرها من الحر والبرد والبلةِ والجمودِ.

استأدي الملائكة وديعته: طلب منهم أداءها، والوديعة هي عهده إليـهم بـقوله:

﴿إنّي خالِقٌ بَشَراً‌ مِنْ‌ طينٍ، فإذا سَوَّيتُهُ وَنَفَخْتُ فِيه مِنْ رُوحي فَقَعوا لَهُ ساجِدينَ

الشِّقوة: ما حتم عليه من الشّقاء، والشّقاء: ضِدّ السـعادة، وهـو النَّصَب الدائم والألم الملازم، وتعززه بخلقة النـار: اسـتكباره مقدار‌ نفسه‌ بسبب‌ أنّه خلق من جنس لطيف‌ ومادة‌ أعلي‌ من مادةِ الصّلصالِ، والصّلصال: الطّين الحُرّ خلط بالرمل أو الطِّين ما لم يجْعَل خَزفاً. والمراد مـن الصـلصال هنا مادّة الأرض التي‌ خـَلقَ‌ آدَمـ‌ عليه السّلام منها، وجنس ما خَلق منه الجن‌ ـ وهم‌ من الأجناس اللطيفة ـ أعلي من جنس ما خلق منه الإنسان، وهو مجبول من عناصر الأرض، والنظرة ـ بفتح فكسر ـ: الانتظار‌ به‌ حياً‌، مـادام الإنـسان عامراً.

ثالثاً ـ عن الإمام محمّد الباقر (ع):

قال في‌ معنى: ﴿وَنَفَختُ فيهِ مِن رُوحي

رُوحٌ اختارَهُ الله، وَاصطَفاهُ وَخَلقهُ، وَأَضافَهُ إلى نَفْسِهِ، وَفَضَّلَهُ على جميعِ الأرواح. [البحار للمجلسي، 4/11]

وفي‌ رواية‌ أخرى‌ عنه أنه قال:

إنـّما أَضـافَه إلى نفسه لأنـّه اصطفاهُ على سائِرِ‌ الأرواحِ‌، كما اصطَفى بِيتاً مِنَ البُيوتِ، فقال: بيتي، وقال لِرَسُولٍ مِنَ الرُّسُلِ: خَليلي، وأشـباه ذلك، وكلّ مخلوق‌، ومصنوع‌، محدَث‌ مربوب مُدَبَّر. [البحار للمجلسي، 4/12، نقلاً عن معاني الأخبار‌ وتوحيد‌ الصـّدوق‌]

وفي رواية أخرى قال الراوي:

سـألت أبـا جـعفر عن الروح‌ التي‌ في‌ آدم والتي في عيسى ما هما؟

‌قـال: روحان مخلوقان، اختارهما، واصطفاهما: روح آدم، وروح عيسى، صلوات اللّه عليهما. [البحار للمجلسي‌، 4/13‌]

رابعاً: عن‌ الإمام‌ جعفر الصادق (ع)

انـّه قـال فـي قوله تعالى: ﴿فَبَدَت لَهُما سَوءاتُهُما ﴾ طه 121)، قال‌ (ع):

كانت‌ سَوءاتهما‌ لا تبدو لهما فبدت يعني كانت مـن داخل. [البحار للمجلسي، 11/160، نقلاً عن‌ تفسير ص 213]

وفي محاورة جبرئيل لآدم قال (ع):

لمّا‌ خرج‌ آدم من الجنّة نزل عليه جبرئيل (ع) فـقال: يا آدم أليس اللّه خلقك بـيده‌، ونـفخ‌ فيك‌ من روحه، وأسجد لك ملائكته، وزوّجك حوّاء أمته، وأسكنك الجنّة، وأباحها لك، ونهاك مشافهة؛ أن‌ لا‌ تأكل من هذه الشجرة، فأكلت منها وعصيت اللّه‌؟

فقال آدم (ع): يا جبرئيل إنّ‌ إبليس‌ حلف‌ لي باللّه إنّه لي ناصح، فـما ظننت أنّ أحداً من خلق اللّه يحلف باللّه كاذباً‌. [البحار للمجلسي‌، 11‌/163]

وفي‌ توبة‌ آدم (ع) قال (ع):

إنّ اللّه تبارك وتعالى لما أراد أن يتوب على آدم‌ (ع) أرسل‌ إليه جبرئيل، فقال له: السلام عليك يا آدم الصابر على بليته، التائب عن خـطيئته، إن اللّه‌ تبارك‌ وتعالى بعثني إليك لأعلّمك المناسك التي يريد أن يتوب عليك بها، وأخذ‌ جبرئيل‌ بيده وانطلق به حتى أتي البيت، فنزل‌ عليه‌ غمامة‌ من السماء فقال له جبرئيل (ع): خطّ برجلك‌ حـيث‌ أظـلّك هذا الغمام، ثم انطلق به حتى أتي به مني فأراه موضع مسجد‌ مني‌ فخطّه، وخطّ الحرم بعدما خطّ‌ مكان‌ البيت، ثم‌ انطلق‌ به‌ إلى عرفات فأقامه على العرف وقال‌ لهـ‌: إذا غـرب الشمس فاعترف بذنبك سبع مرات، ففعل ذلك آدم. [البحار للمجلسي، 11/167‌]

خامساً‌ ـ عن الإمام الرضا (ع):

قال في معنى قوله عزّ وجلّ: ﴿خَلَقتُ بـِيدَي ﴾ ص / 75 . يـعني‌ بـقدرتي‌ وقوّتي. [البحار للمجلسي، 1/10]

وفي عصمة الأنبياء عـندما‌ سـأله‌ المـأمون‌:

يا ابن رسول‌ اللّه‌ أليس من قولك: إنّ‌ الأنبياء‌ معصومون؟

قال: بلى.

قال: فما معنى قول اللّه عزّ وجلّ: ﴿وَعَصى آدَمُ رَبَّه فـَغَوى﴾ طـه‌ 121‌

فـقال (ع): إنّ اللّه تبارك وتعالى قال‌ لآدم‌ (ع): ﴿اسكن أَنتَ‌ وَزَجـك‌ الجـنَّةَ‌ فَكلا مِنها حَيثُ شِئتُما‌ وَلا تَقْرَبا هذه الشَّجَرَة ﴾ وأشار لهما إلى شجرة الحنطة، ﴿فَتَكونا مِنَ الظّالِمين﴾ ولم يقل لهما‌: لا‌ تأكلا من هـذه الشـجرة ولا مـمّا‌ كان‌ من‌ جنسها‌، فلم‌ يقربا تلك الشجرة‌، وإنّما‌ أكلا مـن غيرها لمّا أن وسوس الشيطان إليهما وقال: ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة، وإنّما‌ نهاكما‌ أن‌ تقربا غيرها ولم يـنهكما عـن الأكـل منها‌: ﴿إلاّ‌ أن‌ تَكونا‌ مَلَكين‌ أو‌ تَكونا مِنَ الخالِدين * وَقاسمهما إنّي لَكما لَمـِنَ النـّاصِحين﴾ الأعراف 20 و21.

ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف باللّه كاذباً: ﴿فَدَلاّهُما بِغُرورٍ فأكلا منها ثقة‌ بيمينه بـاللّه‌، وكـان ذلك مـن آدم قبل النبوّة. [البحار للمجلسي، 11/164، نقلاً عن عيون الأخبار للشيخ الصـدوق، ص 108].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مقالات مرتبطة:

أصناف خلق الله في القرآن الكريم (القسم الأول)

أصناف خلق الله في القرآن الكريم (القسم الثاني)

أصناف خلق الله في القرآن الكريم (القسم الثالث)

أصناف خلق الله في القرآن الكريم (القسم الرابع)


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2251
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 06 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24