00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية (45 - 55) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الثاني )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

الآية: 45 - 55

[ إذ قالت الملئكة يمريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين(45) ]

في تفسير علي بن إبراهيم: قال لما ولدت، اختصموا آل عمران فيها، وكلهم قالوا: نحن نكفلها، فخرجوا وضربوا بالسهام بينهم وخرج سهم زكريا، فكفلها زكريا(1).

وفي تفسير العياشي: عن الحكم بن عيينة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): قال لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) يخبره بما غاب عنه من خبر مريم وعيسى، يا محمد " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك " في مريم وابنها وبما خصهما منه، وفضلهما وكرمهما حيث قال: " وما كنت لديهم " يا محمد، يعني بذلك رب الملائكة " إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم " حين ايتمت من أبيها(2).

وفي رواية اخرى عن ابن أبي خرزاد: " أيهم يكفل مريم " حين ايتمت من أبيها " وما كنت لديهم " يا محمد إذ يختصمون في مريم [ عند ولادتها بعيسى بن مريم ] أيهم يكفلها ويكفل ولدها، قال له: أبقاك الله فمن كفلها؟ فقال: أما تسمع لقوله الآية(3).

إذ قالت الملئكة: بدل من " إذ قالت " الاولى، أو من " إذ يختصمون " بناء

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 1 ص 102 في تفسيره لقوله تعالى " وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم "، وفيه: فتكفلها زكريا.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 173 قطعة من ح 47 وفيه: خصهما الله به وفضلهما وأكرمهما. لرب الملائكة.

(3) تفسير العياشي: ج 1 ص 173، ح 48. (*)

[88]

على أن الاختصام والبشارة في زمان متسع كقولك: لقيته سنة كذا.

يمريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم: المسيح لقبه، من الالقاب المادحة، وأصله مشيحا بالعبرانية، ومعناه: المبارك كقوله: " وجعلني مباركا "(1) وعيسى معرب اليسوع، ومشتقهما من المسح، لانه مسح بالبركة، أو بما طهره من الذنوب، أو مسح الارض ولم يقم في موضع، أو مسحه جبرائيل، ومن العيس، وهو بياض يعلوه حمرة كالراقم على الماء.

فإن قلت: لم قيل: اسمه المسيح عيسى بن مريم، وهذه ثلاثة أشياء، الاسم منها عيسى، وأما المسيح والابن فلقب وصفة.

قلت: الاسم للمسمى علامة يعرف بها، ويتميز بها عن غيره، فكأنه قيل: الذي يعرف به ويتميز ممن سواه.

مجموع هذه الثلاثة. ويحتمل أن يكون عيسى خبر مبتدأ محذوف، وابن مريم صفته.

وأن يكون كل من الثلاثة اسما، بمعنى أن كلا منها يميز تمييز الاسماء، ولا ينافي تعدد الخبر أفراد البمتدأ، فإنه اسم جنس مضاف.

وانما قيل: ابن مريم، والخطاب لها تنبيها على أنه يولد من غير أب، إذ الاولاد تنسب إلى الآباء، ولا تنسب إلى الام إلا إذا فقد الاب.

وجيها في الدنيا: حال مقدرة من " كلمة " الموصوفة بقوله " منه " والتذكير للمعنى، ووجاهته في الدنيا بالنبوة.

والاخرة: بالشفاعة.

ومن المقربين: من الله، وقيل: إشارة إلى علو درجته في الجنة، وقيل: إلى رفعه [ إلى ] السماء وصحبته الملائكة.

* * *

___________________________________

(1) مريم: 31. (*)

[89]

[ ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصلحين(46) قالت رب أنى يكون ولد ولم يمسسنى بشر قال كذلك الله يخلق ما يشآء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون(47) ويعلمه الكتب والحكمة و التورة والانجيل(48) ]

ويكلم الناس في المهد وكهلا: أي حال كونه طفلا وكهلا كلام الانبياء من غير تفاوت.

وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد عيسى، عن ابن محبوب عن هشام بن سالم، عن يزيد الكناسي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) أكان عيسى بن مريم حين تكلم في المهد حجة الله على أهل زمانه؟ فقال: كان يومئذ نبيا حجة الله غير مرسل(1)، أما تسمع لقوله حين قال: " أني عبدالله أتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأو صاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا "(2).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

___________________________________

(1) قوله (غير مرسل) إذ لم يرسل إليه الانجيل في تلك الحال ولم يكن مأمورا بأحكامه وتبليغه ولكن كان نبيا عالما بالتوراة تابعا لها، وقال: (إني عبدالله) قدم العبودية على إعطاء الكتاب والنبوة، لتقدمها في الواقع، وليندفع توهم ربوبيته أول مرة، وأراد بالكتاب التوراة.

وفي لفظ الماضي حيث قال: (آتاني وجعلني) دلالة واضحة على أنه كان حين التكلم نبيا عالما بالتوراة.

والواريد بالكتاب الانجيل كما زعم، لاشكل، لانه إن اعطي الانجيل كما جعل نبيا في ذلك الوقت لكان رسولا، فلا يوافق قوله (غير مرسل) اللهم إلا أن يحمل قوله (أتاني الكتاب) على مجاز المشارفة، أو على أن محقق الوقوع كالواقع، أو على القضاء السابق بقرينة عدم إرسال الانجيل إليه في ذلك ولا يلزم منه أن يحمل قوله (وجعلني نبيا) على هذه الامور، لعدم وجود قرينة صارفة له عن ظاهره، وبالجملة حمل أحد اللفظين المتجاورين على المجاز لقرينة، لا يوجب حمل الآخر عليه مع عدمها (شرح اصول الكافي للمازندراني: ج 6 ص 348).

(2) الكافي: ج 1 ص 382 كتاب الحجة باب حالات الائمة في السن قطعة من ح 1. (*)

[90]

والمهد مصدر سمي به ما يمهد للصبي من مضجعه.

والكهل من وخطه الشيب ورأيت له بجالة(1).

ولذا قيل: والمراد " وكهلا " بعد نزوله، لانه رفع شابا.

وذكر أحواله المختلفة المتنافية، إشارة إلى أنه ممكن، ليس بإله.

ومن الصلحين: حال ثالث من " كلمة " أو ضميرها الذي في " يكلم ".

قالت رب أنى يكون لى ولد ولم يمسسنى بشر: تعجب، وقيل: استبعاد عادي، أو استفهام عن أنه يكون بتزوج أو غيره.

قال: جبرائيل، أو الله و جبرائيل حكى لها قوله تعالى: كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون: أي كما يقدر أن يخلق الاشياء بأسباب ومواد متدرجا يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك.

ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل: أما كلام مبتدأ ذكر تطييبا لقلبها وإزاحة لما همها من خوف اللوم على أنها تلد من غير زوج، أو عطف على " يبشرك " أو " وجيها ".

و " الكتاب " الكتبة، أو جنس الكتب المنزلة. وتخصيص الكتابين لفضلهما. وقرأ عاصم ونافع بالياء.

* * *

___________________________________

(1) الكهل: الرجل إذ وخطه الشيب ورايت له بجالة، وفي الصحاح الكهل من الرجال الذي جاوز الثلاثين ووخطه الشيب (لسان العرب: ج 11 حرف اللام - لغة كهل).

[91]

[ ورسولا إلى بنى إسراء‌يل أنى قد جئتكم بئاية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الاكمه والابرص وأحى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لاية لكم إن كنتم مؤمنين(49) ] ورسولا إلا بنى إسراء‌يل: منصوب بمقدر على إرادة القول، والتقدير ويقول: أرسلت رسولا، أو بالعطف على الاحوال المتقدمة.

وتخصيص بني إسرائيل لخصوص بعثته، أو للرد على من زعم أنه مبعوث إلى غيرهم.

وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن الفضل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) في حديث طويل يقول فيه: ثم إن الله عزوجل أرسل عيسى (عليه السلام) إلى بني إسرائيل خاصة، وكانت نبوته ببيت المقدس(1).

أنى قد جئتكم بئاية من ربكم: متعلق برسولا على تصمين معنى النطق، أي ناطقا بأني إلى آخره، والآية ما يذكر بعده وهو: أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير: نصب بدل من " أني " أو جر بدل من " آية " أو رفع على هي أني، والمعنى: اقدر واصور لكم مثل صورة الطير.

فأنفخ فيه: الضمير للكاف، أو في ذلك المثل. فيكون طيرا: فيصير طيارا.

بإذن الله: بأمره، ونبه به على أن إحياء‌ه من الله لا منه.

___________________________________

(1) كتاب كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 220 باب 22 اتصال الوصية من لدن آدم وأن الارض لا تخلو من حجة. قطعة من ح 2. (*)

[92]

و قرأ نافع هنا وفي المائدة طائرا بألف وهمزة.

وفي كتاب الخصال: عن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالكوفة في الجامع إذ قام إليه رجل من أهل الشام فسأله عن مسائل فكان فيما سأله: أخبرني عن ستة لم يركضوا في رحم؟ فقال: آدم، وحواء، وكبش إسماعيل، وعصا موسى، وناقة صالح، والخفاش الذي عمله عيسى ابن مريم فطار بإذن الله(1) وأبرئ الاكمه: الذي ولد أعمى والممسوح العين.

والابرص: الذي به البرص.

نقل أنه ربما يجتمع عليه الوف من المرضى، من أطاق منهم أتاه ومن لم يطق أتاه عيسى، وما يداوى إلا بالدعاء(2).

وأحى الموتى بإذن الله: كرره لدفع توهم الالوهية، فإن الاحياء ليس من جنس الافعال البشرية.

وفي عيون الاخبار: بإسناده إلى أبي يعقوب البغدادي قال: قال ابن السكيت لابي الحسن الرضا (عليه السلام) لما ذا بعث الله موسى بن عمران بيده البيضاء [ والعصى ] وآلة السحر، وبعث عيسى بالطب، وبعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالكلام والخطب فقال له أبوالحسن (عليه السلام): إن الله تعالى لما بعث موسى - إلى أن قال - وإن الله تعالى بعث عيسى (عليه السلام) في وقت ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عندالله تعالى بما لم يكن عندهم مثله، وإنما أحيى لهم الموتى وأبرأ الاكمه والابرص بإذن الله تعالى وأثبت به الحجة عليهم(3).

___________________________________

(1) الخصال: ص 322 باب الستة (ستة لم يركضوا في رحم) ح 8.

(2) رواه البيضاوي: ج 1 ص 161 عند تفسيره لقوله تعالى " وابرء الاكمه والابرص " الآية.

وفي الدر المنثور ج 2 ص 32 ما لفظه (وزعم وهب أنه ربما اجتمع على عيسى من المرضى في الجماعة الواحدة خمسون ألفا). وفي انكشاف: ج 1 ص 364 أيضا مثله، وفي مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 445، أيضا مثله.

(3) عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 78 باب 32 في ذكر ما جاء عن الرضا من العلل، ح 12. (*)

[93]

وفي روضة الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن ابن محبوب، عن أبي جملية، عن أبان بن تغلب وغيره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه سئل هل كان عيسى بن مريم أحيى أحدا بعد موته حتى كان له أكل ورزق ومدة وولد؟ فقال: نعم، إنه كان له صديق مواخ له في الله تعالى وكان عيسى (عليه السلام) يمربه وينزل عليه، وإن عيسى (عليه السلام) غاب عنه حينا ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه امه فسألها عنه؟ فقالت: مات يا رسول الله، قال اتحبين أن تريه؟ قالت: نعم، فقال لها: فإذا كان غدا فآتيك حتى احييه لك بإذن الله تبارك وتعالى، فلما كان من الغد أتاها فقال لها: انطلقي معي إلى قبره، فانطلقا حتى أتيا قبره قوقف عيسى (عليه السلام) ثم دعا الله عزوجل فانفرج القبر وخرج ابنها حيا، فلما رأته امه ورآها بكيا فرحمهما عيسى (عليه السلام) فقال عيسى: أتحب أن تبقى مع أمك في الدنيا؟ فقال له: يا نبي الله بأكل ورزق ومدة، أم بغير أكل و [ لا ] رزق و [ لا ] مدة؟ فقال له عيسى (عليه السلام): بأكل ورزق ومدة، تعمر عشرين سنة وتزوج ويولد لك، قال: نعم إذا، قال: فدفعه عيسى إلى امه فعاش عشرين سنة وولد له(1).

وفي الكافي: علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن علي بن الحكم، عن ربيع ابن محمد، عن عبدالله بن سليم العامري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن عيسى بن مريم جاء إلى قبر يحيى بن زكريا (عليهما السلام) وكان سأل ربه أن يحييه له، فدعاه فأجابه وخرج إليه من القبر فقال له: ما تريد مني؟ فقال له: اريد أن تؤنسني كما كنت في الدنيا، فقال له: يا عيسى ما سكنت عني حرارة الموت وأنت تريد أن تعيدني إلى الدنيا وتعود علي حرارة الموت. فتركه فعاد إلى قبره(2).

وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم: بالمغيبات من أحوالكم التي لاتشكون فيها.

___________________________________

(1) الكافي: ج 8 ص 337، حديث الذي أحياه عيسى ح 532.

(2) الكافي: ج 3 ص 260 كتاب الجنائز، باب النوادر ح 37. (*)

[94]

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثنا أحمد بن محمد الهمداني، قال: حدثني جعفر ابن عبدالله، قال: حدثنا كثير بن عياش، عن زياد بن المنذر، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) في قوله: " وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون " فإن عيسى (عليه السلام) كان يقول لبني إسرائيل: إني رسول الله إليكم و " إني اخلق لكمن من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وابرأ الاكمه والابرص " والاكمه هو الاعمى، قالوا: مانرى الذي تصنع إلا سحرا، فأرنا آية نعلم أنك صادق؟ قال: أنك صادق؟ قال: أرابتكم إن اخبرتكم " بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم " يقول: ما أكلتم في بيوتكم قبل أن تخرجوا، وما ادخرتم بالليل، تعلمون اني صادق؟ قالوا: نعم، فكان يقول [ للرجل ]: أنت أكلت كذا وكذا وشربت كذا وكذا ورفعت كذا وكذا، فمنهم من يقبل منه فيؤمن، ومنهم من يكفر، وكان لهم في ذلك آية إن كانوا مؤمنين(1).

إن في ذلك لاية لكم إن كنتم مؤمينن: موفقين للايمان، فإن غيرهم لا ينتفع بالعجزات، أو مصدقين بالحق غير معاندين.

وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): روي عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عليهم السلام) أنه قال: أن يهوديا من يهود الشام وأحبارهم قال لعلي (عليه السلام) في أثناء كلام طويل: فإن هذا عيسى بن مريم يزعمون أنه تكلم في المهد صبيا، قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) سقط من بطن امه واضعا يده اليسرى على الارض ورافعا يده اليمنى إلى السماء يحرك شفتيه بالتوحيد، وبدا من فيه نور رأي أهل مكة قصور بصرى من الشام وما يليها، والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها، والقصور البيض من اصطخر وما يليها، ولقد أضاء‌ت الدنيا ليلة ولد النبي (صلى الله عليه وآله) حتى فزعت الجن والانس والشياطين وقالوا: حدث في الارض حدث.

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 102 في تفسيره لقوله تعالى " إني أخلق لكم من الطين " الآية. (*)

[95]

قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه خلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فكان طيرا بإذن الله عزوجل.

فقال له علي: لقد كان كذلك ومحمد (صلى الله عليه وآله) قد فعل ما هو شبيه بهذا، إذ أخذ يوم حنين حجرا فسمعنا للحجر تسبيحا وتقديسا، ثم قال للحجر: انفلق، فانفلق ثلاث فلق يسمع لكل فلقة منها تسبيحا لا يسمع للاخرى، ولقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته، ولكل غصن منها تسبيح وتهليل وتقديس، ثم قال لها: انشقي، فانشقت نصفين ثم قال لها: التزقي فالتزقت، ثم قال لها: اشهدي لي بالنبوة، فشهدت.

ثم قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه قد أبرأ الاكمه والابرص بإذن الله تعالى.

فقال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك ومحمد (صلى الله عليه وآله) اعطي ما هو أفضل [ من ذلك ]، أبرأ ذالعاهة من عاهته، فبينما هو جالس (عليه السلام) إذ سأل عن رجل من أصحابه؟ فقالوا: يا رسول الله إنه قد صار من البلاء كهيئة الفرخ [ الذي ] لا ريش عليه، فأتاه (عليه السلام) فإذا هو كهيئة الفرخ من شدة البلاء فقال له: قد كنت تدعو في صحتك دعاء؟ قال: نعم، كنت أقول: يا رب أيما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فعجلها لي في الدنيا، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): ألاقلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. فقالها: فكأنما نشط من عقال وقام صحيحا وخرج معنا.

وقد أتاه رجل من جهينة أجذم ينقطع من الجذم فشكا إليه (صلى الله عليه وآله) فأخذ قدحا من الماء فتفل فيه، ثم قال: امسح به جسدك، ففعل فبرئ حتى لم يوجد عليه شئ ولقد اتي بأعرابي أبرص فتفل من فيه عليه فما قام من عنده إلا صحيحا.

ولئن زعمت أن عيسى (عليه السلام) أبرأ ذوي العاهات من عاهاتهم فإن محمدا (صلى الله عليه وآله) بينما هو في بعض أصحابه إذ هو بامرأة فقالت: يا رسول الله إن ابني قد أشرف على حياض الموت كلما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب، فقال

[96]

النبي (صلى الله عليه وآله) وقمنا معه فلما أتيناه قال له: جانب يا عدوالله ولي الله، فأنا رسول الله، بجانبه الشيطان فقام صحيحا، وهو معنا في عسكرنا.

ولئن زعمت أن عيسى بن مريم أبرأ العمياء، فإن محمدا (صلى الله عليه وآله) قد فعل ما هو أكبر من ذلك.

إن قتادة بن ربعي كان رجلا صحيجا فلما كان يوم احد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته فأخذها بيده، ثم أتى بها النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال يا رسول الله: إن امرأتي الآن تبغضني، فأخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يده ثم وضعها مكانها، فلم تكن تعرف إلا بفضل حسنها وفضل ضوئها على العين الاخرى.

ولقد جرح عبدالله بن عتيك وبانت يده يوم حنين، فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ليلا فمسح عليه يده فلم يكن تعرف من اليد الاخرى.

ولقد أصاب محمد بن مسلمة يوم كعب بن الاشرف مثل ذلك في عينه ويده فمسحهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يستبينا.

ولقد أصاب عبدالله بن أنيس مثل ذلك في عينه فمسحها فما(1) عرفت من الاخرى.

فهذه كلها دلالة لنبوته (صلى الله عليه وآله).

قال له اليهودي: فإن عيسى يزعمون أنه أحيى الموتى بإذن الله.

قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) سبحت في يده تسع حصيات فسمع نغماتها في جحودها(2) ولا روح فيها لتمام حجة نبوته، ولقد كلمة الموتى من بعد موتهم واستغاثوه مما خافوا تبعته، ولقد صلى بأصحابه ذات يوم فقال: ماههنا من بني النجار أحد وصاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي، وكان شهيدا.

وإن زعمت أن عيسى كلم الموتي، فلقد كان لمحمد (صلى الله عليه وآله) ما هو أعجب من هذا: إن النبي (صلى الله عليه وآله) لما نزل بالطائف وحاصر أهلها بعثوا إليه شاة مسلوخة مطلية بسم، فنطق الذراع منها فقالت: يا رسول الله لا تأكلني فإني مسمومة، فلو كلمته البهيمة وهي حية لكانت من أعظم حجج الله (عز

___________________________________

(1) في النسخة - أ -: (ما) والصحيح ما أثبتناه.

(2) كذا في النسخة - أ -: وفي المصدر جمودها. (*)

[97]

ذكره) على المنكرين لنبوته فكيف وقد كلمته من بعد ذبح وسلخ وشوي، ولقد كان (صلى الله عليه وآله) يدعو بالشجرة فتجيبه، وتكلمه البهيمة، وتكلمه السباع، وتشهد له بالنبوة ويحذرهم عصيانه، فهذا أكثر مما أعطى عيسى.

قال له اليهودي: إن عيسى تزعمون أنه أنبأ قومه بما تأكلون وما يدخرون في بيوتهم.

قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد بن (صلى الله عليه وآله) فعل ما هو أكبر من هذا، إن عيسى أنبأ قومه بما يأكلون من وراء الحائط، ومحمد (صلى الله عليه وآله) أنبأ عن مؤتة وهو عنها غائب ووصف حربهم ومن اشهد(1) منهم وبينه وبينهم مسيرة شهور، وكان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شئ فيقولى (صلى الله عليه وآله): تقول أو أقول؟ فيقول: بل قل يا رسول الله، فيقول: جئتني في كذا وكذا حتى فرغ من حاجته، ولقد كان يخبر أهل مكة بأسرارهم بمكة حتى لا يترك من أسرارهم شيئا، منها: ما كان بين صفوان بن أمية وبين عمير بن وهب، فقال: جئت في فكاك ابني، فقال له: كذبت، بل قلت لصفوان وقد اجتمعتم في الحطيم وذكرتم قتلى بدر وقلتم: والله الموت أهون لنا من البقاء مع ما صنع محمد بنا، وهل حياة بعد أهل القلب؟ فقلت أنت: لولا عيالي ودين علي لارحتك من محمد، فقال صفوان: على أن أقضي دينك وأن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما يصيبهن من خير أو شر، فقلت أنت: فاكتمها علي وجهزني حتى أذهب فأقتله، فجئت لتقتلني، قال: صدقت يا رسول الله، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وأشباه هذا مما لا يحصى(2). وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم،

___________________________________

(1) كذا في نسخة - أ - والصحيح: استشهد.

(2) الاحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 223 س 14، احتجاجه (عليه السلام) على اليهود من أخبارهم ممن قرأ الصحف والكتب في معجزات النبي (صلى الله عليه وآله) وكثير من فضائله مع تقديم وتأخير وحذف وإسقاط لبعض الجمل. (*)

[98]

عن مثنى الحناط، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقلت له: وأنت ورثت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: نعم، قلت: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وارث الانبياء علم كلما علموا؟ قال: نعم، قلت: فأنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرئوا الاكمه والابرص؟ قال لي: نعم بإذن الله، ثم قال: ادن مني يا أبا محمد فدنوت منه فمسح على وجهي وعلى عيني، فأبصرت الشمس والسماء والارض والبيوت وكل شئ في البلد، ثم قال لي: أتحب أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة، أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصا(1)؟ قلت: أعود كما كنت.

فمسح على عيني، فعدت كما كنت، فحدثت ابن أبي عمير بهذا، فقال: أشهد أن هذا حق كما أن النهار حق(2).

وفي كتاب التوحيد: في باب مجلس الرضا (عليه السلام) مع أصحاب الاديان والمقالات، قال الرضا (عليه السلام): لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسألوه أن يحيي لهم موتاهم، فوجه معهم علي بن أبي طالب فقال: اذهب إلى حبانة(3) فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان ويا فلان ويا فلان يقول لكم محمد قوموا بإذن الله (عزوجل) فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، وأقبلت قريش تسألهم عن امورهم ثم أخبروهم أن محمدا قد بعث نبيا، وقالوا: وددنا أنا كنا أدركناه فنؤمن به.

ولقد أبرأ الاكمه والابرص كلمه البهائم والطير والجن والشياطين، ولم نتخذه ربا من دون الله (عزوجل)(4).

___________________________________

(1) دل على أن ذا البلية لا يحاسب ويغفر له ما لا يغفر لغيره (شرح الاصول للمازندراني: ج 7 ص 237.

(2) الكافي: ج 1 ص 391 كتاب الحجة، باب مولد ابي جعفر محمد بن علي، ح 3.

(3) كذا في نسخة - 1 - والصحيح جبانة والجبانة الصحراء وتسمى بها المقابر، لانها تكون في الصحراء تشبيه للشئ بموضعه، ومنه الحديث: إنما الصلاة يوم العيد على من خرج إلى الجبانة، والجبان بدون الهاء الصحراء أيضا كالجبانة ومنه حديث المباهلة: وأبرز أنت وهو إلى الجبان (مجمع البحرين، لغة جبن).

(4) كتاب التوحيد: ص 423 باب 65 ذكر مجلس الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) مع أهل الاديان وأصحاب المقالات، قطعة من ح 1 ص 5. (*)

[99]

[ ومصدقا لما بين يدى من التورة ولاحل لكم بعض الذى حرم عليكم وجئتكم بئاية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون(50) إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صرط مستقيم(51) ]

ومصدقا لما بين يدى من التورة: عطف على (رسولا) على الوجهين، أو منصوب بإضمار فعل دل عليه (قد جئتكم) أي وجئتكم مصدقا.

ولاحل لكم: مقدر بإضمار فعل دل عليه (قد جئتكم) أي وجئتكم لا حل، أو مردود على قوله (قد جئتكم بآية) أي جئتكم لاظهر آية ولاحل، أو على معنى (مصدقا) أي جئتكم لاصدق ولاحل كقولهم: جئتك معتذرا ولاطيب قلبك.

بعض الذى حرم عليكم: أي في شريعة موسى (عليه السلام) كالشحوم والثروب(1) والسمك والحوم الابل، والعمل في السبت. وفي الآية دلالة على أن شرعه كان ناسخا لشرع موسى (عليه السلام).

وفي تفسير العياشي: عن محمد الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان بين دواد وعيسى بن مريم (عليهما السلام) أربعمائة سنة، وكان شريعة عيسى أنه بعث بالتوحيد والاخلاص، وبما أوصى به نوح وإبراهيم وموسى، وأنزل عليه الانجيل، وأخذ عليه الميثاق الذي أخذ على النبيين، وشرع له في الكتاب أقام الصلاة مع الدين، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحريم الحرام وتحليل الحلال، وأنزل عليه في الانجيل مواعظ وأمثال وحدود، ليس فيها قصاص، ولا أحكام حدود، ولا فرض مواريث، وأنزل عليه تخفيف ما كان نزل على موسى في

___________________________________

(1) الثرب: شحم رقيق يغشى الكرش والامعاء وجمعه ثروب، والثرب الشحم المبسوط على الامعاء والمصارين وشاة ثرباء عظيمة الثرب (لسان العرب ج 1 ص 234 لغة ثرب). (*)

[100]

[ فلما أحسن عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون - نحن أنصار الله ء‌امنا بالله واشهد بأنا مسلمون(53) ]

التوراة، وهو قول الله في الذي قال عيسى بن مريم لبني إسرائيل " ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم " وأمر عيسى من معه ممن اتبعه من المؤمنين أن يؤمنوا لشريعة التوراة والانجيل(1).

وجئتكم باية من ربكم فاتقوالله وأطيعو * إن الله ربى وربكم فاعبدوه هاذا صراط مستقيم: الظاهر أن قوله " جئتكم باية من ربكم " تكرير لما قبله، أي قد جئتكم بآية بعد اخرى مما ذكرت لكم.

والاول لتمهيد الحجة والثاني للتقريبها إلى الحكم، ولذلك رتب عليه بالفاء قوله (فاتقوا الله) أي أني جئتكم بالمعجزات القاهرة والآيات الباهرة فاتقوا الله في المخالفة وأطيعوا لي فيما أدعوكم إليه، ثم شرع في الدعوة وأشار إليها بالقول المجمل، فقال: " إن الله ربي وربكم " إشارة إلى استكمال القوة النظرية بالاعتقاد الحق الذي غايته التوحيد، وقال: " فاعبدوه " إشارة إلى استكمال القوة العملية، فإنه بملازمة الطاعة التي هي الاتيان بالاوامر والانتهاء عن المناهي، ثم قرر ذلك بأن بين: إن الجمع بين الامرين هوالطريق المشهود عليه بالاستقامة.

وقيل: معناه وجئتكم بآية اخرى ألهمنيها ربكم، وهو قوله " إن الله ربي وربكم " فإنه دعوة الحق المجمع عليه فيما بين الرسل، الفارقة بين النبي والساحر، أو جئتكم على أن الله ربي وربكم، وقوله " فاتقوا الله وأطيعون " اعتراض. فلما أحسن عيسى منهم الكفر: قيل: تحقق كفرهم عنده، تحقق ما يدرك

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 175 ح 52. (*)

[101]

بالحواس.

وفي تفسير العياشي: وروي عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله: " فلما أحس عيسى منهم الكفر " أي لما سمع ورأى أنهم يكفرون(1).

فعلى هذه الرواية كان الاحساس مستعملا في معناه الحقيقي، ولا يكون استعارة تبعية كما في الاول.

قال من أنصارى: جمع ناصر، وحمله على (من) لارادة المتعدد منه، أو للمبالغة في كونه ناصرا.

إلى الله: ملتجئا إلى الله، أو ذاهبا أو ضاما إليه.

ويحتمل تعلقه ب‍ (أنصاري) على تضمين الاضافة، أي من الليف(2) يضيفون أنفسهم إلى الله في نصري.

وقيل: (إلى) ههنا بمعنى، مع، أو في، أو اللام.

قال الحواريون: حواري الرجل صفوته وخالصته، من الحور، وهو البياض الخالص، ومنه الحواريات للحضريات لخلوص ألوانهن ونظافتهن.

قال:

فقل للحواريات يبكين غيرنا *** ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح(3)

وفي وزنه الحوالي، وهو الكثير الحيلة.

سمي أصحاب عيسى (عليه السلام)، قال: لخلوص نيتهم ونقاء(4) سريرتهم.

وقيل: كانوا ملوكا يلبسون البيض، استنصربهم عيسى على اليهود.

وقيل: قصارون يحورن الثياب ويبيضونها.

___________________________________

(1) لم نعثر عليه في تفسير العياشي وذكره علي بن إبراهيم: ج 1 ص 103 في تفسيره لقوله تعالى " فلما أحس عيسى " الآية.

(2) كذا في نسخة - 1 - والصحيح الذين.

(3) للحارث بن جلزة اليشكري، يقول: فقل للنساء الحضريات الصافيات البياض يبكين غيرنا، كناية عن أنه ليس من أهل التنعم، ثم نهى عن أن يبكيهم إلا الكلاب التي تساق معهم للصيد، أو التي جرت عادتها بأكل قتلاهم في الحرب، أو التي تنبحهم إذا أقلبوا على أصحابها، كناية عن أنه من أهل البدو والغزو (عن هامش الكشاف: ج 1 ص 366).

(4) في نسخة - أ -: وفقاء والصحيح ما أثبتناه لاقتضاء سياق الكلام. (*)

[102]

[ ربنآء امنا أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشهدين 53 ومكروا ومكرالله والله خيرا المكرين(54) ]

نحن أنصار الله: في دينه. ء‌امنا بالله: الذي دعوت إليه.

واشهد بأنا مسلمون: لتشهد يوم القيامة حين يشهد الرسل لقومهم وعليهم.

ربنآء‌امنا بما أنزلت: في كتبك.

واتبعنا الرسول: أي عيسى (عليه السلام) فيما دعى إليه.

فاكتبنا مع الشهدين: بوحدانيتك، أو مع الانبياء الشاهدين.

وقيل: أو مع أمة محمد (صلى الله عليه وآله) فإنهم شهداء على الناس(1).

ومكروا: أي الذين أحسن منهم الكفر من اليهود، بأن وكلوا عليه من يقتله غيلة.

ومكرالله: بأن رفع عيسى والفى شبه على غيره حتى قتل.

والمكر حيلة يجلب بها الغير إلى المضرة، وإسناده إلى الله على سبيل الازدواج.

وفي عيون الاخبار عن الرضا (عليه السلام) في حديث طويل، وفيه قال: سألته عن قول الله عزوجل: " سخر الله منهم "(2) وقوله: " الله يستهزئ بهم "(3) وقول تعالى: " ومكرواو مكرالله " وعن قوله عزوجل: " يخادعون الله وهو خادعهم "(4).

___________________________________

(1) نقله في الكشاف: ج 1 ص 366 في تفسيره لقوله تعالى " فاكتبنا مع الشاهدين ".

(2) التوبة: 79.

(3) البقرة: 15.

(4) النساء: 142. (*)

[103]

[ إذا قال الله يعيسى إنى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون(55) ]

فقال: إن الله (عزوجل) لا يسخر ولا يستهزئ، ولا يمكر ولا يخادع، ولكنه (عزوجل) يجازيهم جزاء السخرية، وجزاء الاستهزاء، وجزاء المكر والخديعة، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا(1).

والله خير المكرين: أقد رهم على أيصال الضر إلى الغير.

إذا قال الله: ظرف ل‍ (مكر الله) وقيل: أو ل‍ (خير الماكرين) أو لمضمر مثل وقع ذلك.

يعيسى إنى متوفيك: أي مستوفي أجلك، عاصما إياك من قتلهم، أو قابضك من الارض، من توفيت مالي وقيل: أو متوفيك نائما، وقيل: أماته الله سبع ساعات ثم رفعه، وقيل: أو مميتك عن الشهوات العائقة عن العروج.

ورافعك إلى: إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي، وذلك في ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان.

في كتاب الخصال: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: في حديث طويل يذكر فيه الاغسال في شهر رمضان -: وليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي مات فيها أوصياء الانبياء، وفيها رفع عيسى (عليه السلام)(2).

___________________________________

(1) عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 126 باب 11 ماجاء عن الرضا من الاخبار في التوحيد قطعة من ح 19.

(2) الخصال: ص 508، باب السبعة عشر، الغسل في سبعة عشر موطنا، قطعة من ح 1. (*)

[104]

ومطهرك من الذين كفروا: أي من سوء جوارهم. أو قصدهم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إن عيسى (عليه السلام) وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه، فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتا، ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء، فقال: إن الله أوحى إلي، أنه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود، فأيكم يلقى إليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي؟ فقال شاب منهم: أنا يا روح الله، فقال: فأنت هو ذا، فقال لهم عيسى: أما إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة، فقال له رجل منهم: أنا يانبي الله، فقال عيسى: أتحس بذلك في نفسك؟ فلتكن هو، ثم قال لهم عيسى: أما إنكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق، فرقتين مفتريتين على الله في النار، وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة، ثم رفع الله عيسى إليه من زاوية البيت وهم ينظرون إليه، ثم قال: إن اليهود جاء‌ت في طلب عيسى من ليلتهم، فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى أن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة، وأخذوا الشاب الذي ألقى عليه شبح عيسى (عليه السلام)، فقتل وصلب، وكفر الذي قال له عيسى تكفر قبل أن تصبح اثنتي عشرة كفرة(1).

وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة: بإسناده إلى محمد بن إسماعيل بن أبي رافع عن أبيه(2) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن جبرئيل (عليه السلام) نزل علي بكتاب فيه خبر الملوك، ملوك الارض، وخبر من بعث قبلي من الانبياء والرسل، وهو حديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

قال: لما ملك أشج بن أشجان(3)، وكان يسمى الكيس، وكان قد ملك

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 103 في تفسيره لقوله تعالى: " إني متوفيك ورافعك إلي ".

(2) في المصدر: عن محمد بن إسماعيل القرشي عمن حدثه عن إسماعيل بن أبي رافع.

(3) معرب (اشك بن اشكال) كذا في الهامش. (*)

[105]

مائتين وستا وستين سنة، ففي سنة إحدى وخمسين من ملكه بعث الله عزوجل عيسى ابن مريم (عليه السلام) واستودعه النور والعلم والحكمة وجميع علوم الانبياء قبله، و زاده الانجيل، وبعثه إلى المقدس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابه وحكمته وإلى الايمان بالله وبرسوله، فأبى أكثرهم إلا طغيانا وكفرا، فلما لم يؤمنوا دعا ربه وعزم عليه فمسخ منهم شياطين ليريهم آية فيعتبروا، فلم يزدهم ذلك إلا طغيانا وكفرا، فأتى بيت المقدس فمكث يدعوهم ويرغبهم فيما عندالله ثلاث وثلاثين سنة حتى طلبته اليهود وادعت أنها عذبته ودفنته في الارض حيا، وادعى بعضهم أنهم قتلوه وصلبوه، وما كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه، وإنما شبه لهم، وما قدروا على عذابه ودفنه، ولا على قتله وصلبه، لانهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله " ولكن رفعه الله " بعد أن توفاه (عليه السلام)، فلما أراد الله أن يرفعه أوحى إليه أن استودع نور الله وحكمته وعلم كتابه شمعون بن حمون الصفا خليفة على المؤمنين ففعل ذلك(1).

قوله " بعد أن توفاه " يحتمل أن يكون معناه، بعد أن قبضه من الارض، أو بعد أن أماته عن الشهوات العائقة، أو أماته موتا حقيقيا كما ذهب إليه البعض، أو بعد أن قرر في علمه أن يستوفي أجله، وهذا أبعد.

وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة: يعلونهم بالحجة أو السيف.

ومتبعوه من آمن بنبوته من المسلمين والنصارى، وإلى الآن لم تسمع غلبة اليهود عليهم، ولا يتفق لهم ملك ولا دولة. ثم إلى مرجعكم: فيه تغليب لمخاطبين على غيرهم.

فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون: من أمر الدين.

___________________________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة: ج 1 ص 224 باب 22 اتصال الوصية من لدن آدم وأن الارض لا تخلو من حجة لله (عزوجل) على خلقه إلى يوم القيامة قطعة من ح 20. (*)

[106]




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 22215266

  • التاريخ : 3/02/2025 - 19:57

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net