• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : الحج وعيد الأضحى .
                    • الموضوع : الأبعاد المعنوية للحج .

الأبعاد المعنوية للحج

بقلم الشيخ: عبدالهادي اللويم

قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ, لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}.

إنّ الحج من العبادات المهمّة وذات الأبعاد المختلفة التي يجدها الحاج ويلمسها بسهولة, فله أبعاد مادية, وأبعاد معنوية, وأبعاد دينية, وأبعاد دنيوية, ولذلك عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) فإنّ كلّ هذه الأبعاد تعدّ منافع للإنسان, وقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (من أراد دنيا وآخرة، فَلْيَؤُمَّ هذا البيت، ما أتاه عبد فسأل الله دنياً إلّا أعطاه منها, أو سأل آخرة إلّا ادّخر له منها، أيّها النّاس عليكم بالحجّ والعمرة فتابعوا بينهما، فإنّهما يغسلانِ الذنوبَ كما يغسلُ الماءُ الدَّرَنَ، وينفيانِ الفقرَ كما تنفي النارُ خَبَثَ الحديدِ).

ونحن في هذه الأسطر المختصرة نريد أن نسلط الضوء على جانب من هذه الأبعاد، وهو البعد المعنوي؛ لأنّه أهم هذه الأبعاد.

ونقصد من البعد المعنوي ما يرتبط بغير الجانب المادي دنيوياً أو أخروياً, سواء من جهة القرب إلى الله تعالى، وهو أبرز الجهات المعنوية, أو من جهة غفران الذنوب, أو من جهة حصول الثواب في الآخرة, أو من جهة حلول البركة في الدنيا, وغير ذلك من الأمور, لاسيما ما يرتبط منها بالجانب الروحي؛ فإنّ الروح هي المحاسبة وهي المثابة وهي المعاقبة وهي القائد للإنسان في الدنيا والآخرة, وهي التي تتكامل أو تتسافل.

ومن تلك الأبعاد التي يمكن أن نلحظها ونتزود منها معنوياً في الحج مظاهر الارتباط بالله عزّ وجل، وهي كثيرة ومن جهات مختلفة, كالبعد المكاني والزماني والكيفي:

أ- البعد المكاني:

فإن البيت الحرام هو أول بيت وضع للناس لأجل عبادة الله تعالى, قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ}؛ ولذلك فالحرم الشريف بجميع بقاعه مضافاً إلى أرض عرفة يمتاز بقُدسية خاصة وطابع معنوي خاص من أزمنة تاريخية بعيدة ترتبط بجميع الأنبياء الذين اجتمعوا في هذه البقعة, من آدم (ع) إلى نبينا محمد (ص) وأهل بيته (ع) الذين علّموا أصحابهم وأتباعهم الطريقة المُثلى في الاستفادة من تواجدهم في هذه المواطن الشريفة, وعلى الحاج أو المعتمر حينما يأتي هذه الأماكن أن يرتبط بالله الواحد الأحد وبجميع الرسالات والديانات السماوية وينشدّ إلى الأنبياء والرسل ويتذكر سيرتهم ومواقفهم.

ومنها اغتنام الفرصة في هذه الأماكن بعمل العبادات والخيرات- خصوصاً ما ورد عن أهل البيت (ع)- فإن ثواب العمل فيها مضاعف عند الله تعالى, وقد ورد عدّة أمور ترتبط بهذه البقعة المباركة, منها:

- الإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن: فعن الإمام السجّاد (ع): (إنَّ تسبيحةَ بِمكّة يعدل خراج العراقين ينفق في سبيل الله).

- ختم القرآن: فعن الإمام السجّاد (ع): (من خَتَمَ القرآنَ بمكّة لم يَمُتْ حتّى يَرَى رسولَ اللهِ (ص) ويرى مَنْزِلُه في الجنّة).

- الشرب من ماء زمزم: ففي رواية الشلبيّ العظيمة: (ثمّ قال (ع) له: أَشْرَفتَ على بِئْرِ زمزمَ وشربْتَ من مائِها؟ قال: نعم، قال: نَوَيْتَ أنّك أَشْرَفْتَ على الطّاعَةِ، وغَضَضْتَ طَرْفَك عن المعصِيةِ؟ قالَ: لا، قال (ع): فَما أشرفْتَ عَلَيها، ولا شَرِبْتَ من مائِها).

ورُوي أنّه من ارتوى من ماء زمزم أحدث الله له به شفاء، وصرف عنه داء، وكان رسول الله (ص) يستهدي ماء زمزم وهو بالمدينة.

- الإكثار من النظر إلى الكعبة: فعن رسول الله (ص): (أنّ النظرّ إلى الكعبةِ حبّاً لَهَا يهدِمُ الخطايا هدماً).

ب- البعد الزماني:

فإن الله سبحانه وتعالى اقتضت حكمته أن يجعل أوقاتاً معينة يستجيب فيها للعبد دعاءه ويغفر له ذنوبه, كليلة القدر التي هي خير من ألف شهر, وليلة النصف من شعبان, وليلة الجمعة ويومها, ومن تلك الأيام أيام الحج وبالأخص ليلة المشعر وليلة عرفة ويوم عرفة فإنها أزمنة عظيمة عند الله تعالى, بل ورد أن من الذنوب ما لا يغفر إلا في يوم عرفة, فحري بالحاج عدم تضييع هذه الفرصة الثمينة للاستزادة منها.

ج- البعد الكيفي:

فإن الحج شُرّع بكيفية معينة وبعناية خاصّة لا نظير لها, حيث إن طابعه وواقعه بجميع كيفياته ومظاهره وسائر جوانبه يلامس دائماً جانب الروح من عدّة جوانب, أمثال:

أ- الإحرام: سواء في جانبه الفعلي والخارجي- وهو لبس ثوبي الإحرام- الذي يمثل أمرين في آن واحد, الأول: جانب المساواة مع سائر البشر وإذلال النفس المتكبرة على سائر الناس, والثاني: انعكاس مشهد من مشاهد يوم القيامة, فكأنه لابس الكفن وخارج به ليلقى الله ربه سبحانه وتعالى.

أو في جانبه القولي, أي بالتلبية, والتي معناها الإجابة لنداء الله تعالى المطلق في قوله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}, وعن الإمام الصادق (ع): (وَأَحْرِم من كلِّ شيءٍ يَمنَعُكَ عن ذِكرِ الله ويَحْجِبُكَ عن طاعَتِهِ, ولبِّ بِمعنى إجابَةٍ صافيةٍ زاكيةٍ للهِ عزّ وجلّ في دعوتك له متمسّكاً بعُروتِهِ الوثقى).

ونحن إذا تأملنا كيفية التلبية عند أئمتنا (ع) استشعرنا عظمتها ومغزاها, فها هو الإمام زين العابدين (ع) في بعض الأخبار أنه إِذا أَرادَ أَنْ يُلَبّي اصفرَّ لونُه وانتفضَ ووقعَت عليهِ الرّعدَةُ، فَإِذا لَبّى غُشِيَ عَلَيْهِ وَسَقَطَ عَنْ راحِلَتِه.

وعن ابن أبي عامر أنّ الإمام الصادق (ع) لمّا استوت به راحلته عند الإحرام كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يَخِرّ عن راحلته، فقلت: قل يا بن رسول الله ولابدّ لك أن تقول، فقال (ع): (يا بْنَ أّبي عامِرٍ كَيْفَ أَجْسُرُ أَنْ أَقولَ "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ" وَأَخْشى أَنْ يَقولَ عَزَّ وَجَلَّ لي لا لَبَّيْكَ وَلا سَعْدَيْكَ).

ولذلك ورد عنه (ع): (إِذا أَحْرَمْتَ فَعَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ وذِكْرِ اللهِ كَثيراً، وَقِلَّةِ الْكَلامِ إلّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ مِنْ تَمامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ يَحْفَظَ الْمَرْءُ لِسانَهُ إلّا مِنْ خَيْرٍ، فَإِنَّ الله- عَزَّ وَجَلَّ- يَقولُ: "فَمَنْ فَرَضَ عَلَيْهِنّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ).

ب- الدعاء: المعبّر عنه في الروايات بأنّه مخ العبادة؛ فإنّه المبرز الحقيقي لما في نفس الإنسان وواقعه من خلال التضرع إلى الله تعالى والخشوع إليه، وكلما كان الدعاء ذا مغزى عالٍ كان أقوى في التذلل والخشوع والشدّ نحوه تعالى, أمثال دعاء الإمام الحسين (ع) ودعاء الإمام زين العابدين (ع) في عرفة وغيرهما, فإنّ هذين الدُعاءين من أبرز أدعية أهل البيت (ع) عمقاً معرفياً وتوجيهاً تربوياً وسلوكاً عرفانياً وأسلوباً مؤثراً يجذبك نحو الله تبارك وتعالى ويُخرجك من عالم الماديات إلى عالم المعنويات.

ج- الطواف: والذي يعني أنّ الإنسان لا يدور في وجوده، وحركته إلّا وفق إرادة الله ورِضاه، وأن يكون طوافه حول الكعبة التي ترمز إلى الحضرة الربوبيّة بقلبه لا بجسده، متشبِّهاً بالملائكة الذين يطوفون بإزاء العرش حول البيت المعمور، كأنّه يعاهد الله أن يكون كالملائكة التي عبّر عنهم الله بقوله: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}؛ ولذلك ورد عن الإمام الصادق (ع): (وَطُفْ بِقَلْبِكَ مَعَ الْمَلائِكَةِ حَوْلَ الْعَرْشِ، كَطَوافِكَ مَعَ الْمُسْلِمينَ بِنَفْسِكَ حَوْلَ الْبَيْتِ).

ويمكن القول أن الطواف يمثل عدّة أمور:

- رمز الوحدانية لله تعالى, فعن الإمام الصادق (ع): (... وَأَنَّ الكعبةَ بيتٌ للتوحيدِ، بُنِيَ بأيدي أنبياءِ اللهِ العظامِ لِلْمُوَحِّدينَ مِنْ أهلِ الأرضِ، وَلا يسبقُهِ بهذا القِدَمِ أيُّ معبدٍ آخرَ).

- مكان لقيام النّاس: قال تعالى: {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ}، وسئل أبو عبد الله عن الآية فقال: (جَعَلَها اللهُ لِدينِهِمْ وَمَعايِشِهِمْ), وعن الإمام الصادق (ع): (لا يزالُ الدّينُ قائِماً ما قامَتِ الْكَعْبَةُ).

- مكانٌ لكتابة الحسنات ومَحْو السيئات: فعن الإمام الصادق (ع): (مَنْ نَظَرَ إِلى الْكَعْبَةِ لَمْ يَزَلْ يُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةٌ وَيُمْحَى عَنْهُ سَيِّئَةٌ حَتَّى يَصْرِفَ بِبَصَرِهِ).

- مكان لاختبار النّاس: فعن الإمام عليِّ (ع): (ألّا تَرَوْنَ اللهَ سُبْحانَهَ اخْتَبَرَ الأَوّلينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ وَالآخِرينَ مِنْ هذا العالَمِ بِأَحْجارٍ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ وَلا تُبْصِرُ وَلا تَسْمَعُ فَجَعَلَها بَيْتَهُ الحرامَ الّذي جَعَلَهُ للنّاسِ قِياماً).

وعن الإمام الصادق (ع): (هذا البيتُ اسْتَعْبَدَ اللهُ بِهِ خَلْقَهُ لِيَخْتَبِرَ طاعَتَهُمْ في إتيانه، فَحَثَّهُمْ عَلى تَعْظيمِهِ وَزِيارَتِهِ، وَجَعَلَهُ مَحَلّ أَنْبِيائِهِ وَقْبِلَةً لِلْمُصَلّينَ إِلَيْهِ، فَهُوَ شُعْبَةًٌ مِنَ رِضْوانِهِ، وَطَريقٌ يُؤَدّي إِلى غُفْرانِهِ).

- مكان للرحمة الإلهية: فعن الإمام الصادق (ع): (إِنّ للَه تَباركَ وَتَعَالى حَوْلَ الْكَعْبَةِ مئةً وَعِشْرينَ رَحْمَةً، مِنْها سِتّونَ لِلطّائِفيَنَ، وَأَرْبَعونَ لِلْمُصلِّين،َ وَعِشْرونَ للِنّاظِرين).

- مكان أمن للناس: قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً}.

د- السعي بين الصفا والمروة: فإنه يمثل تردّد العبد بفناء الدار جائياً وذاهباً، إظهاراً للخلوص في الخدمة، ورجاءً للملاحظة بعين الرحمة، وليتذكّر في تردّده التردّد بين الرجحان والنقصان يوم القيامة، مردَّداً بين العذاب والغفران.

وعن الإمام الصادق (ع): (جُعِلَ السّعْيُ بَيْنَ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مَذَلَّةً لِلْجَبَّارينَ), فالمراد من هرولة الحاجّ بين الصفا والمروة أن يقتل في نفسه الكِبَرَ والتّجَبُّرَ والغرور، وسواها من الأخلاق الذميمة التي تحول بينه وبين القرب من الله عزّ وجلّ.

هـ - الوقوف بعرفات: فلعل سرّ الوقوف بها يكمن في أنّ الحاجّ عندما يرى اجتماع الخلق- على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وطوائفهم وسعيهم- يتذكر ازدحام الخلق يوم القيامة، فيُخلص النيّة، ويبتهل إلى الله تعالى بقلب خاشع، ونفس خاضعة لله تعالى.

وقد امتاز الوقوف بعرافات بأمور أهمّها أنه:

- يوم للإقرار بالذنوب: فإنّ الإقرار بالذنب يستبطن العبوديّة لله والاعتراف بالتقصير والخروج عن الصراط المستقيم, فعن الإمام الباقر (ع): (لا واللهِ ما أرادَ اللهُ مِنَ العبدِ إلّا خُصْلَتَيْنِ: أَنْ يُقِرُّوا بِالنِّعَمِ فَيِزيدَهُمْ، وَبِالذُّنوبِ فَيَغْفُرها لَهُمْ), وعنه (ع): (واللهِ ما يَنْجو مِنَ الذّنْبِ إلّا مَنْ أَقَرَّ بِهِ).

- يوم للتوبة والاستغفار: ولذلك روي أنّ وجه تسمية عرفات بهذا الاسم يعود إلى أنّ آدم اعترف فيها بذنبه، وتاب إلى ربّه، واستغفره فتاب عليه.

وعن الإمام الصادق (ع): (إنّ الله- عزّ وجلّ- يفرحُ بتوبةِ عبدِهِ المؤمنِ إِذا تابَ كَما يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِضالَّتِهِ إِذا وَجَدَها).

- يوم مشهود: فعن الإمام الصادق (ع) في تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النّاس وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ)، قال (ع): (المشهودُ يومُ عرفةَ والمجموعُ لهُ النّاس يومَ القيامةِ).

- يوم لاستجابة الدعاء: فعن الإمام الرّضا (ع) قال: (كان أبو جعفرٍ (ع) يقولُ: ما مِنْ برٍّ وَلا فاجِرٍ يَقِفُ بِجِبالِ عَرَفاتُ فَيَدْعو اللهَ إلّا اسْتَجابَ اللهُ لَهُ، أَمّا البرُّ فَفِي حَوائِجِ الدّنْيا وَالآخِرَةِ، وَأَمّا الفاجِرُ فَفي أَمْرِ الدُّنْيا).

وعن أبي عبدالله (ع) عندما سُئِلَ أيُّ أَهلِ عرفاتَ أعظمُ جُرْماً؟، قال: (المُنْصَرِفُ من عرفاتَ وَهَوَ يَظُنُّ أَنَّ اللهَ لَمْ يْغَفْرَ لَهُ).

وعن الإمام عليّ (ع): (إنّ رسول الله (ص) قال: العُمْرَةُ إلى الْعُمْرَةِ كَفّارَةُ ما بَيْنَهُما، والحجَّةُ المُتَقَبَّلَةُ ثَوَابُها الجنّة، وَمِنَ الذُّنوبِ ذُنوبٌ لا تُغْفَرُ إلّا بِعَرفاتَ).

وعن أبي عبدالله (ع) أنه قال: (الحاج إذا دخل مكة وكّل الله به ملكين يحفظان عليه طوافه وصلاته وسعيه، فإذا وقف بعرفة ضربا على منكبه الأيمن، ثم قالا: أمّا ما مضى فقد كفيته، فانظر كيف تكون فيما تستقبل).

- يوم لا يُسأل فيه إلا الله: فقد روي أنّ الإمام عليَّ بن الحسين (ع) سمع في يوم عرفة سائلاً يسأل النّاس، فقال له: (وَيْحَكَ أَغَيْر اللهِ تَسْأَلُ في هذا الْيَوْمِ، إِنَّه لَيُرْجى ما في بُطونِ الحَبالَى في هذا الْيَوْمِ أَنْ يَكونَ سَعيداً).

و- رمي الجمرات: فإنه يعني رمي الشيطان اللعين وترك متابعته ومساوئه والابتعاد عنه بكل ما للكلمة من معنى؛ كما فعل ذلك خليل الله إبراهيم (ع) فيما روي عنه, حينما عرض له إبليس في هذا المكان ليفسد حجه فأمره الله تعالى أن يرميه بالحجارة طرداً له وقطعاً لأصله, وبذلك تظهر العبودية والرقية لله تعالى على أفعال عبده.

نتائج عامة:

- أن الحج من أبرز صور العبودية والتذلل الموجب لإصلاح النفس المتجبرة, وتعميق العلاقة بينها وبين خالقها أو بين المخلوقين بعضهم مع بعض, أو بين ذات الإنسان ونفسه.

- بما أن هذه الأبعاد معنوية ونفسية فلا يمكن أن تؤدي غرضها التام وتعطي النتيجة المرجوّة إلا من خلال استشعار الحاج لها وتلذذه بها وخلوصه في العمل لله وحده.

- لا فائدة في الحج حينما يتحول من كونه عملاً عبادياً تربوياً إلى كونه مجرد عمل يأتي به بحسب العادة لا غير, فإنه بذلك يكون عملاً ترفيهياً خالٍ من أغلب ثمرات الحج إن لم يكن خالٍ منها جميعاً, وبذلك يكون ليس له من حجه إلا التعب, لأنه من أهل الضجيج وليس من الحجيج, كما ورد عن عبدالكريم بن كثير أنه قال: حججت مع أبي عبدالله (ع)، فلما صرنا في بعض الطريق صعد على جبل، فأشرف فنظر إلى الناس، فقال: (ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج !).

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

حج عام 1433هـ

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1583
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24