• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : دروس قرآنية تخصصية .
              • القسم الفرعي : الوقف والإبتداء .
                    • الموضوع : سلسلة دروس في الوقف والابتداء (الدرس السابع) .

سلسلة دروس في الوقف والابتداء (الدرس السابع)

اعداد: الأستاذ عبد الرسول عبائي

الوقف التام

تعريفه:

حسب مطالعتي إن أول من عرّف الوقف التام من العلماء القدماء بصورة نصّ هو ابن الأنباري (ت: 328هـ) حيث يقول: « الوقف التام هو الذي يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ولا يكون بعده ما يتعلق به». [إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري ج 1 ص 149]

ومنهم أيضاً أبو عمرو الداني (ت: 444هـ) وهو من العلماء المتقدمين: اعلم ان الوقف التامّ هو الذي يحسن القطع (الوقف) عليه والابتداء بما بعده لأنه لا يتعلق بشي‏ءٍ ممّا بعده. [المكتفي للداني ص 140]

وأشمل تعريف للوقف التامّ من العلماء المتأخّرين قولهم: الوقف التام هو الوقف على كلمة لم يتعلق ما بعدها بها ولا بما قبلها لا من حيث اللفظ [التعلق اللفظي: هو أن يكون ما بعد الكلمة الموقوفة عليها متعلقاً بما قبله من جهة الإعراب كأن يكون صفة للمتقدم أو مضافاً إليه أو معطوفاً أو خبراً له أو مفعولاً أو نحو ذلك] ولا من حيث المعنى. [التعلق المعنوي: هو أن يكون ما بعد الكلمة الموقوفة عليها متعلقاً بما قبله من جهة المعني فقط دون شيء من متعلقات الإعراب كالإخبار عن حال المؤمنين أول البقرة فإنه لا يتم إلاّ عند قوله تعالي: ﴿...الْمُفْلِحُونَ﴾ (البقرة /5) والإخبار عن أحوال الكافرين لا يتم إلاّ عند قوله ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (البقرة/7) والإخبار عن أحوال المنافقين لا يتم إلاّ عند قوله سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (البقرة /20) حيث لم يبق لما بعده تعلق بما قبله لا لفظاً ولا معني. القول المفيد لمحمد مكي نصر ص 199 بتصرف]

وتحته نوعان:

النوع الأول: « هو الذي يلزم الوقف عليه والابتداء بما بعده لأنه لو وصل بما بعده لأوهم وصله معنى غير المعنى المراد وهذا هو الذي عبّر عنه السجاوندي باللازم ». [معالم الاهتداء للحصري ص 20]

وعبّر عنه بعضهم بالواجب ويطلق على هذا النوع (التامّ المقيّد) أي المقيد باللازم أو الواجب ». [ولا يختص اللزوم بالتام فقط بل نجده في الوقف الكافي الحسن أيضاً كما سيأتي في باب الفوائد من كل نوع أمثلته ولكن اللازم في التام أكثر من غيره]

ويكون في غضون الآية أو في آخرها وأمثلته كثيرة، من أمثلته في وسط الآي « الوقف على كلمة ﴿قَوْلُهُمْ﴾ من قوله تعالى: ﴿فَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ﴾ (يس/76) لازم لأنه لو وصل بما بعده لأوهم أن جملة ﴿إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ من مقول الكافرين وهو ليس كذلك، وكذا قوله تعالى: ﴿إنّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾ (الأنعام/36) فالوقف على ﴿يسمعون﴾ لازم لأنه لو وصل بما بعده لأوهم أنَّ الموتى من قوله تعالى: ﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ﴾ يشتركون مع الأحياء في الاستجابة ». [غاية المريد لعطية قابل نصر ص 225]

ومن أمثلته في آخر الآي «الوقف على كلمة ﴿النَّارِ﴾ في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ أصحاب النَّارِ﴾ (غافر/6) فالوقف على هذه الكلمة لازم لأن وصلها بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ﴾ (غافر/7) قد يوهم السامع أن الاسم الموصول نعت لأصحاب النار وليس الأمر كذلك بل الاسم الموصول مبتدأ وجملته استئنافية سبقت لبيان أحوال حملة العرش من الملائكة المقربين». [ن.م. ص 225]

حكمه: يلزم الوقف عليه ويلزم الابتداء بما بعده لجودة التلاوة وإحكام الأداء فالقراءة لا تكون جيّدة إلاّ إذا روعيت فيها هذه الوقوف. [معالم الاهتداء للحصري ص 19]

علامته: وضع ميمٍ أفقية « م » على الكلمة التي يلزم الوقف عليها. [معالم الاهتداء للحصري ص 19 بتصرف]

النوع الثاني: هو الذي يحسن الوقف عليه ويحسن الابتداء بما بعده ومعنى هذا أنّه يجوز وصله بما بعده طالما أن وصله لا يغيّر المعنى الذي أراده الله تعالى ويسمّيه بعضهم بالتام المطلق، وهي غالباً في أواخر السور وأواخر الآيات وانقضاء القصص ونهاية الكلام على حكم معين وقد يكون في وسط الآية وفي أوائلها.

ومن أمثلته «الوقف على ﴿مُّبِينٍ﴾ في قوله تعالى: ﴿... بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ (لقمان/11) فالوقف على هذه الكلمة، وهي رأس آية تامّ لأنَّ ما بعدها لا تعلّق له بها ولا بما قبلها من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى، أما عدم تعلّقه لفظاً، فلأن الواو في الآية 12 ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ...﴾ للاستئناف لا للعطف ولا للحال، فالجملة بعدها مستأنفة لا ارتباط لها بما قبلها لفظاً. وأمّا عدم تعلقه معنىً فلأنَّ الآيات السابقة تهدف إلى لفت أنظار العباد وتوجيه قلوبهم إلى ما نصبه الحق تبارك وتعالى في كونه من آيات كمال قدرته ودلائل باهر حكمته من خلق السموات بغير عمد يرونها، وإلقاء الجبال الثوابت في الأرض حتى لا تضطرب بمن عليها، ومن بثِّ جميع أصناف الدوابّ فيها ومن إنزال الماء من السماء إلى الأرض لإنبات النبات الذي يسرّ النواظر ويشرح الخواطر ولذلك تحدّى المشركين بقوله: ﴿هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ...﴾ ثم تختم الآيات بالحكم على الظالمين المشركين بأنهم في بُعدٍ عن الحقّ والصواب. بعد ذلك تنتقل الآيات من الآية الثانية عشرة إلى قصة لقمان، وسرد الوصايا والنصائح المخلصة التي عرضها على ابنه وأمره بتنفيذها، فمن الواضح أنه لا ارتباط في المعنى الخاص بين الآيات المتحدثة عن وصايا لقمان (ع) والآيات التي قبلها، فوضَّح بهذا انتفاء التعلقَيْن اللفظي والمعنوي بين قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ...﴾ وبين ما قبلها فحينئذ يكون الوقف على ﴿مُّبِينٍ﴾ تام». [غاية المريد لعطية قابل نصر ص 225]

«وسمّي تامّاً لتمام المعنى وكماله عند الكلمة الموقوف عليها وعدم احتياجها لما بعدها لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى، ولا يتحتم الوقف على الكلمة التي يعتبر الوقف عليها تاماً من النوع الثاني أي (المطلق) بل يجوز وصلها بما بعدها نظراً إلى أنّه لا يترتب على وصلها بما بعدها خلل في المعنى أو إيهام خلاف المراد، وإن كان الوقف عليها أولى من وصلها بما بعدها، باعتبار تمام الكلام وعدم تعلّقه بما بعده لفظاً ومعنى». [معالم الاهتداء للحصري ص 20 و 21]

ومن أمثلته في ثنايا الآي «هو الوقف على ﴿هَذَا ذِكْرٌ ...﴾ (سورة ص/49) جملة من مسند إليه ومسند قصد بها الفصل بين ما قبلها وما بعدها، فيؤتى بها للانتقال من قصة إلى قصة ومن غرض إلى غرض، فبعد أن ذكر الله تعالى في الآيات السابقة طرفاً من قصص المرسلين السابقين وما لقوا من أنواع البلاء وصنوف الابتلاء تثبيتاً لقلب نبيه محمد (ص) أراد أن يذكر في الآيات الآتية ما أعدّه لعباده المتقين من حسن المرجع وجزيل المثوبة والنعيم المقيم، وما أعدّه للطاغين من سوء المنقلب والعذاب المهين فقال: ﴿هَذَا ذِكْرٌ﴾ فصلاً بين المقامين وتمييزاً بين المقصدين ففي الإتيان بهذه الجملة إيذان بأن نوعاً من الكلام قد تمَّ وسيشرع في بيان نوع آخر منه، وعلى هذا تكون الواو في قوله تعالى: ﴿... وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ﴾ للاستئناف، والجملة بعدها مستأنفة مسوقة لبيان مآل المتقين والطاغين بعد بيان أحوال المرسلين المتقدمين، إذ ليس ثَمَّ ارتباط لفظي ولا معنوي بين الآيات السابقة لقوله تعالى: ﴿هذا ذكر﴾ والآيات اللاحقة له فحينئذ يكون الوقف على ﴿هَذَا ذِكْرٌ﴾ تاماً وهو في وسط الآية ». [ن.م. ص 22]

ومن أمثلته في أول الآية، الوقف على كلمة ﴿وَبِاللَّيْل﴾ من قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْل ِ...﴾ (الصافات/137 و 138) وقف تامّ وهو تمام الكلام لأن ما بعده لا يتعلّق به أو بما قبله لا لفظاً ولا معنىً فالوقف على ﴿مُّصْبِحِينَ﴾ ليس تاماً فلا يتم الكلام إلاّ بالوقف على ﴿وَبِاللَّيْل﴾ وجملة ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (الصافات/38) جملة استفهامية لا ارتباط لها بما قبلها لا لفظاً ولا معنىً.

وحكم هذا النوع من التامّ: يحسن الوقف عليه ويحسن الابتداء بما بعده، والوقف عليه أولى من الوصل، وعلامته: وضع كلمة « قلى » على الكلمة التي يحسن الوقف عليها وهي منحوتة من عبارة «الوقف أولى من الوصل». [ن.م.ص 26]

ثلاث فوائد حول الوقف التامّ:

1- قد يكون الوقف تاماً على تفسير وإعراب وقد يكون غير تام على آخر نحو قوله تعالى ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ﴾ (آل عمران/7) فالوقف على لفظ الجلالة تامّ على أن ما بعده مستأنف وهو قول بعض الصحابة وبعض القرّاء وأئمة العربية، فإنهم قالوا: الراسخون في العلم لا يعلمون التأويل لكن يقولون آمنا به، وهو غير تام عند آخرين والتمام عندهم الوقف على ﴿الْعِلْمِ﴾ من قوله تعالى: ﴿... وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ...﴾ فهو عندهم معطوف على لفظ الجلالة وهو اختيار ابن الحاجب (ت: 646هـ) وغيره. [غاية المريد لعطية قابل نصر ص 227]

ومن أمثلته الوقف على ﴿وَلَدٌ﴾ من قوله تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ﴾ (الزخرف/81) وقف تامّ إن جعلت ﴿إِن﴾ نافية بمعنى « ما »، أي ما كان للرحمن ولد، وان جعلت ﴿إِن﴾ شرطية كان الوقف على ﴿الْعَابِدِينَ﴾ والمعنى: إن كنتم تزعمون أنّ للرحمن ولداً فأنا أول العابدين، أي من عَبَدَ الله واعترف أنه إله. [القول المفيد لمحمد مكي نصر ص 200]

2- قد يكون الوقف تامّاً على قراءة وغير تامّ على أخرى نحو قوله تعالى: ﴿... مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناًً ...﴾ (البقرة/125) تامّ على قراءة من كسر خاء ﴿وَاتَّخِذُواْ﴾ بعده وكافٍ على قراءة من فتحها، ونحوه قوله تعالى: ﴿... إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (ابراهيم/1) تامّ على قراءة من رفع لفظ الجلالة بعدها وحسنٌ على قراءة من خفض. [النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/227]

3- قد يتفاضل التامّ في التمام نحو: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ و ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ كلاهما تام إلاّ أنّ الأول أتمّ من الثاني لاشتراك الثاني فيما بعده في معنى الخطاب بخلاف الأول. [ن. م. ايضاً]

ونحو: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ﴾ و ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ كلاهما تام إلاّ أن الثاني أتمّ من الأول لأنه آخر القصة. [منار الهدي للأشموني ص 326].

 

 

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1829
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 08 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29