00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية (56 - 66) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الثاني )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

الآية: 56 - 66

[ فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والاخرة وما لهم من نصرين(56) وأما الذين ء‌امنوا وعملوا الصلحت فيوفيهم أجورهم والله لايحب الظلمين(57) ذلك نتلوه عليك من الايت والذكر الحكيم(58) ]

فأما الذين كفروا: من اليهود وغيرهم.

فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا: بضرب الجزية والهوان. والاخرة: بالنار.

ومالهم من نصرين: يسعون في استخلاصهم.

وأما الذين ء‌امنوا وعملوا الصلحت فيوفيهم أجورهم: أي في الدنيا والآخرة. وقرأ حفص بالياء.

والله لا يحب الظلمين: ويحب المؤمنين. ذلك: أي نبأ عيسى وغيره مما تقدم. مبتدأ وخبره.

نتلوه عليك وقوله: من الايت: حال من الهاء.

ويحتمل أن يكون هو الخبر، و " نتلوه " حالا والعامل فيه معنى الاشارة، وأن يكونا خبرين، ويحتمل أن يكون " ذلك " منصوبا بما يفسره " نتلوه ". والذكر: أي القرآن، وقيل: اللوح.

الحكيم: المشتمل على الحكم، أو المحكم عن تطرق الخلل إليه.

[107]

[ إن مثل عيسى عندالله كمثل‌ء‌ادم خلقه من تراب ثم قال له، كن فيكون(59) الحق من ربك فلا تكن من الممترين(60) ]

إن مثل عيسى عندالله كمثل‌ء‌ادم: أي شأنه الغريب كشأن آدم.

خلقه من تراب: جملة مفسرة لوجه الشبه، وهو أنه خلق بلا أب كما خلق آدم بلا اب، وبلاام أيضا، شبه حاله بما هو أغرب، إفحاما للخصم بطريق المبالغة.

ثم قال له كن: أي إنشأ بشرا، والمراد بالخلق، خلق الغالب، أو المراد قدر تكوينه، ثم كونه، ويحتمل أن يكون " ثم " لتراخي الخبر. فيكون: حكاية حال ماضية.

في تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن ابن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام): أن نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان سيدهم الاهتم والعاقب والسيد، وحضرت صلاتهم، فأقبلوا يضربون بالناقوس وصلوا، فقال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله هذا في مسجدك؟ فقال: دعوهم، فلما فرغوا دنوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: إلى ما تدعونا؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث، قالوا: فمن أبوه؟ فنزل: الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لهم: ما تقولون في آدم؟ أكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب ويحدث وينكح، فسألهم النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: نعم، فقال: فمن أبوه؟، فبهتوا، فأنزل الله تبارك وتعالى " إن مثل عيسى عندالله " الآية(1).

الحق من ربك: " الحق " مبتدأ، و " من ربك " خبره، أي الحق المذكور من

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 104، في تفسيره لقوله تعالى " إن مثل عيسى " الآية. (*)

[108]

[ فمن حآجك فيه من بعد ماجآء‌ك من العلم فقل تعالوا ندع أنبآء ناو أبنآء كم ونسآء نا ونسآء‌كم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكذبين(61) ]

الله، أو خبر مبتدأ محذوف و " من ربك " صفة، أو حال منه، ويحتمل تعلقه به.

فلا تكن من الممترين: الخطاب إن كان للنبي، فلزيادة التهيج على الثبات، أو للتعريض وإن كان لكل سامع فعلى أصله. فمن حآجك: من النصارى. فيه: في عيسى.

من بعد ماجاء‌ك من العلم: أي البينات الموجبة للعلم. فقل تعالوا: هلموا بالعزم والرأى.

ندع أبنآء‌نا وأبنآء‌كم ونسآء‌نا ونسآء‌كم وأنفسنا وأنفسكم: أي يدع كل منا ومنكم نفسه وأعزه أهله إلى المباهلة، ويحملهم عليها. وإنما قدمهم على النفس، لان الرجل يخاطر بنفسه لهم، فهم أهم عنده.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: عن أبي عبدالله (عليه السلام): وأما قوله " فمن حاجك "، الآية، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فباهلوني، فإن كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم، وإن كنت كاذبا أنزلت علي، فقالوا: أنصفت، فتواعدوا للمباهة فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم: السيد والعاقب والاهتم، إن باهلنا بقومه باهلناه، فإنه ليس بنبي، وإن باهلنا بأهل بيته خاصة فلانباهله، فإنه لا يقدم أهل بيته إلا وهو صادق، فلما أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه أميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين)، فقال النصارى: من هؤلاء؟ فقيل لهم: إن هذا ابن عمه ووصية وختنه علي بن أبي

[109]

طالب، وهذه ابنته فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين (عليهما السلام) ففرقوا، وقالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): نعطيك الرضا، فاعفنا عن المباهلة، فصالحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الجزية، وانصرفوا(1).

فقد ظهر: من دعى النبي (صلى الله عليه وآله) من الابناء، هو الحسن والحسين، ومن النساء فاطمة، وبقي علي لا يدخل في شئ إلا في قوله " وأنفسنا " فهو نفس الرسول (صلى الله عليه وآله).

وقد صح في الخبر أنه (عليه السلام) وقد سأله سائل عن بعض أصحابه، فأجابه عن كل بصفته، فقال: فعلي؟ فقال (صلى الله عليه وآله): إنما سألتني عن النسا، ولم تسألني عن نفسي(2).

ثم نبتهل: بأن نلعن الكاذب منا.

ولبهلة بالضم والفتح اللعنة، وأصله الترك، من قولهم: بهلت الناقة إذ تركتها بلا صرار(3).

وفي كتاب معاني الاخبار: بإسناده إلى علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر قال: التبتل أن تقلب كفيك في الدعاء إذا دعوت، والابتهال أن تقدمهما وتبسطهما(4).

وفي اصول الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن مخلد أبي الشكر، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (عليه السلام)

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 104 في تفسيره لقوله تعالى " إن مثل عيسى عندالله " الآية وقد مر آنفا.

(2) مجمع البيان: ج 2 ص 453 في بيان معنى قوله تعالى: " فقل تعالوا ندع أبناء‌كم " الآية.

(3) ومنه الحديث (لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحل صرار ناقة بغير إذن صاحبها فإنه خاتم أهلها، من عادة العرب أن تصر ضروع الحلوبات إذا أرسلواها إلى المرعى سارحة، ويسمون ذلك الرباط صرارا، فإذا راحت عشيا حلت تلك الاصرة وحلبت (النهاية ج 3 لغة صرر).

(4) معاني الاخبار. ص 369، باب معنى الرغبة والرهبة والتبتل والابتهال والتضرع والبصبصة في الدعاء، قطعة من ح 2. (*)

[110]

قال: الساعة التي تباهل فيها ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس(1)(2).

فنجعل لعنت الله على الكذبين: عطف فيه بيان.

وفي كتاب الخصال: في احتجاج علي (عليه السلام) على أبي بكر قال: فانشدك بالله أبي رد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبأهلي وولدي في مباهلة المشركين من النصارى أم بك؟ وبأهلك وولدك؟ قال: بكم(3).

وفيه أيضا: في مناقب أميرالمؤمنين (عليه السلام) وتعدادها، قال (عليه السلام): والرابعة والثلاثون فإن النصارى ادعوا أمرا، فأنزل الله (عزوجل) فيه " فمن حاجك فيه من بعد ما جاء‌ك من العلم فقل تعالوا ندع أبناء‌نا وأبناء‌كم ونساء‌نا ونساء‌كم وأنفسنا وأنفسكم " فكانت نفسي نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والنساء فاطمة، والابناء الحسن والحسين، ثم ندم القوم، فسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الاعفاء، فعفى عنهم، وقال: والذي أنزل التوارة على موسى والفرقان على محمد، لو باهلونا لمسخهم قردة وخنازير(4).

وفي روضة الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن ابن ظريف، عن عبدالصمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي أبوجعفر (عليه السلام): ما يقولون لكم في الحسن والحسين (عليهما السلام) قال قال: ينكرون علينا إنهما إبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: فأي شئ احتججتم عليهم يا أبا الجارود قلت: احتججنا عليهم بقول الله (تعالى) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) " قل تعالوا ندع أبناء‌نا وأبناء‌كم ونساء‌نا

___________________________________

(1) قوله: الساعة التي تباهل فيها إلخ لانه وقت استجابة الدعاء وينبغي طلب هذا الوقت للمباهلة إن أمكن وإلا فيجوز في غيره (شرح اصول الكافي للمازندراني: ج 10 ص 267 كتاب العداء).

(2) الكافي: ج 2 ص 514 كتاب الدعاء، باب المباهلة، ح 2.

(3) الخصال: ص 550، أبواب الاربعين وما فوقه، احتجاج أميرالمؤمنين على أبي بكر بثلاث وأربعين خصلة، ح 30.

(4) الخصال: ص 576 أبواب السبعين وما فوقه، لاميرالمؤمنين (عليه السلام) سبعين منقبة لم يشركه فيها أحد من الائمة، ح 1. (*)

[111]

ونساء‌كم وانفسنا وانفسكم " والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(1).

بإسناده إلى أبي اسحاق، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: فالابتهال رفع اليدين وتمديدهما وذلك عندالدمعة(2).

وبإسناده إلى مروك بياع اللؤلؤ عمن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: وهكذا الابتهال ومد يديه تلقاء وجهه إلى القبلة، ولا تبتهل حتى تجري الدمعة(3).

عدة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابيه، عن فضالة، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام): والابتهال تبسط يدك وذراعيك، والابتهال حين ترى اسباب البكاء(4).

وبإسناده إلى أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: وأما الابتهال فرفع يديك تجاوز بهما رأسك(5).

وبإسناده إلى محمد بن مسلم وزرارة قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام): والابتهال ان تمد يديك جميعا(6).

وهذه الاحاديث طوال أخذت منه موضع الحاجة.

وفي تفسير العياشي: عن جرير(7)، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن أميرالمؤمنين (عليه السلام) سئل عن فضائله فذكر بعضها، ثم قالوا له: زدنا، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتاه حبران من أحبار اليهود من أهل نجران فتكلما في أمر عيسى فأنزل هذه الآية " ان مثل عيسى عندالله كمثل آدم خلقه " إلى آخر الآية، فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأخذ بيد علي والحسن والحسين وفاطمة، ثم خرج ورفع كفه إلى السماء وفرج بين أصابعه ودعاهم إلى

___________________________________

(1) الكافي: ج 8 ص 263 و 264 ح 501.

(2) الكافي: ج 2 ص 479 قطعة من ح 1.

(3) الكافي: ج 2 ص 480 قطعة من ح 3.

(4) الكافي: ج 2 ص 480 قطعة من ح 4.

(5) الكافي: ج 2 ص 480 قطعة من ح 5.

(6) الكافي: ج 2 ص 481 قطعة من ح 7.

(7) في المصدر: حريز. (*)

[112]

المباهلة قال: وقال أبوجعفر (عليه السلام): وكذلك المباهلة يشبك يده في يده ثم يرفعهما إلى السماء، فلما رآه الحبران قال احدهما لصاحبه: وان كان نبيا لنهلكن وان كان غير نبي كفانا قومه فكفانا وانصرفا(1).

عن أبي جعفر الاحول، قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام): ما تقول قريش في الخمس؟ قال: قلت: تزعم أنه لها، قال: ما أنصفونا والله ولو كان مباهلة ليباهلن بنا، ولئن كان مبارزة ليبارزن بنا ثم نكون وهم على سواء(2).

وفي مجمع البيان: وقال (عليه السلام): إن كل بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلا أولاد فاطمة فاني أنا أبوهم(3).

وفي عيون الاخبار في باب جمل من اخبار موسى بن جعفر (عليه السلام) مع هارون الرشيد لما قال له: كيف تكونون ذرية رسول الله وانتم اولاد ابنته؟ حديث طويل يقول فيه (عليه السلام) لهارون: أزيدك يا أميرالمؤمنين، قال: هات، قلت: قول الله تعالى: " فمن حاجك فيه من بعد ما جاء‌ك من العلم فقل تعالوا ندع ابناء‌نا وابناء‌كم ونساء‌نا ونساء‌كم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " ولم يدع احد إنه أدخل النبي (صلى الله عليه وآله) تحت الكساء عند المباهلة للنصارى إلا علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين فكان تأويل قوله عزوجل: " ابناء‌نا " الحسن والحسين و " نساء‌نا " فاطمة " وأنفسنا " علي بن أبي طالب على أن العلماء قد إجتمعوا على أن جبرائيل قال يوم احد: يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي قال: لانه مني وأنا منه(4).

وفيه في باب ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والامة حديث طويل، وفيه قالت العلماء: فأخبرنا هل فسر الله تعالى الاصطفاء في الكتاب؟ فقال الرضا (عليه السلام): فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا وموضعا فأول ذلك قوله عزوجل، إلى أن قال: وأما الثالثة حين

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 175 ح 54.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 176 ح 56.

(3) مجمع البيان: ج 7 - 8 ص 361.

(4) عيون الاخبار: ج 1 ص 69 قطعة من ح 9. (*)

[113]

ميز الله الطاهرين من خلقه فأمر نبيه (صلى الله عليه وآله) بالمباهلة بهم في آية المباهلة، فقال عزوجل: يا محمد فمن " حاجك فيه من بعد ماجاء‌ك من العلم فقل تعالوا ندع ابناء‌نا وابناء كم ونساء‌نا ونساء‌كم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " فأبرز النبي (صلى الله عليه وآله) عليا والحسن والحسين وفاطمة (صلوات الله عليهم) وقرن أنفسهم بنفسه هل تدرون ما معنى قوله: " وأنفسنا وأنفسكم " " قالت العلماء: عنى به نفسه، قال أبوالحسن (عليه السلام): غلطتم إنما عني به علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومما يدل على ذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله): لينتهين بنو وليعة أو لا بعثن اليهم رجلا كنفسي، يعني علي ابن أبي طالب (عليه السلام) [ وعنى بالابناء الحسن والحسين عليهما السلام ](1) وعنى بالنساء فاطمة (عليها السلام) فهذه خصوصية لا يتقدمهم فيها أحد وفضل لا يلحقهم فيه بشر وشرف لا يستبقهم إليه خلق إذ جعل نفس علي كنفسه(2).

وفيه عن النبي (صلى الله عليه وآله) حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): يا علي من قتلك فقد قتلني ومن ابغضك فقد ابغضني ومن سبك فقد سبني لانك مني كنفسي، وروحك من روحي، وطينتك من طينتي(3).

وفي كتاب علل الشرائع: عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): حديث طويل ذكرته بتمامه في سورة يونس عند قوله تعالى " فان كنت في شك " الآية ففيه: أن المخاطب بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يكن في شك مما أنزل الله (عزوجل) ولكن قالت الجهلة: كيف لا يبعث إلينا نبيا من الملائكة إنه لم يفرق بينه وبين غيره في الاستغناء عن المأكل والمشرب والمشي في الاسواق، فأوحى الله (عزوجل) إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) " فاسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك " بمحضرمن الجهلة هل بعث الله (عزوجل) رسولا قبلك إلا وهو يأكل الطعام ويمشي في الاسواق ولك بهم اسوة وإنما قال: " وان كنت في شك " ولم يقل

___________________________________

(1) ما بين المعقوفتين ليس في النسخة - أ - واثبتناه من المصدر لاكمال المعنى.

(2) عيون الاخبار: ج 1 ص 181 قطعة من ح 1.

(3) عيون الاخبار: ج 1 ص 231 قطعة من ح 53. (*)

[114]

[ إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم(62) فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين(63) ]

ولكن ليتبعهم كما قال له (عليه السلام) " فقل تعالوا ندع أبناء‌نا وأبناء‌كم ونساء‌نا ونساء‌كم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " ولو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيبون للمباهلة وقد عرف أن النبي (صلى الله عليه وآله) مؤدي عنه رسالته وما هو من الكاذبين وكذلك عرف النبي (صلى الله عليه وآله) أنه صادق فيما يقول ولكن أحب أن ينصف من نفسه(1).

وفي تفسير العياشي: عن محمد بن سعيد الاردني، عن موسى بن محمد بن الرضا، عن أخيه(2) أبا الحسن الرضا (عليه السلام) في هذه الآية: " قل تعالوا ندع ابناء‌نا وابناء‌كم ونساء‌كم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله " عليكم لم يكونوا يجيبون للمباهلة وقد علم أن نبيه مؤدي عنه رسالاته وما هو من الكاذبين(3).

وفيه عن المنذر، قال: حدثنا علي (عليه السلام) قال: لما نزلت هذه الآية " قل تعالوا ندع ابناء‌نا وابناء‌كم وأنفسنا وأنفسكم " الآية قال: أخذ بيد علي وفاطمة وابنيهما (عليهما السلام) فقال رجل من اليهود: لا تفعلوا فيصيبكم عنت الوجوه فلم يدعوه(4).

وفي شرح الآيات الباهرة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) صالحهم على ألفي حلة وثلاثين درعا وثلاثين فرسا، وكتب بذلك كتابا ورجعوا إلى بلادهم(5). إن هذا: أي ما قص من نبأ عيسى ومريم.

___________________________________

(1) علل الشرائع: ص 129 باب 107 ح 1.

(2) في هامش النسخة - أ -: (إنه سمع جده ظ).

(3) و(4) تفسير العياشي: ج 1 ص 176 و 177 ح 55 و 58.

(5) لم نعثر عليه في شرح الآيات الباهرة بل وجدناه في تأويل الآيات الطاهرة: ص 117. (*)

[115]

[ قل يأهل الكتب تعالو إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله والا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون(64) ]

لهو القصص الحق: بجملتها خبر " إن " أو هو فصل يفيد أن ماذكره في شأن عيسى ومريم حق، دون ما ذكروه وما بعده خبر، واللا دخلت فيه، لانه أقرب إلى المبتدأ من الخبر، وأصلها أن يدخل على المبتدأ وههنا دخول " إن " عليه مانع، فأخر.

وما من إله إلا الله: زيادة " من " لزيادة الاستغراق، لتأكيد الرد على النصارى في تثليثهم.

وإن الله لهو العزيز: لا يساويه أحد في القدرة التامة.

الحكيم: ولا في الحكمة البالغة، ليشاركه في الالهية. فإن تولوا: عن التوحيد.

فإن الله عليم بالمفسدين: إيراد المظهر، ليدل على أن التولي إفساد للدين والاعتقاد.

قل يأهل الكتب: قيل: يعم أهل الكتابين، وقيل: يريد به وفد نجران، أو يهود المدينة.

تعالوا إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم: لا يختلف فيها الرسل والكتب، وهي: ألا نعبد إلا الله: أي نوحده بالعبادة.

ولا نشرك به شيئا: لا نجعل له غيره شريكا في استحقاق العبادة.

ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله: ولا نقول عزيز ابن الله، ولا المسيح

[116]

[ يأهل الكتب لم تحآجون في إبرهيم وما أنزلت التورة والانجيل إلا من بعده أفلا تعقلون(65) ]

ابن الله، ولا نطيع الاحبار في ما أحدثوا من التحريم والتحليل، لان كلا منهم بعضنا بشر مثلنا.

وفي مجمع البيان: وقد روي لما نزلت هذه الآية قال عدي بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله، فقال (عليه السلام): اما كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم؟ فقالوا: نعم، فقال النبي (عليه السلام) هو ذاك(1).

فإن تولوا: عن التوحيد.

فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون: أي لزمتكم الحجد فوجب عليكم أن تعرفوا تسلموا بأنا مسلمون دونكم، كما يقول الغالب للمغلوب في جدل وصراع أو غيرهما: أعترف بأني أنا الغالب، وسلم لي الغلبة.

ويجوز أن يكون من باب التعريض، ومعناه اشهدوا واعترفوا بأنكم كافرون، حيث توليتم عن الحق بعد ظهوره.

يأهل الكتب لم تحآجون في إبرهيم: ويدعي كل فريق أن إبراهيم كان على دينهم، اليهود يدعون يهوديته، والنصارى نصرانيته. وما أنزلت التورة: التي ثبت بها اليهودية.

والانجيل: التي ثبت به النصرانية. إلا من بعده: أي بعد إبراهيم.

انزلت التوراة بعده بألف سنة، والانجيل بألفي سنة، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلا بعده بأزمنة متطاولة. أفلا تعقلون: حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال.

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 2 ص 455 في بيان معنى قوله تعالى: " قل يا أهل الكتاب تعالوا. " الآية. (*)

[117]

[ هأنتم هؤلآء حججتم ففيما لكم به علم فلم تحآجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون(66) ]

هكذا قاله المفسرون، وفيما قالوه إشكال من وجهين: الاول: أنه يمكن أن يقال من قبل اليهود والنصاري: إن كون إبراهيم منهم لا يتوقف على نزول التوراة والانجيل في زمانه، لامكان إيحاء اليهودية أو النصرانية إليه، ثم أنزل التوراة والانجيل على طبق ما اوحي إليه سابقا.

الثاني: أنه قد تواتر أن إبراهيم (عليه السلام) كان مسلما، وقد دلت عليه الآية وشيعة، مع أن الاسلام والتشيع إنما ثبت بالقرآن الذي بعده، فما هو جوابكم فهو جوابهم.

والاظهر أن مضمون الآية، والله أعلم، أن كلا من اليهود والنصارى يدعي أن إبراهيم كان علي الدين الذي هم عليه الآن من اليهودية التي حدثت بعد التوراة، والنصرانية التي حدثت بعد الانجيل بالتحريف والتبديل، فقال الله تعالى: " لم تحاجون في إبراهيم " وتدعون أنه كان على ما أنتم عليه الآن، وهو حدث بتحريفكم بعد إنزال التوراة والانجيل بعد إبراهيم، بمدد متطاولة وما كان أصل من الله حتى يحتمل أن يوحيه إلى إبراهيم ويكون هو عليه قبل إنزال التوراة والانجيل، " أفلا تعقلون ".

وحينئذ لا يرد عليه شئ من الاشكالين، والله أعلم يحقيقة الحال.

هأنتم هؤلآء حججتم فيما لكن به علم فلم تحآجون فيما ليس لكم به علم: " ها " حرف تبيه، نبهوا بها على حالهم التي غفلوا عنها.

و " أنتم " مبتدأ، و " هؤلاء " خبره، و " حاججتم " جملة اخرى مبينة للاولى، أي أنتم هؤلاء الحمقي، وبيان حماقتكم، إنكم جادلتم فيما لكم به علم مما وجدتموه في التوراة والانجيل من نعت النبي (صلى الله عليه وآله) عنادا، فلم تجادلون فيما لا علم

[118]

ما كان إبرهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين(67) ] لكم به ولا ذكر له في كتابكم، من أن إبراهيم كان على اليهودية أو النصرانية التي نحن عليها؟.

وقيل: " هؤلاء " بمعنى الذين و " حاججتم " صلته.

وقيل: " ها أنتم " أصله، أأنتم، على الاستفهام، للتعجيب من حماقتهم، فقلبت الهمزة هاء.

وقرأ نافع وأبوعمرو " ها أنتم " حيث وقع، بالمد من غير همزة، وورش(1) أقل مدا، وقيل: بالهمزة من غير ألف بعد الهاء، والباقون بالمد والهمزة، والبزي(2) يقصر المد على أصله(3).

والله يعلم: ما حاججتم فيه، أوله العلم.

وأنتم لا تعلمون: أي لا تعلمونه، أو لستم ممن له العلم.

ما كان إبرهيم يهوديا ولا نصرانيا: بعد ما قرر أن إبراهيم لم يكن على اليهودية والنصرانية التي هم عليه الآن. نفي عنه اليهودية والنصرانية مطلقا، ولما كان يوهم ذلك كونه على غير الحق،

___________________________________

(1) ورش: هو عثمان بن سعيد المصري، ويكنى أبوسعيد، وورش لقب له، لقب به فيما يقال لشدة بياضه، وتوفي بمصر سنة سبع وتسعين ومائة.

وورش مأخوذ من الورش، والورش شئ أبيض يصنع من اللبن، وقيل: هو مأخوذ من ورشت الطعام ورشا، إذا تناولت منه يسيرا " تحبير التيسير في قراء‌ات الائمة العشرة: ص 14 ".

(2) البزي: هو أحمد بن محمد بن عبدالله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة المؤذن المكي، توفي بمكة سنة أربعين ومائتين (المصدر والصفحة).

(3) لا حظ آرائهم في ذلك، في تحبير التيسير في قراء‌ات الائمة العشرة: ص 99. (*)

[119]

لان أصل اليهودية والنصرانية لم يكن غير حق، نفي ذلك الوهم بقوله: ولكن كان حنيفا: مائلا عن العقائد الزائفة.

وما كان من المشركين: تعريض بأنهم مشركون، لاشراكهم به عزيرا والمسيح ورد لا دعاء المشركين أنهم على ملة إبراهيم.

وفي روضة الكافي: علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن علي بن حماد، عن عمر بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا شرقية ولا غربية، يقول: لستم بيهود فتصلوا قبل المغرب والانصارى فتصلوا قبل المشرق وأنتم على ملة إبراهيم (عليه السلام) وقد قال الله (عزوجل): " ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين "(1).

في اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبدالله بن مسكان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله (عزوجل) " حنيفا مسلما "(2) قال: خالصا مخلصا ليس فيه شئ من عبادة الاوثان(3).

مسلما: منقادا لله فيما شرع له، لان اليهودية صارت شرعا في أيام موسى، والنصرانية في بعثة عيسى، ولم يكونا مشروعين قبل ذلك، والمشروع حينئذ هو الاسلام.

وفي تفسير العياشي: عن عبيدالله الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أميرالمؤمنين (عليه السلام): ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا، لا يهوديا يصلي

___________________________________

(1) الكافي: ج 8 ص 381 قطعة من ح 574.

(2) قوله: حنيفا مسلما، الحنيف المسلم المنقاد، وهو المائل إلى الدين الحق، وهو الدين الخالص، ولذلك فسره (عليه السلام) بقوله: " خالصا لله مخلصا " عبادته عن ملاحظة غيره مطلقا، ثم وصفه على سبيل التأكيد بقوله (ليس فيه شئ من عبادة الاوثان) أي الاوثان المعروفة، أو الاعم منها، فيشمل عبادة الشياطين في إغوائها، وعبادة النفس في أهوائها، وقد نهي جل شأنه عن عبادتها فقال: " ألم أعهد إليكم يابني آدم ألا تعبدوا الشيطان " وقال: " أفرأيت من اتخذ إلهة هواه " شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 8 ص 46 كتاب الايمان والكفر، باب الاخلاص.

(3) الكافي: ج 2 ص 15، كتاب الايمان والكفر، باب الاخلاص ح 1. (*)

[120]




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21338103

  • التاريخ : 29/03/2024 - 08:55

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net