[ 1030 ]
سورة يس [ مكية، وهي ثلاث وثمانون آية ] (1)
بسم الله الرحمن الرحيم (يس) قد مضى نظائره. قال: (هو اسم من أسماء النبي صلى الله عليه وآله، ومعناه: يا أيها السامع الوحي) (2). (والقران الحكيم) الواو للقسم. (إنك لمن المرسلين). (على صراط مستقيم) قال: (على الطريق الواضح) (3). (تنزيل العزيز الرحيم) قال: (القرآن) (4). (لتنذر قوما) قال: (لتنذر القوم الذين أنت فيهم) (5). (ما أنذر اباؤهم فهم غافلون) قال: (عن الله، وعن رسوله، وعن وعيده) (6). (لقد حق القول على أكثرهم) قال: (ممن لا يقرون بولاية أمير المؤمنين والأئمة
__________________________
(1) - ما بين المعقوفتين من(ب).
(2) - معاني الأخبار: 22، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) و(4) - القمي 2: 211، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(5) و(6) - الكافي 1: 432، الحديث: 90، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 1031 ]
من بعده) (1). (فهم لا يؤمنون) قال: (بإمامة أمير المؤمنين والأوصياء من بعده، فلما لم يقروا كانت عقوبتهم ما ذكر الله) (2). (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهى إلى الأذقان فهم مقمحون) القمي: قد رفعوا رؤوسهم (3). (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون). قال: (يقول: فأعميناهم فهم لا يبصرون الهدى، أخذ الله سمعهم وأبصارهم وقلوبهم، فأعماهم عن الهدى) (4). وقال: (هذا في الدنيا، وفي الاخرة في نار جهنم مقمحون) (5). قيل: تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم، بحيث لا تغني الايات والنذر، بتمثيلهم بالذين غلت أعناقهم، والأغلال واصلة إلى أذقانهم، فلا تخليهم يطأطئون فهم مقمحون رافعون رؤوسهم، غاضون أبصارهم في أنهم لا يلتفتون لفت الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه، ولا يطأطئون رؤوسهم له، وبمن أحاط بهم سدان فغطى أبصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم ووراءهم، في أنهم محبوسون في مطمورة (6) الجهالة، ممنوعون عن النظر في الايات والدلائل (7). (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون). (إنما تنذر من اتبع الذكر وخشى الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم). (إنا نحن نحيى الموتى): الأموات بالبعث، والجهال بالهداية (ونكتب ما
__________________________
(1) و(2) - الكافي 1: 432، الحديث: 90، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) - القمي 2: 212.
(4) - المصدر، عن أبي جعفر عليه السلام.
(5) - الكافي 1: 432، ذيل الحديث: 90، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(6) - المطمورة: حفيرة تحت الأرض يوسع أسافلها. تاج العروس 12: 433.
(7) - البيضاوي 4: 185.(*)
[ 1032 ]
قدموا): ما أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة (واثارهم) كعلم علموه، وخطوة مشوا بها إلى المساجد، وكإشاعة باطل، وتأسيس ظلم. (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين) القمي: أي: في كتاب مبين (1). وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (أنا والله الأمام المبين، أبين الحق من الباطل، ورثته من رسول الله صلى الله عليه وآله) (2). وعن النبي صلى الله عليه وآله: (ما من علم إلا علمنيه ربي وأنا علمته عليا، وقد أحصاه الله في، وكل علم علمت فقد أحصيته في إمام المتقين، وما من علم إلا علمته عليا) (3). وقال: (لما نزلت هذه الاية قام أبو بكر وعمر من مجلسهما وقالا: يا رسول الله هو التوراة ؟ قال: لا. قالا: فهو الأنجيل ؟ قال: لا. قالا: فهو القرآن ؟ قال لا. قال: فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هو هذا، إنه الامام الذي أحصى الله فيه علم كل شئ) (4). (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون) قيل: أرسلهم الله، أو أرسلهم عيسى بأمر الله (5). (إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون). (هي قرية أنطاكية (6)، أرسل إليهم رسولان، فغلظوا عليهما وحبسوهما في بيت
__________________________
(1) و(2) - القمي 2: 212.
(3) - الاحتجاج 1: 74، مع تفاوت.
(4) - معاني الأخبار: 95، الحديث: 1، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام.
(5) - مجمع البيان 7 - 8:: 420، زاد المسير(لابن الجوزي) 6: 266.
(6) - أنطاكية: وهي من أعيان البلاد وأمهاتها، موصوفة بالنزاهة والحسن وطيب الهواء وعذوبة الماء وكثرة الفواكه وسعة الخير. وقال ابن بطلان: وخرجنا من حلب طالبين أنطاكية وبينهما يوم وليلة، فوجدنا المسافة التي بين حلب وانطاكية عامرة لا خراب فيها أصلا. ولم تزل أنطاكية قصبة العواصم من الثغور الشامية. وأول من بنى أنطاكية(انطيخس) وهو الملك الثالث بعد الأسكندر. وقيل: أول من بناها وسكنها(أنطاكية) بنت الروم بن اليقن بن سام بن نوح عليه السلام، أخت أنطالية باللام. معجم البلدان 1: 266.(*)
[ 1033 ]
الأصنام، فبعث الله الثالث. فقال لهم: أحببت أن أعبد إله الملك، فأمر الملك أن ادخلوه إلى بيت الالهة. فمكث سنة مع صاحبيه، فقال لهما: بهذا ينقل قوم من دين إلى دين، بالخرق ؟ ! أفلا رفقتما، ثم قال لهما: لا تقران بمعرفتي، وقال للملك: رأيت رجلين في بيت الالهة، فما حالهما ؟ قال: هذان رجلان أتياني ببطلان ديني، ويدعواني إلى إله سماوي، فقال: أيها الملك فمناظرة جميلة، فإن يكن الحق لهما تبعناهما، وإن يكن الحق لنا دخلا معنا في ديننا. فلما دخلا إليه قال لهما صاحبهما: ما الذي جئتما به ؟ قالا: جئنا ندعوه إلى عبادة الله، الذي خلق السموات والأرض، ويخلق في الأرحام ما يشاء، ويصور كيف يشاء، وأنبت الأشجار والثمار، وأنزل القطر من السماء. فقال لهما: هذا الذي تدعوان إليه وإلى عبادته إن جئنا بأعمى يقدر أن يرده صحيحا ؟ قالا: إن سألناه أن يفعل، فعل إن شاء. قال: أيها الملك علي بأعمى لم يبصر شيئا قط، فأتي به، فقال لهما: أدعوا إلهكما أن يرد بصر هذا. فقاما وصليا ركعتين، فإذا عيناه مفتوحتان وهو ينظر إلى السماء، ففعل صاحبهما مثل فعلهما بأعمى آخر. فأتيا بمقعد فدعوا الله فأطلقت رجلاه، ففعل صاحبهما مثله بمقعد آخر. فقال: أيها الملك ! قد أتيا بحجتين وآتينا بمثلهما، ولكن إن أحيا إلههما ابنك الذي مات دخلت معهما في دينهما، فقال له الملك: وأنا أيضا معك، فخرا ساجدين لله وأطالا السجود، ثم رفعا رؤوسهما وقالا للملك: ابعث إلى قبر ابنك تجده قد قام من قبره إن شاء الله. فخرج الناس ينظرون، فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من التراب. فقال له: يا بني ما حالك ؟ قال: كنت ميتا، فرأيت رجلين ساجدين يسألان الله أن يحييني. قال: فتعرفهما إذا رأيتهما ؟ قال: نعم. فكان يمر عليه رجل بعد رجل، فمر أحدهما بعد جمع كثير فقال هذا أحدهما، ثم مر الاخر فعرفهما وأشار بيده إليهما. فآمن الملك وأهل مملكته). كذا ورد (1).
__________________________
(1) - القمي 2: 213، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)
[ 1034 ]
وفي رواية: (إن الثالث كان شمعون الصفا رأس الحواريين، وإنه كان يدعو معهما سرا، فقام الميت وقال: وأنا أحذركم ما أنتم فيه، فآمنوا بالله، فتعجب الملك، فلما علم شمعون أن قوله أثر في الملك دعاه إلى الله، فآمن وآمن من أهل مملكته قوم وكفر آخرون) (1). (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا) لا مزية لكم تقتضي اختصاصكم بما تدعون (وما أنزل الرحمن من شئ): من وحي ورسالة (إن أنتم إلا تكذبون). (قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون). (وما علينا إلا البلاغ المبين). (قالوا إنا تطيرنا بكم): تشأمنا. قيل: ذلك لاستغرابهم ما ادعوه وتنفرهم بهم (2). والقمي: تطيرنا بأسمائكم (3). (لئن لم تنتهوا) عن مقالتكم هذه (لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم). (قالوا طائركم معكم): سبب شؤمكم معكم، وهو سوء عقيدتكم وأعمالكم: (أإن ذكرتم): أئن وعظتم به تطيرتم وتوعدتم، فحذف الجواب. (بل أنتم قوم مسرفون). (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين). القمي: نزلت في حبيب النجار، إلى قوله:) من المكرمين) (4). ورد: (الصديقون ثلاثة: حبيب النجار، مؤمن آل يس الذي يقول) إتبعوا المرسلين (، وحزقيل، مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم) (5). (اتبعوا من لا يسألكم أجرا) على النصح وتبليغ الرسالة (وهم مهتدون) إلى خير الدارين. (وما لى لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون). تلطف في الأرشاد، بإيراده في
__________________________
(1) - مجمع البيان 7 - 8: 420، في رواية عن وهب بن منبة.
(2) - البيضاوي 4: 186.
(3) و(4) - القمي 2: 214.
(5) - الأمالي(للصدوق): 385، المجلس: 72، الحديث: 6، عن النبي صلى الله عليه وآله.(*)
[ 1035 ]
معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح، حيث أراد لهم ما أراد لنفسه، والمراد تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم إلى عبادة غيره، ولذلك قال:) وإليه ترجعون (مبالغة في التهديد، ثم عاد إلى المساق الأول. (أأتخذ من دونه الهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون). (إني إذا لفي ضلال مبين). (إني امنت بربكم) الذي خلقكم، أو هو خطاب للرسل، بعد ما أراد القوم أن يقتلوه (فاسمعون): فاسمعوا إيماني. (قيل ادخل الجنة). قيل له ذلك لما قتلوه، بشرى بأنه من أهل الجنة، أو إكراما وإذنا في دخولها. (قال يا ليت قومي يعلمون). (بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين). روي: (إنه نصح قومه حيا وميتا) (1). (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء) لأهلاكهم، كما أرسلنا يوم بدر والخندق، بل كفينا أمرهم بصيحة (وما كنا منزلين). (ما) نافية أو موصولة معطوفة على جند، أي: ومما كنا منزلين على من قبلهم من حجارة وريح ونحوهما. (إن كانت إلا صيحة واحدة) صاح بها جبرئيل (فإذا هم خامدون): ميتون، شبهوا بالنار رمزا، إلى أن الحي كالنار الساطع والميت كرمادها. (يا حسرة على العباد) تعالى فهذا أوانك، وفي قراءتهم عليهم السلام: (يا حسرة العباد) (2). (ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون). (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون). (وإن كل لما جميع لدينا محضرون) إن شدد (لما) فهو بمعنى إلا، وإن خفف ف
__________________________
(1) - جوامع الجامع: 392.
(2) - مجمع البيان 7 - 8: 420، عن علي بن الحسين عليهما السلام.(*)
[ 1036 ]
(إن) مخففة، و (ما) مزيدة للتأكيد. (واية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون) فإنه معظم ما يؤكل ويعاش به. (وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون). (ليأكلوا من ثمره): ثمر ما ذكر (وما عملته أيديهم) مما يتخذ منه، كالعصير والدبس ونحوهما، وقيل: (ما) نافية (1). (أفلا يشكرون). (سبحان الذي خلق الأزواج كلها): الأنواع والأصناف (مما تنبت الأرض) من النبات والشجر (ومن أنفسهم) الأنثى والذكر (ومما لا يعلمون): وأزواجا مما لا يطلعهم الله عليه. (واية لهم الليل نسلخ منه النهار) نزيله ونكشف عن مكانه، مستعار من سلخ الشاة (فإذا هم مظلمون): داخلون في الظلام. قال: (يعني قبض محمد صلى الله عليه وسلم، وظهرت الظلمة فلم يبصروا فضل أهل بيته) (2). (والشمس تجري لمستقر لها): لحد معين ينتهي إليه دورها، وفي قراءتهم عليهم السلام: (لا مستقر لها) (3)، أي: لا سكون لها فإنها متحركة دائما. (ذلك تقدير العزيز العليم). (والقمر قدرناه): قدرنا مسيره (منازل) وهي ثمانية وعشرون منزلا، ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه (حتى عاد كالعرجون القديم) كالشمراخ (4) المعوج العتيق.
__________________________
(1) - الكشاف 3: 322، البيضاوي 4: 188.
(2) - الكافي 8: 380، قطعة من حديث: 574، عن أبي جعفر عليه السلام.
(3) - مجمع البيان 7 - 8: 423، عن السجاد والباقر والصادق عليهم السلام.
(4) - الشمراخ والشمروخ: العثكال، وهو ما يكون فيه الرطب، وكل غصن من أغصانه شمراخ. مجمع البحرين 2: 436، النهاية 2: 500(شمرخ).(*)
[ 1037 ]
(لا الشمس ينبغي لها): يصح لها ويتسهل (أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون): يسيرون فيه بانبساط. قال: (يقول: الشمس سلطان النهار، والقمر سلطان الليل، لا ينبغي للشمس أن تكون مع ضوء القمر بالليل، ولا يسبق الليل النهار: يقول: لا يذهب الليل حتى يدركه النهار، (وكل في فلك يسبحون): يقول: يجئ وراء الفلك الاستدارة) (1). وفي رواية: (إن النهار خلق قبل الليل وقوله تعالى:) ولا الليل سابق النهار (أي: قد سبقه النهار) (2). (واية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون): المملوء، أي: سفينة نوح، كما في قوله:) ذرية من حملنا مع نوح) (3). سئل في حديث: فما التسعون ؟ قال: (الفلك المشحون، اتخذ نوح عليه السلام فيه تسعين بيتا للبهائم) (4). قيل: حمل الله ذريتهم فيها، حمله آباءهم الأقدمين وفي أصلابهم ذرياتهم، وتخصيص الذرية لأنه أبلغ في الامتنان وأدخل في التعجيب مع الايجاز (5). والقمي: السفن الممتلئة (6)، وعمم الفلك، فالمراد بالذرية أولادهم الذين يبعثونهم إلى تجاراتهم، أو صبيانهم ونسائهم. (وخلقنا لهم من مثله): من مثل الفلك (ما يركبون) من السفن والزوارق، على المعنى الأول، ومن الأنعام والدواب، ولا سيما الأبل، فإنها سفائن البر، على المعنى الأخير.
__________________________
(1) - القمي 2: 214، عن أبي جعفر عليه السلام.
(2) - مجمع البيان 7 - 8: 425، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.
(3) - الاسراء(17): 3.
(4) - الخصال 2: 598، قطعة من حديث: 1، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(5) - البيضاوي 4: 188.
(6) - القمي 2: 215.(*)
[ 1038 ]
(وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون). (إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين). (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم) قال: (من الذنوب) (1). (وما خلفكم) قال: (من العقوبة) (2). (لعلكم ترحمون) جواب إذا محذوف دل عليه ما بعده، كأنه قيل: أعرضوا. (وما تأتيهم من اية من ايات ربهم إلا كانوا عنها معرضين). (وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين امنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين). إما تهكم بهم من إقرارهم بالله وتعليقهم الأمور بمشيئة الله، وإما إيهام بأن الله لما كان قادرا أن يطعمهم فلم يطعمهم فنحن أحق بذلك، وهذا من فرط جهالتهم، فإن الله يطعم بأسباب منها حث الأغنياء على إطعام الفقراء، وتوفيقهم له. (ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) يعنون وعد البعث. (ما ينظرون): ما ينتظرون (إلا صيحة واحدة) هي النفخة الأولى (تأخذهم وهم يخصمون): يختصمون في متاجرهم ومعاملاتهم. (فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون) القمي: ذلك في آخر الزمان، يصاح فيهم صيحة وهم في أسواقهم يتخاصمون، فيموتون كلهم في مكانهم، لا يرجع أحد إلى منزله ولا يوصى بوصية (3). وورد: (الرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعان فما يطويانه حتى تقوم الساعة. والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتى تقوم. والرجل يليط حوضه ليسقى ماشيته فما
__________________________
(1) و(2) - مجمع البيان 7 - 8: 427، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) القمي 2: 215.(*)
[ 1039 ]
يسقيها حتى تقوم) (1). (ونفخ في الصور) أي: مرة ثانية، كما يأتي في سورة الزمر (2). (فإذا هم من الأجداث): من القبور (إلى ربهم ينسلون): يسرعون. (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا). وفي قراءتهم عليهم السلام: (من بعثنا) (3) على من الجارة والمصدر. (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون). قال: (فإن القوم كانوا في القبور، فلما قاموا حسبوا أنهم كانوا نياما،) قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا (قالت الملائكة:) هذا ما وعد الرحمن (الاية) (4). (إن كانت إلا صيحة واحدة) هي النفخة الأخيرة (فإذا هم جميع لدينا محضرون) بمجرد الصيحة، وفي ذلك تهوين أمر البعث والحشر، واستغناؤهما عن الأسباب التي ينوط بها فيما يشاهدونه. قال: (كان أبو ذر رضى الله عنه يقول في خطبة: ما بين الموت والبعث إلا كنومة نمتها ثم استيقظت منها) (5). (فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون). (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون): متلذذون. قال: (شغلوا بافتضاض العذارى. قال: وحواجبهن كالأهلة، وأشفار أعينهن كقوادم النسور) (6). (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكؤون). قال: (الأرائك: السرر عليها
__________________________
(1) - مجمع البيان 7 - 8: 427.
(2) - الزمر(39): 68.
(3) - جوامع الجامع: 394، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(4) - القمي 2: 216، عن أبي جعفر عليه السلام.
(5) - الكافي 2: 134، الحديث: 18، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(6) - مجمع البيان 7 - 8: 429، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 1040 ]
الحجال) (1). وورد: (إذا جلس المؤمن على سريره اهتز سريره فرحا) (2). (لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون): يتمنون، من قولهم: ادع علي ما شئت، أي: تمنه. كذا قيل (3). (سلام قولا من رب رحيم) يقال لهم قولا كائنا من جهته، يعني: إن الله يسلم عليهم. القمي: السلام منه هو الأمان (4). (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) وانفردوا عن المؤمنين، وذلك حين يسار بالمؤمنين إلى الجنة، كقوله:) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون (5). (ألم أعهد إليكم يا بني ادم أن لا تعبدوا الشيطان) جعلها عبادة الشيطان، لأنه الامر بها المزين لها، وقد ثبت أن من أطاع المخلوق في معصية الخالق فقد عبده. وورد: (من أطاع رجلا في معصية فقد عبده) (6). (إنه لكم عدو مبين). (وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم). (ولقد أضل منكم جبلا كثيرا): خلقا كثيرا (أفلم تكونوا تعقلون). (هذه جهنم التي كنتم توعدون). (إصلوها اليوم بما كنتم تكفرون). (اليوم نختم على أفواههم): نمنعها عن الكلام (وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون). قال: (وليست تشهد الجوارح على مؤمن، إنما تشهد على من حقت عليه كلمة
__________________________
(1) - القمي 2: 216، عن أبي جعفر عليه السلام.
(2) - المصدر: 247، الكافي 8: 97، قطعة من حديث: 69، عن أبي جعفر عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
(3) - البيضاوي 4: 190.
(4) - القمي 2: 216.
(5) - الروم(30): 14.
(6) - الكافي 2: 398، الحديث: 8، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 1041 ]
العذاب، فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه) (1). (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم) لمسحنا أعينهم حتى تصير ممسوحة (فاستبقوا الصراط): إلى الطريق الذي اعتادوا سلوكه (فأنى يبصرون) الطريق وجهة السلوك فضلا عن غيره. (ولو نشاء لمسخناهم) بتغيير صورهم وإبطال قواهم (على مكانتهم): مكانهم، بحيث يخمدون فيه. القمي: في الدنيا (2). (فما استطاعوا مضيا): ذهابا (ولا يرجعون). (ومن نعمره): نطل عمره (ننكسه في الخلق): نقلبه فيه، فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاص بنيته وقواه، عكس ما كان عليه بدو أمره (أفلا يعقلون) أن من قدر على ذلك قدر على الطمس والمسخ، فإنه مشتمل عليهما وزيادة، غير أنه على تدرج. (وما علمناه الشعر) بتعليم القرآن، يعني ليس ما أنزلنا عليه من صناعة الشعر في شئ، أي: مما يتوخاه الشعراء من التخييلات المرغبة والمنفرة ونحوهما، مما لا حقيقة له ولا أصل، وإنما هو تمويه محض، موزونا كان أو غير موزون. (وما ينبغي له) يعني هذه الصناعة. القمي: كانت قريش تقول: إن هذا الذي يقوله محمد شعر، فرد الله عزوجل عليهم (3). (إن هو إلا ذكر): عظة (وقران مبين): كتاب سماوي يتلى في المعابد. (لينذر من كان حيا) قال: (أي: عاقلا) (4). والقمي: أي: مؤمنا حي القلب (5). (ويحق القول): وتجب كلمة العذاب (على الكافرين) المصرين على الكفر. (أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا) قيل: يعني مما تولينا إحداثه ولم يقدر على إحداثه غيرنا، وذكر الأيدي وإسناد العمل إليها استعارة تفيد مبالغة في الاختصاص،
__________________________
(1) - الكافي 2: 32، ذيل الحديث: 1، عن أبي جعفر عليه السلام.
(2) و(3) - القمي 2: 217.
(4) - مجمع البيان 7 - 8: 432، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(5) - القمي 2: 217.(*)
[ 1042 ]
والتفرد الاحداث (1). والقمي: أي: بقوتنا خلقناها (2). (أنعاما) خصها بالذكر لما فيها من بدائع الفطرة وكثرة المنافع. (فهم لها مالكون): يتصرفون فيها. (وذللناها لهم فمنها ركوبهم): مركوبهم (ومنها يأكلون). (ولهم فيها منافع) مما يكسبون بها، ومن الجلود والأصواف والأوبار (ومشارب) من ألبانها (أفلا يشكرون). (واتخذوا من دون الله الهة لعلهم ينصرون): رجاء أن ينصروهم. (لا يستطيعون نصرهم) قال: (يقول: لا يستطيع الالهة لهم نصرا) (3) (وهم لهم): (للالهة) (4). (جند محضرون) قيل: أي: معدون لحفظهم والذب عنهم، أو محضرون أثرهم في النار (5). (فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون). (أو لم ير الأنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين) القمي: أي: ناطق عالم بليغ (6). (وضرب لنا مثلا): أمرا عجيبا، وهو نفي القدرة على إحياء الموتى (ونسى خلقه): خلقنا إياه (قال من يحي العظام وهى رميم) منكرا إياه، مستبعدا له، والرميم: ما بلي من العظام. قال: (جاء أبي بن خلف فأخذ عظما باليا من حائط ففته (7)، ثم قال (8): يا محمد) إذا كنا
__________________________
(1) - البيضاوي 4: 190.
(2) - القمي 2: 217.
(3) و(4) - المصدر، عن أبي جعفر عليه السلام.
(5) - البيضاوي 4: 191.
(6) - القمي 2: 218.
(7) - فت الشئ يفته فتا: دقه وكسره بأصابعه. لسان العرب 10: 169(فتت).
(8) - في(ألف) والمصدر:(فقال).(*)
[ 1043 ]
عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا (11) ؟ ! فنزلت (2). (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) يعلم تفاصيل المخلوقات، وكيفية خلقها، وأجزاءها المتفتة، المتبددة أصولها وفروعها، ومواقعها وطريق تمييزها، وضم بعضها إلى بعض. قال: (إن الروح مقيمة في مكانها، روح المحسن (3) في ضياء وفسحة، وروح المسئ في ضيق وظلمة، والبدن يصير ترابا كما منه خلق، وما يقذفه به السباع والهوام من أجوافها مما أكلته ومزقته، كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض، ويعلم عدد الأشياء ووزنها، وإن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور، فتربو الأرض فتمخض مخض السقاء (4)، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، والزبد من اللبن إذا مخض، فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه، فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح، فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها، وتلج الروح فيها، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا) (5). (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون) القمي: وهو المرخ (6) والعفار (7)، يكون في ناحية من بلاد العرب، فإذا أرادوا أن يستوقدوا أخذوا من ذلك الشجر، ثم أخذوا عودا فحركوه فيه فيستوقدون منه النار (8). قيل: يسحقون المرخ على
__________________________
(1) - الأسراء(17): 49 و 98.
(2) - العياشي 2: 296، الحديث: 89، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) - في(ب):(روح المؤمن).
(4) - السقاء: جلد السخلة إذا جذع يكون للماء واللبن، والجمع: أسقية وأساقي. مجمع البحرين 1: 221(سقا).
(5) - الاحتجاج 2: 98، عن أبي عبد الله عليه السلام، مع تفاوت يسير.
(6) - المرخ: شجر كثير الوري سريعه. لسان العرب 13: 68(مرخ).
(7) - العفار: شجر يتخذ منه الزناد. لسان العرب 9: 287(عفر).
(8) - القمي 2: 218.(*)
[ 1044 ]
العفار - وهما خضراوان - يقطر منهما الماء، فتنقدح النار (1). (أو ليس الذي خلق السموات والأرض) مع كبر جرمهما وعظم شأنهما (بقادر على أن يخلق مثلهم) في الصغر والحقارة (بلى وهو الخلاق العليم): كثير المخلوقات والمعلومات. (وهذه كلها جدال بالتي هي أحسن، أمر الله تعالى نبيه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت). كذا ورد (2). (إنما أمره): إنما شأنه (إذا أراد شيئا أن يقول له كن): تكون (فيكون). وهو تمثيل لتأثير قدرته في مراده بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور، من غير امتناع وتوقف وافتقار إلى مزاولة (3) عمل واستعمال آلة، قطعا لمادة الشبهة. قال: (كن منه صنع، وما يكون به المصنوع) (4). وقال: (إنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه. قال: يقول ولا يلفظ، ويريد ولا يضمر) (5) وقال: (يريد بلا همة) (6). والقمي: خزائنه في الكاف والنون (7). (فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ). تنزيه له عما ضربوا له، وتعجيب عما قالوا فيه، و (ملكوت كل شئ): ما يقوم به ذلك الشئ من عالم الأرواح والملائكة. (وإليه ترجعون). وعد ووعيد للمقرين والمنكرين.
__________________________
(1) - البيضاوي 4: 192.
(2) - الاحتجاج 1: 14، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) - زاوله مزاولة: طالبه. القاموس المحيط 3: 402(زول).
(4) - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 173، الباب: 12، قطعة من حديث: 1.
(5) - نهج البلاغة: 274، الخطبة: 186.
(6) - المصدر: 258، الخطبة: 179، وفيه:(مريد بلا همة).
(7) - القمي 2: 218.(*)