91 - سورة الشمس
مكية في قول ابن عباس والضحاك وهي خمس عشرة آية في الكوفي والبصري وست عشرة في المدنيين
بسم الله الرحمن الرحيم
(والشمس وضحيها(1) والقمر إذا تليها(2) والنهار إذا جليها(3) والليل إذا يغشيها(4) والسماء وما بنيها(5) والارض وما طحيها(6) ونفس وما سويها(7) فألهمها فجورها وتقويها(8) قد أفلح من زكيها(9) وقد خاب من دسيها(10))
عشر آيات.
قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم (وضحاها) بفتح أواخر هذه السورة.
وقرأ الكسائي بامالة ذلك كله.
وقرأ ابوعمرو ونافع جميع ذلك بين الكسر والفتح.
وقرأ حمزة (وضحها) كسرا وفتح (تلاها) و (طحاها) فمن فتح، فلانه الاصل، والامالة تخفيف. وبين بين تخفيف يشعر بالاصل.
فأما حمزة فأمال بنات الياء. وفخم بنات الواو.
هذا قسم من الله تعالى بالشمس وضحاها، وقد بينا أن له تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه تنبيها على عظم شأنه وكثرة الانتفاع به، فلما كانت الشمس قد عظم الانتفاع بها وقوام العالم من الحيوان والنبات بطلوعها وغروبها، جاز القسم
[357]
بها، ولما فيها من العبرة بنشئ الضوء حتى تقوى تلك القوة العظيمة باذن الله.
وقوله (وضحا) يعني ضحاها الشمس، وهو صدر وقت طلوعها، وضحى النهار صدر وقت كونه، قال الشاعر:
أعجلها اقدحي الضحاء ضحى * وهي تناصي ذوائب السلم(1)
وأضحى يفعل كذا إذا فعله في وقت الضحى، ويقال: ضحى بكبش أو غيره إذا ذبحه في وقت الضحى من ايام الاضحى. ثم كثر حتي قيل لو ذبحه آخر النهار.
وقوله (والقمر إذا تلاها) قسم آخر بالقمر وتلوه الشمس ووجه الدلالة من جهة تلو القمر للشمس من جهة المعاقبة على أمور مرتبة في النقصان. والزيادة، لانه لا يزال ضوء الشمس ينقص إذا غاب جرمها، ويقوى ضوء القمر حتى يتكامل كذلك دائبين، تسخيرا من الله للعباد بما ليس في وسعهم أن يجروه على شئ من ذلك المنهاج.
وقال ابن زيد: القمر إذا اتبع الشمس في النصف الاول من الشهر إذا غربت الشمس تلاها القمر بالطلوع، وفى آخر الشهر يتلوها في الغروب وقال الحسن (والشمس وضحاها) أي يضئ نورها (والقمر إذا تلاها) يعني ليلة الهلال. وقيل: تلاها في الضوء.
وقوله (والنهار إذا جلاها) قسم آخر بالنهار إذا جلاها يعني الشمس بضوءها المبين بجرمها. وقيل معناه إذا جلا الظلمة، فالهاء كناية عن الظلمة، ولم يتقدم لها ذكر لانه معروف غير ملتبس (والليل إذا يغشاها) قسم آخر بالليل إذا يغشاها يعني الشمس بظلمته عند سقوط الشمس.
وقوله (والسماء وما بناها) قال قتادة: معناه والسماء وبنائها جعل (ما) مع ما بعدها بمنزلة المصدر. وقال مجاهد والحسن: معنى والسماء وما بناها والسماء من بنى السماء وهو الله تعالى.
___________________________________
(1) قائله النابغة الجعدي اللسان (ضحا)
[358]
وقوله (والارض وما طحاها) قسم آخر بالارض ما طحاها، ويحتمل ذلك وجهين: احدهما - ان يكون المعنى والارض وطحوها. والثاني - والارض ومن طحاها، وهو الله تعالى ومعنى طحاها بسطها حتى مكن التصرف عليها.
وقال مجاهد والحسن: طحاها ودحاها واحد، بمعنى بسطها يقال طحى يطحو طحوا ودحا يدحو دحوا وطحا بك عمك. ومعناه انبسط بك إلى مذهب بعيد، فهو يطحو بك طحوا قال علقمة: طحا بك قلب في الحسان طروب.
ويقال: القوم يطحي بعضهم بعضا عن الشئ أي يدفع دفعا شديد الانبساط والطواحي النسور تنبسط حول القتلي، وأصل الطحو البسط الواسع.
وقوله (ونفس وما سواها قسم آخر بالنفس وما سواها، وهو محتمل ايضا لامرين: احدهما - ونفس وتسويتها، والثاني - ونفس ومن سواها، وهو الله تعالى.
وقال الحسن يعني بالنفس آدم ومن سواها الله تعالى.
وقيل: ان (ما) في هذه الايات بمعنى (من) كما قال (فانكحوا ما طاب لكم)(1) وإنما أراد (من) وقال ابوعمرو بن العلا: هي بمعنى الذي، وأهل مكة يقولون إذا سمعوا صوت الرعد: سبحان ما سبحت له بمعنى سبحان من سبحت له.
وقوله (فألهمها فجورها وتقواها، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وسفيان: معناه عرفها طريق الفجور والتقوى ورغبها في التقوى وزهدها في الفجور.
وقال قوم: خذلها حتى اختارت الفجور وألهمها تقواها بأن وفقها لها.
وقوله (قد أفلح من زكاها) جواب القسم واللام مقدرة، وتقديره لقد أفلح من زكاها أي
___________________________________
(1) سورة 4 النساء آية 3
[359]
من زكى نفسه بالصدقة، وقد خاب من دساها وأخفى عن التصديق، والمعنى قد أفلح من زكى نفسه بالعمل الصالح أو اجتناب المعصية - وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة - وقال قوم: معناه قد أفلح من زكى الله نفسه، وقد خاب من دساها نفسه وقوله (وقد خاب من دساها) معناه قد خاب أي خسر من دس نفسه في معاصي الله منهمكا في القبائح التي نهاه الله عنها.
وقيل: معناه دساها بالبخل، لان البخيل يخفي نفسه ومنزلة لئلا يطلب نائله، ودسا نفسه نقيض زكاها بالعمل الصالح، وكذلك دساها بالعمل الفاسد حتى صيرها في محاق وخسران.
ويقال دسا فلان يدسو دسوا ودسوة فهو داس نقيض زكا يزكو زكا فهو زاك.
وقيل معنى دساها أي دسها، بمعنى حملها ووضع منها بمعصية.
وأبدل من أحدى السينين ياء، كما قالوا تظنيت بمعنى تظننت قال الشاعر: تقضي البازي إذا الباري كسر(1) بمعنى تقضض.
قوله تعالى: (كذبت ثمود بطغويها(11) إذ انبعث أشقيها(12) فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقييها(13) فكذبوه فعقروها(14) فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسويها(15) ولا يخاف عقبيها(16))
ست آيات
قرأ اهل المدينة وابن عامر (فلا يخاف) بالفاء وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام. الباقون بالواو، وكذلك في مصاحفهم.
___________________________________
(1) مر في 1 / 286 و 7 / 358 و 8 / 146
[360]
يقول الله تعالى مخبرا عن ثمود وهم قوم صالح (كذبت ثمود بطغواها) قال ابن عباس: يعني بعذابها أي بعذاب الطاغية فأتاها ما كذبت به.
وقال مجاهد: بمعصيتها - وهو قول ابن زيد - وهو وجه التأويل، والطغوى والطغيان مجاوزة الحد في الفساد وبلوغ غايته، تقول: طغى يطغي إذا جاوز الحد، ومنه قوله (لما طغى الماء)(1) أي لما تجاوز المقدار على ما جرت به العادة وكثر.
وقوله (إذا انبعث أشقاها) أى كان تكذيبها حين انبعث أشقى ثمود، وقيل اسمه قدار بن سالف.
وقال قوم: عقر الناقة الناقة هو تكذيبهم.
وقيل: لان، بل هو غيره.
وقيل: كانوا أقروا بأن لها شربا ولهم شرب غير مصدقين بأنه حق.
والشفاء شدة الحال في مقاساة الالام، فالاشقا هو الاعظم شقاء، ونقيض الشقاء السعادة، ونقيض السعود النحوس يقال: شقي يشقى شقاء، فهو شقي نقيض سعيد، واشقاه الله اشقاء.
وقوله (فقال لهم رسول الله) يعني صالحا، فانه قال لهم: ناقة الله وتقديره فاحذروا، ناقة الله، فهو نصب على الاغراء كما تقول: الاسد الاسد، أي احذره (وسقياها) فالسقاء الحظ من الماء. وهو النصيب منه، كما قال تعالى (لها شرب ولكم شرب يوم معلوم)(2) والسقي التعريض للشرب.
وقوله (فكذبوه) أي كذب قوم صالح صالحا ولم يلتفتوا إلى قوله (فعقروها) يعني الناقة. فالعقر قطع اللحم بما يسيل الدم عقره يعقره عقرا فهو عاقر، ومنه عقر الحوض وهو أصله، والعقر نقض الشئ عن أصل بنية الحيوان، وعاقر الناقة أحمر ثمود، وهم يروه وكلهم رضوا بفعله. فعمهم البلاء بأن عاقبهم الله تعالى لرضاهم بفعله.
وقوله (فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها) معناه أهلكهم الله تعالى عقوبة على ذنوبهم من تكذيب صالح وعقر الناقة.
___________________________________
(1) سورة 69 الحاقة آية 11.
(2) سورة 26 الشعراء آية 155
[361]
وقيل: معنى دمدم عليهم دمر عليهم.
وقيل: معناه أطبق عليهم بالعذاب يقال دمدمت على الشئ إذا ضيقت عليه، وناقة مدمدمة قد ألبسها الشحم، فاذا كررت الاطباق قلت دمدمت.
وقيل (دمدم عليهم) أي غضب عليهم، فالدمدمة ترديد الحال المتكرهة، وهي مضاعفة ما فيه المشقة، فضاعف الله تعالى على ثمود العذاب بما ارتكبوا من الطغيان.
وقوله (فسواها) أي جعل بعضها على مقدار بعض في الاندكاك واللصوق بالارض، فالتسوية تصيير الشئ على مقدار غيره.
وقوله (ولا يخاف عقابها) قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد: معناه لا يخاف الله تعالى تبعة الدمدمة.
وقال الضحاك: معناه لم يخف الذي عقرها عقباها والعقبي والعاقبة واحد، وهو ما أدى اليه الحال الاولى، قال ابوعلي: من قرأ بالفاء فللعطف على قوله (فكذبوه فعقروها) فلا يخاف كأنه تبع تكذيبهم عقرهم أي لم يخافوا.
ومن قرأ (ولا) بالواو جعل الجملة في موضع الحال، وتقديره فسواها غير خائف عقباها أي غير خائف أن يتعقب عليه في شئ مما فعله.
[362]
|