• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : عرض الروايات على القرآن الكريم .

عرض الروايات على القرآن الكريم

  آية الله العظمى الشيخ محّمد الفاضل اللنكراني(رحمه الله)

من الاُمور الدالّة  على عدم التحريف، الروايات المستفيضة بل المتواترة الواردة عن النبي والعترة الطاهرة صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، الدالّة  على عرض الروايات والأخبار المروّية عنهم(عليه السلام) على الكتاب، والأخذ بما وافق منها له وطرح ما خالفه، وضربه على الجدار(1)، وأنّه زخرف، وأنّه ممّا لم يصدر منهم، ونحو ذلك من التعبيرات(2)، وكذا الروايات الدالّة على استدلالهم(عليهم السلام) بالكتاب في متعّددة، وقد تقدّم(3) شطر منها في مقام الاستدلال على حجّية ظواهر الكتاب.

وتقريب الاستدلال  بها على عدم التحريف يظهر بعد بيان أمرين:

الأوّل : لا شبهة – كما عرفت(4)- في أنّ القول بالتحريف يلازم عدم حجّية  الكتاب بالحجّية المستقلّة غير المتوقّفة على تصويب الأئمّة (عليهم السلام) وإمضائهم؛ لما عرفت(5)من عدم جريان أصالة عدم القرينة المحتملة في كلّ ظاهر إلاّ في موارد احتمال غفلة المتكلَّم أو السامع؛ لأنّه القدر المتيقّن من موارد جريانها، لو لم نقل بالعلم بعدم جريانها في مثل المقام، كما في المثال المتقدّم.

الثاني: أنّه لا خلاف بين القائل بالتحريف والقائل بعدمه في أنّ القرآن الموجود في هذه الأعصار المتأخَّرة هو الموجود في عصر الأئمة (عليهم السلام)، وأنّ التحريف – على فرض ثبوته – كان قبل عصرهم في زمن الخلفاء الثلاثة، ولم يتحقّق منذ شروع الخلافة الظاهرية لأمير المؤمنين – عليه أفضل صلوات المصلّين – والأئمة الطاهرين من ولده(عليهم السلام)، وإن حكي عن بعضهم  تحقّق التحريف بعده، كما سيأتي (6) مع جوابه.

وحينئذٍ نقول : أمّا ما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) ممّا يدلّ على عرض أخباره على الكتاب، والأخذ بالموافق وطرح  المخالف،فالكتاب وإن لم يقع فيه تحريف في زمنه، ولم يبدّل في عصره وحياته، وإن كان ورد في شأن نزول قوله تعالى:

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِي إِلَي وَلَمْ يوحَ إِلَيهِ شَيءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللَّهُ)(7).

رواية مروية  في الكافي بإسناده عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهم السلام)  قال: سألته عن قول ـ الله عزّ وجل ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِي إِلَي وَلَمْ يوحَ إِلَيهِ شَيءٌ).

قال: نزلت في ابن أبي سرح الذي عثمان استعمله على مصر، وهو ممّن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هدر دمه يوم فتح مكّة، وكان يكتب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ،فإذا أنزل الله ـ عزّوجلّ ـ (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (8)كتب [إنّ الله عليم حكيم]، فيقول له رسول الله(صلى الله عليه وآله): دعها فإنّ عليم حكيم. وكان ابن أبي سرح يقول للمنافقين: إنّي لأقول من نفسي مثل ما يجيء به فما يغير علي، فأنزل الله- تبارك تعالى – فيه الذي أُنزل (9).

إلاّ أنّها لا تدلّ على وقوع التحريف، وشيوع الكتاب المحرّف بين المسلمين؛ فإنّ هذا الرجل كان واحداً من الكتّاب المتعدّدين المتكثّرين، مع أنّ مناسبة الآية مع هذه القصّة غير واضحة، كما أنّ صدق القصّة بنفسها كذلك.

وكيف كان، فدلالة ما ورد منها عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنّما هي لأجل وضوح عدم كون العرض على الكتاب المأمور به في هذه الأخبار مقصوراً على خصوص زمان حياته (صلى الله عليه وآله)، وليس المراد أنّه يكون هذا  الحكم موقّتاً ومحدوداً بوقت مخصوص وحدّ معين، بل ظاهره دوام هذا الحكم بدوام  الدين، واستمراره باستمرار شريعة سيد المرسلين صلوات الله عليه وعلى أولاده الطاهرين.

وحينئذٍ فلا يبقى مجال لما ذكره المحدَّث المعاصر من عدم منافاة ما ورد عنه(صلى الله عليه وآله) ثبوت التغيير بعده، وورود الرواية به، نظراً إلى عدم حصول التغيير في عصره(10).

وقد عرفت أنّ الحكم دائمي غير محدود، فيجري في هذه الأخبار ما يجري في الأخبار الواردة عن العترة الطاهرة (عليهم السلام) ،الدالّة على عرض أخبارهم على الکتاب ، وتشخيص الحقّ عن الباطل بسببه .

وأمّا ما ورد عنهم عليهم السلام في ذلک ، فدلالته على عدم وقوع التحريف والتبديل في الکتاب ، وکونه حجّة مستقلّة مبتنية على ملاحظة أنّ الغرض من هذه الأخبار هو بيان الميزان الذي به يتحقّق تمييز الحقّ عن الباطل من الروايات الصادرة المنقولة عنهم (عليهم السلام) ، وأنّ الملاک والمناط في ذلک هو موافقة الکتاب ، وعدم مخالفته ، ففي الحقيقة تکون الموافقة قرينة على الصدق ، وأمارة على الصدور منهم (عليهم السلام) ، ولا يتحقّق ذلک إلاّ بکون الکتاب حجّة مستقلّة غير متوقفّة على شيء ؛ ضرورة أنّ الکتاب الذي يحتاج إلى التصويب والإمضاء کيف يکون ميزاناً لتمييز الحقّ عن الباطل ، ممّا ورد عنهم ، ونسب إليهم (عليه السلام) ؟! .

وبالجملة : غرض الأئمّة (عليهم السلام) من هذه الأخبار نفي کون أقوالهم ، وما ورد عنهم (عليهم السلام) من أحکام مخالفة الکتاب الذي هو الثقل الأکبر ، والميزان  الذي لا يرتاب فيه مسلم ، ولا يلائم ذلک أصلاً مع توقّف حجّيته علي تصويبهم وإمضائهم ، فأخبار العرض على الکتاب من أعظم الشواهد على عدم وقوع التحريف في الکتاب ، وبقائه على الحجّية المستقلّة إلى يوم القيامة.

وممّا ذکرنا ينقدح النظر فيما ذکره المحدّث المعاصر من أنّ ما جاء عنهم (عليهم السلام) فهو قرينة على أنب الساقط لم يضرّ بالموجود ، وتمامه من المنزل للإعجاز ، فلا مانع من العرض عليه(11)؛ فإنّک عرفت أنّ العرض على الکتاب لتمييز الحقّ عن الباطل ، وتشخيص السقيم عن الصحيح ، ولا يلائم ذلک مع توقّف حجّية الکتاب على إمضائهم (عليهم السلام) أصلاً .

کما أنّ دعوى اختصاص ذلک بخصوص آيات الأحكام، فلا يعارض ما ورد في النقص فيما يتعلّق بالفضائل والمثالب ،بل صريح المحدّث البحراني رحمه الله  في الدرر النجفية : « أنّه لم يقع فيها ( آيات الأحكام ) شيء من ذلک ؛ لعدم دخول النقص عليهم ( على الخلفاء ) من جهتها »(12).

مدفوعة – مضافاً إلى عدم ثبوت ذلک في خصوص تلک الآيات – بأنّ الاختصاص بها لا وجه له ، بعد ملاحظة أنّ الکتاب کما مرّ(13) مراراً ليس کتاباً فقهياً يتعرّض لخصوص القوانين التشريعية ، والأحكام العملية ، وبعد ملاحظة عدم اختصاص تلک الأخبار الدالّة على العرض بخصوص الروايات المتعرّضة للأحکام ، کما هو واضح.

فقد ظهر من جميع ما ذکرنا : تمامية الاستدلال بأخبار العرض على الکتاب ؛ لعدم تحريفه وعدم وقوع النقص فيه. کما أنّ الاستدلال بالروايات الحاكية لاستشهاد الأئمّة (عليهم السلام) في موارد متعدّدة بالکتاب لذلک ممّا لا تنبغي المناقشة فيه أصلاً؛ ضرورة أنّه لو لم يکن الکتاب حجّة مستقلّة ، ودليلاً تامّاً غير متوقّف على الإمضاء والتصويب؛ لما کان وجه للاستشهاد ، وليس الاستشهاد منحصراً بالموارد التي يکون محلّ الخلاف بينهم وبين علماء العامّة.

فقد عرفت سابقاً(14) بعض الموارد التي استدلّ (عليه السلام)بالکتاب في مقابل زرارة ، وإفهام بعض السائلين من الشيعة ، بل يستفاد من رواية زرارة المتقدّمة(15) الواردة في المسح ببعض الرأس : أنّ الکتاب من طرق علم الإمام (عليه السلام) ، فکيف يکون مع ذلک متوقّفاً على إمضائه (عليه السلام) ؟.

فانقدح أنّ المتأمِّل المنصف ، الخالي عن العناد والتعصّب ، لا يکاد يرتاب في دلالة هذه الأخبار أيضاً على خلوّ القرآن عن النقص والتحريف ، والتغيير والتبديل .

منقول من كتاب(مدخل التفسير)

ـــــــــــــ

1 - هذا التعبير وإن كان معروفاً، سيما في بحث التعادل والترجيح من الاُصول، إلاّ أنّي لم أظفر به بعد التتبّع في الروايات الوراردة في هذا الباب،  التي جمعها صاحب الوسائل  (رحمه الله) في الباب التاسع من كتاب القضاء، فلعلّ المتتبّع في غيره يظفربه. نعم، قال في التبيان: 1/5 مقدّمة المؤلف وروي عنه (رحمه الله) أنّه قال: ((إذا جاءكم عنّي حديث فأعر ضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فاقبلوه، وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط))، ثم قال الشيخ (رحمه الله) وروي مثل ذلك عن أئمّتنا(عليه السلام).

2 - وسائل الشيعة 27: 110-123، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب 9ح10-12، 14، 15، 29، 35، 37، 47، وغيرها، ويراجع ص173و 325و332.

3 - في ص174- 117.

4 - في ص234-235.

5 - في ص236- 237.

6 - في ص251-252.

7 - سورة الأنعام6: 92.

8 - سورة البقؤة 2: 220، وسورة الأنفال 8:  10، وسورة التوبة9: 71، وسورة لقمان31: 27.

9 - الکافي:8/201ح242،تفسير العياشي: 1/369ح60، وعنهما تفسير الصافي:2/139،والبرهان في تفسير القرآن:2/452و453ح3569و3571، وبحار الأنوار:92/37-38ح3و4. وفي شرح اُصول الكافي والروضة لمولى محمد صالح المازندراني:12/252ح242وتفسير نور الثقلين:1/745ح179عن الكافي.

10- فصل الخطاب، الباب الثاني ، الأمر الرابع: 340.

11-فصل الخطاب ، الباب الثاني ، الأمر الرابع : 340 . 

12-الدرر النجفية ، للعلّامة المحدّث الشيخ يوسف البحراني : 4/69 ، وعنه فصل الخطاب ، الباب الثاني ، الأمر الرابع : 340 . 

13-في ص 106 و 229 – 230 .

14- في ص 174-177 . 

15- في ص 174- 177 . 

منقول من مدخل التفسير، تأليف المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد الفاضل اللنكراني


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1009
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 05 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24