00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة سبأ 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الاصفى في تفسير القران (الجزء الثاني)   ||   تأليف : المولى محمد حسين الفيض الكاشاني

[ 1007 ]

سورة سبأ [ مكية، وهي أربع وخمسون آية ] 1

بسم الله الرحمن الرحيم (الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض) كله نعمة من الله، فله الحمد في الدنيا (وله الحمد في الاخرة) لأن نعمها أيضا من الله كلها (وهو الحكيم): الذي أحكم أمر الدارين (الخبير) ببواطن الأشياء. (يعلم ما يلج): يدخل (في الأرض) من مطر أو كنز أو ميت (وما يخرج منها) من ماء أو فلز، أو نبات أو حيوان (وما ينزل من السماء) من مطر أو كنز أو مطر أو ملك أو رزق (وما يعرج فيها) من عمل أو ملك (وهو الرحيم الغفور) للمقصرين في شكر نعمه. (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة). إنكار لمجيئها، أو استبطاء استهزاء بالوعد به. (قل بلى وربي). رد لكلامهم وإثبات لما نفوه. (لتأتينكم عالم الغيب). تكرير لايجابه، مؤكدا بالقسم، مقررا له بوصف المقسم به بصفات تقرر إمكانه، وتنفي استبعاده. (لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين). رفعهما بالابتداء، والجملة تأكيد لنفي العزوب.

__________________________

(1) - ما بين المعقوفتين من(ب).(*)

[ 1008 ]

(ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات). علة لأتيانها وبيان لما يقتضيه (أولئك لهم مغفرة ورزق كريم) لا تعب فيه ولا من عليه. (والذين سعوا في اياتنا) بالأبطال وتزهيد الناس فيها (معاجزين): مسابقين كي يفوتونا. وعلى قراءة. (معجزين) (1). أي: مثبطين عن الأيمان من أراده. (أولئك لهم عذاب من رجز): من سئ العذاب (أليم). (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد). القمي: هو أمير المؤمنين عليه السلام صدق رسول الله بما أنزل الله عليه (2). (وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل) يعنون النبي صلى الله عليه وآله (ينبئكم): يحدثكم بأعجب الأعاجيب (إذا مزقتم كل ممزق): تفرق أجسادكم كل تفريق (إنكم لفي خلق جديد): تنشؤون خلقا جديدا. (أفترى على الله كذبا أم به جنة): جنون، يوهمه ذلك ويلقيه على لسانه. (بل الذين لا يؤمنون بالاخرة في العذاب والضلال البعيد) رد من الله عليهم ترديدهم. (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم): ما أحاط بجوانبهم (من السماء والأرض) مما يدل على كمال قدرة الله، وأنهم في سلطانه تجري عليهم قدرته (إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك): النظر والفكر فيهما وما يدلان عليه (لاية): لدلالة (لكل عبد منيب): راجع إلى ربه، فإنه يكون كثير التأمل في أمره. (ولقد اتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبي معه): رجعي معه التسبيح (والطير) رجعي أيضا، أو أنت والطير (وألنا له الحديد): جعلنا في يده كالشمع، يصرفه كيف يشاء من غير إحماء وطرق، وقد سبق نحوه في سورة الأنبياء (3).

__________________________

(1) التبيان 7: 329 مجمع البيان 7 - 8: 79، البيضاوي 4: 170.

(2) القمي 2: 198، عن رسول اله صلى الله عليه وسلم.

(3) ذيل الاية: 79.(*)

[ 1009 ]

القمي: كان داود عليه السلام إذا مر بالبراري يقرأ الزبور، تسبح الجبال والطير معه والوحوش، وألان الله له الحديد مثل الشمع، حتى كان يتخذ منه ما أحب (1). (أن اعمل سابغات): دروعا واسعات (وقدر في السرد): في نسجها بحيث يتناسب حلقها، أو في مساميرها في الرقة والغلظ. قال: (الحلقة بعد الحلقة) (2). والقمي: المسامير التي في الحلقة (3) (واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير). (ولسليمان الريح): وسخرنا له الريح (غدوها شهر ورواحها شهر) القمي: كانت الريح تحمل كرسي سليمان، فتسير به في الغداة مسيرة شهر وبالعشي مسيرة شهر (4). (وأسلنا له عين القطر) القمي: الصفر (5). وقيل: أسال له النحاس المذاب من معدنه، فنبع منه نبوع الماء من الينبوع، ولذلك سماه عينا، وكان ذلك باليمن (6). (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه): بأمره (ومن يزغ منهم عن أمرنا): ومن يعدل منهم عما أمرناه من طاعة سليمان (نذقه من عذاب السعير) في الدنيا أو في الاخرة. (يعملون له ما يشاء من محاريب) قصورا حصينة ومساكن شريفة، سميت بها لأنها يذب عنها ويحارب عليها (وتماثيل): وصورا. قال: (والله ما هي تماثيل الرجال والنساء ولكنها الشجر وشبهه) (7). (وجفان): صحاف (كالجواب): كالحياض الكبار (وقدور راسيات): ثابتات على الأثافي (8) لا تنزل عنها لعظمها. (اعملوا ال داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور).

__________________________

(1) - القمي 2: 199.

(2) - قرب الاسناد: 364، الحديث: 1305، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.

(3) و(4) و(5) - القمي 2: 199.

(6) - البيضاوي 4: 171.

(7) - الكافي 6: 527، الحديث: 7، مجمع البيان 7 - 8: 383، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفي الكافي 6: 477، الحديث: 3، عن أبي جعفر عليه السلام.

(8) - الأثافي جمع الأثفية، وهي الحجارة التي تنصب ويجعل القدر عليها. مجمع البحرين 1: 73(ثفا).(*)

[ 1010 ]

(فلما قضينا عليه الموت): على سليمان (ما دلهم على موته إلا دابة الأرض): الأرضة، والأرض فعلها أضيفت إليه (تأكل منسأته): عصاه. ورد: (إنه أمر الجن فصنعوا له قبة من قوارير، فبينا هو متكئ على عصاه في القبة، ينظر إلى الجن كيف يعملون وينظرون إليه، إذ حانت منه التفاته فإذا هو برجل معه في القبة، ففزع منه، فقال: من أنت ؟ ! قال: أنا الذي لا أقبل الرشا، ولا أهاب الملوك، أنا ملك الموت، فقبضه وهو متكي على عصاه في القبة، والجن ينظرون إليه. قال: فمكثوا سنة يدأبون (1 له، حتى بعث الله الأرضة فأكلت منسأته، وهي العصا) (2). (فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين). قال: (والله ما نزلت هذه الاية هكذا، وإنما نزلت: فلما خر تبينت الانس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) (3). القمي: وذلك أن الانس كانوا يقولون: إن الجن يعلمون الغيب، فلما سقط سليمان على وجهه علموا: أن لو يعلم الجن الغيب لم يعملوا سنة لسليمان وهو ميت ويتوهمونه حيا (4). (لقد كان لسباء): لأولاد سبأ (في مسكنهم) باليمن حيث أجرى لهم سليمان خليجا من البحر العذب إلى بلاد الهند. كذا قاله القمي (5). (اية): علامة دالة على قدرة الله على ما يشاء (جنتان عن يمين وشمال). قيل: جماعتان من البساتين، كل واحدة منها في تقاربها وتضايقها (6) كأنه جنة واحدة، إحداهما عن يمين بلدهم والأخرى عن

__________________________

(1) دأب في عمله: جد وتعب. القاموس المحيط 1: 66(دأب).

(2) علل الشرائع 1: 74، الباب: 64، الحديث: 3، مجمع البيان 7 - 8: 384، عن أبي جعفر عليه السلام، مع اختلاف.

(3) عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 266، الباب: 26، الحديث: 24، علل الشرائع 1: 74، الباب 64، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(4) و(5) القمي 2: 200.

(6) في " ب ": " منهما في تقاربهما وتضايقهما ".(*)

[ 1011 ]

شمالها (1). القمي: عن مسيرة عشرة أيام، فيها يمر المار لا تقع عليه الشمس من التفافها (2). (كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور). (فأعرضوا) عن الشكر. القمي: عملوا بالمعاصي، وعتوا عن أمر ربهم (3). (فأرسلنا عليهم سيل العرم) القمي: أي: العظيم الشديد (4). (وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط): مر بشع (5) (وأثل وشئ من سدر قليل). معطوفان على (أكل) لا (خمط)، فإن الأثل هو الطرفاء ولا ثمر له، ووصف السدر بالقلة، لأن جناه وهو النبق مما يطيب أكله، وتسمية البدل جنتين للمشاكلة والتهكم. (ذلك جزيناهم بما كفروا): بكفرانهم النعمة (وهل نجازي) بمثل ذلك (إلا الكفور). (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها) بالتوسعة على أهلها. قيل: هي قرى الشام (6). والقمي: مكة (7). (قرى ظاهرة): متواصلة يظهر بعضها لبعض (وقدرنا فيها السير) بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت في أخرى. (سيروا فيها ليالى وأياما): متى شئتم من ليل أو نهار (امنين). (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا): أشروا النعمة وملوا العافية. وفي قراءتهم عليهم السلام: (باعد) (8) بلفظ الخبر، فهو شكوى منهم لبعد سفرهم، إفراطا في الترفيه. (وظلموا أنفسهم) حيث بطروا النعمة (فجعلناهم أحاديث) يتحدث الناس بهم تعجبا، وضرب

__________________________

(1) - البيضاوي 4: 172.

(2) و(3) - القمي 2: 200.

(4) - القمي 2: 201.

(5) - البشع من الطعام: الكريه فيه مرارة. القاموس المحيط 3: 5(بشع).

(6) - التبيان 8: 389، مجمع البيان 7 - 8: 387، البيضاوي 4: 173.

(7) - القمي 2: 201.

(8) - مجمع البيان 7 - 8: 384، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)

[ 1012 ]

مثل، فيقولون: تفرقوا أيدي سبأ، أي: تفرقوا كتفرق أيدي سبا. (ومزقناهم كل ممزق): وفرقناهم غاية التفريق، حتى لحق كل قبيلة منهم بصقع. (إن في ذلك لايات لكل صبار شكور). قال: (هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض، وأنهار جارية وأموال ظاهرة، فكفروا نعم الله عزوجل، وغيروا ما بأنفسهم من عافية الله، فغير الله ما بهم من نعمة،) وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (1) فأرسل الله عليهم سيل العرم، فغرق قراهم وخرب ديارهم، وذهب بأموالهم وأبدلهم مكان جنتيهم جنتين ذواتي أكل، الاية) (2). وفي رواية: (بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن، فنحن القرى التي بارك الله فيها، وذلك قول الله عزوجل في من أقر بفضلنا، حيث أمرهم أن يأتونا) وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة (والقرى الظاهرة الرسل، والنقلة عنا إلى شيعتنا، قال: والسير مثل للعلم سير به في الليالي والأيام عنا إليهم، في الحلال والحرام، والفرائض والأحكام، آمنين فيها إذا أخذوا من معدنها الذي أمروا أن يأخذوا منه، آمنين من الشك والضلال، والنقلة من الحرام إلى الحلال) (3). وفي معناه أخبار أخر (4). (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه): حقق ظنه، وهو قوله:) لأضلنهم (5) ولأغوينهم (6). وعلى التخفيف: صدق ظنه. (فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين). (وما كان له عليهم من سلطان): تسلط واستيلاء بوسوسة واستغواء (إلا لنعلم من

__________________________

(1) - الرعد(13): 11.

(2) - الكافي 2: 274، الحديث: 23، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(3) - الاحتجاج 2: 63، عن أبي جعفر عليه السلام، مع اختلاف يسير.

(4) - الكافي 8: 311، الحديث: 485، كمال الدين 2: 483، الباب: 45، الحديث: 2، الاحتجاج 2: 42.

(5) - النساء(4): 119.

(6) - الحجر(15): 39.(*)

[ 1013 ]

يؤمن بالاخرة ممن هو منها في شك): ليتميز المؤمن من الشاك، أريد بحصول العلم حصول متعلقه. قال: (تأويل هذه الاية لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، والظن من إبليس حين قالوا لرسول الله: إنه ينطق عن الهوى، فظن بهم إبليس ظنا، فصدقوا ظنه) (1). (وربك على كل شئ حفيظ). (قل ادعوا الذين زعمتم) آلهة (من دون الله) فيما يهمكم (لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض): في أمرهما (وما لهم فيهما من شرك): من شركة (وما له منهم من ظهير) يعينه على تدبير أمرها. (ولا تنفع الشفاعة عنده): ولا تنفعهم شفاعة أيضا، كما يزعمون (إلا لمن أذن له) أن يشفع. قال: (لا يشفع أحد من أنبياء الله ورسله يوم القيامة حتى يأذن الله له، إلا رسول الله صلى الله عليه وآله، فإن الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة، والشفاعة له وللأئمة، ثم بعد ذلك للأنبياء عليهم السلام) (2). (حتى إذا فزع عن قلوبهم) يعني يتربصون (3) فزعين، حتى إذا كشف الفزع عن قلوبهم (قالوا): قال بعضهم لبعض (ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير). قال: (وذلك أن أهل السماوات لم يسمعوا وحيا فيما بين أن بعث عيسى بن مريم إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وآله، فلما بعث الله جبرئيل إلى محمد صلى الله عليه وآله سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا، فصعق أهل السماوات، فلما فرغ من الوحي انحدر جبرئيل عليه السلام كلما مر بأهل سماء فزع عن قلوبهم، يقول كشف عن قلوبهم. فقال بعضهم

__________________________

(1) - الكافي 8: 345، ذيل الحديث: 542، عن أبي جعفر عليه السلام.

(2) - القمي 2: 201، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(3) - في(ألف):(متربصين).(*)

[ 1014 ]

لبعض:) ماذا قال ربكم (الاية) (1). (قل من يرزقكم من السموات والأرض) تقرير لقوله:) لا يملكون (قل الله) إذ لا جواب سواه، وفيه إشعار بأنهم إن سكتوا أو تلعثموا (2) في الجواب مخافة الالزام، فهم مقرون به بقلوبهم (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) أي: وإن أحد الفريقين من الموحدين والمشركين لعلى أحد الأمرين، وهو أبلغ من التصريح، لأنه في صورة الانصاف المسكت للخصم المشاغب. واختلاف الحرفين لأن الهادي كمن صعد منارا ينظر الأشياء ويتطلع عليها، أو ركب جوادا يركضه حيث يشاء، والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك لا يرى، أو محبوس في مطمورة لا يستطيع أن يتفصى منها. (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون) هذا أدخل في الانصاف وأبلغ في الاخبات، حيث أسند الاجرام إلى أنفسهم والعمل إلى المخاطبين. (قل يجمع بيننا ربنا) يوم القيامة (ثم يفتح بيننا بالحق) يحكم ويفصل بأن يدخل المحقين الجنة والمبطلين النار (وهو الفتاح): الحاكم الفاصل (العليم) بما ينبغي أن يقضى به. (قل أروني الذين ألحقتم به شركاء): لأرى بأي صفة ألحقتموهم بالله في استحقاق العبادة ؟ ! وهو استفسار عن شبهتهم بعد إلزام الحجة عليهم، زيادة في تبكيتهم. (كلا) ردع عن المشاركة بعد إبطال المقايسة (بل هو الله العزيز الحكيم): الموصوف بالغلبة وكمال القدرة والحكمة، وهؤلاء الملحقون متسمة بالذلة، متأبية عن قبول العلم والقدرة رأسا. (وما أرسلناك إلا كافة للناس): إلا إرسالة عامة لهم (بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) فيحملهم جهلهم على مخالفتك.

__________________________

(1) - القمي: 202، عن أبي جعفر عليه السلام.

(2) - تلعثم الرجل في الأمر: إذا تمكث فيه وتأنى. مجمع البحرين 2: 162(لعثم).(*)

[ 1015 ]

قال: (أرسله إلى الناس كافة، إلى الأبيض والأسواد والجن والأنس) (1). ورد: (إن الله تعالى أمر جبرئيل فاقتلع الأرض بريشة من جناحه ونصبها لرسول الله صلى الله عليه وآله، فكانت بين يديه مثل راحته في كفه، ينظر إلى أهل الشرق والغرب ويخاطب كل قوم بألسنتهم، ويدعوهم إلى الله عزوجل وإلى نبوته بنفسه، فما بقيت قرية ولا مدينة إلا ودعاهم النبي بنفسه) (2). (ويقولون متى هذا الوعد) الموعود بقوله: (يجمع بيننا ربنا) (إن كنتم صادقين). (قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون). (وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القران ولا بالذي بين يديه) ولا بما تقدمه من الكتب الدالة على البعث (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم) في موضع المحاسبة (يرجع بعضهم إلى بعض القول) يتحاورون (يقول الذين استضعفوا): الاتباع (للذين استكبروا): للرؤساء (لولا أنتم) وإضلالكم (لكنا مؤمنين). (قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين) حيث أعرضتم عن الهدى وآثرتم التقليد عليه. (وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار) إضراب عن إضرابهم، أي: لم يكن إجرامنا الصاد، بل مكركم لنا ليلا ونهارا، حتى أغرتم علينا رأينا (إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب): وأضمر الفريقان الندامة على الضلالة والاضلال، وأخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير. سئل: وما يغنيهم إسرارهم الندامة. وهم في العذاب ؟ قال: (يكرهون شماتة الأعداء) (3).

__________________________

(1) الكافي 2: 17، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(2) القمي 2: 203، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(3) المصدر.(*)

[ 1016 ]

(وجعلنا الاغلال في أعناق الذين كفروا) أي: في أعناقهم. جاء بالظاهر تنويها بذمهم، وإشعارا بموجب إغلالهم. (هل يجزون إلا ما كانوا يعملون). (وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون) تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله مما مني به من قومه. وتخصيص المتنعمين بالتكذيب، لأن الداعي المعظم إلى التكبر والمفاخرة بزخارف الدنيا الانهماك في الشهوات، والاستهانة بمن لم يحظ منها، ولذلك ضموا المفاخرة والتهكم إلى التكذيب. (وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين). (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر): ويضيق على من يشاء، وليس ذلك لكرامة وهوان (ولكن أكثر الناس لا يعلمون). (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى): قربة (إلا من امن وعمل صالحا) بإنفاق ماله في سبيل الله، وتعليم ولده الخير والصلاح (فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات امنون). ورد: (الغني إذا كان وصولا برحمه بارا بإخوانه، أضعف الله له الأجر ضعفين، لأن الله يقول:) وما أموالكم (الاية) (1). (والذين يسعون في اياتنا) بالرد والطعن (معاجزين أولئك في العذاب محضرون). (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له) هذا في شخص واحد باعتبار وقتين، وما سبق في شخصين فلا تكرير. (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه) عوضا، إما عاجلا أو آجلا. ورد: (من صدق بالخلف جاد بالعطية) (2). (وهو خير الرازقين) فإن غيره وسط في إيصال رزقه لا حقيقة لرازقيته.

__________________________

(1) - علل الشرائع 2: 604، الباب: 385، الحديث: 73، القمي 2: 203، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(2) - الكافي 4: 2، الحديث: 4، عن رسول الله صلى الله عليه وآله.(*)

[ 1017 ]

(ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون). إنما. خصهم لأنهم أشرف شركائهم والصالحون للخطاب منهم، وهو تقريع للمشركين، وتبكيت وإقناط لهم عما يتوقعون من شفاعتهم. (قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم) لا موالاة بيننا وبينهم (بل كانوا يعبدون الجن) أي: الشياطين، حيث أطاعوهم في عبادة غير الله (أكثرهم بهم مؤمنون). فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا) إذ الأمر فيه كله لله (ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون). (وإذا تتلى عليهم اياتنا بينات قالوا ما هذا) يعنون النبي صلى الله عليه وآله (إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد اباؤكم وقالوا ما هذا) يعنون القرآن (إلا إفك): كذب (مفترى) على الله (وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين). (وما اتيناهم من كتب يدرسونها): تدعوهم إلى ما هم عليه (1) (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) ينذرهم على تركه، فمن أين وقع لهم هذه الشبهة ؟ !. (وكذب الذين من قبلهم) رسلهم، كما كذبوا (وما بلغوا معشار ما اتيناهم) قيل: وما بلغ هؤلاء عشر ما آتينا أولئك من القوة وطول العمر وكثرة المال، أو ما بلغ أولئك عشر ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى (2). أقول: كأنه أريد - على التقديرين - أن أولئك كانوا أحرى بتكذيب رسلهم من هؤلاء، وعليه يحمل ما رواه القمي مرفوعا: (وما بلغ ما آتينا رسلهم معشار ما آتينا محمدا وآل محمد) (3). أو يحمل على أن المراد: أن فضائل محمد وآل محمد أحرى بالحسد والتكذيب، وإيتاء محمد وآل محمد إيتاء لهم، فلا ينافي الحديث ظاهر القرآن.

__________________________

(1) - في(ألف):(تدعوهم إليه).

(2) - البيضاوي 4: 174.

(3) - القمي 2: 204.(*)

[ 1018 ]

(فكذبوا رسلي) لا تكرير فيه، لأن الأول مطلق والثاني مقيد. (فكيف كان نكير) أي: إنكاري لهم بالتدمير، فليحذر هؤلاء من مثله. (قل إنما أعظكم بواحدة) أرشدكم وأنصح لكم بخصلة واحدة (أن تقوموا لله) معرضين عن المراء والتقليد (مثنى وفرادى): متفرقين، اثنين اثنين وواحدا واحدا، فان الازدحام يشوش الخاطر ويخلط القول (ثم تتفكروا) في أمري وما جئت به، لتعلموا حقيته (1) (ما بصاحبكم من جنة): فتعلموا ما به جنون يحمله على ذلك (إن هو إلا نذير لكم بين يدى عذاب شديد) أي: قدامه. (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم). قال: (معناه أن أجر ما دعوتكم إليه من إجابتي وذخره هو لكم دوني) (2). وفي رواية يقول: (أجر المودة الذي لم أسألكم غيره فهو لكم، تهتدون به، وتنجون من عذاب يوم القيامة) (3). (إن أجرى إلا على الله وهو على كل شئ شهيد). (قل إن ربي يقذف بالحق): يلقيه وينزله على من يجتبيه من عباده (علام الغيوب). (قل جاء الحق): الاسلام (وما يبدئ الباطل وما يعيد): وزهق الباطل، أي: الشرك، بحيث لم يبق له أثر. (قل إن ضللت) عن الحق (فإنما أضل على نفسي): فإن وبال ضلالي عليها. (وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب). (ولو ترى إذ فزعوا) لرأيت فظيعا (فلا فوت): فلا يفوتون الله بهرب أو حصن.

__________________________

(1) - في(ب):(حقيقته).

(2) - مجمع البيان 7 - 8: 396، عن أبي جعفر عليه السلام.

(3) - الكافي 8: 379، الحديث: 574، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)

[ 1019 ]

قال: (إذ فزعوا من الصوت، وذلك الصوت من السماء) (1). (وأخذوا من مكان قريب). قال: (من تحت أقدامهم خسف بهم) (2). وفي رواية: (لكأني أنظر إلى القائم وقد أسند ظهره إلى الحجر، إلى أن قال: فإذا جاء إلى البيداء (3) يخرج إليه جيش السفياني، فيأمر الله عزوجل الارض فتأخذ بأقدامهم، وهو قوله تعالى: (ولو ترى إذ فزعوا) (الاية) (4). (وقالوا امنا به) قال: (يعني بالقائم من آل محمد) (5). (وأنى لهم التناوش): التناول، يعني تناول الايمان (من مكان بعيد): [ من جانب بعيد من أمره ] (6)، يعني بعد انقضاء زمان التكليف. قال: (إنهم طلبوا الهدى من حيث لا ينال، وقد كان لهم مبذولا من حيث ينال) (7). (وقد كفروا به من قبل) يعني أوان التكليف (ويقذفون بالغيب): ويرجمون بالظن، ويتكلمون بما لم يظهر لهم (من مكان بعيد): من جانب بعيد من أمره. (وحيل بينهم وبين ما يشتهون) قال: (يعني أن لا يعذبوا) (8). (كما فعل بأشياعهم من قبل) قال: (يعني من كان قبلهم من المكذبين هلكوا) (9). (إنهم كانوا في شك مريب.

__________________________

(1) - القمي 2: 205، عن أبي جعفر عليه السلام.

(2) - المصدر: 206، عن أبي جعفر عليه السلام.

(3) - البيداء: إسم لارض ملساء بين مكة والمدينة، وهي إلى مكة أقرب، تعد من الشرف أمام ذي الحليفة. وفي قول بعضهم: إن قوما كانوا يغزون البيت فنزلوا بالبيداء فبعث الله عزوجل جبرائيل فقال: يا بيداء أبيديهم. وكل مفازة لا شئ بها فهي بيداء. معجم البلدان 1: 523.

(4) و(5) - القمي 2: 205، عن أبي جعفر عليه السلام.

(6) - ما بين المعقوفتين من(ب).

(7) - القمي 2: 206، عن أبي جعفر عليه السلام.

(8) و(9) - المصدر: 205، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21335893

  • التاريخ : 28/03/2024 - 18:45

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net