92 - سورة الليل
مكية في قول ابن عباس والضحاك وهي إحدى عشرون آية بلا خلاف.
بسم الله الرحمن الرحيم
(والليل إذا يغشى(1) والنهار إذا تجلى(2) وما خلق الذكر والانثى(3) إن سعيكم لشتى(4) فأما من أعطى واتقى(5) وصدق بالحسنى(6) فسنيسره لليسرى(7) وأما من بخل واستغنى(8) وكذب بالحسنى(9) فسنيسره للعسرى(10) وما يغني عنه ماله إذا تردى(11) إن علينا للهدى(12) وإن لنا للآخرة والاولى(13))
ثلاث عشرة آية.
هذا قسم من الله تعالى بالليل إذا غشية الظلام، فاظلم وادلهم وغشى الانام لما في ذلك من الهول المحرك للنفس بالاستعظام. ثم اقسم بالنهار إذا تجلى، ومعناه إذا أنار وظهر للابصار لمافى ذلك من الاعتبار.
وقيل التقدير والليل إذا يغشى النهار، فيذهب بضوئه (والنهار إذا تجل) أي جلى الليل، فأذهب ظلمته، ذكره الحسن. والغشي إلباس الشئ ما يغمر ويستر جملته، وإنما كرر ذكرهما في السورتين لعظم شأنهما، وجلالة موقعهما في باب الدلالة على توحيد الله - ذكره قتادة -.
[363]
وقوله (وما خلق الذكر والانثى) للتناسل بينهما. ويحتمل أن يكون المراد ومن خلق الذكر والانثى، وفى قراءة عبدالله (والذي خلق الذكر والانثى) لان (ما) بمعني الذي، وهو الله، فيكون القسم بالله. وعلى الاول يكون القسم بخلق الله. وقيل: المراد بالذكر والانثى آدم وحواء عليهما السلام.
وقوله (إن سعيكم لشتى) جواب للقسم، ومعناه إن سعيكم لمختلف، فسعي المؤمن خلاف سعي الكافر. ومعنى (شتى) أي متفرق على تباعد ما بين الشيئين جدا، ومنه شتان أي بعد ما بينهما جدا كبعد ما بين الثرى والثريا. ويقال: تشتت أمر القوم وشتتهم ريب الزمان.
وقوله (فاما من اعطى واتقى) معناه من أعطى حق الله واتقى محارم الله - ذكره قتادة - (وصدق بالحسنى) قال ابن عباس وعكرمة: وصدق بالخلف.
وقال الضحاك: صدق بتوحيد الله، وقال مجاهد والحسن: يعني صدق بالجنة.
وقال قتادة: بوعد الله، والحسنى النعمة العظمى بحسن موقعها عند صاحبها، وهذه صفة الجنة التي أعدها الله تعالى للمتقين وحرمها من كذب بها.
وقوله (فسنيسره لليسرى) معناه يسهل عليه الامر، فالتيسير تصيير الامر سهلا. ومثله التسهيل والتخفيف، ونقيض التيسير والتعسير وهو تصير الامر صعبا. واليسير نقيض العسير، يقال: أيسر إذا كثر ماله ويوسر ايسارا. وتقديره فسنيسره للحال اليسرى، فلذلك أنث فحال اليسير اليسرى، وحال العسير العسرى والتيسير لليسرى يكون بأن يصيرهم إلى الجنة، والتيسير للعسرى بأن يصبرهم إلى النار. ويجوز أن يكون ا لمراد بالتمكين من سلوك طريق الجنة، والتمكين من سلوك طريق النار. ومعناه إنا لسنا نمنع المكلفين من سلوك أحد الطريقين ولا نضطرهم
[364]
اليه، وإنما نمكنهم بالاقرار عليهما ورفع المنع، والترغيب في احداهما، والتزهيد في الاخرى. فان احسن الاختيار اختار ما يؤديه إلى الجنة. وإن أساء فاختار ما يؤد به إلى النار فمن قبل نفسه أتى.
وقوله (وأما من بخل واستغنى) يعني به من منع حق الله الذي أوجب عليه من الزكاة والحقوق الواجبة في ماله، واستغنى بذلك وكثر ماله، فسنيسره للعسرى يعني طريق النار. وقد بينا كيفية تيسير الله لذلك من التمكين أو التصيير فلا حاجة لا عادته. والعسرى البلية العظمى بما تؤدي اليه، ونقيضها اليسرى، وهو مأخوذ من العسر واليسر، فحال العسر العسرى وحال اليسر اليسرى، ومذكره الايسر، والامر الاعسر.
وقال الفراء: المعنى فسنيسره للعود إلى الصالح من الاعمال ونيسره من الاعمال للعسرى على مزاوجة الكلام.
والاولى أن تكون الايتان على عمومهما في كل من يعطي حق الله، وكل من يمنع حقه، لانه ليس - ههنا - دليل قاطع على أن المختص بها إنسان بعينه، وقد روي أنها نزلت في أبي الدحداح الانصاري، وسمرة بن حبيب، ورووا في ذلك قصة معروفة.
وروي في غيره وقوله (وما يغنى عنه ماله إذا تردى) معناه أي شئ يغني عن هذا الذي بخل بماله، ولم يخرج حق الله منه (إذا تردى) يعني في نار جهنم - في قول قتادة وابي صالح - وهو المروي عن ابي جعفر عليه السلام.
وقال مجاهد: معناه إذا مات.
وقال قوم: معناه (إذا تردى) في القبر أي شئ يغنيه. وقيل (إذا تردى) في النار فما الذي يغنيه.
وقوله (إن علينا للهدى قال قتادة: معناه إن علينا لبيان الطاعة من المعصية وقيل في قوله (إن علينا للهدى) دلالة على وجوب هدى المكلفين إلى الدين، وإنه لا يجوز إضلالهم منه.
[365]
وقوله (وإن لنا للاخرة) معناه الاخبار من الله بأن له دار الاخرة والجزاء فيها على الاعمال، والامر والنهي ليس لاحد سواه، لان دار الدنيا قد ملك فيها أقواما التصرف، وقوله (والاولى) معناه وإن لنا الاولى ايضا يعني دار الدنيا فانه الذي خلق الخلق فيها، وهو الذي مكنهم من التصرف فيها وهو الذى ملكهم ما ملكهم، فهي ايضا ماله على كل حال.
قوله تعالى: (فأنذرتكم نارا تلظى(14) لا يصليها إلا الاشقى(15) الذي كذب وتولى(16) وسيجنبها الاتقى(17) الذي يؤتي ماله يتزكى(18) وما لأحد عنده من نعمة تجزى(19) إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى(20) ولسوف يرضى(21))
ثمان آيات.
قوله (فانذرتكم نارا تلظى) وعيد من الله تعالى للمكلفين. تقول خوفتكم المعاصي التي تؤديكم إلى نار تلظى. وقرأ ابن كثير (نارا تلظى) بتشديد التاء ادغم احدى التاءين في الاخرى، لان الاصل تتلظى. وقيل: انه ادغم نون التنوين في التاء. الباقون بالتخفيف فحذفوا احدى التاءين. والتلظي تلهب النار بشدة الايقاد تلظت النار تتلظى تلظيا ولظى اسم من اسماء جهنم.
وقوله (لا يصلاها إلا الاشقى الذى كذب) وقصر عما أمرته كما تقول: لقي فلان العدو فكذب: إذا نكل ورجع - ذكره الفراء - فكأنه كذب في الطاعة أى لم يتحقق.
[366]
وقال المفسرون فيها قولان: احدهما - الانذار بنار هذه صفتها، وهي درك مخصوص من أدراك جهنم فهي تختص هذا المتوعد الذى كذب بآيات الله وجحد توحيده (وتولى) عنها بأن لم ينظر فيها أو رجع عنها بعد أن كان نظر فيها فصار مرتدا. والثاني محذوف لما صحبه من دليل الاي الاخر، كأنه قال ومن جرى مجراه ممن عصى فعلى هذا لا متعلق للخوارج في أن مرتكب الكبيرة كافر.
وقوله (وسيجنبها الاتقى) معناه سيبعد من هذه النار من كان اتقى الله باجتناب معاصيه (الذي يؤتي ماله) أي يعطي ماله (يتزكى) يطلب بذلك طهارة نفسه، فالتجنب تصيير الشئ في جانب عن غيره، فالاتقى يصير في جانب الجنة عن جانب النار يقال: جنبه الشر تجنيبا وتجنب تجنبا وجانبه مجانبة، ورجل جنب، وقد اجنب إذا أصابه ما يجانب به الصلاة حتى يغتسل.
وقوله (وما لاحد عنده من نعمة تجزى) معناه ليس ذلك ليد سلفت تكافي عليها ولا ليد يتخذها عند أحد من العباد، وقوله (إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى) معناه بل إنما فعل ذلك طلب رضوان الله، وذكر الوجه طلبا لشرف الذكر. والمعنى إلا ابتغاء ثواب الله وطلب رضوانه.
وقوله (ولسوف يرضى) معناه إن هذا العبد الذي فعل ما فعله لوجه الله سوف يرضى بما يعطيه الله على ذلك من الثواب وجزيل النعيم يوم القيامة.
[367]
|