• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : قصص الأنبياء (ع) .
                    • الموضوع : أحسن القصص / إخراج إبراهيم (عليه السّلام) .

أحسن القصص / إخراج إبراهيم (عليه السّلام)

أحسن القصص *

بسم الله الرّحمن الرّحيم

﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف: 111].

تعدّ القصّة مرآة للإنسان يستطيع من خلالها أن يرى مظهر الإيمان والكفر، والنّصر والهزيمة، والهناء والحرمان، والسّعادة والشّقاء، والعزّة والزّلّة، وهي تعرض تجارب المجتمعات السّابقة والرّجال العظام. وللقصّة فوائد عدّة منها:

أ ـ إيضاح أسس الدّعوة إلى الله تعالى.

ب ـ تثبيت القلوب على دين الله سبحانه وتعالى، وتقوية ثقة المؤمنين بنصره.

ج ـ تصديق الأنبياء السّابقين وإحياء ذكراهم.

د ـ إظهار صدق النّبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) في دعوته.

هـ مقارعة أهل الكتاب بالحجّة فيما كتموه من البيّنات والهدى.

و ـ أخذ العبرة.

وفي النّهاية للقصص القرآنيّة فوائد كثيرة لما لها من أثر في التّربية والتّهذيب، ونفوذ إلى النّفس بسهولة ويسر، لا يملّ منها المستمع والقارئ أبدًا، وهذه الخطوة الأولى نحو التّعرّف على مفاهيم القرآن وتعاليمه وقيمه ومبادئه وتشريعاته وحِكمه وأهدافه وأسلوبه للتّدبّر والعمل به.

وقامت جمعيّة القرآن الكريم بتنظيم وتنقيح ومتابعة هذا الكتاب (أحسن القصص)، فارتأينا نشر بعض تلك القصص لتكون في خدمة أجيالنا ومجتمعنا، سائلين المولى سبحانه لنا ولهم الاستفادة بالتّدبّر والعمل. والحمد لله ربّ العالمين

إخراج إبراهيم (عليه السّلام)

لمّا رأى إبراهيم (عليه السّلام) من أمر عبادة النّمرود وآزر وقومهما للأصنام وعدم الإيمان بالله تعالى الواحد صمَّم أن يحطّم أصنامهم، فعمد إلى طعام فأدخله بيت أصنامهم فكان يدنو من صنم صنم، ويقول له: كل وتكلّم فإذا لم يجبه، أخذ القدّوم فكسر يده ورجله حتّى فعل ذلك بجميع الأصنام، ثمّ علّق القدّوم في عنق الكبير منهم الّذي كان في الصّدر، فلمّا رجع الملك ومن معه من العيد نظروا إلى الأصنام مكسّرة فقالوا: ﴿مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُواْ سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾، وهو ابن آزر فجاؤوا به إلى نمرود، فقال نمرود لآزر: خنتني وكتمت هذا الولد عنّي، فقال: أيّها الملك هذا عمل أمّه وذكرت أنّي أتقوّم بحجّته، فدعا نمرود أمّ إبراهيم (عليه السّلام) فقال: ما حملك على أن كتمتي أمر هذا الغلام حتّى فعل بآلهتنا ما فعل؟ فقالت: أيّها الملك نظرًا منّي لرعيّتك، قال: وكيف ذلك؟ قالت: رأيتك تقتل أولاد رعيّتك فكان يذهب النّسل، فقلت: إن كان هذا الّذي تطلبه دفعته إليك لتقتله وتكف عن قتل أولاد النّاس وإن لم يكن ذلك بقي لنا ولدنا وقد ظفرت به فشأنك، فكفّ عن أولاد النّاس، فصوّب رأيها، ثمّ قال لإبراهيم (عليه السّلام): من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ قال إبراهيم:﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يَنطِقُونَ﴾، فقال الصّادق (عليه السّلام): والله ما فعله كبيرهم وما كذب ابراهيم، فقيل «وكيف ذلك؟ قال: إنّما فعله كبيرهم هذا إن نطق وإن لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئًا، فاستشار نمرود قومه في إبراهيم: ﴿قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَانصُرُواْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ ... فحبس إبراهيم (عليه السّلام) وجمع له الحطب حتّى إذا كان اليوم الّذي ألقي فيه نمرود إبراهيم في النّار برز نمرود وجنوده وقد كان بنى لنمرود بناء لينظر منه إلى إبراهيم كيف تأخذه النّار، فجاء إبليس واتّخذ لهم المنجنيق لأنَّه لم يقدر واحد أن يقرب من تلك النّار عن غلوة سهم وكان الطّائر من مسيرة فرسخ يرجع عنها أن يتقارب من النّار، وكان الطّائر إذا مرّ في الهواء يحترق، فوضع إبراهيم (عليه السّلام) في المنجنيق وجاء أبوه فلطمه لطمة، وقال له: ارجع عمّا أنت عليه».

وأنزل الرّبّ (عزّ وجلّ) ملائكته إلى السّماء الدّنيا ولم يبق شيء إلاّ طلب إلى ربّه، وقالت الأرض: يا ربّ ليس على ظهري أحد يعبدك غيره فيحرق، وقالت الملائكة: يا ربّ خليلك إبراهيم يحرق، فقال الله (عزّ وجلّ): أما أنّه إن دعاني كفيته؟ وقال جبرائيل (عليه السّلام): يا ربّ خليلك إبراهيم ليس في الأرض أحد يعبدك غيره، سلّطت عليه عدوّه يحرقه بالنّار، فقال: اسكت إنّما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت، هو عبدي آخذه إذا شئت، فإن دعاني أجبته، فدعا إبراهيم (عليه السّلام) ربّه بسورة الإخلاص «يا الله يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد نجّني من النّار برحمتك» فالتقى معه جبرائيل في الهواء وقد وضع في المنجنيق، فقال: يا إبراهيم هل لك إليّ من حاجة؟ فقال إبراهيم: أمّا إليك فلا، وأمّا إلى ربّ العالمين فنعم، فدفع إليه خاتمًا عليه مكتوب لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ألجأت ظهري إلى الله أسندت أمرى إلى الله وفوضت أمري إلى الله، فأوحى الله إلى النّار كوني بردًا فاضطربت أسنان إبراهيم من البرد حتّى قال: وسلامًا على إبراهيم وانحطّ جبرائيل وجلس معه يحدّثه في النّار ونظر إليه نمرود، فقال: من اتّخذ إلهًا فليتّخذ مثل إله إبراهيم [1].

لقد هزّت قصّة حريق إبراهيم (عليه السّلام) ونجاته الإعجازيّة في هذه المرحلة الخطيرة أركان حكومة نمرود، بحيث فقد نمرود معنويّاته تمامًا، لأنّه لم يعد قادرًا على أن يظهر إبراهيم بمظهر الشّابّ المنافق والمثير للمشاكل، فقد عُرف بين النّاس بأنّه مرشد إلهيّ وبطل شجاع يقدر على مواجهة جبّار ظالم ـ بكلّ إمكانيّاته وقدرته ـ بمفرده، وأنّه لو بقي في تلك المدينة والبلاد على هذه الحال، ومع ذلك اللّسان المتكلّم والمنطق القويّ، والشّهامة والشّجاعة الّتي لا نظير لها، فمن المحتّم أنّه سيكون خطرًا على تلك الحكومة الجبّارة الغاشمة، فلا بدّ أن يخرج من تلك الأرض على أيّ حال.

من جهة أخرى، فإنّ إبراهيم (عليه السّلام) كان قد أدّى رسالته في الواقع في تلك البلاد، ووجّه ضربات ماحقة إلى هيكل الشّرك وبنيانه، وبذر بذور الإيمان والوعي في تلك البلاد، وبقيت المسألة مسألة وقت لتنمو هذه البذور وتبدي ثمارها، وتقلع جذور الأصنام وعبادتها، وتسحب البساط من تحتها.

إذن، لا بدّ من الهجرة إلى موطن آخر لإيجاد أرضيّة لرسالته هناك، ولذلك صمّم على الهجرة إلى الشّام بصحبة لوط (عليه السّلام) ـ وكان ابن أخ إبراهيم ـ وزوجته سارة، وربّما كان معهم جمع قليل من المؤمنين، كما يقول القرآن الكريم: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ وبالرّغم من أنَّ اسم هذه الأرض لم يرد صريحًا في القرآن، إلاّ أنَّه بملاحظة الآية الأولى من سورة الإسراء: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾، يتّضح أنّ هذه الأرض هي أرض الشّام ذاتها، الّتي كانت من النّاحية الظّاهريّة أرضًا غنيّة مباركة خضراء، ومن الجهة المعنويّة كانت مهدًا لرعاية الأنبياء (عليهم السّلام).

وقد كان يرى نمرود ومن حوله في إبراهيم خطرًا كبيرًا عليهم، فأجبروه على الخروج من تلك البلاد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنَّ إبراهيم (عليه السّلام) كان يرى أنّ رسالته ومهمّته في تلك الأرض قد انتهت، وكان يبحث عن منطقة أخرى للعمل على توسيع دعوة التّوحيد فيها، خاصّة وأنّ البقاء في بابل قد يشكل خطرًا على حياته فتبقى دعوته العالميّة ناقصة.

في حديث عن الإمام الصّادق (عليه السّلام): إنّ نمرود أمر أن ينفوا إبراهيم من بلاده، وأن يمنعوه من الخروج بماشيته وماله، فحاجّهم إبراهيم (عليه السّلام) عند ذلك فقال: إن أخذتم ماشيتي ومالي فحقّي عليكم أن تردّوا عليّ ما ذهب من عمري في بلادكم، فاختصموا إلى قاضي نمرود، وقضى على إبراهيم (عليه السّلام) أن يسلّم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم، وقضى على أصحاب نمرود أن يردّوا على إبراهيم ما ذهب من عمره في بلادهم، فأخبر بذلك نمرود، فأمرهم أن يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله، وأن يخرجوه، وقال: إنّه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضرّ بآلهتكم [2].

______________________

(*) موقع: جمعيّة القرآن الكريم للتّوجيه والإرشاد، بتصرّف.

https://www.qurankarim.org

[1] تفسير القُمّيّ: ج2، ص 71 ـ 73.

[2] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: ج10، ص 179 ـ 180.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2483
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 05 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29