• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : الإعجاز القرآني (3) .

الإعجاز القرآني (3)

الشيخ محمد هادي معرفة (ره)

تتمّة آراء ونظرات عن إعجاز القرآن

(أَوّلاً) في دراسات السابقين:

٤ - رأي السكّاكي:

يرى أبو يعقوب يوسف بن محمّد بن علي السكّاكي - صاحب (مفتاح العلوم) (توفّي سنة ٥٦٧ هـ) - أنّ الإعجاز في القرآن أمرٌ يُمكن دركه ولا يمكن وصفه، والمَدرك هو الذوق، الحاصل من ممارسة عِلمَي الفصاحة والبلاغة وطول خدمتهما لا غير، فقد جعل للبلاغة طرفينِ، أعلى وأسفل وبينهما مراتب لا تُحصى، والدرجة السُفلى هي التي إذا هبط الكلام عنها شيئاً التَحق بأصوات الحيوانات، ثُمّ تتزايد درجةً درجةً متصاعدة، حتّى تبلغ قمّتها وهو حدّ الإعجاز، وهو الطرف الأعلى وما يقرب منه، فقد جعل من الدرجة القصوى وما يقرب منها كليهما مِن حدّ الإعجاز.

ثُمّ قال بشأن الإعجاز: واعلم أنّ شأن الإعجاز عجيب، يُدرك ولا يُمكن وصفه، كاستقامة الوزن تُدرك ولا يُمكن وصفها، وكالمَلاحة، ومَدرك الإعجاز عندي هو الذوق ليس إلاّ، وطريق اكتساب الذوق طول خدمة هذينِ العِلمَينِ (المعاني والبيان).

ثمّ أخذ في تحديد البلاغة وإماطة اللثام عن وجوهها المُحتجبة، وكذا الفصاحة بقسميها اللفظيّ والمعنويّ، وضرب لذلك مثلاً بآية ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ [هود: ٤٤] وبيان جهاتها الأربع من جهتي المعاني والبيان، وهما مَرجعا البلاغة، ومِن جهتي الفصاحة المعنوية واللفظية، وأسهب في الكلام عن ذلك، وقال أخيراً: ولله دَرّ التنزيل، لا يتأمّل العالم آية من آياته إلاّ أدرك لطائف لا تسع الحصر [مفتاح العلوم: ص١٩٦ - ١٩٩].

وغرضه من ذلك: أنّ لحدّ الإعجاز ذروةً لا يبلغها الوصف، ولكن يُمكن فهمها ودرك سَنامها؛ بسبب الإحاطة بأسرار هذين العِلمَينِ، فهي حقيقة تُدرك ولا توصف.

٥ - رأي الراغب الأصفهاني:

لأبي القاسم الحسين بن محمّد المعروف بالراغب الأصفهاني (توفّي سنة ٥٠٢ هـ) - صاحب كتاب (المفردات) - رأي في إعجاز القرآن يخصّه، إنّه يرى من الإعجاز قائماً بسبكه الخاصّ الذي لم يألفه العرب لحدّ ذاك، فلا هو نثر كنثرهم المعهود؛ لأنّ فيه الوزن والقافية وأجراس النغم، ولا هو شعر؛ لأنّه لم يجرِ مجرى سائر أشعار العرب ولا على أوزانها المعروفة وإن كانت له خاصّية الشعر من التأثير في النفس بلحنه الشعريّ النغميّ الغريب.

قال - بعد كلام له في وصف إعجاز القرآن قدّمناه آنفاً [في ص ١٢ - ١٤]-:

وهذه الجملة المذكورة، وإن كانت دالّةً على كون القرآن مُعجزاً، فليس بمقنع إلاّ بتبيين فصلَينِ:

أحدهما: أن يُبيّن ما الذي هو مُعجز: اللفظ أم المعنى أم النظم؟ أم ثلاثتها؟ فإنّ كلّ كلام منظوم مشتمل على هذه الثلاثة.

والثاني: أنّ المُعجز هو ما كان نوعه غير داخل تحت الإمكان، كإحياء الموتى وإبداع الأجسام.

فأمّا ما كان نوعه مقدوراً، فمحلّه محلّ الأفضل، وما كان من باب الأفضل في النوع فإنّه لا يحسم نسبة ما دونه إليه، وإن تباعدت النسبية حتّى صارت جزءً مِن ألف، فإن النجّار الحاذق وإن لم يُبلغ شَأوُه لا يكون مُعجزاً إذا استطاع غيره جنسَ فِعْلِه، فنقول وبالله التوفيق:

إنّ الإعجاز في القرآن على وجهين: أحدهما إعجاز متعلّق بفصاحته، والثاني بصرف الناس عن معارضته.

فأمّا الإعجاز المتعلّق بالفصاحة: فليس يتعلّق ذلك بعنصريه الذي هو اللفظ والمعنى؛ وذاك أنّ ألفاظه ألفاظهم، ولذلك قال تعالى: ﴿قُرْآَنًا عَرَبِيًّا﴾ [يوسف: ٢] وقال: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة: ١ و٢] تنبيهاً أن هذا الكتاب مُركّب من هذه الحروف التي هي مادّة الكلام.

ولا يتعلّق أيضاً بمعانيه، فإن كثيراً منها موجود في (الكتب المتقدّمة) ولذلك قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء: ١٩٦] وقال: ﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾ [طه: ١٣٣]، وما هو مُعجز فيه من جهة المعنى كالإخبار بالغيب فإعجازه ليس يرجع إلى القرآن بما هو قرآن، بل هو لكونه خبراً بالغيب، وذلك سواء كونه بهذا النظم أو بغيره، وسواء كان مورداً بالفارسيّة أو بالعربيّة أو بلغة أُخرى، أو بإشارة أو بعبارة.

فإذا بالنَظم المخصوص صار القرآن قرآناً، كما أنّه بالنَظم المخصوص صار الشعر شعراً، والخطبة خطبةً.

فالنظم صورة القرآن، واللفظ والمعنى عنصراه، وباختلاف الصور يختلف حكم الشيء واسمه لا بعنصره، كالخاتم والقُرط والخَلخال اختلفت أحكامها وأسماؤها باختلاف صورها لا بعنصرها الذي هو الذهب والفضّة، فإذا ثَبت هذا ثبت أنّ الإعجاز المختصّ بالقرآن متعلّق بالنظم المخصوص.

وبيان كونه مُعجزاً هو أن نُبيّن نظم الكلام، ثُمّ نُبيّن أنّ هذا النظم مخالف لنظم سائره، فنقول: لتأليف الكلام خمس مراتب:

الأُولى: النظم: وهو ضمّ حروف التهجّي بعضها إلى بعض، حتّى تتركّب منها الكلمات الثلاث: الاسم والفعل والحرف.

والثانية: أن يُؤلِّف بعض ذلك مع بعض حتّى تتركب منها الجمل المفيدة وهي النوع الذي يتداوله الناس جميعاً في مخاطباتهم، وقضاء حوائجهم، ويُقال له: المنثور من الكلام.

والثالثة: أن يضمّ بعض ذلك إلى بعض ضمّاً له مبادٍ ومقاطع ومداخل ومخارج، ويُقال له: المنظوم.

والرابعة: أن يُجعل له في أواخر الكلام مع ذلك تسجيع، ويقال له: المُسجّع.

والخامسة: أن يُجعل له مع ذلك وزن مخصوص، ويُقال له: الشعر، وقد انتهى.

وبالحقّ صار كذلك، فإنّ الكلام إمّا منثور فقط، أو مع النثر نظم، أو مع النظم سجع، أو مع السجع وزن.

والمنظوم: إمّا محاورة ويُقال له: الخطابة، أو مكاتبة ويقال لها: الرسالة، وأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الجملة، ولكلّ من ذلك نظم مخصوص.

والقرآن حاوٍ لمحاسن جميعه بنَظم ليس هو نظم شيء منها، بدلالة أنّه لا يصح أن يُقال: (القرآن رسالة، أو خطابة، أو شعر، كما يَصحّ أن يُقال: هو كلام، ومَن قرع سمعه فصل بينه وبين سائر النَظم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصّلت: ٤١ و ٤٢] تنبيهاً أنّ تأليفه ليس على هيئة نظم يتعاطاه البشر، فيمكن أن يزاد فيه كحال الكتب الأخر.

فإن قيل: ولِمَ لمْ يُبلغ بنظم القرآن الوزن الذي هو الشعر، وقد عُلم أنّ للموزون من الكلام مرتبةً أعلى مِن مرتبة المنظوم غير الموزون؛ إذ كلّ موزون منظوم وليس كلّ منظوم موزوناً؟

قيل: إنما جُنّب القرآن نظم الشعر ووزنه لخاصّية في الشعر منافية للحِكمة الإلهية، فإنّ القرآن هو مقرّ الصدق، ومعدن الحقّ، وقصوى الشاعر: تصوير الباطل في صورة الحقّ، وتجاوز الحدّ في المدح والذمّ دون استعمال الحقّ في تحرّي الصدق، حتّى أنّ الشاعر لا يقول الصدق ولا يتحرّى الحقّ إلاّ بالعَرض، ولهذا يُقال: مَن كان قوّته الخياليّة فيه أكثر كان على قَرض الشعر أقدر، ومَن كانت قوّته العاقلة فيه أكثر كان في قرضه أقصر.

ولأجل كون الشعر مقرّ الكذب، نزّه الله نبيّه (صلّى الله عليه وآله) عنه؛ لِما كان مُرشّحاً لصدق المَقال، وواسطة بين الله وبين العباد، فقال تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ [يس: 69] فنفى ابتغاءه له، وقال: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ﴾ [الحاقّة: ٤١] أي: ليس بقول كاذب، ولم يعنِ أن ذلك ليس بشعر، فإنّ وزن الشعر أَظهر مِن أن يشتبه عليهم حتّى يحتاج إلى أن ينفي عنه. ولأجل شهرة الشعر بالكذب سُميّ أصحاب البراهين الأقيسة المؤدّية في أكثر الأمر إلى البطلان والكذب شعريّة، وما وقع في القرآن من ألفاظ مُتّزنة فذلك بحسب ما يقع في الكلام على سبيل العَرض بالاتّفاق، وقد تكلّم الناس فيه.

وأمّا الإعجاز المتعلّق بصرف الناس عن معارضته فظاهر أيضاً إذا اعتُبر؛ وذلك أنّه ما مِن صناعة ولا فِعلة من الأفعال محمودةً كانت أو مذمومةً إلاّ وبينها وبين قوم مناسبات خفية واتّفاقات إلهية، بدلالة أنّ الواحد يُؤثر حِرفة من الحِرف فينشرح صدره بملابستها وتطيعه قُواه في مزاولتها، فيقبلها باتّساع قلب، ويتعاطاها بانشراح صدر، وقد تَضمّن ذلك قوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] وقول النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «اعملوا فكلٌّ مُيسّر لِما خُلق له» [مسند أحمد: ج ٤ ص ٦٧]. فلما رُئي أهل البلاغة والخطابة الذين يهيمون في كلّ وادٍ من المعاني بسلاطة ألسنتهم، وقد دعا الله جماعتهم إلى معارضة القرآن، وعجزهم عن الإتيان بمِثله، وليس تهتزّ غرائزهم البتة للتصدّي لمعارضته، لم يخفَ على ذي لبّ أنّ صارفاً إلهياً يَصرفهم عن ذلك، وأيّ إعجاز أعظم مِن أن تكون كافّة البلغاء مُخيّرة في الظاهر أن يُعارضوه، ومُجبرة في الباطن عن ذلك، وما أليقهم بإنشاد ما قال أبو تمام:

فإنْ نكُ أُهمِلنا فَأَضعِف بِسَعينا

 وإنْ نَكُ أُجبِرنا فَفيمَ نُتَعتِعُ

والله وليّ التوفيق والعصمة [عن مقدّمته على التفسير: ١٠٤ - ١٠٩] (١) .

٦ - رأي الإمام الرازي:

ولأبي عبد الله محمّد بن عمر بن حسين فخر الدين الرازي (توفّي سنة ٦٠٦هـ) - المفسّر المتكلّم الأُصولي الكبير - رأي في إعجاز القرآن طريف، وهو جَمْعه بين أُمور شتّى، كانت تستدعي هبوطاً في فصاحة الكلام، لو كان أحد مِن البشر حاول القيام بها أجمع، لولا أنّ القرآن كلام الله الخارق لَمألوف الناس، فقد جمع بين أفنان الكلام، ومع ذلك فقد بلغ الغاية في الفصاحة، وتسنّم الذروة من البلاغة، وهذا أمرٌ عجيب!

قال: اعلم أنّ كونه (القرآن) معجزاً يُمكن بيانه من طريقينِ:

(الأوَّل) أن يقال: إنّ هذا القرآن لا يخلو حاله من أحد وجوه ثلاثة: إمّا أن يكون مساوياً لسائر كلام الفصحاء، أو زائداً على سائر كلام الفصحاء بقدرٍ لا ينقض العادة، أو زائداً عليه بقدرٍ ينقض، والقسمان الأوّلان باطلان فتعيّن الثالث.

وإنّما قلنا: إنّهما باطلان؛ لأنّه لو كان كذلك لكان من الواجب أن يأتوا بمِثل سورة منه إمّا مجتمعينَ أو منفردينَ، فإن وقع التنازع وحصل الخوف من عدم القبول فالشهود والحُكّام يُزيلون الشبهة، وذلك نهاية في الاحتجاج؛ لأنّهم كانوا في معرفة اللغة والاطّلاع على قوانين الفصاحة في الغاية، وكانوا في مَحبّة إبطال أمره في الغاية، حتّى بذلوا النفوس والأموال، وارتكبوا ضروب المَهالك والمِحن، وكانوا في الحميّة والأَنَفة على حدّ لا يقبلون الحقّ فكيف الباطل!، وكلّ ذلك يُوجب الإتيان بما يقدح في قوله، والمعارضة أقوى القوادح، فلمّا لم يأتوا بها عِلمنا عَجزهم عنها، فثبت أنّ القرآن لا يُماثل قولهم، وأنّ التفاوت بينه وبين كلامهم ليس تفاوتاً معتاداً، فهو إذاً تفاوت ناقض للعادة، فوجب أن يكون معجزاً.

واعلم أنّه قد اجتمع في القرآن وجوه كثيرة تقتضي نُقصان فصاحته، ومع ذلك فإنّه في الفصاحة بلغ النهاية التي لا غاية لها وراءها، فدلّ ذلك على كونه معجزاً.

أحدها: أنّ فصاحة العرب أكثرها في وصف مشاهدات، مثل وصف بعير أو فرس أو جارية أو مَلِك أو ضربة أو طعنة أو وصف حرب أو وصف غارة، وليس في القرآن من هذه الأشياء شيء، فكان يجب أن لا تحصل فيه الألفاظ الفصيحة التي اتّفقت العرب عليها في كلامهم.

وثانيها: أنّه تعالى راعى فيه طريقةَ الصدق وتنزّه عن الكذب في جميعه، وكلّ شاعر ترك الكذب والتزم الصدق نَزَل شعره ولم يكن جيّداً، أَلا ترى أنّ لبيد بن ربيعة وحسّان بن ثابت لمّا أَسلما نَزَل شعرهما ولم يكن شعرهما الإسلامي في الجودة كشعرهما الجاهلي، وأنّ الله تعالى مع ما تنزّه عن الكذب والمجازفة جاء بالقرآن فصيحاً كما ترى.

وثالثها: أنّ الكلام الفصيح والشعر الفصيح إنّما يتّفق في القصيدة في البيت والبيتينِ والباقي لا يكون كذلك، وليس كذلك القرآن؛ لأنّه كلّه فصيح بحيث يعجز الخَلق عنه كما عجزوا عن جملته.

ورابعها: أنّ كلّ مَن قال شعراً فصيحاً في وصف شيء فإنّه إذا كرّره لم يكن كلامه الثاني في وصف ذلك الشيء بمنزلة كلامه الأَوّل، وفي القرآن التَّكرار الكثير، ومع ذلك كلّ واحد منها في نهاية الفصاحة ولم يظهر التفاوت أصلاً.

وخامسها: أنّه اقتصر على إيجاب العبادات وتحريم القبائح والحثّ على مكارم الأخلاق وترك الدنيا واختيار الآخرة، وأمثالُ هذه الكلمات تُوجب تقليل الفصاحة.

وسادسها: أنّهم قالوا في شعر امرئ القيس: يَحسن عند الطرب وذِكر النساء وصِفة الخَيل، وشِعر النابغة عند الخوف، وشعر الأعشى عند الطلب ووصف الخَمر، وشعر زهير عند الرغبة والرجاء، وبالجملة فكلّ شاعر يحسن كلامه في فنّ، فإنّه يَضعف كلامه في غير ذلك الفنّ، أمّا القرآن فإنّه جاء فصيحاً في كلّ الفنون على غاية الفصاحة.

أَلا ترى أنّه سبحانه وتعالى قال في الترغيب: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٧]  وقال تعالى: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ﴾ [الزخرف: ٧١].

وقال في الترهيب: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ﴾ [الإسراء: ٦٨]، وقال: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك: ١٦ و١٧]، ﴿خَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ* مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ [إبراهيم: ١٥ - ١٧].

وقال في الزجر ما لا يبلغه وَهْم البشر، وهو قوله: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ [العنكبوت: ٤٠].

وقال في الوعظ ما لا مَزيد عليه: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ﴾ [الشعراء: ٢٠٥].

وقال في الإلهيّات: ﴿اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ﴾ [الرعد: 8].

وسابعها: أنّ القرآن أصل العلوم كلّها، فعِلم الكلام كلّه في القرآن، وعِلم الفقه كلّه مأخوذ من القرآن، وكذلك علم أُصول الفقه، وعلم النحو واللغة، وعلم الزهد في الدنيا، وأخبار الآخرة، واستعمال مكارم الأخلاق.

ومَن تأمّل كتابنا في دلائل الإعجاز [المُسمّى بـ (نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز) طبع سنة ١٩٨٥ بيروت] علم أنّ القرآن قد بلغ في جميع وجوه الفصاحة إلى النهاية القصوى.

(الطريق الثاني) أن نقول: إنّ القرآن لا يخلو إمّا أن يُقال إنّه كان بالغاً في الفصاحة إلى حدّ الإعجاز، أو لم يكن كذلك. فإن كان الأَوّل ثبت أنّه معجز، وإن كان الثاني كانت المعارضة على هذا التقدير ممكنة، فعدم إتيانهم بالمعارضة، مع كون المعارضة ممكنةً، ومع توفّر دواعيهم على الإتيان بها أَمر خارق للعادة، فكان ذلك معجزاً، فثبت أنّ القرآن معجز على جميع الوجوه، وهذا الطريق عندنا أقرب إلى الصواب [التفسير الكبير: ج٢، ص١١٥ - ١١٦ ذيل الآية ٢٣ من سورة البقرة].

وكلامه هذا الأخير لعلّه ترجيح للقول بالصِّرفة!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مقالات مرتبطة:

الإعجاز القرآني (2)

الإعجاز القرآني (1)


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2284
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 08 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28