00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الأحزاب من آية 40 ـ 53 من ( ص 275 ـ 324 )  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء الثالث عشر   ||   تأليف : سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي

[  275 ]

 الآية

 مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَد مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّنَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَىْء عَلِيماً(40)

 التّفسير

مسألة الخاتمية:

هذه الآية هي آخر ما بيّنه الله سبحانه فيما يتعلّق بمسألة زواج النّبي (صلى الله عليه وآله)بمطلّقة زيد لكسر عرف جاهلي خاطيء، وهي جواب مختصر كآخر جواب يقال هنا، وتبيّن في نهايتها حقيقة مهمّة اُخرى ـ وهي مسألة الخاتمية ـ بمناسبة خاصّة.

تقول أوّلا: (ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم) لا زيد ولا غيره، وإذا ما أطلقوا عليه يوماً انّه «ابن محمّد» فإنّما هو مجرّد عادة وعرف ليس إلاّ، وما إن جاء الإسلام حتّى اجتثّت جذوره، وليس هو رابطة طبيعيّة عائلية.

طبعاً كان للنبي (صلى الله عليه وآله) أولاد حقيقيون، وأسماؤهم «القاسم» و «الطيّب» و «الطاهر» و «إبراهيم»، إلاّ أنّهم ـ طبقاً لنقل المؤرخّين ـ جميعاً قد ودّعوا هذه الدنيا وارتحلوا عنها قبل البلوغ، ولذلك لم يطلق عليهم أنّهم «رجال»(1).

______________________________________

1 ـ تفسير القرطبي، وتفسير الميزان ذيل الآية مورد البحث.

[  276 ]

والإمامان الحسن والحسين (عليهما السلام) اللذان كانوا يسمّونهم أولاد النّبي رغم انّهما بلغا سنين متقدّمة في العمر، إلاّ أنّهما كانا لا يزالان صغيرين عند نزول هذه الاية. بناءً على هذا فإنّ جملة: (ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم) والتي وردت بصيغة الماضي، كانت صادقة في حقّ الجميع قطعاً.

وإذا ما رأينا في بعض تعبيرات النّبي (صلى الله عليه وآله) نفسه أنّه يقول: «أنا وعلي أبوا هذه الاُمّة» فمن المسلّم أنّ المراد لم يكن الاُبوّة النسبية، بل الاُبوّة الناشئة من التعليم والتربية والقيادة والإرشاد.

مع هذه الحال، فإنّ الزواج من مطلقّة زيد ـ والذي بيّن القرآن فلسفته بصراحة بأنّه إلغاء للسنن الخاطئة ـ لم يكن شيئاً يبعث على البحث والجدال بين هذا وذاك، أو أنّهم يريدون أن يتّخذوه وسيلة للوصول إلى نواياهم السيّئة.

ثمّ تضيف: بأنّ علاقة النّبي (صلى الله عليه وآله) معكم إنّما هي من جهة الرسالة والخاتمية فقط (ولكن رسول الله وخاتم النّبيين) وبهذا قطع صدر الآية الإرتباط والعلاقة النسبية بشكل تامّ وقطعي، وأثبت ذيلها العلاقة المعنوية الناشئة من الرسالة والخاتمية، ومن هنا يتّضح ترابط صدر الآية وذيلها.

هذا إضافةً إلى أنّ الآية تشير إلى حقيقة هي: أنّ علاقته معكم في الوقت نفسه أشدّ وأسمى من علاقة والد بولده، لأنّ علاقته علاقة الرّسول بالاُمّة، ويعلم أنّ سوف لا يأتي رسول بعده، فكان يجب عليه أن يبيّن لهذه الاُمّة ويطرح لها كلّ ما تحتاجه إلى يوم القيامة في منتهى الدقّة وغاية الحرص عليها.

ولا شكّ أنّ الله العليم الخبير قد وضع تحت تصرّفه كلّ ما كان لازماً في هذا الباب، من الاُصول والفروع، والكليّات والجزئيات في جميع المجالات، ولذلك يقول سبحانه في نهاية الآية: (وكان الله بكلّ شيء عليماً).

وينبغي الإلتفات إلى أنّ كونه «خاتم الأنبياء» يعني أيضاً أنّه خاتم المرسلين، وما ألصقه بعض مبتدعي الأديان لخدش كون مسألة الخاتمية بهذا المعنى، من أنّ

[  277 ]

القرآن قد اعتبر النّبي (صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء لا خاتم المرسلين، إنّما هو إشتباه كبير، لأنّ من كان خاتماً للأنبياء يكون خاتماً للرسل بطريق أولى، لأنّ مرحلة «الرسالة» أسمى من مرحلة «النبوّة» ـ تأمّلوا ذلك ـ .

إنّ هذا الكلام يشبه تماماً أن نقول: إنّ فلاناً ليس في بلاد الحجاز، فمن المسلّم أنّ هذا الشخص سوف لا يكون موجوداً في مكّة، أمّا إذا قلنا: إنّه ليس في مكّة، فمن الممكن أن يكون في مكان آخر من الحجاز.

بناءً على هذا، فإنّه تعالى لو كان قد سمّى النّبي خاتم المرسلين، فمن الممكن أن لا يكون خاتم الأنبياء، أمّا وقد سمّاه «خاتم الأنبياء» فمن المسلّم أنّه سيكون خاتم الرسل أيضاً، وبتعبير المصطلحات فإنّ النسبة بين النّبي والرّسول نسبة العموم والخصوص المطلق.

* * *

 

بحوث

1 ـ ما هو الخاتم؟

«الخاتم» ـ على زنة حاتم ـ لدى أرباب اللغة: هو الشيء الذي تُنهى به الاُمور، وكذلك جاء بمعنى الشيء الذي تختم به الأوراق وما شابهها.

وكان هذا الأمر متداولا فيما مضى ـ ولا يزال إلى اليوم ـ حينما يريدون إغلاق الرسالة أو غطاء الوعاء أو باب المنزل لئلاّ يفتحها أحد، فإنّهم كانوا يضعون مادّة لاصقة على الباب أو القفل ويختمون عليها. ويكون هذا الخاتم من الصلابة بحيث إنّه لابدّ من كسره إذا ما اُريد فتح الباب، وهذه المادّة التي توضع على مثل هذه الأشياء تسمّى «خاتماً».

ولمّا كانوا في السابق يستعملون لهذا الأمر الطين الصلب الذي يلصق، فإنّنا نقرأ

[  278 ]

في متون بعض كتب اللغة المعروفة أنّ معنى الخاتم هو «ما يوضع على الطينة»(1).

كلّ ذلك بسبب أنّ هذه الكلمة مأخوذة من مادّة «الختم» أي النهاية، ولمّا كان هذا العمل ـ أي الختم ـ يجري في الخاتمة والنهاية فقد اُطلق عليه اسم الخاتم لذلك.

وإذا ما رأينا أنّ أحد معاني الخاتم هو الخاتم الذي يوضع في اليد، فبسبب أنّهم كانوا يضعون إمضاءهم وتوقيعهم على خواتيمهم ويختمون الرسائل بها، ولذلك فإنّ من جملة الاُمور التي تذكر في أحوال النّبي (صلى الله عليه وآله) وأئمّة الهدى (عليهم السلام)والشخصيات الاُخرى هو نقش خاتمهم.

ويروي «الكليني» ـ(رحمه الله) ـ في الكافي حديثاً عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ خاتم رسول الله كان من فضّة نقشه محمّد رسول الله»(2).

وجاء في بعض التواريخ أنّ إحدى حوادث السنة السادسة للهجرة أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله)إختار لنفسه خاتماً نقش فيها، وذلك أنّهم أخبروه أنّ الملوك لا يقرؤون الرسائل إذا لم تكن مختومة(3).

وجاء في كتاب «الطبقات»: أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) لمّا صمّم أن ينشر دعوته في الآفاق، ويكتب الرسائل إلى ملوك الأرض وسلاطينها أمر أن يصنعوا له خاتماً كتب عليه (محمّد رسول الله) وكان يختم به رسائله(4).

بهذا البيان يتّضح جيداً أنّ الخاتم وإن اُطلق اليوم على خاتم الزينة أيضاً، إلاّ أنّ أصله مأخوذ من الختم، أي النهاية، وكان يطلق ذلك اليوم على الخواتيم التي كانوا يختمون بها الرسائل.

______________________________________

1 ـ لسان العرب، وقاموس اللغة مادّة ختم: الخاتم ما يوضع على الطينة.

2 ـ أورد هذا الخبر أيضاً البيهقي في سننه، المجلّد10، ص128.

3 ـ سفينة البحار، المجلّد 1، صفحة 386.

4 ـ الطبقات الكبرى، المجلّد 1، صفحة 258.

[  279 ]

إضافةً إلى أنّ هذه المادّة قد إستعملت في القرآن في موارد متعدّدة، وكلّها تعني الإنهاء أو الختم والغلق، مثل: (اليوم نختم على أفواههم وتكلّمنا أيديهم).(1)

(ختم الله على قلوبهم، وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة).(2)

ومن هنا يعلم أنّ الذين شكّكوا في دلالة هذه الآية على كون نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله)خاتم الأنبياء، وإنتهاء سلسلة الأنبياء به، غير مطّلعين على معنى هذه الكلمة تماماً، أو أنّهم تظاهروا بعدم الإحاطة والإطلاع عليها، وإلاّ فإنّ من له أدنى إحاطة بآداب العرب يعلم أنّ كلمة «خاتم النّبيين» تدلّ على الخاتمية.

وإذا قيل ـ عند ذاك ـ في تفسير هذه الآية غير هذا التّفسير فإنّه تفسير متطفّل غير متّزن، كأن نقول: إنّ نبي الإسلام كان خاتم الأنبياء، أي أنّه زينة الأنبياء، لأنّ الخاتم آلة زينة للإنسان، ولا يمكن أن يوازي الإنسان في المرتبة مطلقاً، وإذا فسّرنا الآية بهذا التّفسير فسنكون قد حططنا من مقام النّبي (صلى الله عليه وآله)، وأنزلنا منزلته إلى أدنى المستويات، مع إنّه لا يناسب المعنى اللغوي، ولذلك فإنّ هذه الكلمة حيثما إستعملت في القرآن الكريم ـ في ثمانية موارد ـ فإنّها أعطت معنى الإنهاء والإغلاق.

 

2 ـ أدلّة كون نبيّ الإسلام خاتماً للأنبياء:

بالرغم من أنّ الآية المذكورة كافية لوحدها في إثبات هذا المطلب، إلاّ أنّ الدليل على كون نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) خاتماً للأنبياء لا ينحصر بها، فإنّ آيات اُخرى في القرآن الكريم تشير إلى هذا المعنى، إضافةً إلى الروايات الكثيرة الواردة في هذا الباب:

فمن جملتها في الآية (19) من سورة الأنعام: (واُوحي إليّ هذا القرآن

______________________________________

1 ـ سورة يس، 65.

2 ـ سورة البقرة، 7.

 ]280 ]

لاُنذركم به ومن بلّغ) فإنّ سعة مفهوم تعبير (ومن بلغ) توضّح رسالة القرآن ونبي الإسلام العالمية من جهة، ومسألة الخاتمية من جهة اُخرى.

وهناك آيات اُخرى تثبت عمومية دعوة نبي الإسلام لكلّ البشر، مثل: (تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً).(1)

وكقوله تعالى: (وما أرسلناك إلاّ كافّة للناس بشيراً ونذيراً).(2)

والآية: (قل ياأيّها الناس إنّي رسول الله إليكم جميعاً).(3)

إنّ ملاحظة سعة مفهوم «العالمين» و «الناس» و «الكافّة» تؤيّد هذا المعنى أيضاً. إضافةً إلى أنّ إجماع علماء الإسلام من جهة، وكون هذه المسألة ضرورية لدى المسلمين من جانب آخر، والروايات الكثيرة الواردة عن النّبي (صلى الله عليه وآله) وباقي أئمّة الهدى (عليهم السلام) من جانب ثالث توضّح هذا المطلب، ونكتفي هنا بذكر بعضها من باب الشاهد والمثال:

1 ـ ورد في الحديث المعروف عن النّبي (صلى الله عليه وآله): «حلالي حلال إلى يوم القيامة، وحرامي حرام إلى يوم القيامة»(4).

إنّ هذا التعبير مبيّن لإستمرار هذه الشريعة حتّى نهاية العالم وفنائه.

وقد روي هذا الحديث بهذه الصيغة أحياناً: «حلال محمّد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة، لا يكون غيره، ولا يجيء غيره»(5).

2 ـ حديث المنزلة المعروف، والذي ورد في مختلف كتب الشيعة والسنّة، وهو في شأن علي (عليه السلام) وبقائه مكان النّبي في المدينة عندما توجّه (صلى الله عليه وآله) إلى غزوة تبوك، فإنّه يوضّح مسألة الخاتمية تماماً، لأنّا نقرأ في هذا الحديث أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله)قال

______________________________________

1 ـ سورة الفرقان ـ 1.

2 ـ سورة سبأ، 28.

3 ـ سورة الأعراف، 158.

4 ـ بحار الأنوار، المجلّد الثّاني، صفحة 260 باب 31 حديث 17.

5 ـ اُصول الكافي، المجلّد الأوّل، باب البدع والرأي والمقاييس حديث 19.

[  281 ]

لعلي(عليه السلام): «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي»(1).

3 ـ وثمّة حديث مشهور أيضاً، وقد روي في كثير من مصادر العامّة، وذلك أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) قال: «مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله، فجعل الناس يطيفون به يقولون ما رأينا بنياناً أحسن من هذا إلاّ هذه اللبنة، فكنت أنا تلك اللبنة».

لقد ورد هذا الحديث في صحيح مسلم بعبارات مختلفة، وروي عن رواة عديدين، وقد وردت هذه الجملة «وأنا خاتم النّبيين» في ذيل الحديث الآنف الذكر في أحد الموارد.

ونرى في نهاية حديث آخر: «جئت فختمت الأنبياء»(2).

وقد ورد هذا الحديث أيضاً في صحيح البخاري ـ كتاب المناقب ـ ومسند أحمد بن حنبل، وسنن الترمذي والنسائي وكتب اُخرى، وهو من الأحاديث المعروفة والمشهورة جدّاً، وقد أورده مفسّرو الفريقين كالطبرسي في مجمع البيان، والقرطبي في تفسيره، في ذيل الآية مورد البحث.

4 ـ لقد ورد كون نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله) خاتماً للنبيين صريحاً في كثير من خطب نهج البلاغة، ومن جملة ذلك ما نراه في الخطبة 173 في وصف نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله)، حيث يقول (عليه السلام): «أمين وحيه، وخاتم رسله، وبشير رحمته، ونذير نقمته».

وجاء في الخطبة 133: «أرسله على حين فترة من الرسل، وتنازع من الألسن. فقفّى به الرسل، وختم به الوحي».

وقال (عليه السلام) في الخطبة الاُولى من نهج البلاغة، بعد أن عدّد تعليمات الأنبياء

______________________________________

1 ـ روى هذا الحديث محبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى: ص79 طبعة مكتبة القدس، وابن حجر في الصواعق المحرقة، ص177 طبعة مكتبة القاهرة، وفي تاريخ بغداد، المجلّد 7، ص452 طبعة السعادة، وكتب اُخرى ككنز العمّال، ومنتخب كنز العمال، وينابيع المودّة.
لمزيد الإيضاح حول حديث المنزلة راجع هذا التّفسير ذيل الآية (144) من سورة الأعراف.

2 ـ صحيح مسلم، الجزء 4، ص1790 ـ 1791 باب ذكر كونه (صلى الله عليه وآله) خاتم النبيّين من كتاب الفضائل.

[  282 ]

الماضين: «إلى أن بعث الله سبحانه محمّداً رسول لإنجاز عدته، وإتمام نبوّته».

5 ـ وقد وردت مسألة الخاتمية في ختام خطبة الوداع، تلك الخطبة التي ألقاها نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله) في آخر حجّة له، وفي آخر سنة من عمره المبارك، كوصيّة جامعة للناس، حيث قال: «ألا فليبلّغ شاهدكم غائبكم لا نبيّ بعدي، ولا اُمّة بعدكم» ثمّ رفع يديه إلى السماء حتّى بان بياض إبطيه، فقال: «اللهمّ اشهد أنّي قد بلّغت»(1).

6 ـ وجاء في حديث آخر ورد في «الكافي» عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ الله ختم بنبيّكم النبيّين فلا نبيّ بعده أبداً، وختم بكتابكم الكتب فلا كتاب بعده أبداً»(2).

إنّ الأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة جدّاً، بحيث جمع منها في كتاب (معالم النبوّة) 135 حديثاً من كتب علماء الإسلام عن النّبي (صلى الله عليه وآله) وأئمّة الإسلام العظام(3).

 

3 ـ إجابة عن عدّة أسئلة:

1 ـ كيف تتناسب الخاتمية مع سير الإنسان التكاملي؟

السوال الأوّل الذي يطرح في هذا البحث هو: هل يمكن أن يتوقّف المجتمع الإنساني؟ أترى يوجد لسير البشر التكاملي حدّ محدود؟ ألسنا نرى باُمّ أعيننا أنّ بشر اليوم قد وصلوا في العلم والثقافة إلى مرحلة تفوّق مستوى سابقيهم؟ فمع هذا الحال كيف يمكن أن يغلق سجل النبوّة مطلقاً، فيحرم الإنسان من قيادة أنبياء جدد في سيره التكاملي؟

إنّ الإجابة عن هذا السؤال تتّضح بالإلتفات إلى مسألة واحدة، وهي أنّ

______________________________________

1 ـ بحار الأنوار، المجلّد 21، ص381.

2 ـ اُصول الكافي، المجلّد الأوّل.

3 ـ معالم النبوّة. فصل نصوص كونه (صلى الله عليه وآله) خاتماً.

[  283 ]

الإنسان يصل أحياناً إلى مرتبة من النضج الفكري والثقافي بحيث يكون قادراً على الإستمرار في طريقه بالإستعانة المستمرة بالاُصول والتعليمات التي تركها له النّبي الخاتم بصورة جامعة، دون أن يحتاج إلى شريعة جديدة.

وهذا الأمر يشبه تماماً أن يكون الإنسان محتاجاً لمعلّم جديد ومربّ آخر في كلّ مرحلة من مراحل الدراسة المختلفة، حتّى يقضي المراحل المختلفة، أمّا إذا حصل على الدكتوراه، أو أصبح مجتهداً له رأيه في العلم أو العلوم المختلفة فإنّه لا يحتاج في دراسته إلى اُستاذ جديد، بل يباشر البحث والمطالعة والتحقيق إستناداً إلى ما اكتسبه من الأساتذة السابقين، وخاصّة اُستاذه الأخير.

وبتعبير آخر، فإنّه يحلّ المشاكل والعقبات التي تعترضه بالإستعانة بتلك الاُصول الكليّة التي تعلّمها من اُستاذه الأخير، وبناءً على هذا فلا حاجة لأنّ يظهر دين جديد على مرّ الزمان (تأمّلوا ذلك).

وببيان آخر، فإنّ كلّ واحد من الأنبياء السابقين قد مهّد جانباً من مسير التكامل ليكون الإنسان قادراً على سلوك هذا الطريق الصعب نحو التكامل وينال الأهلية لإستقبال منهج كامل وجامع لهذا الطريق على يد آخر نبي اُرسل من قِبل الله تعالى.

من البديهي أنّه مع إستلام الخريطة الكاملة والمخطّط الجامع سوف لا تكون هناك حاجة إلى مخطّط آخر، وهذا في الحقيقة هو التعبير الذي ورد في الرّوايات الدالة على كونه (صلى الله عليه وآله) خاتماً، والتي عدّت نبيّ الإسلام آخر لبنة، أو واضع آخر لبنة في قصر الرسالة البديع المحكم. وكلّ ذلك يؤكّد عدم الحاجة إلى دين جديد وشريعة مستحدثة.

أمّا فيما يتعلّق بمسألة القيادة والإمامة، والتي تعني الإشراف التامّ على تنفيذ هذه الاُصول، والأخذ بأيدي الناس في هذا الطريق، فهي مسألة اُخرى لا يمكن أن يستغني الإنسان عنها في أيّ حين، ولذلك فإنّ ختام سلسلة النبوّة لا يعني أبداً

[  284 ]

نهاية سلسلة الإمامة، لأنّ «تبيين» و «توضيح» هذه الاُصول و «تحقّقها في الخارج» لا يمكن أن يتمّ من دون الإستعانة بوجود قائد وإمام معصوم.

 

2 ـ كيف تتلاءم القوانين الثابتة مع الحاجات المتغيّرة؟

بغضّ النظر عن مسألة السير التكاملي للبشر، فإنّ هناك سؤالا آخر يطرح هنا، وهو: أنّنا نعلم أنّ مقتضيات الأزمنة والأمكنة ومتطلباتها متفاوتة، وبتعبير آخر فإنّ حاجات الإنسان في تغيّر مستمر، في حين أنّ للشريعة الخاتمة قوانين ثابتة، فهل تقوى هذه القوانين الثابتة على أن تؤمّن حاجات الإنسان المتغيّرة على مدى الزمان؟

ويمكن الإجابة على هذا السؤال جيداً بملاحظة المسألة التالية، وهي: أنّه لو كانت لكلّ قوانين الإسلام صفة الجزئية، وأنّها قد عيّنت لكلّ موضوع حكماً جزئياً معيناً لكان هناك مجال لهذا السؤال، أمّا إذا عرفنا بأنّ في تعليمات الإسلام سلسلة من الاُصول الكلية الواسعة جدّاً، والتي تقدر على أن تطابق الحاجات المتغيّرة وتؤمّنها، فلا يبقى مجال لهذا الإشكال.

إنّنا نرى إستحداث سلسلة من الإتّفاقيات الجديدة والروابط الحقوقية بين البشر لم يكن لها وجود في عصر نزول القرآن بتاتاً، فمثلا لم يكن في ذلك العصر شيء اسمه «الضمان» بفروعه المتعدّدة(1)، وكذلك أنواع الشركات التي ظهرت في عصرنا وزماننا حسب الإحتياج اليومي، لكن يوجد لدينا في الإسلام أصل عامّ ورد في بداية سورة «المائدة» بعنوان «لزوم الوفاء بالعهد والعقد»: (ياأيّها الذين آمنوا اُوفوا بالعقود) وهو قادر على احتواء كلّ هذه الإتفاقيات.

وطبعاً هناك قيود وشروط بصورة عامّة وضعت لهذا الأصل العامّ في الإسلام،

______________________________________

1 ـ طبعاً يوجد في الإسلام موضوعات تشبه الضمان في حدود خاصّة، كمسألة ضمان الجريرة، أو تعلّق ديّة الخطأ المحض بالعاقلة، إلاّ أنّ لها مجرّد شبه بالمسألة كما قلنا.

[  285 ]

يجب أن تؤخذ بنظر الإعتبار أيضاً.

بناءً على هذا فالقانون الكلّي ثابت في هذا الباب بالرغم من أنّ مصاديقه متغيّرة، فلا مانع من أن يظهر مصداق جديد له في كلّ يوم.

ونضرب مثالا آخر، وهو: لدينا في الإسلام قانون مسلّم به، وهو قانون (لا ضرر) يمكن من خلاله تحديد أيّ حكم يكون منبعاً ومصدراً للضرر والخسارة في المجتمع، وعن هذا الطريق ترفع كثير من الإحتياجات. إضافة إلى أنّ مسائل «لزوم حفظ المجتمع»، و «وجوب مقدّمة الواجب»، و «تقديم الأهمّ على المهمّ» يمكن أن تكون حلا للمشاكل في كثير من الموارد.

وعلاوة على كلّ ذلك فإنّ الصلاحيات التي تمنح للحكومة الإسلامية عن طريق «ولاية الفقيه» تضع تحت تصرفها إمكانيات واسعة لحلّ المشاكل في إطار اُصول الإسلام العامّة.

إنّ بيان كلّ واحد من هذه الاُمور، مع الأخذ بنظر الإعتبار كون باب الإجتهاد ـ أي إستنباط الأحكام الإلهية من المصادر الإسلامية ـ يحتاج إلى بحث واسع يبعدنا تناوله عن الموضوع ولكن مع ذلك فإنّ ما أوردناه هنا من باب الإشارة يمكن أن يكون جواباً للإشكال المذكور.

 

3 ـ كيف يحرم البشر من فيض الإرتباط بعالم الغيب؟

السؤال الآخر هو: إنّ نزول الوحي والإتّصال بعالم الغيب وما وراء الطبيعة يعتبر نافذة أمل لكلّ المؤمنين الحقيقيين، إضافةً إلى أنّه موهبة وفخر لعالم البشرية، ألا يعتبر قطع طريق الإتّصال هذا، وغلق نافذة الأمل هذه حرماناً عظيماً للبشر الذين يعيشون بعد وفاة خاتم الأنبياء؟

إنّ الإجابة على هذا السؤال تتّضح بملاحظة النقطتين أدناه، وهما:

الاُولى: إنّ الوحي والإرتباط بعالم الغيب وسيلة لإدراك الحقائق ولمّا بُيّنت كلّ

[  286 ]

الإحتياجات والحقائق إلى يوم القيامة في الاُصول العامّة والتعليمات الجامعة التي وضعها خاتم النّبيين، ولذلك فإنّ قطع طريق الاتّصال هذا لا يوجد مشكلة.

الثّانية: إنّ ما يقطع إلى الأبد بعد ختم النبوّة هو الوحي لشريعة جديدة، أو لتكميل شريعة سابقة، لا كلّ أنواع الإتّصال بما وراء عالم الطبيعة، لأنّ للأئمّة إرتباطاً بعالم الغيب، وكذلك المؤمنون الحقيقيون الذين أزالوا الحجب عن قلوبهم ووصلوا إلى مقام المكاشفة والشهادة نتيجة تهذيبهم أنفسهم.

يقول الفيلسوف الشهير «صدر المتألّهين الشيرازي» في مفاتيح الغيب: «واعلم، أنّ الوحي إذا إنقطع، وباب الرسالة إذا انسدّ إستغنى الناس عن الرسل وإظهار الدعوة بعد تصحيح الحجّة وإكمال الدين، كما قال الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) وأمّا باب الإلهام فلا ينسدّ، ومدد نور الهداية لا ينقطع لإحتياج الناس لإستغراقهم في هذه الوساوس إلى التنبيه والتذكير، والله تعالى غلق باب الوحي وفتح باب الإلهام رحمة منه على عباده»(1).

إنّ هذا الإرتباط يتولّد عادةً من سموّ النفس وإرتقاء الروح وتصفيتها وصفاء الباطن، ولا علاقة لها بمسألة النبوّة والرسالة، وبناءً على هذا فمتى ما تحقّقت مقدّماته وشروطه وجدت هذه الرابطة المعنوية، وبذلك فلم يكن أيّ بشر محروماً من هذا الفيض العظيم، ولن يكون ـ تأمّلوا ذلك ـ .

 

* * *

______________________________________

1 ـ مفاتيح الغيب، ص41 ـ 42.

[  287 ]

 

 

الآيات

 

يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً(41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا(42) هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَـتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً(43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقُوْنَهُ سَلَـمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً(44)

 

التّفسير

تحيّة الله والملائكة فرج للمؤمنين:

لمّا كان الكلام في الآيات السابقة عن مسؤوليات نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله) وواجباته الثقيلة الملقاة على عاتقه، فإنّ الآيات مورد البحث تبيّن جانباً من وظائف المؤمنين من أجل تهيئة الأرضية اللازمة لهذا التبليغ، وتوسعة أطرافه في جميع الأبعاد، فوجّهت الخطاب إليهم جميعاً وقالت: (ياأيّها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً) ونزّهوه صباحاً ومساءاً (وسبّحوه بكرةً وأصيلا).

أجل .. لمّا كانت عوامل الغفلة في الحياة المادية كثيرة جدّاً، وسهام وسوسة الشياطين ترمى من كلّ جانب صوب الإنسان، فلا طريق لمحاربتها إلاّ بذكر الله الكثير.

[  288 ]

إنّ «الذكر الكثير» ـ بالمعنى الواقعي للكلمة ـ يعني التوجّه إلى الله سبحانه بكلّ الوجود، لا بلقلقة اللسان وحسب.

«الذكر الكثير» هو الذي يقذف النور في كلّ أعمال الإنسان، ويغمرها بالضياء، ولهذا فإنّ القرآن أمر كلّ المؤمنين في هذه الآية أن يذكروا الله على كلّ حال:

فاذكروه أثناء العبادة، فاحضروا قلوبكم وأخلصوا فيها.

واذكروه عند إقدامكم على المعصية وتجنّبوها وإذا ما بدرت منكم عثرة وهفوة فبادروا إلى التوبة، وارجعوا إلى طريق الحقّ.

واذكروه عند النعم واشكروه عليها.

واذكروه عند البلايا والمصائب واصبروا عليها وتحمّلوها.

والخلاصة: لا تنسوا ذكره في كلّ مشهد من مشاهد الحياة والإبتعاد عن سخطه، والتقرّب لما يجلب رضاه.

ونطالع في حديث مروي في «سنن الترمذي» و «مسند أحمد» عن أبي سعيد الخدري عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): أنّه سئل: أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ فقال: «الذاكرون الله كثيراً».

قال أبو سعيد: فقلت: يارسول الله، ومن الغازي في سبيل الله؟! قال: «لو ضرب بسيفه في الكفّار والمشركين حتّى ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكرون أفضل درجة منه»(1)، وذلك لأنّ الجهاد المخلص لا يمكن أن يتمّ بدون ذكر الله الكثير.

ومن هنا يعلم أنّ للذكر الكثير معنىً واسعاً، وإذا ما فسّر في بعض الرّوايات بتسبيح فاطمة (عليها السلام) ـ وهو 34 مرّة (الله أكبر) و33 مرّة (الحمد لله) و33 مرّة (سبحان الله) ـ وفي كلمات بعض المفسّرين بذكر الصفات العليا والأسماء الحسنى، وتنزيه الله سبحانه عمّا لا يليق به، فإنّ كلّ ذلك من باب ذكر المصداق الواضح، لا تحديد

______________________________________

1 ـ الدرّ المنثور، طبقاً لنقل الميزان، المجلّد 16، صفحة 353.

[  289 ]

المعنى بخصوص هذه المصاديق.

وكما يظهر بوضوح من سياق الآيات، فإنّ المراد من «تسبيح الله» في كلّ غداة وعشي هو إستمرار التسبيح، وذكر هذين الوقتين بالخصوص بإعتبارهما بداية اليوم ونهايته، وما فسّرهما به البعض من أنّ المراد صلاتي الصبح والعصر، أو أمثال ذلك، فهو من قبيل ذكر المصداق أيضاً.

لهذا فإنّ ذكر الله الكثير، وتسبيحه بكرةً وأصيلا لا يحصل إلاّ بإستمرار التوجّه إلى الله، وتنزيهه عن كلّ عيب ونقص، وتقديسه المتّصل، فذكر الله غذاء لروح الإنسان كما أنّ الطعام والشراب غذاء للبدن.

وجاء في الآية (28) من سورة الرعد (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ونتيجة هذا الإطمئنان القلبي هو ما ورد في الآيات 27 ـ 30 من سورة الفجر، حيث تقول: (ياأيّتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربّك راضيةً مرضيّة فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي).

والآية التالية بمثابة نتيجة وعلّة غائيّة للتسبيح في الواقع، فهي تقول: (هو الذي يصلّي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور) أي من ظلمات الشرك والكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم والتقوى (وكان بالمؤمنين رحيماً)وبسبب هذه الرحمة كتب على نفسه هداية البشر وإرشادهم، وأمر ملائكته أن تعينهم في ذلك.

«يصلّي» من مادة (صلاة) وهي هنا تعني الرعاية والعناية الخاصّة، وهذه العناية بالنسبة لله تعني نزول الرحمة، وبالنسبة للملائكة تعني الإستغفار وطلب الرحمة، كما نقرأ ذلك في الآية (7) من سورة غافر: (ويستغفرون للذين آمنوا).

وعلى أيّة حال، فإنّ هذه الآية تتضمّن بشارة عظيمة للمؤمنين الذاكرين الله على الدوام، فهي تقول بصراحة: إنّ هؤلاء ليسوا وحدهم في سيرهم إلى الله، بل إنّهم ـ بمقتضى (يصلّي) وهو فعل مضارع يدلّ على الإستمرار ـ يسيرون في ظلّ

[  290 ]

رحمة الله وملائكته، وفي ظلّ هذه الرحمة تزاح حجب الظلمة، ويغمر قلوبهم وأرواحهم نور العلم والحكمة والإيمان والتقوى.

نعم .. إنّ هذه الآية بشارة كبرى لكلّ سالكي طريق الحقّ بأنّ هناك جاذبية قوية من جانب المعشوق تجذب العاشق إليها لينتهي سعي هذا العاشق الصبّ إلى نتيجة ولا يذهب سدى!

إنّ هذه الآية ضمان لكلّ المجاهدين في سبيل الله أن لا ينالهم قسم الشيطان على إغواء بني آدم، لأنّهم في زمرة المخلِصين المخلَصين، وقد أظهر الشيطان عجزه عن إضلال هذه الزمرة منذ الوهلة الاُولى فقال: (فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلصين).(1)

إنّ جملة (وكان بالمؤمنين رحيماً) وبملاحظة أنّ (كان) فعل ماض يدلّ على أنّ الله كان رحيماً بالمؤمنين رحمة خاصّة على الدوام، تأكيد مجدّد على ما جاء في بداية السورة.

أجل .. هذه هي رحمة الله الخاصّة التي تخرج المؤمنين من ظلمات الأوهام والشهوات والوساوس الشيطانية، وتهديهم إلى نور اليقين والإطمئنان والسيطرة على النفس، ولولا رحمته سبحانه فإنّ هذا الطريق المليء بالمنعطفات والعراقيل لا يكون سالكاً.

وتجسّد الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث مقام المؤمنين وثوابهم بأروع تجسيد وأقصر عبارة، فتقول: (تحيّتهم يوم يلقونه سلام).

«التحيّة» من مادّة «حياة»، وهي تعني الدعاء لسلامة وحياة اُخرى. ولمزيد التوضيح راجع التّفسير الأمثل ذيل الآية (85) من سورة النساء.

هذا السلام يعني السلامة من العذاب، ومن كلّ أنواع الألم والعذاب والمشقّة،

______________________________________

1 ـ سورة ص ـ 82، 83.

[  291 ]

سلام ممتزج بالهدوء والإطمئنان.

ومع أنّ بعض المفسّرين يعتقد أنّ «تحيتهم» إشارة إلى سلام المؤمنين وتحية بعضهم بعضاً، إلاّ أنّ ملاحظة الآيات السابقة التي كان الكلام فيها عن الصلاة ورحمة الله والملائكة في هذه الدنيا، تُظهر أنّ هذه التحية أيضاً من الملائكة في الآخرة، كما نقرأ ذلك في الآية (23) من سورة الرعد: (والملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب سلام عليكم بما صبرتم).

ممّا قلناه اتّضح بصورة ضمنية أنّ المراد من جملة (يوم يلقونه) هو يوم القيامة الذي سمّي بيوم «لقاء الله»، وهذا التعبير يستعمل عادةً في القرآن بهذا المعنى.

بعد هذه التحيّة، التي ترتبط ببداية الأمر، أشارت الآية إلى نهايته فقالت: (وأعدّ لهم أجراً كريماً).

إنّها جملة جمع فيها كلّ شيء على إختصارها، واُخفيت فيها كلّ النعم والمواهب.

* * *

 

بحوث

1 ـ ذكر الله على كلّ حال:

عندما يذكر اسم الله تعالى يتجلّى في قلب الإنسان عالم من العظمة والقدرة والعلم والحكمة، لأنّ له الأسماء الحسنى والصفات العليا، وربّ كلّ الكمالات، ومنزّه عن كلّ عيب ونقص.

إنّ التوجّه المستمر لمثل هذه الحقيقة التي لها تلك الصفات، يسوق روح الإنسان إلى الخيرات والأعمال الصالحة والطهارات، ويبعده عن السيّئات والقبائح، وبعبارة اُخرى فإنّ نور صفاته عزّوجلّ يتجلّى في روح الإنسان.

إنّ التوجّه إلى هكذا معبود عظيم يبعث على الإحساس الدائم بحضوره بين

[  292 ]

يديه تعالى، وهذا الإحساس يؤدّي إلى زيادة الفاصلة كثيرا بين الإنسان وبين الذنب والمعصية.

ذكر الله يعني تذكر مراقبته .. ذكر حسابه وجزائه .. ذكر محكمته العادلة .. نعيمه وجحيمه .. وهذا هو الذكر الذي يصفّي الروح، ويغمر القلب نوراً وحيوية.

لهذا ورد في الروايات الإسلامية أنّ لكلّ شيء حدّاً، إلاّ ذكر الله فإنّه لا حدّ له!

يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في الرواية التي وردت في اُصول الكافي: «ما من شيء إلاّ وله حدّ ينتهي إليه، إلاّ الذكر فليس له حدّ ينتهي إليه».

ثمّ يضيف: «فرض الله عزّوجلّ الفرائض، فمن أدّاهنّ فهو حدّهنّ، وشهر رمضان فمن صامه فهو، والحجّ فمن حجّ حدّه، إلاّ الذكر، فإنّ الله عزّوجلّ لم يرض منه بالقليل، ولم يجعل له حدّاً ينتهي إليه، ثمّ تلا: (ياأيّها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبّحوه بكرةً وأصيلا)»(1).

ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) في ذيل هذه الرواية; «وكان أبي كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنّه ليذكر الله، وآكل معه الطعام وإنّه ليذكر الله، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله».

وأخيراً ينتهي هذا الحديث الغني المحتوى بهذه الجملة: «والبيت الذي يقرأ فيه القرآن، ويذكر الله عزّوجلّ فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين، ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدرّي لأهل الأرض»(2).

إنّ هذا الموضوع من الأهميّة بمكان بحيث عُدّ «ذكر الله» في حديث يعدل خير الدنيا والآخرة، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «من اُعطي لساناً ذاكراً فقد اُعطي خير الدنيا والآخرة»(3).

______________________________________

1 ـ الكافي، المجلّد الثّاني، كتاب الدعاء. باب ذكر الله عزّوجلّ كثيراً.

2 ـ المصدر السابق.

3 ـ المصدر السابق.

[  293 ]

والروايات الواردة في أهميّة «ذكر الله» تبلغ من الكثرة حدّاً بحيث أنّا لو أردنا إيرادها جميعاً هنا لخرجنا عن وضع الكتاب وحدّه، ولذلك نختم هذا الحديث بحديث آخر قصير عميق المعنى عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث يقول: «من أكثر ذكر الله عزّوجلّ أظلّه الله في جنّته»(1).

ولمزيد الإطلاع في هذا المجال يُراجع المجلّد الثّاني من اُصول الكافي ـ الأبواب التي تتعلّق بذكر الله، وخاصّة الأبواب التي تقول: إنّ الآفات والبلايا والمصائب لا تحيط بمن يذكرون الله).

وهناك مطلب ينبغي التأكيد عليه، وهو أنّ كلّ هذه البركات والخيرات لا ترتبط قطعاً بالذكر اللفظي وحركة اللسان الخالية من الفكر والعمل، بل الهدف هو الذكر الذي يكون مصدراً ومنبعاً للفكر .. ذلك الفكر الذي يتجلّى نوره في أعمال الإنسان، كما صرّحت الروايات بهذا المعنى(2).

 

2 ـ توضيح حول «لقاء الله»:

قلنا: إنّ هذا التعبير في القرآن المجيد يشير إلى القيامة عادةً، ولمّا كان اللقاء الحسّي لا يصدق في شأن الله، إذ ليس هو بجسم، وليس له العوارض الجسمية، ولذلك اضطر بعض المفسّرين إلى تقدير شيء هنا، فقالوا: إن المراد هو «لقاء ثواب الله»، أو «لقاء ملائكة الله».

غير أنّ «اللقاء» يمكن أن يؤخذ هنا بمعنى اللقاء الحقيقي بعين القلب، حيث أنّ الحجب تُزال في القيامة وتتجلّى عظمة الله وآياته أكثر من أيّ وقت مضى، ويصل الإنسان إلى مقام المشاهدة الباطنية والرؤية القلبية، وينال كلّ شخص من هذه المشاهدة مرتبة تتناسب مع مقدار معرفته وعمله الصالح.

______________________________________

1 ـ المصدر السابق.

2 ـ خصال الصدوق، طبقاً لنقل تفسير الميزان، المجلّد 16، صفحة 353.

[  294 ]

وللفخر الرازي في تفسيره هنا بيان جميل يمكن جمعه مع ما قلناه، فهو يقول: إنّ الإنسان يغفل في هذه الدنيا عن الله غالباً نتيجة لغرقه في الاُمور المادية، والسعي لتحصيل المعاش، إلاّ أنّه يتوجّه يوم القيامة بكلّ وجوده إلى ربّ العالمين، لأنّ كلّ هذه المشاغل الفكرية ستزول، وهذا هو معنى لقاء الله(1).

ثمّ إنّه اتّضح ممّا قلناه أنّ قول بعض المفسّرين بأنّ هذا التعبير إشارة إلى لحظة الموت واللقاء بملك الموت لا يناسب الآيات مورد البحث، ولا التعبيرات المشابهة الواردة في آيات القرآن الاُخرى، وخاصّة وأنّ ضمير المفعول الذي في جملة «يلقونه» جاء بصيغة المفرد، وهو إشارة إلى ذات الله المقدّسة في حين أنّ الملائكة التي تقبض الأرواح جمع، وجاءت كلمة «الملائكة» بصيغة الجمع في الآية السابقة أيضاً (إلاّ اللهمّ أن تقدّر كلمة ما).

 

3 ـ اُجور المؤمنين معدّة منذ الآن!

إنّ جملة (أعدّ لهم أجراً كريماً) توحي بأنّ الجنّة ونعمها قد خلقت، وهي بإنتظار المؤمنين. ويمكن أن يتبادر هذا السؤال إلى الأذهان: إنّ التهيئة والإعداد يليقان بالشخص المحدود القدرة، حيث أنّه ربّما لا يستطيع في بعض الأحيان أن يهيء وقت الحاجة ما يريد، إلاّ أنّ مثل هذه الحاجة إلى الإستعداد لا تصدق في شأن الله سبحانه، إذ أنّ قدرته لا تحدّ، وإذا أراد شيئاً في أيّة لحظة فإنّه يقول له: كن فيكون، فما هو المراد من التأكيد على التهيئة والإعداد في هذه الآية وسائر آيات القرآن الاُخرى؟!

وبملاحظة نقطة واحدة يحلّ هذا الإشكال، وهي أنّ تهيئة الشيء ليس نابعاً من كون القدرة محدودة دائماً، بل قد يكون أحياناً من أجل تهدئة الخاطر وإطمئنان

______________________________________

1 ـ التّفسير الكبير للفخر الرازي ذيل الآية مورد البحث.

[  295 ]

النفس أكثر، وقد يكون أحياناً من أجل زيادة الإحترام والإكرام، ولذلك فإنّنا إذا دعونا ضيفاً، وبدأنا بتهيئة وسائل إستقباله وضيافته، فسنكون قد إهتممنا به وإحترمناه أكثر، على عكس ما إذا قمنا بهذا الإستعداد لإستقباله يوم مجيئه، وفي ساعة وصوله، فإنّ هذا كاف لوحده في الدلالة على عدم إهتمامنا وقلّة إحترامنا لهذا الضيف.

وفي الوقت نفسه، لا يمنع هذا الكلام من تعاظم الأجر والثواب وزيادته وفق العمل، وأنّ المؤمنين كلّما إجتهدوا أكثر في تهذيب أنفسهم وتطهيرها، فإنّ الاُجور الإلهيّة المعدّة لهم تتكامل أكثر وتعظّم، وتسير نحو الكمال بنفس النسبة التي يتكاملون فيها.

 

* * *

[  296 ]

 

 

الآيات

 

يَـأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَـكَ شَـهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45)وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً(46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللهِ فَضْلا كَبِيراً(47) وَلاَ تُطِعِ الْكَـفِرِينَ وَالْمُنَـفِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلا(48)

 

التّفسير

السّراج المنير!

الخطاب في هذه الآيات موجّه إلى النّبي (صلى الله عليه وآله)، إلاّ أنّ نتيجته لكلّ المؤمنين، وبذلك فإنّها تكمل الآيات السابقة التي كانت تبحث في بعض وظائف المؤمنين وواجباتهم.

لقد جاءت في الآيتين الأوليين من هذه الآيات الأربع «خمس صفات» للنبي(صلى الله عليه وآله) وجاء في الآيتين الاُخريين بيان خمس واجبات يرتبط بعضها ببعض، وتكمل إحداها الاُخرى.

تقول الآية أوّلا: (إنّا أرسلناك شاهداً) فهو من جانب شاهد على أعمال اُمّته، لأنّه يرى أعمالهم كما نقرأ ذلك في موضع آخر: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم

 ]297 ]

ورسوله والمؤمنون).(1) وهذا العلم يمكن تحقّقه عن طريق عرض أعمال الاُمّة على النّبي (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)، وقد مرّ تفصيل ذلك في ذيل الآية المذكورة (105 من سورة التوبة).

وهو من جانب آخر شاهد على الأنبياء الماضين الذين كانوا شهوداً على اُممهم: (فكيف إذا جئنا من كلّ اُمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً).(2)

ومن جهة ثالثة فإنّ وجودك بما لك من الصفات والأخلاق والبرامج والتعليمات البنّاءة، إضافةً إلى تاريخك المشرق وأعمالك المشرفة، شاهد على أحقّية دينك، وشاهد على عظمة الله وقدرته.

ثمّ تطرّقت الآية إلى الصفتين الثّانية والثالثة فقالت: (ومبشّراً ونذيراً) فهو مبشّر للمحسنين بثواب الله اللامتناهي .. بالسلامة والسعادة الخالدة .. بالظفر والتوفيق المليء بالفخر والإعتزاز .. ونذير للكافرين والمنافقين من عذاب الله الأليم .. من خسران كلّ رأسمال الوجود، ومن السقوط في شراك التعاسة في الدنيا والآخرة.

وكما قلنا سابقاً، فإنّ البشارة والإنذار يجب أن يقترنا في كلّ مكان، وأن يكون أحدهما معادل للآخر، لأنّ نصف وجود الإنسان عبارة عن حبّه لجلب المنفعة، ونصفه الآخر سعيه لدفع المضرّة عنه، فالبشارة تشكّل الدافع على القسم الأوّل، والإنذار على النصف الثاني، فالمناهج التي تعتمد على جانب واحد لم تدرك حقيقة الإنسان، ولم تدرك دوافعه وميوله(3).

وأشارت الآية التالية إلى الصفة الرّابعة والخامسة، فقالت: (وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً).

* * *

______________________________________

1 ـ التوبة، 105.

2 ـ النساء، 41.

3 ـ لقد أوردنا بحثاً مفصّلا في هذا الباب تحت عنوان أصلان تربويان مهمّان، في ذيل الآية (119) من سورة البقرة.

[  298 ]

ملاحظات

وهنا ينبغي الإنتباه إلى عدّة ملاحظات:

1 ـ لقد ذكر مقام «الشهادة»، وكون النّبي (صلى الله عليه وآله) شاهداً قبل جميع صفاته الاُخرى، وذلك لأنّ هذا المقام لا يحتاج إلى مقدّمة سوى وجود النّبي ورسالته، فعندما يتمّ نصبه في هذا المقام يكون شاهداً من جميع الجهات التي ذكرناها سابقاً، غير أنّ مقام «البشارة» و «الإنذار» أمر يتحقّق بعد ذلك.

2 ـ إنّ الدعوة إلى الله سبحانه مرحلة تأتي بعد البشارة والإنذار، لأنّ البشارة والإنذار وسيلة لتهيئة الأفراد لقبول الحقّ، فعندما تتهيّأ هذه الأرضية عن طريق الترغيب والترهيب، تبدأ مرحلة الدعوة إلى الله سبحانه، وستكون مؤثّرة في هذه الحالة فقط.

3 ـ مع أنّ كلّ أعمال النّبي (صلى الله عليه وآله) بإذن الله وأمره، إلاّ أنّ الدعوة هي الوحيدة التي قيّدت بإذن الله هنا، وذلك لأنّ أشقّ أعمال الأنبياء وأهمّها هي الدعوة إلى الله سبحانه، حيث يجب عليهم أن يسوقوا الناس في طريق يخالف ميولهم وشهواتهم، فيجب أن تستبطن إذن الله وأمره ونصرته في هذه المرحلة ليتمّ تنفيذها، ومن هنا يتّضح أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) لا يملك شيئاً من عند نفسه، بل كلّ ما يقوله بإذن الله(1).

4 ـ إنّ كون النّبي (صلى الله عليه وآله) (سراجاً منيراً) إشارة إلى المعجزات وأدلّة أحقّية دعوة الرّسول، وعلامة صدقها، فهو سراج منير شاهد بنفسه على نفسه، يزيح الظلمات ويلفت الأنظار ويجذب القلوب إليه، فكما أنّ بزوغ الشمس دليل على وجود الشمس، فكذلك وجوده (صلى الله عليه وآله) دليل على كونه حقّاً، ودليل على أحقّيته.

وممّا يستحقّ الإنتباه أنّ لفظة «السراج» قد وردت في القرآن المجيد أربع مرّات، ثلاث منها في شأن الشمس، ومن جملتها ما ورد في الآية (16) من سورة

______________________________________

1 ـ يحتمل أيضاً أنّ قيد (بإذنه) يعود إلى جميع الأوصاف السابقة، إلاّ أنّ ظاهر الآية هو أنّ الضمير يعود إلى مسألة الدعوة إلى الله.

[  299 ]

نوح حيث تقول: (وجعل القمر فيهنّ نوراً وجعل الشمس سراجاً).

«السراج» في الأصل يعني المصباح الذي يضاء سابقاً بواسطة الفتيلة والزيت، وبواسطة الطاقة الكهربائية وأمثالها في العصر الحاضر، فينبعث ضياؤه ونوره، إلاّ أنّه اُطلق ـ على قول الراغب في مفرداته ـ على كلّ مصدر للنور فيما بعد، وإطلاقه على الشمس من أجل أنّ نورها ينبع من داخلها، ولا تكتسب نورها من مصدر آخر كالقمر.

إنّ وجود النّبي (صلى الله عليه وآله) كالشمس المنيرة التي تزيح ظلمات الجهل والشرك والكفر عن سماء روح البشر، لكن كما لا ينتفع العمي بنور الشمس، وكما تخفي الخفافيش أنفسها عنه حيث لا طاقة لعيونها برؤية هذا النور، فإنّ عمي القلوب العنودين المتعصّبين لم يستفيدوا ولن يستفيدوا من هذا النور مطلقاً، وكان أبو جهل وأمثاله يضعون أصابعهم في آذانهم حتّى لا يسمعوا صوت قرأنه ونغمته.

إنّ الظلام يبعث على الخوف والوحشة دائماً، والنور يبعث الإطمئنان والراحة، فالسرّاق واللصوص يستغلّون ظلام الليل للسطو على الدور ونهب ما يقدرون عليه، والحيوانات المفترسة تخرج من حجورها في ظلمة الليل غالباً.

الظلام يسبّب الفرقة، والنور يسبّب الإجتماع، ولذلك فإنّنا إذا أسرجنا سراجاً في ليلة مظلمة فستجتمع حوله أنواع الحشرات في فترة قصيرة.

إنّ النور والضياء أساس نمو الأشجار، ونضج الفواكه والأثمار، والخلاصة: كلّ نشاطات الحياة، وتشبيه وجود النّبي (صلى الله عليه وآله) بمصدر للنور يبعث على تداعي كلّ هذه المفاهيم في الذهن.

إنّ وجود النّبي (صلى الله عليه وآله) أساس الهدوء والإطمئنان، وفرار لصوص الدين والإيمان، وهرب الذئاب الضارية الظالمة لمجتمعاتها، ويوجب هدوء الخاطر، ونمو روح الإيمان والأخلاق، والخلاصة: أساس الحياة والحركة، وتأريخ حياته شاهد حي على هذا الموضوع.

[  300 ]

وفي الآيتين الاُخريين من الآيات مورد البحث بياناً لخمسة واجبات من واجبات النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) المهمّة بعد بيان صفاته الخمس، فتقول أوّلا: (وبشّر المؤمنين بأنّ لهم من الله فضلا كبيراً) وهي إشارة إلى أنّ مسألة تبشير النّبي (صلى الله عليه وآله) لا يحدّ بالثواب الإلهي بمقدار أعمال المؤمنين الصالحة، بل إنّ الله سبحانه يفيض عليهم من فضله بحيث تضطرب المعادلة بين العمل والجزاء تماماً كما تشهد بذلك الآيات القرآنية.

فتقول في موضع: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها).(1)

وتقول في موضع آخر: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة والله يضاعف لمن يشاء).(2)

وقد تذهب أبعد من ذلك فتقول: (فلا تعلم نفس ما اُخفي لهم من قرّة أعين).(3)

وبهذا فإنّ أبعاد الفضل الإلهي الكبير أوسع وأسمى ممّا يخطر في التصوّر والأوهام.

ثمّ تناولت الواجب الثّاني والثالث، فقالت: (ولا تطع الكافرين والمنافقين).

لا شكّ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يطع الكافرين والمنافقين مطلقاً، إلاّ أنّ هذا الموضوع من الأهميّة بمكان، ولذلك أكّدت الآية على هذا الموضوع بالخصوص من باب التأكيد على النّبي (صلى الله عليه وآله) والتحذير والقدوة للآخرين، فهي تحذّرهم من الأخطار والعقبات المهمّة التي تعترض طريق القادة المخلصين، والتي تجرّهم إلى المساومة والتسليم أثناء المسيرة، وتتهيّأ أرضية هذا التسليم عن طريق التهديد تارةً، وعن طريق منح الإمتيازات تارةً اُخرى، حتّى أنّ الإنسان قد يشتبه أحياناً فيظنّ أنّ الخضوع والإمتثال لمثل هذه المساومة والإستسلام هو طريق الوصول

______________________________________

1 ـ الأنعام، 160.

2 ـ البقرة، 261.

3 ـ الم السجدة، 17.

[  301 ]

إلى الهدف. في حين أنّ نتيجة هذا الإستسلام هي إجهاض كلّ الجهود والمساعي، وإحباط كلّ جهاد وكفاح.

إنّ تأريخ الإسلام يبيّن أنّ الكافرين والمنافقين سعوا مراراً إلى جرّ النّبي (صلى الله عليه وآله)إلى هذا الموضع، فاقترحوا مرّة أن لا يذكر الأصنام بسوء ولا ينتقدها وينتقصها، وقالوا مرّة اُخرى: ائذن لنا أن نعبد ربّك سنة، واعبد آلهتنا سنة، وكانوا يقولون أحياناً: امهلنا سنة نقيم فيها على ديننا ثمّ نؤمن بك. واقترحوا عليه مرّة أن أبعد عنك فقراء المؤمنين ومساكينهم لنضمّ صوتنا ـ نحن الأثرياء ذوي المكانة ـ إليك. وكانوا يعلنون أحياناً إستعدادهم لبذل الإمتيازات المالية والمركز والمنصب الحسّاس، والنساء الجميلات وأمثال ذلك.

من المسلّم أنّ كلّ هذه كانت شراك خطيرة في طريق إنتشار الإسلام السريع، وإقتلاع جذور الكفر والنفاق، ولو كان النّبي (صلى الله عليه وآله) قد أظهر الليونة والميل إلى المساومة أمام واحد من هذه الإقتراحات فإنّ دعائم الثورة الإسلامية كانت ستنهار، ولم تكن الجهود لتصل إلى نتيجة مطلقاً.

ثمّ تقول في الأمر الرابع والخامس: (ودع أذاهم وتوكّل على الله وكفى بالله وكيلا).

إنّ هذا الجزء من الآية يوحي بأنّهم قد وضعوا النّبي (صلى الله عليه وآله) تحت ضغط شديد لحمله على الإستسلام، واستخدموا ضدّه وضدّ أصحابه كلّ أنواع الأذى، سواء كان عن طريق جرح اللسان والكلام الفاحش والإهانة، أم عن طريق الأذى الجسمي، أو عن طريق الحصار الإقتصادي. وكان لهذا الأذى صورة واُسلوباً في مكّة، واُسلوباً آخر في المدينة، لأنّ «الأذى» جاء مطلقاً في الآية ويشمل كلّ أنواع الأذى.

ويرى «الراغب» في المفردات أنّ «الأذى» هو كلّ ضرر يصيب الكائن الحي، سواء في روحه، أو جسمه، أو يصيب من يرتبط به، سواء في الدنيا أم الآخرة.

[  302 ]

وقد إستعملت هذه الكلمة في الآيات القرآنية في «الأذى اللساني» تارةً كالآية (61) من سورة التوبة، حيث تقول: (ومنهم الذين يؤذون النّبي ويقولون هو اُذن).

وإستعملت أيضاً بمعنى «الأذى البدني» في آيات اُخرى، كالآية (16) من سورة النساء: (والّذان يأتيانها منكم فآذوهما) أي يرتكبان الفاحشة، فأقيموا عليهما الحدّ الشرعي.

يقول التاريخ: إنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين الأوائل قد وقفوا كالجبل الأشمّ أمام أنواع الأذى، ولم يقبلوا عار الإستسلام والهزيمة قطّ، وأخيراً إنتصروا في حركتهم.

وكان أساس هذه المقاومة ومعينها هو «التوكيل على الله» والإعتماد على ذاته المقدّسة .. الله الذي تتيسّر كلّ الصعاب والمشاكل أمام إرادته .. أجل يكفي الإنسان أن يكون معينه وناصره هذا الربّ الجليل.

وممّا قلناه اتّضح أنّ محتوى الآية المذكورة لم يكن نسخ لحكم الجهاد ـ كما يظنّ ذلك بعض المفسّرين ـ بل الظاهر أنّ هذه الآيات قد نزلت بعد مدّة من نزول حكم الجهاد، وهي في مصافّ الحوادث المتعلّقة بسورة الأحزاب.

إنّ هذا حكم لكلّ العصور والقرون، بأن لا يصرف الأئمّة الإلهيون طاقاتهم الحيوية في الإهتمام بإيذاء مخالفيهم، فإنّهم إن فعلوا ذلك وصرفوا قواهم وطاقاتهم في هذا المجال، يكون عدوّهم قد حقّق هدفه، لأنّه يريد أن يشغل فكر من يقابله، ويهدر طاقاته عن هذا الطريق .. هنا يكون أمر (دع أذاهم) هو الحلّ الوحيد.

وهنا أمر يستحقّ الإنتباه أيضاً، وهو: أنّ الأوامر الخمسة المذكورة، التي وردت في الآيتين الأخيرتين، يكمل بعضها بعضاً، ويرتبط بعضها ببعض، فإنّ

[  303 ]

تبشير المؤمنين لجذب القوى المؤمنة، وعدم الإستسلام للكفّار والمنافقين، وعدم الإهتمام بأذاهم، والتوكّل على الله تشكّل مجموعة مباديء تؤدّي إلى الهدف، ودستور عمل جامع لكلّ سالكي طريق الحقّ.

 

* * *

[  304 ]

 

 

الآية

 

يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَـتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّة تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلا(49)

 

التّفسير

جانب من أحكام الطلاق:

إنّ آيات هذه السورة ـ الأحزاب ـ جاءت على شكل مجموعات مختلفة، والخطاب في بعضها موجّه إلى النّبي (صلى الله عليه وآله)، وفي بعضها الآخر إلى كلّ المؤمنين، ولذلك تقول أحياناً: (ياأيّها النّبي)، وأحياناً اُخرى: (ياأيّها الذين آمنوا) قد وردت فيها الأوامر اللازمة يوازي بعضها بعضاً، وهذا يعني أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) كان مراداً بهذه التعليمات، كما أنّ عموم المؤمنين يرادون بها أيضاً.

والآية التي نبحثها من الآيات التي توجّه خطابها إلى كلّ المؤمنين، في حين أنّ الآيات السابقة خاطبت شخص النّبي (صلى الله عليه وآله) ظاهراً، ويتوجّه الخطاب إلى النّبي (صلى الله عليه وآله)في الآيات القادمة مرّة اُخرى، وبهذا فإنّ قسماً من هذه السورة يتّبع اُسلوب «اللفّ والنشر المرتّب».

[  305 ]

تقول الآية: (ياأيّها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّة تعتدّونها).

لقد بيّن الله سبحانه هنا حكماً إستثنائياً من حكم عدّة النساء المطلّقات، وهو أنّ الطلاق، إن وقع قبل الدخول فلا تلزم العدّة، ومن هذا التعبير يفهم أنّ حكم العدّة كان قد بُيّن قبل هذه الآية.

إنّ التعبير بـ «المؤمنات» لا يدلّ على أنّ الزواج من غير المسلمات ممنوع تماماً، بل من الممكن أن يكون إشارة إلى أولوية المؤمنات، وبناءً على هذا فإنّه لا ينافي الروايات ومشهور فتاوى الفقهاء بجواز الزواج المؤقّت من الكتابيات.

ثمّ إنّه يستفاد من تعبير (لكم) وكذلك جملة (تعتدونها) أنّ إنتظار عدّة المرأة يعتبر حقّاً للرجل، ويجب أن يكون هكذا، لأنّ من الممكن أن تكون المرأة حاملا في الواقع، وتركها العدّة وزواجها برجل آخر يجعل حال الولد غير معلوم، ويؤدّي إلى ضياع حقّ الرجل إضافةً إلى أنّ إنتظار العدّة يمنح الرجل والمرأة فرصة لتجديد النظر والرجوع إلى بعضهما، فقد يقع الطلاق نتيجة إنفعالات شديدة، ومثل هذه الفرصة والتفكير حقّ للرجل والمرأة معاً.

وأمّا ما أورده البعض على هذا الحكم، بأنّ العدّة إن كانت حقّاً للرجل، فبإمكانه أن يسقط حقّه، فلا يصحّ، لأنّ في الفقه حقوقاً كثيرة لا يمكن إسقاطها، كالحقّ الذي لورثة الميّت في أمواله، أو الحقّ الذي للفقراء في الزكاة، إذ لا يقدر أي أحد على إسقاط هذا الحقّ الشرعي.

ثمّ تتطرّق الآية إلى حكم آخر من أحكام النساء اللاتي يطلقن قبل المباشرة الجنسية ـ والذي سبقت الإشارة إليه في سورة البقرة أيضاً ـ فتقول: (فمتّعوهنّ)أي اعطوهنّ هدية مناسبة.

ولا شكّ أنّ تقديم هديّة مناسبة إلى المرأة يكون واجباً في حالة عدم تعيين المهر من قبل، كما جاء في الآية (236) من سورة البقرة (لا جناح عليكم إن طلّقتم

 ]306 ]

النساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة ومتّعوهنّ).

بناءً على هذا، فإنّ الآية مورد البحث وإن كانت مطلّقة، وتشمل الموارد التي عين فيها المهر، والتي لم يعيّن فيها، إلاّ أنّنا نحدّدها بالمورد الذي لم يعيّن فيه المهر بقرينة آية سورة البقرة، لأنّه في حالة تعيين المهر وعدم الدخول يجب دفع نصف المهر، كما جاء ذلك في الآية (237) من سورة البقرة.

واحتمل بعض المفسّرين والفقهاء أنّ حكم تقديم هديّة مناسبة عام في الآية مورد البحث، ويشمل حتّى الموارد التي عيّن فيها المهر، غاية ما هناك أنّ له صفة الإستحباب في هذه الموارد، وله صفة الوجوب في الموارد التي لم يعيّن فيها المهر. وتلاحظ في بعض الآيات والروايات إشارة إلى هذا المعنى أيضاً(1).

أمّا كم هو مقدار هذه الهدية؟ فقد بيّنه القرآن المجيد في سورة البقرة إجمالا بقوله: (متاعاً بالمعروف).(2) وكذلك قال في نفس تلك الآية: (على الموسّع قدره وعلى المقتر قدره).

بناءً على هذا، فإن ذكرت في الروايات الإسلامية موارد من قبيل البيت والخادم واللباس وأمثال ذلك، فإنّها من قبيل المصاديق لهذا الكلّي وهي تتفاوت بحسب إمكانيات الزوج وشؤون المرأة.

وآخر حكم في الآية مورد البحث هو: (وسرحوهنّ سراحاً جميلا).

«السراح الجميل» هو الطلاق المقترن بالمحبّة والإحترام، وترك كلّ خشونة وظلم وجور وإحتقار، والخلاصة هو ما ورد في الآية (29) من سورة البقرة: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) فإنّ الإستمرار في الحياة الزوجية يجب أن يكون قائماً على أساس المعايير الإنسانية، والطلاق كذلك، فلا يجوز للرجل ـ إذا

______________________________________

1 ـ كالآية (241) من سورة البقرة، ووردت روايات متعدّدة في هذا الباب ذكرت في وسائل الشيعة، الجزء 15، ص59 الباب 50 من أبواب المهور من كتاب النكاح، ومن جملتها ما ورد عن علي (عليه السلام) «لكلّ مطلّقة متعة إلاّ المختلعة».

2 ـ البقرة، 236.

[  307 ]

صمّم على طلاق زوجته ـ هضم حقّ الزوجة ومهرها، وبذاءة الكلام والخشونة معها، فإنّ هذا السلوك غير إسلامي قطعاً، ولا يمتّ إلى الإسلام بصلة.

واعتبر بعض المفسّرين «السراح الجميل» بمعنى إجراء الطلاق طبقاً للسنّة الإسلامية، وجاء هذا المعنى في الرّواية الواردة في تفسير علي بن إبراهيم وعيون الأخبار. إلاّ أنّ من المسلّم أنّ «السراح الجميل» لا يتحدّد بهذا المعنى، بالرغم من أنّه أحد مصاديقه.

واعتقد بعض آخر من المفسّرين أنّ السراح الجميل هنا يعني إذن الخروج من المنزل، لأنّ المرأة ليست مكلّفة هنا بالعدّة، وبناءً على هذا فيجب إطلاق سراحها لتذهب حيث شاءت.

إلاّ أنّ هذا المعنى يبدو بعيداً بملاحظة أنّ تعبير السراح الجميل، أو أمثاله في الآيات القرآنية الاُخرى قد ورد حتّى في شأن النساء اللاتي يجب أن يعتددن.

وقد كان لنا بحث مفصّل حول المعنى الأصلي للسراح، وأصله اللغوي، ولماذا يستعمل في الإطلاقات المتعارفة بمعنى الطلاق والإطلاق في ذيل الآية (28) من سورة الأحزاب هذه.

 

* * *

[  308 ]

 

 

الآية

 

يَـأَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَجَكَ الَّتِى ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّـتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَـلَـتِكَ الَّتِى هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِىِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِىُّ أَن يَسْتَنِكحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـنُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً(50)

 

التّفسير

يمكنك الزواج من هذه النّسوة:

قلنا: إنّ بعض مقاطع هذه السورة تبحث واجبات النّبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين على طريقة اللفّ والنشر المرتّب، ولذلك فبعد ذكر جانب من الأحكام المتعلّقة بطلاق النساء، وجّهت الخطاب هنا إلى النّبي (صلى الله عليه وآله)، وفصّلت الموارد السبعة التي يجوز للنبي الزواج فيها من تلك النسوة:

[  309 ]

1 ـ فقالت أوّلا: (ياأيّها النّبي إنّا أحللنا لك أزواجك اللاّتي آتيت اُجورهنّ). والمراد من هؤلاء النساء ـ بقرينة الجمل التالية ـ النساء اللاتي لم يكنّ يرتبطن بالنّبي (صلى الله عليه وآله) برابطة قرابة وقد تزوّجنه، وربّما كانت مسألة دفع المهر لهذا السبب، لأنّ العرف المتّبع آنذاك هو أنّهم كانوا يدفعون المهر نقداً عند زواجهم من الأجنبيات، إضافةً إلى أفضلية التعجيل في هذا الدفع، وخاصّة إذا كانت الزوجة بحاجة إليه. إلاّ أنّ هذا الأمر ليس من الواجبات على أي حال، إذ يمكن أن يبقى المهر ديناً في ذمّة الزوج إذا ما اتّفق الطرفان على ذلك.

2 ـ (وما ملكت يمينك ممّا أفاء الله عليك).

(أفاء الله) من مادّة (الفيء)، وتقال للأموال التي يحصل عليها الإنسان بدون جهد ومشقّة، ولذلك يطلق (الفيء) على الغنائم الحربية، وكذلك الأنفال، وهي الثروات الطبيعية التي تعود إلى الحكومة الإسلامية ولا يملكها مالك بالخصوص.

يقول الراغب في مفرداته: الفيء بمعنى الرجوع إلى حالة محمودة، ومنه فاء الظلّ. (لحالة رجوع الظلّ) ثمّ قال: وقيل للغنيمة من دون مشقّة فيء. قال بعضهم: سمّي ذلك بالفيء تنبيهاً على أنّ أشرف أعراض الدنيا يجري مجرى ظلّ زائل.

صحيح أنّ الغنائم الحربية لا تنال في بعض الأحيان إلاّ بشقّ الأنفس وبذل الجهد المضني، إلاّ أنّ مشقّتها أقلّ من مشقّة تحصيل الأموال الاُخرى. وقد يطلق «الفيء» أحياناً على الأموال الطائلة التي يُحصل عليها من خلال هجوم واحد.

لكن مَن مِن نساء النّبي يصدق عليها هذا الحكم؟

قال بعض المفسّرين: إنّ إحدى نساء النّبي وهي «مارية القبطية» ـ كانت من الغنائم، وكانت زوجتان اُخريان ـ وهما «صفيّة» و «جويرية» ـ من الأنفال أعتقهما النّبي (صلى الله عليه وآله) ثمّ تزوّجهما، وكان هذا الفعل بنفسه جزءاً من خطّة الإسلام العامّة في تحرير العبيد التدريجي، وإرجاع الشخصية الإنسانية لهم.

3 ـ (وبنات عمّك وبنات عمّاتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاّتي هاجرن

 ]310 ]

معك) وبهذا فإنّ اللاّتي يحلّ للنّبي الزواج منهنّ من بين جميع الأقارب: بنات العمّ والعمّة، وبنات الخال والخالة، وبشرط أن يكنّ قد هاجرن مع النّبي (صلى الله عليه وآله).

إنّ التحديد بهذه الفئات الأربع واضح، إلاّ أنّ شرط الهجرة من أجل أنّها كانت دليلا على الإيمان في ذلك اليوم، وعدم الهجرة دليل على الكفر، أو لأنّ الهجرة تمنحهنّ إمتيازاً أكبر وفخراً أعظيم، والهدف من الآية هو بيان النساء الفاضلات المؤهّلات لأن يصبحن زوجات للنّبي (صلى الله عليه وآله).

وهل لهذه الفئات الأربع التي ذكرت كحكم كلّي في الآية، مصداق خارجي من بين نساء النّبي أم لا؟ إنّ المورد الوحيد الذي يمكن ذكره كمصداق هو زواجه (صلى الله عليه وآله)بزينب بنت جحش، الذي مرّت قصّته المثيرة في طيّات هذه السورة، لأنّ زينب كانت بنت عمّة النّبي وكان «جحش» زوج عمّته(1).

4 ـ (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي (من دون مهر) إن أراد النّبي أن يستنكحها خالصةً لك من دون المؤمنين) أي أنّ هذا الحكم خاص للنبي (صلى الله عليه وآله) ولا يشمل سائر المؤمنين (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم)وبناءً على هذا فإذا كنّا قد حدّدنا بعض المسائل فيما يتعلّق بالزواج من هؤلاء النسوة، فقد كان ذلك إستناداً إلى مصلحة حاكمة في حياتك وحياتهن، ولم يكن أيٍّ من هذه الأحكام والمقرّرات إعتباطياً وبدون حساب.

ثمّ تضيف الآية (لئلاّ يكون عليك حرج) وبالتالي ستكون قادراً على أداء المسؤوليات الملقاة على عاتقك في القيام بهذا الواجب (وكان الله غفوراً رحيم).

وفي مورد القسم الأخير ـ أي النساء اللاّتي لا مهر لهنّ ـ ينبغي الإلتفات إلى

______________________________________

1 ـ ذكر بعض المفسّرين وجوهاً أوردها «الفاضل المقداد» في كنز العرفان، في أنّه لماذا ورد العمّ بصيغة المفرد والعمّات بصيغة الجمع، وكذلك الخال بصيغة المفرد والخالات بصيغة الجمع، إلاّ أنّ أفضلها هو أنّ العمّ والخال يستعملان كاسم للجنس في لغة العرب، وليس كذلك العمّات والخالات، وقد ذكر ابن العربي عرف أهل اللغة هذا (كنز العرفان، المجلّد 2، ص241).


وقد رجّح الآلوسي هذا الإحتمال في روح المعاني على كلّ الوجوه الاُخرى.

[  311 ]

النقاط أدناه:

1 ـ لا شكّ أنّ جواز إتّخاذ زوجة من دون مهر كان من مختّصات النّبي (صلى الله عليه وآله)والآية صريحة في هذه المسألة، ولذلك فهي من مسلّمات الفقه الإسلامي، وبناءً على هذا فلا يحقّ لأيّ امرىء أن يتزوّج امرأة بدون مهر، قلّ أم كثر، وحتّى إذا لم يرد ذكر المهر أثناء إجراء صيغة العقد، ولم تكن هناك قرينة تعيّنه، فيجب أن يدفع مهر المثل، والمراد من مهر المثل: المهر الذي تجعله النساء اللاتي تشابهها في الأوصاف والخصوصيات لأنفسهنّ عادةً.

2 ـ هناك بحث بين المفسّرين في أنّه هل لهذا الحكم الكلّي مصداق في مورد زوجات النّبي (صلى الله عليه وآله) أم لا؟

يعتقد البعض ـ كإبن عبّاس وبعض آخر من المفسّرين ـ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) لم يتزوّج بأيّة امرأة على هذه الحال، وبناءً على هذا فإنّ الحكم أعلاه كان إذناً عاماً للنّبي(صلى الله عليه وآله) إلاّ أنّه لم يطبّق عملياً مطلقاً.

في حين أنّ آخرين ذكروا أسماء ثلاث أو أربع نسوة من زوجات النّبي (صلى الله عليه وآله)اللاّتي تزوجهنّ بدون مهر، وهنّ: «ميمونة» بنت الحارث، و «زينب» بنت خزيمة، وكانتا من الأنصار، وامرأة من بني أسد، واسمها «اُمّ شريك» بنت جابر، و «خولة» بنت حكيم.

ومن جملة ما ورد في الروايات أنّ «خولة» عندما وهبت نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله)إعترضت عائشة، فقالت: ما بال النساء يبذلن أنفسهنّ بلا مهر؟! فنزلت الآية أعلاه، غير أنّ عائشة إلتفتت إلى النّبي (صلى الله عليه وآله) وقالت: أرى الله يسارع في هواك ـ وكان هذا نوع من التعريض بالنّبي (صلى الله عليه وآله) ـ فقال لها النّبي (صلى الله عليه وآله): «وإنّك إن أطعت الله سارع في هواك»(1).

______________________________________

1 ـ مجمع البيان ذيل الآية مورد البحث، وفي تفسير القرطبي جملة: (والله ما أرى بك إلاّ يسارع في هواك). وأوردها الآلوسي في روح المعاني أيضاً في ذيل الآية مورد البحث. إنّ قبح هذا التعبير، والمعنى الذي اُخفي فيه لا يخفى على أحد، إلاّ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) يمرّ عليه ويتجاوزه بشكل رائع.

[  312 ]

لا شكّ أنّ أمثال هؤلاء النسوة كنّ لا يطمعن إلاّ في الفخر المعنوي عن طريق الإقتران بالنّبي (صلى الله عليه وآله)، ولذلك كنّ على إستعداد للزواج منه بدون أيّ مهر، إلاّ أنّ وجود مثل هذا المصداق للحكم أعلاه غير مسلّم من الناحية التأريخية كما قلنا، بل المسلّم أنّ الله سبحانه كان قد أذن لنبيّه بذلك للغاية التي سنشير إليها فيما بعد.

3 ـ يستفاد من هذه الآية جيّداً أنّ إجراء صيغة عقد الزواج بلفظ «الهبة» كان مختّصاً بالنّبي (صلى الله عليه وآله) فقط، ولا يستطيع أيّ فرد آخر أن يجري عقد الزواج بهذا اللفظ، ويجوز إجراء العقد بلفظ الزواج أو النكاح، حتّى وإن لم يجر للمهر ذكر فيه، حيث يجب دفع مهر المثل عند عدم ذكر المهر كما قلنا آنفاً، فكأنّه في الحقيقة قد صرّح بمهر المثل.

* * *

 

بحث

جانب من حكمة تعدّد زوجات النّبي:

إنّ الجملة الأخيرة في الآية أعلاه إشارة في الواقع إلى فلسفة هذه الأحكام الخاصّة بنبيّنا الأكرم، حيث تقول: إنّ للنبي (صلى الله عليه وآله) ظروفاً لا يعيشها الآخرون، وهذا التفاوت في الظروف أصبح سبباً للتفاوت في الأحكام.

وبتعبير أوضح، إنّ الهدف من هذه الأحكام رفع بعض المشاكل والصعوبات من كاهل النّبي (صلى الله عليه وآله). وهذا تعبير لطيف يبيّن أنّ زواج النّبي (صلى الله عليه وآله) من عدّة نساء كان لحلّ سلسلة من المشاكل الإجتماعية والسياسية في حياته، لأنّا نعلم أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله)كان وحيداً حينما صدع بنداء الإسلام ورفع شعاره، ولم يؤمن به بعد مدّة طويلة سوى عدّة معدودة، فإنّه ثار ضدّ كلّ معتقدات عصره وبيئته الخرافية، وأعلن الحرب ضدّ

[  313 ]

الجميع، فمن البديهي أن تتّحد كلّ الأقوام والقبائل ضدّه.

في هذا الوضع كان لابدّ من أن يستعين بكلّ الوسائل ويستغلّها لكسر إتّحاد الأعداء اللامشروع، وكانت إحدى هذه الوسائل هو الزواج من القبائل المختلفة لإيجاده علاقة قرابة ونسب، لأنّ رابطة القرابة كانت تعدّ أقوى الروابط بين عرب الجاهلية، وكانوا يعتبرون الصهر من نفس القبيلة، والدفاع عنه واجباً، وتركه وحيداً جريمة وذنباً.

إنّ لدينا قرائن كثيرة تبيّن أنّ زواج النّبي (صلى الله عليه وآله) المتعدّد كان له صبغة سياسيّة في كثير من الموارد على أقلّ تقدير. وأحدها ـ كزواجه بزينب ـ كان لكسر سنّة جاهلية، وقد بيّنا تفصيله في ذيل الآية (37) من هذه السورة. وبعضه لتقليل العداوة، أو لجلب محبّة أشخاص أو أقوام متعصّبين عنودين.

من الواضح أنّ شخصاً يتزوّج وهو في سنّ الخامسة والعشرين، حيث كان في عنفوان شبابه، بامرأة أيم لها أربعون سنة، ويكتفي بها حتّى الثالثة والخمسين من عمره، وبهذا يكون قد قضى مرحلة الشباب وبلغ سنّ الكهولة، ثمّ يقدم على الزواج المتعدّد، لابدّ أن يكون له سبب وفلسفة، ولا يمكن أن يفسّر بأيّ وجه من الوجوه بأسباب العلاقة والرغبة الجنسية، لأنّه لم يكن هناك مانع إجتماعي، أو ظروف مالية صعبة، أو أدنى نقص يمنع النّبي (صلى الله عليه وآله) من الزواج المتعدّد في سنّي شبابه، خاصّة وأنّ تعدّد الزوجات كان أمراً طبيعياً بين العرب آنذاك، بل ربّما كانت الزوجة الاُولى تذهب لخطبة الزوجة الثّانية، ولم يكونوا يعترفون بأيّ حدّ في إتّخاذ الزوجات.

والطريف أنّه قد ورد في التواريخ أنّ النّبي لم يتزوّج إلاّ بكراً واحدة، وهي عائشة، وباقي نسائه كنّ أيامى جميعاً ومن الطبيعي أن لا يتمتعنّ بإثارة جنسية

[  314 ]

ملحوظة(1).

بل نقرأ في بعض التواريخ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) تزوّج بعدّة زوجات، ولم يجر إلاّ مراسم العقد، ولم يباشرهنّ أبداً، بل إنّه اكتفى في بعض الموارد بخطبة بعض نساء القبائل فقط(2).

وقد كان هؤلاء يفرحون ويسرّون ويفتخرون بأنّ امرأةً من قبيلتهم قد سمّيت بزوجة النّبي (صلى الله عليه وآله) فحصل لهم هذا الفخر، وبذلك فإنّ علاقتهم الإجتماعية بالنّبي كانت تشتدّ وتقوى، ويصبحون أكثر تصميماً على الدفاع عنه.

ومن جانب آخر، فمع أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن رجلا عقيماً، إلاّ أنّه لم يكن له من الأولاد إلاّ القليل، في حين أنّ هذا الزواج المتعدّد لو كان بسبب جاذبية هذه النسوة، وإثارتهنّ الجنسية، فينبغي أن يكون له من الأولاد الكثير.

وكذلك ينبغي الإلتفات إلى أنّ بعض هذه النساء ـ كعائشة ـ كانت صغيرة جدّاً عندما أصبحت زوجة للنبي (صلى الله عليه وآله)، وقد مرّت سنين حتّى إستطاعت أن تكون زوجة حقيقية له، وهذا يوحي بأنّ الإقتران بمثل هذه البنت الصغيرة كانت له أهداف اُخرى، وكان الهدف الأصلي هو ما أشرنا إليه قبل قليل.

وبالرغم من أنّ أعداء الإسلام أرادوا أن يتّخذوا من تعدّد زواج النّبي (صلى الله عليه وآله)حربة لأشدّ هجماتهم المغرضة، ويحوكون منها أساطير أوهى من خيط العنكبوت للطعن في نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) إلاّ أنّ سنّ النّبي المتقدّمة عند إقدامه على تكرار الزواج من جهة، والظروف الخاصّة المتعلّقة بالنساء من ناحية العمر والقبيلة من جانب آخر، والقرائن المختلفة التي أشرنا إلى قسم منها آنفاً من جهة ثالثة تجعل الحقيقة واضحة كالشمس، وتحبط مؤامرات المغرضين وتفضحها.

* * *

______________________________________

1 ـ بحار الأنوار، المجلّد 22، صفحة 191 ـ 192.

2 ـ المصدر السابق.

[  315 ]

 

 

الآية

 

تُرْجِى مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤِى إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ  وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَاءَ ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا فِى قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَلِيماً(51)

 

سبب النّزول

قلنا في تفسير الآيتين 28 و29 من هذه السورة وبيان سبب النّزول: إنّ جمعاً من نساء النّبي ـ بناءً على ما نقله المفسّرون ـ قلن للنبيّ (صلى الله عليه وآله): زد في نفقتنا واُمور معاشنا ـ طمعاً في الغنائم الحربية، فكنّ يحسبن أنّ قسماً كبيراً منها من نصيبهنّ فنزلت الآيات المذكورة وخاطبتهنّ بصراحة بأنهنّ إن أردن الحياة الدنيا وزينتها فليفارقن النّبي إلى الأبد، وإن أردن الله ورسوله واليوم الآخر فليعشن معه حياة بسيطة.

إضافةً إلى أنّه كانت بينهنّ منافسة في كيفية تقسيم أوقات حياة النّبي (صلى الله عليه وآله)بينهنّ، وكنّ يحرجن النّبي ويضايقنه مع كلّ المشاكل والمشاغل التي كانت لديه، ومع أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) كان يراعي العدالة بينهنّ ويبذل الجهد اللازم لتحقيقها تماماً، فقد

[  316 ]

كان لغطهنّ وجدالهنّ مستمرّاً، فنزلت هذه الآية وجعلت النّبي (صلى الله عليه وآله) حرّاً في تقسيم أوقاته، ثمّ أعلنت الآية لهنّ أنّ هذا حكم إلهي لئلاّ يتولّد في أنفسهن أي قلق وسوء ظنّ(1).

 

التّفسير

حلّ مشكلة اُخرى في حياة النّبي:

إنّ قائداً ربّانياً عظيماً كالنّبي (صلى الله عليه وآله) خاصّة وأنّه ابتلي بسيل من الحوادث الصعبة المرّة، وكانوا يحوكون له الدسائس والمؤامرات داخلياً وخارجياً، لا يقدر أن يشغل فكره بحياته الخاصّة كثيراً، بل يجب أن يكون له هدوء نسبي في حياته الداخلية ليقوى على التفرّغ لحلّ سيل المشاكل التي أحاطت به من كلّ جانب.

إنّ اضطراب الحياة الشخصية، وكون قلبه وفكره مشغولين بوضعه العائلي في هذه اللحظات المضطربة الحسّاسة كان أمراً خطيراً للغاية.

ومع أنّ زواج النّبي (صلى الله عليه وآله) المتعدّد ـ وطبقاً للبحوث السابقة، والوثائق والمستندات التي أوردناها في تفسير الآية السابقة ـ كانت له أبعاد سياسية وإجتماعية وعاطفية غالباً، وكان في الحقيقة جزءاً من تنفيذ وتطبيق رسالة الله سبحانه، إلاّ أنّ الإختلاف بين زوجات النّبي، والمنافسة النسوية المعروفة بينهنّ، قد أثار في الوقت نفسه عاصفة من الإضطراب داخل بيت النّبي ممّا شغل فكره وزاد في همّه.

هنا منح الله سبحانه نبيّه إحدى الخصائص الاُخرى، وأنهى هذه الحوادث والأخذ والعطاء في الجدل إلى الأبد، وأراح فكر النّبي (صلى الله عليه وآله) من هذه الجهة، وهدأ خاطره وروعه، فقال سبحانه في هذه الآية (ترجي من تشاء منهنّ وتؤوي إليك

______________________________________

1 ـ إقتباس من مجمع البيان وتفاسير اُخرى.

 ]317 ]

من تشاء).

«ترجي» من (الإرجاء)، أي: التأخير، و «تؤوي»، من (الإيواء) ويعني إستضافة شخص في بيتك.

ونعلم أنّ أحكام الإسلام في شأن الزوجات المتعدّدة تقضي بأن يقسم الزوج أوقاته بينهنّ بصورة عادلة، فإن بات ليلة عند واحدة، فيجب أن يبيت الليلة الاُخرى عند غيرها، إذ لا فرق ولا إختلاف بين النساء من هذه الجهة، ويعبّرون عن هذا الموضوع في الكتب الفقهيّة الإسلامية بـ «حقّ القَسَم».

فكانت إحدى مختّصات النّبي (صلى الله عليه وآله) هي سقوط رعاية حقّ القسم منه بحكم الآية أعلاه، وذلك نتيجة للظروف الخاصّة التي كان يعيشها، والأوضاع المضطربة التي كانت تحيط به من كلّ جانب، وخاصّة أنّ الحرب كانت تُفرض عليه كلّ شهر تقريباً، وكان له في نفس الوقت زوجات متعدّدة، وبسقوط هذا الواجب عنه فقد كان قادراً على أن يقسم أوقاته كيف يشاء، غير أنّه (صلى الله عليه وآله) كان يراعي تحقيق العدالة ما أمكن رغم هذه الظروف، كما جاء ذلك في التواريخ الإسلامية صريحاً.

إلاّ أنّ وجود هذا الحكم الإلهي قد منح نساء النّبي الراحة والإطمئنان، وأضفى على حياته الداخلية الهدوء والسكينة.

ثمّ تضيف الآية: وعندما ترغب عن إحداهن وتعتزلها، ثمّ ترغب فيها فلا تثريب عليك: (ومن ابتغيت ممّن عزلت فلا جناح عليك).

وبهذا فليس الخيار بيدك في البداية وحسب، بل إنّه بيدك حتّى في الأثناء أيضاً، وهو في الإصطلاح «تخيير إستمراري» لا إبتدائي، وبهذا الحكم الواسع ستقطع كلّ الحجج من برنامج حياتك فيما يتعلّق بأزواجك، وتستطيع أن تسخّر فكرك لمسؤوليات الرسالة العظيمة الثقيلة.

ومن أجل أن تعلم نساء النّبي بأنهنّ إن أذعنّ لأمر الله تعالى في مسألة تقسيم أوقات النّبي (صلى الله عليه وآله) فإنّه يعتبر وسام فخر لهنّ يضاف إلى الفخر بكونهنّ أزواج النّبي

[  318 ]

(صلى الله عليه وآله)، إذ أنّ هذا التسليم نوع من التضحية والإيثار، وليس فيه أيّ عيب وإنتقاص، ولذلك يضيف سبحانه: (ذلك أدنى أن تقرّ أعينهنّ ولا يحزنّ ويرضين بما آتيتهنّ كلّهن).

وذلك أوّلا: لأنّ هذا الحكم عامّ يشملهنّ جميعاً ولا يتفاوتن فيه، وثانياً: إنّ الحكم الذي يشرع من جانب الله سبحانه إنّما يشرع لمصلحة مهمّة، وبناءً على هذا فيجب الإذعان له برغبة ورضا، فينبغي مضافاً إلى عدم القلق والتأثّر أن يفرحن لذلك.

لكن النّبي (صلى الله عليه وآله) ـ وكما أشرنا إلى ذلك ـ كان يراعي تقسيم أوقاته بينهنّ بعدالة قدر المستطاع، إلاّ في الظروف الخاصّة التي كانت توجب عدم التسوية وتحتّمه، وكان هذا بحدّ ذاته مطلباً آخر يبعث على ارتياحهنّ، لأنّهنّ كنّ يرين أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله)يسعى للتسوية بينهنّ مع كونه مخيّراً.

وأخيراً ينهي المطلب بهذه الجملة: (والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليماً حليماً) لا يستعجل في إنزال العقاب بالمذنبين.

أجل .. إنّ الله يعلم بأيّ حكم قد رضيتم، وله أذعنتم بقلوبكم، وعن أي حكم لم ترضوا.

وهو سبحانه يعلم إلى مَن أكثر من أزواجكم، ومن منهنّ تحظى بإهتمام أقل، ويعلم كيف تراعون حكمه وتنفّذوه مع هذا الإختلاف في الميول والرغبات.

وكذلك يعلم سبحانه مَن هم الذين يجلسون جانباً، ويعترضون على أحكام الله في شأن النّبي (صلى الله عليه وآله)، ويعارضونها بقلوبهم، ويعلم مَن هو الذي يرضى عن هذه الأحكام ويتقبّلها بدون إعتراض.

بناءً على هذا فإنّ تعبير (قلوبكم) واسع يشمل النّبي (صلى الله عليه وآله) وأزواجه، ويشمل كلّ المؤمنين الذين يقبلون بهذه الأحكام، أو الذين يعترضون عليها وينكرونها وإن لم يبدوا هذا الإعتراض والإنكار.

* * *

[  319 ]

ملاحظة

هل كان هذا الحكم في حقّ كلّ نساء النّبي:

لقد كانت هذه المسألة موضع بحث في الفقه الإسلامي في باب خصائص النّبي(صلى الله عليه وآله) بأنّ تقسيم الأوقات بين الزوجات المتعدّدة بالتساوي هل يجب على النّبي(صلى الله عليه وآله) كما يجب على عامّة المسلمين، أم أنّ النّبي كان له حكم التخيير الإستثنائي؟

المعروف والمشهور بين فقهائنا وعند جمع من فقهاء العامّة أنّه (صلى الله عليه وآله) كان مستثنى من هذا الحكم، ويعدّون الآية المذكورة أعلاه دليلا على ذلك، فهي تقول: (ترجي من تشاء منهنّ وتؤوي إليك من تشاء) لأنّ جعل هذه الجملة بعد البحث حول كلّ نساء النّبي يوجب أن يعود ضمير (هنّ) عليهنّ جميعاً، وهذا مطلب مقبول من جانب الفقهاء وكثير من المفسّرين.

إلاّ أنّ البعض يرى أنّ الضمير أعلاه يتعلّق بالنساء اللاتي وهبن أنفسهنّ للنبي بدون مهر. في حين أنّه لم يثبت تاريخياً أنّ هذا الحكم قد تحقّق في الخارج، وأنّ له موضوعاً ومصداقاً أم لا. والبعض يرى أنّ النّبي لم يتزوّج على هذه الشاكلة إلاّ امرأة واحدة. وعلى كلّ حال، فإنّ أصل المسألة لم يثبت من الناحية التاريخية هذا أوّلا.

ثانياً: إنّ هذا التّفسير خلاف الظاهر، ولا يتناسب مع سبب النّزول الذي ذكروه لهذه الآية، وبناءً على هذا فيجب قبول الحكم المذكور عاماً.

 

* * *

[  320 ]

 

 

الآية

 

لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَج وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَىْء رَّقِيباً(52)

 

التّفسير

حكم مهمّ آخر فيما يتعلّق بأزواج النّبي:

لقد بيّن الله سبحانه في هذه الآية حكماً آخر من الأحكام المتعلّقة بزوجات النّبي، فقال عزّوجلّ: (لا يحلّ لك النساء من بعد ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج ولو أعجبك حسنهنّ إلاّ ما ملكت يمينك) فالآية منعت الرّسول من الزواج الجديد إلاّ الاماء والجواري (وكان الله على كلّ شيء رقيباً).

للمفسّرين وفقهاء الإسلام بحوث كثيرة في هذه الآية، ووردت في المصادر الإسلامية روايات مختلفة في هذا الباب، ونحن نذكر أوّلا ما يبدو من ظاهر الآية أنّه مرتبط بالآيات السابقة واللاحقة ـ بغضّ النظر عن أقوال المفسّرين ـ ثمّ نتناول المطالب الاُخرى.

الظاهر من تعبير (من بعد) أنّ الزواج محرّم عليك بعد هذا، وبناءً على هذا فإنّ

[  321 ]

(بعد) إمّا أن تعني (بعد) الزمانية، أي لا تتّخذ زوجة بعد هذا الزمان، أو أنّ المراد أنّك بعد أن خيّرت أزواجك بين البقاء معك والحياة حياة بسيطة في بيتك، وبين فراقهنّ، وقد رجّحن البقاء معك عن رغبة منهنّ، فلا ينبغي أن تتزوّج بعدهنّ بامرأة اُخرى.

وكذلك لا يمكنك أن تطلّق بعضهنّ وتختار مكانهنّ زوجات اُخر. وبتعبير آخر: لا تزد في عددهنّ، ولا تبدّل الموجود منهنّ.

* * *

 

مسائل مهمّة:

1 ـ فلسفة هذا الحكم:

إنّ هذا التحديد للنبي (صلى الله عليه وآله) لا يعتبر نقصاً، بل هو حكم له فلسفة دقيقة جدّاً، فطبقاً للشواهد التي تستفاد من التأريخ، أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) كان تحت ضغط شديد من قبل مختلف الأفراد والقبائل بأن يتزوّج بنساء اُخر منهم، وكلّ واحدة من القبائل المسلمة كانت تفتخر على قبائل العرب بأنّ النّبي قد صاهرهم وحتّى أنّ بعض النساء كنّ على إستعداد أن يهبن أنفسهنّ للنبي بدون مهر ـ كما مرّ ذلك ـ ويتزوّجنه بدون أيّ قيد أو شرط.

كانت هذه العلاقة الزوجية مع تلك القبائل والأقوام حلاًّ لمشاكل النّبي (صلى الله عليه وآله)ومحقّقة لأهدافه الإجتماعية والسياسية، غير أنّها إذا تجاوزت الحدّ، فمن الطبيعي أن تخلق له المشاكل بنفسها، وبما أنّ كلّ قبيلة كانت تأمل أن يتزوّج النّبي منها، فلو أراد النّبي (صلى الله عليه وآله) أن يحقّق آمال الجميع، ويختار منهم أزواجاً، حتّى وإن كانت بمجرّد العقد ولا يدخل بها، فإنّ ذلك سيوجد له مصاعب جمّة. ولذلك فإنّ الله الحكيم قد منع هذا الأمر ووقف دونه بإصدار قانون محكم، فنهاه عن الزواج الجديد، وعن تبديل أزواجه.

[  322 ]

لقد كان هناك أفراد في هذا الوسط يتوسّلون للوصول إلى هدفهم بحجّة أنّ أغلب أزواجك أيامى، ومن بينهنّ من لاحظ لها من الجمال، فاللائق بك أن تتزوّج بامرأة ذات جمال، ولذلك فإنّ القرآن أكّد على هذه المسألة بأنّه لا يحقّ لك أن تتزوّج النساء فيما بعد وإن أعجبك حسنهنّ وكنّ ذوات جمال.

إضافةً إلى أنّ أداء الجميل ورعايته كان يوجب أن يسنّ الله تعالى مثل هذا القانون، ويأمر به نبيّه لحفظ مقام أزواجه بعد أن أبدين وفاءهن، ورجّحن الحياة البسيطة المعنوية مع النّبي (صلى الله عليه وآله) على أي شيء آخر.

وأمّا فيما يتعلّق بالجواري والمملوكات باليمين حيث اُبيح الزواح منهنّ، فإنّما هو من أجل أنّ مشكلة النّبي كانت من ناحية الحرائر، ولذلك لم تكن هناك ضرورة تدعو إلى تحديد هذا الحكم في طرف الجواري، مع أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) لم يستفد من هذا الإستثناء طبق الشواهد التأريخية.

هذا هو الشيء الذي يبدو من ظاهر الآية.

 

2 ـ الروايات المخالفة:

إعتبرت جملة: (لا يحلّ لك النساء من بعد) في روايات عديدة ـ بعضها ضعيفة من ناحية السند، وبعضها يستحقّ الملاحظة ـ إشارةً إلى النساء اللواتي بُيّن تحريمهم في الآيتين (23 و24) من سورة النساء ـ وهنّ الاُمّ والبنت والاُخت والعمّة والخالة و.. ، وصرّح في ذيل بعض هذه الأخبار بأنّه: كيف يمكن أن تكون النساء حلال على الآخرين وحرام على النّبي؟ فلم تكن أيّة امرأة محرّمة عليه سوى ما حرّم على الجميع(1).

طبعاً، يبدو بعيداً جدّاً أن تكون الآية تشير إلى الآيات الواردة في سورة

______________________________________

1 ـ تفسير نور الثقلين، المجلّد 4، صفحة 294 ـ 295.

[  323 ]

النساء، إلاّ أنّ المشكلة هنا أنّ بعض الروايات قد صرّحت بأنّ المراد من  (من بعد): بعد المحرّمات في آية سورة النساء.

بناءً على هذا، فإنّ الأفضل هو أن نغضّ النظر عن تفسير روايات الآحاد هذه، أو كما يقال: ندع علم ذلك إلى أهله، أي المعصومون (عليهم السلام)، لأنّها لا تنسجم مع ظاهر الآية، ونحن مكلّفون بظاهر الآية، والأخبار المذكورة أخبار ظنيّة.

والمطلب الآخر هو أنّ جماعة كثيرة تعتقد بأنّ الآية مورد البحث قد حرّمت كلّ زواج جديد على النّبي (صلى الله عليه وآله) إلاّ أنّ هذا الحكم قد نسخ فيما بعد، واُذن له بالزواج، وإن كان النّبي (صلى الله عليه وآله) لم يتزوّج بعد ذلك. حتّى الآية (إنّا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت اُجورهنّ ..) والتي نزلت قبل الآية مورد البحث، فإنّهم يعتبرونها ناسخة لهذه الآية. ويعتقدون بأنّ هذه الآية وإن كانت قد كتبت في القرآن بعد آية (إنّا أحللنا ..) إلاّ أنّ الأخيرة قد نزلت قبلها! بل وينقل «الفاضل المقداد» في كنز العرفان بأنّ هذه هي الفتوى المشهورة بين الأصحاب(1).

وهذا الرأي يتعارض مع الروايات أعلاه بوضوح، وكذلك لا ينسجم مع ظاهر الآيات أيضاً، لأنّ ظاهر الآيات يوحي بأنّ آية (إنّا أحللنا لك أزواجك) قد نزلت قبل الآية مورد البحث، ومسألة النسخ تحتاج إلى دليل قطعي.

وعلى كلّ حال، فليس لدينا شيء أكثر إطمئناناً ووضوحاً من ظاهر الآية نفسها، وطبقاً لذلك فإنّ كلّ زواج جديد، أو تبديل زوجات قد حُرّم على النّبي (صلى الله عليه وآله)بعد نزول هذه الآية، وكان لهذا الحكم مصالح ومنافع هامّة أشرنا إليها فيما سبق.

 

3 ـ هل يمكن النظر إلى زوجة المستقبل قبل الزواج؟

اعتبر جمع من المفسّرين جملة (ولو أعجبك حسنهنّ) دليلا على حكم معروف اُشير إليه في الروايات الإسلامية أيضاً، وهو: أنّ من أراد من أن يتزوّج

______________________________________

1 ـ كنز العرفان، المجلّد 2، صفحة 244.

[  324 ]

بامرأة يستطيع النظر إليها من قبل نظرة تبيّن له هيكلها وأوصافها.

وحكمة هذا الحكم أن يختار الإنسان زوجته عن بصيرة تامّة ولا يندم ويأسف في المستقبل وهو ما يهدّد العلاقة الزوجية والكيان العائلي بالخطر، كما ورد ذلك في حديث عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال لأحد أصحابه حينما أراد أن يتزوّج: «انظر إليها، فإنّه أجدر أن يدوم بينكما»(1).

ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال في جواب هذا السؤال: هل يستطيع الرجل أن يدقّق النظر إلى المرأة إذا أراد الزواج منها وينظر إلى وجهها وخلفها: «نعم، لا بأس أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوّجها، ينظر إلى وجهها وخلفها»(2).

والأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة، وقد صرّح بعضها بأنّ هذه النظرة يجب أن لا تكون بدافع الشهوة وطلب اللذّة.

وواضح أيضاً أنّ هذا الحكم خاصّ بالموارد التي يريد فيها الإنسان أن يتحقّق فعلا من المرأة التي يريد الزواج منها، بحيث لو كانت الشروط مجتمعة فيها لتزوّجها، أمّا الذي لم يصمّم على الزواج بعد، بل يحتمله، أو أنّه يريد مجرّد البحث، فلا يجوز له النظر إلى النساء.

واحتمل البعض في هذه الآية أنّها إشارة إلى النظر للنساء صدفة ولا إرادياً، وعلى هذا فإنّ الآية لا تدلّ في هذه الحالة على الحكم المذكور آنفاً، وستكون الروايات هي الدليل الوحيد عليه. إلاّ أنّ جملة: (ولو أعجبك حسنهنّ) لا تنسجم مع نظرة الصدفة السريعة، وبناءً على هذا فإنّ دلالتها على الحكم المذكور تبدو بعيدة.

* * *

______________________________________

1 ـ تفسير القرطبي، المجلّد 8، صفحة 5303.

2 ـ وسائل الشيعة، المجلّد 14، الباب 36 من أبواب مقدّمات النكاح الحديث 3.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21399122

  • التاريخ : 18/04/2024 - 11:29

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net