00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة يونس 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير العياشي ( الجزء الثاني)   ||   تأليف : المحدث الجليل ابى النضر محمد بن مسعود بن عياش السل

من سورة يونس

بسم الله الرحمن الرحيم

1 - عن أبان بن ] عثمان عن محمد قال: قال أبوجعفر عليه السلام: اقرأ قلت: من أى شئ أقرأ قال [ أقرأ ] من السورة السابعة، قال: فجعلت ألتمسها، فقال: اقرأ سورة يونس فقرأت حتى انتهيت إلى (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة) ثم قال: حسبك، قال رسول الله صلى الله عليه واله: انى لاعجب كيف لا اشيب اذا قرأت القرآن(1) .

2 - عن فضيل الرسان عن أبى عبدالله عليه السلام قال: من قرأ سورة يونس في كل شهرين أو ثلثة لم يخف أن يكون من الجاهلين، وكان يوم القيمة من المقربين(2) .

3 - عن يونس عمن ذكره في قول الله: (وبشر الذين آمنوا) إلى آخر الاية قال الولاية(3) .

4 - عن يونس بن عبدالرحمن عن ابى عبدالله عليه السلام في قوله (وبشر الذين آمنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم) قال: الولاية(4)

___________________________________

(1 - 2) البحار ج 19: 70. البرهان ج 2: 175 - 176.

(3 - 4) البحار ج 9: 95. البرهان ج 2: 177.

الصافى ج 1: 745 وقال الفيض رحمه الله: وهذا لان الولاية من شروط الشفاعة وهما متلازمان.

[120]

5 - عن ابراهيم بن عمر عمن ذكره عن أبى عبدالله عليه السلام في قول الله: (وبشر الذين آمنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم) قال: هو رسول الله صلى الله عليه واله(1) .

6 - عن أبى جعفر عن رجل عن أبى عبدالله عليه السلام قال: (ان الله خلق السموات و الارض في ستة ايام) فالسنة تنقص ستة ايام(2) .

7 - عن الصباح بن سيابة عن أبى جعفر عليه السلام قال: ان الله خلق الشهور اثنا عشر شهرا وهى ثلثمائة وستون يوما، فخرج منها ستة أيام خلق فيها السموات و الارض، فمن ثم تقاصرت الشهور(3) .

8 - عن جابر عن أبى جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ان الله جل ذكره وتقدست اسماؤه خلق الارض قبل السماء، ثم استوى على العرش لتدبير الامور(4) .

9 - عن زيد الشحام عن أبى عبدالله عليه السلام قال: سألته عن التسبيح، فقال: هو اسم من اسماء الله ودعوى أهل الجنة(5) .

10 - عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله: (واذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقائنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لى ان ابدله من تلقاء نفسى ان أتبع الا ما يوحى إلى) قالوا: بدل كان على أبوبكر أو عمر اتبعناه(6) .

11 - عن أبى السفاتج عن أبى عبدالله عليه السلام في قول الله (ائت بقرآن غير هذا أو بدله) يعنى أمير المؤمنين عليه السلام(7) .

12 - عن منصور بن حازم عن أبى عبدالله عليه السلام قال: لم يزل رسول الله صلى الله عليه واله يقول: (انى أخاف ان عصيت ربى عذاب يوم عظيم) حتى نزلت سورة الفتح، فلم

___________________________________

(1) البرهان ج 2: 177. البحار ج 9: 95. الصافى ج 1: 744.

(2) البرهان ج 2: 177. البحار ج 14: 21.

(3 - 4) البرهان ج 2: 177.

(5) البرهان ج 2: 180. الصافى ج 1: 476.

(6 - 7) البرهان ج 2: 180. البحار ج 9: 111.

[121]

يعد إلى ذلك الكلام(1) .

13 - عن منصور بن يونس عن أبى عبدالله ثلاث يرجعن على صاحبهن: النكث والبغى والمكر، قال الله: (يا أيها الناس انما بغيكم على أنفسكم)(2) .

14 - عن الفضيل بن يسار قال: قلت لابى جعفر عليه السلام: جعلت فداك انا نتحدث ان لآل جعفر راية ولآل فلان راية، فهل في ذلك شئ؟ فقال: اما لآل جعفر فلا، و اما راية بنى فلان فان لهم ملكان مبطئا يقربون فيه البعيد، ويبعدون فيه القريب وسلطانهم عسر ليس فيه يسر، لا يعرفون في سلطانهم من اعلام الخير شيئا، يصيبهم فيه فزعات(3) كل ذلك كل ذلك يتجلى عنهم حتى اذا أمنوا مكر الله وأمنوا عذابه وظنوا انهم قدر الكافر(4) صيح فيهم صيحة لم يكن فيها مناد يسمعهم ولا يجمعهم وذلك قول الله (حتى اذا أخذت الارض زخرفها) إلى قوله (لقوم يتفكرون) ألا انه ليس أحد من الظلمة الا ولهم بقيا الا آل فلان، فانهم لا بقيا لهم قال: جعلت فداك أليس لهم بقيا؟ قال: لا ولكنهم يصيبون منادما فيظلمهم [ نحن وشيعتنا ومن يظلمه ] نحن وشيعتنا فلا بقيا له.(5) .

15 - عن الفضيل بن يسار قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد اغرورقت عيناه(6) بمائها الا حرم الله ذلك الجسد على النار، وما فاضت عين من خشية الله الا لم يرهق ذلك الوجه قتر(7) ولا ذلة(8)

___________________________________

(1 - 2) البرهان ج 2: 181. الصافى ج 1: 749.

(3) وفى نسخة الاصل كنسخة البرهان (زرعات فزرعات ذلك الخ) والمختار هو الموافق لنسخة البحار.

(4) وفى نسخة البرهان هكذا (وظنوا فعلموا انهم قد زال المكافاة صيح فيهم الخ) وفى نسخة البحار (وظنوا انهم قد استقروا صيح الخ).

(5) البحار ج 11: 72. البرهان ج 2: 182.

(6) اغرورقت عيناه: دمعتا كانهما غرقتا في دمعهما.

(7) رهق الشئ فلانا: غشيه ولحقه وقيل دنا منه سواء اخذه ام لم يأخذه. والقتر - محركة -: الغبار فيها سواد كالدخان.

(8) البحار ج 19: 47. البرهان ج 2: 184.

[122]

16 - عن محمد بن مروان عن رجل عن ابى جعفر عليه السلام قال: ما من شئ الاوله وزن او ثواب الا الدموع، فان القطرة يطفى البحار من النار، فاذا اغر ورقت عيناه بمائها حرم الله عزوجل ساير جسده على النار، وان سالت الدموع على خديه لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة ولو ان عبدا بكى في امة لرحمها الله(1) .

17 - عن أبى بصير عن أبى عبدالله عليه السلام في قول الله: (كانما غشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما) قال: أما ترى البيت اذا كان الليل كان أشد سوادا من خارج فكذلك وجوههم تزداد سوادا(2) .

18 - عن عمرو بن أبى القاسم قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام وذكر أصحاب النبى عليه السلام ثم قرأ (أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع) إلى قوله: (يحكمون) فقلنا: من هو أصلحك الله؟ فقال: بلغنا ان ذلك على عليه السلام.(3) .

19 - عن مسعدة بن صدقة عن أبى عبدالله عليه السلام قال: سئل عن الامور العظام الذى تكون مما لم يكن، فقال لم يأن (يكن خ ل) أوان كشفها بعد، وذلك قوله: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله).

(4) .

20 - عن حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الامور العظام من الرجعة وغيرها؟ فقال: ان هذا الذى تسئلونى عنه لم يأت أوانه، قال الله: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله)(5) .

21 - عن أبى السفاتج قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: آيتان في كتاب الله حصر (حظر خ ل) الله(6) الناس، ألا يقولوا ما لا يعلمون، قول الله: (الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب الا يقولوا على الله الا الحق) وقوله: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله)(7)

___________________________________

(1) البحار ج 19: 47. البرهان ج 2: 184.

(2) البحار ج 3: 246. البرهان ج 2: 184 الصافى ج 1: 751.

(3) البرهان ج 2: 186.

(6) وفى نور الثقلين (خص الله.) ولعله الاصح.

(4 - 7) البرهان ج 2: 186. البحار ج 1: 87. الصافى ج 1: 753.

[123]

22 - عن اسحق بن عبدالعزيز قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: ان الله خص هذه الامة بآيتين من كتابه: ألا يقولوا ما لا يعلمون، وألا يردوا ما لا يعلمون، ثم قرأ: (الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب) الاية وقوله: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله) إلى قوله: (الظالمين)(1) .

23 - عن جابر عن أبى جعفر عليه السلام قال: سألته عن تفسير هذه الآية (لكل امة رسول فاذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) قال: تفسيرها بالباطن ان لكل قرن من هذه الامة رسولا من آل محمد يخرج إلى القرن الذى هو اليهم رسول، وهم الاولياء وهم الرسل، واما قوله: (فاذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط) قال: معناه ان الرسل يقضون بالقسط وهم لا يظلمون كما قال الله(2) .

24 - عن حمران قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن قول الله (اذا جاء اجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) قال: هو الذى سمى لملك الموت عليه السلام في ليلة القدر(3) .

25 - عن يحيى بن سعيد عن ابى عبدالله عليه السلام عن ابيه في قول الله: (ويستنبئونك أحق هو قل اى وربى) فقال: يستنبئك يا محمد اهل مكة عن على بن ابيطالب اماما هو؟ قل اى وربى انه لحق(4) .

26 - عن حماد بن عيسى عمن رواه عن ابى عبدالله عليه السلام قال: سئل عن قول الله: (واسروا الندامة لما رأوا العذاب) قال: قيل له: وما ينفعهم اسرار الندامة وهم في العذاب؟ قال: كرهوا شماتة الاعداء(5)

___________________________________

(1) البرهان ج 2: 186. البحار ج 1: 87. الصافى ج 1: 753.

(2) البرهان ج 2: 186. البحار ج 7: 155. الصافى ج 1: 475.

(3) البرهان ج 2: 187. البحار ج 3: 131. الصافى ج 1: 755.

(4) البرهان ج 2: 187.

(5) البرهان ج 2: 187. البحار ج 3: 246.

[124]

27 - عن السكونى ان ابى عبدالله عليه السلام عن ابيه عليه السلام قال: شكى رجل إلى النبى صلى الله عليه واله وجعا في صدره، فقال: استشف بالقرآن لان الله يقول: (وشفاء لما في الصدور)(1) .

28 - عن الاصبغ بن نباتة عن امير المؤمنين عليه السلام في قول الله: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) قال: فليفرح شيعتنا هو خير مما اعطى عدونا من الذهب و الفضة(2) .

29 - عن ابى حمزة عن ابى جعفر عليه السلام قال: قلت: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) فقال: الاقرار بنبوة محمد عليه وآله السلام والايتمام بامير المؤمنين عليه السلام هو خير مما يجمع هؤلاء في دنياهم(3) .

30 - عن عبدالرحمن بن سالم الاشل عن بعض الفقهاء قال: قال: امير المؤمنين (ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ثم قال: تدرون من اولياء الله؟ قالوا: من هم يا امير المؤمنين؟ فقال: هم نحن وأتباعنا، فمن تبعنا من بعدنا طوبى لنا طوبى لنا وطوبا لهم، وطوباهم افضل من طوبانا، قيل: ما شأن طوباهم افضل من طوبانا؟ ألسنا نحن وهم على امر؟ قال: لا لانهم حملوا ما لم تحملوا عليه واطاقوا ما لم تطيقوا(4) .

31 - عن بريد العجلى عن ابى جعفر عليه السلام قال: وجدنا في كتاب على بن الحسين عليهما السلام (الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) قال: اذا أدوا فرايض الله، وأخذوا بسنن رسول الله صلى الله عليه واله وتورعوا عن محارم الله، وزهدوا في عاجل زهرة الدنيا، و رغبوا فيما عند الله، واكتسبوا الطيب من رزق الله، لا يريدون به التفاخر والتكاثر ثم انفقوا فيما يلزمهم من حقوق واجبة، فاولئك الذين بارك الله لهم فيما اكتسبوا ويثابون على ما قدموا لآخرتهم(5).

32 - عن عبدالرحيم قال: قال أبوجعفر عليه السلام: انما احدكم حين يبلغ نفسه

___________________________________

(1 - 2) البرهان ج 2: 187 الصافى ج 1: 756.

(3) البرهان ج 2: 187 الصافى ج 1: 756. البحار ج 9: 80 .

(4 - 5) البرهان ج 1: 190. الصافى ج 1: 757. البحار ج 15 (ج 1): 111 و 291

[125]

هاهنا فينزل عليه ملك الموت، فيقول له: اما ما كنت ترجوا فقد أعطيته، واما ما كنت تخافه فقد أمنت منه، ويفتح له باب إلى منزله من الجنة، ويقال له: انظر إلى مسكنك من الجنة، وانظر هذا رسول الله وعلى والحسن والحسين عليهم السلام رفقاؤك وهو قول الله (الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفى الآخرة)(1).

33 - عن عقبة بن خالد قال: دخلت أنا والمعلى على أبى عبدالله عليه السلام فقال: يا عقبة لا يقبل الله من العباد يوم القيمة الا هذا الدين الذى أنتم عليه، وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقر به عينيه الا ان يبلغ نفسه إلى هذه واومأ بيده إلى الوريد(2) ثم اتكأ وغمزنى المعلى(3) أن سله فقلت: يا بن رسول الله صلى الله عليه واله اذا بلغت نفسه إلى هذه فأى شئ يرى؟ فقال: يرى، فقلت له بضع عشر مرة: أى شئ يرى؟ فقال في آخرها: يا عقبة ! فقلت: لبيك وسعديك، فقال: أبيت الا أن تعلم؟ فقلت: نعم يا بن رسول الله انما دينى مع دمى فاذا ذهب دينى كان ذلك(4) فكيف بك يا بن رسول الله كل ساعة وبكيت فرق لى، فقال: يراهما والله، فقلت: بابى وامى من هما؟ فقال: رسول الله وعلى عليه السلام، يا عقبة لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتى يراهما، قلت: فاذا نظر اليهما المؤمن أيرجع إلى الدنيا؟ قال: لا مضى امامه [ اذا نظر اليهما مضى امامه ] فقلت له: يقولان له شيئا جعلت فداك؟ فقال: نعم فيدخلان جميعا على المؤمن فيجلس رسول الله صلى الله عليه واله عند رأسه وعلى عليه السلام عند رجليه فيكب عليه رسول الله صلى الله عليه واله(5) فيقول: يا ولى الله أبشر بانى رسول الله، انى خير لك مما تترك من الدنيا، ثم ينهض رسول الله عليه وآله السلام فيقوم على عليه السلام حتى يكب عليه فيقول: يا ولى الله ابشر أنا على بن أبيطالب الذى كنت تحبنى، اما

___________________________________

(1) البرهان ج 2: 190. الصافى ج 1: 758. البحار ج 3: 141.

(2) الوريد: عرق في العنق ويقال له حبل الوريد وقال الفراء: هو ينبض ابدا .

(3) غمزه: عصره وكبسه بيده.

(4) وفى نسخة انما دينى مع دينك وقوله كان ذلك اى ان دينى مقرون بحياتى فمع عدم الدين فكأنى لست بحى.

(5) اكب عليه: اقبل اليه ولزمه

[126]

لانفعنك ثم قال: اما ان هذا في كتاب الله، قلت: جعلت فداك أين في كتاب الله؟ قال: في يونس: (الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحيوة الدنيا وفى الآخرة) إلى قوله: (العظيم)(1) .

34 - عن أبى حمزة الثمالى قال: قلت لابى جعفر عليه السلام: ما يصنع بأحد عند الموت قال: اما والله يا با حمزة ما بين أحدكم وبين أن يرى مكانه من الله ومكانه منا يقر به عينه الا ان يبلغ نفسه ها هنا، ثم اهوى بيده إلى نحره، الا ابشرك يابا حمزة فقلت: بلى جعلت فداك، فقال: اذا كان ذلك أتاه رسول الله صلى الله عليه واله وعلى عليه السلام معه، قعد عند رأسه فقال له اذا كان ذلك رسول الله صلى الله عليه واله: أما تعرفنى؟ أنا رسول الله هلم الينا فما امامك خير لك مما خلفت، اما ما كنت تخاف فقد أمنته، واما ما كنت ترجو فقد هجمت عليه، أيتها الروح أخرجى إلى روح الله ورضوانه، ويقول له على عليه السلام مثل قول رسول الله صلى الله عليه واله ثم قال: يا با حمزة الا أخبرك بذلك من كتاب الله؟ قوله: (الذين آمنوا وكانوا يتقون) الآية(2).

35 - عن زرارة وحمران عن أبى جعفر وأبى عبدالله عليهما السلام قالا: ان الله خلق الخلق وهى أظلة فأرسل رسوله محمد صلى الله عليه واله، فمنهم من آمن به ومنهم من كذبه، ثم بعثه في الخلق الآخر فآمن به من كان آمن في الاظلة وجحده من جحد به يومئذ، فقال: (ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل).(3) .

36 - عن أبى بصير عن أبى عبدالله عليه السلام في قوله: (ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم) إلى (بما كذبوا به من قبل) قال: بعث الله الرسل إلى الخلق وهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء فمن صدق حينئذ صدق بعد ذلك، ومن كذب حينئذ كذب بعد ذلك(4).

37 - عن عبدالله بن محمد الجعفى عن ابى عبدالله عليه السلام قال: ان الله خلق

___________________________________

(1) البحار ج 3: 143. البرهان ج 2: 190. الصافى ج 1: 760.

(2) البحار ج 3: 141. البرهان ج 2: 191 .

(3 - 4) البحار ج 3: 71. البرهان ج 2: 192

[127]

الخلق فخلق من أحب مما احب وكان ما احب ان يخلقه من طينة من الجنة، وخلق من ابغض مما ابغض وكان ما ابغض ان خلقه من طينة النار، ثم بعثهم في الظلال، فقلت: واى شئ الظلال؟ فقال: اما ترى ظلك في الشمس شئ وليس بشئ، ثم بعث فيهم النبيين يدعونهم إلى الاقرار بالله فأقر بعضهم وانكر بعض، ثم دعوهم إلى ولايتنا فأقروا لله بها من احب الله وأنكرها من ابغض، وهو قوله: (وما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل) ثم قال ابوجعفر: كان التكذيب [ من قبل ] ثم(1) .

38 - عن زرارة وحمران ومحمد بن سلم عن ابى جعفر وابى عبدالله عليهما السلام عن قوله: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظلمين) قال: لا تسلطهم علينا فتفتنهم بنا(2) .

39 - عن ابى رافع قال: ان رسول الله صلى الله عليه واله خطب الناس فقال: ايها الناس ان الله امر موسى وهرون ان يبيتا لقومهما بمصر بيوتا وامرهما ان لا يبيت في مسجدهما جنب ولا يقرب فيه النساء الا هارون وذريته، وان على منى بمنزلة هارون وذريته من موسى فلا يحل لاحد ان يقرب النساء في مسجدى ولا يبيت فيه جنبا الا على وذريته فمن سائه ذلك فهاهنا واشار بيده نحو الشام(3) .

40 - عن هشام بن سالم عن ابى عبدالله عليه السلام قال: كان بين قوله (قد اجيبت دعوتكما) وبين أن أخذ فرعون اربعين سنة(4) .

41 - عن ابن أبى عمير عن بعض أصحابنا يرفعه قال: لما صار موسى في البحر اتبعه فرعون وجنوده، قال فتهيب فرس فرعون ان يدخل البحر، فتمثل له جبرئيل على

___________________________________

(1) البرهان ج 2: 192. البحار ج 3: 68.

(2) البرهان ج 2: 192. الصافى ج 1: 761.

(3) البرهان ج 2: 192. الصافى ج 1: 762. وقوله صلى الله عليه واله فمن سائه اه اى فمن سائه فهيهنا مقره اى البرهوت او الشام مثل قوله فمن سائه ففى السقر او في جهنم (عن هامش الصافى).

(4) البرهان ج 2: 195. البحار ج 5: 255. الصافى ج 1: 762.

[128]

رمكة(1) فلما رأى فرس فرعون الرمكة اتبعها فدخل البحر هو وأصحابه فغرقوا(2) .

42 - عن محمد بن سعيد الازدى ان موسى بن محمد بن الرضا عليه السلام أخبره ان يحيى بن اكثم كتب اليه يسئله عن مسائل اخبرنى عن قول الله تبارك وتعالى (فان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك) من المخاطب بالاية فان كان المخاطب فيها النبى صلى الله عليه واله ليس قد شك فيما أنزل الله، وان كان المخاطب به غيره فعلى غيره اذا أنزل الكتاب؟ قال موسى: فسألت أخى عن ذلك قال: فاما قوله: (فان كنت في شك مما أنزلنا اليك فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك) فان المخاطب بذلك رسول الله صلى الله عليه واله ولم يك في شك مما انزل الله ولكن قالت الجهلة كيف لم يبعث الينا نبيا من الملئكة انه لم يفرق.

بينه وبين نبيه في الاستغناء في المأكل والمشرب والمشى في الاسواق، فاوحى الله إلى نبيه (فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك) بمحضر الجهلة هل بعث الله رسولا. قبلك الا و هو يأكل الطعام ويشرب ويمشى في الاسواق، ولك بهم اسوة، وانما قال: (فان كنت في شك) ولم يكن ولكن ليتبعهم كما قال له عليه السلام (قل تعالوا ندع ابنائنا وأبناء‌كم ونسائنا ونسائكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) ولو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيئون للمباهلة، وقد عرف ان نبيكم مؤد عنه رسالته، وما هو من الكاذبين، وكذلك عرف النبى عليه وآله السلام انه صادق فيما يقول، ولكن أحب أن ينصف من نفسه(3) .

43 - عن عبدالصمد بن بشير عن أبى عبدالله عليه السلام في قول الله: (فان كنت في شك مما أنزلنا اليك فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك) قال لما اسرى بالنبى صلى الله عليه واله ففرغ من مناجات ربه رد إلى البيت المعمور وهو بيت في السماء الرابعة بحذاء الكعبة، فجمع الله النبيين والرسل والملئكة، وأمر جبرئيل فاذن واقام، فتقدم فصلى بهم فلما فرغ التفت اليه فقال: (فاسئل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك) إلى قوله: (من المهتدين)(4).

___________________________________

(1) الرمك - محركة -: الفرس والبرذونة تتخذ للنسل.

(2) البحار ج 5: 255. البرهان ج 2: 196. الصافى ج 1: 762.

(3 - 4) البحار ج 6: 214. البرهان ج 2: 197 - 198. الصافى ج 1: 766.

[129]

44 - عن أبى عبيدة الحذاء عن أبى جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: وجدنا في بعض كتب أمير المؤمنين عليه السلام قال: حدثنى رسول الله صلى الله عليه واله ان جبرئيل عليه السلام حدثه ان يونس بن متى عليه السلام بعثه الله إلى قومه وهو ابن ثلثين سنة، وكان رجلا يعتريه الحدة(1) وكان قليل الصبر على قومه والمداراة لهم، عاجزا عما حمل من ثقل حمل أوقار النبوة وأعلامها وانه تفسخ تحتها كما يتفسخ الجذع تحت حمله(2) وانه اقام فيهم يدعوهم إلى الايمان بالله والتصديق به وأتباعه ثلثا وثلثين سنة، فلم يؤمن به ولم يتبعه من قومه الا رجلان، اسم أحدهما روبيل واسم الآخر تنوخا وكان روبيل من اهل بيت العلم والنبوة والحكمة وكان قديم الصحبة ليونس بن متى من قبل أن يبعثه الله بالنبوة، وكان تنوخا رجلا مستضعفا عابدا زاهدا منهمكا في العبادة(3) وليس له علم ولا حكم، وكان روبيل صاحب غنم يرعاها ويتقوت منها، وكان تنوخا رجلا حطابا يحتطب على رأسه ويأكل من كسبه، وكان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا لعلم روبيل وحكمته وقديم صحبته فلما رأى يونس ان قومه لا يجيبونه ولا يؤمنون ضجر وعرف من نفسه قلة الصبر، فشكى ذلك إلى ربه وكان فيما يشكى ان قال: يا رب انك بعثتنى إلى قومى ولى ثلثون سنة، فلبثت فيهم أدعوهم إلى الايمان بك والتصديق برسالاتى وأخوفهم عذابك ونقمتك ثلثا وثلثين سنة، فكذبونى ولم يؤمنوا بى، وجحدوا نبوتى، واستخفوا برسالاتى وقد تواعدونى وخفت أن يقتلونى فأنزل عليهم عذابك فانهم قوم لا يؤمنون.

قال: فأوحى الله إلى يونس أن فيهم الحمل والجنين والطفل والشيخ الكبير والمرأة الضعيفة والمستضعف المهين، وأنا الحكم العدل، سبقت رحمتى غضبى لا أعذب الصغار بذنوب الكبار من قومك، وهم يا يونس عبادى وخلقى وبريتى في بلادى وفى عيلتى احب أن أتأناهم(4) وأرفق بهم وانتظر توبتهم، وانما بعثتك

___________________________________

(1) اى يصيبه البأس والغضب.

(2) فسخ الرجل: ضعف.

(3) انهمك في الامر: جد فيه ولج.

(4) من التأنى بمعنى الرفق والمداراة.

[130]

إلى قومك لتكون حيطا عليهم(1) تعطف عليهم لسخاء(2) الرحمة الماسة منهم، وتأنأهم برأفة النبوة فاصبر معهم باحلام الرسالة، وتكون لهم كهيئة الطبيب المداوى العالم بمداواة الدواء، فخرقت بهم(3) ولم تستعمل قلوبهم بالرفق ولم تسسهم بسياسة المرسلين، ثم سألتنى عن سوء نظرك العذاب لهم عند قلة الصبر منك وعبدى نوح كان أصبر منك على قومه، وأحسن صحبة وأشد تأنيا في الصبر عندى، وأبلغ في العذر فغضبت له حين غصب لى، وأجبته حين دعانى. فقال يونس: يارب انما غضبت عليهم فيك، وانما دعوت عليهم حين عصوك فوعزتك لا أتعطف عليهم برأفة أبدا ولا أنظر اليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم و تكذيبهم اياى، وجحدهم نبوتى، فأنزل عليهم عذابك فانهم لا يؤمنون أبدا. فقال الله: يا يونس انهم مائة ألف او يزيدون من خلقى يعمرون بلادى ويلدون عبادى ومحبتى ان أتأناهم للذى سبق من علمى فيهم وفيك، وتقديرى وتدبيرى غير علمك وتقديرك، وانت المرسل وأنا الرب الحكيم وعلمى فيهم يا يونس باطن في الغيب عندى لا يعلم ما منتهاه، وعلمك فيهم ظاهر لا باطن له، يا يونس قد أجبتك إلى ما سئلت من إنزال العذاب عليهم وما ذلك يا يونس بأوفر لحظك عندى، ولا اجمل لشأنك، وسيأتيهم العذاب في شوال يوم الاربعاء وسط الشهر بعد طلوع الشمس فأعلمهم ذلك.

قال فسر ذلك يونس ولم يسوئه ولم يدر ما عاقبته وانطلق يونس إلى تنوخا العابد

___________________________________

(1) وفى نسخة الصافى (حفيظا عليهم) .

(2) وفى نسخة الصافى (لسجال الرحمة) والسجل كفلس: الدلو العظيمة اذا كان فيها ماء قل او كثر وهو مذكر ولا يقال لها فارغة سجل وقولهم سجال عطيتك من هذا المعنى.

(3) وفى نسخة الصافى (فخرجت بهم) وقوله فخرقت بهم اى لم تتصرف فيهم حسن التصرف ويمكن ان يكون مصحف (حزقت) بالزاى المعجمة من حزق الوتر: جذبه وشده.

[131]

فأخبره بما أوحى الله اليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم، وقال له: انطلق حتى اعلمهم بما أوحى الله الي من نزول العذاب، فقال تنوخا: فدعهم في غمرتهم (1) ومعصيتهم حتى يعذبهم الله، فقال له يونس: بل نلقى روبيل فنشاوره فانه رجل عالم حكيم من أهل بيت النبوة فانطلقا إلى روبيل فأخبره يونس بما أوحى الله اليه من نزول العذاب على قومه في شوال يوم الاربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشمس فقال له: ماترى انطلق بنا حتى أعلمهم ذلك، فقال له روبيل: ارجع إلى ربك رجعة نبى حكيم ورسول كريم، واسئله أن يصرف عنهم العذاب فانه غنى عن عذابهم و هو يحب الرفق بعباده وما ذلك بأضر لك عنده، ولا اسوأ لمنزلتك لديه، ولعل قومك بعد ما سمعت ورأيت من كفرهم وجحودهم يؤمنون يوما فصابرهم وتأناهم، فقال له تنوخا: ويحك يا روبيل [ على ] ما أشرت على يونس وامرته به بعد كفرهم بالله وجحدهم لنبيه وتكذيبهم اياه واخراجهم اياه من مساكنه، وما هموا به من رجمه فقال روبيل لتنوخا: اسكت فانك رجل عابد لا علم لك.

ثم اقبل على يونس فقال: ارأيت يا يونس اذا أنزل الله العذاب على قومك انزله فيهلكهم جميعا أو يهلك بعضا ويبقى بعضا؟ فقال له يونس: بل يهلكهم الله جميعا وكذلك سألته ما دخلتنى لهم رحمة تعطف فأرجع الله فيهم وأسئله ان يصرف عنهم فقال له روبيل: أتدرى يا يونس لعل الله اذا أنزل عليهم العذاب فأحسوا به، ان تتوبوا اليه ويستغفروه فيرحمهم فانه أرحم الراحمين ويكشف عنهم العذاب من بعد ما أخبرتهم عن الله انه ينزل عليهم العذاب يوم الاربعاء فتكون بذلك عندهم كذابا.

فقال له تنوخا: ويحك يا روبيل لقد قلت عظيما يخبرك النبى المرسل ان الله أوحى اليه بان العذاب ينزل عليهم فترد قول الله وتشك فيه وفى قول رسوله؟ ! اذهب فقد حبط عملك، فقال روبيل لتنوخا: لقد فشل رأيك(2) ثم اقبل على

___________________________________

(1) اى في جهلهم وغفلتهم.

(2) فشل الرجل: ضعف وجبن وتراخى عند حرب او شدة وفى نسخة الصافى (فسد) بدل (فشل) وهو الظاهر.

[132]

يونس فقال: انزل الوحى والامر من الله فيهم على ما أنزل عليك فيهم من انزال العذاب عليهم، وقوله الحق، أرايت اذا كان ذلك فهلك قومك كلهم وخربت قريتهم أليس يمحو الله اسمك من النبوة وتبطل رسالتك وتكون كبعض ضعفاء الناس، ويهلك على يديك مائة ألف او يزيدون من الناس، فأبى يونس أن يقبل وصيته فانطلق ومعه تنوخا من القرية وتنحيا عنهم غير بعيد، ورجع يونس إلى قومه فأخبرهم ان الله أوحى اليه انه منزل العذاب(1) عليكم يوم الاربعاء في شوال في وسط الشهر بعد طلوع الشمس، فردوا عليه قوله فكذبوه واخرجوه من قريتهم اخراجا عنيفا(2) فخرج يونس ومعه تنوخا من القرية وتنحيا عنهم غير بعيد واقاما ينتظران العذاب، واقام روبيل مع قومه في قريتهم حتى اذا دخل عليهم شوال صرخ روبيل (3) بأعلى صوته في رأس الجبل إلى القوم انا روبيل شفيق عليكم الرحيم بكم [ إلى ربه قد أنكرتم عذاب الله ] هذا شوال قد دخل عليكم وقد دخل عليكم وقد أخبركم يونس نبيكم ورسول ربكم ان الله اوحى اليه ان العذاب ينزل عليكم في شوال في وسط الشهر يوم الاربعاء بعد طلوع الشمس، ولن يخلف الله وعده رسله، فانظروا ما انتم صانعون فأفزعهم كلامه ووقع في قلوبهم تحقيق نزول العذاب، فأجفلوا نحو روبيل (4) وقالوا له: ماذا أنت مشير به علينا يا روبيل؟ فانك رجل عالم حكيم لم نزل نعرفك بالرقة (الرأفة خ ل) علينا والرحمة لنا، وقد بلغنا ما اشرت به على يونس فينا: فمرنا بأمرك واشر علينا برأيك، فقال لهم روبيل: فانى ارى لكم واشير عليكم ان تنظروا وتعمدوا اذا طلع الفجر يوم الاربعاء وسط الشهر ان تعزلوا الاطفال عن الامهات في اسفل الجبل في طريق الاودية، وتقفوا النساء في سفح

___________________________________

(1) وفى نسخة البرهان (انى منزل اه) وفى البحار (انه ينزل اه).

(2) العنف ضد الرفق والعنيف: الشديد من القول والسير.

(3) صرخ صراخا: صاح شديدا.

(4) اى اسرعوا نحوه بالذهاب.

[133]

الجبل(1) [ وكل المواشى جميعا عن أطفالها ] ويكون هذا كله قبل طلوع الشمس [ فاذا رايتم ريحا صفراء أقبلت من المشرق ] فعجوا عجيج الكبير منكم والصغير (2) بالصراخ والبكاء والتضرع إلى الله والتوبة اليه والاستغفار له، وارفعوا رؤسكم إلى السماء وقولوا: ربنا ظلمنا أنفسنا وكذبنا نبيك وتبنا اليك من ذنوبنا، وان لمن تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين المعذبين، فاقبل توبتنا وارحمنا يا أرحم الراحمين ثم لا تملوا من البكاء والصراخ والتضرع إلى الله والتوبة اليه حتى توارى الشمس بالحجاب او يكشف الله عنكم العذاب قبل ذلك.

فأجمع رأى القوم جميعا على أن يفعلوا ما اشار به عليهم روبيل، فلما كان يوم الاربعاء الذى توقعوا فيه العذاب تنحى روبيل عن القرية حيث يسمع صراخهم و يرى العذاب اذا نزل، فلما طلع الفجر يوم الاربعاء فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل به فلما بزغت الشمس(3) اقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة لها صرير وحفيف و هدير(4) فلما رأوها عجوا جميعا بالصراخ والبكاء والتضرع إلى الله وتابوا اليه واستغفروه وصرخت الاطفال بأصواتها تطلب امهاتها، وعجت سخال البهايم(5) تطلب الثدى وعجت الانعام تطلب الرعى، فلم يزالوا بذلك ويونس وتنوخا يسمعان ضجيجهم (صيحتهم خ ل) وصراخهم ويدعوان الله عليهم بتغليظ العذاب عليهم، وروبيل في موضعه يسمع صراخهم وعجيجهم ويرى ما نزل وهو يدعو الله بكشف العذاب عنهم.

فلما ان زالت الشمس وفتحت أبواب السماء وسكن غضب الرب تعالى رحمهم

___________________________________

(1) السفح: عرض الجبل المنسبط أو أسفله .

(2) عج الرجل عجا وعجيجا: صاح ورفع صوته.

(3) بزغ الشمس: طلعت.

(4) الصرير: الصوت الشديد. وحفيف الريح: صوتها في كل ما مرت به و الهدير بمعناه.

(5) السخال جمع السخلة: ولد الشاة.

[134]

الرحمن فاستجاب دعائهم وقبل توبتهم واقالهم عثرتهم، وأوحى الله إلى اسرافيل عليه السلام ان اهبط إلى قوم يونس فانهم قد عجوا إلى البكاء والتضرع وتابوا إلى واستغفرونى فرحمتهم وتبت عليهم، وانا الله التواب الرحيم اسرع إلى قبول توبة عبدى التائب من الذنوب وقد كان عبدى يونس ورسولى سألنى نزول العذاب على قومه وقد أنزلته عليهم، وأنا الله أحق من وفى بعهده وقد أنزلته عليهم، ولم يكن اشترط يونس حين سألنى ان أنزل عليهم العذاب ان أهلكهم فأهبط اليهم فأصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابى، فقال اسرافيل: يارب ان عذابك قد بلغ أكتافهم وكاد ان يهلكهم وما أراه الا وقد نزل بساحتهم فالى اين أصرفه؟ فقال الله: كلا انى قد أمرت ملائكتى ان يصرفوه (يوقفوه خ ل) فلا ينزلوه عليهم حتى يأتيهم أمرى فيهم وعزيمتى فاهبط يا اسرافيل عليهم واصرفه عنهم واصرف به إلى الجبل بناحية مفاوض العيون ومجارى السيول في الجبال العاتية(1) العادية المستطيلة على الجبال فاذلها به ولينها حتى تصير ملينة حديدا جامدا. فهبط اسرافيل عليهم فنشر اجنحته فاستاق بها(2) ذلك العذاب حتى ضرب بها الجبال التى أوحي الله اليه أن يصرفه اليها، قال أبوجعفر عليه السلام: وهى الجبال التى بناحية الموصل اليوم، فصارت حديدا إلى يوم القيمة، فلما رأى قوم يونس ان العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم من رؤس الجبال وضموا اليهم نساء‌هم وأولادهم وأموالهم، وحمدوا الله على ما صرف عنهم، وأصبح يونس وتنوخا يوم الخميس في موضعهما التى كانا فيه لا يشكان ان العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعا، لما خفيت أصواتهم عنهما، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ينظران إلى ما صار اليه القوم فلما دنوا من القوم واستقبلتهم الحطابون والحمارة(3) والرعاة باغنامهم ونظروا إلى أهل القرية مطمئنين قال يونس لتنوخا: يا تنوخا كذبنى الوحى(4) و

___________________________________

(1) الجبال العاتية: الكبيرة الطويلة.

(2) استاق الماشية: حثها على السير من خلف. عكس قادها.

(3) الحمارة: اصحاب الحمير في السفر وفى بعض النسخ (الحماة) .

(4) اى باعتقاد القوم كما قاله المجلسى رحمه الله.

[135]

وكذبت وعدى لقومى لا وعزة ربى لا يرون لى وجها أبدا بعد ما كذبنى الوحى فانطلق يونس هاربا على وجهه مغاضبا لربه(1) ناحية بحر ايلة(2) متنكرا فرارا من أن يراه أحد من قومه، فيقول له: يا كذاب، فلذلك قال الله: (وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه) الاية ورجع تنوخا إلى القرية فلقى روبيل فقال له: يا تنوخا أى الرأيين كان أصوب وأحق ان يتبع رأيى أو رأيك؟ فقال له تنوخا: بل رأيك كان أصوب، ولقد كنت اشرت برأى الحكماء والعلماء، وقال له تنوخا: اما انى لم أزل أرى انى أفضل منك لزهدى وفضل عبادتى، حتى استبان فضلك بفضل علمك وما أعطاك الله ربك من الحكمة مع ان التقوى أفضل من الزهد والعبادة بلا علم، فأصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما ومضى يونس على وجهه مغضبا لربه، فكان من قصته ما أخبر الله به في كتابه إلى قوله: (فآمنوا فمتعناهم إلى حين) قال أبوعبيدة قلت لابى جعفر عليه السلام: كم كان غاب يونس عن قومه حتى رجع اليهم بالنبوة والرسالة فآمنوا به وصدقوه؟ قال: أربعة اسابيع سبعا منها في ذهابه إلى البحر، وسبعا منها في رجوعه إلى قومه، فقلت له: وما هذه الاسابيع شهور او ايام او ساعات؟ فقال: يا با عبيدة ان العذاب اتاهم يوم الاربعاء في النصف من شوال، و صرف عنهم من يومهم ذلك، فانظلق يونس مغاضبا، فمضى يوم الخميس سبعة أيام في مسيره إلى البحر، وسبعة ايام في بطن الحوت، وسبعة أيام تحت الشجرة بالعراء وسبعة ايام في رجوعه إلى قومه، فكان ذهابه ورجوعه مسير ثمانية وعشرين يوما ثم أتاهم فآمنوا به وصدقوه واتبعوه، فلذلك قال الله (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها ايمانها الا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزى)(3).

___________________________________

(1) اى على قومه لربه تعالى. اى كان غضبه لله تعالى لا للهوى، أو خائفا عن تكذيب قومه لما تخلف عنه من وعد ربه (قاله المجلسى رحمه الله).

(2) ايلة: جبل بين مكة والمدينة قرب ينبع، وبلد بين ينبع ومصر.

(3) البحار ج 5: 425. البرهان ج 2: 200. الصافى ج 1: 767.

[136]

45 - عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه السلام قال: لما اظل قوم يونس العذاب دعوا الله فصرفه عنهم، قلت: كيف ذلك؟ قال: كان في العلم انه يصرفه عنهم(1).

46 - عن الثمالى عن ابى جعفر عليه السلام قال: ان يونس لما آذاه قومه دعا الله عليهم فأصبحوا اول يوم ووجوههم صفرة واصبحوا اليوم الثانى ووجوههم سود، قال: و كان الله واعدهم ان يأتيهم العذاب فأتاهم العذاب حتى نالوه برماحهم، ففرقوا بين النساء وأولادهن والبقر وأولادها ولبسوا المسوح والصوف(2) ووضعوا الحبال في أعناقهم والرماد على رؤسهم وضجوا ضجة واحدة إلى ربهم، وقالوا آمنا بإله يونس، قال: فصرف الله عنهم العذاب إلى جبال آمد(3) قال: وأصبح يونس وهو يظن انهم هلكوا فوجدهم في عافية فغضب وخرج كما قال الله: (مغاضبا) حتى ركب سفينة فيها رجلان، فاضطربت السفينة فقال الملاح: يا قوم في سفينتى مطلوب، فقال يونس: أنا هو، وقام ليلقى نفسه فابصر السمكة وقد فتحت فاها فهابها، وتعلق به الرجلان، وقالا له: أنت وحدك ونحن رجلان فساهمهم فوقعت السهام عليه، فجرت السنة بان السهام اذا كانت ثلث مرات انها لا يخطى، فألقى نفسه فالتقمه الحوت فطاف به البحار سبعة حتى صار إلى البحر المسجور وبه يعذب قارون، فسمع قارون دويا(4) فسأل الملك عن ذلك فأخبره انه يونس، وان الله قد حبسه في بطن الحوت فقال له قارون: أتأذن لى ان اكلمه فاذن له فسأله عن موسى فاخبره انه مات وبكا ثم سأله عن هارون فاخبره انه مات(5) فبكا وجزع جزعا شديدا وسأله عن اخته كلثم وكانت مسماة

___________________________________

(1) البحار ج 5: 424. البرهان ج 2: 202.

(2) المسوح جمع المسح - بالكسر -: الكساء من شعر كثوب الرهبان.

(3) قال الحموى: آمد - بكسر الميم -: اعظم ديار بكر.

(4) الدوى: الحفيف وقد مر معناه آنفا فراجع.

(5) وفى نسخة البرهان هكذا (فقال يا يونس: فما فعل الشديد الغضب لله موسى بن عمران؟ فأخبره انه مات، قال: فما فعل الرؤوف العطوف على قومه هارون بن عمران؟ فأخبره انه مات).

[137]

له فأخبره انها ماتت [ فقال: وا أسفا على آل عمران ] قال: فأوحى الله إلى الملك الموكل به: ان ارفع عنه العذاب بقية الدنيا لرقته؟ على قرابته(1).

47 - عن معمر قال: قال أبوالحسن الرضا عليه السلام: ان يونس لما امره الله بما أمره فأعلم قومه فأظلهم العذاب ففرقوا بينهم وبين اولادهم وبين البهائم وأولادها، ثم عجوا إلى الله وضجوا، فكف الله العذاب عنهم فذهب يونس مغاضبا فالتقمه الحوت فطاف به سبعة في البحر(2) فقلت له: كم بقى في بطن الحوت؟ قال: ثلثة ايام، ثم لفظه الحوت، وقد ذهب جلده وشعره فأنبت الله عليه شجرة من يقطين فأظلته، فلما قوى أخذت في اليبس، فقال: يا رب شجرة أظلتنى يبست فأوحى الله اليه: يايونس تجزع لشجرة أظلتك ولا تجزع لمأة ألف أو يزيدون من العذاب؟(3).

48 - عن على بن عقبة عن أبيه قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: اجعلوا أمركم هذا الله ولا تجعلوا للناس، فانه ما كان لله فهو لله وما كان للناس فلا يصعد إلى الله، ولا تخاصموا الناس بدينكم فان الخصومة ممرضة للقلب، ان الله قال لنبيه صلى الله عليه واله: يا محمد (انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء) قال: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ذروا الناس فان الناس اخذوا من الناس، وانكم أخذتم من رسول الله وعلى ولا سواء، انى سمعت أبى عليه السلام وهو يقول: ان الله اذا كتب إلى عبد ان يدخل في هذا الامر كان أسرع اليه من الطير إلى وكره(4).

49 - عن عبدالله بن يحيى الكاهلى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول لما اسرى برسول الله عليه وآله السلام أتاه جبرئيل عليه السلام: بالبراق فركبها فأتى بيت المقدس، فلقى من لقى [ من اخوانه ] من الانبياء، ثم رجع فأصبح يحدث اصحابه انى

___________________________________

(1) البحار ج 5: 427. البرهان ج 2: 203.

(2) وفى نسخة البحار (سبعة أبحر) وهو الظاهر.

(3) البحار ج 5: 427. البرهان ج 2: 203.

(4) البحار ج 3: 58. البرهان ج 2: 204. والوكر. عش الطائر اين كان في جبل او شجر وان لم يكن فيه، ويقال له بالفارسية (آشيانه).

[138]

أتيت بيت المقدس الليلة، ولقيت اخوانى من الانبياء، فقالوا: يا رسول الله وكيف أتيت بيت المقدس الليلة؟ فقال: جاء‌نى جبرئيل عليه السلام بالبراق فركبته، وآية ذلك انى مررت بعير لابى سفيان على ماء بنى فلان وقد اضلوا جملا لهم وهم في طلبه، قال: فقال له القوم بعضهم لبعض: انما جاء راكبا سريعا، ولكنكم قد اتيتم الشام وعرفتموها فسلوه عن اسواقها وأبوابها وتجارها قال: فسلوه فقالوا: يا رسول الله كيف الشام وكيف اسواقها؟ وكان رسول الله صلى الله عليه واله اذا سئل عن الشئ لا يعرفه شق عليه حتى يرى ذلك في وجهه، قال: فبينا هو كذلك اذ أتاه جرئيل عليه السلام فقال: يا رسول الله هذه الشام قد رفعت لك فالتفت رسول الله عليه وآله السلام فاذا هو بالشام، وأبوابها و تجارها، فقال: اين السائل عن الشام؟ فقالوا: أين بيت فلان ومكان فلان؟ فأجابهم في كل ما سألوه عنه، قال: فلم يؤمن فيهم الا قليل، وهو قول الله: (وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) فنعوذ بالله ان لا نؤمن بالله ورسوله، آمنا بالله ورسوله، آمنا بالله وبرسوله(1) .

50 - عن محمد بن الفضيل عن أبى الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن شئ في الفرج، فقال: أوليس تعلم ان انتظار الفرج من الفرج ان الله يقول: (انتطروا انى معكم من المنتظرين)(2).

51 - عن مصقلة الطحان عن أبى عبدالله عليه السلام قال: ما يمنعكم ان تشهدوا على من مات منكم على هذا الامر انه من أهل الجنة، ان الله يقول: (كذلك حقا علينا ننج المؤمنين)(3)

___________________________________

(1) البحار ج 6: 332. البرهان ج 2: 205.

(2) البرهان ج 2: 205. البحار ج 13: 137. الصافى ج 1: 775.

(3) البرهان ج 2: 205. البحار ج 15 (ج 1): 131. الصافى ج 1: 775.

[139]




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21331584

  • التاريخ : 28/03/2024 - 10:06

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net