00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة المائدة من أول السورة ـ آخر السورة  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الاصفى في تفسير القران (الجزء الاول)   ||   تأليف : المولى محمد محسن الفيض الكاشاني

[ 257 ]

سورة المائدة

(مدنية، وهى مائة وعشرون آية) 1 بسم الله الرحمن الرحيم (يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود) قال: (أي: بالعهود) 2. أقول: الايفاء والوفاء بالمعنى. والعقد: العهد الموثق، ويشمل هنا كل ما عقد الله على عباده وألزمه اياهم من الايمان به، وبملائكته وكتبه ورسله وأوصياء رسله، وتحليل حلاله وتحريم حرامه، والاتيان بفرائضه وسننه، ورعاية حدوده وأوامره ونواهيه، وكل مع يعقده المؤمنون على أنفسهم لله وفيما بينهم من الأمانات والمعاملات الغير المحظورة. وورد: (ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عقد عليهم لعلى صلوات الله عليه بالخلافة في عشرة 3 مواطن، ثم أنزل الله (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) التى عقدت عليكم لأمير المؤمنين عليه السلام) 4.

___________________________

1 - الزيادة من: (ب).

 2 - القمى 1: 16، والعياشي 1: 289، الحديث: 5، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 3 - في (الف) و (ب): (عشر مواطن).

 4 - القمى 1: 16، عن أبى جعفر الثاني عليه السلام. (*)

 

[ 258 ]

(أحلت لكم بهيمة الأنعام). قيل: أريد به الأزواج الثمانية 1. وورد في تفسيرها: (الجنين في بطن أمه إذا أشعر وأوبر، فذكاته ذكاة أمه. قال: فذلك الذى عنى الله به) 2. وفى رواية: (وان لم يكن تاما فلا تأكله) 3. أقول: لعل هذا أحد معانيها فلا ينافى عمومها، مع أنه نص في حل الأم. سئل: عن أكل لحم الفيل والدب والقرد فقال: (ليس هذا من (بهيمة الأنعام) التى تؤكل) 4. (الا ما يتلى عليكم) تحريمه. (غير محلى الصيد وأنتم حرم). قيل: يعنى أحلت لكم في حال امتناعكم من الصيد وأنتم محرمون، لئلا يتحرج عليكم 5. أقول: وهو لا ينافى عموم حلها ساير الأحوال. (ان الله يحكم ما يريد). (يا أيها الذين ءامنوا لا تحلوا شعائر الله): لا تتهاونوا بحرمات الله مما جعله شعار الدين وعلامته (ولا الشهر الحرام) بالقتال فيه. (نزلت حين أراد المسلمون قتل كافر باغ في أشهر الحرم). كذا ورد 6. (ولا الهدى): ما أهدى الى الكعبة (ولا القلآئد): ما قلد به الهدى من نعل وغيره، ليعلم أنه هدى فلا يتعرض له. ولآ ءآمين البيت الحرام): قاصدين لزيارته (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا): أن يثيبهم ويرضى عنهم. يعنى لا تتعرضوا لهم. (وإذا حللتم) من احرامكم (فاصطادوا) ان شئتم (ولا يجرمنكم): ولا يحملنكم (شنئان قوم): شدة بغضهم وعدواتهم (أن صدوكم عن المسجد

___________________________

1 - البيضاوى 2: 133. والمراد بها: المعز والضأن والبقر والابل، ذكرها وأنثاها.

 2 - الكافي 6: 234، الحديث: 1، عن أحدهما عليهما السلام.

 3 - المصدر، الحديث: 2، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 4 - العياشي 1: 29، الحديث: 12، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن على عليهم السلام.

 5 - جوامع الجامع 1: 3 9، والكشاف 1: 591.

 6 - مجمع البيان 3 - 4: 153، عن أبى جعفر عليه السلام، والدر المنثور 3: 1. (*)

 

[ 259 ]

الحرام): لأن صدوكم. يعنى عام الحديبية. (أن تعتدوا) بالانتقام (وتعاونوا على البر والتقوى): على العفو والاغضاء ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) للتشفي والانتقام (واتقوا الله ان الله شديد العقاب). (حرمت عليكم الميتة). بيان لما يتلى عليكم (والدم) أي: المسفوح منه، لقوله: (أو دما مسفوحا) 1. قيل: كانوا في الجاهلية يصبونه في الأمعاء ويشوونها 2. (ولحم الخنزير) وان ذكى. خصه بالذكر دون الكلب وغيره، لاعتيادهم أكله دون غيره. (وما أهل): رفع الصوت (لغير الله به) كقولهم: باسم اللآت والعزى عند ذبحه. قال: (ما ذبح لصنم أو وثن أو شجر) 3. (والمنخنقة) قال: (التى انخفقت بأخناقها حتى تموت) 4. (والموقوذة) قال: (التى مرضت ووقذها 5 المرض، لم يكن بها حركة) 6. وفى رواية: (كانوا يشدون أرجلها ويضربونها حتى تموت) 7. (والمتردية) قال: (التى تتردى من مكان مرتفع الى أسفل فتموت) 8. (والنطيحة) قال: (التى تنطحها بهيمة أخرى فتموت) 9. (وما أكل السبع) منه فمات. (الا ما ذكيتم). قال: (يرجع الى جميع ما تقدم ذكره من المحرمات سوى ما لا يقبل الذكاة من الخنزير والدم) 1. قال: (ان أدنى ما يدرك به الذكاة أن يدركه وهو يحرك أذنه أو ذنبه أو يطرف عينيه) 11. وفى رواية: (إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحركت

___________________________

1 - الأنعام (6): 145.

 2 - البيضاوى 2: 134. شوى الماء: أسخنه. (القاموس المحيط 4: 352، وتاج العروس 1: 2 4). شوى شيا اللحم: عرضه للنار فنضج. المنجد في اللغة: 41 (شوى).

 3، 4، 6، 8 و 9 - من لا يحضره الفقيه 3: 217، الحديث: 1 7، عن أبى جعفر الثاني عليه السلام.

 5 - الوقذ في الأصل: الضرب المثخن والكسر. ووقذها المرض أي: كسرها وضعفها. النهاية 5: 212 (وقذ).

 7 - القمى 1: 161.

 1 - مجمع البيان 3 - 4: 158، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 11 - المصدر: 157، عن الصادقين عليهما السلام، وفيه: (أن تدركه يتحرك أذنه أو ذنبه أو تطرف عينه). (*)

 

[ 260 ]

الذنب، فكل منه فقد أدركت ذكاته) 1. (وما ذبح على النصب). قال: (على حجر أو صنم، الا ما أدرك ذكاته فيذكى) 2. (وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق). قال: (كانوا في الجاهلية يشترون بعيرا فيما بين عشرة أنفس ويقتسمون عليه بالقداح، وكانت عشرة، سبعة لها أنصباء وثلاثة لا أنصباء لها، ثم ذكر أسماء القداح ثم قال: فكانوا يجيلون السهام بين عشرة، فمن خرج اسمه سهم من التى لا أنصباء لها ألزم ثلث ثمن البعير، فلا يزالون كذلك حتى تقع السهام الثلاثة التى لا أنصباء لها الى ثلاثة منهم، فيلزمونهم ثمن البعير، ثم ينحرونه ويأكله السبعة الذين لم ينقدوا في ثمنه شيئا ولم يطعموا منه الثلاثة الذين أنقدوا 3 ثمنه شيئا. فلما جاء الاسلام حرم الله ذلك فيما حرم، فقال - عزوجل -: (وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق) يعنى حرام) 4. (اليوم): الآن (يئس الذين كفروا من دينكم): انقطع طمعهم من دينكم أن تتركوه، وترجعوا منه الى الشرك. القمى: ذلك لما نزلت ولاية أمير المؤمنين عليه السلام 5. (فلا تخشوهم) أن يظهروا على دين الاسلام ويردوكم عن دينكم (واخشون) ان خالفتم أمرى أن تحل بكم عقوبتي (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا). قال: (الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله: (اليوم اكملت لكم دينكم) قال: 6 لا أنزل بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض) 7.

___________________________

1 - الكافي 6: 232، الحديث: 3، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 2 - من لا يحضره الفقيه 3: 217، الحديث: 1 7، عن أبى جعفر الثاني عليه السلام.

 3 - في (ب) و (ج): (نقدوا).

 4 - من لا يحضره الفقيه 3: 217 - 218، الحديث: 1 7، عن أبى جعفر الثاني عليه السلام.

 5 - القمى 1: 162.

 6 - في المصدر: (قال أبو جعفر عليه السلام: يقول الله عزوجل: لا أنزل عليكم...).

 7 - الكافي 1: 289، الحديث: 4، عن أبى جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 261 ]

أقول: وانما أكملت الفرائض بالولاية، لأن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنهى 1 جميع ما استودعه الله من العلم الى أمير المؤمنين ثم الى ذريته الأوصياء عليهم السلام واحدا بعد واحد، فلما أقامهم مقامه وتمكن الناس من الرجوع إليهم في حلالهم وحرامهم، واستمر ذلك بقيام واحد مقام آخر الى يوم القيامة، كمل الدين وتمت النعمة. وقد ورد هذا المعنى بعينه عنهم عليهم السلام 2، والحمد لله على ذلك، وصلى الله على محمد وأهل بيته الأوصياء وسلم. (فمن اضطر). متصل بالمحرمات، وما بينهما اعتراض، والمعنى: فمن اضطر الى تناول شئ من هذه المحرمات. (في مخمصة): مجاعة (غير متجانف) قال: (غير متعمد) 3. (لاثم). أقول: وذلك بأن يأكلها تلذذا أو مجاوزا حد الرخصة. وهذا كقوله سبحانه: (غير باغ ولا عاد) وقد سبق تفسيرهما في سورة البقرة 4. (فان الله غفور رحيم) لا يؤاخذه بأكله. (يسئلونك ماذآ أحل لهم قل أحل لكم الطيبات): ما لم تستخبثه الطباع السليمة ولم تتنفر عنه (وما علمتم من الجوارح) أي: صيدهن (مكلبين): مؤدبين لها. والمكلب: مؤدب الجوارح ومغريها بالصيد. قال: (هي الكلاب) 5. قال: (فما خلا الكلاب فليس صيده بالذى يؤكل الا أن يدرك ذكاته) 6. (تعلمونهن مما علمكم الله): مما ألهمكم من طرق التأديب (فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه).

___________________________

1 - الانهاء: الابلاغ والاعلام. يقال: أنهيت الأمر الى الحاكم: اعلمته به. مجمع البحرين 1: 426 (نها).

 2 - راجع: الكافي 1: 29، الحديث: 4، و 289، الحديث: 6، و 222، الحديث: 6، و 223، باب أن الأئمة ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء الذين من قبلهم.

 3 - القمى 1: 162، عن أبى جعفر عليه السلام.

 4 - في ذيل الآية: 173.

 5 - الكافي 6: 2 2، الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 6 - المصدر: 2 5 الحديث: 14، ومن لا يحضره الفقيه 3: 2 1، الحديث: 911، عن أبى عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 262 ]

قال: (ان أرسله صاحبه وسمى، فليأكل كل ما أمسك عليه وان قتل، وان أكل فكل ما بقى) 1. وقال: (إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته) 2. (واتقوا الله ان الله سريع الحساب). (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم). قال: (ان المراد به الحبوب والبقول والفاكهة، غير الذبايح التى يذبحونها، فانهم لا يذكرون اسم الله خالصا على ذبايحهم) 3. وفى رواية: (الذبيحة بالاسم ولا يؤمن عليها الا أهل التوحيد) 4. وفى أخرى: (إذا شهدتموهم وقد سموا اسم الله فكلوا ذبايحهم، وان لم تشهدوهم فلا تأكلوا، وان أتاك رجل مسلم فأخبرك أنهم سموا فكل) 5. وفى أخرى: (لا تأكله ولا تتركه، تقول: انه حرام، ولكن تتركه تنزها عنه، ان في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير) 6. (وطعامكم حل لهم) فلا عليكم أن تطعموهم وتبيعوه منهم. (والمحصنات) يعنى: وأحل لكم نكاح المحصنات، يعنى: العفائف (من المؤمنات) قال: (هن المسلمات) 7. (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) قال: (هن العفائف) 8. وورد: أنها منسوخة بقوله تعالى: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) 9. وفى رواية: (وبقوله: (ولا تنكحوا المشركات) 1. وفى أخرى:

___________________________

1 - الكافي 6: 2 5 الحديث: 14، ومن لا يحضره الفقيه 3: 2 1، الحديث: 911، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 2 و 3 - القمى 1: 163، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 4 - الكافي 6: 239، الحديث 2، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 5 - التهذيب 9: 69، الحديث: 294، عن أبى جعفر عليه السلام.

 6 - الكافي 6: 264، الحديث: 9، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 7 - العياشي 1: 235، الحديث: 2، والبرهان 1: 449، الحديث: 11، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 8 - من لا يحضره الفقيه 3: 276، الحديث: 1313، والعياشي 1: 296، الحديث: 39، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 1 - مجمع البيان 3 - 4: 162، عن أبى جعفر عليه السلام. والآية في سورة البقرة (2): 221. (*)

 

[ 263 ]

(أنها ناسخة لقوله: (ولا تنكحوا المشركات) 1. ويؤيده ما ورد: (ان سورة المائدة آخر القرآن نزولا، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها) 2. وورد: انه سئل عن الرجل المؤمن يتزوج النصرانية واليهودية. قال: (إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية. فقيل له: يكون له فيها الهوى، قال: فان فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، واعلم أن عليه في دينه غضاضة) 3. وفى رواية: (لا يتزوج الرجل اليهودية والنصرانية على المسلمة، ويتزوج المسلمة على اليهودية والنصرانية) 4. وفى أخرى: (لا بأس أن يتمتع الرجل باليهودية والنصرانية وعنده حرة) 5. (اذآ ءاتيتموهن أجورهن): مهورهن (محصنين): أعفاء بالنكاح (غير مسافحين): غير مجاهرين بالزنا (ولا متخذي أخذان): ولا مسرين به. والخدن: الصديق، يقع على الذكر والأنثى. (ومن يكفر بالايمان). قال: (ترك العمل الذى أقر به، مع ذلك أن يترك الصلاة من غير سقم ولا شغل) 6. وفى رواية: (ترك العمل حتى يدعه أجمع) 7. وفى أخرى: (الذى لا يعمل بما أمر الله ولا يرضى به) 8. (فقد حبط عمله وهو في الأخرة من الخاسرين).

___________________________

1 - الكافي 5: 357، الحديث: 6، عن أبى الحسن الرضا عليه السلام.

 2 - الدر المنثور 3: 4، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم.

 3 - الكافي 5: 356، الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام. والغضاضة: الذلة والمنقصة. مجمع البحرين 4: 218 (غضض).

 4 - المصدر: 357، الحديث: 4 و 5، عن أبى جعفر عليه السلام.

 5 - التهذيب 7: 256، الحديث: 11 3، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 6 - الكافي 2: 384، الحديث: 5، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 7 - العياشي 1: 297، الحديث: 43، عن أحدهما عليهما السلام.

 8 - المصدر، الحديث: 43، عن أبى عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 264 ]

(يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم الى الصلاة) قال: (من النوم) 1. أقول: فوجوب الوضوء بغير حدث النوم مستفاد من الأخبار، كوجوب الغسل بغير الجنابة. (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم الى الكعبين). الوجه ما يواجه به. قال: (كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوا ولا أن يبحثوا عنه ولكن يجرى عليه الماء) 2. أقول: ولما كانت اليد تطلق على ما تحت الزند وعلى ما تحت المرفق وعلى ما تحت المنكب، بين الله سبحانه غاية المغسول منها، فلا دلالة في الآية على ابتداء الغسل بالأصابع وانتهائه الى المرفق، وكذلك القول في الأرجل، فانها تطلق على القدم وعلى ما تحت الركبة وعلى ما يشمل الفخذين، والمرفق مجمع عظمي الذراع والعضد، والكعب عظم مائل الى الاستدارة واقع في ملتقى الساق والقدم، ويعبر عنه بالمفصل لمجاورته له. ورد: انه سئل: أين الكعبان ؟ قال: (هاهنا، يعنى المفصل دون عظم الساق) 3. وسئل: بم علم أن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟ فأجاب: (لمكان الباء) 4 يعنى أنها للتبعيض. وسئل: (وأرجلكم) على الخفض هي أم على النصب ؟ فقال: (بل هي على الخفض) 5. وقال: (فإذا مسح بشئ من رأسه أو بشئ من قدميه ما بين الكعبين الى أطراف الأصابع فقد أجزأه) 6. (وان كنتم جنبا فاطهروا): فاغتسلوا. عطف على فاغسلوا، كقوله: (وان

___________________________

1 - التهذيب 1: 7، الحديث: 9، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 2 - من لا يحضره الفقيه 1: 28، الحديث: 88، عن أبى جعفر عليه السلام.

 3 - الكافي 3: 26، الحديث: 5، عن أبى جعفر عليه السلام.

 4 - المصدر: 3، الحديث: 4، عن أبى جعفر عليه السلام.

 5 - التهذيب 1: 7 - 71، الحديث: 188، عن أبى جعفر عليه السلام.

 6 - الكافي 3: 26، الحديث: 5، عن أبى جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 265 ]

كنتم مرضى). قال: (تبدأ فتغسل كفيك، ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك، ثم تمضمض واستنشق، ثم تغسل جسدك من لدن قرنك 1 الى قدميك، ليس قبله ولا بعده وضوء، وكل شئ أمسته الماء فقد أنقيته، ولو أن رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وان لم يدلك جسده) 2. (وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه). قد سبق تفسير هذه الآية في سورة النساء 3. (ما يريد الله) بفرض الطهارات (ليجعل عليكم من حرج): من ضيق (ولكن يريد ليطهركم) من الأحداث والذنوب، فان الطهارة كفارة للذنوب، كما هي رافعة للأحداث (وليتم نعمته عليكم) بهذا التطهير (لعلكم تشكرون). (واذكروا نعمة الله عليكم) بالاسلام (وميثاقه الذى واثقكم به). قيل: يعنى عند اسلامكم بأن تطيعوا الله فيما يفرضه عليكم. 4 ورد (ان المراد به ما بين لهم في حجة الوداع، من تحريم المحرمات وكيفية الطهارة وفرض الولاية وغير ذلك) 5. أقول: وهذا داخل في ذاك. (إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله) في انساء نعمته ونقض ميثاقه (ان الله عليم بذات الصدور): بخفياتها. (يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط). سبق تفسيره 6. (ولا يجرمنكم): ولا يحملنكم (شنئان قوم): شدة عداوتهم وبغضهم (على ألا

___________________________

1 - القرن: جانب الرأس. مجمع البحرين 6: 3 (قرن).

 2 - التهذيب 1: 148، الحديث: 422، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 3 - ذيل الآية: 43.

 4 - مجمع البيان 3 - 4: 168.

 5 - المصدر، عن أبى جعر عليه السلام.

 6 - في سورة النساء ذيل الآية: 135. (*)

 

[ 266 ]

تعدلوا) فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل، كمثله وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد، تشفيا مما في قلوبكم. (اعدلوا) في أوليائكم وأعدائكم (هو أقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون). (وعد الله الذين ءامنوا وعلموا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم). (والذين كفروا وكذبوا بئاياتنا أولئك أصحاب الجحيم). (يا أيها الذين ءامنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا): يبطشوا (اليكم أيديهم) بالقتل والاهلاك (فكف أيديهم عنكم). القمى: يعنى أهل مكة من قبل فتحها، فكف أيديهم بالصلح يوم الحديبية 1. (واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون). (ولقد أخذ الله ميثاق بنى اسرآءيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا): كفيلا أمينا شاهدا من كل سبط ينقب عن أحوال قومه ويفتش عنها ويعرف مناقبهم. (وقال الله انى معكم لئن أقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة وءامنتم برسلى وعزرتموهم): ونصرتموهم وقويتموهم (وأقرضتم الله قرضا حسنا) بالانفاق في سبيله (لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سوآء السبيل). قيل: أمروا بعد هلاك فرعون بأن يخرجوا الى (أريحا) من أرض الشام ويجاهدوا مع ساكنيها من الجبابرة ويستقروا فيها، وأمر موسى بأن يأخذ من كل سبط نقيبا يكون كفيلا على قومه بالوفاء بما أمروا به، فاختار النقباء وأخذ الميثاق عليهم، فلما دنوا من أرضهم بعث النقباء يتجسسون فرأوا أجراما عظاما وقوة، فرجعوا فأخبروا موسى بذلك فأمرهم أن يكتموا ذلك، فحدثوا بذلك قومهم، الا كالب بن يوفنا من سبط يهودا ويوشع

___________________________

1 - القمى 1: 163. (*)

 

[ 267 ]

بن نون من سبط أفرائيم بن يوسف وكانا من النقباء 1. (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم): طردناهم من رحمتنا (وجعلنا قلوبهم قاسية): لا تنفعل عن الآيات والنذر (يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا): تركوا نصيبا وافرا (مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم): خيانة أو فرقة خائنة (الا قليلا منهم) لم يخونوا (فاعف عنهم واصفح ان الله يحب المحسنين). القمى: منسوخة بقوله: (أقتلوا المشركين) 2. (ومن الذين قالوا انا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون). (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب) كنعت محمد صلى الله عليه واله وسلم وآية الرجم في التوراة وبشارة عيسى بأحمد في الانجيل (ويعفوا عن كثير) مما تخفونه لا يخبر به (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين). (يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلم): طرق السلامة من العذاب (ويخرجهم من الظلمات): أنواع الكفر (الى النور): الاسلام (باذنه): بارادته وتوفيقه (ويهديهم الى صراط مستقيم). (لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا): فمن يمنع من قدرته وارادته شيئا (ان أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشآء والله على كل شئ قدير). (وقالت اليهود والنصارى نحن أبنآؤا الله وأحبآؤه): أشياع 3 ابنيه: عزير ومسيح

___________________________

1 - الكشاف 1: 599، ومجمع البيان 3 - 4: 171.

 2 - القمى 1: 164. والآية في سورة التوبة (9): 5.

 3 - في (ب): (أتباع). (*)

 

[ 268 ]

(قل فلم يعذبكم بذنوبكم) في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ، وفى الآخرة بالنار أياما معدودة كما زعمتم (بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشآء ويعذب من يشآء): يعاملكم معاملة ساير الناس (ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما واليه المصير). (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم) ما يحتاج الى البيان (على فترة من الرسل): على فتور من الارسال وانقطاع من الوحى (أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولانذير): كراهة أن تقولوا ذلك وتعتذروا به (فقد جاءكم بشير ونذير) فلا تعتذروا. قال: (ان الأمم تجحد تأديه رسالات رسلهم وتقول: (ما جاءنا من بشير ولا نذير)، والرسل يستشهدون نبينا صلوات الله عليهم، فيقول نبينا لكل أمة: (بلى قد جاءكم بشير ونذير). (والله على كل شئ قدير) قال: (أي مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل اليكم رسالاتهم) 2. (واذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وءاتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) من فلق البحر وتظليل الغمام وانزال المن والسلوى وغير ذلك. (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة) قال: (يعنى الشام) 3. (التى كتب الله لكم) أن تكون مسكنا لكم. ورد: (انهم لم يدخلوها حتى حرمها عليهم وعلى أبنائهم، وانما دخلها أبناء الأبناء) 4. وفى رواية: (كتبها لهم ثم محاها) 5. (ولا ترتدوا على أدباركم): ولا ترجعوا مدبرين (فتنقلبوا خاسرين) ثواب الدارين. (قالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين): شديدى البطش والبأس والخلق، لا يتأتى

___________________________

1 و 2 - الاحتجاج 1: 36: عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 3 - العياشي 1: 3 6، ذيل الحديث: 75، عن أبى جعفر عليه السلام.

 4 - المصدر: 3 4، الحديث: 7، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 5 - المصدر: 3 4، الحديث: 69، عن الصادقين عليهما السلام. (*)

 

[ 269 ]

لنا مقاومتهم (وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون). (قال رجلان) قال: (هما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا وهما ابنا عمه) 1. (من الذين يخافون): يخافون الله ويتقونه (أنعم الله عليهما) بالايمان والتثبيت (ادخلوا عليهم الباب): باب قريتهم، أي: باغتوهم وضاغطوهم في المضيق وامنعوهم من الاصحار (فإذا دخلتموه فانكم غالبون) لتعسر الكر عليهم في المضائق من عظم أجسامهم، ولأنهم أجسام لا قلوب فيها. (وعلى الله فتوكلوا) في نصرته على الجبارين (ان كنتم مؤمنين) به وبوعده. (قالوا يا موسى انا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون). قالوها استهانة بالله ورسوله وعدم مبالاة بهما. (قال رب انى لآ أملك الا نفسي وأخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين). (قال فانها محرمة عليهم أربعين سنة) لا يدخلونها ولا يملكونها بسبب عصيانهم (يتيهون في الأرض): يسيرون فيها متحيرين لا يرون طريقا (فلا تأس على القوم الفاسقين) لأنهم أحقاء بذلك لفسقهم. قال: (إذا كان العشاء وأخذوا في الرحيل نادوا: الرحيل الرحيل، الوحا الوحا 2، فلم يزالوا كذلك حتى تغيب الشمس، حتى إذا ارتحلوا واستوت بهم الأرض قال الله تعالى للأرض: ديرى بهم فلا يزالون 3 كذلك، حتى إذا أسحروا وقارب الصبح قالوا: ان هذا الماء قد أتيتموه فانزلوا، فإذا أصبحوا إذا أبنيتهم 4 ومنازلهم التى كانوا فيها بالأمس، فيقول بعضهم لبعض: يا قوم لقد ضللتم

___________________________

1 - العياشي 1: 3 3، الحديث: 68، عن أبى جعفر عليه السلام.

 2 - الوحا الوحا - بالمد والقصر - أي: السرعة السرعة، وهو منصوب بفعل مضمر. مجمع البحرين 1: 432 (وحا).

 3 - في (ب): (فلم يزالوا)، وفى (ج) والعياشي: (فلا يزالوا).

 4 - في جميع النسخ: (تيههم)، ولعل الأصح ما أثبتناه كما في المصدر. تاه يتيه تيها: إذا تحير وضل. النهاية 1: 203 (تيه). (*)

 

[ 270 ]

وأخطأتم الطريق، فلم يزالوا كذلك حتى أذن الله لهم فدخلوها، وقد كان كتبها لهم) 1. وورد: (مات هارون قبل موسى وماتا جميعا في التيه) 2. (واتل عليهم نبأ ابنئ ادم): قابيل وهابيل (بالحق): بالصدق (إذ قربا قربانا). القربان: ما يتقرب به الى الله من ذبيحة أو غيرها (فتقبل من أحدهما) لأنه رضى بحكم الله وأخلص النية لله وعمد الى أحسن ما عنده، وهو هابيل (ولم تتقبل من الأخر) لأنه سخط حكم الله ولم يخلص النية في قربانه وقصد الى أخس ما عنده، وهو قابيل (قال لأقتلنك). توعده بالقتل، لفرط حسده له على تقبل قربانه. (قال انما يتقبل الله من المتقين) يعنى انما أتيت من قبل نفسك بترك التقوى لا من قبلى. فيه أشارة الى أن الحاسد ينبغى أن يرى حرمانه من تقصيره، ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محظوظا لا في ازالة حظه، فان ذلك مما يضره ولا ينفعه، وان الطاعة لا تقبل الا من مؤمن تقى. (لئن بسطت الى يدك لتقتلني مآ أنا بباسط يدى ليك لأقتلك انى أخاف الله رب العالمين). (انى أريد أن تبوأ): أن ترجع (باثمى واثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزآؤا الظالمين). لعل غرضه بالذات أن لا يكون ذلك له، لا أن يكون لأخيه. ورد: (من قتل مؤمنا أثبت الله على قاتله جميع الذنوب، وبرئ المقتول منها، وذلك قول الله عزوجل: (انى أريد أن تبوأ) الآية) 3. (فطوعت له): اتسعت (نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين) دينا ودنيا، إذ بقى مدة عمره مطرودا محزونا نادما. قال: (ان الله أوحى الى آدم أن يدفع الوصية واسم الله الأعظم الى هابيل وكان قابيل أكبر، فبلغ ذلك قابيل فغضب فقال: أنا أولى

___________________________

1 - العياشي 1: 3 5، الحديث: 74، والبحار 13: 181، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 2 - القمى 2: 137، عن أبى جعفر عليه السلام، ذيل الآية: 13 من سورة القصص.

 3 - ثواب الأعمال: 555، عن أبى جعفر عليه السلام، وفيه (من قتل مؤمنا متعمدا). (*)

 

[ 271 ]

بالكرامة والوصية، فأمرهما أن يقربا قربانا بوحى من الله إليه، ففعلا، فتقبل الله قربان هابيل فحسده قابيل فقتله) 1. وفى رواية: (ان عدو الله ابليس قال لقابيل: انه تقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربانك، فان تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك، فقتله قابيل) 2. ورد: (فلم يدر كيف يقتله حتى جاء ابليس فعلمه فقال: ضع رأسه بين حجرين ثم اشدخه) 3. (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجرت أن أكون مثل هذا الغراب فأوراى سوءة أخى فأصبح من النادمين) على قتله. قال: (فلما قتله لم يدر ما يصنع به. فجاء غرابان فاقتتلا حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر الذى بقى الأرض بمخالبه ودفن فيها 4 صاحبه. قال قابيل: (يا ويلتى) الآية، فحفر له حفيرة فدفنه فيها، فصارت سنة يدفنون الموتى) 5. (من أجل ذلك كتبنا على بنى أسرآءيل) القمى: لفظ الآية خاص في بنى اسرائيل ومعناها جار في الناس كلهم. 6 (أنه من قتل نفسا بغير نفس) يوجب الاقتصاص (أو فساد في الأرض): أو بغير فساد فيها كالشرك وقطع الطريق (فكأنما قتل الناس جميعا) لهتكه حرمة الدماء وتسنينه سنة القتل وتجرئته الناس عليه. قال: ((واد في جهنم لو قتل الناس جميعا كان فيه ولو قتل نفسا واحدة كان فيه) 7.

___________________________

1 - العياشي 1: 312، الحديث: 83، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 2 - كمال الدين 1: 213، الباب: 22، الحديث: 2، عن أبى جعفر عليه السلام.

 3 - القمى 1: 165، عن السجاد عليه السلام. والشدخ: الكسر في الشئ الأجوف، يقال: شدخت رأسه: كسرته. مجمع البحرين 2: 435 (شدخ).

 4 - في جميع النسخ: (فيه).

 5 - القمى 1: 165، عن السجاد عليه السلام. والمخالب جمع مخلب بمنزلة الظفر للانسان. مجمع البحرين 2: 53 (خلب).

 6 - القمى 1: 167.

 7 - العياشي 1: 313، الحديث: 86، عن أبى عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 272 ]

(ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا): ومن تسبب لبقاء حياتها بعفو أو منع من القتل أو استنقاذ من بعض أسباب الهلاك، فكأنما فعل ذلك بالناس جميعا. قال: (من أنقذها من حرق أو غرق. قيل: فمن أخرجها من ضلال الى هدى قال: ذاك تأويلها الأعظم) 1. وفى رواية: (من أخرجها من ضلال الى هدى فكأنما أحياها، ومن أخرجها من هدى الى ضلال فقد قتلها) 2. (ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات) بعد ما كتبنا عليهم هذا التشديد الوكيد كى يتحاموا عن أمثال هذه الجنايات (ثم ان كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون): مجاوزون عن الحق. قال: (المسرفون هم الذين يستحلون المحارم ويسفكون الدماء) 3. (انما جزآؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى في الدنيا): ذل وفضيحة (ولهم في الأخرة عذاب عظيم) لعظم ذنوبهم. الا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم). (قدم قوم من بنى ضبة على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مرضى، فبعثهم لله الى ابل الصدقة يشربون من أبوالها ويأكلون من ألبانها، فلما برأوا واشتدوا قتلوا ثلاثة ممن كان في الابل وساقوا الابل. فبعث إليهم عليا عليه السلام فأسرهم، فنزلت. فاختار رسول الله صلى الله عليه واله وسلم القطع، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف). كذا ورد. 4 سئل: عن هذه الآية. فقال: (ذلك الى الامام يفعل به ما شاء. قيل: فمفوض ذلك إليه ؟ قال: لا ولكن نحو

___________________________

1 - الكافي 2: 211، الحديث: 2، عن أبى جعفر عليه السلام.

 2 - الكافي 2: 21، الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 3 - مجمع البيان 3 - 4: 187، عن أبى جعفر عليه السلام.

 4 - الكافي 7: 245، الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 273 ]

الجناية) 1. وفى رواية: (من قطع الطريق فقتل وأخذ المال، قطعت يده ورجله وصلب، ومن قطع الطريق فقتل ولم يأخذ المال، قتل. ومن قطع الطريق وأخذ المال ولم يقتل، قطعت يده ورجله. ومن قطع الطريق ولم يأخذ مالا ولم يقتل، نفى من الأرض) 2. وسئل: كيف ينفى ؟ فقال: (ينفى من المصر الذى فعل فيه ما فعل الى مصر آخر غيره، ويكتب الى أهل ذلك المصر بأنه منفى، فلا تجالسوه ولا تبايعوه ولا تناكحوه ولا تؤاكلوه ولا تشاربوه، فيفعل ذلك به سنة، فان خرج من ذلك المصر الى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتى تتم السنة) 3. وفى رواية: (ان معنى المحارب ايداعه الحبس) 4. وفى أخرى: (أن يقذف في البحر ليكون عدلا للقتل والصلب) 5. (وورد: (من حمل السلاح بالليل فهو محارب الا أن يكون رجلا ليس من أهل الريبة) 6. (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة): ما تتوسلون به الى ثوابه والزلفى منه. القمى: تقربوا إليه بالامام 7. وورد: (الأئمة هم الوسيلة الى الله)) 8. وفى رواية: (آنهاأعلى درجة في الجنة) 9 (وجاهدوا في سبيله) بمحاربة أعدائه الظاهرة والباطنة (لعلكم تفلحون) بالوصول الى الله والفوز بكرامته. (ان الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض) من صنوف الأموال (جميعا ومثله

___________________________

1 - الكافي 7: 246، الحديث: 5، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 2 - المصدر: 247، الحديث: 11، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 3 - المصدر: الحديث: 8، عن أبى الحسن الرضا عليه السلام.

 4 - العياشي 1: 315، الحديث: 91، عن أبى جعفر الثاني عليه السلام.

 5 - الكافي 7: 247، الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام، مع تفاوت يسير.

 6 - المصدر: 246، الحديث: 6، عن أبى جعفر عليه السلام.

 7 - القمى 1: 168.

 8 - عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 58، الباب: 31، الحديث: 217، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم.

 9 - الكافي 8: 24، ذيل خطبة الوسيلة، عن أمير المؤمنين عليه السلام. (*)

 

[ 274 ]

معه ليفتدوا به) أنفسهم (من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم). (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم). قال: (انهم أعداء على عليه السلام) 1. (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما). سئل: في كم يقطع السارق ؟ قال: (في ربع دينار) 2. قال: (وتقطع الأربع أصابع ويترك الابهام، يعتمد عليها في الصلاة، ويغسل بها وجهه للصلاة) 3. و (إذا قطعت الرجل ترك العقب، لم يقطع) 4. وفى رواية: (إذا سرق قطعت يمينه، فإذا سرق مرة أخرى قطعت رجله اليسرى، ثم إذا سرق مرة أخرى سجن وترك رجله اليمنى، يمشى عليها الى الغائط، ويده اليسرى، يأكل بها ويستنجى بها) 5. (جزاء بما كسبا نكالا من الله): عقوبة منه (والله عزيز حكيم). (فمن تاب من بعد ظلمه): بعد سرقته (وأصلح) أمره برد المال والتفصى عن التبعات (فان الله يتوب عليه ان الله غفور رحيم). قال: (في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنى، فلم يعلم ذلك منه، ولم يؤخذ، حتى تاب وصلح وعرف منه أمر جميل، لم يقم عليه الحد) 6. وفى رواية: (من أخذ سارقا فعفا عنه، فذاك له، فإذا رفع الى الامام قطعه. فان قال الذى سرق منه: أنا أهب له، لم يدعه الامام حتى يقطعه. قال: وذلك قول الله تعالى (والحافظون لحدود الله) 7 فإذا انتهى الحد الى الامام، فليس لأحد أن

___________________________

1 - العياشي 1: 317، الحديث: 1، عن أبى جعفر عليه السلام و 1 1، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 2 - الكافي 7: 222، الحديث: 6، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 3 - المصدر: 225، الحديث: 17، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 4 - المصدر: 222، الحديث: 2، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 5 - المصدر: 223، الحديث: 4، عن أبى جعفر عليه السلام.

 6 - المصدر: 25، الحديث: 1، عن أحدهما عليهما السلام، وفيه (... ولم يؤخذ حتى تاب وصلح ؟ فقال: إذا صلح وعرف منه أمر جميل، لم يقم عليه الحد).

 7 - التوبة (9): 112. (*)

 

[ 275 ]

يتركه) 1 (ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشآء ويغفر لمن يشآء والله على كل شئ قدير). (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر): في اظهاره إذا وجدوا منه فرصة (من الذين قالوا ءامنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) يعنى المنافقين. (ومن الذين هادوا سماعون للكذب) أي: قائلون له، أو سماعون كلامك ليكذبوا عليك (سماعون لقوم ءاخرين): لجمع آخر من اليهود (لم يأتوك): لم يحضروا مجلسك وتجافوا عنك تكبرا أو افراطا في البغضاء، يعنى: مصغون لهم، قائلون كلامهم، أو سماعون منك لأجلهم ولأنهاء إليهم. (يحرفون الكلم من بعد مواضعه): يميلونه عن مواضعه التى وضعه الله فيها، بتغييره وحمله على غير المراد واجرائه في غير مورده أو اهماله. (يقولون ان أوتيتم هذا فخذوه): ان أوتيتم هذا المحرف، فاقبلوه واعملوا به (وان لم تؤتوه) بل أفتاكم محمد بخلافه (فاحذروا) قبول ما أفتاكم به. القمى: نزلت في عبد الله بن أبى، حيث مشت إليه بنو النضير فقالوا: سل محمدا أن لا ينقض شرطنا في هذا الحكم الذى بيننا وبين بنى قريظة في القتل، وكان شرطهم مخالفا للتوراة. فقال ابن أبى: ابعثوا رجلا يسمع كلامي وكلامه، فان حكم لكم بما تريدون، والا فلا ترضوا به. 2 هذا ملخص القصة. (ومن يرد الله فتنته): اختباره ليفضح (فلن تملك له من الله شيئا) يعنى في دفعها (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزى): هوان بالزام الجزية على اليهود، واجلاء بنى النضير منهم، واظهار كذبهم في كتمان الحق، وظهور كفر

___________________________

1 - الكافي 7: 251، الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 2 - القمى 1: 168 - 169. (*)

 

[ 276 ]

المنافقين، وخوفهم جميعا عن المؤمنين. (ولهم في الأخرة عذاب عظيم) وهو الخلود في النار. (سماعون للكذب). كرره تأكيدا. (أكالون للسحت) أي: الحرام، من سحته إذا استأصله لأنه مسحوت البركة. قال: (هو الرشاء في الحكم) 1. وفى رواية: (ثمن الميتة، وثمن الكلب، وثمن الخمر، ومهر البغى، والرشوة، وأجر الكاهن) 2. وفى أخرى: (وللسحت أنواع كثيرة) 3. (فان جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم). تخيير له صلى الله عليه واله وسلم. قال: (ان الحاكم إذا أتاه أهل التوراة وأهل الانجيل يتحاكمون إليه، ان شاء حكم بينهم وان شاء تركهم) 5. (وان تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين). (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله). تعجيب من تحكيمهم من لا يؤمنون به، والحال أن الحكم منصوص عليه في الكتاب الذى عندهم، وفيه تنبيه على أنهم ما قصدوا بالتحكيم معرفة الحق واقامة الشرع، وانما طلبوا به ما يكون أهون عليهم وان لم يكن حكم الله في زعمهم. (ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين) بكتابهم، لاعراضهم عنه أولا، وعما يوافقه ثانيا. (انآ أنزلنا التوراة فيها هدى): بيان للحق (ونور) يكشف ما استبهم من الأحكام (يحكم بها النبيون الذين أسلموا): انقادوا لله. قيل: وصفهم بالاسلام لأنه دين الله. 6

___________________________

1 - الكافي 7: 4 9، الحديث: 3، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 2 - الكافي 5: 127، الحديث: 2، عن أبى عبد الله عليه السلام، وفيه: (والرشوة في الحكم).

 3 - المصدر: 126، الحديث: 1، عن أبى جعفر عليه السلام.

 4 - في (الف) و (ج): (تخير).

 5 - التهذيب 6: 3، الحديث: 839، عن أبى جعفر عليه السلام.

 6 - مجمع البيان 3 - 4: 198. (*)

 

[ 277 ]

(للذين هادوا) يحكمون لهم (والربانيون والأحبار): ويحكم بها الربانيون والأحبار. قال: (الربانيون هم الأئمة دون الأنبياء، الذين يربون الناس بعلمهم، والأحبار هم العلماء دون الربانيين) 1. (بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء). قال: (ولم يقل بما حملوا منه) 2 وفى رواية: (فينا نزلت) 3. (فلا تخشوا الناس واخشون). نهى للحكام أن يخشوا غير الله في حكوماتهم ويداهنوا فيها. (ولا تشتروا بئاياتى): ولا تستبدلوا بأحكامى التى أنزلتها (ثمنا قليلا) من رشوة أوجاه (ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولئك هم الكافرون). قال: (من حكم بدرهمين بحكم جور، ثم جبر عليه كان من أهل هذه الآية) 4. (وكتبنا عليهم): وفرضنا على اليهود (فيها): في التوراة (أن النفس بالنفس) يعنى: تقتل بها (والعين بالعين): تفقأبها (والأنف بالأنف): تجدع بها (والأذن بالأذن): تصلم بها (والسن بالسن): تقلع بها (والجروح قصاص): ذات قصاص (فمن تصدق به): بالقصاص، أي: عفى عنه (فهو كفارة له) قال: (يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما عفا من جراح وغيره) 5. وفى رواية: (ما عفا عن العمد) 6. (ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولئك هم الظالمون). (وقفينا علئ اثرهم): واتبعنا على آثار النبيين الذين أسلموا (بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وءاتيناه الانجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يدى من التوراة

___________________________

1 و 2 - العياشي 1: 323، ذيل الحديث: 119، عن أبى عبد الله عليه السلام، مع تفاوت يسير.

 3 - المصدر: 322، الحديث: 118، عن أبى جعفر عليه السلام.

 4 - الكافي 7: 4 8، الحديث: 3، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم، وفيه: (في درهمين).

 5 - المصدر: 358، الحديث: 2، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 6 - من لا يحضره الفقيه 4: 8، الحديث: 251، عن أبى عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 278 ]

وهدى وموعظة للمتقين). (وليحكم أهل الانجيل بمآ أنزل الله فيه ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولئك هم الفاسقون). (وأنزلنا اليك الكتاب بالحق) أي: القرآن (مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه): ورقيبا على سائر الكتب، يحفظه عن التغيير ويشهد له بالصحة والثبات (فاحكم بينهم بمآ أنزل الله) أي: اليك (ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة): شريعة. وهى الطريقة الى الماء، شبه بها الدين، لأنه طريق الى ما هو سبب الحياة الأبدية. (ومنهاجا): وطريقا واضحا. قال: (الشرعة والمنهاج: سبيل وسنة، وأمر كل نبى بالأخذ بالسبيل والسنة. وكان من السبيل والسنة التى أمر الله بهما موسى، أن جعل عليهم السبت) 1. (ولو شآء الله لجعلكم أمة واحدة): جماعة متفقة، على دين واحد (ولكن ليبلوكم في مآ ءاتاكم) من الشرائع المختلفة المناسبة لكل عصر، هل تعملون بها، مصدقين بوجود الحكمة في اختلافها (فاستبقوا الخيرات): فابتدروها انتهازا للفرصة، وحيازة لقصب السبق والتقدم (الى الله مرجعكم جميعا). وعد ووعيد للمبادرين والمقصرين. (فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) بالجزاء الفاصل بين المحق، والمبطل، والمبادر، والمقصر. (وأن احكم بينهم بمآ أنزل الله). قال: (انما كرر الأمر بالحكم بينهم، لأنهما حكمان أمر بهما جيمعا، لأنهم احتكموا إليه في زنا المحصن، ثم احتكموا إليه في قتل كان بينهم) 2. (ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك): يصرفوك (عن بعض مآ أنزل الله اليك فان تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم). فيه تنبيه على أن

___________________________

1 - الكافي 2: 29، الحديث: 1، عن أبى جعفر عليه السلام.

 2 - مجمع البيان 3 - 4: 2 4، عن أبى جعفر عليه السلام، وفيه: (في قتيل كان بينهم). (*)

 

[ 279 ]

لهم ذنوبا كثيرة، والتوالي عن حكم الله مع عظمته واحد منها. (وان كثيرا من الناس لفاسقون). تسلية النبي صلى الله عليه واله وسلم عن امتناع القوم من الاقرار بنبوته، بأن أهل الايمان قليل. (أفحكم الجاهلية يبغون). انكار على توليهم عن حكم الله. (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) أي: هذا الاستفهام لقوم يوقنون، فانهم يعلمون ذلك. قال: (الحكم حكمان: حكم الله، وحكم الجاهلية، فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية)) 1. (يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء): لا تعتمدوا على الاستنصار بهم، متوددين إليهم (بعضهم أولياء بعض) في العون والنصرة، ويدهم واحدة عليكم (ومن يتولهم منكم فانه منهم): من استنصر بهم فهو كافر مثلهم. ورد: (من تولى آل محمد، وقدمهم على جميع الناس بما قدمهم من قرابة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فهو من آل محمد بمنزلة آل محمد، لا أنه من القوم بأعيانهم وانما هو منهم بتوليه إليهم واتباعه اياهم. وكذلك حكم الله في كتابه: (ومن يتولهم منكم فانه منهم) 2. (ان الله لا يهدى القوم الظالمين): الذين ظلموا أنفسهم، والمؤمنون بموالاة الكفار. (فترى الذين في قلوبهم مرض) كابن أبى وأضرابه (يسارعون فيهم): في موالاتهم ومعاونتهم (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة): يعتذرون بأنهم يخافون أن تصيبهم دائرة من الدوائر، بأن ينقلب الأمر ويكون الدولة للكفار. روى: (أن عباد ة بن الصامت قال لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ان لى موالى من اليهود كثيرا عد دهم، وانى أبرء الى الله

___________________________

1 - الكافي 7: 4 7، الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 2 - العياشي 2: 231، الحديث: 34، عن أبى عبد الله عليه السلام، وفيه: (لتوليه) بدل: (بمنزلة). (*)

 

[ 280 ]

ورسوله من ولايتهم وأوالى الله ورسوله. فقال ابن أبى انى رجل أخاف الدوائر، لا أبرء من ولاية موالى، فنزلت) 1. (فعسى الله أن يأتي بالفتح) لرسوله (أو أمر من عنده). فيه اعزاز المؤمنين، واذلال المشركين، وظهور الاسلام. (فيصبحوا) أي: هؤلاء المنافقون (على مآ أسروا في أنفسهم) من النفاق والشك في أمر الرسول (نادمين). (ويقولون الذين ءآمنوا هؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم): أغلظ أيمانهم (انهم لمعكم). تعجبا من حال المنافقين وتبجحا بما من الله عليهم من الاخلاص (حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين). اما من جملة 2 المقول أو من قول الله، وفيه معنى التعجب كأنه قيل: ما أحبط أعمالهم ! ما أخسرهم ! (يا أيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه). جوابه محذوف، يعنى: فلن يضر دين الله شيئا، فان الله لا يخلى دينه من أنصار يحمونه (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه): يحبهم الله ويحبونه. قد سبق معنى المحبة من الله ومن العباد 3. (أذلة على المؤمنين): رحماء عليهم، من الذل الذى هو اللين، لا من الذل الذى هو الهوان. (أعزة على الكافرين): غلاظ شداد عليهم. من عزه إذا غلبه. (يجاهدون في سبيل الله) بالقتال لاعلاء كلمة الله واعزاز دينه. (ولا يخافون لومة لآئم) فيما يأتون من الجهاد والطاعة. قال: (هم أمير المؤمنين وأصحابه، حين قاتل من قاتله من الناكثين والقاسطين والمارقين) 4. وقال عليه السلام يوم البصرة: (والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم وتلاها) 5. والقمى: نزلت في مهدى الأمة

___________________________

1 - البيضاوى 2: 154.

 2 - في (ب): (من جهة).

 3 - في سورة آل عمران، ذيل الآية: 31.

 4 - مجمع البيان 3 - 4: 2 8، عن الصادقين عليهما السلام.

 5 - المصدر، عن أمير المؤمنين عليه السلام. (*)

 

[ 281 ]

وأصحابه. 1 (ذلك فضل الله يؤتيه من يشآء والله واسع): جواد (عليم) بموضع جوده وعطائه. (انما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون). قال في تفسيرها: (يعنى أولى بكم أي: أحق بكم وبأموركم من أنفسكم وأموالكم، (ألله ورسوله والذين آمنوا). يعنى عليا وأولاده الأئمة عليهم السلام الى يوم القيامة ثم وصفهم الله عزوجل، فقال: (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون). وكان أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الظهر، وقد صلى ركعتين، وهو راكع، وعليه حلة قيمتها ألف دينار، وكان النبي صلى الله عليه واله وسلم أعطاه، وكان النجاشي أهداها له. فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولى الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدق على مسكين. فطرح الحلة إليه، وأومى بيده إليه أن احملها. فأنزل الله عزوجل فيه هذه الآية، وصير نعمة أولاده بنعمته. فكل من بلغ من أولاده مبلغ الامامة يكون بهذه النعمة مثله، فيتصدقون وهم راكعون. والسائل الذى سأل أمير المؤمنين من الملائكة، والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة) 2. وفى رواية: (انه عليه السلام ناول السائل الخاتم من اصبعه) 3. كما يأتي، وهى أشهر. وقد روته العامة أيضا 4. ولعله عليه السلام تصدق في ركوعه مرة بالحلة، وأخرى بالخاتم، والآية نزلت بعد الثانية، فان (يؤتون) يشعر بالتكرار والتجدد، كما أنه يشعر بفعل أولاده أيضا. (ومن يتول الله ورسوله والذين ءامنوا فان حزب الله هم الغالبون): فانهم

___________________________

1 - القمى 1: 17.

 2 - الكافي 1: 28، الحديث: 3، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 3 - الخصال 2: 58، ذيل الحديث: 1 عن أمير المؤمنين عليه السلام، مع تفاوت يسير.

 4 - راجع: الدر المنثور 3: 1 6، والكشاف 1: 624، والبيضاوي 2: 156، واحقاق الحق 2: 399 و 3: 502، والغدير 1: 214. (*)

 

[ 282 ]

الغالبون. وضع الظاهر موضع المضمر، تنبيها على البرهان عليه، وكأنه قيل: فانهم حزب الله وان حزب الله هم الغالبون، وتنويها بذكرهم، وتعظيما لشأنهم، وتشريفا لهم بهذا الاسم، وتعريضا بمن يوالى غير هؤلاء بأنه حزب الشيطان. وأصل الحزب: القوم، يجتمعون لأمر حزبهم. ورد: (ان رهطا من اليهود أسلموا، فقالوا: يا نبى الله ان موسى أوصى الى يوشع ابن نون، فمن وصيك يا رسول الله، ومن ولينا بعدك ؟ فنزلت هذه الآية: (انما وليكم الله). قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: قوموا. فقاموا فأتوا المسجد، فإذا سائل خارج. فقال: يا سائل أما أعطاك أحد شيئا ؟ قال: نعم، هذا الخاتم. قال: من أعطاكه ؟ قال: أعطانيه ذلك الرجل الذى يصلى. قال: على أي حال أعطاك ؟ قال: كان راكعا. فكبر النبي صلى الله عليه واله وسلم وكبر أهل المسجد. فقال النبي: صلى الله عليه واله وسلم: على بن أبى طالب وليكم بعدى. قالوا: رضينا بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبعلى بن أبى طالب وليا. فأنزل الله تعالى: (ومن يتول الله) الآية) 1. (يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله ان كنتم مؤمنين). (وإذا ناديتم الى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون). (قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منآ): تنكرون منا وتعيبون (الآ أن ءامنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون): خارجون عن أمر الله، طلبا للرياسة وحسدا على منزلة النبوة. (قل هل أنبئكم بشر من ذلك) المنقوم ؟ يعنى: ان كان ذلك شرا عندكم فأنا أخبركم بشر منه. (مثوبة): جزاء ثابتا (عند الله). والمثوبة مختصة بالخير، كالعقوبة

___________________________

1 - الأمالي (للصدوق): 1 8، المجلس السادس والعشرون، الحديث: 4، عن أبى جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 283 ]

بالشر، وضعت موضعها، كما في: (بشرهم بعذاب أليم) 1. (من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير): مسخهم (وعبد الطاغوت): ومن عبد الطاغوت وهو الشيطان. قيل: هم أصحاب العجل، كما أن القردة والخنازير أصحاب السبت والمائدة 2. (أولئك شر مكانا وأضل عن سوآء السبيل). أريد بالتفضيل مطلق الزيادة. (وإذا جاءوكم قالوا ءامنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به): يخرجون من عندك دخلوا، لا يؤثر فيهم ما سمعوا منك. القمى: نزلت في ابن أبى 3. (والله أعلم بما يكتمون) من الكفر. (وترى كثيرا منهم يسارعون في الاثم): المعصية (والعدوان): تعدى حدود الله (وأكلهم السحت): الحرام، كالرشوة (لبئس ما كانوا يعملون). (لولا): هلا (ينهاهم الربانيون والأحبار): علماؤهم (عن قولهم الاثم) كالكذب وكلمة الشرك، مثل قولهم: (عزير ابن الله) 4. (وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون). قال: (انما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي، ولم ينهاهم الربانيون والأحبار عن ذلك) 5. (وقالت اليهود يد الله مغلولة). قال: (قالوا: قد فرغ من الأمر، فلا يزيد ولا ينقص) 6 وفى رواية: (فليس يحدث شيئا. قال: ألم تسمع الله

___________________________

1 - آل عمران (3): 21.

 2 - الكشاف 1: 626.

 3 - القمى 1: 17.

 4 - التوبة (9): 3.

 5 - الكافي 5: 57، الحديث: 6، عن أمير المؤمنين عليه السلام، وفيه: (لم ينههم).

 6 - معاني الأخبار: 18، الحديث: 15، عن أبى عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 284 ]

يقول: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) 1. وقيل: غل اليد كناية عن البخل، وبسطها عن الجود. 2 (غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا). دعاء عليهم. (بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشآء). القمى: أي: يقدم ويؤخر ويزيد وينقص وله البدا والمشية 3. أقول: لعل نثنية اليد اشارة الى تقابل أسمائه سبحانه، وكناية عن غاية الجود، فان الجواد في الغاية انما يعطى بيديه جميعا. (وليزيدن كثيرا منهم مآ أنزل اليك من ربك طغيانا وكفرا): على طغيانهم وكفرهم، كما يزداد المريض مرضا من تناول عذاء الأصحاء. (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة) فكلماتهم مختلفة، وقلوبهم شتى، فلا تقع بينهم موافقة. (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله): كلما أرادوا محاربة غلبوا. (ويسعون في الأرض فسادا): للفساد بمخالفة أمر الله، والاجتهاد في محو ذكر الرسول من كتبهم (والله لا يحب المفسدين). (ولو أن أهل الكتاب ءامنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم). قال: (فان الاسلام يجب ما قبله) 4 وان جل. (ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل) باقامة أحكامها واذاعة ما فيهما (وما أنزل إليهم من ربهم) قال: يعنى: الولاية) 5. (لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم): لوسع عليهم أرزاقهم، وأفيض عليهم بركات من السماء والأرض. القمى: من فوقهم

___________________________

1 - عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 182، الباب: 13، الحديث: 1. والآية في سورة الرعد: (13): 39.

 2 - راجع: البيضاوى 2: 159.

 3 - القمى 1: 171.

 4 - راجع: عوالي اللئالى 2: 54 و 224، والجامع الصغير (للسيوطي) 1: 123، وكنز العمال 1: 66 و 75 ، ومسند أحمد بن حنبل 4: 199، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم.

 5 - العياشي 1: 33، الحديث: 149، والكافي 1: 413، الحديث: 6، عن أبى جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 285 ]

المطر ومن تحت أرجلهم النبات. 1 (منهم أمة مقتصدة) قد دخلوا في الاسلام (وكثير منهم ساء ما يعملون) حيث أقاموا على الجحود والكفر. فيه معنى التعجب، أي: ما أسوء عملهم ! (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك) قال: (في على) 2. كذلك نزلت. (وان لم تفعل فما بلغت رسالته): ان تركت تبليغ ما أنزل اليك في ولاية على وكتمته، كنت كأنك لم تبلغ شيئا من رسالات ربك. (والله يعصمك من الناس): يمنعك من أن ينالوك بسوء (ان الله لا يهدى القوم الكافرين) وقال في حديث: (ثم نزلت الولاية وانما أتاه ذلك يوم الجمعة بعرفة، أنزل الله تعالى: (أليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) 3. وكان كمال الدين بولاية على بن أبى طالب - صلوات الله عليه -. فقال عند ذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: أمتى حديثوا عهد بالجاهلية، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمى، يقول قائل، ويقول قائل. فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني. فأتتنى عزيمة من الله بتلة 4 أوعدنى ان لم أبلغ أن يعذبنى. فنزلت: (يا أيها الرسول) الآية. فأخذ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بيد على عليه السلام فقال: يا أيها الناس انه لم يكن نبى من الأنبياء ممن كان قبلى الا وقد عمره الله ثم دعاه فأجابه، فأوشك أن أدعى فأجيب، وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون ؟ فقالوا: نشهد انك قد بلغت، ونصحت، وأديت ما عليك، فجزاك الله أفضل جزاء المرسلين. فقال: اللهم اشهد - ثلاث مرات - ثم قال: يا معشر المسلمين هذا وليكم من بعدى فليبلغ

___________________________

1 - القمى 1: 171.

 2 - مجمع البيان 3 - 4: 223، والعياشي 1: 232، والقمى 1: 171، وشواهد التنزيل 1: 188، والدر المنثور 3: 117، والغدير 1: 216.

 3 - المائدة (5): 3.

 4 - بتلة: مقطوعة، من البتل وهو القطع. ومنه قوله: طلقها بتة بتلة. مجمع البحرين 5: 316 (بتل). (*)

 

[ 286 ]

الشاهد منكم الغائب) 1 الحديث. وفى رواية (فخرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من مكة، يريد المدينة حتى نزل منزلا يقال له. (غدير خم)، وقد علم الناس مناسكهم وأوعز إليهم وصيته إذا نزل عليه هذه الآية: (يا أيها الرسول). فقام رسول الله فقال: تهديد ووعيد. فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس، هل تعلمون من وليكم ؟ قالوا: نعم، الله ورسوله. قال: ألستم تعلمون أنى أولى بكم منكم بأنفسكم ؟ قالوا بلى. قال: اللهم اشهد، فأعاد ذلك عليهم ثلاثا، كل ذيك يقول مثل قوله الأولى، ويقول الناس كذلك، ويقول: اللهم اشهد، ثم أخذ بيد أمير المؤمنين عليه السلام فرفعها حتى بدا للناس بياض ابطيهما، ثم قال: ألا من كنت مولاه فهذا على مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحب من أحبه، ثم قال: اللهم اشهد عليهم وأنا من الشاهدين) 2. وروت العامة عن ابن عباس وجابر بن عبد الله: (ان الله أمر نبيه أن ينصب عليا للناس، ويخبرهم بولايته، فتخوف عليه السلام 3 أن يقولا: حابى 4 ابن عمه، وأن يشق ذلك على جماعة من أصحابه، فنزلت هذه الآية، فأخذ بيده يوم غدير خم وقال: من كنت مولاه فعلى مولاه) 5. وقرئ. (قل يا أهل الكتاب لستم على شئ): على دين يعتد به (حتى تقيموا التوراة والانجيل) بالتصديق لما فيهما من البشارة بمحمد صلى الله عليه واله وسلم والاذعان لحكمه (وما أنزل اليكم

___________________________

1 - الكافي 1: 29 - 291، الحديث: 6، عن أبى جعفر عليه السلام.

 2 - القمى 1: 173 - 174.

 3 - في (ب): (فتخوف عليهم).

 4 - حابى الرجل حباء: نصره واختصه وماله إليه. (لسان العرب 14: 163 - حبا). وفى (ب): (حامى) - بالميم - والأنسب ما أثبتناه كما في المصدر.

 5 - جوامع الجامع 1: 342 عن جابر بن عبد الله. والظاهر أن قوله: (وقرئ) زائد هنا لا معنى له، أو حذفت الجملة التى كانت بعده فانها في المصدر هكذا: (وقرئ: فما بلغت رسالاته). (*)

 

[ 287 ]

من ربكم) قال: (هو ولاية أمير المؤمنين عليه السلام) 1. (وليزيدن كثيرا منهم مآ أنزل اليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين): فلا تتأسف عليهم، فان ضرر ذلك يرجع إليهم، لا يتخطأهم، وفى المؤمنين مندوحة لك عنهم. (ان الذين ءامنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من ءامن) (منهم) 2 (بالله واليوم الأخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون). سبق تفسيرها في سورة البقرة 3. (لقد أخذنا ميثاق بنى اسرآءيل) بالتوحيد والنبوة والولاية (وأرسلنآ إليهم رسلا) ليذكروهم، وليبينوا لهم أمر دينهم، ويقفوهم على الأوامر والنواهي (كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم) من التكاليف (فريقا كذبوا وفريقا يقتلون). حكى الحال الماضية استحضارا لها، واستفظاعا للقتل، وتنبيها على أن ذلك ديدنهم ماضيا ومستقبلا، ومحافظة على رؤوس آلآى. (وحسبوا ألا تكون فتنة): أن لا يصيبهم من الله بلاء وعذاب بقتل الأنبياء وتكذيبهم (فعموا) عن الدين (وصموا) عن استماع الحق (ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا) كرة أخرى (كثير منهم والله بصير بما يعملون). قال: ((وحسبوا ألا تكون فتنة)، حيث كان النبي بين أظهرهم، (فعموا وصموا) حيث قبض رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (ثم تاب الله عليهم)، حيث قام أمير المؤمنين عليه السلام (ثم عموا وصموا) الى الساعة) 4. (لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بنى اسرآءيل اعبدوا الله ربى وربكم انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار

___________________________

1 - العياشي 1: 334، الحديث: 156، عن أبى جعفر عليه السلام.

 2 - الزيادة من: (ب) و (ج).

 3 - في ذيل الآية: 62.

 4 - الكافي 8: 2، الحديث: 239، عن أبى عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 288 ]

وما للظالمين من أنصار). وضع الظاهر موضع المضمر، تسجيلا على أن الشرك ظلم. (لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة). قيل: القائلون بذلك جمهور النصارى، يقولون: ثلاثة أقانيم جوهر واحد، أب وابن وروح القدس اله واحد، ولا يقولون ثلاثة آلهة ويمنعون من هذه العبارة وان كان يلزمهم ذلك، لأنهم يقولون: الابن اله والأب اله وروح القدس اله، والابن ليس هو الأب 1. وورد: (أما المسيح فعصوه عظموه في أنفسهم حتى زعموا أنه اله وأنه ابن الله، وطائفة منهم قالوا: ثالث ثلاثة، وطائفة منهم قالوا: هو الله) 2 (وما من الاه الآ الاه واحد) وهو الله وحده لا شريك له (وان لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم): من دام على كفره ولم ينقلع عنه (عذاب أليم). (أفلا يتوبون الى الله ويستغفرونه). فيه تعجيب من اصرارهم. (والله غفور رحيم). (ما المسيح ابن مريم الا رسول قد خلت من قبله الرسل) فان أحيا الله الموتى على يده فقد أحيا العصا على يد موسى وجعلها حية تسعى، وهو أعجب، وان خلقه من غير أب فقد خلق آدم من غير أب وأم، وهو أغرب. (وأمه صديقة): صدقت بكلمات ربها وكتبه (كانا يأكلان الطعام) قال: (معناه أنهما كانا يتغوطان) 3. وفى رواية: (يعنى أن من أكل الطعام كان له ثقل، ومن كان له ثقل فهو بعيد مما ادعته النصارى لابن مريم) 4. (انظر كيف نبين لهم الأيات ثم انظر أنى يؤفكون): كيف يصرفون عن استماع الحق وتأمله. و (ثم) لتفاوت ما بين العجبين، يعنى أن بياننا

___________________________

1 - مجمع البيان 3 - 4: 228.

 2 - القمى 1: 289، عن أبى جعفر عليه السلام.

 3 - عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 2 1، الباب: 46، ذيل الحديث: 1.

 4 - الاحتجاج 1: 37، عن أمير المؤمنين عليه السلام. (*)

 

[ 289 ]

للآيات عجيب، واعراضهم عنها أعجب. (قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع) لما يقولون (العليم) بما يعتقدون. (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق) غلوا باطلا ولا ترفعوا عيسى من حد النبوة الى حد الألوهية (ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل). هم أئمتهم في النصرانية الذين كانوا في الضلال قبل مبعث النبي صلى الله عليه واله وسلم (وأضلوا كثيرا) ممن تابعهم على التثليث (وضلوا عن سوآء السبيل) لما بعث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حين كذبوه وبغوا عليه. (لعن الذين كفروا من بنى اسرآءيل على لسان دواود وعيسى ابن مريم) قال: (أما داود فانه لعن أهل أيلة 1 لما اعتدوا في سبتهم، وكان اعتداؤهم في زمانه، فقال: اللهم ألبسهم اللعنة مثل الرداء ومثل المنطقة 2 على الحقوين فمسخهم الله قردة. وأما عيسى فانه لعن الذين أنزلت عليهم المائدة ثم كفروا بعد ذلك 3. فقال عيسى عليه السلام: اللهم عذب من كفر بعدما أكل من المائدة عذابا لا تعذبه أحدا من العالمين، والعنهم كما لعنت أصحاب السبت. فصاروا خنازير، وكانوا خمسة الآف رجل) 4. وفى رواية: (الخنازير على لسان داود، والقردة على لسان عيسى) 5. (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون). كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه): لا ينهى بعضهم بعضا عن المنكر أو لا ينتهون عنه (لبئس ما كانوا يفعلون). القمى: كانوا يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمور

___________________________

1 - أيلة - بالفتح - مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلى الشام. مجمع البلدان 1: 29 2.

 2 - المنطقة: ما يشد به الوسط، وشقة تلبسها المرأة وتشد وسطها ثم ترسل أعلاها على أسفلها الى الركبة ثم توسعوا حتى سموا الازار الذى يشد على العورة. مجمع البحرين 1: 1 5 (حقا).

 3 - مجمع البيان 3 - 4: 231، عن أبى جعفر عليه السلام.

 4 - جوامع الجامع 1: 346.

 5 - الكافي 8: 2، الحديث: 24، عن أبى عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 290 ]

ويأتون النساء أيام حيضهن 1. وورد: (لما وقع التقصير في بنى اسرائيل، جعل الرجل منهم يرى أخاه في الذنب فينهاه فلا ينتهى، فلا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله وجليسه وشريبه، حتى ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ونزول فيهم القرآن حيث يقول: (لعن الذين كفروا) الآية) 2. وفى رواية: (أما انهم لم يكونوا يدخلون مداخلهم ولا يجلسون مجالسهم ولكن كانوا إذا لقوهم أنسوا بهم) 3. وفى أخرى: (سئل عن قوم من الشيعة، يدخلون في أعمال السلطان، ويعملون لهم ويجبون لهم 4، ويوالونهم. قال: ليس من الشيعة ولكنهم من أولئك ثم قرأ: (لعن الذين كفروا) الآية) 5. (ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا): يوالونهم ويصادقونهم (لبس ما قدمت لهم أنفسهم): لبئس زادهم الى الآخرة (أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون). قال: (يتولون الملوك الجبارين، ويزينون لهم أهواءهم ليصيبوا من دنياهم) 6. (ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء) فان الايمان يمنع ذلك (ولكن كثيرا منهم فاسقون): خارجون عن دينهم. (لتجدن اشد الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا) لشدة

___________________________

1 - القمى 1: 176، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 2 - ثواب الأعمال: 311، عن أبى عبد الله، عن أمير المؤمنين عليهما السلام.

 3 - العياشي 1: 335، الحديث: 161، عن أبى عبد الله عليه السلام، وفيه: (إذا لقوهم ضحكوا في وجوههم وأنسوا بهم).

 4 - في المصدر: (ويجبونهم)، يقال: جبيت الخراج جبابة وجبوته جباوة: جمعته. مجمع البحرين 1: 8 (جبا).

 5 - القمى 1: 176، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 6 - مجمع البيان 3 - 4: 232، عن أبى جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 291 ]

شكيمتهم 1، وتضاعف كفرهم، وانهماكهم في اتباع الهوى، وركونهم الى التقليد، وبعدهم عن التحقيق، وتمرنهم على تكذيب الأنبياء، ومعاداتهم اياهم. (ولتجدن أقربهم مودة للذين ءامنوا الذين قالوا انا نصارى) للين جانبهم، ورقة قلوبهم، وقلة حرصهم على الدنيا، وكثرة اهتمامهم بالعلم والعمل. (ذلك بأن منهم قسيسين): رؤساء في الدين والعلم (ورهبانا): عبادا (وأنهم لا يستكبرون) عن قبول الحق إذا فهموه ويتواضعون. (وإذا سمعوا ما أنزل الى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا ءامنا فاكتبنا مع الشاهدين): من الذين شهدوا بأنه حق. قال: (أولئك كانوا بين عيسى ومحمد، ينتظرون مجئ محمد) 2. (وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين). استفهام انكار واستبعاد. (فأثابهم الله بما قالوا) عن اعتقاد واخلاص، كما دل عليه قوله: (مما عرفوا من الحق) والقول إذا اقترن بالمعرفة، كمل الايمان. (جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين). القمى: ان النجاشي ملك الحبشة بعث الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ثلاثين رجلا من القسيسين، فقال لهم: أنظروا الى كلامه، والى مقعده، ومشربه، ومصلاه. فلما وافوا المدينة، دعاهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الى الاسلام، وقرأ عليهم القرآن: (إذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك) الى قوله (سحر مبين) 3

___________________________

1 - يقال: فلان شديد الشكيمة: إذا كان لا ينقاد لأحد، لما فيه من الصلابة والصعوبة على العدو وغيره. مجمع البحرين 6: 99 (شكم).

 2 - العياشي 1: 336، ذيل الحديث: 162، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 3 - المائدة (5): 11. في كل النسخ وكذا المصدر: (واذ قال الله) بزيادة (و) وهو زائد ليس في القرآن. (*)

 

[ 292 ]

فلما سمعوا ذلك من رسول الله، بكوا وآمنوا ورجعوا الى النجاشي، وأخبروا خبر رسول الله، وقرأوا عليه ما قرأ عليهم، فبكى النجاشي، وبكى القسيسون وأسلم النجاشي، ولم يظهر للحبشة اسلامه، وخالفهم على نفسه، وخرج من بلاد الحبشة، يريد النبي صلى الله عليه واله وسلم، فلما عبر البحر توفى. فأنزل الله على رسوله (لتجدن أشد الناس) الى قوله (وذلك جزاء المحسنين) 1. (والذين كفروا وكذبوا بئاياتنا أولئك أصحاب الجحيم). (يا أيها الذين ءامنوا لا تحرموا): لا تمنعوا أنفسكم (طيبات مآ أحل الله لكم): ما طاب منه ولذ (ولا تعتدوا) عما حد الله (ان الله لا يحب المعتدين). (وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا): مباحا لذيذا (واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون). قال: (نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وبلال وعثمان بن مظعون، فأما أمير المؤمنين فحلف أن لاينام بالليل أبدا، وأما بلال فانه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا، وأما عثمان بن مظعون فانه حلف أن لا ينكح أبدا. فدخلت امرأة عثمان على عايشة، وكانت امرأة جميلة. فقالت عايشة: مالى أراك متعطلة ؟ فقالت: ولمن أتزين ؟ فوالله ما قربنى زوجي منذ كذا وكذا، فانه قد ترهب، ولبس المسوح 2، وزهد في الدنيا. فلما دخل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أخبرته عايشة بذلك. فخرج فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات ؟ انى أنام بالليل، وأنكح، وأفطر بالنهار، فمن رغب عن سنتى فليس منى. فقام هؤلاء فقالوا: يا رسول الله، فقد حلفنا على ذلك، فأنزل الله: (لا يؤاخذكم الله) الآية) 3. أقول: ليس في مثل هذا الخطاب والعتاب بأس على صاحبه، نظيره قوله سبحانه:

___________________________

1 - القمى 1: 179.

 2 - المسوح جمع المسح: البلاس، وهو كساء معروف. مجمع البحرين 2: 414 (مسح). القمى 1: 179، عن أبى عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 293 ]

(يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك) 1 الآيتين. وقد ورد: (القرآن كله تقريع، وباطنه تقريب) 2. (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم): بما يبدون من غير قصد. قال: (هو قول الرجل: لا والله وبلى والله ولا يعقد على شئ) 3. (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان): بما وثقتم الأيمان عليه، بالقصد والنية، يعنى: إذا حنثتم (فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة). قال: (الأوسط: الخل والزيت، والتمر، والخبز، تشبعهم به مرة واحدة، والكسوة: ثوب واحد) 4. وفى رواية: (ثوب يوارى به عورته) 5. وفى أخرى: (مد من حنطة لكل مسكين، والكسوة: ثوبان) 6. أقول: ينبغى حمله على ما إذا أشبعه المد وعلى ما إذا لم يواره الواحد. (فمن لم يجد) قال: (إذا لم يكن عنده فضل عن قوت عياله، فهو ممن لا يجد) 7. (فصيام ثلاثة أيام) قال: (متتابعات لا يفصل بينهن) 8. (ذلك كفارة أيمناكم إذا حلفتم) أي: حلفتم وحنثتم (واحفظوا أيمانكم) عن بذلها لكل أمر، وعن الحنث بعد الوقوع، وعن ترك التكفير مع الحنث (كذلك يبين الله لكم ءاياته لعلكم تشكرون). ورد: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فأتى ذلك، فهو كفارة يمينه) 9. وقال:

___________________________

1 - التحريم (66): 1.

 2 - معاني الأخبار: 232، باب معنى قول الأنبياء، ذيل الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 3 - الكافي 7: 443، الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 4 - المصدر: 454، الحديث: 14، عن أبى جعفر عليه السلام.

 5 - المصدر: 453، الحديث: 4 و 6، عن أبى جعفر عليه السلام.

 6 - المصدر: 452، الحديث: 5، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 7 - المصدر: 452، الحديث: 2، عن موسى بن جعفر عليهما السلام.

 8 - الكافي 4: 14، الحديث: 2، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 9 - الكافي 7: 443، الحديث: 2، عن أبى عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 294 ]

(لا يمين لولد مع والده ولا للمرأة مع زوجها) 1. (يا أيها الذين ءامنوا انما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام زجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون). (انما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون). قال: (لما نزلت، قيل: يا رسول الله ما الميسر ؟ فقال: كل ما تقومر عليه، حتى الكعاب والجوز. قيل: فما الأنصاب ؟ قال: ما ذبحوا لآلهتهم. قيل: فما الأزلام ؟ قال: قداحهم التى يستقسمون بها) 2. وورد: (ان أول ما نزل في تحريم الخمر قوله تعالى: (يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس واثمهما أكبر من نفعهما) 3. فلما نزلت هذه الآية، أحس القوم بتحريمها، علموا أن الاثم مما ينبغى اجتنابه، ولا يحمل الله عليهم من كل طريق، لأنه قال: (ومنافع للناس). ثم أنزل الله آية أخرى: (انما الخمر والميسر) الآية فكانت هذه الآية أشد من الأولى وأغلظ في التحريم، ثم ثلث بآية أخرى، فكانت أغلظ من الآية الأولى والثانية وأشد، فقال: (انما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء) الآية، فأمر باجتنابها وفسر عللها التى لها ومن أجلها حرمها، ثم بين الله تعالى تحريمها، وكشفه في الآية الرابعة مع ما دل عليه في هذه الآية المذكورة المتقدمة بقوله تعالى: (انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغى بغير الحق) 4. وقال في الأولى: (فيهما اثم) وقال في الرابعة: (والاثم)، فخبر أن الاثم في الخمر وغيرها وأنه حرام. وذلك أن الله تعالى إذا أراد أن يفترض فريضة، أنزلها

___________________________

1 - الخصال 2: 621، ذيل الحديث أربعمائة، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 2 - الكافي 5: 122 - 123، الحديث: 2، عن أبى جعفر عليه السلام.

 3 - البقرة (2): 219.

 4 - الأعراف (7): 33. (*)

 

[ 295 ]

شيئا بعد شئ، حتى يوطن الناس أنفسهم عليها، ويسكنوا الى أمر الله تعالى ونهيه فيها، وكان ذلك على وجه التدبير فيهم أصوب وأقرب لهم الى الأخذ بها وأقل لنفارهم منها) 1. وفى رواية: (ولو حمل عليهم جملة 2 واحدة، لقطع بهم دون الدين. قال: ليس أحدا أرفق من الله، ومن رفقه أنه ينقلهم من خصلة الى خصلة) 3 وورد: (كل مسكر حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام) 4. وقال: (ما عصى الله بشئ أشد من شرب المسكر، ان أحدهم ليدع الصلاة الفريضة، ويثب على أمه وأخته، وابنته، وهو لا يعقل) 5. وقال: (انه شر من ترك الصلاة لأنه يصير في حال لا يعرف معها ربه) 6. وقال: (شارب الخمر كعابد الوثن) 7. وقال: (من شرب الخمر فاجلدوه، فان عاد فاجلدوه، فان عاد فاجلدوه، فان عاد في الرابعة فاقتلوه) 8. الى غير ذلك من الأخبار في ذمها. (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا) عما نهيا عنه، أو عن مخالفتهما (فان توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين). (ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) قال: (من الحلال) 9. (إذا ما اتقوا وءامنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وءامنوا ثم اتقوا وأحسنوا

___________________________

1 - الكافي 6: 4 6 - 4 7، الحديث: 2، عن بعض أصحابنا، مرسلا.

 2 - في جميع النسخ: (حملة) وما أثبتناه من المصدر.

 3 - الكافي 6: 395، الحديث: 3، عن أبى جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام.

 4 - المصدر: 4 9، الحديث: 7 عن أبى عبد الله عليه السلام.

 5 - المصدر: 4 3، الحديث: 7، عن أحدهما عليهما السلام.

 6 - المصدر: 4 2، الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 7 - عوالي اللئآلى 2: 148، والكشاف 1: 642، والجامع الصغير 2: 39، والدر المنثور 3: 177، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم.

 8 - الكافي 7: 218، الحديث: 2، 3 و 4، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 9 - مجمع البيان 3 - 4: 24، في تفسير أهل البيت عليهم السلام. (*)

 

[ 296 ]

والله يحب المحسنين). القمى: لما نزل تحريم الخمر والميسر والتشديد في أمرهما، قالوا: يا رسول الله، قتل أصحابنا، وهم يشربون الخمر، أفيضرهم ذلك بعد ما ماتوا ؟ فأنزل الله هذه الآية. فهذا لمن مات أو قتل قبل تحريم الخمر. والجناح هو الاثم، وهو على من شربها بعد التحريم 1. أقول: فمعنى الآية: أن الذين كانوا يشربون الخمر قبل نزول تحريمها، إذا كانوا بهذه المثابة من الايمان والتقوى والعمل الصالح، فلا جناح عليهم في شربها. ولما كان لكل من الايمان والتقوى درجات ومنازل كما ورد 2، جاز أن يكون تكريرهما في الآية اشارة الى تلك الدرجات والمنازل. وقد بسطنا الكلام فيه في الصافى والوافى 3. (يا أيها الذين ءامنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم) يعنى في حال احرامكم. قال: (حشر لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم في عمرة الحديبية الوحوش، حتى نالتها أيديهم ورماحهم) 4. وقال: (الذى تناله الأيدى، فراخ الطير، وصغار الوحش والبيض، والذى تناله الرماح، الكبار من الصيد) 5. (ليعلم الله من يخافه بالغيب): ليتميز الخائف لقوة ايمانه بالغيب، من غير الخائف لضعف ايمانه به. (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم). (يا أيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم): محرمون. قال: (إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها الا الأفعى والعقرب والفأرة) 6. قال: (والكلب العقور والسبع

___________________________

1 - القمى 1: 181.

 2 - الكافي 2: 42، الحديث: 1 و 2، ومصباح الشريعة: 38، الباب: 17، في التقوى، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 3 - راجع: الصافى 2: 84 - 85، والوافى 4: 129.

 4 - الكافي 4: 396، الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام، وفيه: (حشرت لرسول الله).

 5 - مجمع البيان 3 - 4: 244، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 6 - الكافي 4: 363، الحديث: 2، عن أبى عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 297 ]

إذا أرادك فاقتلهما، فان لم يريداك فلا تردهما، وكذا الحية والأسود الغدر 1 فاقتله على كل حال، وارم الغراب رميا، والحدأة 2 على ظهر بعيرك) 3. وفى رواية: (يقتل المحرم الزنبور، والنسر، والأسود الغدر، والذئب، وما خاف أن يعدوا عليه) 4. (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم). قال في تفسيرها: (في الظبى شاة، وفى حمار وحش بقرة وفى النعامة جزور، وفى البقرة بقرة) 5. (يحكم به ذوا عدل منكم) قال: (ذو عدل) 6. وقال: (العدل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، والامام من بعده. ثم قال: هذا مما أخطأت به الكتاب) 7. وفى رواية: (يعنى رجلا واحدا) 8. أقول: يعنى أن رسم الألف يفيد في (ذوا عدل) من تصرف نساخ القرآن، والصواب عدم نسخها، وذلك لأنه يفيد أن الحاكم اثنان، والحال أنه واحد، وهو الرسول صلى الله عليه واله وسلم في زمانه، ثم كل امام في زمانه على سبيل البدل. وقرئ: ذو عدل أيضا، 9 كما هو الصواب. وفى رواية: (العدل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والامام من بعده، وهو ذو عدل فإذا علمت ما حكم به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والامام عليه السلام، فحسبك ولا تسأل عنه) 1.

___________________________

1 - الأسود: العظيم من الحيات. (لسان العرب 3: 226 - سود). الغدر: ضد الوفاء بالعهد. لسان العرب 5: 8 (غدر).

 2 - الحدأة - كعنبة - طائر خبيث. مجمع البحرين 1: 96 (حدا).

 3 - الكافي 4: 363، الحديث: 2، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 4 - الكافي 4: 364، الحديث: 4، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 5 - التهذيب 5: 341، الحديث: 118 و 1181، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 6 - الكافي 8: 2 5، الحديث: 247، عن أبى عبد الله عليه السلام، ومجمع البيان 3 - 4: 242، عن الصادقين عليهما السلام.

 7 - الكافي 4: 396، الحديث: 3، عن أبى عبد الله عليه السلام، و 397، الحديث: 5 عن أبى جعفر عليه السلام، والعياشي 1: 344، ذيل الحديث: 197، عنه عليه السلام.

 8 - العياشي 1: 344، الحديث: 198، عن أبى جعفر عليه السلام.

 9 - مجمع البيان 3 - 4: 242، عن الصادقين عليهما السلام.

 1 - التهذيب 6: 314، الحديث: 867، عن أبى جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 298 ]

(هديا بالغ الكعبة). قال: (من وجب عليه فداء صيد أصابه وهو محرم، فان كان حاجا، نحر هديه الذى يجب عليه بمنى، وان كان معتمرا، نحر بمكة قبالة الكعبة) 1. (أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما). قال: (في النعامة وحمار الوحش بدنة، ثم اطعام ستين مسكينا، لكل مد، ثم صيام ثمانية عشر يوما، وفى البقرة بقرة، ثم اطعام ثلاثين (مسكينا) 2، ثم صيام تسعة أيام. وفى الظبى شاة، ثم اطعام عشرة مساكين، ثم صيام ثلاثة أيام). كذا ورد. 3 وفى رواية: (يقوم الصيد قيمة، ثم تفض تلك القيمة على البر، ثم يكال ذلك البر أصواعا، فيصوم لكل نصف صاع يوما) 4. (ليذوق وبال أمره): هذا الجزاء ليذوق ثقل فعله، وسوء عاقبة هتكه لحرمة الاحرام. (عفا الله عما سلف) يعنى: الدفعة الأولى. (ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام). قال: (إذا أصاب المحرم الصيد خطأ، فعليه الكفارة، فان أصابه ثانية خطأ، فعليه الكفارة أبدا إذا كان خطأ، فان أصابه متعمدا كان عليه الكفارة، فان أصابه ثانية متعمدا، فهو ممن ينتقم الله منه، ولم يكن عليه الكفارة) 5. (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة): ولسيارتكم يتزودونه قديرا (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما). قال: (لا بأس أن يصيد المحرم السمك ويأكل ما لحه وطريه ويتزود، ثم تلا الآية. قال: وفصل ما بينهما: كل طير يكون في الآجام يبيض في البر ويفرخ في البر فهو من صيد البر، وما كان من صيد

___________________________

1 - الكافي 4: 384، الحديث: 3، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 2 - الزيادة من المصدر.

 3 - الكافي 4: 385، الحديث: 1 عن أبى عبد الله عليه السلام.

 4 - من لا يحضره الفقيه 2: 47، الحديث: 2 8، عن زين العابدين عليه السلام.

 5 - التهذيب 5: 373، الحديث: 1298، عن أبى عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 299 ]

البر يكون في البر ويبيض في البحر، فهو من صيد البحر) 1. (واتقوا الله الذى إليه تحشرون). (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) لمعايشهم ومكاسبهم، يستقيم به أمورد دينهم دنياهم، يلوذ به الخائف ويأمن فيه الضعيف، ويربح عنده التجار باجتماعهم عنده ساير الأطراف، ويغفر بقصده للمذنب ويفوز حاجه بالمثوبات. قال: (من أتى هذا البيت يريد شيئا في الدنيا والآخرة، أصابه) 2. وفى رواية: (ما دامت الكعبة قائمة ويحج الناس إليها لم يهلكوا، فإذا هدمت وتركوا الحج هلكوا) 3. (والشهر الحرام والهدى والقلآئد). سبق تفسيرها 4. (ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شئ عليم) يعنى: إذا اطلعتم على ما في الحج ومناسكه من الحكم، علمتم أن الله يعلم الأشياء جميعا. (اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم). وعيد ووعد لمن هتك محارمه ولمن حافظ عليها. ورد: (قال الله تعالى: من أذنب ذنبا، صغيرا أو كبيرا، وهو يعلم أن لى أن أعذبه وأن أعفو عنه، عفوت عنه) 5. (ما على الرسول الا البلاغ). تشديد في ايجاب القيام بما أمر به. (والله يعلم ما تبدون وما تكتمون). (قل لا يستوى الخبيث والطيب) انسانا كان، أو عملا، أو مالا، أو غير ذلك (ولو أعجبك كثرة الخبيث) فان العبرة بالجودة والرداءة، لا الكثرة والقلة (فاتقوا الله

___________________________

1 - الكافي 4: 392، الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 2 - مجمع البيان 3 - 4: 247، عن أبى عبد الله عليه السلام، وفيه: (يريد شيئا للدنيا والآخرة).

 3 - القمى 1: 187، ومجمع البيان 3 - 4: 247.

 4 - في ذيل الآية: 2 من سورة المائدة.

 5 - التوحيد: 41، الباب: 63، الحديث: 1، عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. (*)

 

[ 300 ]

يا أولى الألباب) في تحرى 1 الخبيث وان كثر، وآثروا الطيب وان قل (لعلكم تفلحون). يا أيها الذين ءامنوا لا تسئلوا عن أشياء) قال: (عن أشياء لم تبد لكم) 2. (ان تبد لكم تسؤكم وان تسئلوا عنها حين ينزل القرءان تبد لكم). قال: (لما نزل فرض الحج، قيل: أفى كل عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه، حتى عاد مرتين أو ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم ! والله لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، ولو تركتم كفرتم، فاتركوني ما تركتكم، فانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه) 3. وفى رواية: (ان عمر آذى وأبكى احدى قرابة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقال لها: ان قرابتك من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا تنفعك شيئا، فخرج رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فنادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فقال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع، لو قد قمت المقام المحمود لشفعت في خارجكم 4 لا يسألنى اليوم أحد من أبوه 5 الا أخبرته. فقام إليه رجل فقال: من أبى يا رسول الله ؟ فقال: أبوك غير الذى تدعى له، أبوك فلان بن فلان. فقام آخر فقال: من أبى ؟ فقال: أبوك الذى تدعى له. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ما بال الذى يزعم أن قرابتي لا تنفع لا يسألنى عن أبيه، فقام إليه عمر فقال له: أعوذ بالله يا رسول الله من غضب الله وغضب رسول الله، اعف عنى عفى الله عنك. فأنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا

___________________________

1 - التحرى: القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشئ بالفعل والقول. مجمع البحرين 1: 98 (حرا).

 2 - الكافي 8: 2 5، الحديث: 248، عن أبى جعفر عليه السلام.

 3 - مجمع البيان 3 - 4: 25، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

 4 - في المصدر: (في أحوجكم).

 5 - في المصدر: (من ابواه). (*)

 

[ 301 ]

لا تسألوا) الآية) 1. (عفا الله عنها): عن مسائلكم التى سلفت، فلا تعودوا الى مثلها، أو لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها ولم يكلف بها وكف عن ذكرها. (والله غفور حليم). (قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين) كيث لم يأتمرواو جحدوا. (ما جعل الله): ما شرع الله (من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام). قال: (ان أهل الجاهلية إذا ولدت الناقة خمسة أبطن خامسها أنثى، بحروا أذنها أي: شقوه وحرموها على النساء، فإذا ماتت حلت، وإذا ولدت عشرا جعلوها سائبة، لا يستحلون ظهرها ولا أكلها وربما تسيب 2 بنذر، وإذا ولدت ولدين في بطن واحد، أو الشاة ولدت في السابع ذكرا أو أنثى في بطن واحد، قالوا: وصلت أخاها، فلم تذبح ولم تؤكل، وحرموا ولدى الشاة على النساء حتى يموت أحدهما، فيحل. والحام: الفحل إذا ركب ولد ولده، أو نتج من صلبه عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره، فلا يركب ولا يمنع من كلاء ولاماء، فأنزل الله عزوجل: انه لم يحرم شيئا من ذلك) 3. (ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب) بتحريم ذلك ونسبته إليه (وأكثرهم لا يعقلون) أن ذلك افتراء وكذب. يعنى: الأتباع الذين يقلدون في تحريمها رؤساءهم، الذين يمنعهم حب الرياسة من الاعتراف به. (وإذا قيل لهم تعالوا الى مآ أنزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه ءابآءنآ). بيان لقصور عقلهم وانهماكهم في التقليد وأن لا سند لهم سواه.

___________________________

1 - القمى 1: 188، عن أبى جعفر عليه السلام.

 2 - سيبت الدابة: تركتها تسيب حيث تشاء. كان الرجل يقول: إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضى فناقتى سائبة. مجمع البحرين 2: 84 (سيب).

 3 - معاني الأخبار: 148، الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام، مع تفاوت يسير. (*)

 

[ 302 ]

(أولو كان أآباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون): أو حسبهم ولو كانوا جهلة ضالين. (يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم): احفظوها والزموا صلاحها. (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم). قيل: نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة ويتمنون ايمانهم 1. والقمى: أصلحوا أنفسكم ولا تتبعوا عورات الناس ولا تذكروهم، فانه لا يضركم ضلالتهم إذا كنتم أنتم صالحين 2، وفى رواية: سئل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن هذه الآية، فقال: (ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيت دنيا مؤثرة وشحا مطاعا وهوى متبعا واعجاب كل ذى رأى برأيه، فعليك بخويصة 3 نفسك وذر عوامهم) 4. (الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون). وعد ووعيد للفريقين: على أن أحدا لا يؤاخذ بذنب غيره. (يا أيها الذين ءامنوا شهادة بينكم): الاشهاد الذى شرع بينكم فيما أمرتم به (إذا حضر أحدكم الموت): إذا شارفه وحضرت أماراته (حين الوصية). فيه تنبيه على أن الوصية مما لا يتهاون فيه. (اثنان): شهادة اثنين (ذوا عدل منكم) قال: (مسلمان) 5. (أو ءاخران من غيركم) قال: (من أهل الكتاب فان لم تجدوا فمن المجوس، لأن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سن في المجوس سنة أهل الكتاب في الجزية، وذلك إذا مات الرجل في أرض غربة فلم يجد مسلمين) 6. (ان أنتم ضربتم في الأرض): سافرتم (فأصابتكم مصيبة الموت): قاربكم

___________________________

1 - البيضاوى 2: 172.

 2 - القمى 1: 188 - 189.

 3 - الخويصة: تصغير الخاصة.

 4 - مجمع البيان 3 - 4: 254. عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وفيه: (وذر الناس وعوامهم).

 5 - العياشي 1: 348، الحديث: 216، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 6 - الكافي 7: 4، الحديث: 6، والعياشي 1: 348، الحديث: 218، عن أبى عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 303 ]

الأجل (تحبسونهما): تقفونهما (من بعد الصلاة) لتغليظ اليمين بشرف الوقت، ولأنه وقت اجتماع الناس (فيقسمان بالله) أي: الآخران (ان ارتبتم) قال: (ان ارتاب ولى الميت في شهادتهما) 1. (لا نشترى به ثمنا): عوضا من الدنيا (ولو كان) المقسم له (ذا قربى ولا نكتم شهادة الله) التى أمر باقامتها (انآ إذا لمن الأثمين (أي: ان كتمنا. (فان عثر): فان اطلع وحصل العلم (على أنهما) أي: الآخرين (استحقآ اثما) قال: (شهدا بالباطل) 2. وفى رواية: (حلفا على كذب) 3. (فئاخران): فشاهدان آخران (يقومان مقامهما). قال: (فليس له أن ينقض شهادتهما حتى يجئ بشاهدين فيقومان مقام الشاهدين الأولين) 4. (من الذين استحق عليهم) أي: الذين جنى عليهم، أراد بهم الورثة. قال: (يعنى من أولياء المدعى) 5. (الأوليان): الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما (فيقسمان بالله) قال: (يحلفان بالله أنهما أحق بهذه الدعوى منهما، وأنهما قد كذبا فيما حلفا بالله) 6. (لشهادتنا أحق من شهادتهما) أي: يميننا أصدق. سميت شهادة، لوقوعها موقعها، كما في اللعان. (وما اعتدينا): وما تجاوزنا فيها الحق (انآ إذا لمن الظالمين) قال: (فإذا فعل ذلك، نقض شهادة الأولين وجازت شهادة الآخرين) 7. (ذلك أدنى): أقرب (أن يأتوا بالشهادة على وجهها): على نحو ما تحملوها من غير تحريف ولا خيانة فيها (أو يخافوا أن ترد أيمان) أي: ترد اليمين على المدعين (بعد أيمانهم) فيفتضحوا بظهور الخيانة واليمين الكاذبة، جمع اليمين ليعم الشهود

___________________________

1، 2 و 4 - الكافي 7: 4، الحديث 6، والعياشي 1: 348، الحديث: 218، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 3، 5 و 6 - الكافي 7: 5، ذيل الحديث: 7، مرفوعة على بن ابراهيم.

 7 - المصدر: 5، الحديث: 6، عن أبى عبد الله عليه السلام. (*)

 

[ 304 ]

كلهم. ورد: (ان تميم الدارى كان في سفر، وكان معه نصرانيان، فاعتل علة شديدة، فلما حضره الموت دفع ما كان معه اليهما ليوصلاه الى ورثته، فأخذا منه آنية وقلادة وأوصلا سائره الى الورثة، فقالوا: افتقدنا أفضل شئ كان معه، آنية منقوشة مكللة بالجوهر وقلادة. فقالا: ما دفع الينا فقد أدينا اليكم. فقدموهما الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فأوجب عليهما اليمين فحلفا، فخلى عنهما، ثم ظهرت الآنية والقلادة عليهما، فجاؤوا الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فانتظر الحكم من الله، فنزلت، فأمر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أولياء تميم الدارى أن يحلفوا بالله على ما أمرهم به، فحلفوا فأخذ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم القلادة والآنية من النصرانيين وردهما على أولياء تميم) 1. (واتقوا الله واسمعوا) سمع اجابة وقبول (والله لا يهدى القوم الفاسقين). (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذآ أجبتم). قيل: السؤال توبيخ، ولذلك وكلوا الأمر الى علمه بسوء اجابتهم، ولجأوا إليه في الانتقام منهم 2. (قالوا لا علم لنآ ا نك أنت علام الغيوب). قال: (يقولون: لا علم لنا بسواك، وقال: القرآن كله تقريع وباطنه تقريب) 3. وفى رواية: (ان لهذا تأويلا، يقول: (ماذا أجبتم) في أوصيائكم الذين خلفتموهم على أممكم ؟ فيقولون: (لا علم لنا) بما فعلوا من بعدنا) 4. (إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا): في جميع أحوالك على سواء (واذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والأنجيل واذ تخلق من الطين كهيئة الطير باءذنى فتنفخ فيها

___________________________

1 - الكافي 7: 5 - 6، الحديث: 7، مرفوعة.

 2 - راجع: الكشاف 1: 652.

 3 - معاني الأخبار: 232، ذيل الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام.

 4 - الكافي 8: 338، الحديث: 535، عن أبى جعفر عليه السلام. (*)

 

[ 305 ]

فتكون طيرا باءذنى وتبرئ الأكمه والأبرص باءذنى واذ تخرج الموتى باءذنى). قد سبق تفسيره في آل عمران 1. (واذ كففت بنى اسرآءيل عنك) يعنى: اليهود حين هموا بقتله (إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم ان هذا الا سحر مبين). (واذ أوحيت الى الحواريين) قال: (ألهموا) 2 وقد مر وجه تسميتهم بذلك 3. (أن ءامنوا بى وبرسولي قالوا ءامنا واشهد بأننا مسلمون). (إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك). قيل: أي بحسب الحكمة والارادة، لا بحسب القدرة 4. ووردت مقطوعا 5 قراءتها: ((هل تستطيع ربك) بالخطاب، يعنى: هل تستطيع أن تدعوا ربك) 6. (أن ينزل علينا مائدة من السماء). المائدة: الخوان إذا كان عليه الطعام. (قال اتقوا الله) من هذا السؤال (ان كنتم مؤمنين) بكمال قدرته. (قالوا نريد أن نأكل منها). تمهيد عذر وبيان لما دعاهم الى السؤال (وتطمئن قلوبنا) بالمشاهدة (ونعلم أن قد صدقتنا) في ادعاء النبوة (ونكون عليها من الشاهدين) عند الذين لم يحضروها. (قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وءاخرنا وءاية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين). (قال الله انى منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فانى أعذبه عذابا لآ أعذبه أحدا من العالمين). ورد: (ان عيسى عليه السلام قال لبنى اسرائيل: صوموا ثلاثين يوما، ثم

___________________________

1 - ذيل الآية: 49.

 2 - العياشي 1: 35، الحديث: 221، عن أبى جعفر عليه السلام.

 3 - في سورة آل عمران، ذيل الآية: 52.

 4 - البيضاوى 2: 175.

 5 - الحديث المقطوع هو ما جاء عن التابعين ومن في حكمهم كالتابع المصاحب للامام. الدراية: 46.

 6 - العياشي 1: 35، الحديث: 222، عن يحيى الحلبي. (*)

 

[ 306 ]

سلوا الله ما شئتم يعطكموه 1، فصاموا ثلاثين، فلما فرغوا قالوا: انا لو عملنا لأحد من الناس فقضينا عمله لأطعمنا طعاما، وانا صمنا وجعنا فادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء. فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها، عليها سبعة أرغفة 2 وسبعة أحوات 3، حتى وضعتها بين أيديهم، فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم) 4. وفى رواية: (نزلت المائدة خبزا ولحما، وذلك أنهم سألوا عيسى طعاما لا ينفد يأكلون (منه) 5. فقيل لهم: فانا مقيمة لكم ما لم تخونوا وتخبأوا وترفعوا، فان فعلتم ذلك عذبتكم 6. فقال: فما مضى يومهم حتى خبأوا 7 ورفعوا وخانوا) 8. وفى رواية: (كانت المائدة تنزل عليهم، فيجتمعون عليها ويأكلون منها ثم ترفع 9. فقال كبراؤ هم ومترفوهم: لا ندع سفلتنا يأكلون منها، فرفع الله المائدة ببغيهم، ومسخوا قردة وخنازير) 1. (واذ قال الله يا عيسى ابن مريم). قال: (انه لم يقله وسيقوله. ان الله إذا علم شيئا هو كائن أخبر عنه خبر ما قد كان) 11. (ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمى الاهين من

___________________________

1 - في المصدر: (ثم اسألوا الله ما شئتم يعطيكم).

 2 - الأرغفة جمع الرغيف: الخبزة. مجمع البحرين 5: 64 (رغف).

 3 - في نسخة (الف) و (ب): (وسبعة خوان) وفى (ج): (وسبعة أخوان). ولعل الأصح ما أثبتناه كما في المصدر. والخوان: ما يؤكل عليه، معرب. المصباح المنير 1: 224 (خون).

 4 - مجمع البيان 3 - 4: 226، عن أبى جعفر عليه السلام.

 5 - الزيادة من: (ب) و (ج). وفى المصدر: (يأكلون منها).

 6 - في المصدر: (عذبتم).

 7 - الخباء: التقية والاستتار. يقال: خبأت الشئ خبأ سترته: مجمع البحرين 1: 119 (خبا).

 8 - مجمع البيان 3 - 4: 266، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم.

 9 - في المصدر: (ترتفع).

 1 - مجمع البيان 3 - 4: 267.

 11 - العياشي 1: 351، الحديث: 228، عن أبى جعفر عليه السلام، مع تفاوت يسير. (*)

 

[ 307 ]

دون الله) ؟ ! توبيخ للكفرة وتبكيت لهم. والقمى: ان النصارى زعموا أن عيسى قال لهم: انى وأمى الاهين من دون الله فإذا كان يوم القيامة يجمع الله بين النصارى وبين عيسى فيقول له: (ءأنت قلت للناس) الآية (1. (قال سبحانك): أنزهك تنزيها من أن يكون لك شريك. (ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق): ما لا يحق لى أن أقوله (ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولآ أعلم ما في نفسك): تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما تخفيه (انك أنت علام الغيوب). (ما قلت لهم الا مآ أمرتنى به أن اعبد الله ربى وربكم وكنت عليهم شهيدا): رقيبا مطلعا، أمنعهم من أن يقولوا ذلك ويعتقدوه (ما دمت فيهم فلما توفيتنى) بالرفع اليك (كنت أنت الرقيب عليهم): المراقب لأحوالهم (وأنت على كل شئ شهيد): مطلع مراقب له. (ان تعذبهم فانهم عبادك) تملكهم وتطلع على جرائمهم (وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم): القادر القوى على الثواب والعقاب، الذى لا يثيب ولا يعاقب الا عن حكمة وصواب. (قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم). فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام لم يقل ذلك. قال: (انه يدعى يوم القيامة الملائكة والنبيين 2 والأئمة عليهم السلام، فيسأل واحد واحد عما انتهى إليه من ربه، وما بلغ الى من أمر بتبليغه إليه، فيحتجون بحجتهم، فيقبل الله عذرهم ويجيز حجتهم، ثم يقول الله عزوجل:) هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم (). كذا ورد. 3 (لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا

___________________________

1 - القمى 1: 19 - 191.

 2 - كذا في النسخ والصواب: (النبيون) بالرفع.

 3 - القمى 1: 191 - 193، عن أبى جعفر عليه السلام. والحديث مفصل لخصه قدس سره. (*)

 

[ 308 ]

رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم). (لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شئ قدير). قال: (كان القرآن ينسخ بعضه بعضا، وانما 1 يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بآخره، وكان من آخر ما نزل إليه من سورة المائدة، نسخت ما قبلها ولم ينسخها شئ) 2.

___________________________

1 - في المصدر: (وانما كان يؤخذ).

 2 - العياشي 1: 288، الحديث: 2، عن أمير المؤمنين عليه السلام. (*)

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21335880

  • التاريخ : 28/03/2024 - 18:38

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net