• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : المحكم والمتشابة .

المحكم والمتشابة

سماحة الشيخ عبدالجليل البن سعد

اختلف العلماء في تحديد مفهوم المحكم والمتشابه مما سبب ولادة علم جديد يعرف بعلم المحكم و المتشابه . عناصر البحث ما يلي:

(1) الإبهام والتشابه (2) بعض الاتجاهات في المحكم والمتشابه (3) الفصل في المحكم و المتشابه .

الإبهام والتشابه / فتعريف التشابه :

هو الذي يرفع بالتأويل . وتعريف المبهم : يرتفع بالتفسير  .

 مثال على ذلك الآية القرآنية التالية قال تعالى  {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء} اشتملت الآية على الإبهام و التشابه. فالتشابه ورد في قوله ( ومن يرد أن يضله) وهنا نسبة الإضلال إلى الله من التشابه فنحتاج هنا للتأويل ،والإبهام ورد في قوله ( كأنما يصعد في السماء ) ..

 والإبهام يأتي عن أسباب منها غرابة الكلمة عن المألوف العام. مثال على بعض الكلمات المبهمة جاء ذكر (المنسأة) مع سلمان وهي بمعنى العصا لكن بها غرابة لأنها لغة حضرموت ، كذلك كلمة (الودق) لفظة بها إبهام  ناتج من أن الكلمة غير مألوفة تستخدم بمعنى كلمة مطر في لغة جهرم .

وقد يكون سبب الإبهام أنها عرض يحتاج إلى السرد التاريخي لرفع الغرابة مثال استفدنا منه سابقاً وهو قوله تعالى { وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فلو لم نعرف سبب النزول من خلال السرد التاريخي لم نعرف معنى الآية الكريمة فتعتبر الآية مبهمة  . لأن الآية تتكلم عن عادة كان يفعلها بعض القبائل في موسم الحج يثقبون ثقباً خلف الخباء ويدخلون منه ويحرمون على أنفسهم دخول الخباء من الباب فنزلت الآية على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توضح المعنى وتوجه قومه للسلوك الصحيح .                

كذلك نريد أن نقول :

سؤال هنا هل التشابه يخدم الهدف العام للقرآن الكريم وهو الهداية ؟ الجواب : نعم .

لماذا وبأي وجه ؟

الوجه الأول  ضئالة  المتشابه بالنسبة للمحكم أي أن نسبة المتشابه لو فرضنا أن القرآن الكريم به ما يربوا على ستة آلاف آية فإن مقدار المتشابه لا يتجاوز المائتين فهذا لا يضر بالهدف العام .

 شيئا أخر إذا قلنا أن القرآن كتاب هداية فيتبادر للذهن أنه مرجع كل إنسان يريد هداية في أمر ما .

ولكن نقول أن هذا المعنى لا يتصل بمعنى الهداية بل المعنى الصحيح أن القرآن هو المصدر الأول للهدايه وإن أحتاج الرجوع إليه إلى واسطة و إلى قيم أي يحتاج إلى إمام معصوم يحدد لك الهداية في القرآن الكريم .

وهنا كلام لطيف لأبن رشد

يناسب بيان الحكمة من وجود المتشابه في القرآن الكريم لأن بعض من المستشرقين أثار إشكال بقوله: لو كان القرآن كتاب هداية لماذا يوجد فيه متشابه فهذا يمنع أن يكون كتاب عام لكل البشرية ؟

وفي الجواب على هذه الشبهة يقول أبن رشد :

التعليم الشرعي كالغذاء فالغذاء هدفه العام أن يكون نافع . فهل يمنع أن يكون ضارا في بعض الأحيان لبعض الأجسام فيكون الغذاء نافع في الحالات الطبيعية ويكون ضاراً في غير ذلك لبعض الحالات، كذلك القرآن الكريم هو نافع للقلوب السليمة  و أما أصحاب القلوب المريضة والتي بها زيغ يكون ضاراً بها  وقال تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}

فنقول أن : التشابه في القرآن في ذاته نافع لكن يضر بأصحاب العقول المريضة .

ويضاف إلى ما تقدم :

وأن  كثيراً من المتشابهات التي نتعاطاها اليوم لم تكن موجودة سابقا لكنها لبست بغمغمة حتى أصبحت عصية على الأذهان مثال قوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 22 – 23 القيامة  فلم يوجد في عهد رسول الله صلى الله عليه آله وسلم من سأل  أأنظر إلى وجه ربنا ؟!!

بل كان المقصود مفهوم ولكن الجدل الكلامي والفلسفة و تبادل الأفكار جعل الأذهان تشتبه في تفسير هذه الآية . وقال الزمخشري : خرجت ذات ظهيرة ووجدت رجلا فقيراً يقول : عيينتي نويظرة إلى الله وإليكم .  بمعنى أنها منقطعة إلى الله وإليكم .

فهذا الأعمى لم يخفى عليه معنى نويظرة .

كذلك قوله تعالى {أستوى على العرش} أي أستوى على الملك وهذا ما وجد له شواهد في كلام العرب وأشعارهم ..

لكن بسبب الانحرافات الكلامية و الجدليات حولت بمعنى أن لله جسم يستوي على عرشه والعياذ بالله .

والرازي يرجع المحكم و المتشابه لمعنى خاص وهو المبين و المجمل ونرده بأن الإجمال يصلح لمعنى الإبهام وقد عرفت أن الأسباب التي يتولد منها الإبهام تختلف عن الأسباب التي يولد عنها المتشابه إذاً فلا قيمة لما قاله الرازي ..

وهناك أتجاه أخر يقول :

أن القرآن الكريم لا توجد فيه آية متشابهة إنما التشابه يأتي من عامل خارجي ولذا القرآن ألقى مشكلة التشابه على الطرف المقابل يعني المتشابه يكون نتيجة الفسق و الزيغ في القلوب فيكون لهم مصدر ضلال . إذا العوامل الخارجية التي ذكروها هي ضلال وفسق الآخرين وهذا خارج عن القرآن الكريم..

وكل ما ذكرناه في النقطة الأخيرة ينفيه القرآن الكريم بدليل قوله تعالى {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}

فالآية تثبت أن في القرآن فيه محكم و متشابه لكن المتشابه هو الذين يؤولونه أصحاب القلوب المريضة ولا يجدون حاجزاً في تأويله لصالحهم .

وقال : بعضهم (ابن تيمية)أن التشابه موجود في خصوص الصفات سواء لله أو أنبيائه ولا يوجد في غيره مثال قال تعالى {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ}

فهذا متشابه..

ولكن هذا الإتجاه  تحكم واضح .. و معنى التحكم يعني أقر بشيء ثم حصره في جه من دون جه ويقبله في جه ويرفضه في جه من غير دليل فهذا الأسلوب يسمى في عرف العلماء بـ (التحكم) .

وهذا الكلام أيضاً لا يمكن قبوله يبقى الكلام الأخير والذي أرجحه على كل تلك الأقوال ما ذكره العلامة الطباطبائي قدس سره أعطى تفسيرين في معنى المتشابه فقال : هو أن تكون الآية دالة على أمر مريب يتردد لكن تردده ليس مثل مايعتري الألفاظ التي عند الناس مثل هذا مطلق هذا مقيد أو هذا عام وهذا خاص وهكذا ما يقصده السيد الطباطبائي يقصد غير هذا  وإنما قصد أن تكون الآية تحمل معنى غير ملائم فنجد المعنى في آية أخرى توضح لنا ذلك المعنى هذا الذي سمى متشابه ويقول : السيد الطباطبائي في مفهوم معنى المتشابه كون الآية لا يتعين معناها بعد استماعها بل يتردد ويتردد إلى أن يقع على آية أخرى تبين الآية السابقة .

ولذ نجد أن الإمام إذا سأله أحدهم عن آية لم يفهمها قال له :

ألم تقرأ آية كذا فيرتفع عنه الشبه مثلا .

والحمد لله رب العالمين

تلخيص : زاهرالعبدالله


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=186
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 09 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24