• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : بلاغة الكلمة والكلمة البليغة في القرآن الكريم .

بلاغة الكلمة والكلمة البليغة في القرآن الكريم

بقلم: أم علي رضا الغنامي

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} {يوسف:2}، ويقول عزّ وجلّ في موضع آخر:  {قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}{الزُّمر:28} .

اللّغة هي وسيلة التفاهم والتواصل بين الناس، ولكل لغة خصائص تميّزها عن بقية اللغات الأخرى، واللغة العربية واحدة من هذه اللغات؛ بل هي من أهمّ اللغات البشرية، لتمتّعها بما لا تتمتّع به سائر اللغات البشرية الأخرى، من حيث البيان والبلاغة والشمول والايجاز في التعبير ودلالتها على المعنى، فضلاً عن كونها لغة القرآن الكريم التي يحتاج إليها كل من آمن بالإسلام وأراد التعرّف على معاني آيات الذكر الحكيم ومضامينها الراقية.

واللغة هي هوية كل الأمّة والحافظ لشخصيّتها وكيانها، فمن حقّ كل شعب أن يعتز بلغته ويفتخر بها، ولأجل هذا كانت للغة العربية مكانة في خاصة قلوب المسلمين، فهي اللغة التي اختارها الله سبحانه وتعالى من بين سائر اللغات الموجودة آنذاك لتكون المنطلق لدعوته المباركة والقاعدة الأساسية لبيان أحكامه ومعارف دينه الخاتم لجميع الأديان؛ لما تمتع به عن بقية اللغات الأخرى في التعبير والدلالة على معانيها الواسعة بألفاظ موجزة وبكلمات معبّرة وهادفة، فالكلمة العربية تارة ينظر فيها من الناحية النحوية (أي: من خلال معطيات علم النحو: العلم الذي يهتم بعلامات إعراب آخر الكلمة، رفعاً أو نصباً أو ... بحيث يكون فاعلاً أو مفعولاً ، مبتدأ أو خبراً، أو...).

وأخرى من الناحية الصرفية (أي: علم الصرف: العلم المختص بأوزان وتصاريف الكلمات، بحيث تنشأ عنه الصيغ والأوزان الصرفية المعروف في هذا العلم، من اسم الفاعل، واسم المفعول، والأفعال وتصاريفها المختلفة).

وثالثة من الناحية البلاغية (أي: علم البلاغة: العلم المرتبط بالكلمة بما لها من دلالات وبيانات مختلفة عن معان تقصد ظاهراً أو باطناً، فأحياناً يكون للكلمة الواحدة معنى واحد، وأخرى يكون لها معان مختلفة على نحو الاشتراك اللفظي، أو الكنائي، فتخاطب العقل تارة، وتخاطب العاطفة تارة أخرى في آن واحد، فأصف لك مثلاً: الحديقة الفلانية بأنها غنّاء، تسمع فيها أصوات العصافير، كأنها معزوفة موسيقية، .. أو أصفها لك: بأنّها جنّة الخلد في روعتها، فإني بذلك قد خاطبتُ عقلك بألفاظ، وحرّكت عاطفتك بأوصاف تحيي عندك ذلك الشعور.

فالعرب كغيرهم من الأمم الذين أبدعوا في علم اللغة والأدب والبلاغة، فالأمّة التي كانت في زمان المسيح (عليه السلام) نبغوا في علم الطب وعلم الأحياء بمصطلحنا اليوم، فجاءت معاجز النبي المسيح (عليه السلام) تتحداهم في تخصصهم هذا، قال تعالى: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 49].

وهكذا العرب قد نبغوا في واحد من العلوم الإنسانية؛ إذ نبغوا في نفس لغتهم، فاهتموا بها أيّما اهتمام، فبرز فيها آلاف الشعراء والـأدباء والبلغاء، فكانت تعقد لهم مجالس خاصّة للتفاخر وتبادل الشعر والأدب، كمجالس سوق عكاظ، فكانت الكلمة تبني دولة، وتهدم دولة أخرى، وتنشب الحروب لسنوات طويلة، فهم والكلمة كالأب والابن يهتمون بها، ويتأثرون بمعانيها.

ولهذا السبب ولشدّة اهتمامهم بلغتهم نزل القرآن الكريم كمعجزة في البلاغة، يتحداهم بها بشكل خاص، ويتحدى الآخرين في جميع تخصصاتهم بشكل عام، من طب وعمارة وفقه وعقائد وغيرها، فنزل بنفس اللغة التي يستخدمونها وبالألفاظ والمعاني التي يقصدونها فوصف لهم حال المؤمنين في الجنان، قال تعالى:{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*  ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ* وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ*لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [فالحجر: 45-48] استخدم القرآن نفس الكلمات المتداولة فيما بينهم ، ولكن بمعان أعمق وأدق فهذان الوصفان لحال المؤمنين والكفار مهما تعمّقت فيه واستخرجت منه المعاني تجد بأنّه لا زال هناك المزيد وصرّح لهم القرآن الكريم بأنكم لن تستطيعوا عليه ولن تقدروا على مقاومته مهما بلغتم من الأدب والبلاغة فقال: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[هود: 13] فلن يأتون بمثله من جميع النواحي ، وكما صرّح القرآن لهم بأنهم عاجزين عن ذلك فأنزل لهم أيضاً فقال عزوجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة: 23] فرأى العجز فيهم والضعف عن مقاومته محاولاً إقناعهم بأنهم عاجزين ، فقال لهم:{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الاسراء: 88]

فالقرآن معجزة لن تتغير ولن تتبدل مهما طاف عليها الدهر؛ لأنّها معجزة خالدة تتحدى جميع الأجيال والعوالم أنس كانوا أم جن.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1445
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24