[ 1342 ]
سورة الحاقة [ مكية، وهي أثنتان وخمسون آية ] (1)
بسم الله الرحمن الرحيم (الحاقة): الساعة التي يحق وقوعها، أو تحق فيها الأمور، أي: تجب وتعرف حقائقها، أو تقع فيها حواق الأمور من الحساب والجزاء. (ما الحاقة) استفهام، معناه التفخيم لحالها والتعظيم لشأنها. (وما أدراك ما الحاقة) زيادة في التهويل، أي: إنك لا تعلم كنهها، فإنها أعظم من أن يبلغها دراية. (كذبت ثمود وعاد بالقارعة): بالحالة التي تقرع الناس بالأفزاع والأهوال، والأجرام بالانفطار والانتشار. وإنما وضعت موضع الضمير الحاقة، زيادة في وصف شدتها. (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية): بالواقعة المجاوزة للحد في الشدة، وهي الصيحة والرجفة، كما مضى بيانه (2).
__________________________
(1) - ما بين المعقوفتين من(ب).
(2) - الأعراف(7): 78، هود(11): 60.(*)
[ 1343 ]
(وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية): باردة، خارجة أكثر مما أمرت به، كما مر ذكره (1). (سخرها عليهم): سلطها الله عليهم بقدرته (سبع ليال وثمانية أيام حسوما): متتابعات. القمي: كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانية أيام حتى هلكوا (2). (فترى القوم فيها صرعى): موت، جمع (صريع). (كأنهم أعجاز نخل خاوية): أصول نخل متأكلة الأجواف. (فهل ترى لهم من باقية). (وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات): قرى قوم لوط، والمراد أهلها. (بالخاطئة): بالخطأ. (فعصوا رسول ربهم): فعصى كل أمة رسولها (فأخذهم أخذة رابية): زائدة في الشدة، زيادة أعمالهم في القبح. قال: (الرابية: التي أربت على ما صنعوا) (3). (إنا لما طغا الماء): جاوز حده المعتاد، يعني في الطوفان (حملناكم في الجارية): حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم، في سفينة نوح. (لنجعلها): لنجعل الفعلة، وهي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين (لكم تذكرة): عبرة ودلالة على قدرة الصانع، وحكمته وكمال قهره ورحمته. (وتعيها): وتحفظها (أذن واعية): من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه، بتذكره وإشاعته والتفكر فيه والعمل بموجبه. قال: (لما نزلت: (وتعيها أذن واعية) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: هي أذنك يا علي) (4).
__________________________
(1) - فصلت(41): 16، القمر(54): 19.
(2) - القمي 2: 383.
(3) - القمي 2: 385، عن أبي جعفر عليه السلام.
(4) - الكافي 1: 423، الحديث: 57، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 1344 ]
وفي رواية قال: (اللهم اجعلها أذن علي. قال علي عليه السلام: فما سمعت شيئا من رسول الله فنسيته (1)، وما كان لي أن أنسى) (2). (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة) هي النفخة الأولى التي عندها خراب العالم. (وحملت الأرض والجبال): رفعت من أماكنها (فدكتا دكة واحدة) القمي: وقعت فدك بعضها على بعض (3). (فيومئذ): فحينئذ (وقعت الواقعة): قامت القيامة. (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية): ضعيفة مسترخية. (والملك): والجنس المتعارف بالملك (على أرجائها): على جوانبها. (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية). قال: (إنهم اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أيدهم بأربعة أخرى (4)، فيكونون ثمانية) (5). وفي رواية: (حملة (6) العرش - والعرش العلم - ثمانية، أربعة منا وأربعة ممن شاء الله) (7). وفي أخرى: (أربعة من الأولين وأربعة من الاخرين، فأما الأربعة من الأولين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وأما الاخرين فمحمد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام. قال:
__________________________
(1) - مجمع البيان 9 - 10: 345، جامع البيان(للطبري) 29: 35، عن النبي صلى الله عليه وآله.
(2) - جوامع الجامع: 507، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(3) - القمي 2: 384.
(4) - في المصدر:(بأربعة آخرين).
(5) - مجمع البيان 9 - 10: 346، جوامع الجامع: 507، عن النبي صلى الله عليه وآله.
(6) - في(ب) و(ج):(حملت).
(7) - الكافي 1: 132، الحديث: 6، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 1345 ]
ومعنى (يحملون العرش) يعني العلم) (1). (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية). (فأما من أوتي كتابه بيمينه) تفصيل للعرض. (فيقول تبججا هاؤم اقرءوا كتابيه) هاؤم: اسم لخذوا، والهاء في كتابيه ونظائره للسكت. (إني ظننت) أي: تيقنت. قال: (الظن ظنان: ظن شك، وظن يقين، فما كان من أمر المعاد من الظن فهو ظن يقين، وما كان من أمر الدنيا فهو ظن شك) (2). (أني ملاق حسابيه) قال: (إني أبعث وأحاسب) (3). (فهو في عيشة راضية) القمي: أي: مرضية (4). (في جنة عالية). (قطوفها) جمع قطف، وهو ما يجتنى بسرعة. (دانية) يتناولها القائم والقاعد. (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية): في الماضية من أيام الدنيا، من الأعمال الصالحة. (وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه). (ولم أدر ما حسابيه). (يا ليتها): ياليت الموتة التي متها كانت القاضية: القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها.
__________________________
(1) - القمي 2: 384.
(2) - التوحيد: 267، الباب: 36، ذيل الحديث الطويل: 5، الاحتجاج 1: 363، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(3) - التوحيد: 267، الباب: 36، ذيل الحديث الطويل: 5، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(4) - القمي 2: 384.(*)
[ 1346 ]
(ما أغنى عني ماليه) قيل: مالي من المال والتبع (1). والقمي: يعني ماله الذي جمعه (2). (هلك عني سلطانيه) قيل: ملكي وتسلطي على الناس (3). والقمي: أي: حجته (4). (خذوه): يقال لخزنة النار: (خذوه) (فغلوه). (ثم الجحيم صلوه). (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه). قال: (لو أن حلقة واحدة من السلسة، التي طولها سبعون ذراعا، وضعت على الدنيا، لذابت الدنيا من حرها) (5). قال: (وكان معاوية صاحب السلسلة التي قال الله، وكان فرعون هذه الأمة) (6). ورد: (كنت خلف أبي وهو على بغلته، فنفرت بغلته، فإذا شيخ في عنقه سلسلة ورجل يتبعه، فقال: يا علي بن الحسين ! اسقني. فقال الرجل: لا تسقه، لا سقاه الله. قال: وكان الشيخ معاوية) (7). والقمي: السبعون ذراعا في الباطن هم الجبابرة السبعون (8). (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم). (ولا يحض): ولا يحث على طعام المسكين.
__________________________
(1) - البيضاوي 5: 149.
(2) - القمي 2: 384.
(3) - الكشاف 4: 153، البيضاوي 5: 149.
(4) - القمي 2: 384.
(5) - المصدر: 81، ذيل الاية: 22 من سورة الحج، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن جبرئيل عليه السلام.
(6) - الكافي 4: 244، ذيل الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(7) - بصائر الدرجات: 285، الباب: 7، الحديث: 1، عن أبي جعفر عليه السلام.
(8) - القمي 2: 384.(*)
[ 1347 ]
(فليس له اليوم ههنا حميم): قريب يحميه. (ولا طعام إلا من غسلين): غسالة أهل النار وصديدهم. والقمي: عرق الكفار (1). (لا يأكله إلا الخاطئون): أصحاب الخطايا، من خطأ الرجل: إذا تعمد الذنب. (فلا أقسم) (لا) مزيدة. (بما تبصرون). (وما لا تبصرون) بالمشاهدات والمغيبات. (إنه): إن القرآن (لقول رسول كريم) على الله، يبلغه عن الله، فإن الرسول لا يقول عن نفسه. قال: (يعني جبرئيل عن الله) (2). (وما هو بقول شاعر) كما تزعمون تارة. (قليلا ما تؤمنون). (ولا بقول كاهن) كما تدعون أخرى (قليلا ما تذكرون) ولذلك يلتبس الأمر عليكم. قيل: ذكر الأيمان مع نفي الشاعرية، والتذكر مع نفي الكاهنية، لأن عدم مشابهة القرآن للشعر أمر بين لا ينكره إلا معاند، بخلاف مباينته للكهانة، فإن العلم بها يتوقف على تذكر أحوال الرسول ومعاني القرآن المنافية لطريق الكهنة ومعاني أقوالهم (3). (تنزيل): هو تنزيل نزله على لسان جبرئيل من رب العالمين. (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) القمي: يعني رسول الله صلى الله عليه وآله (4). (لاخذنا منه باليمين): بيمينه أو بقوتنا. القمي: انتقمنا منه بقوة (5). (ثم لقطعنا منه الوتين) قيل: أي: نياط قلبه (6). والقمي: عرق في الظهر يكون منه الولد (7).
__________________________
(1) - القمي 2: 384.
(2) - الكافي 1: 433، قطعة من حديث: 91، عن الكاظم عليه السلام.
(3) - البيضاوي 5: 149.
(4) و 5 - القمي 2: 384.
(5) - الكشاف 4: 155، البيضاوي 5: 149.
(6) - القمي 2: 384.
(7) - القمي 2: 384.(*)
[ 1348 ]
(فما منكم من أحد عنه حاجزين): مانعين دافعين، يعني أنه لا يتكلف الكذب علينا لأجلكم، مع علمه أنه لو تكلف ذلك لعاقبناه، ثم لم تقدروا على دفع عقوبتنا عنه. (وإنه لتذكرة للمتقين). (وإنا لنعلم أن منكم مكذبين). (وإنه لحسرة على الكافرين) إذا رأوا ثواب المؤمنين به. (وإنه لحق اليقين): اليقين الذي لا ريب فيه. (فسبح باسم ربك العظيم): فسبح الله بذكر اسمه العظيم، تنزيها له عن الرضا بالتقول عليه، وشكرا على ما أوحي إليك. ورد: (قالوا: إن محمدا كذب على ربه ! ! وما أمره الله بهذا في علي، فأنزل الله بذلك قرآنا، فقال: إن ولاية علي (تنزيل من رب العالمين)، الايات) (1).
__________________________
(1) - الكافي 1: 433، قطعة من حديث: 91، عن الكاظم عليه السلام.(*)
|