• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : المبعث النبويّ الشريف .

المبعث النبويّ الشريف

الشيخ فاضل الزاكي

الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين أبي القاسم المصطفى وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

أبارك لمولاي صاحب الأمر (عج) ولمراجع الدين العظام سيما ولي أمر المسلمين، وأبارك لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها سيما من حضر حفلنا هذا بمناسبة الذكرى العطرة لمبعث النبي الأكرم (ص).

وأود التكلّم بشكل مختصر حول بعض النقاط:

 

النقطة الأولى:

قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾.

وفي هذه الآية عدة مفردات لا بد من الالتفات إليها:

- الأميين (غير أهل الكتاب - أهل مكة - من لا يقرأ ولا يكتب).

- بيان الغرض الأساس من هذه البعثة.

- بيان حال العرب قبل البعثة.

ويظهر من بعض الآيات أن إبراهيم دعا الله ليبعث في نسله رسولا يهديهم إلى دينه، قال تعالى - على لسان إبراهيم وإسماعيل- في سورة البقرة: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

وقد قرر المتكلمون بأن بعث الأنبياء واجب على الله تعالى، وليس المقصود بالوجوب هنا معناه المألوف عندنا، بل هذا الوجوب بمقتضى قاعدة اللطف التي تعني أن الله الذي هو الكامل المطلق اللطيف بعباده الرؤوف بهم الذي لا حد لرحمته وكرمه بمقتضى هذه الأوصاف لابد أن يرسل إلى عباده من يهديهم إلى طريق الفلاح.

ولهذا فهذه الهداية منة وتفضل من الله تعالى على الناس، قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾.

وقد واجه الرسول فئة من الناس الذين لا يستشعرون أثر هذا التفضل من الله بهدايتهم، بل على العكس من ذلك يرون أن لهم فضلا وحقا على الرسول (ص) لأنهم أسلموا، ويظهر من بعض الآيات أن المسألة لم تقتصر على الشعور النفساني بل تعدته إلى السلوك الخارجي، حيث كانوا يؤذون النبي بتصرفاتهم تلك، قال تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.

 

النقطة الثانية:

بماذا نحتفل هذه الليلة.. (الإسراء والمعراج) أم (المبعث النبوي)؟

المشهور على الألسن عند عامة الناس أن الأسراء والمعراج حصل في ليلة السابع والعشرين من رجب، وأما المبعث فمن المفروض أنه حصل في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن.

ولكن المتتبع لروايات أهل البيت يجد تأكيدا واضحا بأن هذا هو اليوم الذي بعث فيه النبي (ص) ، ولم نجد ولا رواية واحدة عنهم تشير إلى أنه يوم الاسراء والمعراج.وروايات المبعث روايات كثيرة:

1- فمنها: ما رواه ابن طاؤوس في (إقبال الأعمال: 266) عن أبي جعفر الجواد أنه قال: "إن في رجب ليلة هي خير للناس مما طلعت عليه الشمس وهي ليلة سبع وعشرين منه، نبئ رسول الله (ص) في صبيحتها، وان للعامل فيها أصلحك الله من شيعتنا مثل اجر عمل ستين سنة ....".

2- ومنها: ما رواه ابن طاووس في (إقبال الأعمال: 270) عن الحسن بن راشد قال : قلت لأبي عبد الله (ع): غير هذه الأعياد شيء؟ قال: نعم أشرفها وأكملها، اليوم الذي بعث فيه رسول الله، قال: قلت: فأي يوم هو؟ قال: إن الأيام تدور وهو يوم السبت لسبع وعشرين من رجب، قال: قلتُ: فما نفعل فيه؟ قال: تصوم وتكثر الصلاة على محمد وآله.

3- ومنها: ما رواه ابن طاووس في (إقبال الأعمال: 271) عن الصادق أنه قال: "لا تدع صوم سبعة وعشرين من رجب فإنه اليوم الذي أنزلت فيه النبوة على محمد وثوابه مثل ستين شهرا لكم".

4- ومنها ما رواه قطب الدين الراوندي في كتابه (الخرائج والجرائح2: 760) عن إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي قال: اختلف أبي وعمومتي في الأربعة الأيام التي تصام في السنة، فركبوا إلى أبي الحسن علي بن محمد وهو مقيم ب‍ (صريا) قبل مسيره إلى (سر من رأى). فقال لهم: جئتم تسألونني عن الأيام التي تصام في السنة؟ فقالوا: ما جئناك إلا لهذا. فقال: اليوم السابع عشر من شهر ربيع الأول، وهو اليوم الذي ولد فيه رسول الله. واليوم السابع والعشرون من رجب، وهو اليوم الذي بُعث فيه رسول الله، واليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، وهو اليوم الذي دحيت فيه الأرض من تحت الكعبة، واليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وهو يوم الغدير.

وأما كلمات العلماء في كتبهم الفقهية فهي كثيرة جدا بحيث يعسر إحصاؤها، وهي تؤكد على استحباب صومه وعلى أنه يوم المبعث.

رواياتنا لم تشر إلى تعيين يوم المعراج على أنه في شهر رجب.

نعم ذكر الشيخ علي بن يوسف الحلي (أخو العلامة الحلي) في كتابه (العدد القوية: 234) ما لفظه:

"وفي ليلة إحدى وعشرين من رمضان قبل الهجرة بستة أشهر كان الإسراء برسول الله (ص). وقيل: في السابع عشر من شهر رمضان ليلة السبت. وقيل: ليلة الاثنين من شهر ربيع الأول بعد النبوة بسنتين".

ثم عاد في (نفس الكتاب:344) ونقل عن كتاب التذكرة: "وفي ليلة السابع والعشرين من رجب السنة الثانية من الهجرة كان الإسراء".

وقد نقل العلامة المجلسي عين هذا الكلام في (بحار الأنوار18: 319)

وكتاب التذكرة المشار إليه هو ((التذكرة من كلام الرسول وآله والصحابة والتابعين)) ومؤلفه محمد بن الحسن بن حمدون وهو من علماء العامة توفي في القرن السادس الهجري.

وأما روايات العامة:

اختلف العامة في تحديد يوم المبعث واختلفوا أيضا في تحديد يوم الإسراء والمعراج.

والمعروف عندهم أن البعثة حصلت في شهر رمضان، لأن القرآن نزل فيه، ولكن مع ذلك لديهم بعض الروايات الأخرى في هذا المجال، وبعضها ذكر يوم السابع والعشرين من رجب، فمثلا:

1- روى المتقي الهندي في (كنز العمال) عن البيهقي في (شعب الإيمان)، عن سلمان الفارسي قال: "في رجب يوم وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان كمن صام مائة سنة وقام مائة سنة، وهو لثلاث بقين من رجب، وفيه بعث الله محمدا".

2- وأورد الحلبي في (السيرة الحلبية) عن الدمياطي في سيرته عن أبي هريرة قال : "من صام يوم سبع وعشرين من رجب، كتب الله تعالى له صيام ستين شهرا، وهو اليوم الذي نزل فيه جبرئيل على النبي بالرسالة، وأول يوم هبط فيه جبرئيل".

روايات العامة في الاسراء:

أشار ابن كثير الدمشقي (توفي 774هـ) في كتابه (البداية والنهاية3: 135) إلى الاختلاف في تعيين يوم الإسراء والمعراج، فقال:

"فعلى قول السدي يكون الإسراء في شهر ذي القعدة، وعلى قول الزهري وعروة يكون في ربيع الأول. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عثمان عن سعيد بن مينا عن جابر وابن عباس. قالا: ولد رسول الله (ص) عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول. وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات. فيه انقطاع (أي سنده منقطع، غير تام السند). وقد اختاره الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي في سيرته وقد أورد حديثاً لا يصح سنده ذكرناه في فضائل شهر رجب أن الإسراء كان ليلة السابع والعشرين من رجب والله أعلم. ومن الناس من يزعم أن الإسراء كان أول ليلة جمعة من شهر رجب".

 

النقطة الثالثة:

تبين من خلال الروايات المتقدمة من طرقنا أن يوم المبعث هو السابع والعشرين من رجب، ولكن يبقى في البين تساؤل مهم حول كيفية الجمع بين هذه الروايات وبين بعض الآيات التي تدل على نزول القرآن في ليلة القدر من شهر رمضان، مثل:

1- قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾.

2- قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾.

3- قوله تعالى: ﴿حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾.

وقد ذكرت في المقام ثلاثة أقول:

القول الأول:

أن الوحي له مراتب وكيفيات متعددة، فمنها ما يكون بالرؤيا، ومنها ما يكون بالنداء الذي يسمع الصوت ولا يرى شيئا، ومنها أن ينزل الملك من عند الله فيخاطب النبي فيسمعه ويراه، ويذهب البعض إلى أن جميع هذه المراتب حصلت للنبي (ص):

1- فأول ما حصل هو في الرؤيا الصادقة الّتي رآها رسول الله (ص).

2- ثم حصلت المرتبة الثانية حيث تشير بعض المصادر إلى سماعه للنداء السماوي من دون وساطة ملك

3- ثم حصلت المرتبة الثالثة وهي نزول الوحي الإلهي عبر الملك، حيث كان الرسول يبصر جبرائيل ويراه، ويتلقى منه الوحي والآيات القرآنية.

ويقول هؤلاء بأن النبي سمع النداء في يوم السابع والعشرين من رجب ولم ينزل عليه شيء من القرآن، ثم بعد ذلك بمدة ابتدأ نزول القرآن عليه في شهر رمضان.

القول الثاني:

أن للقرآن نزولين:

النزول الأول: من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور.

والنزول الثاني: من البيت المعمور إلى قلب الرسول (ص) من خلال نزول جبرائيل.

والآيات التي تتكلم عن نزول القرآن في ليلة القدر من شهر رمضان تتكلم عن نزوله من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور، ولكن نزوله الآيات الأولى من سورة العلق على قلب الرسول (ص) كان في شهر رجب.

القول الثالث:

وهو القول الذي تبناه العلامة الطباطبائي في الميزان، وحاصله: إن للقرآن نحوين من النزول:

النزول الدفعي: حيث أن ظاهر قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، وقوله تعالى ﴿حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ﴾ أن كل القرآن وبأجمعه قد نزل في ليلة القدر من شهر رمضان، لا أن بعض آياته هي التي نزلت في ليلة القدر، ولهذا عبرت الآية بـ(الإنزال) الظاهر في الإنزال دفعة واحدة، ولم تعبر بـ(التنزيل) الظاهر في النزول التدريجي.

النزول التدريجي: وهو المستفاد من آيات أخرى أشارت لما هو المعروف من النزول التدريجي خلال ثلاث وعشرين سنة من عمر الدعوة الإسلامية، مثل قوله تعالى: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ الهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً﴾.

فالقرآن نزل نزولا تدريجياً بحسب المناسبات خلال فترة الدعوة وكان ابتداء نزوله في يوم المبعث النبوي في شهر رجب، ونزل نزولا آخر دفعة واحدة على قلب الرسول (ص) في ليلة القدر.

منقول المجلس الإسلامي العلمائي ـ البحرين ـ


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1077
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 07 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18