• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : معنى التأويل كمصطلح .

معنى التأويل كمصطلح

سماحة آية الله الشيخ عبد الهادي الفضلي

مرّ التأويل عند المسلمين بأدوار مميزة تركت وراءها أفاعيل بعيدة في التأثير على الذهنية الإسلامية، وأرقاما كبيرة ساهمت في إثراء الثقافة الإسلامية، وفي تلوين وتنويع مفاهيمها ومعطياتها. وإلى التأويل يرجع الكثير من الخلافات المذهبية في الاختلافات حول مسائل الفكر وقضايا العقيدة، ومنه ما نقرؤه في مدونات تفسير القرآن الكريم، وكتب شروح الحديث الشريف.

 ومن أهم أسباب هذا هو اختلافهم في معنى التأويل، كظاهرة ثقافية، وكمصطلح علمي.

 ومن هنا رأيت أن أقوم بهذه المحاولة المتواضعة في تعرف معناه بدءًا مما جاء في القرآن الكريم.

 وردت كلمة (تأويل) في القرآن الكريم سبع عشرة مرة، مرادًا بها المعاني التالية:

 1ـ تعبير الرؤيا (تفسير الأحلام):

وكان هذا في آيات سبع من سورة يوسف، هي:

ـ (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) ـ (يوسف: 6).

ـ (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) ـ (يوسف: 21).

ـ (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ . قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ) ـ (يوسف: 43، 44).

ـ (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) ـ (يوسف: 101).

ـ (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ . قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ) ـ (يوسف: 36، 37).

ـ (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ) ـ (يوسف: 45).

فكلمة (تأويل) في سياق هذه الآيات الكريمة تعني تعبير الرؤيا، أما كلمة (الأحاديث) فالمراد بها ـ هنا ـ الأحلام، وأطلقت الأحاديث على الرؤى والأحلام، لأن النفس تحدث بها في منامها (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) [1] .

 2ـ بيان سبب إيقاع الفعل:

كما جاء في قصة موسى وصاحبه، وذلك في آيتين من سورة الكهف، هما:

ـ (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) ـ (الكهف: 78).

ـ (ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) ـ (الكهف: 82).

وهي في الموضعين تعطي معنى واحدًا، هو بيان سبب إيقاع الفعل.

 3ـ الرجوع إلى الموئل الحق:

جاء في سورتي النساء والإسراء في الآيتين التاليتين:

ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ـ (النساء: 59).

ـ (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ـ (الإسراء: 35).

 4ـ تفسير المتشابه:

كان هذا في الآية السابعة من سورة آل عمران: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ).

 5ـ التفسير (بيان المعنى):

ـ (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) ـ (الأعراف: 53).

ـ (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) ـ (يونس: 39).

ونحن ـ هنا ـ متى تأملنا في هذه المعاني لكلمة (تأويل) التي استعملها فيها القرآن الكريم فإننا سنراها تلتقي عند صفة أو حال واحدة اتصف بها كل واحد من المعاني المذكورة، تشكل عنصرًا أساسيًا في دلالة كلمة تأويل على معناها، تلك الصفة هي (الغموض)، وأعني بالغموض ـ هنا ـ عدم وضوح المعنى عند المتلقي بما يفتقر معه إلى الإيضاح.

فالأحلام لأنها ظواهر نفسية ترمز إلى معاني غير بينة عند صاحب الرؤيا تحتاج إلى تعبير يكشف عما ترمز إليه من معنى. وكذلك الأفعال الصادرة من الإنسان إذا كانت على غير المألوف والمتعارف عليه بين الناس تحتاج إلى ما يكشف عن الدوافع والأسباب لوقوعها. والأمر في المتشابه أبين من أن يحتاج إلى بيان. وكذلك في تحديد المرجع الحق. ومثله تفسير ما يتطلب التفسير.

 ونخلص من هذا إلى أن التأويل في المصطلح القرآني لا يكون إلاّ لما فيه غموض يفتقر إلى التفسير.

فالتأويل ـ قرآنيًا ـ تفسير ولكن لما فيه غموض.

وقد ألمح إلى هذا الفرق بين التفسير والتأويل السيد المصطفوي في كتابه (التحقيق في كلمات القرآن) 1/ 176 حين قال: «والفرق بين التفسير والتأويل أن التفسير هو البحث عن مدلول اللفظ وما يقتضيه التعبير أدبًا والتزامًا وعقلاً، وأما التأويل فهو تعيين مرجع اللفظ، والمراد والمقصود منه، وقد يخفى المراد على الناس ولا يدل عليه ظاهر اللفظ فهو يحتاج إلى الاطلاع على المقصود والمراد من اللفظ (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ـ (آل عمران: 7)».

ومن القرآن ننتقل إلى السنة الشريفة، ومن استعمال كلمة (تأويل) في الحديث الشريف ما جاء في كتاب (النهاية) لابن الأثير، قال: «وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (اللهم فقهه في الدين وعلِّمْهُ التأويل) هو من آل الشيء يؤول إلى كذا، أي رجع وصار إليه، والمراد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ».

ومما جاء في كتاب (مجمع البحرين) للطريحي، قال: «التأويل: إرجاع الكلام وصرفه عن معناه الظاهري إلى معنى أخفى منه، مأخوذ من آل يؤول إذا رجع وصار إليه، وتأوّل فلان الآية، أي نظر إلى ما يؤول معناها، وفي حديث علي 7: (ما من آية إلاّ وعلمني تأويلها)، أي معناها الخفي الذي هو غير المعنى الظاهري لما تقرر من أن لكل آية ظهرًا وبطنًا، والمراد أنه 2 أطلعه على تلك المخفيات المصونة والأسرار المكنونة».

وكما رأينا حدد المعجمان (النهاية) و(المجمع) معنى التأويل بالتفسير بما وراء ظاهر اللفظ.

والتأويل حيث يعدل عن ظاهر اللفظ إلى سواه ينشعب ـ فيما رأينا ـ من الاستعمالات التي ذكرت في القرآن الكريم والحديث الشريف إلى ثلاث شعب، هي:

 1ـ التأويل بمعنى التفسير:

حيث يراد من اللفظ غير ظاهره لقرينة شرعية أو عقلية قامت تفيد ذلك. ويمثل له عادة بقوله تعالى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) ـ (الأنعام: 95)، (يونس: 31)، (الروم: 19) ـ، قال الجرجاني في (التعريفات): «التأويل في الشرع: صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه موافقًا للكتاب والسنة، مثل قوله تعالى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) إن أراد به إخراج الطير من البيضة كان تفسيرًا، وإن أراد به إخراج المؤمن من الكافر أو العالم من الجاهل كان تأويلاً».

وهو الذي عناه الإمام أمير المؤمنين في كتابه لابنه الحسن 8بقوله: «وأن أبتدأك بتعليم كتاب الله وتأويله».

وهذا اللون من التأويل مشروع، وشيء طبيعي.

 2ـ التأويل بمعنى العدول عن باللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر لا دليل عليه:

يقول (المعجم الكبير): «وأول الكلام: فسره ... وأول: عدل بألفاظه عن نهجها المستقيم دون دليل، وبه فسر قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) ـ (آل عمران: 7)».

وإليه قصد أمير المؤمنين في الخطبة 122 من (نهج البلاغة) حيث قال: «ولكنا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل من الزيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل».

وهذا اللون من التأويل شيء غير مشروع في حدّ ذاته، ولما يترتّب عليه من مفاسد وأضرار.

 3ـ التأويل بمعنى التبرير Justification :

وهو ـ أعني التبرير ـ ظاهرة نفسية يلجأ إليه الإنسان لتصويب فكر خاطئ أو تصحيح سلوك مغلوط، ومن هذا نظريتا الجبر والتفويض، وما أول لهما من آيات قرآنية وأحاديث شريفة.

ومنه ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين في أحد كتبه إلى معاوية بن أبي سفيان بقوله: «فعدوت على الدنيا بتأويل القرآن».

وجاء في (المعجم الفلسفي) للدكتور صليبا: «التأويل ... أما عند علماء اللاهوت فهو تفسير الكتب المقدسة تفسيرًا رمزيًا أو مجازيًّا يكشف عن معانيها الخفية».

وهو الذي يعرف بالفرنسية Hermeneutigue وبالإنجليزية Hermeneutic، ويعرب من لفظه اليوناني إلى هرمنيوطيقا ويفرس هرمنوتيك.

وقد يقابله عند المسلمين ما يعرف بالتفسير الباطن، وهو ما ينحو إليه المتصوفة والعرفانيون، وأرباب العقائد المذهبية لإرجاع العقيدة إلى أصل شرعي أو دعمها بسند شرعي.

منقول من موقع مركز دارسات وبحوث العلامة الفضلي


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1060
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 06 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24