• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : دروس الدار التخصصية .
              • القسم الفرعي : الحفظ .
                    • الموضوع : دور القرائن في تثبيت المحفوظات (القسم الأول) .

دور القرائن في تثبيت المحفوظات (القسم الأول)

الأستاذ الحافظ حميد كناني

 

1. الثنائيات

ممّا لاشك فيه أنّ للقرائن والنظائر دور كبير في تثبيت المحفوظات...

وهذه القرائن والنظائر علی‌ اختلاف أشكالها من الأرقام والألفاظ والمعاني فإنّها تلتقي دائماً في نقطة مشتركة... ألا وهي الاشتراك في الرقم أو اللفظ أو المعنی، وقد يكون الاشتراك في الثلاثة‌ أو يكون في اللفظ والمعنی‌ فقط أو الرقم واللفظ دون المعنی‌أو في واحدة من الثلاثة...

والقرائن والنظائر في القرآن الكريم علی أعداد مختلفة فمنها الثنائيات أو الثلاثيات أو الرباعيات وهكذا فصاعداً.

والأمثلة هي أفضل طريقة‌ إلی‌ الفهم المباشر دون خوض التفاصيل والتوضيحات والشروح المطولة...

واُشير فيما يلي إلی بعض الثنائيات و نوع الاشتراك الموجود فيها، وهذا الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو العددی هو الذي نعبر عنه بالقرائن والنظائر.

المثال الأول:

جمع المشتركات الثلاثة من الأرقام والألفاظ والمعاني الآية 151 من سورة الأنعام {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}  والآية الأخری هي الآية 31 من سورة‌ الإسراء {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ...} وواضح جداً أنّ المقطع من الآيتين الكريمتين يبدأ باللفظ المشترك ولا تقتلوا والمعنی أيضاً مشترك، وهو النهي عن القتل مخافة‌ الفقر مع فارق بسيط، حيث إنّ آية الأنعام خطاب للفقراء وآية الإسراء خطاب للأغنياء.

وهناك اشتراك في العدد وهو الرقم واحد كما هو واضح.

المثال الثاني:

الآيتان الكريمتان من سورة‌ البقرة 187 و 197 ففي الآية 187 {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} و في الآية 197 {الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ} فاللفظ المشترك الرفث والرقم المشترك 7  والمعنی أيضاً قريب، علماً أنّه يشترط أن يكون اللفظ المشترك من الكلمات التي قلّما ذكرت في القرآن الكريم فمثلاً لفظ السموات أو الأرض أو الشمس أو القمر أو الليل أو النهار لا يعتبر قرينة ولايدخل في إطار أو دائرة النظائر لكثرة الآيات التي ورد فيها، فالشمس مثلاً ذكرت في القرآن الكريم 33 مرّة وورد ذكر القمر 26 مرة.

المثال الثالث:

المقطع من الآية 25 من سورة‌ النساء {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} والمقطع من الآية 5 من سورة المائدة {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}

فكلمة أخدان وردت مرتين في القرآن الكريم.

وفي جملة شبه مشتركة بين سورتي النساء الآية‌ 25 والمائدة الآية 5 وكما نلاحظ أنّ هناك اشتراك بين المقطعين من الآيتين الكريمتين من ناحية‌ الرقم واللفظ والمعنی...

المثال الرابع:

الآية 11 من سورة فصلت {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصِّلت:11].

والآية 10 من سورة‌ الدخان {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}.

الاشتراك الوحيد بين الآيتين الكريمتين هو كلمة دخان التي وردت مرتين في القرآن الكريم وليس هناك أي اشتراك آخر من ناحية‌ الرقم أو اللفظ أو المعنی إلا أن نقول إنّ الآية 11 من سورة فصلت هي بداية الخلق والآية 10 من سورة‌ الدخان هي نهاية الخلق... وهي من علامات يوم القيامة أو نقول إنّ رقم الآيتين الكريمتين قريب وترتيبي ـ 10 الدخان ـ 11 فصلت وهذه القرينة باب من أبواب حفظ رقم الآيات.

المثال الخامس:

الآية 154 من سورة آل عمران {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ}. والآية 11 من سورة‌ الانفال  {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}.

القاسم المشترك بين الآيتين هو فقط اشتراك موضوعي، وممكن القول أنّه شبه لفظي في هذا القسم من الآيتين الكريمتين {أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً} آل عمران 154 و... {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً} الأنفال 11 والموضوع أنّ هذه النعسة نزلت قبل ليلة‌ من وقعة‌ بدر في آية الأنفال وبعد ليلة‌ من وقعة‌ أحد في آية آل عمران.

2- الثنائيات من نوع آخر

إضافة إلى ما تقدّم هناك ثنائيات من نوع آخر مع شرط وجود الاشتراك اللفظي والمعنوي والعددي، أو وجود اشتراكين، أو اشتراك واحد على الأقل، نستعين بها في تثبيت المحفوظات، وهي ثنائيات خاصّة ولأنّها خاصّة جداً ربّما تكون أيضاً من نوع الشواهد النادرة، و على أيّة حال فإنّ ذكر مثال أو مثالين يكفي للوصول إلى الفكرة وللحصول على المطلوب، و هذا الإجمال كان و مازال طريقتي الخاصّة في الدورات المكثّفة، وتحت شعار الإشارة والعبارة أو تطبيقاً للمثل القائل إياك أعني فاسمعي يا جارة

والآن الأمثلة:

المثال الأول:

 1. قوله تعالى: {آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} (يونس: 51)

2. قوله تعالى: {آَلآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (يونس: 91)

لقد وردت الآن بهذه الصيغة مرتين فقط في كلّ القرآن الكريم و كما نلاحظ أنّ كلا الآيتين جاءتا في سورة يونس مع وجود قرينة العدد وهو الرقم 1 (51ـ91)

المثال الثاني:

 1. قوله تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} (يوسف: 31).

2. قوله تعالى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (يوسف: 51).

لقد وردت جملة حاش لله مرتين في القرآن الكريم وفي سورة واحدة هي سورة يوسف مع وجود قرينة الرقم وهي العدد 1 (31ـ51) علماً أنّ كلمة الآن التي وردت في نفس السورة في الآية 51  في جملة {الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} وفي سورة أخرى غير الآن التي وردت في سورة يونس 51ـ91 ولم ترد في آية أخرى في القرآن الكريم.

نلاحظ في المثالين السابقين أنّ الآيات المذكورة أعلاه في كلّ مثال هما من سورة واحدة ولم يرد ما جاء في السورتين من كلمات في آية سورة أخرى، وهذا قليل جداً إن لم نقل هو نادر جداً في القرآن الكريم.

ومن باب القليل النادر لنأخذ المثال الثاني ونتأمل في الثنائية الاستثنائية من آي الذكر الحكيم.

1. قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (الأنعام: 84).

2. قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} (غافر: 34).

القرينة الثنائية الاستثنائية في هذا المثال هو أنّ كلمة يوسف جاءت 27 مرّة في القرآن الكريم كلّها في سورة يوسف باستثناء الآيتين المذكورتين أعلاه (الأنعام 84 و غافر 34) هذا مع وجود قرينة الرقم وهو العدد 4 (84ـ34).

ويمكن إضافة شبيهة بهذه الثنائية الاستثنائية تكون مسك الختام لهذا البحث ألا وهي أنّ اسم النبي يونس (عليه السلام) ورد 4 مرات في القرآن الكريم وورد مرتين بهذه الصيغة المختلفة جداً وغير المسبوقة وذا النون (الأنبياء 84) كصاحب الحوت (القلم 48).

ومن خلال النظرة الكاملة للآيات الستة تتضح لنا الصورة بشكل لا يحتاج إلى تعليق

1. قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} (النساء: 163)

2. قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} (الانعام: 86).

3. قوله تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} (يونس: 98).

4. قوله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} (الصافات 139).

5. قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (الأنبياء).

6. قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} (القلم: 48).

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1592
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19