00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة القلم  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الاصفى في تفسير القران (الجزء الثاني)   ||   تأليف : المولى محمد حسين الفيض الكاشاني

[ 1334 ]

سورة القلم [ مكية، وهي اثنتان وخمسون آية ]

 بسم الله الرحمن الرحيم (ن والقلم وما يسطرون) قال: (وأما (ن) فهو نهر في الجنة. قال الله عز وجل: أجمد، فجمد، فصار مدادا، ثم قال عز وجل للقلم: اكتب، فسطر القلم في اللوح المحفوظ ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة. فالمداد مداد من نور، والقلم قلم من نور، واللوح لوح من نور، ثم قال: فنون ملك يؤدي إلى القلم وهو ملك، والقلم يؤدي إلى اللوح وهو ملك، واللوح يؤدي إلى إسرافيل، وإسرافيل يؤدي إلى ميكائيل، وميكائيل يؤدي إلى جبرئيل، وجبرئيل يؤدي إلى الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم) (2). وورد: (أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، فكتب القلم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة) (3). وفي رواية: (ن) اسم رسول الله صلى الله عليه وآله) (4).

__________________________

(1) - ما بين المعقوفتين من(ب).

(2) - معاني الأخبار: 23، ذيل الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(3) - القمي 2: 198، ذيل الاية: 3 من سورة سبأ، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(4) - الخصال 2: 426، الحديث: 2، عن أبي جعفر عليه السلام، تأويل الايات الظاهرة: 685، عن أبي الحسن موسى عليه السلام.(*)

[ 1335 ]

(ما أنت بنعمة ربك بمجنون) جواب القسم، أي: ما أنت بمجنون، منعما عليك بالنبوة وحصافة الرأي، وهو جواب لقولهم: (يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون) (1). (وإن لك) على تحمل أعباء الرسالة وقيامك بمواجبها (لاءجرا): لثوابا (غير ممنون): غير مقطوع، أو غير ممنون به عليك. (وإنك لعلى خلق عظيم) إذ تحتمل من قومك ما لا يحتمله غيرك. قال: (إن الله أدب نبيه على محبته (2)، فلما أكمل له الأدب. قال: (إنك لعلى خلق عظيم)) (3). وفي رواية: (يقول على دين عظيم) (4). وفي أخرى: (هو الأسلام) (5). (فستبصر ويبصرون). (بأيكم المفتون): أيكم الذي فتن بالجنون. والباء مزيدة، أو بأيكم أحرى هذا الاسم، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من مؤمن إلا وقد خلص ودي إلى قلبه، وما خلص ودي إلى قلب أحد الا وقد خلص ود علي إلى قلبه، كذب يا علي من زعم أنه يحبني ويبغضك. قال: فقال رجلان من المنافقين: لقد فتن رسول الله بهذا الغلام ! فأنزل الله تبارك وتعالى: (فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون). قال: نزلت فيهما. إلى آخر الايات) (6). والمشهور أنها نزلت في الوليد بن المغيرة (7)، كان يمنع عشيرته عن الأسلام، وكان

__________________________

(1) - الحجر(15): 6.

(2) - الكافي 1: 265، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(3) - المصدر: 266، الحديث: 4، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(4) - القمي 2: 382، عن أبي جعفر عليه السلام، معاني الأخبار: 188، ذيل الحديث: 1.

(5) - معاني الاخبار: 188، الحديث: 1، عن أبي جعفر عليه السلام.

(6) - المحاسن: 151، الحديث: 71، عن أبي جعفر عليه السلام.

(7) - الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، أبو عبد شمس: من قضاة العرب في الجاهلية، ومن زعماء قريش، ومن زنادقتها. وأدرك الأسلام وهو شيخ هرم، فعاداه وقاوم دعوته، هلك بعد الهجرة بثلاثة أشهر، وهو والد خالد بن الوليد. الأعلام(للزركلي) 8: 122.(*)

[ 1336 ]

موسرا وله عشر بنين، فكان يقول لهم وللحمته: من أسلم منكم منعته رفدي، وكان دعيا ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة من مولده. (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين). (فلا تطع المكذبين). (ودوا لو تدهن فيدهنون): تلاينهم فيلا ينونك. القمي: أي: أحبوا أن تغش في علي فيغشون معك (1). (ولا تطع كل حلاف): كثير الحلف مهين: حقير الرأي. (هماز): عياب طعان (مشاء بنميم): نقال للحديث على وجه السعاية. (مناع للخير): يمنع الناس عن الخير من الأيمان والأنفاق والعمل الصالح معتد: متجاوز في الظلم (أثيم): كثير الاثام. (عتل): جاف غليظ. قال: (عظيم الكفر) (2). بعد ذلك: بعد ما عد من مثالبه (زنيم) قال: (الذي لا أصل له) (3) وفي رواية: (المستهتر بكفره) (4). وسئل النبي صلى الله عليه وآله عن العتل الزنيم، فقال: (هو الشديد الخلق، المصحح، الأكول الشروب، الواجد للطعام والشراب، الظلوم للناس، الرحب (5) الجوف) (6). والقمي: الزنيم الدعي (7).

__________________________

(1) - القمي 2: 380.

(2) - معاني الأخبار: 149، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام، تأويل الايات الظاهرة: 687، عنهم صلوات الله عليهم.

(3) - مجمع البيان 9 - 10: 334، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

(4) - معاني الاخبار: 149، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(5) - في المصدر:(الرحيب الجوف). ورجل رحيب الجوف: واسعها. لسان العرب 1: 414(رحب).

(6) - مجمع البيان 9 - 10: 334، كنز العمال 2: 540، الحديث: 4678.

(7) - القمي 2: 380.(*)

[ 1337 ]

(أن كان ذا مال وبنين): لأن كان متمولا مستظهرا بالبنين. (إذا تتلى عليه اياتنا قال أساطير الأولين) أي: أكاذيبهم، قاله من فرط غروره. (سنسمه على الخرطوم): على الأنف. قيل: وقد أصاب أنف الوليد جراحة يوم بدر، فبقي أثره (1). وقيل: إنه كناية عن أن يذله غاية الأذلال، كقولهم: جدع أنفه ورغم أنفه (2). والقمي: كناية عن الثاني. وأن أمير المؤمنين عليه السلام إذا رجع ورجع أعداؤه يسمهم بميسم معه، كما توسم البهائم على الخراطيم،، الأنف والشفتان (3). (إنا بلوناهم): اختبرنا أهل مكة بالقحط (كما بلونا أصحاب الجنة) قيل: أصحاب البستان الذي كان دون صنعاء لشيخ، وكان يمسك منها قدر كفايته ويتصدق بالباقي فلما مات قال بنوه: نحن أحق بها لكثرة عيالنا، ولا يسعنا أن نفعل كما فعل أبونا، وعزموا على حرمان المساكين (4). (إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين): ليقطعنها وقت الصباح. (ولا يستثنون): ولا يقولون: إن شاء الله. (فطاف عليها): على الجنة طائف: بلاء طائف (من ربك وهم نائمون). (فأصبحت كالصريم) قيل: كالبستان الذي صرم ثماره بحيث لم يبق فيه شئ، أو كالليل المظلم باحتراقها واسودادها، أو كالنهار بابيضاضها من فرط اليبس (5). والصريمان الليل والنهار لانصرام أحدهما من الاخر (6). (فتنادوا مصبحين). (أن اغدوا على حرثكم): أخرجوا إليه غدوة، ضمن معنى الأقبال أو الاستيلاء،

__________________________

(1) و 2 - البيضاوي 5: 144، تفسير الكبير 30: 86.

(2) - القمي 2: 381.

(3) - الجامع لأحكام القرآن(للقرطبي) 18: 240، عن ابن عباس.

(4) - البيضاوي 5: 145.

(5) - مجمع البيان 9 - 10: 336، عن ابن عباس وأبي عمرو بن العلاء.(*)

[ 1338 ]

فعدي ب‍ (على). إن كنتم صارمين: قاطعين له. (فانطلقوا وهم يتخافتون): يتسارون فيما بينهم. (أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين). (وغدوا على حرد قادرين) قيل: أي: على نكد قادرين لا غير، مكان قدرتهم على الانتفاع يعني: إنهم عزموا أن يتنكدوا على المساكين، فتنكد عليهم، بحيث لم يقدروا فيها إلا على النكد والحرمان (1). (فلما رأوها قالوا إنا لضالون): ظللنا طريق جنتنا وما هي بها. (بل نحن محرومون) أي: بعدما تأملوا وعرفوا أنها هي، قالوا: بل نحن حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا. (قال أوسطهم): خيرهم وأعدلهم قولا ألم أقل لكم لولا تسبحون: لولا تذكرون الله، وتشكرونه بأداء حقه. (قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين). (فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون): يلوم بعضهم بعضا، فإن منهم من أشار بذلك، ومنهم من استصوبه، ومنهم من سكت راضيا، ومنهم من أنكره. (قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين): متجاوزين حدود الله. (عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون): راجون العفو، طالبون الخير. روي: (إنهم أبدلوا خيرا منها) (2). (كذلك): مثل ما بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة (العذاب) في الدنيا (ولعذاب الاخرة أكبر لو كانوا يعلمون) لاحترزوا عما يؤديهم إلى العذاب. (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم).

__________________________

(1) - البيضاوي 5: 145.

(2) - الكشاف 4: 145، البيضاوي 5: 145.(*)

[ 1339 ]

(أفنجعل المسلمين كالمجرمين) إنكار لقولهم: إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يفضلونا، بل نكون أحسن حالا منهم، كما نحن عليه في الدنيا. (ما لكم كيف تحكمون) التفات فيه تعجيب من حكمهم واستبعاد له، وإشعار بأنه صادر من اختلال فكر واعوجاج رأي. (أم لكم كتاب من السماء) فيه تدرسون: تقرؤون. (إن لكم فيه لما تخيرون): إن لكم ما تختارونه وتشتهونه. (أم لكم أيمان علينا): عهود مؤكدة بالأيمان (بالغة): متناهية في التوكيد (إلى يوم القيامة) ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة، لا نخرج عن عهدته حتى نحكمكم في ذلك اليوم (إن لكم لما تحكمون) جواب القسم المضمن في (أم لكم أيمان). (سلهم أيهم بذلك زعيم): بذلك الحكم كفيل يدعيه ويصححه. (أم لهم شركاء) يجعلونهم في الاخرة مثل المؤمنين، أو يشاركونهم في هذا القول، فهم يقلدونهم (فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين). (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون). (خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة): يوم يشتد الأمر ويصعب الخطب. وكشف الساق مثل في ذلك، وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب. قال: (أفحم (1) القوم ودخلتهم الهيبة وشخصت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، لما رهقهم من الندامة والخزي والذلة) (2). وقال: (حجاب من نور يكشف، فيقع المؤمنون سجدا، ويدبخ (3) أصلاب المنافقين،

__________________________

(1) - الأفحام: الأسكات بالحجة. المصباح المنير 2: 135(فحم).

(2) - التوحيد: 154، الباب: 14، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام، مجمع البيان 9 - 10: 339، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام.

(3) - دبخ الرجل تدبيخا: إذا قبب ظهره وطأطأ رأسه،(الصحاح 1: 420 - دبخ). وفي المصدرين: تدمج) =،(*)

[ 1340 ]

فلا يستطيعون السجود) (1). (وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) قال: (أي: مستطيعون، يستطيعون الأخذ بما أمروا به، والترك لما نهوا عنه، ولذلك ابتلوا) (2). (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث): كله إلي، فإني أكفيكه (سنستدرجهم): سندينهم من العذاب درجة درجة، بالأمهال وإدامة الصحة وازدياد النعمة وإنساء الذكر (من حيث لا يعلمون) أنه استدراج. (وأملي لهم): وأمهلهم (إن كيدي متين): لا يدفع بشئ. وقد مضى تمام تفسيره في سورة الأعراف (3). (أم تسألهم أجرا) على الأرشاد (فهم من مغرم): من غرامة (مثقلون) بحملها، فيعرضون عنك. (أم عندهم الغيب فهم يكتبون) منه ما يحكمون ويستغنون به عن علمك. (فاصبر لحكم ربك) وهو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم. (ولا تكن كصاحب الحوت) يعني يونس بن متى، لما دعا على قومه ثم ذهب مغاضبا لله (إذ نادى) في بطن الحوت (وهو مكظوم) قال: (أي: مغموم) (4). (لولا أن تداركه نعمة من ربه): التوفيق للتوبة وقبولها. القمي: النعمة: الرحمة (5). (لنبذ بالعراء) القمي: الموضع الذي لا سقف له (6). (وهو مذموم): مليم.

__________________________

والدمج: دخول شئ في شئ مستحكما، كأنه يدخل في أصلابهم شئ يمنعهم عن الانحناء فلا يستطيعون السجود.

(1) - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 121، الباب: 11، ذيل الحديث: 14، التوحيد: 154، الباب: 14، الحديث: 1، عن أبي الحسن عليه السلام.

(2) - التوحيد: 349، الباب: 56، الحديث: 9، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيه:(وبذلك ابتلوا).

(3) - ذيل الاية: 182 - 183.

(4) - القمي 2: 383، عن أبي جعفر عليه السلام.

(5) - القمي 2: 383.

(6) - القمي 2: 383.(*)

[ 1341 ]

(فاجتباه ربه) بأن رد الوحي إليه (فجعله من الصالحين). (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون). (وما هو إلا ذكر للعالمين) يعني أنهم لشدة عداوتهم، وانبعاث بغضهم وحسدهم عند سماع القرآن والدعاء إلى الخير، ينظرون إليك شزرا (1)، بحيث يكادون يزلون قدمك فيصرعونك، من قولهم: نظر إلي نظرا يكاد يصرعني. أي: لو أمكنه بنظره الصرع لفعله. والمعنى: أنهم يكادون يصيبونك بالعين. ورد: (إن العين حق) (2). و: (إن العين ليدخل الرجل القبر والجمل القدر) (3). و: (إنه لو كان شئ يسبق القدر لسبقه العين) (4).

__________________________

(1) - نظر إليه شزرا، وهو نظر الغضبان بمؤخر العين. الصحاح 2: 696(شزر).

(2) - مجمع البيان 5 - 6: 249، ذيل الاية: 67 من سورة يوسف، التفسير الكبير 30: 100، عن النبي صلى الله عليه وآله.

(3) - البيضاوي 5: 147، التفسير الكبير 30: 100 عن النبي صلى الله عليه وآله.

(4) - مجمع البيان 5 - 6: 249، ذيل الاية: 67 من سورة يوسف، و 9 - 10: 341، عن النبي صلى الله عليه وآله.(*)




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21338726

  • التاريخ : 29/03/2024 - 11:26

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net