• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : الثقافة .
              • القسم الفرعي : الدعاء .
                    • الموضوع : خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (7) .

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (7)

اعداد: القسم الثقافي / عباس الجعفري

نتحدث في هذا القسم عن نوره الاقدس صلوات الله وسلامه عليه، اذ سنذكر معنى النور، وعن كون النورانية علامة الشرف وكمالها دليل كماله، وعن كون وجوده عجل الله تعالى فرجه نورا، و كذلك نتحدث عن إشراقات نوره في غيبته وحضوره.

ان من أعظم ما يبعث على الدعاء له ويدل على ذلك العقل وتقريره، أنك إذا كنت في ليل مظلم في طريق مبهم، وكان فيه زحاليف مزلة، واعترضتك كلاب مؤذية، لا يمكنك الخلاص منها إلا بسراج تستضيء به في الطريق، وتتخلص ببركته من الشدة والضيق فأتاك آت بسراج أضاء به سبيلك، ونجوت به عما يغيلك، بعثك عقلك بل حملك طبعك على الدعاء له، من دون تأمل في أنه رجل أو امرأة وأنه عالم أو جاهل، وحر أو عبد، لأن نفس هذا الأمر صار سببا لدعائك وخلاصك من شدتك وابتلائك، إذا عرفت ذلك فاعلم أن تحقيق الكلام في هذا المقام يستدعي امورا:

الامر الأول في معنى النور

اعلم أن النور اسم لكل ما هو ظاهر مظهر لغيره سواء كان ظهوره بنفسه أم بغيره وإلى هذا المعنى يرجع ما قيل في تعريفه: إن النور ما به تظهر الأشياء لأن ظهور الغير به فرع ظهوره في نفسه، فإن فاقد الشيء لا يكون معطيه، وأما ما قيل في تعريفه من أنه الظاهر بنفسه المظهر لغيره، فهو حق إن أريد به ما ذكرناه، وإن أريد به أن النور ما يكون ظهوره غير مستند إلى غيره، ويكون ظهور غيره مستندا إليه كما هو مقتضي باء السببية نفيه منع، إذ يلزم منه أن لا يصح إطلاقه على غير الله تعالى حقيقة، فلا ينعكس التعريف. وبالجملة، فالنور على كل من هذه التعاريف كلي مشكك يتفاوت أفراده فأعلاه الذات المقدس الظاهر بنفسه، المظهر لغيره، الخارج عن حدود الممكنات الخالق لجميع الأنوار وهو الله تعالى شأنه ونعم ما قيل:

يا من هو اختفى لفرط نوره *** الظاهر الباطن في ظهوره

وهذا النور ليس بجوهر ولا عرض، بل هو المظهر لكل جوهر وعرض، وعلى هذا التقرير، فإطلاق النور عليه تعالى في قوله عز اسمه * ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور: 35]  لا يحتاج إلى تجوز وتكلف أصلا.

- وكذا الدعاء المروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في المهج وغيره: بسم الله النور بسم الله نور على نور... [مهج الدعوات، ص 7] ولشرح هذا الكلام مقام آخر، وقسم من النور يكون داخلا في الجواهر، وأعلاه وجود نبينا وحبيبنا محمد (صلى الله عليه وآله) الذي جعله مثل نوره، ومن هذا القسم وجود الإمام ( عليه السلام )، ولهذا أطلق عليه النور.

ومنه العالم إلى غير ذلك من الأقسام، التي بعضها فوق بعض، وقسم من النور يكون داخلا في الأعراض، كضوء البرق والسراج وغيرهما وإطلاق النور على كلها حقيقة وبهذا البيان ينكشف لك عدم الاختلاف في التفاسير المروية لآية النور، فإن كلا منها بيان لبعض مصاديق النور.

الامر الثاني

وإذ قد عرفت أن للنور أقساما كثيرة بعضها فوق بعض، فلا ريب في كون النورانية علامة لشرف صاحبها، وكمالها دليل كمال شرفه، وهذا أمر واضح لا سترة فيه، ويدل عليه مضافا إلى دلالة العقل، الآيات والأخبار الكثيرة:

منها: آية النور، فإنه تعالى قد وصف نفسه بهذه الصفة المتعالية، وهو حسبنا في إثبات المطلوب .

ومنها: الآيات الواردة في مقام الامتنان بخلق الشمس والقمر، قال الله عز وجل * ( جعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ) * .

ومنها: الواردة في مقام الحلف كقوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا[الشمس: 1ـ2] وغيرهما .

وأما الأخبار فكثيرة جدا:

منها ما ورد في وصف نور النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما روي عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: إن محمدا وعليا (عليهما السلام) كانا نورا بين يدي الله جل جلاله قبل خلق الخلق بألفي عام، وإن الملائكة لما رأت ذلك النور، رأت له أصلا وقد انشعب منه شعاع لامع فقالت: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله عز وجل إليهم هذا نور من نوري، أصله نبوة وفرعه إمامة، فأما النبوة فلمحمد (صلى الله عليه وآله) عبدي ورسولي، وأما الإمامة فلعلي حجتي ووليي، ولولاهما ما خلقت خلقي. [بحار الأنوار، ج 15، ص 11]

- وفيه عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال: إن الله خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) قبل أن يخلق آدم، حين لا سماء مبنية ولا أرض مدحية، ولا ظلمة ولا نور، ولا شمس ولا قمر، ولا جنة، ولا نار، فقال العباس: فكيف كان بدء خلقتكم يا رسول الله؟ فقال: يا عم، لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا ثم تكلم بكلمة أخري فخلق منها روحا ثم مزج النور بالروح، فخلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين، فكنا نسبحه حين لا تسبيح ونقدسه حين لا تقديس، فلما أراد الله تعالى أن ينشئ خلقه فتق نوري فخلق منه العرش والعرش من نوري ونوري من نور الله ونوري أفضل من العرش. ثم فتق نور أخي علي، فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور علي، ونور علي من نور الله وعلي أفضل من الملائكة. ثم فتق نور ابنتي، فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور الله وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض. ثم فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس والقمر، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن (عليه السلام) ونور الحسن (عليه السلام) من نور الله، والحسن أفضل من الشمس والقمر. ثم فتق نور ولدي الحسين (عليه السلام) فخلق منه الجنة والحور العين فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور الله، وولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين. ومنها: ما دل على إضاءة نور سيدتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) في السماء للملائكة بعد أن سخر الله تعالى عليهم الظلمة، وفي الدنيا في أوقات الصلوات. [بحار الأنوار، ج 15، ص 10]

ومنها: ما دل على تفاوت درجات نور المؤمنين يوم القيامة، بحسب تفاوت درجات إيمانهم:

- فعن أبي ذر الغفاري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يرد على الحوض راية أمير المؤمنين، وإمام الغر المحجلين، فأقوم فآخذ بيده، فيبيض وجهه، ووجوه أصحابه، فأقول: ما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون: تبعنا الأكبر وصدقناه ووازرنا الأصغر ونصرناه وقتلنا معه. فأقول: رووا رواء مرويين فيشربون شربة لا يظمؤون بعدها، وجه إمامهم كالشمس الطالعة، ووجوههم كالقمر ليلة البدر وكأضوأ نجم في السماء . [بحار الأنوار، ج 8، ص 24]

الامر الثالث في بيان كون وجوده نورا صلوات الله تعالى عليه، وهنا مطلبان .

الأول: في بيان أن الإمام نور.

والثاني: في بيان أن وجوده بخصوصه نور.

أما الأول: فلأن معنى النور كما عرفت هو الظاهر في نفسه المظهر لغيره ولا ريب أن الإمام بحسب كمالاته، ودلالاته أظهر المخلوقات وأعرفها، ولذلك قال مولانا أبو جعفر الباقر (عليه السلام) لمحمد بن مسلم (ره) في الحديث الذي رويناه في الباب الأول: من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عز وجل ظاهر عادل أصبح ضالا تائها. [الكافي، ج 1، ص 184] فإن ظهور الإمام (عليه السلام) بحسب دلالاته وكمالاته.

وأما شخصه فقد يغيب عن قوم وقد يظهر لهم، وهو في حال غيبته في غاية الظهور، كما قال سيدنا الصادق ( عليه السلام) لمفضل بن عمر حين بكى لأجل استماعه منه (عليه السلام) شدة الشبهة وارتفاع الرايات المشتبهة في زمان الغيبة: ترى هذه الشمس، قال: قلت: نعم، فقال (عليه السلام): والله لأمرنا أبين من هذه الشمس. [بحار الأنوار، ج 52، ص 282]

وأما ظهور الممكنات بوجود الإمام (عليه السلام) فيدل عليه ما قدمناه هنا، هذا مضافا إلى أن انكشاف جميع العلوم لم يكن إلا بوجودهم (عليهم السلام) يدل بالصراحة على المقصود في هذا المقام عدة روايات عن الأئمة الكرام عليهم الصلاة والسلام.

- منها: ما روي عن أبي خالد الكابلي، قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: ﴿فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا [التغابن: 8] فقال (عليه السلام): يا أبا خالد، النور والله نور الأئمة من آل محمد (عليهم السلام) إلى يوم القيامة وهم والله نور الله الذي أنزل، وهم والله نور الله في السماوات والأرض. [الكافي، ج 1، ص 194]

- ومنها: ما رواه أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ [الحديد: 28] يعني إماما تأتمون به. [الكافي، ج 1، ص 195]

المطلب الثاني: في بيان أن وجوده نور بخصوصه (عليه السلام)

ويدل على ذلك عدة روايات:

- منها: ما ورد في وصفه في بعض الزيارات مثل زيارته عليه السلام في كل جمعة: السلام عليك يا نور الله الذي يهتدي به المهتدون.

- وفي دعاء ليلة نصف شعبان في وصف صاحب الزمان: نورك المتألق، وضياءك المشرق...

والمتألق: إما بمعنى اللامع بظهور نوره وإشراقه في زمان ظهوره بنحو مخصوص أو المتزين لتزينه بزينة مخصوصة وألطاف منصوصة، أو المتشمر للخصومة لاختصاصه بمطالبة الثأر من قتلة الأخيار كما نطقت به الأخبار.

- ومنها: ما روي عن عباد بن محمد المدائني قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) بالمدينة حين فرغ من مكتوبة الظهر، وقد رفع يديه إلى السماء وهو يقول: أي سامع كل صوت إلى آخر الدعاء ... قال: أليس قد دعوت لنفسك جعلت فداك؟ قال: دعوت لنور آل محمد وسابقهم، والمنتقم بأمر الله من أعدائهم، قلت: متى يكون خروجه جعلني الله فداك؟ قال: إذا شاء من له الخلق والأمر.

قلت: فله علامة قبل ذلك؟ قال نعم علامات شتى قلت: مثل ماذا؟ قال: خروج راية من المشرق، وراية من المغرب، وفتنة تظل أهل الزوراء، وخروج رجل من ولد عمي زيد باليمن وانتهاب ستارة البيت ويفعل الله ما يشاء. [بحار الأنوار، ج 86، ص 62]

- ومنها ما روي في تفسير البرهان [تفسير البرهان،ج3، ص 136] وغيره عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت إلى مسجد الكوفة وأمير المؤمنين (عليه السلام ) يكتب بإصبعه ويتبسم، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما الذي يضحكك؟ فقال: عجبت لمن يقرأ هذه الآية ولم يعرفها حق معرفتها فقلت له أي آية يا أمير المؤمنين ؟ فقال قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ﴿المشكاة﴾ محمد (صلى الله عليه وآله) * ﴿فيها مصباح﴾ * أنا * ﴿المصباح في زجاجة﴾ * الزجاجة الحسن والحسين (عليهما السلام) * ﴿كأنها كوكب دري﴾ * وهو علي بن الحسين (عليه السلام) * ﴿يوقد من شجرة مباركة﴾ * علي بن موسى * ﴿يكاد زيتها يضيء﴾* محمد بن علي * ﴿ولو لم تمسسه نار﴾ *: علي بن محمد * ﴿نور على نور﴾ *: الحسن بن علي * ﴿يهدي الله لنوره من يشاء﴾ * القائم المهدي *﴿ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم﴾ .

هذا، وكما أن وجوده (عليه السلام) نور، وهو من النور، ويهدي إلى النور وأتباعه في نور، كذلك تاريخ ولادته نور فإنه (عليه السلام) كما قدمنا قد ولد منتصف شعبان المعظم سنة ست وخمسين ومأتين وهذا يطابق كلمة نور جعلنا الله تعالى من أنصاره وشيعته.

الامر الرابع في بيان إشراقات نوره في بدء ظهوره وزمان غيبته وحضوره

فنقول: قد ظهر إشراق نوره في عالم الملكوت لإبراهيم (عليه السلام) حين انكشف له ملكوت السماوات.

- روى في غاية المرام [غاية المرام: 194 المقصد الأول باب 24 ح 29] من طريق العامة في حديث طويل عن النبي (صلى الله عليه وآله) في وصف معراجه وذكر أوصيائه: يا محمد أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب، فقال: التفت عن يمين العرش فالتفت، فإذا بعلي وفاطمة، والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والمهدي في ضحضاح من نور، قيام يصلون، وهو في وسطهم يعني المهدي كأنه كوكب دري.

أقول: قد خص نور مولانا الحجة بمقتضى هذا الحديث بأمرين: أحدهما إشراقه في الأنوار كالكوكب الدري والوجه في ذلك ظهور نوره أتم وأكمل من سائرهم (عليهم السلام) في عالم الإمكان، وبه ظهور الدين، وشوكة أهل الإيمان، كما يتبين لك إن شاء الله تعالى. وثانيهما، وقوعه في وسط الأنوار، وقد سنح لنا في حكمة ذلك وسره وجوه خمسة: الأول: أن ذلك دليل الشرف وعامة الرفعة كما هو المشاهد من طريقة الأكابر والأشراف، بل هي الطريقة المستقرة والسيرة المستمرة في جميع الأصناف ألا ترى أن صائغا لو أراد أن يصنع شيئا مكللا بجواهر عديدة نصب أعلاها وأغلاها في وسط سائر الجواهر وهذا دأب كل صانع ماهر.

وحكى في مجمع البيان [مجمع البيان : 2 / 224] عن صاحب كتاب العين، أنه قال: الوسط من كل شيء أعدله وأفضله.

وقد ورد في أوصاف نبينا (صلى الله عليه وآله) أنه كان يجلس في وسط أصحابه.

ويؤيد ذلك أن الله تعالى جعل البيت المعمور وهو أشرف الأماكن السماوية في وسط السماوات وجعل الكعبة المشرفة في وسط الأرض، وجعل قلب الإنسان وهو أشرف أعضائه في وسطه، وجعل إنسان العين في وسطها، وجعل الشمس وهي أعظم السيارات وأنورها وأشرفها في وسطها وجعل الفردوس في وسط الجنة.

وقد شرف الله تعالى وسط كل شهر ولهذا ورد الترغيب بصوم أيام البيض من كل شهر.

- وقد ورد في النبوي المشهور: خير الأمور أوسطها، إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة

الوجه الثاني: أن يكون إشارة إلى كمال ظهوره، وانتشار نوره، كما أن الشمس إذا بلغت وسط المساء ظهرت في جميع الأمصار لجميع الأبصار وصار نوره في غاية الانتشار، وهذا واضح لأهل الاعتبار.

الوجه الثالث: أن الشيء إذا وقع وسطا توجه إليه الأنظار من أولي الأبصار ولما كان توجه أنظار الأئمة الأطهار إلى مولانا الغائب عن الأبصار في جميع الأزمنة والأعصار، لأن الله تعالى وعدهم الفرج بظهوره، وضمن لهم الانتقام من أعدائهم بحضوره جعل الله تعالى نوره المبارك في وسط أنوارهم، دلالة إلى هذا الأمر العظيم، والشأن الكريم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

الوجه الرابع: أن يكون إشارة إلى انتهاء كمالات الأئمة المعصومين والأنبياء السابقين سلام الله تعالى عليهم أجمعين، وعلومهم إليه صلوات الله عليه، كما بيناه في حرف الكاف، كما أن الخطوط المستوية الخارجة من أطراف الدائرة تنتهي إلى نقطة الوسط، التي يسمونها أهل علم الهيئة بالمركز.

الوجه الخامس: أن يكون إشارة إلى وقوع مولانا صاحب الزمان في وسطهم بحسب الزمان، لأن رجعتهم بعد ظهوره ضرورية عند أهل الإيمان، وثابتة بالسنة والقرآن فيصير زمانه وسط زمانهم بالضرورة والوجدان.

وأما إشراق نوره ( عليه السلام ) في عالم الدنيا فعلى أقسام:

الأول: إشراقه حين ولادته .

الثاني: إشراقه في زمان حضوره وغيبته.

الثالث: إشراقه في زمان غيبته بالخصوص.

الرابع: إشراقه في زمان ظهوره بالخصوص .

أما الأول: فقد كان في الإنارة والضياء بحيث بلغت عنان السماء:

- كما عن محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه، قال: لما ولد الخلف المهدي (عليه السلام)، سطع نور من فوق رأسه إلى عنان السماء، ثم سقط لوجهه ساجدا لربه تعالى ذكره، ثم رفع رأسه وهو يقول ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ﴾ [آل عمران: 18]* إلى آخر الآية وكان مولده (عليه السلام) يوم الجمعة. [كمال الدين: 2/ 433]

وأما القسم الثاني وهو إشراقه في زماني الحضور والغيبة، كليهما، فعلى نحوين: أحدهما: إشراقه بلا واسطة، وقد تشرف برؤية هذا الإشراق جمع من أهل الوفاق:

وثانيهما إشراقه بواسطة. اعلم أن إشراق جميع الأنوار بالليل والنهار من الشمس والقمر وغيرهما من إشراقات نوره، وفيوضاته في غيبته وحضوره وتقرير ذلك من وجوه:

الأول: أن الشمس والقمر وغيرهما إنما خلقت من نوره (عليه السلام) كما دلت عليه الروايات، وهذا لا ينافي ما مر أن الشمس والقمر خلقا من نور الحسن (عليه السلام) لأن نورهم وأرواحهم وطينتهم واحدة كما دلت عليه الروايات أيضا، يعني أن نورهم وأرواحهم وطينتهم خلقت من أصل واحد، فيصح أن يقال إن القمر خلق من نور رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما يصح أن يقال إنه خلق من نور أمير المؤمنين أو القائم أو سائرهم (عليهم السلام) .

- ونظير ذلك ما ذكره العالم الرباني الشيخ جعفر التستري (ره) في خصائص الحسين (عليه السلام) في بيان كون نوره أول ما خلق الله تعالى لكونه من نور النبي (صلى الله عليه وآله) وقد قال (صلى الله عليه وآله): أول ما خلق الله نوري.

الوجه الثاني: ما دل من الروايات على أن جميع المخلوقات إنما خلقت مقدمة لخلق وجوده وآبائه الطاهرين فهم العلة الغائية في خلق جميع ما سواهم، فصدر ما صدر بسببهم فوجود الشمس ونورها وإضاءتها بواسطة الحجة وآبائهم (عليهم السلام).

الوجه الثالث: ما دل من الأخبار، على أنك قد عرفت في الباب الثالث أن بقاء ما في العالم من الشمس والقمر وغيرهما إنما هو بسبب وجود القائم فلا جرم يكون إضاءتهما وإشراق نورهما من آثار نوره في غيبته وحضوره.

وأما القسم الثالث: وهو إشراق نوره في زمان غيبته بالخصوص، فهو أيضا قسمان إشراق باطني وإشراق ظاهري.

أما الأول فإشراقه في قلوب المؤمنين فإنهم يرون إمامهم (عليه السلام) بحقائق الإيمان كما يشاهدونه بالعيان وهو نصب أعينهم، في كل زمان ومكان.

- ومنها: ما روي عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: والله يا أبا خالد، لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين، ويحجب الله عز وجل نورهم عمن يشاء، فتظلم قلوبهم . والله يا أبا خالد لا يحبنا عبد ولا يتولانا، حتى يطهر الله قلبه ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا، ويكون سلما لنا فإذا كان سلما لنا سلمه الله من شديد الحساب وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر. [الكافي، ج 1، ص 195]

وأما الثاني: فإشراق نوره لبعض الأخيار، بحيث يرى بمشاهدة الأبصار، وهذا مخصوص ببعض الخواص والمهذبين من أهل الإخلاص.

وأما القسم الرابع: وهو إشراق نوره في زمان ظهوره، فعلى نحوين أيضا: باطني وظاهري ويدل على الأول ما مر في القسم الثالث.

- وعلى الثاني ما رواه الشيخ الجليل علي بن إبراهيم القمي ( ره ) في تفسيره [تفسير القمي: 2/581] مسندا عن المفضل بن عمر (ره) أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في قول الله تعالى ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ [الزمر: 69] قال: رب الأرض يعني إمام الأرض قلت: فإذا خرج يكون ماذا ؟ قال (عليه السلام): إذا استغنى الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزئون بنور الإمام.

- وأما إشراق نوره في الآخرة، فيدل عليه ما روي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قوله تعالى: ﴿يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [الحديد: 12] أئمة المؤمنين يوم القيامة، تسعى بين يدي المؤمنين وبأيمانهم حتى ينزلوهم منازل أهل الجنة. [الكافي، ج1، ص 195]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مقالات مرتبطة:

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (1)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (2)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (3)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (4)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (5)

خلاصة مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (6)


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2265
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 07 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24