• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : الإعجاز القرآني (4) .

الإعجاز القرآني (4)

الشيخ محمد هادي معرفة (ره)

تتمة آراء ونظرات عن إعجاز القرآن

(أَوّلاً) في دراسات السابقين:

٧ - كلام الشيخ الطوسي:

وللشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي - شيخ الطائفة، (توفّي سنة ٤٦٠) - تحقيق مستوفٍ بشأن إعجاز القرآن، أورده في كتابه (الاقتصاد) الذي وضعه على أُسس عِلم الكلام، وحقّق فيه أُصول العقيدة على مباني الإسلام نذكر منه ما ملخّصه:

قال: الاستدلال على صدق النبوّة بالقرآن يتمّ بعد بيان خمسة أُمور:

١ - إنّه ظهر بمكّة وادّعى النبوّة.

٢ - إنّه تحدّي العرب بهذا القرآن.

٣ - إنّه لم يُعارضوه في وقت من الأوقات.

٤ - وكان ذلك لعجزهم عن المعارضة.

٥ - وإنّ هذا كان لتعذّر خَرق العادة.

فإذا ثبت ذلك أَجمع دلّ على أنّ القرآن معجز، سواء كان لفصاحته البالغة أَم لأنّ الله صرفهم عن ذلك، وأيّ الأمرينِ ثبت ثبتت نبوّته (عليه السلام).

أَمّا ظهوره بمكّة وادّعاؤه النبوّة فضروري، وكذا ظهور القرآن على يده وتحدّيه للعرب أن يأتوا بمِثله؛ لأنّه صريح القرآن في مواضع عديدة.

وأمّا أنّه لم يُعارض؛ فلأنّه لو كان عُورض لوجب أن يُنقل، ولو نُقل لعُلم؛ لأنّ الدواعي متوفرة إلى نقله، ولأنّ المعارض لو كان لكان هو الحجّة دون القرآن، ونَقل الحجّة أَولى من نقل الشبهة.

والذي يدعو إلى المعارضة - لو أَمكَنت - ونَقْلِها هو طلب التخليص ممّا أُلزموا به من ترك أديانهم ومفارقة عاداتهم وبطلان ما ألفوه من الرئاسات؛ ولذلك نقلوا كلام مسيلمة والأسود العنسي وطليحة مع ركاكته وسخافته وبُعده عن دخول الشبهة فيه.

ولا يمكن دعوى الخوف من أنصاره وأتباعه؛ إذ لا موجب للخوف مع ضعف المسلمين بمكّة وعلى فرضه فلا يمنع نقله استسراراً، أو في سائر البلاد النائية كالروم والحبشة وغيرهما، كما نُقل هجاؤهم وسبّهم، وكان أفحش وكان أدعى للخوف إن كان.

وإذا ثبت أنّهم لم يُعارضوه فإنّما لم يُعارضوه للعجز؛ لأنّ كلّ فعل لم يقع مع توفّر الدواعي لفاعله وشدّة تداعيه عليه قَطَعنا على أنّه لم يُفعل للتعذّر، وقد توفّرت دواعي العرب إلى معارضته فلم يفعلوها، وقد تكلّفوا المَشاقّ من أجله.

فقد بذلوا النفوس والأموال وركبوا الحروب العِظام ودخلوا الفتن طلباً لإبطال أمره فلو كانت المعارضة ممكنةً لهم لما اختاروا الصعب على السهل؛ لأنّ العاقل لا يَترك الطريق السهل ويَسلك الطريق الوعر الذي لا يبلغ معه الغرض إلاّ أن يختلّ عقله أو يُسفه رأيه، والقوم لم يكونوا بهذه الصفة.

وليس لأحد أن يقول: إنّهم اعتقدوا أنّ الحرب أنجح من المعارضة فلذلك عدلوا إليها، وذلك أنّ النبيّ (عليه السلام) لم يدّعِ النبوّة فيهم بالغَلَبة والقَهر، وإنّما ادّعى معارضة مثل القرآن، ولم يكن احتمال حرب إذ ذاك، ثُمّ مع قيام الحرب كانوا في الأغلب مغلوبينَ مقهورينَ، فكان يجب أن يقوموا بالمعارضة، فإن أَنجَعت وإلاّ عدلوا إلى الحرب.

فإن قالوا: خافوا أن يلتبس الأمر فيَظنّ قوم أنّه ليس مثله، قيل قد حصل المطلوب؛ لأنّ الاختلاف حينذاك يُوجب الشبهة، فكان أَولى من الترك الذي يَقوى معه شبهة العجز.

وليس لهم أن يقولوا: لم تتوفّر دواعيهم إلى ذلك؛ لأنّهم تحمّلوا المَشّاق، والعاقل لا يتكلّف ذلك إذا لم تتوفّر دواعيه إلى إبطال دعوى خصمه.

فإن قالوا: إنّما لم يُعارضوه؛ لأنّ في كلامهم ما هو مِثله أو مُقاربه، قلنا: هذا غير مُسلّم، وعلى فرض التسليم فإنّ التحدّي وقع لعجزهم فيما يأتي، فلو كان في كلامهم مِثله فهو أَبلغ لعجزهم في تحقّق التحدّي بالعجز عن الإتيان بمِثله في المستقبل.

فإن قيل: واطأه قوم من الفصحاء، قيل: هذا باطل؛ لأنّه كان ينبغي أن يُعارضه مَن لم يواطئه، فإنّهم - وإن كانوا أَدون منهم في الفصاحة - كانوا يقدرون على ما يقاربه - على الفرض - لأنّ التفاوت بين الفصحاء لا ينتهي إلى حدّ يَخرق العادة. على أنّ الفصحاء المعروفينَ والبُلغاء المشهورينَ في وقته كلّهم كانوا منحرفينَ عنه، كالأعشى الكبير الذي في الطبقة الأُولى ومَن أَشبهه مات على كفره، وكعب بن زهير أَسلَم في آخر الأمر وهو في الطبقة الثانية وكان من أعدى الناس له (عليه السلام)، ولبيد بن ربيعة والنابغة الجعدي من الطبقة الثالثة أَسلما بعد زمان طويل ومع ذلك لم يَحظيا في الإسلام بطائل، على أنّه لو كان لكان ينبغي أن يوافقوه على ذلك ويقولون له: الفصحاء المُبرزون واطأُوك ووافقوك، فإنّ الفُصحاء في كلّ زمان لا يخفون على أهل الصناعة.

فإن قيل: لِمَ لا يكون النبيّ (عليه السلام) - وهو أفصح العرب - قد تأتّى منه القرآن، وتَعذّر على غيره، أو تعمله في زمان طويل فلمْ يتمكّنوا من معارضته في زمان قصير؟

قيل: هذا لا يتوجّه على مَن يقول بالصِّرفة؛ لأنّه يجعل صَرف هِممهم عن ذلك دليلاً على الإعجاز، ولو فُرض تمكّنهم من المعارضة.

وأمّا مَن قال: إنّ جهة الإعجاز في الفصاحة والبيان، فإنّ كون النبيّ (عليه السلام) أفصح لا يمنع من أن يُقارنوه أو يُدانوه، كما هو المتعارف بينهم في المعارضة ومقارنة الشعر، على أنّ العرب لم يتفوّهوا بذلك ولمْ يقولوا له: أنت أَفصحنا، فلذلك يتعذّر علينا ما يتأتّى منك، وأمّا احتمال التعمّل فباطل؛ لأنّه (عليه السلام) عارضهم في مدّة طويلة أَكثر من عشرين عاماً يتحدّاهم طول المدّة.

قال: وإذ قد ثبت أنّ القرآن مُعجز لمْ يضرّنا أن لا نعلم من أيّ جهة كان إعجازه، غير أنّا نُومئ إلى جملة من الكلام فيه:

كان المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي رحمة الله عليه يختار أنّ جهة إعجازه الصِّرفة، وهي: أنّ الله تعالى سَلب العرب العلوم التي كانت تتأتّى منهم بها الفصاحة التي هي مِثل القرآن متى راموا المعارضة، ولو لمْ يسلبهم ذلك لكان يتأتّى منهم. وبذلك قال النظّام وأبو إسحاق النصيبي أخيراً.

وقال قوم: جهة الإعجاز الفصاحة المُفرطة التي خَرقت العادة من غير اعتبار النَظم، ومنهم مَن اعتبر النَظم والأُسلوب مع الفصاحة، وهو الأقوى.

وقال قوم: هو معجز لاختصاصه بأُسلوب مخصوص ليس في شيء من كلام العرب.

وقال قوم: تأليف القرآن ونَظمه مستحيل من العباد، كاستحالة الجواهر والألوان.

وقال قوم: كان معجزاً لما فيه من العِلم بالغائبات.

وقال آخرون: كان مُعجزاً لارتفاع الخلاف والتناقض فيه، مع جريان العادة بأنّه لا يخلو كلام طويل من ذلك.

وأقوى الأَقوال عندي قول مَن قال: إنّما كان معجزاً خارقاً للعادة لاختصاصه بالفصاحة المفرطة في هذا النَظم المخصوص، دون الفصاحة بانفرادها، ودون النَظم بانفراده، ودون الصِّرفة.

وإن كنت نصرتُ في شرح الجمل [في كتابه (تمهيد الأُصول) شرحاً على القسم النظري من (جُمَل العلم والعمل) وقد طُبع أخيراً سنة ١٣٦٢هـ. ش. في جامعة طهران، وسننقل كلامه عند التعرّض للقول بالصِّرفة] القول بالصِّرفة، على ما كان يذهب إليه المرتضى (رحمه الله) من حيث شرحت كتابه، فلم يَحسن خلاف مذهبه.

قال: والذي يدلّ على ما قلناه واخترناه: أنّ التحدّي معروف بين العرب بعضهم بعضاً، ويعتبرون في التحدّي معارضة الكلام بمثله في نَظمه ووصفه؛ لأنّهم لا يعارضون الخُطب بالشعر ولا الشعر بالخُطب، والشعر لا يُعارضه أيضاً إلاّ بما كان يوافقه في الوزن والرويّ والقافية، فلا يُعارضون الطويل بالرَّجَز، ولا الرَّجَز بالكامل، ولا السريع بالمتقارب، وإنّما يُعارضون جميع أوصافه.

فإذا كان كذلك فقد ثبت أنّ القرآن جمع الفصاحة المُفرطة والنَظم الذي ليس في كلام العرب مثله، فإذا عجزوا عن معارضته فيجب أن يكون الاعتبار بهما.

فأمّا الذي يدلّ على اختصاصها بالفصاحة المُفرطة فهو أنّ كلّ عاقل عرف شيئاً من الفصاحة يعلم ذلك، وإنّما في القرآن من الفصاحة ما يزيد على كلّ فصيح، وكيف لا يكون كذلك وقد وجدنا الطبقة الأُولى قد شهدوا بذلك وطربوا له، كالوليد بن المغيرة والأعشى الكبير وكعب بن زهير ولبيد بن ربيعة والنابغة الجعدي، ودخل كثير منهم في الإسلام، ككعب والنابغة ولبيد، وهَمَّ الأعشى بالدخول في الإسلام فمنعه من ذلك أبو جهل وفزّعه، وقال إنّه يُحرّم عليك الأطيبَينِ الزنا والخمر. فقال له: أمّا الزنا فلا حاجة لي فيه لأنّي كبرت، وأمّا الخمر فلا صبرَ لي عنه، واُنظر فَأَتته المنيّة واختُرم دون الإسلام.

والوليد بن المغيرة تحيّر حين سمعه، فقال: سمعت الشعر، والرَّجَز وليس برَجَز، والخُطب وليس بخُطب، وليس له اختلاج الكَهَنة، فقالوا له: أنت شيخنا، فإذا قلت هذا صَعفت قلوبنا، ففكّر، وقال: قولوا: هو سحر، معاندةً وحسداً للنبيّ. فأنزل الله تعالى هذه الآية ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ [المدّثر: ١٨ - ٢٤]، فمَن دفع فصاحة القرآن لم يكن في حيّز مَن يُكَلَّم.

وأمّا اختصاصه بالنظم فمعلوم ضرورةً؛ لأنّه مَدرك مسموع، وليس في شيء من كلام العرب ما يشبه نظمه، مِن خطبة أو شعر على اختلاف أنواع وَصْفاته، فاجتماع الأمرين منه لا يمكن دفعهما [الاقتصاد في أُصول الاعتقاد: ص١٦٦ - ١٧٤].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مقالات مرتبطة:

الإعجاز القرآني (3)

الإعجاز القرآني (2)

الإعجاز القرآني (1)


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2285
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 09 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24