• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : العقائد في القرآن .
                    • الموضوع : المهدي في الكتاب والسنّة .

المهدي في الكتاب والسنّة

لا يخفى أنّ القرآن الكريم والسنة النبوية صنوان لمشرع واحد. وعقيدة المسلمين بالمهدي المتواترة عن النبي (ص) بلا شك ولا شبهة قد أيّدها القرآن الكريم بجملة من الآيات المباركة التي حملها الكثير من المفسّرين على المهدي المبشَّر بظهوره في آخر الزمان.

وإذا ما تواتر شيء عن النبي (ص)، فلا بدّ من التسليم بأنّ القرآن الكريم لم يهمله بالمرّة وإن لم تدركه عقولنا، لقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].

إذاً، استجلاء هذه العقيدة من الآيات المباركة منوط بمن يفهم القرآن حقّ فهمه، ولا شك بأنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم عدل القرآن بنصّ حديث الثقلين المتواتر عند جميع المسلمين، وعليه فإنّ ما ثبت تفسيره عنهم (عليهم السلام) من الآيات بالمهدي لا بد من الإذعان إليه والتصديق به.

وفي هذا الصدد قد وقفنا على الكثير من أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) المفسّرة لعدد من الآيات المباركة بالإمام المهدي. وسوف لن نذكر منها إلا ما كان مؤيَّداً بما في تفاسير أصحاب المذاهب الأخرى ورواياتهم.

1 - فمنها: ما نمهّد له بالقول: إنّ أعداء هذا الدين من أهل الكتاب والمنافقين والمشركين ومن والاهم {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].

فهذه الآية العجيبة بيّنت لنا أنّ حال هؤلاء كحال من يريد بنفخة فم إطفاء نور عظيم منبثٍّ في الآفاق، ويريد الله تعالى أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى في الإشراق والإضاءة. وفي هذا منتهى التصغير لهم والتحقير لشأنهم والتضعيف لكيدهم، لأنّ نفخة الفم القادرة على إطفاء النور الضعيف - كنور الفانوس - لن تقدر على إطفاء نور الإسلام العظيم الساطع.

وهذا من عجائب التعبير القرآني، ومن دقائق التصوير الإلهي، لما فيه من تمثيل فني رائع بلغ القمّة في البيان، ولن تجد له نظيراً قطّ في غير القرآن.

ثمّ تابع القرآن الكريم ليبين لنا بعد هذا المثال، إرادة الله عز وجل الظهور التام لهذا الدين رغم أنوفهم، فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33].

والمراد بدين الحق هو دين الإسلام بالضرورة، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران: 85].

وقوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ}، أي: لينصره على جميع الأديان، والضمير في قوله تعالى: {ليظهره} راجع إلى دين الحق عند معظم المفسرين وأشهرهم، وجعلوه هو المتبادر من لفظ الآية.

وهذه بشرى عظيمة من الله تعالى لرسوله (ص) بنصرة هذا الدين وإعلاء كلمته، وقد اقترنت هذه البشرى بالتأكيد على أن إرادة أعداء الدين إطفاء نور الإسلام سوف لن تغلب إرادته تعالى إظهار دينه القويم على سائر الأديان، ولو كره المشركون.

والإظهار في الآية لا يراد به غير الغلبة والاستيلاء، قال الرازي في تفسيره: واعلم أن ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجة، وقد يكون بالكثرة والوفور، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء. ومعلوم أنه تعالى بشر بذلك، ولا يجوز أن يبشر إلا بأمر مستقبل غير حاصل، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة(1).

ولا يخفى أن تلك الغلبة على الأديان الأخرى قد تحققت في عهد النبي (ص) وخير دليل على ذلك أنهم دفعوا الجزية للمسلمين عن يد وهم صاغرون، ولا يخفى أيضا أن تلك الغلبة والنصرة كانت بما يتناسب وصيرورة الإسلام دينا قويا مهاب الجانب وذا شوكة.

ولكن واقعنا اليوم ليس كذلك، والذين دفعوا لنا الجزية بالأمس قد سيطروا اليوم على مقدساتنا، والعدو أحاط بنا، وغزينا في عقر ديارنا، مع ما يلاحظ من نشاط التبشير لأديان أهل الكتاب على قدم وساق.

وإذا كنا نعتقد حقاً بأن القرآن الكريم صالح ليومه وغده، فهل يكون معنى ظهور الدين على سائر الأديان منطبقا على واقع الإسلام اليوم الذي يكاد يكون مطوقا بأنظمة المسلمين وسياساتهم؟ وهل لتلك البشرى من مصداق واقعي غير كثرة من ينتمي إلى الإسلام مع ما في هذه الكثرة من تضاد وتناقض واختلاف في العقائد والأحكام؟!

هذا مع أن المروي عن قتادة في قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ} قال: هو الأديان الستة: الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئين، والنصارى، والمجوس، والذين أشركوا. فالأديان كلها تدخل في دين الإسلام، والإسلام يدخل في شيء منها، فإن الله قضى بما حكم وأنزل أن يظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون(2).

وفي تفسير ابن جزي: وإظهاره: جعله أعلى الأديان وأقواها، حتى يعم المشارق والمغارب(1). وهذا هو المروي عن أبي هريرة كما نص عليه جملة من المفسرين(2).

وفي الدر المنثور: وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والبيهقي في سننه عن جابر رضي الله عنه في قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله) قال: لا يكون ذاك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني صاحب ملة إلا الإسلام(3).

وعن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله كلمة الإسلام، إما بعز عزيز، وإما بذل ذليل. إما يعزهم فيجعلهم الله من أهله فيعزوا به، وإما يذلهم فيدينون له(4).

ومن هنا ورد في الأثر عن الإمام الباقر (ع) أن الآية مبشرة بظهور المهدي في آخر الزمان، وأنه - بتأييد من الله تعالى - سيظهر دين جده (ص) على سائر الأديان حتى لا يبقى على وجه الأرض مشرك. وهو قول السدي المفسر(5).

قال القرطبي: وقال السدي: ذاك عند خروج المهدي، لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام (6).

2 - ومنها: قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ}(1).

فقد أخرج الطبري في تفسيره، عن حذيفة بن اليمان تفسيرها في الجيش الذي يخسف به، وسيأتي ما يدل على أن ذلك الخسف لم يحصل إلى الآن على الرغم من روايته في كتب الصحاح والمسانيد المعتبرة، وأنه من أشراط الساعة المقترنة بظهور المهدي بلا خلاف(2).

وما أخرجه الطبري ذكره القرطبي في التذكرة مرسلا عن حذيفة بن اليمان، وبه صرح أبو حيان في تفسيره، والمقدسي الشافعي في عقد الدرر، والسيوطي في الحاوي للفتاوى، وأورده الزمخشري في كشافه عن ابن عباس(3)، وقال الطبرسي في مجمع البيان: وأورده الثعلبي في تفسيره، وروى أصحابنا في أحاديث المهدي عن أبي عبد الله (ع) وأبي جعفر (ع) مثله(4).

3 - ومنها: قوله تعالى: (وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم)(5).

فقد صرح البغوي في تفسيره، وكذلك الزمخشري، والرازي، والقرطبي، والنسفي، والخازن، وتاج الدين الحنفي، وأبو حيان، وابن كثير، وأبو السعود، والهيثمي أن الآية بخصوص نزول عيسى بن مريم (ع) في آخر الزمان(6).

وقد أولها مجاهد في تفسيره، وهو من رؤوس التابعين ومشاهيرهم في التفسير، بنزول عيسى (ع) أيضاً(1).

وقد أشار السيوطي في الدر المنثور إلى ما أخرجه أحمد بن حنبل، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والفريابي، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد من طرق، عن ابن عباس أنها بخصوص ما ذكرناه(2).

وقال الكنجي الشافعي في كتابه البيان: وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسرين في تفسير قوله عز وجل: (وإنه لعلم للساعة) هو المهدي (ع)، يكون في آخر الزمان، وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأمارتها(3).

ومثل هذا التصريح تجده عند ابن حجر الهيتمي، والشبلنجي الشافعي، والسفاريني الحنبلي والقندوزي الحنفي، والشيخ الصبان(4).

ولا خلاف بين هؤلاء وأولئك لأن نزول عيسى سيكون مقارنا لظهور المهدي كما في صحيحي البخاري ومسلم وسائر كتب الحديث الأخرى. ويؤيده إشادة بعض من ذكرنا الصريحة بذلك فقد نقلوا عن تفسير الثعلبي أنه أخرج في تفسير هذه الآية عن ابن عباس، وأبي هريرة، وقتادة، ومالك بن دينار، والضحاك ما يدل على أنها في نزول عيسى بن مريم مع التصريح بوجود الإمام المهدي وقت نزول عيسى بن مريم، وأنه يصلي خلف المهدي (عليهما السلام).

4 - ومنها: قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِي الْكُنَّسِ}. فقد ورد في الأثر عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: إمام يخنس سنة ستين ومائتين، ثم يظهر كالشهاب يتوقد في الليلة الظلماء، فإن أدركت زمانه قرت عينك(1).

ولا يخفى أن هذا من الأخبار المعجز الذي علمه أهل البيت عليهم السلام عن

رسول الله (ص) والذي تلقاه من الوحي عن الله جل شأنه.

ونكتفي بهذا القدر، على أن الشيخ القندوزي الحنفي قد أورد الكثير من الآيات التي فسرها أئمة أهل البيت عليهم السلام بالإمام المهدي وظهوره في آخر الزمان(3).

 

الهوامش:

ـــــــــــــــــــــــ

(1) النحل: 16 89.

(2) التوبة: 9 32.

(1) التوبة: 9 33.

(2) آل عمران: 3 85.

(1) التفسير الكبير الرازي 16: 40.

(2) الدر المنثور السيوطي 4: 176.

(1) تفسير ابن جزي: 252.

(2) تفسير الطبري 14: 215 16645، والتفسير الكبير 16: 40، وتفسير

القرطبي 8: 121، والدر المنثور 4: 176.

(3) الدر المنثور 4: 176.

(4) مجمع البيان 5: 35.

(5) مجمع البيان 5: 35.

(6) تفسير القرطبي 8: 121، والتفسير الكبير 16: 40 ومجمع البيان 5: 35.

(1) سبأ: 34 51.

(2) أنظر تفصيل ذلك في الفصل الثالث من هذا البحث ص: 35.

(3) تفسير الطبري 22: 72، وعقد الدرر: 74 ب 4 من الفصل الثاني،

والحاوي للفتاوى 2: 81، والكشاف 3: 467 - 468.

(4) مجمع البيان 4: 398.

(5) الزخرف: 43 61.

(6) معالم التنزيل البغوي 4: 444 61، والكشاف 4: 26، والتفسير الكبير 27: 222، وتفسير القرطبي 16: 105، وتفسير النسفي المطبوع بهامش تفسير الخازن 4: 108 - 109، وتفسير الخازن 4: 109، والدر اللقيط 8: 24، والبحر المحيط 8: 25، وتفسير ابن كثير 4: 142، وتفسير أبي السعود 8: 52، وموارد الضمآن: ح 1758.

(1) تفسير مجاهد 2: 583.

(2) الدر المنثور 6: 20.

(3) البيان في أخبار صاحب الزمان: 528.

(4) الصواعق المحرقة: 162، ونور الأبصار: 186، ومشارق الأنوار - كما

في الإمام المهدي عند أهل السنة 2: 58 - وإسعاف الراغبين: 153، وينابيع

المودة 2: 126 باب 59.

 (1) أصول الكافي 1: 341 22، كمال الدين 2: 324 ب 32 ح 1،

كتاب الغيبة الشيخ الطوسي: 101، كتاب الغيبة النعماني: 149 ب 10

ح 1، الهداية الكبرى الحضيني: 88، ينابيع المودة 3: 85 باب 71.

(2) ينابيع المودة 3: 76 - 85 باب 71.

اختصاراً من كتاب: المهدي المنتظر في الفكر الاسلامي، لمركز الرسالة

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1672
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 06 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24