• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : دروس الدار التخصصية .
              • القسم الفرعي : الحفظ .
                    • الموضوع : عوامل مساعدة في تيسير حفظ القرآن .

عوامل مساعدة في تيسير حفظ القرآن

بقلم الاُستاذ حميد كناني

1. دور المتشابهات في تسهيل المحفوظات

لعلّ هذا العنوان يحمل شيئاً من الغرابة؛ لأنّه يخالف ما هو معروف ومألوف في اُصول تحفيظ القرآن الكريم؛ وذلك لأنّ المتعارف هو أنّ المتشابهات، أي الآيات المتشابهة، هي واحدة من المواضيع الأكثر تعقيداً في عالم الحفظ.

والحافظ دائماً يبحث عن أساليب يسيرة وطرق قصيرة لحلّها. والواقع أنّ للخبرة والتجربة التي يمتلكها أساتذة التحفيظ كلٌّ حسب طاقاته وقدراته، دورَها في كشف واستحداث طرق جديدة لتسهيل المحفوظات.

لقد تأمّلت كثيراً في ألفاظ القرآن الكريم فوجدت أنّه لا يكاد يوجد مقطع واحد؛ سواء كان صفحة أو آية أو بعض آية، يخلو من التكرار اللّفظي، ووجدت أيضاً أنّه يمكن عزل المكرَّرات عن المتشابهات والحصول على قائمة كبيرة من الآيات؛ سواء كانت في جدول المكرَّرات أو قائمة المتشابهات، وتنظيمها بالشكل المطلوب الذي يتناسب مع تفصيل وتحليل المتشابهات والمكرَّرات، وبالتالي تسهيل المحفوظات، وكذلك من باب اعتبار أنّ القرآن الكريم كلَّه متشابه (لفظاً)؛ لأنّ التكرار اللّفظي غالب على عموم الآيات الكريمة.

اُقدّم هذه السلسلة: وهي تقسيمات من نوع الموضوع الواحد، تجمع الآيات المتشابهات بألفاظ مكرّرات على شكل أمثلة مباشرة، تغني فيها الإشارة عن العبارة إلى استخراج القواعد وكسب الفوائد.

أ. العبارة: {أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا}

1. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [هود/ 96].

2. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم/ 5].

3. {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [المؤمنون/ 45].

4. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [غافر/ 23].

5. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزخرف/ 46].

ب. العبارة: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ}

1. {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة/ 87].

2. {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [هود/ 110].

3. {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [المؤمنون/ 49].

4. {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} [الفرقان/ 35].

5. {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص/ 43].

6. {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [السجدة/ 23].

7. {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [فصلت/ 45].

ج. العبارة: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى}

1. {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [الاعراف/ 103].

2. {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [يونس/ 75].

نلاحظ في الآيات المذكورة سلفاً أنّها متشابهات وألفاظها متكرّرات دون أيّ اختلاف في العبارة المشتركة لفظاً، إضافة إلى وحدة اللّفظ هناك أيضاً وحدة المعنى والموضوع. ونتيجة هذا الاتحاد والتماسك بين الألفاظ والمعاني نحصل أيضاً على وحدة المفهوم، وكلّ هذا الانسجام سيحوّل الآيات المتشابهات التي خضعت للنظم والتفصيل بعد التجزئة والتحليل إلى ألفاظ مكرّرات تساهم في تسهيل المحفوظات.

ويمكن الإشارة إلى هذا التفصيل اللّفظي والمعنوي للآيات بعبارة اُخرى، كأن نقول على سبيل المثال: هناك بدايات متشابهة للآيات، أو بالعكس هناك نهايات متشابهة للآيات. وقد يتكرّر هذا التشابه لا في البداية ولا في النهاية بل في وسط الآية، وفي كلّ هذه الحالات لا يكون المحتوى إلاّ واحداً، وهو دور المتشابهات في تسهيل المحفوظات.

ألفاظُنا شتّى وحُسنكَ واحدٌ ** وكلٌّ إلى ذاك الجمالِ يشيرُ

ومن أجل أن تتكامل الصورة وتتّضح بشكل أوسع أودّ أن اُشير إلى نقطة لا تقلّ أهمّية عن غيرها، وهي أنّ الأمثلة المذكورة أعلاه كلّها بدايات متشابهة، إذاً فأين النهايات المتشابهة؟ نعم هي موجودة وبكثرة، ويمكن تنظيمها وتقسيمها بعد الاستخراج، وهذا دليل على أنّ التسهيل في تحفيظ القرآن الكريم له أبواب مختلفة، ولا يقتصر على باب واحد وشكل معيّن؛ فالحفظ ميسَّر لأنّ القرآن ميسَّر >ظاهرُهُ أنيق وباطنُهُ عميق<: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر/ 17، 22، 32، 40].

وأخيراً وليس آخراً، فهناك باقة من الآيات التي تحتوي على نهايات متشابهة وبأشكال مختلفة:

المثال الأوّل: آيات متوالية

سورة الروم: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) وَمِنْ آَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24)}.

المثال الثاني: آيات متعاقبة (ما بين آية وآية)

سورة غافر: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57) ... إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59) ... اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)}.

المثال الثالث: آيات متباعدة

سورة يوسف: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) ... مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) ... وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)}.

 

2. دور المعلومات في ترسيخ المحفوظات

لا شكّ أنّ البقاء على القمّة أصعب من الوصول إليها، ومن هذا المنطلق فإنّ للأخلاق والأذواق الشخصيّة عند الحفّاظ فنوناً متنوعةً في اختيار نوع الرموز والإشارات التي تُساعد الحافظ على المحافظة والتثبيت وبالتالي ترسيخ المحفوظات على أفضل صورة ممكنة وعلى أحسن شكل مطلوب.

إنّ التعمّق في مواضيع ومضامين الآيات، وهو يأتي نتيجة للتأمّل والتدبّر الطويلين، سيكشف للحافظ مع مرور الوقت علاقات جديدة وغير ظاهرة بين الآيات الكريمة، بحيث إنّ جمع الآيات ذات العلاقة المشتركة على شكل واحد محدّد ومعيّن سيعطينا موضوعاً خاصّاً.

في هذا الموضوع مجموعة آيات سنتعمّق في تداولها لفظاً ومعنًى من خلال ممارستها مراراً وتكراراً، خاصّة إذا كان موضوع الآية علميّاً، نحصل من خلال طرحه وتناوله على معلومات جديدة تنقلنا الى آفاق بعيدة تتجلّى لنا فيها عظمة القرآن الكريم، وتكشف لنا بعضاً من أسراره وخفاياه.

من خلال الأمثلة الثلاثة التالية، سنكشف الغطاء عن حقائق علمية كانت غائبة على مدى قرون عن أذهان البشرية، إلا أنّ التطوّر العلمي الحديث كشف النقاب عنها.

حقائق بيّنها القرآن الكريم في صورة واضحة في آيات كثيرة، صورة شفافة لا تقبل الشك ولا تحتمل التأويل

المثال الأوّل

1- {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة النحل: 79].

2- {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} [سورة الملك: 19].

في عصرنا الحاضر الذي نعيش فيه، الغالبية العظمى من الناس يكادون يكونون مطّلعين على مسألة الجاذبية في علم الأرض وقصّة نيوتن وسقوط التفاحة تلقائياً عند رميها إلى الأعلى، والملفت للنظر وما يجذب الانتباه في تأمّل الآيتين المذكورتين أعلاه أنّهما خلاف قانون الجاذبية؛ فالطير في سورة النحل (الآية: 79)؛ مسخّرات، والطير في سورة الملك (الآية: 79)؛ صافّات ويقبضن. وفي كلتي الحالتين ما يُمسكهنّ إلا الله، ولولا أنّ الله أمسكهنّ لنزلن ساقطات هابطات طائعات مذعنات، حسب القانون الكلّي والعام للجاذبية. ولله في خلقه شؤون.

المثال الثاني

1- {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [سورة النحل: 71].

2- {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [سورة الزخرف: 32].

في بعض الدراسات الحديثة حول الاقتصاد في القرآن الكريم في شأن الآيتين المذكورتين أعلاه؛ أنّهما تؤكّدان على أنّ النظام الاشتراكي أو الاشتراكية لن تتحقّق بمفهومها الذي خطّط له علماء الاقتصاد، وتوقّعوا تحقيقه على وجه الأرض على مدى القرنين المنصرمين، وهذا ما تحقّق؛ بل إنّ النظام الرأسمالي هو الغالب والحاكم ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وهذا ما أشارت إليه الآيتان الكريمتان: {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [النحل: 71]، {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [سورة الزخرف: 32].

قالوا في تعريف الاشتراكية أنّها مذهب غايته تغيير شكل المجتمع بجعل وسائل الانتاج مشتركة وتوزيع الأموال على المجموع، وتقسيم العمل المشترك وموارد الاستهلاك بين الجميع.

ولنا أن نتصوّر ـ والعالم بين أيدينا ـ مدى حقيقة النظرية القرآنية، ومدى الوهم الذي عاشت فيه البشرية على مدى عقود مديدة.

المثال الثالث

1- {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [سورة الأنبياء: 33].

2- {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [سورة يس: 40].

هناك وجه مشترك لفظي بين الآيتين الكريمتين وهذا الوجه هو جملة {كُلٌّ فِي فَلَكٍ} فإنّنا إذا قرأناها معكوسة تكون نفس الجملة، ولا توجد في القرآن سواهما إلا الآية الثالثة من سورة المدثّر {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} إذا ما اهملنا واو العطف وهي الآية الوحيدة، أمّا من ناحية موضوعية أو معنوية فإنّ العددين 33  و 40  يُعدّان عددين رمزيين والاعداد الرمزية هي من خاصة الاعداد فمن خواص العدد 33 هو أنّه العدد الدقيق لعمر جيل واحد كامل، وثانياً: إنّ السنة الهجرية القمرية وهي السنة الواقعية والحقيقية تكوينياً تكمل دورتها حول الفصول الأربعة كلّ 33 سنة، أضف إلى ذلك كثيراً من كرامات ومعجزات ترتبط بهذا العدد الرمزي؛ ففي الروايات مثلاً ورد أنّ عُمر سيّدنا المسيح (عليه السلام) كان 33 سنة حينما رفعه الله إليه. ولله في خلقه شؤون.

وأمّا العدد 40؛ فقد ورد في القرآن الكريم أربع مرّات على النحو التالي:

1. سورة البقرة (الآية: 51): {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}.

2. سورة الأعراف (الآية: 142): {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}.

3. سورة المائدة (الآية: 26): {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.

4. سورة الأحقاف (الآية: 15): {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.

وكما هو واضح في هذه الآيات الكريمة؛ فقد ذكر القرآن الكريم ليالي موسى (عليه السلام) في آيتي البقرة والأعراف؛ بصيغتين مختلفتين تقريباً، وفي آية المائدة؛ ذكر مدّة متاهة بني إسرائيل (أربعين سنة)، وفي المناسبة الرابعة في آية الأحقاف إشارة لطيفة إلى سنّ آخر من سنين النضوج الفكري لدى الإنسان وهو أربعون سنة، رمز آخر يُضاف إلى رمزيّة هذا العدد، أو بعبارة اُخرى: قدسيّة هذا العدد، كما هو رأي الكثير من العلماء، خاصّة وأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) نزل عليه الوحي وهو في سنّ الأربعين. والله علام الغيوب.

إنّ الأمثلة المذكورة سلفاً هي حقائق علمية من باب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، أكثر من أن تكون معلومات في ترسيخ المحفوظات، ومع ذلك، فلها دور مؤثّر وفعّال في ترسيخ وحتى تسريع ودعم مسيرة الحفظ.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1821
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 08 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24