• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : دروس قرآنية تخصصية .
              • القسم الفرعي : التفسير .
                    • الموضوع : السنن التاريخية في القرآن الكريم* - القسم (3) .

السنن التاريخية في القرآن الكريم* - القسم (3)

آية الله العظمى السيد الشهيد محمد باقر الصدر

بسم اللّه الرحمن الرحيم وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى الهداة الميامين من آله الطاهرين.

من خلال استعراضنا السابق للنصوص القرآنية الكريمة التي أوضحت فكرة السنن التاريخية وأكدت عليها، يمكننا أن نستخلص من خلال المقارنة بين تلك النصوص ثلاث حقائق أكد عليها القرآن الكريم بالنسبة الى سنن التاريخ.

الحقيقة الاولى:

هي الاطّراد بمعنى أن السنة التاريخية مطردة ليست علاقة عشوائية وليست رابطة قائمة على أساس الصدفة والاتفاق وإنما هي علاقة ذات طابع موضوعي لا تتخلف في الحالات الاعتيادية التي تجري فيها الطبيعة والكون على السنن العامة، وكان التأكيد على طابع الاطراد في السنة تأكيدًا على الطابع العلمي للقانون التاريخي، لأن القانون العلمي أهم مميز يميزه عن بقية المعادلات والفروض هو الاطراد والتتابع وعدم التخلف.

ومن هنا استهدف القرآن الكريم، من خلال التأكيد على طابع الاطراد في السنة التاريخية، استهدف أن يؤكد على الطابع العلمي لهذه السنة وأن يخلق في الانسان المسلم شعورًا واعيًا على جريان أحداث التاريخ متبصرًا لا عشوائيًا ولا مستسلمًا ولا ساذجًا.

﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ ... «سورة الاحزاب: الآية (62)»، ﴿وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا﴾... «سورة الاسراء: الآية (77)» ﴿وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ﴾ ... «سورة الانعام: الآية (34)» هذه النصوص القرآنية تقدم استعراضها، تؤكد هذه النصوص طابع الاستمرارية والاطراد؛ أي: طابع الموضوعية والعلمية للسنة التاريخية، وتستنكر هذه النصوص الشريفة كما تقدم في بعضها، أن يكون هناك تفكير أو طمع لدى جماعة من الجماعات، بأن تكون مستثناة من سنة التاريخ ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ والضَّرَّاءُ وزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ‏ آمَنُوا مَعَهُ مَتى‏ نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ «سورة البقرة: الآية (214)» هذه الآية.

تستنكر على من يطمع في أن يكون حالة استثنائية من سنة التاريخ كما شرحنا في ما مضى. إذن الروح العامة للقرآن تؤكد على هذه الحقيقة الاولى وهي حقيقة الاطراد في السنة التاريخية الذي يعطيها الطابع العلمي من أجل تربية الانسان على ذهنية واعية عليمة يتصرف في اطارها ومن خلالها مع أحداث التاريخ.

الحقيقة الثانية:

الحقيقة الثانية التي أكدت عليها النصوص القرآنية ربانية السنة التاريخية، ان السنة التاريخية، ربانية مرتبطة بالله سبحانه وتعالى، سنة الله، كلمات الله على اختلاف التعبير، بمعنى أن كل قانون من قوانين التاريخ، فهو كلمة من الله سبحانه وتعالى، وهو قرار رباني، هذا التأكيد من القرآن الكريم على ربانية السنة التاريخية وعلى طابعها الغيبي، يستهدف شدّ الانسان حتى حينما يريد أن يستفيد من القوانين الموضوعية للكون بالله سبحانه وتعالى، واشعار الانسان بأن الاستعانة بالنظام الكامل لمختلف‏ الساحات الكونية والاستفادة من مختلف القوانين والسنن التي تتحكم في هذه الساحات، ليس ذلك انعزالاً عن اللّه سبحانه وتعالى؛ لأن الله يمارس قدرته من خلال هذه السنن، ولأن هذه السنن والقوانين هي إرادة الله، وهي ممثلة لحكمة الله وتدبيره في الكون. وقد يتوهم البعض أن هذا الطابع الغيبي الذي يلبسه القرآن الكريم للتاريخ وللسنن التاريخية يبعد القرآن عن التفسير العلمي الموضوعي للتاريخ ويجعله يتجه اتجاه التفسير الإلهي للتاريخ الذي مثلته مدرسة من مدارس الفكر اللاهوتي على يد عدد كبير من المفكرين المسيحيين اللاهوتيين حيث فسروا تفسيرًا إلهيًا قد يخلط هذا الاتجاه القرآني بذلك التفسير الإلهي الذي اتجه اليه أغسطين وغيره من المفكرين اللاهوتيين، فيقال بأن اسباغ هذا الطابع الغيبي على السنة التاريخية يحول المسألة الى مسألة غيبية وعقائدية ويخرج التاريخ عن اطاره العلمي الموضوعي، لكن الحقيقة أن هناك فرقًا أساسيًا بين الاتجاه القرآني وطريقة القرآن في ربط التاريخ بعالم الغيب وفي اسباغ الطابع الغيبي على السنة التاريخية، وبين ما يسمى بالتفسير الإلهي للتاريخ الذي تبناه اللاهوت، هناك فرق كبير بين هذين الاتجاهين وهاتين‏ النزعتين، وحاصل هذا الفرق هو أن الاتجاه اللاهوتي للتفسير الإلهي للتاريخ يتناول الحادثة نفسها ويربط هذه الحادثة بالله سبحانه وتعالى قاطعًا صلتها وروابطها مع بقية الحوادث، فهو يطرح الصلة مع اللّه بديلاً عن صلة الحادثة مع بقية الحوادث، بديلاً عن العلاقات والارتباطات التي تزخر بها الساحة التاريخية والتي تمثل السنن والقوانين الموضوعية لهذه الساحة، بينما القرآن الكريم لا يسبغ الطابع الغيبي على الحادثة بالذات، لا ينتزع الحادثة التاريخية من سياقها ليربطها مباشرة بالسماء، لا يطرح صلة الحادثة بالسماء كبديل عن أوجه الانطباق والعلاقات والاسباب والمسببات على هذه الساحة التاريخية بل إنه يربط السنة التاريخية بالله، يربط اوجه العلاقات والارتباطات باللّه، فهو يقرر أولاً ويؤمن بوجود روابط وعلاقات بين الحوادث التاريخية، إلا أن هذه الروابط والعلاقات بين الحوادث التاريخية هي في الحقيقة تعبير عن حكمة الله سبحانه وتعالى وحسن تقديره وبنائه التكويني للساحة التاريخية، اذا أردنا أن نستعين بمثال لتوضيح الفرق بين هذين الاتجاهين من الظواهر الطبيعية. نستطيع أن نستخدم هذا المثال: قد يأتي انسان فيفسر ظاهرة المطر التي هي ظاهرة طبيعية فيقول بأن المطر نزل بإرادة من الله سبحانه وتعالى ويجعل هذه الارادة بديلاً عن الأسباب الطبيعية التي نجم عنها نزول المطر، فكأن المطر حادثة لا علاقة لها ولا نسب لها، وانما حادثة مفردة ترتبط مباشرة بالله سبحانه وتعالى بمعزل عن تيار الحوادث، هذا النوع من الكلام يتعارض مع التفسير العلمي لظاهرة المطر، لكن اذا جاء شخص وقال بأن الظاهرة، ظاهرة المطر لها أسبابها وعلاقاتها وانها مرتبطة بالدورة الطبيعية للماء مثلاً، الماء يتبخر فيتحول الى غاز، والغاز يتصاعد سحابًا والسحاب يتحول بالتدريج الى سائل نتيجة انخفاض الحرارة فينزل المطر الا أن هذا التسلسل السببي المتقن، هذه العلاقات المتشابكة بين هذه الظواهر الطبيعية هي تعبير عن حكمة الله وتدبيره وحسن رعايته فمثل هذا الكلام لا يتعارض مع الطابع العلمي والتفسير الموضوعي لظاهرة المطر، لأننا ربطنا هنا السنة بالله سبحانه وتعالى لا الحادثة مع عزلها عن بقية الحوادث وقطع ارتباطها مع مؤثراتها وأسبابها.

إذن القرآن الكريم حينما يسبغ الطابع الرباني على السنة التاريخية لا يريد أن يتجه اتجاه التفسير الإلهي في التاريخ، ولكنه يريد أن يؤكد أن هذه السنن ليست هي‏ خارجة ومن وراء قدرة الله سبحانه وتعالى وانما هي تعبير وتجسيد وتحقيق لقدرة الله، فهي كلماته وهي سننه وارادته وحكمته في الكون لكي يبقى الانسان دائمًا مشدودًا الى الله، لكي تبقى الصلة الوثيقة بين العلم والايمان، فهو في نفس الوقت الذي ينظر فيه الى هذه السنن نظرة علمية، ينظر أيضًا اليها نظرة ايمانية.

وقد بلغ القرآن الكريم في حرصه على تأكيد الطابع الموضوعي للسنن التاريخية وعدم جعلها مرتبطة بالصدف، ان نفس العمليات الغيبية أناطها في كثير من الحالات بالسنة التاريخية نفسها أيضًا، عملية الامداد الإلهي بالنص، المداد الإلهي الغيبي الذي يساهم في كسب النص، هذا الامداد جعله القرآن الكريم مشروطًا بالسنة التاريخية، مرتبطًا بظروفها غير منفك عنها، وهذه الروح أبعد ما تكون عن أن تكون روحًا تفسّر التاريخ على أساس الغيب وانما هي روح تفسّر التاريخ على أساس المنطق والعقل والعلم وحتى ذاك الامداد الإلهي الذي يساهم بالنص ذاك الامداد أيضًا ربط بالسنة التاريخية.

قرأنا في ما سبق صيغة من صيغ السنن التاريخية للنص حينما قرأنا قوله سبحانه وتعالى ... ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ والضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى‏ نَصْرُ اللَّهِ﴾ «سورة البقرة: الآية (214)».

الآن تعالوا نقرأ الآيات التي تتحدث عن الامداد الإلهي الغيبي لنلاحظ كيف ان هذه الآيات ربطت هذا الامداد الإلهي الغيبي بتلك السنة نفسها أيضًا إذ تقول للمؤمنين: ﴿أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلى‏ إِنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا ويَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى‏ لَكُمْ ولِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ ومَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ «سورة آل عمران الآية (124- 126)». هناك إمداد إلهي غيبي ولكنه شرط بسنة التاريخ، شرط بقوله: ﴿بَلى‏ إِنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا﴾ اجملت هنا شروط التاريخ التي فصلت في الآيات الأخرى، اذن هذا الإمداد الغيبى ايضًا مرتبط بسنة التاريخ.

اذن فمن الواضح أن الطابع الرباني الذي يسبقه القرآن الكريم ليس بديلاً عن التفسير الموضوعي وانما هو ربط لهذا التفسير الموضوعي باللّه سبحانه وتعالى من أجل‏ اكمال اتجاه الاسلام نحو التوحيد بين العلم والايمان في تربية الانسان المسلم.

الحقيقة الثالثة:

والحقيقة الثالثة التي أكد عليها القرآن الكريم من خلال النصوص المتقدمة هي حقيقة اختيار الانسان وإرادة الانسان. والتأكيد على هذه الحقيقة في مجال استعراض سنن التاريخ مهم جدًا، إذ سوف يأتي ان شاء الله تعالى بعد محاضرتين. ان البحث في سنن التاريخ خلق وهمًا، وحاصل هذا الوهم الذي خلقه هذا البحث عند كثير من المفكرين أن هناك تعارضًا وتناقضًا بين حرية الانسان واختياره وبين سنن التاريخ، فإما أن نقول بأن للتاريخ سننه وقوانينه وبهذا نتنازل عن إرادة الانسان واختياره وعن حريته، وإما أن نسلّم بأن الانسان كائن حر مريد مختار، وبهذا يجب أن نلغي سنن التاريخ وقوانينه ونقول بأن هذه الساحة قد أعفيت من القوانين التي لم تعف منها بقية الساحات الكونية.

هذا الوهم، وهم التعارض والتناقض بين فكرة السنة التاريخية أو القانون التاريخي، وبين فكرة اختيار الانسان وحريته، هذا الوهم كان من الضروري للقرآن الكريم أن‏ يزيحه وهو يعالج هذه النقطة بالذات.

ومن هنا أكد سبحانه وتعالى على أن المحور في تسلسل الأحداث والقضايا انما هو إرادة الانسان، وسوف أتناول ان شاء الله تعالى بعد محاضرتين الطريقة الفنية في كيفية التوفيق بين سنن التاريخ وإرادة الانسان، وكيف استطاع القرآن الكريم أن يجمع بين هذين الأمرين من خلال فحص للصيغ التي يمكن في اطارها صياغة السنة التاريخية، سوف أتكلم عن ذلك بعد محاضرتين، لكن يكفي الآن أن نستمع الى قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾ «سورة الرعد: الآية (11)» ... ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً﴾ «سورة الجن: الآية (16)» .... ﴿وَتِلْكَ الْقُرى‏ أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً﴾ «سورة الكهف: الآية (59)» انظروا كيف أن السنن التاريخية لا تجري من فوق رأس الانسان بل تجري من تحت يده، فإن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم وان لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا، إذن هناك مواقف ايجابية للإنسان تمثل حريته واختياره وتصميمه وهذه المواقف تستتبع ضمن علاقات السنن‏ التاريخية، تستتبع جزاءاتها المناسبة، تستتبع معلولاتها المناسبة. إذن فاختيار الانسان له موضعه الرئيسي في الساحة التاريخية، وذات طابع انساني لأنها لا تفصل الانسان عن دوره الايجابي ولا تعطل فيه ارادته وحريته واختياره، وانما تؤكد أكثر فأكثر مسؤوليته على الساحة التاريخية.

الآن بعد استعراضنا الخصائص الثلاث التي تتميز بها السنن التاريخية في القرآن الكريم، نواجه هذا السؤال: ما هو ميدان هذه السنن التاريخية؟

كنا حتى الآن نعبّر ونقول بأن هذه السنن تجري على الساحة التاريخية، لكن، هل أن الساحة التاريخية بامتدادها هي ميدان للسنن التاريخية أو أن ميدان السنن التاريخية يمثل جزأً من الساحة التاريخية بمعنى أن الميدان الذي يخضع للسنن التاريخية بوصفها قوانين ذات طابع نوعي مختلف عن القوانين الأخرى الفيزيائية والفسلجية والبيولوجية والفلكية، هذا الميدان الذي يخضع لقوانين ذات طابع نوعي مختلف، هذا الميدان هل تتسع له الساحة التاريخية؟ هل يستوعب كل الساحة التاريخية، أو يعبّر عن جزء من الساحة التاريخية؟

لكن قبل هذا يجب أن نعرف ماذا نقصد بالساحة التاريخية؟ الساحة التاريخية عبارة عن الساحة التي تحوي تلك الحوادث والقضايا التي يهتم بها المؤرخون، المؤرخون أصحاب التواريخ يهتمون بمجموعة من الحوادث والقضايا يسجلونها في كتبهم والساحة التي تزخر بتلك الحوادث التي يهتم بها المؤرخون ويسجلونها هي الساحة التاريخية، فالسؤال هنا إذن هو هكذا، هل إن كل هذه الحوادث والقضايا التي يربطها المؤرخون وتدخل في نطاق مهمتهم التاريخية والتسجيلية هل كلها محكومة بالسنن التاريخية، بسنن التاريخ ذات الطابع النوعي المتميز عن سنن بقية حدود الكون والطبيعة، أو أن جزءًا معينًا من هذه الحوادث والقضايا هو الذي تحكمه سنن التاريخ؟

الصحيح أن جزءًا معينًا من هذه الحوادث والقضايا هو الذي تحكمه سنن التاريخ، هناك حوادث لا تنطبق عليها سنن التاريخ بل تنطبق عليها القوانين الفيزيائية أو الفسلجية او قوانين الحياة أو أي قوانين أخرى لمختلف الساحات الكونية الاخرى.

مثلاً: موت أبي طالب، موت خديجة في سنة معينة، حادثة تاريخية مهمة تدخل في نطاق ضبط المؤرخين، وأكثر من هذا هي حادثة ذات بعد في التاريخ ترتبت عليها آثار كثيرة في التاريخ ولكنها لا يحكمها سنّة تاريخية، تحكمها قوانين فسلجية، تحكمها قوانين الحياة التي فرضت أن يموت أبو طالب (رضوان اللّه عليه) وأن تموت خديجة (عليها السلام) في ذلك الوقت المحدد، هذه الحادثة تدخل في نطاق صلاحيات المؤرخين ولكن الذي يتحكم في هذه الحادثة هي قوانين فسلجة جسم أبي طالب وجسم خديجة، قوانين الحياة التي تفرض المرض والشيخوخة ضمن شروط معينة وظروف معينة. حياة عثمان بن عفان، طول عمر الخليفة الثالث هذا حادثة تاريخية الخليفة الثالث ناهز الثمانين، طبعًا هذه الحادثة التاريخية كان لها أثر عظيم في تاريخ الاسلام، لو قدر لهذا الخليفة أن يموت موتًا طبيعيًا وفقًا لقوانينه الفسلجية قبل يوم الثورة كان من الممكن أن تتغير كثير من معالم التاريخ، كان من المحتمل أن يأتي الامام أمير المؤمنين الى الخلافة بدون تناقضات وبدون ضجيج وبدون خلاف، لكن قوانين فسلجة جسم عثمان بن عفان اقتضت أن يمتد به العمر الى أن يقتل من قبل الثائرين عليه من المسلمين، هذه حادثة تاريخية، أعني أنها تدخل في اهتمامات المؤرخين ولها بعد تاريخي أيضًا، لعبت دورًا سلبًا أو إيجابًا في تكييف الأحداث التاريخية الاخرى، ولكنها لا تتحكم فيها سنن التاريخ، إن الذي يتحكم في ذلك قوانين بنية جسم عثمان بن عفان، قوانين الحياة وقوانين جسم الانسان التي أعطت لعثمان بن عفان عمرًا طبيعيًا ناهز الثمانين. مواقف عثمان بن عفان تصرفاته الاجتماعية تدخل في نطاق سنن التاريخ، ولكن طول عمر عثمان بن عفان مسألة أخرى، مسألة حياتية أو مسألة فسلجية أو مسألة فيزيائية، وليست مسألة تتحكم فيها سنن التاريخ.

إذن سنن التاريخ لا تتحكم على كل الساحة التاريخية، لا تتحكم على كل القضايا التي يدرجها الطبري في تاريخه، بل على ميدان معيّن من هذه الساحات، يأتي الحديث ان شاء اللّه عنها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* المصدر: المدرسة القرآنية (مجموعة محاضرات قرآنية للسيّد الشهيد محمد باقر الصدر قدّس سرّه)، ص 75 ـ 88.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مقالات مرتبطة:

السنن التاريخية في القرآن الكريم - القسم (1)

السنن التاريخية في القرآن الكريم - القسم (2)


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2372
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 06 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29