[ 1045 ]
سورة الصافات [ مكية، وهي مائة واثنتان وثمانون آية ] (1)
بسم الله الرحمن الرحيم (والصافات صفا). (فالزاجرات زجرا). (فالتاليات ذكرا). القمي: الملائكة والأنبياء عليهم السلام، ومن صف لله وعبده، والذين يزجرون الناس، والذين يقرؤون الكتاب من الناس (2). (إن إلهكم لواحد) جواب القسم. (رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق): مشارق الكواكب، أو مشارق الشمس، فإن لها كل يوم مشرقا، وبحسبها المغارب، ولذلك اكتفى بذكرها، مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة. (إنا زينا السماء الدنيا): القربى (بزينة الكواكب). (وحفظا) برمي الشهب (من كل شيطان مارد): خبيث. (لا يسمعون إلى الملاء الأعلى): الملائكة وأشرافهم (ويقذفون): ويرمون (من كل جانب) من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده.
__________________________
(1) - ما بين المعقوفتين من(ب).
(2) - القمي 2: 118.(*)
[ 1046 ]
(دحورا): للدحور وهو الطرد (ولهم عذاب واصب) قال: (أي: دائم موجع قد وصل إلى قلوبهم) (1). (إلا من خطف الخطفة): اختلس كلام الملائكة مسارقة (فأتبعه شهاب ثاقب): مضئ كأنه يثقب الجو بضوئه. والشهاب ما يرى كأنه كوكب انقض. (فاستفتهم): فاستخبرهم (أهم أشد خلقا أم من خلقنا) من الملائكة والسماوات والأرض وما بينهما، والمشارق والكواكب والشهب الثواقب. (إنا خلقناهم من طين لازب): يلزق باليد. (بل عجبت) من قدرة الله وإنكارهم البعث (ويسخرون) من تعجبك. (وإذا ذكروا لا يذكرون). (وإذا رأوا اية يستسخرون). (وقالوا إن هذا إلا سحر مبين). (أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون). (أو اباؤنا الأولون). (قل نعم وأنتم داخرون): صاغرون. (فإنما هي زجرة واحدة) فإنما البعثة صيحة واحدة، هي النفخة الثانية (فإذا هم ينظرون): فإذا هم قيام من مراقدهم أحياء يبصرون، أو ينتظرون ما يفعل بهم. (وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين): يوم الحساب والمجازاة. (هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون): يوم القضاء والفرق بين المحسن والمسئ، وهو قول بعضهم لبعض، أو قول الملائكة لهم. (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم): وأشباههم (وما كانوا يعبدون). (من دون الله) من الأصنام وغيرها، زيادة في تحسيرهم وتخجيلهم (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) قال: (يقول: ادعوهم إلى طريق الجحيم) (2). (وقفوهم): احبسوهم في الموقف (إنهم مسؤولون) قيل: عن عقائدهم وأعمالهم (3). وقال: (عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام) (4).
__________________________
(1) - القمي 2: 221، عن أبي جعفر عليه السلام.
(2) - القمي 2: 222، عن أبي جعفر عليه السلام.
(3) - مجمع البيان 7 - 8: 441، البيضاوي 5: 4.(*)
[ 1047 ]
وورد في تفسيرها: (لا يجاوز قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين جمعه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت) (5). (ما لكم لا تناصرون): لا ينصر بعضكم بعضا بالتخليص، وهو توبيخ وتقريع. (بل هم اليوم مستسلمون): منقادون لعجزهم، أو متسالمون يسلم بعضهم بعضا ويخذله. القمي: يعني للعذاب (6). (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) للتوبيخ. (قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) يعني عن أقوى الوجوه وأيمنه. (قالوا بل لم تكونوا مؤمنين). (وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين). (فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون) القمي: العذاب (7). (فأغويناكم إنا كنا غاوين). (فإنهم): فإن الأتباع والمتبوعين (يومئذ في العذاب مشتركون) كما كانوا في الغواية مشتركين. (إنا كذلك نفعل بالمجرمين): بالمشركين. (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون). (ويقولون أئنا لتاركوا الهتنا لشاعر مجنون). (بل جاء بالحق وصدق المرسلين). (إنكم لذائقوا العذاب الأليم). (وما تجزون إلا ما كنتم تعملون). (إلا عباد الله
__________________________
(4) - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 313، الباب: 28، الحديث: 86، وج 2: 59، الباب: 31، الحديث: 222، الأمالي(للشيخ الطوسي) 1: 296، ومن العامة: شواهد التنزيل 2: 106 - 107، الأحاديث: 785 إلى 790، عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
(5) - علل الشرائع 1: 218، الباب: 159، الحديث: 2، عن حسن بن علي، عن رسول الله صلوات الله عليهم.
(6) و(5) - القمي 2: 222.(*)
[ 1048 ]
العذاب الأليم). (وما تجزون إلا ما كنتم تعملون). (إلا عباد الله المخلصين. (أولئك لهم رزق معلوم) قال: (يعلمه الخدام، فيأتون به أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه) (1). (فواكه وهم مكرمون). قال: (فإنهم لا يشتهون شيئا في الجنة إلا أكرموا به) (2). (في جنات النعيم). (على سرر متقابلين). (يطاف عليهم بكأس من معين): من شراب جار ظاهر للعيون، أو خارج من العيون، وصف به خمر الجنة لأنها تجري كالماء. (بيضاء لذة للشاربين). وصفها بلذة للمبالغة، أو أنها تأنيث لذ بمعنى لذيذ. (لا فيها غول): غائلة وفساد، كما في خمر الدنيا، كالخمار (ولا هم عنها ينزفون) قيل: أي يسكرون، من نزف: إذا ذهب عقله (3). والقمي: أي لا يطردون منها (4). (وعندهم قاصرات الطرف): قصرن أبصارهن على أزواجهن (عين) قيل: أي واسعات العيون الحسانها، جمع عيناء (5). وقيل: هي الشديدة بياض العين، الشديدة سوادها (6). (كأنهن بيض مكنون): شبههن ببيض النعام الذي تكنه بريشها، مصونا من الغبار ونحوه، في الصفاء والبياض المخلوط بأدنى صفرة، فإنه أحسن ألوان الأبدان. كذا قيل (7).
__________________________
(1) و(2) - الكافي 8: 100، ذيل الحديث: 69، عن أبي جعفر عليه السلام.
(3) - البيضاوي 5: 6.
(4) - القمي 2: 222.
(5) - مجمع البيان 7 - 8: 443، جامع البيان(للطبري) 23: 36.
(6) - مجمع البيان 7 - 8: 443.
(7) - البيضاوي 5: 6.(*)
[ 1049 ]
(فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) عن المعارف والفضائل، وما جرى لهم وعليهم في الدنيا، فإنه ألذ اللذات. (قال قائل منهم إني كان لي قرين): جليس في الدنيا. (يقول أئنك لمن المصدقين): يوبخني على التصديق بالبعث. (أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون): لمجزيون، من الدين، بمعنى الجزاء. (قال) أي: ذلك القائل لجلسائه (هل أنتم مطلعون) إلى أهل النار لأريكم ذلك القرين، فتعلموا أين منزلتكم من منزلته. (فاطلع) عليهم (فراه) أي: قرينه (في سواء الجحيم) قال: (يقول: في وسط الجحيم) (1). (قال تالله إن كدت لتردين): إنه كدت لتهلكني بالاغواء. (ولولا نعمة ربي) بالهداية والعصمة (لكنت من المحضرين): معك فيها. (أفما نحن بميتين). عطف على محذوف، أي: نحن مخلدون منعمون، فما نحن بمن شأنه الموت. (إلا موتتنا الأولى) التي كانت في الدنيا (وما نحن بمعذبين). (إن هذا لهو الفوز العظيم). (لمثل هذا فليعمل العاملون). قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، جئ الموت، فيذبح كالكبش بين الجنة والنار، ثم يقال: خلود فلا موت أبدا، فيقول أهل الجنة: (أفما نحن بميتين)، الايات) (2). (أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم): شجرة ثمرها نزل أهل النار. فيه دلالة على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يقام للنازل، ولهم ما وراء ذلك ما يقصر عنه
__________________________
(1) و(2) - القمي 2: 223، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)
[ 1050 ]
الأفهام، وكذلك الزقوم لأهل النار. (إنا جعلناها فتنة للظالمين): محنة وعذابا لهم في الاخرة أو ابتلاء في الدنيا، فإنهم لما سمعوا أنها في النار قالوا: كيف ذلك، والنار تحرق الشجر ؟ ! (إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم). (طلعها): حملها (كأنه رءوس الشياطين) في تناهي القبح والهول، نظيره في التشبيه بالمتخيل تشبيه الفائق في الحسن بالملك. (فإنهم لاكلون منها فمالئون منها البطون) لغلبة الجوع. (ثم إن لهم عليها) أي: بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش (لشوبا من حميم): لشرابا من غساق، أو صديد مشوبا بماء حميم يقطع أمعاءهم. (ثم إن مرجعهم لالى الجحيم) فإن الزقوم والحميم نزل يقدم إليهم قبل دخولها. (إنهم ألفوا اباءهم ضالين). (فهم على اثارهم يهرعون). تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد، بتقليد الاباء في الضلال. والاهراع: الاسراع الشديد. كأنهم يزعجون على الأسراع على أثرهم، وفيه إشعار بأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على بحث ونظر. (ولقد ضل قبلهم): قبل قومك (أكثر الأولين). (ولقد أرسلنا فيهم منذرين). (فانظر كيف كان عاقبة المنذرين). (إلا عباد الله المخلصين) الذين تنبهوا بإنذارهم، فأخلصوا دينهم لله، أو أخلصهم الله لدينه. (ولقد نادانا نوح): دعانا حين أيس من قومه (فلنعم المجيبون) أي: فأجبناه أحسن الأجابة، فوالله لنعم المجيبون نحن. (ونجيناه وأهله من الكرب العظيم): من أذى قومه والغرق.
[ 1051 ]
(وجعلنا ذريته هم الباقين) إذ هلك من هلك. (وتركنا عليه في الاخرين). قال: (ظهرت الجبرية من ولد حام ويافث، فاستخفى ولد سام بما عندهم من العلم، وجرت على سام بعد نوح الدولة لحام ويافث، وهو قول الله عز وجل (وتركنا عليه في الاخرين) يقول: تركت على نوح دولة الجبارين، ويعزي الله محمدا صلى الله عليه وآله بذلك) (1). وقيل: بل معناه: وأبقينا عليه ذكرا جميلا، فحذف (2). وقيل: وتركنا عليه هذه الكلمة، أي: التسليم الذي بعده (3). وكذا الكلام فيما يأتي (4) من نظائره. (سلام على نوح في العالمين) أي: سلام من الله عليه، تحية ثابتة في الملائكة والثقلين، مجازاة له على إحسانه. (إنا كذلك نجزي المحسنين). (إنه من عبادنا المؤمنين). (ثم أغرقنا الاخرين). (وإن من شيعته): ممن شايعه في الأيمان وأصول الشريعة (لإبراهيم). (إذ جاء ربه بقلب سليم). من حب الدنيا. (إذ قال لابيه وقومه ماذا تعبدون). (أإفكا الهة دون الله تريدون): أتريدون آلهة دون الله إفكا ؟ ! فقدم للعناية. (فما ظنكم برب العالمين): بمن هو حقيق بالعبادة، حتى أشركتم به غيره وأمنتم من عذابه.
__________________________
(1) - كمال الدين 1: 135، الباب: 2، الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(2) - التبيان 8: 506، مجمع البيان 7 - 8: 447، جامع البيان(للطبري) 23: 43.
(3) - التبيان 8: 506، مجمع البيان 7 - 8: 447.
(4) - الايات: 108 و 119 و 129 من نفس السورة.(*)
[ 1052 ]
(فنظر نظرة في النجوم) فرأى مواقعها واتصالاتها. (فقال إني سقيم) أراهم أنه استدل بها على أنه مشارف للسقم، لئلا يخرجوه إلى معيدهم (1)، لأنهم كانوا منجمين، وذلك حين سألوه أن يعيد معهم. قال: (والله ما كان سقيما، وما كذب، وإنما عنى سقيما في دينه مرتادا) (2). (فتولوا عنه مدبرين) إلى عيد لهم. (فراغ إلى الهتهم): فذهب إليها في خفية. (فقال) أي: للأصنام استهزاء (ألا تأكلون) يعني الطعام الذي كان عندهم. (ما لكم لا تنطقون) بجوابي. (فراغ عليهم): فمال عليهم مستخفيا. والتعدية ب (على) للاستعلاء وكراهة الميل. (ضربا باليمين): يضربهم ضربا بها. (فأقبلوا إليه): إلى إبراهيم بعد ما رجعوا (يزفون): يسرعون لما رأوا أصنامهم مكسرة، وظنوا أنه كاسرها. (قال أتعبدون ما تنحتون) من الأصنام. (والله خلقكم وما تعملون) فإن جوهرها بخلقه، ونحتها بإقداره. (قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم): في النار الشديدة، فإنه لما قهرهم بالحجة قصدوا تعذيبه بذلك، لئلا يظهر للعامة عجزهم. (فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين): الأذلين، بإبطال كيدهم وجعله برهانا نيرا على علو شأنه، حيث جعل النار عليه بردا وسلاما، وقد مضت قصته في سورة
__________________________
(1) - في(ب):(معبدهم).
(2) - معاني الأخبار: 210، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفي الكافي 8: 100، الحديث: 70، و 368، الحديث: 559، ما يقرب منه.(*)
[ 1053 ]
الأنبياء (1). (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين) قال: (يعني بيت المقدس) (2). قال: (إن ذهابه إلى ربه توجهه إليه عبادة واجتهادا وقربة إلى الله عزوجل) (3). (رب هب لي من الصالحين): بعض الصالحين يعينني على الدعوة والطاعة، ويؤنسني في الغربة، يعني الولد، فإن لفظة الهبة غالبة فيه. (فبشرناه بغلام حليم). قيل: ما نعت الله نبيا بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وابنه عليهما السلام (4). (فلما بلغ معه السعي) أي: فلما وجد وبلغ أن يسعى معه في أعماله (قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) إنما شاوره فيه وهو حتم، ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله، فيثبت قدمه إن جزع، ويأمن عليه إن سلم، وليوطن نفسه عليه فيهون، ويكتسب المثوبة بالانقياد له قبل نزوله. (قال يا أبت افعل ما تؤمر): ما تؤمر به، وإنما ذكر بلفظ المضارع لتكرر الرؤيا. وورد: (إنه قال: (يا أبت افعل ما تؤمر)، ولم يقل يا أبت افعل ما رأيت) (5). (ستجدني إن شاء الله من الصابرين). (فلما أسلما): استسلما لأمر الله، أو أسلم الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه، وفي قراءتهم عليهم السلام: (سلما) (6) من التسليم (وتله للجبين): صرعه (7) على شقه، فوقع جبينه على
__________________________
(1) - الاية: 57 إلى 71.
(2) - الكافي 8: 371، الحديث: 560، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) - التوحيد: 266، الحديث: 5، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(4) - الكشاف 3: 347، البيضاوي 5: 8.
(5) - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 210، الباب: 18، الحديث: 1.
(6) - مجمع البيان 7 - 8: 451، عن أمير المؤمنين وجعفر بن محمد عليهم السلام.
(7) - الصرع: الطرح على الأرض. القاموس المحيط 3: 51(صرع).(*)
[ 1054 ]
الأرض، وهو أحد جانبي الجبهة. (وناديناه أن يا إبراهيم). (قد صدقت الرؤيا) بالعزم والأتيان بما كان تحت قدرتك من ذلك. وجواب لما محذوف تقديره: كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به المقال، من فرحهما وشكرهما لله على ما أنعم عليهما من رفع البلاء بعد حلوله، والتوفيق لما لم يوفق غيرهما لمثله، وإظهار فضلهما به على العالمين، مع إحراز الثواب العظيم، إلى غير ذلك. (إنا كذلك نجزي المحسنين). (إن هذا لهو البلاء المبين): الابتلاء البين الذي يتميز فيه المخلص من غيره، أو المحنة البينة الصعوبة، فإنه لا أصعب منها. (وفديناه بذبح عظيم): عظيم القدر أو الجثة سمين. قال: (بكبش أملح، يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في سواد ويمشي في سواد ويبول ويبعر في سواد، وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاما، وما خرج من رحم أنثى، وإنما قال الله له كن فكان) (1). وفي رواية: (نزل من السماء على الجبل الذي عن يمين مسجد منى) (2). وسئل عن الذبيح من كان ؟ فقال: (إسماعيل، لأن الله ذكر قصته في كتابه، ثم قال: (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين)) (3). أقول ويؤيده أيضا: أن البشارة بإسحاق في موضع آخر (4) مقرونة بأنه من ورائه يعقوب، فلا يناسب الأمر بذبحه مراهقا.
__________________________
(1) - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 210، الباب: 18، الحديث: 1، وفيه:(كن فيكون).
(2) - القمي 2: 226، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) - من لا يحضره الفقيه 2: 148، الحديث: 655، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(4) - هود(11): 71.(*)
[ 1055 ]
وفي الحديث النبوي: (أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل وعبد الله) (1). كما ورد في معناه (2). وأما الوجه فيما ورد: (إن الذبيح إسحاق فهو: أنه تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه وكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه، فينال بذلك درجته في الثواب، فعلم الله ذلك من قلبه، فسماه بين ملائكته ذبيحا، لتمنيه ذلك). كذا ورد (3). (وتركنا عليه في الاخرين). (سلام على إبراهيم) سبق بيانه (4). (كذلك نجزي المحسنين). (إنه من عبادنا المؤمنين). (وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين). (وباركنا عليه وعلى إسحق): أفضنا عليهم بركات الدين والدنيا (ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين). (ولقد مننا على موسى وهرون). (ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم). (ونصرناهم فكانوا هم الغالبين). (واتيناهما الكتاب المستبين). (وهديناهما الصراط المستقيم). (وتركنا عليهما في الاخرين). (سلام على موسى وهرون). (إنا كذلك نجزي المحسنين). (إنهما من عبادنا المؤمنين). (وإن إلياس لمن المرسلين). (إذ قال لقومه ألا تتقون). (أتدعون بعلا): أتعبدونه وتطلبون منه الخير، وهو اسم صنم لهم (وتذرون
__________________________
(1) - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 210، الباب: 18، الحديث: 1.
(2) - جامع البيان(للطبري) 23: 54، الكشاف 3: 350، تفسير القرآن العظيم(لابن كثير) 4: 21.
(3) - من لا يحضره الفقيه 2: 148، الحديث: 655.
(4) - ذيل الاية: 79 من نفس السورة.(*)
[ 1056 ]
أحسن الخالقين): وتتركون عبادته. (الله ربكم ورب ابائكم الأولين). (فكذبوه فإنهم لمحضرون) أي: في العذاب. (إلا عباد الله المخلصين). (وتركنا عليه في الاخرين). (سلام على إل ياسين) قيل: هو لغة في إلياس، كسينا وسينين (1). وفي قراءتهم عليهم السلام: (آل يس) (2). وكذا في قراءة جماعة من العامة (3)، لأنهم وجدوه مفصولا في مصحف إمامهم. قال: (يس محمد، ونحن آل يس) (4). وفي رواية: (إن الله سمى النبي بهذا الاسم حيث قال: (يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين) لعلمه أنهم يسقطون: (سلام على آل محمد) كما أسقطوا غيره) (5). ويؤيد القراءة الأولى ما بعد هذه الاية ونظم سائر القصص، وقيل: (يس) اسم أبي إلياس (6). (إنا كذلك نجزي المحسنين). (إنه من عبادنا المؤمنين). (وإن لوطا لمن المرسلين). (إذ نجيناه وأهله أجمعين).
__________________________
(1) - البيضاوي 5: 11.
(2) - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 237، الباب: 23، الحديث: 1.
(3) - البيضاوي 5: 11، معالم التنزيل(للبغوي) 4: 41، عن نافع وابن عامر، جامع البيان(للطبري) 23: 61، عن قراء المدينة.
(4) - معاني الأخبار: 122، الحديث: 2، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(5) - الاحتجاج 1: 377، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(6) - الكشاف 3: 352، البيضاوي 5: 11.(*)
[ 1057 ]
(إلا عجوزا في الغابرين). (ثم دمرنا الاخرين) قد مضى تفسيرها (1). (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين). (وبالليل أفلا تعقلون): أفليس فيكم عقل تعتبرون به ؟ سئل عن هذه الاية، فقال: (تمرون عليهم في القرآن، إذا قرأتم القرآن يقرأ ما قص الله عليكم من خبرهم) (2). (وإن يونس لمن المرسلين). (إذ أبق): هرب، وأصل الأباق: الهرب من السيد، لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه حسن إطلاقه عليه. (إلى الفلك المشحون): المملوء. (فساهم): فقارع أهله (فكان من المدحضين): فصار من المغلوبين بالقرعة. (فالتقمه الحوت وهو مليم): داخل في الملامة. ورد: (إنه لما ركب مع القوم فوقفت السفينة في اللجة، واستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرات، قال: فمضى يونس إلى صدر السفينة، فإذا الحوت فاتح فاه، فرمى بنفسه) (3). (فلولا أنه كان من المسبحين). (للبث في بطنه إلى يوم يبعثون). (فنبذناه بالعراء): بالمكان الخالي عما يغطيه من شجر أو نبت (وهو سقيم) قال (وقد ذهب جلده ولحمه) (4). (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين). قال: (وهي الدبا، فأظلته من الشمس،
__________________________
(1) - في الأعراف(7): 84، وهود(11): 82، والحجر(15): 73.
(2) - الكافي 8: 248، الحديث: 349، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) - من لا يحضره الفقيه 3: 51، الحديث: 173، عن أبي جعفر عليه السلام.
(4) - القمي 1: 319، عن أمير المؤمنين عليه السلام.(*)
[ 1058 ]
فسكن، ثم أمر الله الشجرة فتنحت عنه ووقعت الشمس عليه، فجزع، فأوحى الله إليه: يا يونس لم لم ترحم مائة ألف أو يزيدون وأنت تجزع من ألم ساعة ؟ قال: يا رب عفوك عفوك. فرد الله عليه بدنه، ورجع إلى قومه فآمنوا به) (1). (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون). وفي قراءتهم عليهم السلام: (ويزيدون) (2) بالواو. قال: (يزيدون ثلاثين ألفا) (3). (فامنوا فمتعناهم إلى حين): إلى أجلهم المقضي. (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون) القمي: قالت قريش: إن الملائكة هم بنات الله ! فرد الله عليهم (4). (أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون). (ألا إنهم من إفكهم ليقولون). (ولد الله وإنهم لكاذبون) فيما يتدينون به. (أصطفى البنات على البنين). (مالكم كيف تحكمون). (أفلا تذكرون). (أم لكم سلطان مبين): حجة واضحة. (فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين). (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا). القمي: يعني أنهم قالوا: الجن بنات الله (5). وقيل: يعني الملائكة سموا بها لاستتارهم (6). وقيل: قالوا: إن الله صاهر الجن فخرجت
__________________________
(1) - القمي 1: 319، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(2) - مجمع البيان 7 - 8: 457، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) - الكافي 1: 175، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(4) - القمي 2: 227.
(5) - القمي 2: 227.
(6) - التبيان 8: 533، البيضاوي 5: 12، معالم التنزيل(للبغوي) 4: 44، عن مجاهد وقتادة.(*)
[ 1059 ]
الملائكة (1) ! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. (ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون): إن المشركين في النار. (سبحان الله عما يصفون). (إلا عباد الله المخلصين). (فإنكم وما تعبدون). عود إلى خطابهم. (ما أنتم عليه): على الله (بفاتنين): مفسدين الناس بالاغواء. (إلا من هو صال الجحيم): إلا من سبق في علمه أنه من أهل النار، يصلاها لا محالة. (وما منا إلا له مقام معلوم). قيل: هي حكاية اعتراف الملائكة بالعبودية، للرد على عبدتهم. والمعنى: وما منا أحد إلا وله مقام معلوم في المعرفة والعبادة، والانتهاء إلى أمر الله في تدبير العالم (2). وورد: (أنزلت في الأئمة والأوصياء من آل محمد عليهم السلام) (3). (وإنا لنحن الصافون) في أداء الطاعة ومنازل الخدمة. (وإنا لنحن المسبحون): المنزهون الله عما لا يليق به. القمي: (قال جبرئيل: يا محمد (إنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون)) (4). وورد: (كنا أنوارا صفوفا حول العرش، نسبح فيسبح أهل السماء بتسبيحنا، إلى أن هبطنا إلى الأرض، فسبحنا فسبح أهل الأرض بتسبيحنا، (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون)) (5).
__________________________
(1) - الكشاف 3: 355، البيضاوي 5: 12.
(2) - البيضاوي 5: 13.
(3) - القمي 2: 227، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(4) - المصدر، عن أبي جعفر عليه السلام.
(5) - المصدر: 228، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 1060 ]
(وإن كانوا ليقولون) أي: مشركو قريش. (لو أن عندنا ذكرا من الأولين): كتابا من الكتب التي نزلت عليهم. (لكنا عباد الله المخلصين): أخلصنا العبادة له، ولم نخالف مثلهم. (فكفروا به) لما جاءهم الذكر. قال: (هم كفار قريش، كانوا يقولون ذلك، يقول الله عز وجل: فكفروا به حين جاءهم محمد صلى الله عليه وآله). كذا ورد (1). (فسوف يعلمون) عاقبة كفرهم. (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) أي: وعدنا لهم بالنصر والغلبة، كما يفسره ما بعده. (إنهم لهم المنصورون). (وإن جندنا لهم الغالبون). (فتول عنهم): فأعرض عنهم (حتى حين) هو الموعد لنصرك عليهم. (وأبصرهم) على ما ينالهم حينئذ (فسوف يبصرون) ما قضينا لك من التأييد والنصرة، والثواب في الاخرة. و (سوف) للوعيد لا للتبعيد. (أفبعذابنا يستعجلون). روي: (إنه لما نزل (فسوف يبصرون) قالوا: متى هذا ؟ فنزل) (2). (فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين). شبه العذاب بجيش هجمهم فأناخ بفنائهم بغتة. والصباح مستعار لوقت نزول العذاب، لأن أكثر ما يكون الهجوم والغارة في صباح الجيش المبيت. (وتول عنهم حتى حين). (وأبصر فسوف يبصرون) تأكيد إلى تأكيد وإطلاق بعد تقييد، للاشعار بأنه
__________________________
(1) القمي 2: 228، عن أبي جعفر عليه السلام.
(2) - البيضاوي 5: 13.(*)
[ 1061 ]
يبصر وأنهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من أصناف المسرة وأنواع المساءة، أو الأول لعذاب الدنيا، والثاني لعذاب الاخرة. والقمي: (فإذا نزل بساحتهم)، يعني: العذاب إذا نزل ببني أمية وأشياعهم في آخر الزمان، (فسوف يبصرون). قال: أبصروا حين لا ينفعهم البصر. قال: فهذه في أهل الشبهات والضلالات من أهل القبلة (1). (سبحان ربك رب العزة عما يصفون). قال: (إن الله علا ذكره كان ولا شئ غيره، وكان عزيزا ولا عز كان قبل عزه، وذلك، قوله سبحانه: (ربك رب العزة)) (2). (وسلام على المرسلين). تعميم للرسل بالتسليم بعد تخصيص بعضهم. (والحمد لله رب العالمين) على ما أفاض عليهم وعلى من اتبعهم من النعم وحسن العاقبة. وفيه تعليم المؤمنين كيف يحمدونه ويسلمون على رسله. ورد: (من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى، فليقل إذا أراد أن يقوم من مجلسه: (سبحان ربك) الايات الثلاث (3).
__________________________
(1) - القمي 2: 227.
(2) - التوحيد: 67، الباب: 2، الحديث: 20، عن أبي جعفر عليه السلام. وفيه:(ولاعز، لأنه كان قبل عزه).
(3) - الكافي 2: 496، الحديث: 3، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)