• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : دروس الدار التخصصية .
              • القسم الفرعي : المفاهيم القرآنية .
                    • الموضوع : مختارات ميسَّرة من المفاهيم القرآنية: 4- الدليل الفطري .

مختارات ميسَّرة من المفاهيم القرآنية: 4- الدليل الفطري

اعداد: القسم الثقافي في دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم / السيد حكمت أسد الموسوي

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيّدنا محمد وآله الطاهرين.

بحثنا في الموضوع السابق (حب الاطلاع والحاجة إلى الكمال) الذي هو إحساس كامن في أعماق كل إنسان، فعند الإنسان حب الاطلاع والحاجة إلى الكمال، وبه يختلف عن الحيوانات التي لا تطوّر نفسها. وهذا حب الاطلاع هو من الأسباب التي تدعو الإنسان إلى معرفة الخالق تعالى لأن معرفة الله تعالى تغذي عند الإنسان هذه الحاجة وتجيبه عن أسئلته المتكررة: من أين جئت؟ ومن خلقني؟ وإلى أين سأذهب؟ وهكذا. بل يجيب القرآن الكريم والروايات والشريفة عن جميع الأسئلة بشكل صحيح ومقنع، بشكل لا يبقى معه الإنسان متحيراً.

أما موضوعنا فهو:

الأدلة على وجود الله تعالى

الأدلة والشواهد على وجود الله تعالى غير قابلة للحصر، ولكن نذكر منها أمرين: الدليل الفطري ودليل الأثر على المؤثر.

الدليل الفطري

كل إنسان لو رجع إلى نفسه وسألها عن وجود إله وخالق للكون، لأجابت نفسه بوضوح تام أن من وراء الكون والعالم خالقاً مبدعاً، وهذا الإحساس نابع من الفطرة وله أهمية كبيرة، لأنه موجود عند كل الناس وفي كل زمان ولا يمكن تغييره. ﴿فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ﴾ [الروم: 30]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ [العنكبوت: 61].

وهذا يتضح من بيان أمرين:

1- كل شخص مهما كان عنصره وطبقته إذا ترك وشأنه دون تعليم أو إرشاد ودون أن يسمع آراء أحد، فإنه يتجه بذاته نحو قوة قاهرة ترتفع فوق المادة وتحكم الكون بأسره، وصاحب هذه القدرة هو الله تعالى.

2- وقد يواجه الشخص الشدائد والمشاكل والمحن والحوادث المرعبة كالسيول والبراكين وغيرها، وفي هذه الحالة ـ خصوصاً إذا لم يصله عون مادي ـ سوف يقوى عنده هذا النداء من داخله بأن هناك قوة عظيمة (غير مادية) قادرة على إنقاذه من هذه الأخطار.

قال تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [العنكبوت: 65].

وقال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 67].

ومثال ذلك: فرعون حينما أوشك على الغرق قال: آمنت! ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: 90].

وأما نحن فإذا واجهتنا مشكلة كبيرة، سنشعر في أعماق أنفسنا بأن هناك نوراً يتوقد في باطننا يدعونا إلى الله تعالى.

وقد يقال: إن هذا الإحساس الداخلي الذي نصفه بأنه فطري ألا يحتمل أن يكون من إفرازات المحيط الاجتماعي وتلقين الأبوين والمعلمين في البيت أو المدرسة حتى أضحى عادة مألوفة؟ والجواب: العادات والتقاليد أمور طارئة ومتغيرة ومختصة بطائفة وقوم دون غيرهم، وليست مستمرة على طول التاريخ، وعليه: فإذا وجدنا أمراً موجوداً عند كل الأقوام والملل وفي كل عصر وزمان وبدون استثناء أدركنا أنه لابد أن تكون له جذور فطرية، وأنه داخل ضمن تكوين الإنسان وخلقته. فالتوحيد على هذا أمر فطري. [انظر: سلسلة دروس في العقائد الإسلامية، آية الله مكارم الشيرازي، ص25]

فهذه خلاصة هذا الطريق الذي هو أقصر الطرق إليه تعالى.

الدليل الفطري في القرآن الكريم

ومن الآيات القرآنية في ذلك من الجزء الثلاثين:

1-عند المحن يتذكر الإنسان ويرجع إلى ربه (يلتفت إلى الحقائق)

﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى‏(34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى‏(35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى(36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى‏(37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى‏(39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى‏(40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى‏(41)﴾ [النازعات: 34-41]

﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ(36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ(37)﴾ [عبس: 34-37]

﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ(1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ(2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ(3) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ(4) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ(5)﴾ [الانفطار: 1-5]

2-كثرة الذنوب وصدأ القلب (تمنعه من التوجه إلى ما تقتضيه الفطرة)

﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(14)﴾ [المطففين: 14]

3-الاطمئنان والرجوع إلى الله تعالى

﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ(27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً(28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29) وَادْخُلِي جَنَّتِي(30)﴾ [الفجر : 27 - 30] (أي: المطمئنة إلى الحق ولا تشك فيه وهو الرجوع إلى الله تعالى)

4-الإنسان يشهد على نفسه

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (لكفور)(6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ(7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ (المال) لَشَدِيدٌ (متشدّد: أي لبخيل)(8)﴾ [العاديات: 6-8]

الدليل الفطري في الروايات

1-ولادة الإنسان على الفطرة

وعنه (صلى الله عليه وآله): «كلّ مولود يولد على الفطرة، حتّى يكون أبواه يهوّدانه وينصّرانه» [بحار الأنوار، ج‏3، ص281].

2-بعث إليهم الأنبياء ليستأدوهم ميثاق فطرته

ونقرأ في نهج البلاغة قوله (عليه السلام): «لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ وَاتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ مَعَهُ وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَاقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَه وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُول» [نهج البلاغة، الخطبة1]

3-حاجة الإنسان وفقره إلى الله تعالى

ونقرأ في الصحيفة السجادية: «(1) اللَّهُمَّ يَا مُنْتَهَى مَطْلَبِ الْحَاجَاتِ (2) وَيَا مَنْ عِنْدَهُ نَيْلُ الطَّلِبَاتِ (3) وَيَا مَنْ لَا يَبِيعُ نِعَمَهُ بِالْأَثْمَانِ (4) وَيَا مَنْ لَا يُكَدِّرُ عَطَايَاهُ بِالامْتِنَانِ (5) وَيَا مَنْ يُسْتَغْنَى بِهِ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ (6) وَيَا مَنْ يُرْغَبُ إِلَيْهِ وَلَا يُرْغَبُ عَنْهُ (7) وَيَا مَنْ لَا تُفْنِي خَزَائِنَهُ الْمَسَائِلُ (8) وَيَا مَنْ لَا تُبَدِّلُ حِكْمَتَهُ الْوَسَائِلُ (9) وَيَا مَنْ لَا تَنْقَطِعُ عَنْهُ حَوَائِجُ الْمُحْتَاجِينَ (10) وَيَا مَنْ لَا يُعَنِّيهِ دُعَاءُ الدَّاعِينَ. (11) تَمَدَّحْتَ بِالْغَنَاءِ عَنْ خَلْقِكَ وَأَنْتَ أَهْلُ الْغِنَى عَنْهُمْ‏ (12) وَنَسَبْتَهُمْ إِلَى الْفَقْرِ وَهُمْ أَهْلُ الْفَقْرِ إِلَيْكَ» [الدعاء 13]

«(1) اللَّهُمَّ إِنِّي أَخْلَصْتُ بِانْقِطَاعِي إِلَيْكَ (2) وَأَقْبَلْتُ بِكُلِّي عَلَيْكَ (3) وَصَرَفْتُ وَجْهِي عَمَّنْ يَحْتَاجُ إِلَى رِفْدِكَ (4) وَقَلَبْتُ مَسْأَلَتِي عَمَّنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ فَضْلِكَ (5) وَرَأَيْتُ أَنَّ طَلَبَ الْمُحْتَاجِ إِلَى الْمُحْتَاجِ سَفَهٌ مِنْ رَأْيِهِ وَضَلَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ. (6) فَكَمْ قَدْ رَأَيْتُ- يَا إِلَهِي- مِنْ أُنَاسٍ طَلَبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِكَ فَذَلُّوا، وَرَامُوا الثَّرْوَةَ مِنْ سِوَاكَ فَافْتَقَرُوا، وَحَاوَلُوا الارْتِفَاعَ فَاتَّضَعُوا» [الدعاء 28]

الخلاصة

كل إنسان لو رجع إلى نفسه وسألها عن وجود إله وخالق للكون، لأجابت نفسه بوضوح تام أن من وراء الكون والعالم قوة عظيمة، وهذا الاحساس نابع من الفطرة وله أهمية كبيرة، لأنه موجود عند كل الناس في كل زمان ومكان ولا يمكن تغييره ﴿فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ﴾ [الروم: 30].

وعندما يواجه الشخص الشدائد والحوادث المرعبة كالسيول والبراكين وغيرها، وفي هذه الحالة ـ خصوصاً إذا لم يصله عون مادي ـ سوف يقوى عنده هذا النداء من داخله بأن هناك قوة عظيمة (غير مادية) قادرة على إنقاذه من هذه الأخطار. قال تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [العنكبوت: 65]. ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 67].

وفرعون حينما أوشك على الغرق قال: آمنت! ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 90].

وأما نحن، فإننا نشعر في أعماق أنفسنا بأن هناك نوراً يتوقّد في باطننا يدعونا إلى الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مقالات مرتبطة:

مختارات ميسّرة من المفاهيم القرآنية: 1- عرفان الجميل

مختارات ميسَّرة من المفاهيم القرآنية: 2- الهداية

مختارات ميسَّرة من المفاهيم القرآنية: 3- حب الاطلاع والحاجة إلى الكمال


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2247
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 06 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18