• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : بـحوث‌ قرآنية؛ كيف نزل القرآن .

بـحوث‌ قرآنية؛ كيف نزل القرآن

السيد ابو الفضل مير محمدي

لقد قرر القرآن الكـريم‌ لتـكليم‌ اللّه عباده ثلاث طرق:

الاولى: أن يكلمه اللّه وحيا: أي الهاما والقاء في القلب.

الثانية: أن‌ يكلمه من وراء حجاب.

الثـالثة: أن يكلمه بواسطة ملك، وذلك بأن برسل رسولا‌ فيوحي‌ بإذنه.

والذي نريد‌ أن‌ نبحث فيه هـنا هو: كيفية نزول القـرآن، وايـصاله‌ الي النبي محمد(ص)، وبأي من الطرق المتقدمة كان ذلك.

الوجوه والاحتمالات بملاحظة الطرق الثلاث الانفة الذكر كثيرة، لكن الذي نختاره هو: ان جميع‌ القرآن قد انزل على محمد(ص) بواسطة رسول القاه اليه، وهو جبرئيل.

ويـدل على ذلك آيات:

منها قوله تعالى:

﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء: 192ـ194]

ومنها‌ قوله تعالى:

﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل: 102ـ103]

و منها قوله تعالى:

﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [البقرة-97‌]

وقبل بيان ما نحن بصدده لا‌ بأس‌ بالإشارة الى نقطتين:

الاولى: ان من الواضح ان المراد بالروح الامين في الآيات الاول ليس هو اللّه عز وجل، وذلك. بقرينة الآية الثانية التي تقول: ﴿نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ حيث‌ انها تدل على ان روح‌ القدس‌ والروح‌ الامين هو الواسطة بين الرب وبين‌ عبده الرسول(ص). فلا يعقل ان يكون هو نفس اللّه عز وجل.

الثانية: أن الروح الامين‌ أو‌ روح‌ القدس في الآيات الاول يـراد بـه جبرئيل(ع) وذلك‌ بقرينة‌ الآية الاخـيرة التـي تـقول: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ؛ فإنها صريحة في ان منزل القرآن‌ من‌ اللّه‌ تعالى على قلب محمد(ص) هـو جبرئيل، فـلو كان المراد بالروح‌ الامين أو القدس غير جبرئيل لوقـعت المـنافاة بين‌ الآيات

اذا تمهد هذا قلنا.

انه يظهر من هذه الآيات‌ المذكورة‌ ان‌ جبرئيل قد نزل جميع القرآن جميع على قـلب مـحمد(ص) لا بعضه‌، وذلك‌ لان الضمائر الواردة في قوله تعالى:

وانه لتنزيل‌ رب العالمين. . ونـزل به الروح الامين.  ونزله روح‌ القدس.

هذه‌ الضمائر لا يرتاب أحد في ظهورها في القرآن الشريف الكائن بين‌ الدفتين‌ والكـتاب‌ الذي هـو معجزة محمد(ص) الخالدة.

ومما يشهد ويؤيد هذا الظهور المشار اليه هـو تـلك الآيات‌ الكثيرة‌ التالية‌ لقوله‌ تعالى:

﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

و هذه الآيات هي:

﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ * وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ * أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ * كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ. .  وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ

فان من تأمل في هذه‌ الآيات‌ يقطع بأنها تتحدث عن القرآن كـله وهـو مـا بين‌ الدفتين وان الضمائر‌ الموجودة‌ فيها‌ يراد بها الدلالة عليه كله لا على بعضه.

ومن الآيات الدالة على مـا نحن بصدده‌ ايضا‌ قوله‌ تعالى:

﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ *مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [سورة التكوير-19/23]

اي أن القرآن الذي يقرؤه عليكم محمد(ص) ليس هو‌ من‌ عـند نـفسه، وانما هو قول رسول كريم، وهو جبرئيل، وقد تلقاه محمد‌ منه‌.

ويـدلنا على أن المـراد بالرسول الكريم في‌ الآية‌ الشريفة‌ هو جبرئيل ما عن‌ على بن ابراهيم‌، بسند‌ صحيح، عـن هـشام بـن سالم عن أبي عبد اللّه(ع)، في حديث‌ الاسراء بالنبي‌(ص)، وفيه‌: «...فقلت لجبرئيل- وهـو بـالمكان الذي‌ وصفه‌ اللّه:  مطاع‌ ثم‌ أمين‌ ـ الا تأمره أن يريني النار؟.  فقال له‌:يا‌ مالك، أر محمدا النار. ؛ فكشف‌ عنها غـطاءها، وفـتح بابا منها... الى آخر‌ الحديث [انظر البرهان‌ في‌ تفسير القرآن‌، عند‌ كلامه‌ حول سورة التـكوير].

اذ يستفاد من هذا الحديث أن‌ النبي(ص) قد قـرر أن كلمة‌ «مطاع ثم أمين» الواردة في‌ هذه‌ الآية، انـما هـي وصف من اللّه تعالى لجبرئيل(ع)، وقد تجلت‌ أمـانة جـبرئيل(ع) في‌ انه‌ كان هو المؤتمن على القرآن‌، وايصاله‌ الى‌ محمد، كما وظهر‌ أنـه‌ مـطاع، من حيث أنه‌ امر‌ مـالكا، فـامتثل.

ومما يـؤيد ذلك ايـضا، مـا ورد في ادعية زين العابدين علي بـن‌ الحـسين (ع) ‌عـلى‌ ما في الصحيفة السجادية، عند صـلواته على كل ملك مـقرب: «وجـبرئيل الامين‌ على وحيك المطاع‌ فـي‌ اهـل سماواتك، المكين لديك المقرب عندك» ...الخ‌ .

كما‌ ان‌ الآيات‌ الواردة في أول‌ سورة‌ النجم،  وهـي قـوله تعالى:

﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى

-هذه الآيات‌ شاهد‌ آخر‌ على أن‌ المراد‌ بقوله تعالى:

﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ

هو جبرئيل(ع). . قال في مـجمع البـيان- وهو يـفسر آيـات سـورة النجم-. «يعني جبرئيل القـوي في نفسه وخلقته، عن ابن‌ عباس، والربيع، وقتادة، وعن الكلبي أنه قال: ومن قوته أنـه اقـتلع قرى قوم لوط من الماء الاسود، فـرفعها الى السـماء، ثـم قـلبها، ومـن شدتهم صيحته لقـوم ثـمود، حتى هلكوا».

بل‌ ان‌ هذه الآيات- اعني آيات سورة النجم-ليس فقط تصلح دليلا آخر على مـا نـحن فيه؛ اذ أنها تدل على ان النيي(ص) لا يتكلم بشيء، قـرآنا كـان او غـيره‌ [هـذا بحسب ظاهرها، ولا ينافي ذلك ما سيأتي منا في صحيحة هشام بن سالم، من انها تدل على ان غير القرآن من الاحاديث القدسية، قد‌ تلقاها‌ النبي(ص)-كلا أو بعضا- بلاواسطة، اذ يمكن أن تكون تـلك الروايـة مبينة للمعنى من الآية، ومفسرة لها، حيث يكون‌ المراد منها حينئذ أن ما علمه اياه شديد القوي هو خصوص‌ القرآن] الا‌ ويـكون‌ ذلك الشيء وحيا، علمه اياه شديد القوى، الذي جبرئيل.  وهذا هو نفس ما نحن بصدد اثباته.

هذا. ويتضح بعد كل ما تقدم: أن‌ القرآن‌ كله نزل على محمد (ص) بوساطة‌ جـبرئيل‌(ع). ويبدو ان اهل السنة ايضا لا يمانعون في ذلك؛ فقد رووا ذلك عن ابن عباس، بأسانيد صرحوا بصحتها. قال السيوطي في الاتقان:

«وعن الحاكم‌، وابن‌ شيبة من طريق حسان‌ بن‌ حريث، عن سعيد بن جـبير عن ابن‌ عباس قـال: فـصل القرآن من الذكر؛ فوضع فـي بـيت العزة؛ من السماء الدنيا؛ فجعل جبرئيل ينزل على النبي(ص). وأخيرا .. فلعلنا لا نرى مبررا لتوهم أن‌ يكون‌ ما‌ قدمناه يخالف وينافي‌ قـوله تعالى:

﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ

ونـحو ذلك مـن الآيات، التي نسب فيها التنزيل‌ الى ‌‌اللّه‌، لا الى جبرئيل. وذلك لان الفعل كما يصح اسناده الى المباشر المختار، كذلك‌ يصح‌ نسبته‌‌ واسناده الى السبب، فالوجه في اسناد الفعل الى اللّه تعالى هو انه سبب، والى جبرئيل‌ هو أنه‌ المـباشر المـختار.

والا فان وساطة جبرئيل في الجملة مما لا ريب‌ فيه، فإسناد تنزيل جميع‌‌ القرآن‌ الى اللّه تعالى لا تصح على اطلاقها أيضا.

ومن ذلك يعلم أن الوجه في نسبة تنزيل القرآن تارة الى اللّه تعالى، واخرى‌ الى جبرئيل(ع) هو مـا ذكـرنا هذا ولا بـد هنا‌ من الاشارة الي ما ربما يقال: من أنه لم لا يلتزم بالتبعيض، بمعنى وساطة جبرئيل في بعض آيات القـرآن، لا في جميعها؟.

ولكن ذلك لا يمكن الالتزام به؛ حيث انه لا دليل‌ عليه‌ ولا شاهد له، سـوى مـا يـتوهم‌ من الاخبار الدالة على أن نزول الوحي كان على نحوين:

أحدهما: ما كان جبرئيل واسطة فيه بين النبي(ص) وبـين ‌اللّه تعالى.

والاخر: ما كان‌ بلا‌ واسطة شيء أصلا.

فمن هذه الاخبار ما رواه في البـحار عـن المـحاسن، بسند صحيح، عن هشام‌ بن سالم قال: قال ابو عبد اللّه (ع): كان رسول اللّه(ص) اذا اتاه الوحي‌ مـن‌‌ اللّه، وبينهما جبرئيل، يقول: هو ذا جبرئيل، وقال لي جبرئيل. و اذا اتاه الوحي‌ وليس بينهما جبرئيل تـصيبه تـلك السبتة، ويغشاه لثقل الوحي عليه من‌ اللّه‌ عز‌ اسمه [البحار أواخر باب: كيفية صـدور الوحـي].

و لكن هذا الحديث لا‌ يكفي‌ لإثبات‌ ما يراد اثباته هنا. و ذلك لأنه في صدد بيان أن الوحي كان على نحوين. أحدهما: بواسطة جبرئيل. والاخر: بـدونه‌ وليس في‌ صدد‌ بيان‌ أن الوحي القرآني من أي من هذين النحوين‌ هو‌ أو من‌ كليهما. ولا دلالة له على شيء من ذلك. وحينئذ فيحتمل أن يكون الوحي القرآني‌ مما توسط به‌ جبرئيل‌ واما‌ مالم يتوسط فيه جبرئيل، فـهو الوحـي الذي جاءه (ص) في الموضوعات‌ أو في غير القرآن المجيد مما يعبر عنه بـ «الاحاديث القدسية».

وهذا الاحتمال بعد أن عضده الدليل، وأيدته‌ الشواهد‌ يكون‌ هو المتعين، ويخرج عن كونه احتمالا الى كونه من الامـور المـعتبرة‌ والثابتة‌.

ولا بد لنا أخيرا من الاشارة الى أنه قد روي في البحار بعد هذا الحديث مباشرة حديث‌ أخر‌ يرتبط‌ فيما نحن فيه. و هو:

«عن العياشي، عن عيسى بن عبد اللّه، عن‌ جـده‌، عـن‌ علي(ع)، قال: كان القرآن ينسخ بعضه بعضا، وانما كان يؤخذ من أمر رسول اللّه‌ (ص) بآخره‌. فكان‌ من آخر ما نزل عليه سورة المائدة، نسخت ما قبلها، ولم ينسخها شيء؛ فـلقد‌ نـزلت‌ عـليه، وهو على بغلته الشهباء، وثـقل عـليها الوحـي، حتى رأيت‌ سرتها تكاد تمس‌ الارض‌، واغمي‌ على رسول الله(ص)، حتى وضع يده على ذؤابة منية بن وهب الجمحي، ثم رفع‌ ذلك عـن رسـول اللّه(ص)، فقرأ علينا سورة المائدة،  فعمل رسول اللّه(ص)، فعملنا».

و رواه ايـضا‌ الامـين‌ الطبرسي‌، في تفسير سورة المائدة عن العياشي مع اختلاف يسير.

ولكن هذا الحديث لا يدل بنفسه‌ على أن جبرئيل ليس مـتوسطا بـين اللّه والنـبي‌ حين نزول سورة المائدة. اذ‌ لعلها‌ قد‌ نزلت بواسطة جبرئيل أيـضا. اللهم الا ان‌ نستظهر عدم وساطة جبرئيل فيها بمعونة غيرها من‌ الروايات‌ كأن‌ نستظهر ذلك من الاغماء العارض للنبي(ص)، والثـقل، حـيث ان الاخـبار التي سبق‌ بعضها‌ تدل على ان الوحي‌ اذا نزل بواسطة جبرئيل لم‌ يحصل‌ لا ثقل ولا اغماء، واذا كان بدونه تصيبه(ص) تلك السبتة، والاغماء.

هذا‌ بالنسبة‌ الى الدلالة فـي هـذه الروايـة مع الاغماض‌ عن‌ أمور‌ أخرى يطول‌ بذكرها المقام.

وأما بالنسبة الى‌ سـندها‌. فـليس مـن القوة بحيث يثبت هذا المطلب المخالف‌ لظاهر آيات كثيرة تقدمت، فان‌ الرواة‌ الذين هم بـين العـياشي، وعـيسى‌ بن‌ عبد اللّه‌‌ لم‌ يصرح‌ بأسمائهم، حتى نعرف أنهم واجدون لشرائط‌ اعتبار‌ أقوالهم أم لا. وهـذا يـكفي وحده وهنا في هذه الرواية، واسقاطها عن‌ درجة‌ الاعتبار.

وهكذا. فان النتيجة تـكون: أن جـبرئيل كان واسطة في‌ نزول‌ تمام القرآن‌ على النبي صلى‌ اللّه‌ عليه وآله الطيبين الطاهرين.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2261
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 06 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19