32 - سورة السجدة
مكية في قول قتادة ومجاهد وغيرهما.
وقال الكلبي ومقاتل: ثلاث آيات منها مدنية قوله " أفمن كان مؤمنا " إلى تمام ثلاث آيات.
وهي ثلاثون آية كوفي وحجازى وشامي. وتسع وعشرون آية بصري.
بسم الله الرحمن الرحيم
(الم(1) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين(2) أم يقولون افتريه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتيهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون(3) ألله الذي خلق السموات والارض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون(4) يدبر الامر من السماء إلى الارض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون(5))
[292]
خمس آيات كوفي وأربع فيما عداه عدوا " ألم " آية ولم يعدها الباقون.
روي عن النبي صلى الله عليه واله أنه كان يقرأ في كل ليلة سورة السجدة " الم تنزيل " و " تبارك الذي بيده الملك ".
و " تنزيل " رفع على انه خبر ابتداء محذوف، وتقديره " الم " هو تنزيل. ويجوز أن يكون (تنزيل) رفعا بالابتداء، وخبره " لا ريب فيه " ذكره الزجاج. وقد تكرر القول بأن أوائل امثال هذه السور أقوى الاقوال فيها انها أسماء للسورة، ورجحناه على غيره من الاقوال. والتلفظ بحروف الهجاء ينبغي ان يكون على الوقف، لانها مبنية على السكون من حيث كانت حكاية للاصوات.
وقوله " تنزيل الكتاب " أي هذه الآيات هي تنزيل الكتاب الذي وعدتم به " لا ريب فيه " أي لا شك فيه أنه وحي من الله. والمعنى أنه لا ريب فيه عند المهتدين، وإن كان ارتاب به حلق من المبطلين. وهو مثل قول القائل: لا ريب في هذا انه ذهب أي عند من رآه واعتبره. وقيل: معنى " لا ريب فيه " خبر والمراد به النهي، والمعنى لا ترتابوا به، والريب الشك. وقيل: هو اقبح الشك.
ووجوه الحكم في الكتاب البيان عن كل ما تدعو الحكمة إلى تميز الحق فيه من الباطل بالبرهان عليه مما يحتاج اليه في الدين الذي يرضى به رب العالمين، وهو على وجهين: حجة، وموعظة، واعتماد الحجة على تبين ما يؤدي إلى العلم بصحة الامر، واعتماد الموعظة على الترغيب والترهيب، وفي الموعظة من جهة التحذير بما تضمنه أي يقرب ما في السورة المسمى به من الحكم، وفيه حجة على العبد من جهة انه قد دل به على ما يجب أنه يعتقد تعظيمه وبعمل به.
وقوله " من رب العالمين " أي هو تنزيل من عند الله الذي خلق الخلائق.
وقوله " ام يقولون افتراه " فهذه (أم) منقطعة، ومعناها (بل) وتقديره:
[293]
بل يقولون افتراه، ففيها معنى (بل) والالف إذا كانت معادلة فمعناها (او) مع الاستفهام، و (افتراه) معناه افتعله، بل قال تعالى ليس الامر على ما قالوه " بل هو الحق " من عند الله والحق هو كل شئ كان معتقده على ما هو به مما يدعو العقل اليه واستحقاق المدح عليه. وتعظيمه الكتاب حق، لان من اعتقد أنه من عند الله كان معتقده على ما هو به. والباطل نقيض الحق، وهو ما كان معتقده لا على ما هو به.
وقوله " بل هو الحق من ربك " فيه دلالة على بطلان مذهب المجبرة لان الله تعالى أنزله ليهتدي به الخلق لا ليضلوا به عن الدين، والمجبرة تزعم انه أراد ضلال الكفار عن الدين فيجب كونه منزلا ليضل الكفار عن الدين.
وقوله " لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك " لا ينافي قوله " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير "(1) لان الحسن، قال: المعنى وإن من امة أهلكت بالعذاب إلا من بعد أن جاءهم نذير ينذرهم بما حل بهم. وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه واله يقول الله تعالى له " لتنذر " أي لتخوف يا محمد " قوما " لم يأتهم مخوف قبلك، يعني أهل الفترة من العرب، فكانوا كأنهم في غفلة عما لزمهم من حق نعم الله وما خلقهم له من العبادة. وقد كان اسماعيل عليه السلام نذيرا لمن أرسل اليه.
ثم قال " الله الذي خلق السموات والارض " أي اخترعهما وانشأها وخلق " ما بينهما في ستة أيام " أي في ما قدره ستة أيام، لانه قبل خلق الشمس لم يكن ليل ولا نهار.
وقوله " ثم استوى على العرش " أي استوى عليه بالقهر والاستعلاء، وقد فسرناه في ما مضى(2) ودخلت " ثم " على (استوى على العرش)
___________________________________
(1) سورة 35 فاطر آية 24.
(2) انظر 4 / 452
[294]
وإن كان مستعليا على الاشياء قبلها، كما دخلت حتى في قوله " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرى "(1) وتقديره ثم صح معنى استوى على العرش باحداثه، وكذلك حتى يصح معنى " نعلم المجاهدين " أي معنى وصفهم بهذا وذلك لا يكون إلا بعد وجود الجهاد من جهتهم.
وقوله " مالكم من دونه من ولي ولا شفيع " نفي منه تعالى أن يكون للخلق ناصر ينصرهم من دون الله أو شفيع يشفع لهم، كما كانوا يقولون: نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى. ثم قال " افلا تتذكرون " في ما قلناه وتعتبرون به، فتعلموا صحة ما بيناه لكم.
وقوله " يدبر الامر من السماء إلى الارض " معناه ان الذي خلق السموات والارض وما بينهما في هذه المدة يدبر الامور كلها، ويقدرها على حسب إرادته في ما بين السماء والاض، وينزله مع الملك إلى الارض " ثم يعرج اليه " يعني الملك يصعد إلى المكان الذي أمره الله تعالى أن يعرج اليه، كما قال ابراهيم: " اني ذاهب إلى ربي "(2) أي ارض الشام التي امرني ربي. ولم يكن الله بأرض الشام، ومثله قوله تعالى " ومن بخرج من بيته مهاجرا إلى انه ورسوله "(3) يريد إلى المدينة. ولم يكن الله في المدينة.
وقوله " في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " قال ابن عباس، والضحاك: معناه يوم كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة مما يعده البشر. وقيل: معناه خمس مئة عام نزول وخمس مئة عام صعود، فذلك ألف سنة. وقال قوم: يجوز ان يكون يوم القيامة يوما له اول وليس له آخر. وقته اوقاتا يسمى بعضها الف سنة وبعضها خمسين الف سنة.
___________________________________
(1) سورة 47 محمد آية 31.
(2) سورة 37 الصافات آية 99.
(3) سورة 4 النساء آية 99
[295]
وقيل: ان معنى " وإن يوما عند ربك كألف سنة " انه فعل في يوم واحد من الايام الستة التي خلق فيها السموات والارض ما لو كان يجوز أن يفعله غيره. لما فعله إلا في الف سنة.
وقيل: ان معناه إن كل يوم من الايام الستة التي خلق فيها السموات كألف سنة من أيام الدنيا.
قوله تعالى: (ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم(6) الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الانسان من طين(7) ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين(8) ثم سويه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون(9) وقالوا أإذا ضللنا في الارض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون(10))
خمس آيات عراقي لم يعدوا " جديد " آية. وست في ما عداه، لانهم عدوا " جديد " آية.
قرأ ابن كثير، وابوعمرو، وابن عامر " احسن كل شئ خلقه " باسكان اللام. الباقون بفتحها.
من سكن اللام فعلى تقدير: الذي أحسن خلق كل شئ اي جعلهم يحسنونه والمعنى انه ألهمهم جميع ما يحتاجون اليه.
قال الزجاج: ويجوز ان يكون على البدل، والمعنى: احسن كل شئ. ويجوز أن يكون على المصدر وتقديره الذي خلق كل شئ خلقه. ومن فتح اللام جعله فعلا ماضيا، ومعناه
[296]
احسن الله كل شئ خلقه على إرادته ومشيئته، وأحسن الانسان وخلقه في احسن صورة.
وقيل: معناه إن وجه الحكمة قائم في جميع أفعاله، ووجوه القبح منتفية منها، ووجه الدلالة قائم فيها على صانعها، وكونه عالما. والضمير في قوله " خلقه " كناية عن اسم الله.
لما اخبر الله تعالى انه الذي خلق السموات والارض وما بينهما في ستة أيام واستولى على العرش، وانه الذي يدبر الامور ما بين السموات والارض بين - ههنا - ان الذي يفعل ذلك ويقدر عليه هو " عالم الغيب والشهادة " أي يعلم السر والعلانية " العزيز " في انتقامه من أعدائه " الرحيم " بعباده، المنعم عليهم، و (الغيب) خفاء الشئ عن الادراك. والشهادة ظهوره للادراك فكأنه قال: يعلم ما يصح أن يشاهد، وما لا يصح أن يشاهد فيدخل في ذلك المعدوم والحياة والموت والقدرة وجميع ما لا يصح عليه الرؤية.
والعزيز: هو القادر على منع غيره ولا يقدر الغير على منعه، وأصله المنع من قولهم: من عزبز، من غلب سلب، لان من غلب أسيره فمنعه أخذ سلبه. ثم قال الذي احسن كل شئ خلقه، ومعنى ذلك في جميع ما خلقه الله تعالى وأوجده فيه وجه من وجوه الحكمة، وليس فيه وجه من وجوه القبح. وذلك يدل على ان الكفر والضلال وسائر القبائح ليست من خلقه.
ولفظة (كل) وإن كانت شاملة للاشياء كلها، فالمراد به الخصوص - ههنا - لانه أراد ما خلقه الله تعالى من مقدوراته دون مقدور غيره، ونصب قوله " خلقه " بالبدل من قوله " كل شئ " كما قال الشاعر:
وظعني اليك الليل حضنيه انني * لتلك إذا هاب الهداي فعول(1)
___________________________________
(1) مجاز القرآن 2 / 130
[297]
وتقديره وظعني حضني الليل اليك.
وقال الآخر:
كأن هندا ثناياها وبهجتها * يوم التقينا على ادحال دباب(1)
والمعنى كأن ثنايا هندو بهجة هند.
وقوله " وبدأ خلق الانسان من طين " أي ابتدأ خلق الانسان من طين، يريد انه خلق آدم الذي هو أول الخلق من طين، لان الله تعالى خلق آدم من تراب، فقلبه طينا، ثم قلب الطين حيوانا، وكذلك قال " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون "(2) وقال - ههنا - و " وبدأ خلق الانسان من طين " وكل ذلك لما في التصريفين دليل وقوله " ثم جعل نسله من سلالة " يعني نسل الانسان الذي هو آدم وولده من سلالة، وهي الصفوة التي تنسل من غيرها خارجة، قال الشاعر:
فجاءت به عضب الاديم غضنفرا * سلالة فرج كان غير حصين(3)
" من ماء مهين " قال قتادة: المهين الضعيف.
وهو (فعيل) من المهنة.
وقوله " ثم سواه " أي عدله ورتب جوارحه " ونفخ فيه " يعني في ذلك المخلوق * (من روحه) * فأضافه إلى نفسه اضافة اختصاص وإضافة ملك على وجه التشريف.
ثم قال " وجعل لكم " معاشر الخلق " السمع " لتسمعوا به الاصوات " والابصار " لتبصروا بها المرئيات " والافئدة " أي وخلق لكم القلوب لتعقلوا بها * (قليلا ما تشكرون) * أي تشكرون نعم الله قليلا من كثير و (ما) زائدة، ويجوز ان تكون مصدرية، والتقدير قليلا شكركم، لان نعم
___________________________________
(1) مجاز القرآن 2 / 130.
(2) سورة 3 آل عمران آية 59.
(3) مر تخريجه في 7 / 353
[298]
الله لا تحصى. ثم حكى عن الكفار فقال * (وقالوا أئذا ضللنا في الارض) * وفيه لغتان فتح اللام وكسرها، وكل شئ غلب عليه غيره حتى يغيب فيه، فقد ضل فيه، قال الاخطل:
كنت القذي في موج اكدر مزبد * قذف الاتي به فضل ضلالا(1)
وقال مجاهد وقتادة: معنى * (ضللنا) * هلكنا.
وقال ابوعبيدة: همدنا فلم يوجد لهم دم ولا لحم * (أئنا لفي خلق جديد) * حكاية عن تعجبهم وقولهم كيف نخلق خلقا جديدا، وقد هلكنا وتمزقت أجسامنا.
ثم قال * (بل) * هؤلاء الكفار * (بلقاء ربهم) * بالعذاب والعقاب * (كافرون) * أي جاحدون، فلذلك قالوا: أإذا ضللنا في الارض أئنا لفي خلق جديد، جعل * (إذا) * منصوبة ب (ضللنا) وتكون في معنى الشرط، ولا توصل إلا بذكر الفاء بعدها، لان * (إذا) * قد وليها الفعل الماضي ولا يجوز أن تنصب (إذا) بما بعدها إذ لا خلاف بين النحويين فيه.
وقرأ الحسن * (صللنا) * بالصاد غير منقوطة.
ومعناه احد شيئين: احدهما - انتنا وتغيرنا وتغيرت صورنا، يقال صل اللحم، وأصل إذا أنتن، والثاني - صللنا صرنا من جنس الصلة وهي الارض اليابسة.
___________________________________
(1) مر في 1 / 404
[299]
قوله تعالى: (قل يتوفيكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون(11) ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون(12) ولو شئنا لآتينا كل نفس هديها ولكن حق القول مني لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين(13) فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون(14) إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون(15))
خمس آيات بلا خلاف.
أمر الله نبيه صلى الله عليه واله أن يخاطب المكلفين بأن يقول لهم " يتوفاكم ملك الموت " أي يقبض أرواحكم، قال قتادة يتوفاكم ومعه أعوان من الملائكة، والتوفي أخذ الشئ على تمام، قال الراجز:
ان بني أدرد ليسوا من أحد * ولا توفاهم قريش في العدد(1)
ومنه قوله " الله يتوفى الانفس حين موتها "(2) ويقال: استوفى الدين إذا قبضه على كماله، فملك الموت يتوفى الانسان باخذ روحه على تمام فيعرج بها إلى حيث امره الله تعالى.
وقوله " يتوفاكم " يقتضي أن روح الانسان هي الانسان فالاضافة فيها وقعت كما وقعت في نفس الانسان، والملك مشتق من الالوكة وهي الرسالة كما قال الهذلي.
الكني اليها وخير الرسو * ل أعلمهم بنواحي الخبر(3)
وقوله " الذي وكل بكم " صفة للملك الذي يتوفى الانفس، وأن الله
___________________________________
(1) مر في 3 / 304 و 4 / 169.
(2) سورة 39 الزمر آية 42.
(3) مر في 8 / 11
[300]
قد وكله بمعنى فوض اليه قبض الارواح. والتوكيل تفويض الامر إلى غيره للقيام به، وكله توكيلا، وتوكل عليه توكلا، ووكله يوكله وكالة.
وقوله " ثم إلى ربكم ترجعون " معناه إنكم إلى جزاء الله من الثواب والعقاب تردون. وانما جعل الرجوع إلى الجزاء رجوعا اليه تفخيما للامر. وقيل: معناه تردون إلى ان لا يملك لكم أحد ضرا ولا نفعا إلا الله تعالى. وفيه تعظيم لهذه الحال. واقتضى الوعيد.
ثم قال لنبيه صلى الله عليه واله " ولو ترى " يا محمد " إذ المجرمون " فجواب (لو) محذوف وتقديره: ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم إذا بعثوا، من الندم على تفريطهم في الايمان لرأيتم ما تعتبرون به. والخطاب للنبي صلى الله عليه واله والمراد به الامة " ناكسوا رؤسهم " من الغم.
وقيل: من الحياء والخزي مما ارتكبوه من المعاصي " عند ربهم " يعني يوم القيامة الذي يتولى الله تعالى حساب خلقه.
وفي الكلام حذف لان تقديره قائلين " ربنا أبصرنا وسمعنا " ومعناه أبصرنا الرشد وسمعنا الحق.
وقيل: معناه أبصرنا صدق وعدك وسمعنا تصديق رسلك.
وقيل معناه: إنا كنا بمنزلة العمي، فقد أبصرنا، وبمنزلة الصم، فسمعنا " فارجعنا " أي ردنا إلى دار التكليف " نعمل صالحا " من الطاعات غير الذي كنا نعمل من المعاصي " إنا موقنون " اليوم لا نرتاب بشئ من الحق والرسالة.
ثم قال تعالى مخبرا عن نفسه " ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها " ومعناه الاخبار عن قدرته انه يقدر على إلجائهم إلى الايمان بان يفعل أمرا من الامور يلجئهم إلى الاقرار بتوحيد الله، لكن ذلك يبطل الغرض بالتكليف، لان المقصود استحقاق الثواب، والالجاء لا يثبت معه استحقاق الثواب وقال الجبائي يجوز أن يكون المراد ولو شئنا لاجبناهم إلى ما سألوا ولرددتهم إلى دار التكليف
[301]
ليعملوا بالطاعات " ولكن حق القول مني " أن اجازيهم بالعقاب، ولا أردهم وقيل: ولو شئنا لهديناهم إلى الجنة " ولكن حق القول مني " أي أخبرت وأوعدت أني " لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين " بكفرهم بالله وجحدهم وحدانيته وكفرانهم نعمه.
ثم حكى تعالى ما يقال لمن تقدم ذكره الذين طلبوا الرجوع إلى دار التكليف، فانه يقال لهم يوم القيامة، إذا حصلوا في العذاب " فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا " أي انما فعلتم فعل من نسي لقاء جزاء هذا اليوم، فتركتم ما أمركم الله به وعصيتموه " انا نسيناكم " أي فعلنا معكم جزاء على ذلك فعل من نسيكم يعني من ثوابه، وترككم من نعيمه. والنسيان الترك. ومنه قوله " ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي "(1) وقال النابغة: سفود شرب نسوه عند مفتأد(2) أي تركوه فلم يستعملوه، قال المبرد، لانه لو كان المراد النسيان الذي هو ضد الذكر لجاز أن يكونوا استعملوه " وذوقوا عذاب الخلد " الذي لا فناء له جزاء " بما كنتم تعملون " من المعاصي.
ثم اخبر تعالى عن حال المؤمنين ووصفهم بأن المؤمن على الحقيقة الكامل الايمان بآيات الله وبحججه " هم الذين إذا ذكروا " بحجج الله وتليت عليهم آياته خروا سجدا شكرا على ما هداهم لمعرفته وأنعم عليهم من فنون نعمه ونزهوا الله تعالى عما لا يليق به من الصفات وعن الشرك به حامدين لربهم غير مستكبرين ولا مستنكفين من الطاعة.
___________________________________
(1) سورة 20 طه آية 115.
(2) مر هذا البيت كاملا في 6 / 87
[302]
قوله تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون(16) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون(17) أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستون(18) أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون(19) وأما الذين فسقوا فماويهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون(20))
خمس آيات بلا خلاف.
قرأ " اخفي " باسكان الياء حمزة ويعقوب. الباقون - بفتح الياء - من سكن الياء جعله فعلا مستقبلا وحجته قراءة عبدالله " ما تخفي لهم " ومن فتح جعله فعلا ماضيا على مالم يسم فاعله، فعلى قراءة حمزة (ما) نصب مفعول به، وعلى ما في القرآن إن موضع (ما) رفع بما لم يسم فاعله.
والله فاعله و * (قرة أعين) * شئ أعده الله لعباده لم يطلعهم عليه في دنياهم، كما قال النبي صلى الله عليه واله (هو مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) وصف الله تعالى المؤمنين الذين ذكرهم في الآية الاولى في هذه الآية بأن قال: وهم الذين لا يستنكفون عن عبادته " تتجافى جنوبهم عن المضاجع " أي يرتفعون عن
[303]
مواضعهم التي ينامون عليها فالتجافي تعاطي الارتفاع عن الشئ، ومثله النبو يقال جفا عنه يجفو جفاء إذا نبا عنه. وتجافى عنه يتجافى تجافيا، واستجفاه استجفاء والمضجع موضع الاضجاع، والاضطجاع هو القاء النفس " يدعون ربهم " أي داعين ربهم الذي خلقهم وأوجدهم * (خوفا) * من عذابه يسألونه المغفرة * (وطمعا) * في ثوابه.
وانتصب * (خوفا، وطمعا) * على انه مفعول له أي للخوف وللطمع * (ومما رزقناهم ينفقون) * في طاعة الله وسبيل ثوابه. ووجه المدح بذلك أن هؤلاء المؤمنين يقطعهم اشتغالهم بالدعاء لله عن طيب المضطجع لما يأملون به من الخير والبركة من الله تعالى، لان آمالهم مصروفة اليه، واتكالهم في أمورهم عليه، وقال الشاعر في التجافي:
وصاحبي ذات هباب دمشق * وابن ملاط متجاف ادفق(1)
أي متنح عن كركرتها، وقال أنس وقتادة: انه مدح قوما كانوا يتنفلون بين المغرب والعشاء.
وقال الضحاك: انهم كانوا يذكرون الله بالدعاء والتعظيم وقال قتادة: * (خوفا) * من عذاب الله * (وطمعا) * في رحمة الله * (ومما رزقناهم ينفقون) * في طاعة الله.
وقال ابوجعفر، وابوعبدالله عليهما السلام الآية متناولة لمن يقوم إلى صلاة الليل عن لذيذ مضجعه وقت السحر، وبه قال معاذ والحسن ومجاهد.
وقال عبدالله بن رواحة في صفة النبي صلى الله عليه واله:
يبيت يجافي جنبه عن فراشه * إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
ثم قال تعالى * (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) * تحتمل (ما) في قوله * (ما أخفي) * أن تكون بمعنى الذي ويكون موضعها النصب، ويحتمل أن تكون بمعنى (أن) ويكون موضعها الرفع، وتكون الجملة في موضع نصب، والمعنى
___________________________________
(1) مجاز القرآن 2 / 132
[304]
ليس يعلم أحد كنه ما أعد الله لهؤلاء المؤمنين الذين تقدم وصفهم من انواع اللذات والاشياء التي تقر أعينهم بها على كنه معرفتها. وقولهم قرت عيناه أي فرحها الله. لان المستبشر الضاحك يخرج من عينه ماء بارد من شؤونه. والباكي جزعا يخرج من عينيه ماء سخن من الكبد، ومنه قولهم: سخنت عينه - بكسر الخاء - * (جزاء بما كانوا يعملون) * من الطاعات في دار التكليف، وانما نفى العلم عنهم مع أن المؤمن يعلم أنه مستحق للثواب، لان العلم بالشئ يكون من وجهين: احدهما - ان يعلم الشئ على طريق الجملة، وهو الذى يحصل للمؤمن في دار التكليف. والآخر - ان يحصل على طريق التفصيل، وذلك موقوف على مشاهدتهم للثواب الذي يرونه عند زوال التكليف وحضور الثواب.
ثم قال تعالى * (أفمن كان مؤمنا) * مصدقا بالله عارفا به وبأنبيائه عاملا بما اوجبه الله عليه وندبه اليه * (كمن كان فاسقا) * خارجا عن طاعة الله بارتكاب معاصيه على وجه الانكار لذلك، فلذلك جاء به على لفظ الاستفهام، ثم اخبر تعالى بأنهم * (لا يستوون) * قط، لان منزلة المؤمن الثواب وانواع اللذات، ومنزلة الفاسق العذاب وفنون العقاب. ثم فسر ذلك بما قال بعده فقال * (اما الذين آمنوا) * بالله وصدقوه وصدقوا أنبياءه * (وعملوا الصالحات) * وهي الطاعات مع ذلك * (فلهم جنات المأوى) * فالمأوى المقام اي لهم هذه البساتين التي وعدهم الله بها يأوون اليها * (نزلا بما كانوا يعملون) * أي في مواضع لهم ينزلون فيها مكافأة لهم على طاعاتهم التي عملوها.
وقال الحسن: * (نزلا) * أي عطاء نزلوه * (وأما الذين فسقوا) * بخروجهم عن طاعة الله إلى معاصيه * (فمأواهم النار) * يأوون اليها نعوذ بالله منها * (كلما أرادوا ان يخرجوا منها) * أي كلما كادوا وهموا
[305]
بالخروج منها لما يلحقهم من العذاب * (اعيدوا فيها) * أي ردوا فيها وقال الحسن: كلما كادوا الخروج منها لانها ترميهم بلهبها ضربوا بمقامع حتى يعودوا فيها، وقيل: لهم مع ذلك على وجه التقريع والتبكيت * (ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) * اي العذاب الذي كنتم به تجحدون في دار الدنيا ولا تصدقون به.
وقال ابن ابي ليلى: نزلت الآية في رجل من قريش وعلي عليه السلام وقال غيره: إن هذه الآيات نزلت في علي ابن أبي طالب عليه السلام والوليد بن عقبة بن ابي معيط، فالمؤمن المراد به علي عليه السلام والفاسق هو الوليد بن عقبة، روي انه لقيه يوما فقال لعلي: انا أبسط منك لسانا واحد منك سنانا، فقال علي: عليه السلام ليس كما قلت يا فاسق. فنزل قوله * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا....) * فقال قتادة: والله ما استووا، لا في الدنيا ولا في الآخرة ولا عند الموت.
[306]
قوله تعالى: (ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر لعلهم يرجعون(21) ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون(22) ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل(23) وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون(24) إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون(25))
خمس آيات بلا خلاف.
قرأ حمزة والكسائي ورويس * (لما صبروا) * بكسر اللام والتخفيف أى لصبرهم، الباقون بالتشديد وفتح اللام بمعنى حين صبروا.
اقسم الله تعالى في هذه الآية، لان اللام في قوله * (ولنذيقنهم) * هي التي يتلقى بها القسم، وكذلك النون الثقيلة، بأنه يذيق هؤلاء الفساق الذين تقدم وصفهم العذاب الادنى بعض ما يستحقونه. وقيل: العذاب الادنى هو العذاب الاصغر وهو عذاب الدنيا بالقتل والسبي والقحط والفقر والمرض والسقم وما جرى هذا المجرى. وقيل: هو الحدود. وقيل: عذاب القبر.
عن جعفر بن محمد عليهما السلام: ان العذاب الادنى هو القحط، والاكبر خروج المهدي بالسيف. والعذاب الاكبر عند المفسرين هو عذاب الآخرة بالنار التي يستفزع الانسان بالآلام وفي الادنى معنى الاقرب. وقد يكون الادنى من الاشياء في الحسن، وهو أن يفعل على انه ليس فيه ظلم لاحد إذا فعل للشهوة، والادنى في القبح ما يفعل وفيه ظلم يسير اتباعا للشهوة، والاعلى في الحسن هو ما ليس فوقه ما هو اعلى منه يستحق به العبادة. والادنى في العذاب اكبر في الآلام، لان العذاب استمرار الالم، وليس فوق عذاب الكفر عذاب، لان عذاب الفسق دونه.
وقال ابن عباس: وابي بن كعب والحسن: العذاب الادنى مصائب الدنيا.
وقال ابن مسعود: هو القتل يوم بدر. والعذاب الاكبر عذاب الآخرة. وهو قول الحسن ومجاهد وابن زيد وابن مسعود.
وقوله * (لعلهم يرجعون) * إخبار منه تعالى أنه يفعل بهم ما ذكره من العذاب الادنى، ليرجعوا عن معاصي الله إلى طاعته ويتوبوا منها. وهو قول عبدالله وابي العالية وقتادة.
[307]
ثم قال الله تعالى على وجه التقريع لهم والتبكيت " ومن أظلم " لنفسه بارتكاب المعاصي وإدخالها في استحقاق العقاب " ممن ذكر بآيات ربه " أي ينبه على حججه تعالى التي توصله إلى معرفته ومعرفة ثوابه، " ثم أعرض عنها " جانبا، ولم ينظر فيها.
ثم قال " إنا من المجرمين " الذين يفعلون المعاصي بقطع الطاعات وتركها " منتقمون " بأن نعذبهم بعذاب النار.
ثم اخبر تعالى فقال " ولقد آتينا موسى الكتاب " يعني التوراة " فلا تكن في مرية من لقائه " أي في شك من لقائه يعني لقاء موسى ليلة الاسراء بك إلى السماء - على ما ذكره ابن عباس - وقيل: فلا تكن في مرية من لقاء موسى في الآخرة، وقال الزجاج: فلا تكن يا محمد في مرية من لقاء موسى الكتاب. والمرية الشك.
وقال الحسن: فلا تكن في شك من لقاء الاذى، كما لقي موسى كأنه قال: فلا تكن في شك من أن تلقى كما لقي موسى " وجعلناه هدى لبني اسرائيل " قال قتادة: وجعلنا موسى هاديا لبني اسرائيل، وضع المصدر في موضع الحال.
وقال الحسن: معناه جعلنا الكتاب هاديا لهم " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا " قال قتادة: معناه جعلنا منهم رؤساء في الخير يقتدى بهم يهدون إلى فعل الخير بأمر الله " لما صبروا " قيل: فيه حكاية الجزاء، وتقديره قيل لهم: إن صبرتم جعلناكم أئمة، فلما صبروا جعلوا أئمة - ذكره الزجاج - و " كانوا بآياتنا " أي بحججنا " يوقنون " أي لا يشكون فيه. واليقين وجدان النفس بالثقة على خلاف ما كانت عليه من الاضطراب والحيرة.
ثم قال لنبيه " إن ربك " يا محمد " هو " الذي " يفصل بينهم يوم القيامة " أي يحكم بينهم، يعني بين المؤمن والكافر والفاسق " في ما كانوا فيه يختلفون "
[308]
في دار الدنيا من التصديق بالله وبرسوله والايمان بالبعث والنشور وغير ذلك.
قوله تعالى: (أولم يهدلهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون(26) أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الارض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون(27) ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين(28) قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون(29) فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون(30))
خمس آيات بلا خلاف.
القراء كلهم على الياء في قوله " أولم يهد لهم " بمعني اولم يهد إهلاكنا لهم لمن مضى من القرون. وقرئ بالنون بمعنى الاخبار عن الله تعالى أنه الذي بين لهم هلاك الماضين وأرشدهم بذلك إلى الحق وأتباعه، فاضافه إلى نفسه. يقول الله تعالى منبها لخلقة على وجه الاعتبار بحججه " او لم يهد لهم " ومعناه او لم يبصرهم ويرشدهم من غوايتهم، يقال: هداه يهديه في الدين هدى، وهدي إلى الطريق هداية، واهتدى إذا قبل الهداية.
والواجب من الهدى: هو ما يؤدي إلى ما ليس للعبد عنه غنى في دينه، فاللطف على هذا هدى. والنظر المؤدي إلى معرفة الله هدى. وفاعل " يهد " مضمر فيه،
[309]
وتقديره أو لم يهد لهم إهلاكنا من أهلكناهم من القرون الماضية جزاء على كفرهم بالله وإرتكابهم لمعاصيه، ولا يجوز أن يكون فاعل " يهد " كم " في قوله " كم اهلكنا لان " كم " لا يعمل فيها ما قبلها إلا حروف الاضافة، لانها على تقدير الاستفهام الذي له صدر الكلام، واجاز الفراء أن يكون فاعل " يهد " " كم " ولم يجزه البصريون.
وقوله " يمشون في مساكنهم " اي أهلكناهم بغتة وهم متشاغلين بنفوسهم ويمشون في منازلهم. ثم قال " إن في ذلك لآيات " أي لحججا واضحات " أفلا يسمعون " ومعناه أفلا يتدبرون ما يسمعونه من هذه الآيات، لان من لا يتدبر ما يسمعه، ولا يفكر فيه. فكأنه لم يسمعه. ثم نبههم على وجه آخر فقال " أو لم يروا " ومعناه او لم يعلموا " أنا نسوق الماء إلى الارض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه انعامهم وأنفسهم " فالسوق الحث على السير، ساقه يسوقه سوقا، فهو سائق، يقول الله تعالى نسوق ماء المطر إلى هذه الارض الجرز، فننبت به ضروبا من النبات الذي يتغذى به الانسان والانعام وغيرهم والارض الجرز هي الارض اليابسة التي ليس فيها نبات، انقطع ذلك لانقطاع الامطار، وهو مشتق من قولهم: سيف جراز أي قطاع، لا يلقى على شئ إلا قطعه وناقة جراز، إذا كانت تأكل كل شئ لانها لا تبقي شيئا إلا قطعته بفيها وأرض جروز، وهي التي لا تبقي على ظهرها شيئا إلا أهلكته، كالناقة الجراز ورجل جروز أكول، قال الراجز:
خب جروز إذا جاع بكا * ا يأكل التمر ولا يلقي النوى ا(1)
وفيه أربع لغات أرض جرز - بضم الجيم والراء، وبضم الجيم واسكان
___________________________________
(1) تفسير القرطبي 14 / 110
[310]
الراء وبفتح الجيم والراء، وبفتح الجيم واسكان الراء.
وقال ابن عباس * (نسوق الماء) * بالسيول، لانها مواضع عالية، قال وهي: قرى بين اليمن والشام.
ثم قال * (أفلا يبصرون) * بأن يفكروا في ذلك فيدلهم على انه لا يقدر على ذلك أحد غير الله الذي لا شريك له. ثم حكى عنهم أنهم * (يقولون متى هذا الفتح ان كنتم صادقين) * مستعجلين لما وعد الله تعالى من الفصل بينهم في قوله * (ان ربك هو يفصل بينهم) * يعنون متى يجئ فتح الحكم بينا وبينكم في الثواب والعقاب، والفتح القضاء والحكم، وقيل: انه أراد به فتح مكة، فعلى هذا قوله * (يوم الفتح) * يوم فتح مكة * (لا ينفع الذين كفروا إيمانهم) * لا يليق به.
وقيل: لا ينفع الذين قبلهم خلد - من بني كنانة - ايمانهم.
والتأويل هو الاول، فقال الله تعالى لنبيه محمد * (قل) * لهم يا محمد * (يوم الفتح) * أي يوم القضاء والفصل.
وقال مجاهد: يوم القيامة * (لا ينفع الذين كفروا) * بآيات الله * (إيمانهم) * لان التكليف قد زال عنهم، ومعارفهم تحصل ضرورة * (ولا هم ينظرون) * أي ولا يؤخرون ايضا، فلا ينبغي ان يستعجلوا مجيئه.
ثم قال لنبيه صلى الله عليه واله * (فأعرض عنهم) * يا محمد، فانه لا ينفع فيهم الدعاء والوعظ. وقيل: كان ذلك قبل أن يؤمر بالجهاد. وقيل: أعرض عن أذاهم * (وانتظر) * حكم الله تعالى فيهم وإهلاكه لهم * (فانهم منتظرون) * أيضا الموت الذي يؤديهم إلى ذلك. وقيل: انه سيأتيهم ذلك، فكأهم كانوا ينتظرونه.
|