00989338131045
 
 
 
 
 
 

 2 ـ عظاماً ناخرة 

القسم : علوم القرآن   ||   الكتاب : تدوين القرآن   ||   تأليف : الشيخ علي الكوراني

2 ـ عظاماً ناخرة

قال الله تعالى في الآيتين الحادية عشرة والثانية من سورة النازعات : أإذا كنا عظاماً نخرة . قالوا تلك إذن كرة خاسرة . والموجود في القرآن هو ( نخرة ) فلو أن أحداً في عصرنا قرأها ( ناخرة ) بالألف بحجة أنه يريد أن تتناسب أواخر الآيات ، أو بحجة أن جنابه تعود على لفظ ناخرة واستحسنه .. فماذا يقول عنه إخواننا السنة ؟

نقول له جميعاً : إن القرآن نص منزل من عند الله تعالى ، ولا يجوز لك أن تغير في كلام الله تعالى من عندك . فلا جبرئيل ينزل عليك ، ولا أنت مفوض من الله تعالى بهذا العمل !!

هذا هو الموقف الطبيعي الصحيح من القراءات الذوقية التي نجدها تملأ كتب التفسير، والتي فتح بابها الخليفة عمر ، فقرأ ( فامضوا الى ذكر الله ) كما تقدم وشجع عليها بعض الصحابة وكتبها في مصاحفهم ، وفتح بذلك الباب لهم وللتابعين أن يقرأ كل منهم كلمات القرآن باجتهاده وذوقه وسليقته !!

قال السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 312 ( وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ : أئذا كنا عظاماً ناخرة ، بألف .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود أنه كان يقرأ : ناخرة بالألف .

وأخرج الطبراني عن ابن عمر أنه كان يقرأ هذا الحرف أئذا كنا عظاماً ناخرة .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن مجاهد قال سمعت ابن الزبير يقرؤها : عظاماً ناخرة فذكرت ذلك لابن عباس فقال : أو ليس كذلك؟

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ التي في النازعات : ناخرة بالألف وقال بالية .

وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب القرظي وعكرمة وإبراهيم النخعي أنهم كانوا يقرؤون : ناخرة بالألف .

وأخرج الفراء عن ابن الزبير أنه قال على المنبر ما بال صبيان يقرؤن : نخرة إنما هي ناخرة .

وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك : عظاماً ناخرة ، قال بالية .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال الناخرة العظم يبلى فتدخل الريح فيه ) .

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 133 ( عن ابن عمر أنه كان يقرأ هذا الحرف : أئذا كنا عظاماً ناخرة . رواه الطبراني من طريق زيد بن معاوية عن ابن عمر ولم أعرفه ، وبقية رجاله رجال الصحيح ) انتهى .

وروى في كنز العمال ج 2 ص 591 ( عن عمر أنه كان يقرأ : إذا كنا عظاماً ناخرة ، بألف ـ ص وعبد بن حميد ) .

وقال الطوسي في التبيان ج 10 ص 251 ( قرأ أهل الكوفة إلا حفصاً ( عظاماً ناخرة ) بألف ، والباقون ( نخرة ) بلا ألف . من قرأ ( ناخرة ) اتبع رؤوس الآي نحو ( الساهرة ، والحافرة ) ومن قرأ نخرة بلا ألف قال لأنه الأكثر في كلام العرب ، ولما روي عن علي(ع) أنه قرأ ( نخرة ) وقال النحويون : هما لغتان مثل باخل وبخل، وطامع وطمع ، وقال الفراء : النخرة البالية والناخرة المجوفة ) .

وقال في ص 255 ( والنخرة البالية بما حدث فيها من التغيير واختلال البنية ، جذع نخر إذا كان بهذه الصفة ، وإذا لم تختل بنيته لم يكن نخراً وإن بلي بالوهن والضعف . وقيل ناخرة مجوفة تنخر الرياح فيها بالمرور في جوفها . وقيل : ناخرة ونخرة سواء مثل ناخل ونخل ، ونخرة أوضح في المعنى ، وناخرة أشكل برؤس الآي ) انتهى .

وقال الطريحي في مجمع البحرين ج 4 ص 284 ( قال الشيخ أبو علي : قرأ أهل الكوفة ويعني أكثرهم ، عظاماً ناخرة بالألف . ثم قال : ناخرة ونخرة لغتان . وقال الفراء النخرة البالية والناخرة المجوفة . وقال الزجاج : ناخرة أكثر وأجود لأجل مراعاة أواخر الآي ، مثل الخاسرة والحافرة . والمنخر كمجلس وكسر الميم للإتباع كمنبر لغة، والمنخران : ثقبا الأنف ، وفي حديث العابد : فنخر إبليس نخرة واحدة فاجتمع إليه جنوده ، من النخير وهو صوت الأنف ، يقال نخر ينخر من باب قتل ، إذا مد النفس في الخياشيم ، والجمع مناخر ) انتهى .

نفهم من هذه الروايات أن الخليفة عمر كان يجيز لنفسه وللصحابة الإجتهاد في نص القرآن الكريم .. وكأن المسألة أن أحداً كتب نصاً وأبقى المجال مفتوحاً للقراء لإجراء بعض التحسينات عليه والإجتهادات فيه .. فهل أن نص القرآن الكريم كذلك ؟!

إن ملاك الخليفة في اختيار كلمة نخرة أو ناخرة هو الأنسب لقوافي الآيات ، أو للمألوف من الكلمات .. هكذا وبكل بساطة وجرأة .. وكأنه أحاط بعلم الله في اختيار ألفاظ كتابه أو حصل منه على تفويض .. ! ثم يجب على العباد أن يقبلوا قراءته ويتعبدوا بها ، ويعتقدوا أنها الكلمة التي أنزلها الله تعالى !

قد يقول قائل : لا فرق يذكر بين قراءة نخرة بدون ألف أو بألف . فالأمر سهل ، ولا يصح أن نعطي المسألة أكثر من حجمها !

ولكن الأمر ليس سهلاً والفرق ليس قليلاً ، سواء في ألفاظ القرآن أوفي معانيه .. لأن بناء القرآن بناء خاص لا يشبهه بناء كلام البشر ، والحرف الواحد منه له دوره بل أدواره في موضعه وفي مجموع القرآن ، بل في عوالم وجود القرآن وتأثيراتها في الوجود.. فالقول بعدم تأثير زيادة حرف أو نقصه قول سطحي يصدر عمن لم يستوعب خطورة البناء اللفظي للقرآن وكونية هذا البناء .. !

والكلام نفسه يصح في زيادة شئ في المعنى القرآني أو نقصه ، أو إحداث أدنى تغيير فيه !

فمن يدري لعل الله تعالى يريد الخروج عن قافية الآيات بكلمة نخرة ؟ ثم من يدري ما هو بالضبط القول الذي يريد الله تعالى نقله عن المشركين المستبعدين لبعث العظام البالية .. هل قولهم النخرة أو الناخرة .. ؟

إن مقولة عدم الفرق بين هذه اللفظة وتلك مقولة سطحية ، فالترادف الكامل من كل الجهات إن كان موجوداً في اللغة العربية فهو غير موجود في ألفاظ القرآن ، والفرق بين الناخرة والنخرة هنا قد يكون من عشرين وجهاً .. وقد يكون أولها التغيرات الفيزيائية التي تحدث على العظام حتى تكون نخرة بالية ، أو حتى تكون ناخرة مجوفة ولو لم يكمل بلاها .. !

فمن أين يدري الخليفة أن الله تعالى اختار أن ينقل عن المشركين استبعادهم لإحياء العظام البالية تماماً ، أو البالية نصف بلى ، أو البالية الى حد التجويف فقط ، أو البالية مطلقاً مجوفة كانت أو غير مجوفة .. ؟! الى آخر الاحتمالات في المسألة ..

إن ما يبدو لنا بسيطاً هو كبير في البناء القرآني .. فهل يصح مثلاً أن نقول : إن المنزل والبيت والمسكن كلمات مترادفة ، فيجوز أن نبادل مواضعها في القرآن .. ؟ كلا، ثم كلا .. فإن الزاوية والأبعاد التي يريدها الله تعالى من الكلمة لها موضعها ودورها الذي لا يؤديه مرادفها ! وحروفها لها أدوارها أيضاً .. ونَغَمَهَا .. إلخ .

ثم لو سلمنا أن اللفظين مترادفان من جميع الأبعاد ، وأن المعنى لا يتغير باختيار أحدهما أبداً .. فما هو المجوز الشرعي والأخلاقي لأحد أن يمد يده أو لسانه الى نصوص الآخرين ، فضلاً عن نصوص رب العالمين ؟!!

إنها نظرة الخليفة عمر المتساهلة الى نص القرآن والسنة ، وفي مقابلها نظرة أهل البيت(ع) ، الذين يرون وجوب التمسك بالنص والمحافظة عليه كما نزل . وستعرف أن الخليفة عمر يرى التساهل في نص القرآن الى حد .. التعويم !




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21338006

  • التاريخ : 29/03/2024 - 08:06

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net