00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة البقرة 

القسم : أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية   ||   الكتاب : مراجعات قرآنية ( اسئلة شبهات وردود)   ||   تأليف : السيد رياض الحكيم

سورة البقرة

((الم))(1).

س 8 ـ ما معنى الحروف المقطّعة؟

ج ـ اختلف المفسّرون فيها على أقوال، فمنهم من جعلها تعبيراً عن التحدي القرآني للبشر، فانّ القرآن رغم تأليفه من الحروف العربية المألوفة إلاّ أن البشر يعجزون عنه. ومنهم من قال إنها رموز لأسماء أو معاني سامية لا يعلمها إلاّ الله والراسخون في العلم، ويشهد لهذا الرأي مجموعة من النصوص والأدعية والأذكار التي تتضمن التكريم و التوسل بمقام أو مضمون هذه الحروف المقطّعة.

 

((ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى للّمُتقين))(3). 

س 9 ـ لماذا أشار للكتاب بلفظ الإشارة للبعيد (ذلك) مع أن الآية الكريمة من ضمن الكتاب فهو حاضر وقريب فيفترض الإشارة إليه بهذا؟

ج ـ إن في الإشارة إليه بلفظ البعيد إشارة إلى مقامه الشامخ، وأنه بعيد عن التناول.

  

 س 10 ـ بما أن هذه الآية لست آخر الآيات القرآنية فلا يمكن أن يكون المقصود من الكتاب كل القرآن، وإذا كان المقصود منه بعض القرآن وهو النازل لحين هذه الآية، فلا يكون فيه دلالة على نفي الريب عن كلّ القرآن ـ كما يستشهد بها العلماء والمفسرون ـ فما هو المقصود منه؟

ج ـ يمكن أن يكون المقصود منه كلّ القرآن، حيث لا يشترط عند الإشارة إلى المندرج وجوده بتمام اجزائه بالفعل، كما تقول ـ قبل إكمال البناء ـ ((هذه العمارة محكمة)) إذا علمت أن العمال سيكملونها كذلك.

وهناك رأي أن المقصود منه القرآن الكريم في اللوح المحفوظ، كما في قولـه تعالى ((وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم))، والقرآن بوجوده المذكور موجود قبل تفصيل آياته ونزولها بالتدريج.

 

س 11 ـ كيف ينفي الريب عن القرآن مع أن كثيراً من الناس قد ارتابوا فيه ولم يؤمنوا به؟

ج ـ كأن المقصود أنّه ليس محلاًّ للريب، وليس من شأنه ذلك، كما جاء في الحديث ((المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه)) فانه بصدد بيان شأن المسلم والسلوك الذي ينبغي أن يكون عليه، لا أن من لم يسلم منه المسلمون كافر وليس بمسلم.

 

س 12 ـ كيف يكون القرآن هدىً للمتقين مع أنّ المتقين مهتدون؟

ج ـ باعتبار ان القرآن هو السبب في هداية المتقين، أو انّه منارهم في حياتهم أمام الفتن والشبهات التي يواجهونها، نظير ما جاء عن الإمام علي(عليه السلام) ـ في حديث له عن القرآن ـ: ((جعله الله ريّاً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجّ لطُرق الصلحاء، و دواءً ليس بعده داء، ونوراً ليس بعده ظُلمة)) (1).

 

((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ))(3)  

س 13 ـ لماذا قال ((يُقِيمُونَ الصَّلاةَ)) ولم يقل (يصلون)؟

ج ـ باعتبار أن لصحة الصلاة ولقبولها اجزاءً وشروطاً عديدة قد لا يحققها المصلّي، فلا تقبل صلاته رغم الإتيان بها.

 

((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ))(6). 

س 14 ـ إذا كان إنذار الكافرين غير مؤثّر فيهم فلماذا بعث الله الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) على أننّا نجد أن كثيراً منهم قد نفعهم الإنذار فآمنوا بالرسول؟

ج ـ يكفي في فائدة بعث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) إقامة الحجة لله على الناس أو تأكيدها كما قال تعالى ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رسولاً))، والمقصود من هؤلاء المذكورين في الآية الكريمة هم خصوص المعاندين للرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) رغم قيام الحجة عليهم، لا كلّ الكافرين، و لعلّ التعبير بالفعل الماضي يشير إلى حدوث كفرهم عند دعوة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) لهم وإقامة الحجة عليهم ليكون المقصود من الكفر هنا رفض نداء الإسلام، ولا يشمل الذين لم يصلهم بعدُ هذا النداء، واستجابوا له عندما وصلهم فيما بعد.

 

((خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ)) (7). 

س 15 ـ إذا كان الله قد ختم على قلوبهم فكيف يذمّهم ويعذّبهم على كفرهم؟

ج ـ إنّ الختم لم يكن ابتدائياً، وانّما جاء بعد جحودهم وكفرهم رغم قيام الحجة عليهم، كما قال تعالى: ((وَقولـهمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً)) (2).حيث احتجوا بأن عدم إيمانهم بسبب رفض قلوبهم وعقولـهم وعدم استجابتها للإيمان. فردّ عليهم بأن لعنة الله تعالى وسلب توفيقهم بسبب كفرهم ـ بأختيارهم ـ للخضوع للحق والإيمان به.

 

س 16ـ إذا كانوا قد كفروا فما هو أثر الختم على قلوبهم؟ وإذا افترضنا أن أثره استمرار كفرهم فيكون ذلك مفروضاً عليهم، فيطرح هذا السؤال، انّ الله كيف يمنع عباده من الإيمان؟ وكيف يعذبهم على ذلك؟

ج ـ يمكن الإجابة على ذلك بجوابين:

أ ـ انّ الختم عقوبة الجحود والكفر، فيكون الإيمان فرصة ـ شأن كل الفرص ـ تفوت الإنسان عندما لا يستثمرها في حينها، وبذلك يتضح الجواب عن الشق الثاني من السؤال، لأن الكافر هو الذي حرم نفسه من فرصة الهداية بكفره فيستحق العقوبة عليه، كما لو اقترف جريمة القتل فحكم القاضي بقتله قصاصاً، فانّه يحاسب يوم القيامة على كفره، مع أنّه كان يمكن ـ نظرياً ـ أن يؤمن ويهتدي لو لم ينفّذ فيه حكم القصاص.

ب ـ انّ المقصود من الختم على القلوب عدم وعيها للحقيقة، وهو النتيجة الطبيعية لعدم الاستجابة لنداء الحق، فمن يجحد ويعاند تنمو في أعماقه حالة الإضرار والمكابرة على طوال الخط، وتكون نسبة ذلك لله تعالى باعتباره القاضي والمحيط بكل شيء على غرار قولـه تعالى ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)) (3) مع أن الرمي صدر من الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم).

ومما يشهد بأن هذا الحرمان هو النتيجة الطبيعية لموقف الكافر وعمله قولـه تعالى: ((كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)). وفي حديث زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قال) ما من عبد إلاّ وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء، فان تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا (ت) غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً، وهو قول الله عزّ وجلّ: ((كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) (4).

ومما يؤيد الجواب الثاني أن الغشاوة على البصر لم تُسند لله تعالى. فالختم على القلوب والأسماع نتيجة الغشاوة وإعراضهم عن الحق. والله العالّم.

 

س 17ـ يفهم من هذه الآية وغيرها من الآيات أنّ القلب هو مصدر الوعي في الإنسان مع أنّ العلم الحديث أثبت أنه مجرّد مضخّة لتحريك الدم وتوزيعه في الجسم؟

ج ـ يتضح عند مراجعة المصادر اللغوية أنّ لفظ القلب يراد به مصدر الوعي، قال ابن منظور: ((القلب تحويل الشيء عن وجهه... وقلّبه: حوّله ظهراً لبطن.. وقلّب الأمورَ: بَحَثها، ونظر في عواقبها..)) (5)، الاّ انّ القدماء طبّقوه على هذا العضو الخاص في الجسم ـ المضخة ـ فغلبت عليه التسمية، ولا دليل على أنّ (القلب) في الاستعمال القرآني يراد منه هذا التطبيق، بل معناه اللغوي وهو مصدر الوعي.

على أنّ المصادر اللغوية ذكرت أنّ من معاني القلب العقل. قال ابن منظور: (( وقد يعبّر بالقلب عن العقل، قال الفراء في قولـه تعالى: ((إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب)) أي عقل. قال الفراء: ((وجائز في العربية أن تقول: مالك قلب، وما قلبك معك: تقول: ما عقلك معك، وأين ذهب قلبك؟ أي أين ذهب عقلك؟ وقال غيره: لمن كانله قلبٌ أي تفهُّمٌ وتدبُّرٌ)) (6).

وفي الموارد القليلة التي يظهر من بعض الآيات والروايات تطبيق قوّة الوعي على العضو الخاص فإنما هو من باب الجري على العرف العام، كما نلاحظ ذلك في كلمات الكتّاب والشعراء المعاصرين مع وضوح عدم ارتباط العضو الخاص ـ علمياً ـ بالوعي الإدراك في العصر الحديث.

 

 س 18ـ بما أن الحواس مجرد آلات لنقل المعلومات فيكفي في انعدام الوعي الختم على القلب، فلماذا ذكَر السمع وغشاوة البصر؟

ج ـ الختم على القلب إشارة إلى أنّهم لا يستثمرون عقولـهم للتفكر والوصول إلى الحقيقة، والختم على السمع إشارة إلى أنّهم لا يستوعبون كلام الرسول ونحوه من المسموعات، و غشاوة البصر إشارة إلى عدم وعيهم للآيات والشواهد التي يرونها بأبصارهم، فكلّ منها إشارة إلى صنف خاص من المعلومات وجوانب من الحقيقة أعرضوا عنها.

 

س 19 ـ لماذا جاءت:((قُلُوبِهمْ)) و((أَبْصَارِهِمْ)) بصيغة الجمع، و((سَمْعِهِمْ)) بصغية المفرد؟

ج ـ باعتبار أن المقصود بالأوّلَين آلة التفكير والبصر، بينما المقصود من السمع قوة السمع لا آلته، لأن استخدام السمع بمعنى آلة السمع (الاُذن) غير شائع، نعم في الموارد التي أُريد فيها آلة السمع أي الاُذن، جاءت بصيغة الجمع كما في قولـه تعالى: ((أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا)) (7).

 

((أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ))(12)

س 20 ـ كيف حصر الفساد فيهم ـ المنافقين ـ مع أنّ الفساد لا ينحصر بهم إذ قد يكون غيرهم مفسداً أيضاً؟

ج ـ الحصر هنا نسبي في مقابل نسبة الافساد للمؤمنين، لأن قولـهم ((إنما نحن مصلحون)) ـ كما أشارت إليه الآية السابقة ـ يتضمن نسبة الإفساد للمؤمنين، فجاء الرد عليهم بأنهم المفسدون دون المؤمنين.

ويشهد على ذلك الآية اللاحقة حيث نسبوا السفاهة للمؤمنين ((قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء)) فجاء الردّ عليهم: (( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ)).

 

((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ)) (13 و14). 

س 21 ـ كيف ينسجم إعلانهم الإصرار على الكفر واستهزاؤهم بالمؤمنين بقولـهم: ((أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء)) ردّاً على المؤمنين الذين يحثونهم على الإيمان مع قولـه: ((وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا))؟

ج ـ الذين يعرفون حقيقة المنافقين ويصارحهم هؤلاء هم الذين تربطهم بهم علاقات اجتماعية وثيقة مثل أقاربهم وأصدقائهم، بينما الذين يتظاهر المنافقون أمامهم بالإيمان هم المسلمون عامة، لأن النفاق ليس من الخصال الظاهرة التي يطلع عليها كل شخص ويتجاهر بها صاحبها.

ويحتمل أ ن يكون إصرارهم على الكفر واستهزاؤهم بالمؤمنين في أحاديثهم فيما بينهم. بينما يتظاهرون أمام المؤمنين بالإيمان. 

 

((اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)) (15). 

س 22 ـ يبدو من بعض الآيات الاخرى ان الله سبحانه يريد الهداية لعباده ولا يرغب في انحرافهم مثل قولـه تعالى: ((يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون)) (8). فمن يتحسّر على جماعة كيف يستهزئ بهم؟

ج ـ بما أن الله سبحانه منزه عن الصفات والانفعالات النفسية ـ كما ثبت في الفلسفة وعلم الكلام ـ فلابدّ أن يكون كل ذلك كناية عن معانِ اخرى، مثل أن يكون المقصود من استهزاء الله تعالى أنه يجازيهم ويفعل ما يفعله المستهزئ بهم، من دون حدوث صفة نفسية.

 

((مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ)) (17). 

س 23 ـ ما هو وجه الشبه بين المنافق و((الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً))؟

ج ـ حيث ان ((الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً)) ـ المشبّه به ـ يجد النار التي تضيء ما حوله ولا ينتفع بها و يعيش حالة الخوف والحيرة والضياع والتخبط في الظلمة الحالكة، فكذلك المنافق الذي يشاهد نور الإيمان الذي يحيط بما حوله ـ المجتمع الذي يعيش في وسطه ـ ولكنه لا ينتفع به، بل يعيش ظلام الكفر وحالة الخوف والحيرة والتوجس الدائم بسبب نفاقه.

 

 ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (21) 

س 24 ـ لماذا رتّب (( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))على عبادة الله، مع أن معنى( لعل) مجرّد الترجي والاحتمال فلا تكون عبادته موجبة لضمان اتقاء العذاب والأمن منه؟

ج ـ الآية الكريمة تشير إلى أنّ السبيل الوحيد الذي يمكن معه اتقاء العذاب وعقوبة الله تعالى والخطوة الأولى بهذا الاتجاه هو عبادة الله والإيمان به، وأما ضمان الأمن من العذاب فيرتبط بسلوك الإنسان والتزامه بالحكم الشرعي، والآية ليست بصدد بيانه.

 

((فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ))(22) 

س 25 ـ كيف فرض المشركين عالمين بنفي الندّ والشريك لله تعالى مع أن كثيراً منهم لا يعلمون؟

ج ـ انّ المشركين جميعاً يدركون ـ بفطرتهم وعقولـهم ـ أن الأنداد المزعومين مثل الأصنام وغيرها لا يصدر منهم هذا الخلق العجيب والمنتظم. 

 

((وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ))(25). 

س 26 ـ لماذا قال ((جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)) مع أنّ النهر يجري في الجنّة لا تحتها؟

ج ـ كأن فيه إشارة إلى عمق هذه لأنهار وجريانها تحت الأشجار المتشابكة فانّ الجنّة: البستان من النخل والشجر المتكاثف المظلّل بالتفاف أغصانه.

على أنّه روي عن مسروق أنّ أنهار الجنّة جارية في غير أخاديد(9) فتكون تحت الجنّة.

 

س 27 ـ ما معنى ((كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً))؟

ج ـ ذكر المفسّرون عدّة وجوه للتفسير، والأقرب إلى دلالة الآية انّ ثمار الجنّة وان بدت متشابهة، إلاّ انّ لكل منها طعماً ونكهة تختلف عن الأخرى، مما يوجب دهشة أهل الجنّة وحيرتهم ((قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً))، وبما أن الإنسان ـ بطبيعته ـ يرغب في التنويع فيكون في هذا التفاوت والجدة ـ رغم التشابه ـ زيادة في النعمة الإلهية والدلالة على قدرته وعجائب صنعه.

وقد فسّره بعضهم بالتشابه بين ثمار الجنّة وما رزقهم الله من ثمار في الدنيا، لكنه بعيد، لأن جلّ المؤمنين لم يطعموا في الدنيا إلاّ ثماراً محدودة خاصة الفقراء، فلا ينطبق معنى الإطلاق المستفاد من (كلّما).

 

س 28 ـ ما معنى ((أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَة))؟

ج ـ أي هنّ مطهرات من دنس الدماء والإفرازات المبتلاة بها نساء أهل الدنيا، مثل دم الحيض ودم الاستحاضة والصفرة.

 

((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ))(27) 

س 29 ـ إذا كانت الهداية والإضلال من الله تعالى فلا يستحق أصحابها مدحاً ولا ذماً ولا ثواباً ولا عقابا؟

ج ـ الله تعالى لا يجبر الإنسان على الهداية أو الضلال، ولذلك صح أمر العباد بالطاعة ونهيهم عن المعصية، وانّما نسبت الآية الهداية والإضلال لله، باعتبار أنه تعالى يوجد الموضوع ـ كالمثل الذي أشارت إليه الآية ـ الذي يهتدي به المؤمن ويخطأ في فهمه الفاسق فيضلّ، كما قال موسى(عليه السلام) ـ بعد أن طلب خيار قومه رؤية الله وصُعقوا ـ ((إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء)) مع أنّ الله لم يجبرهم على موقفهم الذي أدّى إلى عقوبتهم.

 

س 30 ـ كيف يصف الفاسقين بأنّهم الذين ينقضون عهد الله وغير ذلك مع أن هذه الأوصاف لا تعمّ كل الفاسقين؟

ج ـ الأوصاف المذكورة تعمّ كل الفاسقين، لأن العهد الذي نقضوه هو عهد الإيمان و الطاعة المأخوذ على البشرية جمعاء ـ على اختلاف بين العلماء والمفسّرين في تحديده، حيث قد يحمل على الإشارة إلى نعمة العقل القادر على تمييز الحقيقة عن الباطل ـ كما أشارت إليه مجموعة من الآيات والنصوص: ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)) (10).

وكذلك قطعُ ما أمر الله به أن يوصل والفساد في الأرض، فإنهما ينطبقان على جميع الفاسقين باعتبار أنّهم تجاهلوا علاقتهم كعبيد بخالقهم وحقّه عليهم في الإيمان به وطاعتهم له، كما أنّ في مكابرتهم لله وإنكارهم ومخالفتهم له ولرُسله الفساد الأعظم في هذه الأرض، كما تشير إليه الآية التالية:

 

((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ))(30) 

س 31 ـ ما هو وجه توصيف آدم بأنه خليفة؟

ج ـ هناك رأيان مشهوران للمفسرين، الأول: أن آدم خليفة الله في الأرض، فله حق الحكم بين الناس، كما جاء في الخطاب لداوود(عليه السلام): ((يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)) (11).

الثاني: أنّه وصف لآدم وذريته باعتبارهم خلفوا خلقاً آخر لله تعالى أسكنهم الأرض ومكّنهم فيها ـ وهم الجنّ أو غيرهم ـ.

ويشهد للقول الثاني أمران: أحدهما ان تساؤل الملائكة لا يرتبط بشخص

 آدم (عليه السلام) ،وانما بالجنس البشري حيث يصدر منهم الإفساد وسفك الدماء، مما يعني أنهم فهموا من الخليفة استخلاف الجنس البشري محل الخلق الآخر الذي كان قبلهم لا استخلاف شخص آدم في الحكم عن الله تعالى.

ثانيهما: بما أن الجعل الوارد في تساؤل الملائكة ((أتجعل فيها)) تكويني بمعنى الخلق فيكون الجعل السابق كذلك، لا تشريعي بمعنى جعله حاكماً.

 

س 32 ـ كيف عرف الملائكة أنّ الجنس البشري يصدر منهم الإفساد وسفك الدماء؟

ج ـ قد يكون ذلك بسبب معرفتهم بطبيعة الكائنات المادية العاقلة حيث تتقاذفه الأهواء والنزوات النفسية ـ إلاّ من عصمه الله تعالى ـ، وجاء في بعض النصوص ان تجربة المخلوقات السابقة ـ المرتبطة بالمادة ـ هي التي أوحت لهم بتكرارها من البشر، روى العياشي عن هشام بن سالم قال: قال: أبو عبد الله (عليه السلام): ((ما علم الملائكة بقولـهم ((أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء)) لولا أنّهم قد كانوا رأوا من يُفسد فيها ويسفك الدماء(12))).

ومما هو جدير بالملاحظة أن هذه الآيات وغيرها من الشواهد توحي بأن الأرض محور للكون من بين الكواكب الأخرى، لذلك انصب اهتمام الملائكة بأحداثها ومخلوقاتها.

 

((وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ))(31) 

س 33 ـ ما هي الأسماء التي علّمها آدم؟

ج ـ اختلف المفسرون على أقوال:

(منها): أن المقصود بالأسماء الأشياء، ففي الحديث عن أبي العباس عن أبي عبدالله(عليه السلام) سألته عن قول الله ((وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا)) ماذا علّمه؟ قال: الأرضين والجبال والشعاب والأودية، ثم نظر إلى بساط تحته فقال: وهذا البساط مما علّمه(13).

(ومنها): أن المقصود بالأسماء موجودات عاقلة لها مقامات عالية.وقد أشارت إلى ذلك بعض الروايات(14).

وعلى كل حال، فالذي يبدو أن استيعاب آدم وتعلّمه للأسماء كشف للملائكة عن قدرة هذا الكائن الجديد على الرقي والتكامل، لأنه جاء بعد تساؤل الملائكة عن حكمة خلقه بعد علمهم بطبيعته البشرية التي من آثارها الفساد وسفك الدماء.

 

((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ))(34) 

س 34 ـ هل كان ابليس من الملائكة؟ وإذا لم يكن منهم فهو غير معني بالأمر الإلهي الموجه إليهم فلا يكون عاصياً بمخالفته؟

ج ـ يبدو من مجموع الآيات الكريمة والنصوص ان ابليس كان من الجن لا من الملائكة، من ذلك قولـه تعالى ((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)) (15).

وأما شمول الأمر بالسجود لإبليس فقد كان معلوماً له، دلت عليه مجموعة كثيرة من الآيات والشواهد الأخرى حتى صار من الضروريات الواضحة مثل قولـه تعالى: ((مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)) (16)، ولم يتصدّ القرآن الكريم إلى بيان كيفية إيحاء هذا الأمر الإلهي إلى إبليس، ولم ينقل عنه شكاً أو التباساً حول ذلك، وحينئذٍ فيكون عدم التصريح باسمه في الآيات الحاكية عن الأمر الإلهي بالسجود اعتماداً على القرائن الدالة على شموله له.

 

 

س 35 ـ كيف يوصف ابليس بالكفر مع أنه لم ينكر وجود الله أو يشرك به أحداً؟

ج ـ الكفر في اللغة التغطية، قال الأزهري: ((.. إن الكفر في اللغة التغطية، والكافر ذو كفر أي ذو تغطية لقلبه بكفره، كما يقال للابس السلاح كافر، وهو الذي غطّاه السلاح..))(17).

وعلى هذا فيمكن أن يكون كفره باعتبار أن موقفه تابع للمكابرة والتحدي لله، وإنكار علمه تعالى بحقائق الأمور ومراتب عباده، فرغم انه تعالى أمره بالسجود لآدم إلاّ أنه ردّ بقولـه ((أنا خير منه))، فلم يكن موقفه مجرد معصية، بل كان تحدياً ورفضاً لعلم الباري أو حكمته فيكون كافراً.

 

س 36 ـ كيف يفسّر سجود الملائكة لآدم مع أنّ السجود لا يكون لغير الله؟

ج ـ قد يكون السجود هنا بمعناه اللغوي وهو الخضوع والإقرار بفضله عليهم ـ كما اشارت إليه بعض النصوص (18) ـ وهو ما رفضه ابليس تكبراً وجهلاً، وليس هو السجود المعبّر عن العبادة للمسجود له.

 

((وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ)) (35) 

س 37 ـ ما هذه (الجنة) التي أسكن الله فيها آدم وزوجته، هل هي جنّة الخلد أو غيرها؟

ج ـ اختلف العلماء والمفسرون في ذلك على أقوال ثلاثة:

الأول: انّها جنّة من جنان الأرض.

الثاني: انّها جنّة الخلد.

الثالث: انّها جنة من جنان الدنيا في السماء.

ويبدو ومن مجموع الشواهد القرآنية ـ بالإضافة إلى بعض النصوص ـ انّها ليست من جنان الأرض منها:

أ ـ قولـه تعالى: ((وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ))، فانّ التعبير بالهبوط يشهد باختلاف الجنّة وعلوّها ـ ولو معنوياً ـ عن الأرض، كما انّ قولـه: ((وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)) يوحي أن هذه الأرض غير تلك الجنّة التي كانا فيها.

ب ـ قولـه تعالى: (( إِنَّ لَكَ ألا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى)) (19). وكذلك قولـه تعالى: ((فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ)) (20)، فانّها توحي أنّ طبيعة الحياة والنظام الكوني هناك يختلفان عما في الأرض، حيث تنعدم في تلك الجنّة المعاناة المادية مثل الجوع والظمأ والبرد والحرّ. وأنّ شعورهما بالعري والمعاناة بدأ من حين الأكل من الشجرة ـ إما عقوبةً من الله تعالى أو كان أثراً طبيعياً لثمرة تلك الشجرة ـ.

ج ـ ان ظاهر الآيات الكريمة حرمان آدم وذريته من تلك الجنّة، وهو لا ينسجم مع كونها من جنان الأرض، لأن ذرية آدم منتشرون في بقاع المعمورة وجنانها ـ خاصة في العصور الأخيرة.

فهذه الشواهد القرآنية وغيرها من النصوص تشهد بأنّ هذه الجنّة ليست من جنان الأرض، وأما تحديد كونها جنّة الخلد أو جنة أخرى في هذا الكون فليس عليه دلائل قرآنية واضحة، والنصوص مختلفة في ذلك، والذي يحضرني منها ضعيف السند.

 

س 38 ـ هل المراد من الظلم في قولـه تعالى: ((فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ)) المعصية الموجبة لاستحقاق العقاب أو شيء آخر؟

ج ـ يتضح الجواب من خلال توضيح طبيعة النهي عن الأكل من تلك الشجرة، فانّ الأوامر والنواهي الصادرة من الله سبحانه ـ وكذا كل مولى وحاكم ـ على قسمين:

القسم الأول: الأوامر والنواهي الصادرة منه تعالى باعتباره مولى الإنسان وخالقه الذي يتحتم عليه إطاعته، وما كان من هذه إلزاماً يتحمل الإنسان مسؤولية تنفيذها ويستحق العقوبة الاُخروية على مخالفتها، مثل الأوامر بالواجبات والنواهي عن المحرّمات الشرعية.

القسم الثاني: الأوامر والنواهي الإرشادية، وهي الصادرة من الله تعالى باعتباره حكيماً وعالماً بمصلحة الإنسان ومرشداً له، من دون أن يحمّله مسؤولية تنفيذها، كما في قولـه تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى)) (21)، فانّ من يُبطل صدقته بالمن والأذى ـ غير المحرّم ـ لا يستحق عقوبة اُخروية وانما يخسر ثمرة صدقته فحسب، وعندما نلاحظ الآيات الحاكية عن نهي آدم عن الأكل من الشجرة لا نجد ما يشير إلى كونه نهياً مولوياً حتّى يوجب عصيانه العذاب الاخروي ـ الذي وعد الله به العاصين ـ، بل في بعض هذه الآيات ما يشير إلى كونه إرشادياً كما في قولـه تعالى: ((فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى)) (22)، حيث كان تحذير آدم من الشيطان باعتبار أن متابعته توجب الخروج من الجنّة، ولو كان النهي الإلهي ـ عن الأكل من الشجرة ـ مولوياً لأشارت هذه الآية إلى أن أثر متابعة الشيطان استحقاق العذاب الإلهي الذي هو أهم من الخروج من الجنّة، ولعلّ إلى ذلك يشير قولـه تعالى: ((فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيه)) حيث اقتصر على ذكر إخراجهما من الجنّة من دون ان يشير إلى تعرضهما إلى الغضب الإلهي وسخطه.

 

س 39 ـ كيف استطاع إبليس دخول الجنّة وغواية آدم؟

ج ـ أما على افتراض أنّها من جنان الدنيا فلا محذور في دخول إبليس إليها، وأما على فرض أنّها جنّة الخلد فلا دليل على منع إبليس من دخولها آنذاك قبل يوم القيامة، بل تشير بعض الآيات إلى تحذير الله تعالى لآدم وحوّاء من الشـيطان مما يكشف عن إمكانية دخوله الجنّة، قال تعالى: ((وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ )) (23).

 

((فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ))(37) 

س 40 ـ ما هي الكلمات التي تلقّاها آدم؟

ج ـ اختلفت النصوص في تحديدها، فبعضها تضمنت التسبيح ومناجاة الله تعالى، مثل ((اللهم لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إني ظلمت نفسي، فاغفر لي إنّك خير الغافرين))، وفي بعض النصوص انّه توسل لله سبحانه بالنبي محمّد وآله صلوات الله عليهم.

 

س 41 ـ إذا كان النهي عن أكل الشجرة إرشادياً فما معنى التوبة من مخالفته وما هو أثرها على آدم؟

ج ـ التوبة في اللغة الرجوع، وبما أن الأكل من الشجرة لم يكن منسجماً مع حقّ الله تعالى وفضله على آدم، فكأنه أبعده عن ربّه، فتكون توبته رجوعاً منه لله تعالى حيث استحق بذلك قربه وفضله، فاجتباه ((ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى)) (24) واصطفاه ((إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)) (25)، وقد استعملت التوبة في القرآن الكريم بهذا المعنى في موارد عديدة منها: قولـه تعالى: ((لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ))(26). فان التوبة هنا ليست بمعنى غفران الذنب، إذ لم يصدر منه ذنب آنذاك، وإنما هو شمولهم بفضله ورحمته برفع كربتهم. والله العالم.

 

((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ))(40) 

س 42 ـ ما هو عهد الله لهم وعهدهم لله تعالى؟

ج ـ لعلّ المقصود منه ما أشارت إليه الآية الكريمة ((وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لاُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ)) (27).

 

((وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ* الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ))(45 ـ 46)         

س 43 ـ كيف تكون الصلاة كبيرة على غير الخاشعين؟

ج ـ المقصود أنّها ثقيلة وشاقة على غير الخاشعين، إما باعتبار ما تتضمنه من التواضع والخضوع لله تعالى الذي لا يستسيغه المتكبرون، أو باعتبار أن من لا يخشع في صلاته تتحول صلاته إلى ممارسة رتيبة مملّة فيستثقلها، وتصعب عليه إدامتها.

 

س 44 ـ كيف وصف الخاشعين بأنّهم يظنّون ملاقاة ربّهم، والظن غير اليقين؟

ج ـ الظن هنا بمعنى اليقين عن تدبّر ـ وهو من معاني الظن ـ في مقابل العلم بمعنى يقين المشاهدة والعيان كما نص عليه علماء اللغة(28). وفي الحديث عن أبي معمر عن علي(عليه السلام) في قولـه: ((الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)) يقول: ((يوقنون أنّهم مبعوثون، والظن منهم يقين))(29).

 

((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ))(47) 

س 45 ـ في أى شيء فضّل الله بني إسرائيل على العالمين؟

ج ـ قد يكون تفضيلهم باعتبار وفرة النعم عليهم، ومنها كثرة الأنبياء والرسُل منهم، من دون أن يعني ذلك رفعة مقامهم في الآخرة، بل ذلك يرتبط بمدى ايمانهم وطاعتهم لربّهم، إذ الذي يرفع مقام الأُمة ويفضّلها على غيرها هو ايمانها وسلوكها، كما قال تعالى: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه)) (30).

 

((وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ))(48) 

س 46 ـ ألا تنفي هذه الآية شفاعة الإنسان بقول مطلق؟

ج ـ الشفاعة من المفاهيم التي تكرر الحديث عنها في القرآن الكريم والسنّة المعتبرة لدى المسلمين جميعاً، ولأجل الخروج بنتيجة موضوعية دقيقة لابدّ من ملاحظتها جميعاً وعدم الاكتفاء بدلالة ظاهر آية واحدة، ويكفينا هنا إلقاء نظرة على العديد من الآيات الكريمة التي تصرّح بثبوت الشفاعة يوم القيامة مثل قولـه تعالى: ((يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً)) (31)، و ((وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَه)) (32)، ((وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلاّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى))(33)،(( مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ))(34)، ((يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ولا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ))(35).

فهذه الآيات الكريمة وغيرها بالإضافة إلى عدد كبير من النصوص المختلفة تؤكد على ثبوت الشفاعة يوم القيامة لكثير من الملائكة والناس وفي مقدّمتهم نبي الإسلام محمد(صلى الله عليه وآله وسلّم)، بالإضافة إلى الأنبياء والأئمة وبعض الصالحين.

وقد ادعي إجماع المسلمين على ثبوت الشفاعة وإنما الاختلاف بينهم في تفاصيلها، قال الفخر الرازي: ((أجمعت الاُمة على أن لمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلّم) شفاعة في الآخرة وحمل على ذلك قولـه تعالى: ((عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)) وقولـه تعالى:(( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)) ثم اختلفوا بعد هذا في أن شفاعته(عليه السلام) لمن تكون.. وقال أصحابنا تأثيرها في إسقاط العذاب عن المستحقين للعقاب )) (36).

ولعلّ الآيات النافية للشفاعة ناظرة إلى طبيعة ما يقدّمه الفاسقون شفيعاً لهم أو من يعتقدون بأنه يشفع لهم مثل الأصنام ورؤوس الضلالة كما توحي به بعض هذه الآيات ومنها هذه الآية ـ التي نتحدث عنها ـ فانها واردة في سياق الحديث عن بني اسرائيل الذين كانوا يرون أنفسهم شعب الله المختار ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُه)). ويتخذون رهبانهم أرباباً من دون الله، معتمدين على شفاعتهم، وعلى أموالهم، ولذا جاء الرد عليهم ((وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ)) أي فدية.وكذلك قولـه تعالى: ((... وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ...)) (37).

ومنها قولـه تعالى: ((وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء)) (38). وقولـه تعالى:((  لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ))(39) ، وغيرها من الآيات، فانّها بمثابة تحذير للكافرين والفاسقين أن لا يتبعوا في الحياة الدنيا الأصنام ورؤوس الضلالة اعتماداً على شفاعتهم في الآخرة، فانهم سوف يندمون آنذاك حيث لا ينفع الندم ((وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ))(40).

فاتضح أن هذه الآيات لا تنفي شفاعة الأنبياء والأئمة وغيرهم من المؤمنين ممن يأذن الله له بذلك. 

 

((وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ))(51). 

س 47 ـ كيف تجعل الآية المواعدة أربعين ليلة مع أنها كانت ثلاثين واُكملت بعشر ليالٍ إضافية كما جاء في قولـه تعالى: ((وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)) (41).

ج ـ جاءت الآية هنا من باب التغليب، باعتبار أن الليالي العشر ملحقة بالموعد الحقيقي المحدّد بالثلاثين، فصحّت نسبة المواعدة لكل الأربعين من باب الايجاز. وهذا تعبير عرفي مألوف.

 

 ((وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُون))(55). 

س 48 ـ كيف نسب هذا القول لبني اسرائيل مع أن القائلين كانوا مجموعة قليلة قد لا تتجاوز السبعين شخصاً ـ كما جاء في بعض النصوص؟

ج ـ باعتبار أنّ هذه المجموعة كانوا خيرة بني اسرائيل، فمن الطبيعي أن ينعكس عليهم سلبيات سلوكهم، وليست الآية بصدد مجازاتهم حتى تقتصر على الممارسين للخطأ على أساس ((وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)) وإنما مجرد تذكيرهم بالعديد من مواقفهم التي لا تنسجم مع النعم الإلهية المتتالية عليهم.

 

س 49 ـ إذا أخذتهم الصاعقة حتى فقدوا الوعي أو ماتوا ـ كما تشير إليه بعض الآيات ـ فكيف ينظرون؟

ج ـ ليس في الآية دلالة على نظرهم بعد نزول الصاعقة بهم، وإنما نظرهم عند نزولها، باعتبار أنهم كانوا ينظرون إلى السماء لكي يروا الله تعالى بزعمهم فشاهدوا الصاعقة التي أخذتهم، كما تقول: قُتِل المجرم واقفاً. فانه لا يعني وقوفه بعد القتل، وإنما كونه واقفاً حين القتل.

 

 ((وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ))(61). 

 

س 50 ـ بما انّ الرغبة في تنويع الطعام مقتضى الطبيعة البشرية فلماذا أنّبهم موسى (عليه السلام)؟

ج ـ إن إنزال المن والسلوى عليهم إنما كان في ظرف طارئ حيث كانوا يهيمون آنذاك في الصحراء ـ في طريقهم إلى مصر وبيت المقدس ـ فمنّ الله عليهم بإنزال المنّ والسلوى لتهون عليهم فترة المكث في الصحراء بدلاً من تكلّفهم مؤنة توفير الغذاء هناك، فكان المفروض فيهم شكر هذه النعمة والرعاية الإلهية بدلاً مما دأبوا عليه من التعنت والجهالة وكفر النعم.

 

س 51 ـ كيف قال: ((أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ)) مع أنهم استبدلوا الذي هو خير ـ المن والسلوى ـ بالذي هو أدنى؟

ج ـ كلاّ، لأن الباء الداخلة على أسم الموصول ـ الذي هو خير ـ باء البدلية، والمعنى اختاروا الذي هو أدنى بدل الذي هو خير.

 

((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ))(62) 

 

س 52 ـ ألا تدلّ هذه الآية على أن أتباع الأديان السماوية يؤجرون في الآخرة ويأمنون العذاب إذا كانوا صادقين في إيمانهم وصالحين في أعمالهم مثل المؤمنين ـ المسلمين ـ ، رغم عدم إيمانهم بالإسلام، باعتبار أن العطف يقتضي التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه؟

ج ـ تدل هذه الآية على أن أتباع الأنبياء في زمانهم الذين التزموا بدينهم يسـتحقون أجرهم، كما يستحق المسلمون ذلك، لكن ذلك لا يعني أن من يصرّ على الدين المنسوخ ولم يؤمن بالنبي اللاحق يستحق ذلك، وإلاّ لم تكن هناك فائدة في إرسال الرسل بشرائع ناسخة لما قبلها، لأنّ هؤلاء يبعثون لأتباع الدين السابق أيضاً، بل إنّ بعضهم يُبعث في وسط أتباع الدين السابق، مثل عيسى (عليه السلام) الذي بعث في وسط بني إسرائيل ودعاهم إلى الإيمان برسالته.

هذا، وربّما يطلق على الذين أسلموا منهم لفظة اليهود والنصارى والصائبين باعتبار قرب عهدهم بأديانهم تلك، كما قال تعالى ـ في حديثه عن اليهود ـ ((لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ...)) (42)، فاعتبرهم ـ مجازا من اليهود، مع أنهم قد اصبحوا مسلمين.

 

((فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ))(66) 

س 53 ـ ما هي التي جعلها الله نكالاً؟ وكيف تكون كذلك؟

ج ـ تلك الأمة التي مُسخت جعلها الله تعالى عبرةً للأمم المعاصرة والأمم اللاحقة لها، يتعظ بذلك المؤمنون، وفي الحديث عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) وابي عبد الله (عليه السلام) في قولـه: ((فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ)) قال: لما معها ينظر إليها من أهل القرى ولما خلفها قال: ونحن، ولنا فيها موعظة(43).

 

((.. وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ))(74). 

س 54 ـ هل الحجارة الثانية التي تشقق مغايرة للأولى أو عينها؟

ج ـ الحجارة الثانية إشارة لمنبع العيون ونحوها، وهي تختلف عن الأنهار المتدفقة، وبعض المفسرين اعتبر الأولى رمزاً للخير والنفع، والثانية رمزاً للّين والتفاعل مع العوامل المؤثرة بينما قلوبهم صلدة قاسية لا تستجيب لنداء الله تعالى، ولا نفع ولا خير فيها.

 

س 55 ـ كيف تهبط الحجارة من خشية الله وهي جماد لا يعقل؟

ج ـ تضمنت بعض الآيات والنصوص نسبة بعض مراتب الأدراك والشعور لبعض الحيوانات والجمادات، بل لكل شيء كما في قولـه تعالى: ((وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)) (44) وقد أكدتها بعض النظريات الفلسفية، وسوف نشير إلى ذلك في محله ان شاء الله تعالى.

 

((أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ))(75). 

 

س 56 ـ هل تحريف البعض يقطع الأمل بإيمان الآخرين؟

ج ـ نعم، إذا كان التحريف من الكبار المطاعين فيهم ـ كما هو العادة ـ فمن الطبيعي أن يمنع ذلك من إيمان أتباعهم.

ويحتمل أن يكون قولـه ـ في آخرالآية ـ ((وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) راجعاً إلى العامة الذي كانوا عالمين بفسق أحبارهم وتحريفهم ـ كما نلاحظهم في عصرنا ـ وجاء في الحديث: قال رجل للصادق (عليه السلام): إذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلاّ بما يسمعونه من علمائهم فكيف ذمّهم بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوام اليهود إلاّ كعوامنا يقلّدون علماءهم ـ إلى أن قال ـ فقال (عليه السلام): ((بين عوامنا وعوام اليهود فرق من جهة... فانّ عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح وأكل الحرام والرشا وتغيير الأحكام، واضطرّوا بقلوبهم إلى أنّ من فَعل ذلك فهو فاسق لا يجوز أن يصدّق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله فلذلك ذمّهم.. )) (45).

 

((وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ))(76). 

 

س 57 ـ إلى من تشير هذه الآية مع أنّ موقف اليهود في عنادهم وجحودهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) معروف؟

ج ـ تشير الآية الكريمة إلى بعض اليهود الذين كانوا يتودّدون إلى المسلمين ويتظاهرون بالإيمان حتى إنّ بعض هؤلاء كان يحكي للمسلمين ما قرؤوه في كتبهم وما سمعوه من أحبارهم من ذكر أوصاف النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وبعدما يخلـون فيما بينهم يلـوم بعضـهم بعضاً على ذلك، ففي الحديث عن أبي جعفـر (عليه السلام) أنه قال: ((كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئي،ن إذا لقوا المسلمين حدّثوهم بما في التوراة من صفة محمّد فنهاهم كبراؤهم عن ذلك، وقالوا لا تخبروهم بما في التوراة من صفة محمّد فيحاجوكم به عند ربكم فنزلت هذه الآية)) (46).

 

((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ)) (83) 

س 58 ـ بما انّ التولّي هو الإعراض فما فائدة قولـه: ((وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ))؟

ج ـ قد يكون التولي بمعنى الإدبار، قال ابن منظور: (... وقد ولّى الشيء وتولى إذا ذهب هارباً ومدبراً...) (47) وبما ان جملة((وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ))حالية، فيكون المعنى: تولّيتم معرضين، وفي ذلك إشارة إلى انّ إدبارهم وعدم التزامهم بالميثاق عن إعراض وإصرار منهم، لا بسبب نزوة أو في حالة طارئة.

 

((ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ...))(85). 

 

 س 59 ـ ما هو البعض الذي آمنوا به من الكتاب والبعض الذي لم يؤمنوا به؟

ج ـ كانوا يمارسون القتل والعدوان والتشريد فيما بينهم خلافاً لما أمرهم به الله تعالى وعندما يؤسر بعض هؤلاء يدفعون الفدية لإطلاقهم ـ وهو ما أمر الله به ـ ولعلّ هذا الموقف منهم جزء من اعتزازهم القومي أمام غيرهم، بينما لا يطبّقون الضوابط الشرعية في تعاملهم فيما بينهم،إذ كانت تسود بينهم النفرة والضغينة والأهواء المختلفة، كما أشارت إليه الآية الكريمة ((تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)).

 

((وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُون)) (88). 

 

س 60 ـ ما هو هدفهم من هذا القول، وماذا يقصدون به؟

ج ـ هدفهم توجيه موقفهم الرافض للإيمان بالاسلام الذي جاء به النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم). والغُلْف جمع أغلف، قال ابن منظور: ((وسيف أغلف وقوس غلفاء، وكذلك كل شيء في غلاف)) (48). ويقصدون هنا انّ قلوبهم لا تستجيب لدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) لهم للدخول في الإسلام فكأنها مغطاة ومحجوبة عن ذلك.

وهناك قراءة بضم اللام ((غُلُف)) فيكون جمعاً لغلاف، بمعنى انّ قلوبنا أوعية للعلم كما انّ الغلاف وعاء، وأنّ ما يذكره محمّد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا ينسجم مع معلوماتنا، ولذلك لا نؤمن به.

 

((بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ)) (90). 

س 61ـ كيف ينطبق شراء النفس الذي هو بمعنى حفظ النفس من الضلال مثلاً على موقف اليهود المعاند للرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)؟

ج ـ الاشتراء هنا بمعنى البيع ـ الذي هو من معاني الشراء والاشتراء لغةً ـ فاليهود حيث خسـروا أنفسهم بسـبب إصرارهم على الكفر برسـالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بغيّاً وحسداً له (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ لكونه من ذرية إسماعيل ولا ينحدر من سلالة إسحاق كما كانوا يترقبون ـ فكأنهم باعوا أنفسهم وخسروها، إذ استبدلوها بالكفر.

 

((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) (91). 

 

س 62ـ ما هو وجه الارتباط بين قولـه: ((قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ...))ومقدمة الآية مع أن هؤلاء لم يكونوا هم الذين قتلوا الأنبياء؟

ج ـ بعد أن رفض اليهود الإيمان برسالة الإسلام،وإصرارهم على الاقتصار على الإيمان بما أُنزل عليهم، ردّت الآية الكريمة عليهم بأمرين:

أحدهما: انّ ما أنزل الله تعالى على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) مصدّق لما أنزل على أنبياء بني إسرائيل ـ كما كانت تؤكده مصادرهم وأحبارهم من قبل ـ فيفترض مبادرتهم إلى الإيمان به.

ثانيهما: إنّ ادعاءهم الايمانَ بما أُنزل على أنبيائهم غير صحيح، لأنّ تاريخ بني إسرائيل مليء بجرائم قتل هؤلاء الأنبياء الذين كانوا بين ظهرانيهم، وبالرغم من ذلك فأنّ ذريّتَهم يدّعون الإيمان من جهة ويَرون لبني اسرائيل تميّزاً عن غيرهم وأنهم شعب الله المختار من بين الشعوب، فالرضا والاعتزاز بالأسلاف يصحّح انتساب أفعال أولئك وممارساتهم لهؤلاء، لأن من رضي بفعل قوم حُشر معهم.

 

((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)) (93). 

س 63ـ بما انه ليس المقصود من السماع هنا سماع الكلام فلابدّ أن يكون بمعنى الطاعة، وعلى هذا الأساس فكيف يجمع بين الطاعة والمعصية في قولـهم: ((سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا))؟

ج ـ السماع يأتي بمعنى الاستجابة والقبول، قال ابن منظور: ((ومنه الحديث: اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع أي لا يستجاب ولا يعتدّ به، فكأنه غير مسموع...) (49) وعلى هذا فيكون معنى الآية أنهم قبلوا الميثاق وتحمّلوا مسؤوليته ثمّ عصوا وتخلوا عن ذلك.

واحتمل بعض المفسرين أن يكون قولـه ((وَعَصَيْنَا))حكاية عن فعلهم وما آل إليه من المعصية وليس هو حكاية عن قولـهم.

 

((وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ))(96). 

س 64ـ ما فائدة ذكر الذين أشركوا مع أنهم ضمن الناس؟

ج ـ التصريح بذكر المشركين لتأكيد حرص اليهود على الحياة، وأنه أشدّ من حرص المشركين عليها بالرغم من عدم إيمانهم بالبعث والحياة بعد الموت.

 

((وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ))(102). 

 

س 65ـ بعد أن فرضهم عالمين بخسارة نصيبهم في الآخرة كيف ينفي علمهم ببؤس وتفاهة الثمن الذي باعوا به أنفسهم؟

ج ـ لعّله إشارة إلى ما يلاحظ لدى كثير من أتباع الأديان السماوية ـ بمن فيهم المسلمون ـ فإنّهم في الوقت الذي يعرفون بحرمة بعض الأعمال والعقاب الذي يترتب عليه، لكنّهم يستخفّون بها ويستهينون بالعقاب المترتب عليها، لعدم استيعابهم لطبيعته ومداه وآثاره، فهؤلاء اليهود رغم علمهم بحرمة السحر وخسارة صاحبه يوم القيامة، لكنّهم لا يستوعبون مدى تفاهة الثمن الذي يبيعون به أنفسهم، لعدم علمهم بطبيعة ومدى العقاب الذي ينتظرهم جزاء عملهم هذا.

ويحتمل أن يكون العلم المنفي عنهم هو العلم الذي يستتبع العمل أي التعقل لا مجرّد المعرفة، واستعمال العلم بهذا المعنى شائع في القرآن والسنة حيث ورد انّ العقل ما عُبد به الرحمن، وقد أشار إلى ذلك بعض علماء اللغة وغيرهم(50) ، ويؤيد ذلك قولـه تعالى في الآية اللاحقة: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ))(البقرة:103). إذ من البعيد انّ بني إسرائيل لا يعرفون أنّ المثوبة المترتبة على الإيمان والتقوى خير من السحر وغيره من المعاصي، لكنّهم حيث لم يعملوا على طبق علمهم، نفت الآية عنهم العلم بالمعنى الثاني.

 

((أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ))(108). 

س 66ـ لماذا استحقوا الذم في سؤالهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)؟

ج ـ السؤال هنا بمعنى الطلب، وقد ورد في سبب نزول الآية أنّ البعض قد طلب من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما يشبه طلب بني اسرائيل من موسى (عليه السلام) بأن يروا الله جهرةً أو يجعل لهم آلهة أو يأتيهم بالآيات التي يقترحونها، كما يشير إليه قولـه تعالى: ((وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قولـهمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))(البقرة:118).

 

س 67ـ التبدل في اللغة بمعنى الاستبدال، فمن يستبدل الكفر بالإيمان كيف يكون ضالاً؟

ج ـ الاستبدال والتبدل بمعنى جعل الشيء بدلاً، وحيث كانت الباء الداخلة على ((الإيمان)) باء البدل، فيكون المعنى: ومن يختار الكفر بدل الإيمان فقد ضـلّ، وهو نظـير قولـه تـعالى: ((وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)) (51) أي لا تختاروا الخبيث وتجعلوه بدل الطيّب.

 

((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ..)) (143). 

 

س 68ـ ما معنى شهادة هذه الأمة على الناس، وشهادة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) على الأمة؟

ج ـ كأن شهادة هذه الأمة ـ المؤمنة ـ على الناس باعتبار أنّ استقامتهم وإيمانهم بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) أسقطا عذر الكافرين في كفرهم وضلالتهم، لأن إيمان المؤمنين يكشف عن قيام الحجة وتمامها ((لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ)) (52).

وأما شهادة الرسول على الأمة فباعتبار أنه قد بلّغ رسالات ربّه وأبلغهم تعاليمه، فلا يبقى عذر للجاحد والعاصي.

 

((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)) (158). 

س 69ـ كيف يفتي الفقهاء بوجوب السعي بين الصفا والمروة مع انّ نفي الجناح ـ أي الذنب والمعصية ـ لا يعني وجوب السعي بل غاية ما يدل عليه هو جواز السعي وعدم حرمته؟

ج ـ ان الفقهاء لا يستندون في وجوب السعي إلى هذه الآية، بل إلى النصوص الواردة في السنة التي تضمنت وجوب السعي بينهما في الحج والعمرة.

وأما اشتمال الآية الكريمة على نفي الحجاج فكأنه يشير إلى خلفية وضع الصفا والمروة في عهد الجاهلية، حيث ذكر المؤرخون ان الجاهلية كانوا قد وضعوا صنماً اسمه ((اُساف)) على الصفا، وصنماً اسمه ((نائلة)) على المروة وهم يسعون ويتمسحون بهما، فكأنما تحولاً إلى رمزين للجاهلية وعبادة الأصنام، فلما اقّر الاسالم تشريع السعي بين الصفا والمروة ضاقت نفوس بعض المسلمين من ذلك على أساس تلك الخلفية لهذين الجبلين، فنزلت الآية الكريمة لتؤكد موقعهما في الإسلام وأنهما من شعائر الله تعالى، وأن الممارسة الخاطئة للمشركين بوضع الأصنام عليهما لا يمنع من السعي إليهما ضمن التعبد المشروع لله في الحج والعمرة، وفي حديث الإمام الصادق (عليه السلام) عن كيفية حج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال: ان الصفا والمروة من شعائر الله فابدأ بما بدأ الله تعالى به، وإن المسلمين كانوا يظنون ان السعي بين الصفا والمروة شيء صنعة المشركون فأنزل الله عزَّ وجلَّ: ((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)) (53).

 

س 70ـ إذا كانت الآية تشير إلى السعي فلماذا قالت: ((يَطَّوَّفَ بِهِمَا)) ومعناه الدوران حولهما مع أن السعي هو بين الصفا والمروة؟

ج ـ يبدو من بعض النصوص أن الآية الكريمة تشير إلى ما قبل تشريع السعي على كيفيته الفعلية، حيث كان النسك الدوران حول الصفا والمروة، ففي الحديث عن بعض أصحابنا عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن السعي بين الصفا والمروة فريضة هو أو سنّة ـ أي مستحب ـ؟

قال: كان ذلك في عمرة القضاء، وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان شرطه عليهم ـ أي على المشركين قبل فتح مكة ـ أن يرفعوا الأصنام ـ أي عن الصفا والمروة ـ فتشاغل رجل من أصحابه حتى اُعيدت الأصنام، فجاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فسألوه، وقيل له: إن فلاناً لم يطف ـ أي بالصفا والمروة ـ وقد اعيدت الأصنام، قال: فأنزل الله: ((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا))أي والأصنام عليهما (54).

كما روي عن عروة عن عائشة ـ في حديث لها حول الآية الكريمة ـ((... إنما كان هذا الحيّ من الأنصار قبل أن يُسلموا يُهلون لـ ((مناة)) الطاغية التي كانوا يعبدون، عند المُشَلَّل ـ اسم جبل ـ، فكان من أهلّ لـ ((مناة)) يتحرّج أن يطوف بالصفا والمروة، فلّما أسلموا سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك، فقالوا: يا رسول الله، إنّا كنّا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: ((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ...)) الآية، ثم سنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الطواف بينهما، فليس ينبغي لأحد أن يدع الطواف بينهما(55).

فهاتان الروايتان تدلاّن على أن نزول الآية الكريمة قبل فرض السعي بين الصفا من جانب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)

 

((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) (161). 

س 71ـ كيف يفرض لعنة الناس أجمعين على الكافرين مع أن أصحاب دينه لا يلعنونه؟

ج ـ إما أن يقصد من الناس من يُعتنى بلعنه وهم المؤمنون، أو باعتبار أنّ أصحاب كل دين يعتبرون أنفسهم المؤمنين ويلعنون الكافرين، وبما انّ الكافرين بالله تعالى هم الكفار الحقيقيون فتشملهم في الحقيقة لعنة أبناء دينهم.

 

((وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ))(171).  

س 72ـ كيف يشبّه الذين كفروا بمن ينعق، وينعتهم بعد ذلك بأنّهم صمٌّ بُكمٌ، والخَرس لا ينسجم مع النعيق؟

ج ـ هناك عدة تفاسير للآية:

الأول: انّه تشبيه لموقفهم من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) بموقف البهائم من الراعي فكما انّ البهائم لا تفهم شيئاً من الراعي ـ غير صوته ـ فكذلك هؤلاء الكافرون لا يستوعبون دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتعليمه لهم، وفي مجمع البيان قال قتادة: صُم لا يسمعون الحق، بُكم: لا ينطقون به، عُمي: لا يبصرونه... وإنما شبّههم الله بالصُم لأنهم لم يحسنوا الإصغاء إلى أدلة الله تعالى فكأنهم صمّ، وإذا لم يقرّوا بالله وبرسوله فكأنهم بُكم، وإذا لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض فكأنهم عُمي، لمّا لم تصل إليهم منفعة هذه الأعضاء فكأنهم ليس لهم هذه

الأعضاء(56).

الثاني: انّ موقف هؤلاء الكفار في دعوتهم للأصنام كموقف الراعي في خطابه للبهائم فكما أنها لا تفقه كلامه، فكذلك الأصنام لا تفقه دعوة الكافرين وعبادتهم لها. فهؤلاء الكافرون في دعوتهم وعبادتهم لها لا يعقلون ولا ينتفعون بعقولـهم وحواسهم فكأنهم فقدوها.

 

((إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) (173). 

س 73ـ كيف أستعمل أداة الحصر (إنما) مع انّ هناك أطعمة كثيرة محّرمة في الإسلام؟

ج ـ الحصر هنا إضافي أي نسبي باعتبار انتشار استخدام المذكورات في الآية آنذاك، ولا يعني حصر التحريم بها دون غيرها من المأكولات.

 

س 74ـ جاء في بعض النصوص عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): الباغي: الخارج على الإمام، والعادي: اللص وحينئذٍ يطرح هذا السؤال لماذا يستثنى الباغي والعادي من نفي الإثم، مع انّه يجب عليهما حفظ النفس عند الاضطرار ولو بأكل المحّرمات؟

ج ـ أشار بعض الفقهاء إلى انّ حرمة الأكل تختص بما إذا كان البغي أو العدوان هو منشأ الاضطرار للحرام(57)، وعلى هذا فيكون من الطبيعي أن يتحمّل الباغي والعادي مسؤولية ما يترتب على معصيتهما من آثار، وأما وجوب الأكل عليهما حفظاً للنفس فهو وجوب عقلي لا يتعارض مع تحمله مسؤولية أكل المحرَّم.

وهذا ينطبق على كل حالة يوقع الإنسان نفسه في الاضطرار إلى ارتكاب أحد فعلين محرّمين، فيفرض عليه العقل أن يختار فعل الأخفِ حرمةً من دون أن يرفع عنه مسؤولية عمله.

 

س 75ـ بما انّ أكل هذه المحرَّمات محلَّل للمضطر فما معنى قولـه: ((إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ))؟

ج ـ عند مراجعة المصادر اللغوية يتضح انّ مادة ((غفر)) لا تختص بستر الذنب، بل تأتي بمعنى أصلح، قال الفيروزآبادي: ((غفر الأمرَ... أصلحه بما ينبغي أن يُصلحَ به)) (58) وعلى هذا فتشير الآية إلى ان الله سبحانه أصلح شأن عباده ورحمهم من خلال تجويز الأكل حفاظاً على أنفسهم وحياتهم. والله العالم.

أو نقول انّ هذا المقطع يعود إلى مجموع الآية، بمعنى أنّه تعالى لرحمته أحلّ الطيبات وحرّم الخبائث في الدنيا، وإنه غفور يغفر ذنوب عباده ويسترها في الآخرة.

 

((.. وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)) (177). 

س 76ـ ما الفرق بين الباساء وحين البأس؟

ج ـ روي عن ابن عباس أن البأساء إشارة للفقر، والضراء إشارة للمرض وحين البأس إشارة للجهاد والقتال في سبيل الله(59).

 

((كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى...)) (178). 

س 77ـ يلزم على ذلك أن يكون القصاص واجباً مثل الصيام الذي قال تعالى عنه: ((كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)) مع ان من حق ورثة المقتول طلب الفدية بدل القصاص؟

ج ـ المقصود هنا حق القصاص، فيلزم الإذعان بهذا الحق ويوكل استخدام هذا الحق إلى الولي، وهذا بخلاف الصيام فانّه عبادة وليس حقاً فامتثال أمره باتيانه لا بمجرد الاعتراف والإذعان به.

 

((وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) (179). 

س 78ـ إذا كان في القصاص حياة فكيف يكون العفو خيراً منه، كما أشارت إليه الآية السابقة؟

ج ـ لم تتضمن الآية حصر الحياة في القصاص حتى يتعارض مع رجحان العفو، وإنما تعرضت للقصاص فقط دون العفو، باعتبار أن ثمرة العفو واضحة، بينما مصلحة القصاص قد تكون خفيّة.

والرأي الأرجح ان المقصود من القصاص هو حق القصاص لا تنفيذه، وأنّ شعور المجتمع بحقّ أولياء المقتول في القصاص يمنع من الجريمة، ومن جانب آخر فانّ تشريع حق القصاص من القاتل دون غيره بهدف الحدّ من حالات القتل الانتقامية لغير القاتل ـ كما كان وما زال سائداً في بعض المجتمعات ـ فأشارت الآية إلى حكمة وثمرة تشريع هذا الحق، من دون ان يعارض ذلك رجحان العفو الذي أشارت إليه الآية السابقة، لأن ثبوت الحق لا ينافي أفضلية العفو والتنازل عنه.

 

((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ..))(185). 

س 79ـ كيف ينسجم مدلول الآية مع ما هو معروف من نزول القرآن تدريجياً على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خلال عشرين سنة أو أكثر؟

ج ـ اختلفت النصوص وآراء المفسرين والباحثين في ذلك على عدة أقوال منها:

1 ـ ان القرآن نزل جملة واحدة في ليلة القدر إلى البيت المعمور، ثم نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) متفرقاً خلال ثلاثة وعشرين سنة، وقد اختار هذا الرأي جماعة من المحدّثين وغيرهم اعتماداً على عدة نصوص، منها ما رواه الشيخ الكليني بسنده عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألتُه عن قول الله عزَّ وجلّ: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)) وإنما أُنزل القرآن في طول عشـرين سـنة، بين أُولـه وآخره؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ((نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثمّ نزل في طول عشرين سنة...)) (60).

وروى الطبراني وغيره عن ابن عباس أنه قال: ((أُنزل القرآن جملة واحدة حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا)) (61).

2 ـ ان المقصود هو ابتداء نزولـه في شهر رمضان ـ وفي ليلة القدر بالذات ـ ونسب هذا الرأي لجماعة منهم الشعبي، قال الشيخ المفيد (رحمه الله): وقد يجوز في الخبر الوارد بنزول القرآن جملة في ليلة القدر أنه نزلت جملة منه ليلة القدر، ثم تلاه ما نزل منه إلى وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)...)) (62).

وقد وجّهه الشيخ معرفة بقولـه: ((لأن كل حادث خطير إذا كانت له مدة وامتداد زمني، فإنّ بدء شروعه هو الذي يسجَّل تأريخياً، كما إذا سُئل عن تأريخ دولة أو مؤسسة أو تشكيل حزبي... فإن الجواب هو تعيين مبدأ الشروع أو التأسيس لا غير. وأيضاً فإن قولـه تعالى: ((أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)) والآيات الاُخر حكاية عن أمر سابق لا يشمل نفس هذا الكلام الحاكي، وإلاّ لكان اللفظ بصيغة المضارع أو الوصف. فنفس هذا الكلام دليل على أنَّ من القرآن ما نزل متأخراً عن ليلة القدر، اللهم إلاّ بضرب من التأويل غير المستند)) (63).

 

((أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ...))(187). 

س 80 ـ ما معنى كون الزوجين لباساً لبعضهما؟

ج ـ إما باعتبار التصاقهما ببعضهما كالتصاق اللباس بالجسد، وإما باعتبار أن كلاًّ منهما يستر الآخر ـ من الحرام ـ كما يستر اللباس الجسد، أو لأنّ كلاًّ منهما لا يستغني عن الآخر، كما لا يستغني عن لباسه، ولذلك منّ الله سبحانه بتحليل العلاقة الجنسية بينهما في ليالي شهر رمضان.

 

س 81 ـ ما هي الخيانة التي صدرت منهم؟

ج ـ ذكر المفسّرون أنّ بعض المسلمين كانوا يجامعون زوجاتهم سرّاً في ليالي شهر رمضان قبل نزول آية التحليل، فخانوا بذلك عهد الإيمان والطاعة، وبسبب انعكاس سلبية ذلك عليهم فكأنّهم خانوا أنفسهم، أو لكونهم كانوا يخدعون زوجاتهم بالتظاهر بعدم قصد الجماع وبعد ذلك يفاجئونهنّ بذلك.

 

س 82 ـ أليس الخيط الأبيض هو الفجر الكاذب حيث يكون عموداً كالخيط، دون الفجر الصادق الذي هو مبدأ الصيام فإنه ينتشر في الأُفق ولا يظهر على شكل خيط وعمود؟

ج ـ كلاّ،لأنّ من معاني الخيط اللون، قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: ((الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ)) يعني الصبح(64). وقال ابن فارس: ((والخيط الأبيض: بياض النهار. والخيط الأسود: سواد الليل. قال الله تعالى: ((وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)). ويقال: لما يسيل من لعاب الشمس: خيطُ باطلٍ..)) (65). وقال ابن منظور: ((وقيل: الخيط: اللون، واحتج بهذه الآية، قال أبو عبيد: يدل على صحة قولـه ما قاله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في تفسير الخيطين: إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار، قال أميّة بن أبي الصلت: الخيط الأبيض: ضوء الصبح منفِلق، والخيط الأسود: لون الليل مركوم. ويروى مكتوم...)) (66).وفي الحديث عن عبد الله الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فقال: بياض النهار من سواد الليل(67).

 

((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (189). 

 

س 83 ـ لماذا خصّ الحج بالذكر مع أنّ الصيام موقّت بالهلال أيضاً؟

ج ـ لعلّه باعتبار التمهيد للآيات اللاحقة التي تتحدث عن الحج، فكان المناسب ذكره بالخصوص.

 

س 84 ـ ما هي الفائدة والداعي لبيان عدم الارتباط بين البِرّ وإتيان البيوت من ظهورها؟

ج ـ ذكر المفسّرون أنّ بعض أهل الجاهلية كانوا إذا أحرموا ينقبون خلف بيوتهم ويدخلون منها ويعتبرون ذلك من البّر مستلزمات الإحرام، ويتجنّبون الدخول من الأبواب، وذكروا أيضاً أن المسلمين في أوائل الإسلام كانوا يفعلون ذلك، فأشارت الآية الكريمة إلى رفض ذلك وأنّه ليس من البرّ، ولكن البرّ بالتقوى. 

 

((وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ)) (193).  

 

س 85 ـ بعد أن ذكرت الآية الأولى ان الله لا يحب المعتدين كيف يفرض أن العدوان قد لا يكون مرفوضاً من الله تعالى مثل العدوان على الظالمين، والبدء بقتال الكافرين إذا أصرّوا على كفرهم، كما تشير إلى ذلك الآية الأخيرة؟

ج ـ روي عن ابن عباس ان الآية الأولى نزلت بعد صلح الحديبية حيث تضمّن أن يرجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمسلمون إلى المدينة آنذاك، ويعودوا في العام المقبل إلى مكة لأداء العمرة، وخشي المسلمون أن لا تفي لهم قريش بذلك وأن يصدّوهم عن المسجد الحرام، وكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قتالهم في المسجد الحرام، فنزلت الآية الأولى لتحدّد موقف المسلمين مشيرةً إلى قتال من يقاتلهم فحسب، ومنعهم من قتال غيرهم التزاماً بالعهد المبرم في الحديبية، لأنّ الغدر بهم ومبادأتهم بالقتال اعتداء لا يحبه الله تعالى، بينما الآية الثانية نزلت بعد فتح مكة ونقض العهد من جانب المشركين، فلا يكون قتال المسلمين لهم غدراً واعتداءً، وإنما من باب تحمّلهم للمسؤولية وأداء واجب الجهاد، ودعوة الناس إلى الإيمان بالله وبرسالة الإسلام، ولإخلاء أرض الوحي من رجس الشرك وعبادة الأوثان، خاصّة انّ المشركين كانوا قد بدؤوا باخراج المسلمين من مكّة وتعذيبهم في بدايات بعثة الرسول، إذن ليس المقصود من العدوان في الآية الأخيرة هو الظلم والاعتداء ـ المبغوض لله ـ وإنما هو السبيل، قال ابن منظور: ((وقولـه تعالى: ((فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ)) أي فلا سبيل، وكذلك قولـه: ((فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ)) أي فلا سبيل عليّ)) (68).

ويمكن ان يكون إطلاق العدوان على قتال الظالمين باعتباره ردعاً وعقوبةً لظلمهم، وهو شائع في اللغة العربية، كما قال تعالى: ((فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)). قال ابن منظور: ((سماه اعتداءً لأنه مجازاةُ اعتداءٍ فسمّي بمثل اسمه، لأن صورة الفعلين واحدة، وإن كان احدهما طاعة والآخر معصية، والعرب تقول: ظلمني فلان فظلمتُه، أي جازيتُه بظلمه لا وجه للظلم أكثر من هذا، والأول:ظلم، والثاني: جزاءٌ ليس بظلم، وإن وافق اللفظُ اللفظَ مثل قولـه: ((وَجَزَاء سـَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا)) السّيئة الأولى سيئة والثانية مجازاة وإن سمّيت سّيئة، ومثل ذلك في كلام العرب كثير... قال الله تعالى: ((ومن يفعلْ ذلك يِلْقَ أثاماً)) أي جزاءً لإثمه)) (69).

 

س 86 ـ ما هو الهدف من قولـه ((وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ))؟

ج ـ بعد أن ذكرت الآية السابقة أن الله لا يحب المعتدين، قد يتوهم الإنسان أنّ الأمر بقتل المشركين أينما ثُقفوا من الإعتداء المبغوض لله، فأشارت هذه الآية إلى دفع هذا التوهم بأن فتنة المشركين بكفرهم أشد من القتل، فلا يكون قتلهم ظلماً واعتداءً لأن الشرك ظلم عظيم، كما أشارت إليه موعظة لقمان لولده ((يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)).

 

((فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ))(196) 

س 87 ـ لماذا قال ((تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)) مع أنّ ذلك واضح، وذكره لا فائدة فيه؟

ج ـ كأن هذا التنصيص للإشارة إلى أن هذا التفصيل في الصيام ـ ثلاثة في السفر وسبعة بعد الحج ـ هو الفرض الواجب والكامل، لا أنّ لصيام ثلاثة أيام في السفر مختص بحالة الاضطرار أو أنّ الإنسان مخيّر في ذلك وبامكانه صيام عشرة أيام بكيفية أخرى.

 

((فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا))(200) 

س 88 ـ لماذا هذا التأكيد على ذكر الله بعد المناسك في مقابل ذكر الآباء؟

ج ـ روى منصور بن حازم عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: ((كانوا إذا أقاموا بمنى بعد النحر تفاخروا، فقال الرجل منهم، كان أبي يفعل كذا وكذا، فقال الله جلّ ثناؤه ((فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا))، قال: والتكبير ((الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام)) (70). 

 

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ))(208). 

س 89 ـ كيف يتوجه هذا الأمر مع أنه لم يعهد من المسلمين مخالفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وإصرارهم على الحرب، وإذا كان السِّلم بمعنى الإسلام ـ كما جاء في بعض التفاسير ـ فكيف يتوجه أمر المؤمنين بالدخول في الإسلام؟

ج ـ ذكرت عدّة معانٍ للسلم:

(منها) أنه بمعنى الاستسلام والانقياد، وذكروا أن سبب نزول الآية انّ قوماًَ من اليهود أسلموا وأقاموا على تعظيم شرائع موسى (عليه السلام) فعظّموا السبت وكرهوا لحم الإبل وألبانها، وكانوا يقولون: ترك هذه الأشياء مباح في الإسلام، وواجب في التوراة، فنحن نتركها احتياطاً، فكره الله تعالى ذلك منهم وأمرهم أن يدخلوا في السلم كافة أي في شرائع الإسلام كافة.

(ومنها): أنه بمعنى الإسلام بتعاليمه ورحابه، والمقصود في الآية الأمر بالتزام تعاليم الإسلام وأحكامه، فهو نظير قولـه تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِه))(النساء: 136). ويؤيده قولـه فيما بعد: ((فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) (71). 

 

((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) (213). 

س 90 ـ ما فائدة قولـه: ((وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ)) مع أنّ هذا واضح، إذ من الطبيعي وقوع الاختلاف بين أبناء المجتمع الذي يـخاطَب بالإيمان؟

ج ـ ليس هدف الآية تحديد من اختلف فيه ـ كما جاء في السؤال ـ بل الآية تتضمن ذمّ أحد الفريقين، وهو الفريق الذي خالف الحق بسبب البغي والحسد ونحو ذلك مع سبق قيام الحجة ومجيء البينّات لهم.

 

((يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ))(215). 

س 91 ـ كيف يكون الجواب بهذا مع أنّ سؤالهم كان عمّا ينفقونه؟

ج ـ بما أن السؤال عمّا يُنفَق يكشف عن جهل السائل بتحديد مصرف الإنفاق بطريق أولى لذلك جاء الجواب ببيان ما يُنفق بإيجاز (( مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ)) مع ذكر مصرف النفقة الذي هو أهم، وقد جاء في سبب نزول الآية أنّ عمرو بن الجموح كان شيخاً كبيراً ذا مال كثير فقال لرسول الله: يا رسول الله بماذا أتصدّق وعلى من أتصدّق فنزلت هذه الآية(72)، فيكون إيجاز الجواب عن نفس سؤاله في الآية والتعرض للمصرف لأجل ما ذكرناه من أهمية بيان مصرف النفقة.

 

((...أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)) (221). 

س 92 ـ ما دام الداعي إلى الجنة والمغفرة هو الله فما معنى قولـه: ((بِإِذْنِهِ))؟

ج ـ الدعوة هنا في الفعل لا في القول، بمعنى أنّ الارتباط بالمشركين يجرّ الإنسان إلى النار تأثراً بهم بينما إطاعة الله والسير في صراطه يوجه الإنسان نحو الجنة والمغفرة، ولكي لا يتوهم أنه تعالى يجبر المؤمنين على الطاعة، قال (باذنه) يعني أنّ دور الباري سبحانه هو الإذن والتيسير من دون جبر رغم أن كل شيء خاضع لقضائه وتقديره، فيكون نظير قولـه تعالى ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ)) والله سبحانه يوفق السائرين في صراطه، كما أشار إليه قولـه تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)).

 

((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ))(222) 

س 93 ـ بعد أن أمر باعتزال النساء ما فائدة قولـه ((وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ))؟

ج ـ لتوضيح أنّ المقصود من الاعتزال تجنّب الممارسة الجنسية، لا تجنّب مجالسة المرأة ومؤاكلتها، كما كان يصنعه الجاهليون وغيرهم.

 

س 94ـ لماذا علّق الأمر باتيانهنّ على التطهير ـ بالماء أوغيره ـ بينما اكتفى قبل ذلك بالطهارة من الحيض ـ اعتماداً على القراءة المشهورة (يطهُرنَ) ـ؟

ج ـ لعلّه باعتبار أن حرمة الجماع تنتهي بمجرد الطهارة من الحيض، ولكنّه مكروه قبل التطهّر بالغُسل، أو بغَسل الموضع وتطهيره ـ كما ذهب إلى ذلك: بعض الفقهاء ـ ولذلك لم يتوجه الأمر بالإتيان والندب إليه إلاّ بعد الطهارة، وهناك آراء فقهية متعدّدة في المسألة.

 

 ((فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي))(249) 

س 95ـ لماذا قال ((وَمَن لَّمْ يَطْعَمْه))مع أنّ الماء يُشرب ولا يُطعم؟

ج ـ الطعم هنا هو التذوّق لا الأكل، قال الخليل بن أحمد الفراهيدي: ((الطعم، طعُم كلّ شيء وهو ذَوقُه)) (73).  

 

((فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ))(251) 

 

س 96ـ كيف يكون دفع الناس لبعضهم مانعاً من فساد الأرض؟

ج ـ لعلّه إشارة إلى طبيعة الإنسان الاجتماعية التي أودعها الله سبحانه فيه وما تستتبعه من اعتماد نظام اجتماعي يمنع الفوضى والانفلات المؤدي إلى الفساد. وقد روي عن الإمام علي (عليه السلام) قولـه: ((لابدّ للناس من أمير بر أو فاجر))، وإلى هـذا يشـير قولـه تعالى: ((وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)).

وقد يكون إشارة إلى أن الحياة الدنيا ابتنت على عدم التدخل الإلهي المباشر لردع الظالمين والمفسدين، وإنما يحمّل المؤمنين مسؤولية ذلك، فمن خلال جهادهم تسلم الأرض من الفساد وعموم الطغيان فيها، فيكون هذا المقطع من الآية الكريمة توجيهاً للأمر الإلهي بالجهاد رغم ما يستتبعه من عناء المجاهدين وتضحيتهم ـ مثل معاناة طالوت وصحبه التي أشارت إليها الآيات السابقة ـ فتكون الآية نظير قولـه تعالى: ((وَلَولا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا))(74).

 

((وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ))(253) 

 

س 97 ـ لماذا كرر قولـه ((وَلَوْ شَاء اللّه))؟

ج ـ لعلّه للتأكيد والتنبيه إلى أنّ مشيئة الله تعالى لا تقتصر على مرحلة إنزال البيّنات التي أدّت إلى اختلافهم، وإنما بعد اختلافهم أيضاً لولا مشيئة الله لم يتقاتلوا، فيكون في ذلك تأكيد على فاعلية المشيئة في كل مرحلة وكل فعلٍ إنساني ـ من دون إجبار وقسر طبعاً، كما هو موضح في محلّه ـ.

 

((اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ))(255) 

س 98ـ نفي السِّنَة عنه تعالى يقتضي نفي النوم عنه بطريق أولى، لأن مَن ينزّه عن السَّنَة ـ النعا سَ ـ فهو منزّه عن النوم بطريق أُولى، فهلا قال (لا يأخذه نوم ولا سنِة) ليصحّ الترقي؟

ج ـ الجواب عن ذلك بوجهين:

الأول: إن عطف الأعظم أو الأشد على الأخف في النفي يقتضي النفي المطلق لكل ما هو من ذلك الجنس، بينما عطف الأخف أو الأقل على الأشد والأكبر لا يدل إلاّ على نفي المذكور في الكلام فحسب. فإذا قلت: ما أعطيت ديناراً ولا درهماً فانه يدلّ على عدم إعطاء أحدهما فحسب ولا ينفي إعطاء الفلس، بينما إذا قلت: ((ما أعطيت درهماً ولا ديناراً)) فهو يدل على نفي الإعطاء مطلقاً حتى الفلس، ففي الآية الكريمة بما أن الهدف بيان القيمومة الدائمة لله ونفي كلّ ما ينافيها مثل النوم والسنة و الغفلة وغيرها، فلو قال: (لا يأخذه نوم ولا سنة) فانه لا يدل على ذلك بل يقتضي نفي السنة والنوم عنه فحسب، بينما قولـه: ((لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ)) يقتضي النفي المطلق فيشمل نفي الذهول والغفلة أيضاً، ما أعطيت درهاً ولا ديناراً، كما ذكرناه آنفاً.

الثاني: أنّ الآية استخدمت لفظة (لا تأخذه) وهي تتضمن معنى نفي الاسـتيلاء والسـيطرة، فكان مقتضـى الترقي أن يكون نفي سـيطرة الأشـد ـ النوم ـ بعد نفي سيطرة الأخف، كما تقول: لا يصرعني الذئب ولا الأسد، ولو قدّم نفي سيطرة النوم على نفي السِّنة لم يصح الترقي. وهذا الوجه أرجح من الأول.

 

 ((لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (256)  

 

س 99ـ كيف ينفي الإكراه في الدين مع أنه تعالى قال: ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاعَلَى الظَّالِمِينَ))؟

ج ـ الآية الكريمة تشير إلى أن الدين إنما يكون بالاختيار لا بالإكراه، وأن من يروم إكراه الآخرين على الدخول في دين الإسلام ـ كما جاء في بعض روايات سبب نزول الآية ـ فان جهده غير مثمر، لأن الله لم يشأ أن يجبر عباده على الدين وانما مَنّ على عباده فأوضح لهم سبيل الرشاد من غيره، ويبقى عليهم أن ينصاعوا لعقولـهم ويتّبعوا الحجة والبرهان، ليقطف المؤمنون في الآخرة ثمرة إيمانهم، بينما يواجه أتباع الطاغوت مصيرهم القاتم ((يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) (75).

وليست الآية بصدد تحديد الموقف الشرعي من الكافرين حتّى تعارض الآيات التي أمرت بقتال المشركين. 

 

((اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) (257). 

 

س 100 ـ ما هي الظلمات التي كان فيها المؤمنون وما هو النور الذي كان فيه الكافرون حتّى أُخرجوا منهما؟

ج ـ بما أنّ الآية بصدد المقارنة بين المؤمنين والكافرين فكأنّ من أوصل كلّ فريق إلى غاية معينة يكون قد أخرجه من مصير الفريق الآخر، كما تقول: (أخرجت صديقي من الفتنة)، إذا منعته من الدخول فيها. فيكون الإخراج هنا بمعنى المنع من الدخول. فالله سبحانه حيث يهدي المؤمنين إلى النور ويجنّبهم الظلمات فيكون قد أخرجهم منها. وبالعكس موقف الطواغيت من أوليائهم.

ولعلّ المقصود من الآية: أن الله يخرج المؤمنين من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان، وانّ الطاغوت يحجب أولياءه ويبعدهم عن نور الهداية التي تتضمنها آيات الله ودلالاته ويجرّهم إلى ظلمات الكفر والباطل.

 

س 101 ـ لماذا ذكر النور بصيغة المفرد والظلمات بصيغة الجمع؟

ج ـ لأن النور كناية عن الصراط المستقيم وهو واحد، بينما الظلمات كناية عن سبل الباطل وهي متعددة ومتنوعة.

 

س 102 ـ لماذا قال: ((أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ)) ولم يقل (اولياؤهم الطواغيت)؟

ج ـ لأن الطاغوت مصدر ـ بصيغة المبالغة ـ يطلق على المفرد والجمع، فلا موجب لصيغة الجمع.

 

((قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ))( 258). 

س 103 ـ لماذا بُهت الذي كفر مع أنه كان يمكنه أن يعترض على إبراهيم ويطالبه أن يأتي الله بالشمس من المغرب؟

ج ـ كلاّ، فانّ عجزه عن إتيان الشمس من المغرب كافٍ في نفي ربوبيته، وأما دعوى إبراهيم (عليه السلام) فهي أن الله تعالى قدّر ظهور الشمس من المشرق منذ خلق الأرض والشمس وقبل وجود نمرود، لمصالح معينّة وضمن نظام كوني دقيق ومحكم، من دون أن يكون لعباده ـ بمن فيهم إبراهيم ـ تأثير في تغيير نظام التكوين، فهو لم يدّع أنّ التقدير الإلهي خاضع لإرادته الشخصية حتّى يطالبه نمرود بشروق الشمس من المغرب.

 

((أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (259)  

س 104 ـ كيف يسأل عُزير أو أرميا ـ كما جاء في بعض النصوص ـ ذلك مع أنه يقتضي التشكيك بالمعاد؟

ج ـ كلاّ، فانه للاستيضاح واطمئنان النفس برؤية الأمر العجيب نظير سؤال إبراهيم (عليه السلام) في الآية اللاحقة ـ أو نقول: انّ السؤال عن كيفية حدوث الأمر العجيب ـ خاصة مثل الإحياء بعد الموت الذي هو في غاية الغرابة ـ لا يعني التشكيك في أصل حدوثه، بل مجرّد التحيّر والانبهار بكيفيّة تحققه، علماً ان لفظة (أنّى) بمعنى كيف، فيكون سؤالاً عن كيفية الإحياء لا عن أصله. ولعل قولـه ـ في الآية ـ ((أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير))حيث لم يقل (علمت) يشهد لما ذكرناه من أنه كان ـ من أول الأمرـ عالماً بقدرة الله تعالى، لا أنّ علمه حدث فيما بعد.

 

س 105 ـ لماذا لم يتمّ تذكيره عقيب سؤاله بمراحل خلق الانسان الحيوان كما قال تعالى:((وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (76)،بدلاّ من تأخر ذلك إلى مائة عام من سؤاله أي بعد إماتته وإحيائه؟

ج ـ أشرنا قبل قليل أن سؤال عزير لم ينبع من تشكيكه بقدرة الله تعالى وبالمعاد، وإنما تعجبه وعدم استيضاحه لكيفية المعاد، لذلك كان المناسب أن يتلمّس الإحياء بعد الموت بنفسه، ثم تذكيره بعموم قدرة الله تعالى من خلال دعوته لملاحظة مراحل خلق الحيوان.

 

((مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) (261)

س 106 ـ ما وجه هذا التحديد بالسبعمائة؟

ج ـ باعتبار أن المنتوج الجيد للحبة يكون بهذا المقدار. وقد أكد أحد المهندسين الزراعيين أن هذا المقدار من المنتوج مألوف في الحنطة والشعير والرز، خاصة الحنطة، كما قال.

 

 ((الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) (262) 

س 107 ـ إذا كان المنّ خصلة غير حميدة فكيف يثبتها الله لنفسه في عدة آيات مثل قولـه تعالى: ((لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) (77)، وقولـه تعالى ((بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (78)؟

ج ـ يستعمل المنّ بمعنيين: أحدهما نفس الإنعام، والثاني الفخر وتقريع من تنعم عليه، فالأول محمود وليس مذموماً، بينما الثاني مذموم يُنزّه عنه الباري، فانه تعالى لا يقرّع عباده بنعمه عليهم، ولا تكبر هي في نفسه، نعم قد يطلق المنّ على تذكير العباد بالنعم الوفيرة عليهم ليحفّزهم ذلك على استقامتهم وتحمل مسؤولياتهم في طاعته بما يعود عليهم بالخير في الدنيا والآخرة، وهذا ليس أمراً مذموماً حتى يمتنع في حقه تعالى. 

 

((أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ))(266) 

 

س 108 ـ لماذا خصّ النخيل والأعناب بالذكر مع كون الجنّة المفروضة حاوية لكلّ الثمار؟

ج ـ لعلّه باعتبار اشتمال هذين على النَّور والظلال ـ فيضيفان على الجنّة سحراً وروعة ـ مِن بين أشجار الثمار المنتشرة عندهم.

 

س 109 ـ ما هو الهدف من هذا المثل الذي تضمنته الآية الكريمة؟

ج ـ بعد أن تعرضت الآيات السابقة إلى أنحاء الإنفاق وأن منه الإنفاق رياءً ومنه الإنفاق في سبيل الله، تضمن هذا المثل أهمية الإنفاق في سبيل الله الذي يكون ذخراً للإنسان في آخرته حيث تشتد حاجته هناك، بينما من لا ينفق في سبيل الله لا يدّخر ليوم فاقته ما ينفعه آنذاك فيكون نصيبه الندم و الحسرة مثل الذي يخسر كلّ أمواله الطائلة في حال كبره واشتداد حاجته إليها والإنفاق منها على نفسه وعائلته.

 

((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) (268)  

س 110ـ أليس المقابل للفقر هو الغنى، والمغفرة أجنبية عنه فلماذا ذكر الوعد بالمغفرة؟

ج ـ كلاّ، لأن الآية ترتبط بإنفاق الكسب الطيّب في سبيل الله، فالشيطان يصدّ عنه من خلال دعوته لعصيان الأمر الإلهي، ووعده بالفقر والفاقة، بينما الله سبحانه يحثّ المنفق من خلال وعده بالمغفرة له في الآخرة والإفضال عليه في الدنيا.

 

((يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)) (273) 

 

س 111ـ عدم إلحاحهم بالسؤال يوحي بأنهم يسألون الناس من دون إلحاح، فكيف ينطبق عليهم قولـه ((يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ))؟

ج ـ قولـه ((لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافًا)) بصدد نفي الحالة الشائعة بين كثير من الفقراء من الإلحاح بالسؤال لرفع الفاقة المادية التي يواجهونها، وجاءت هذه الفقرة ((يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ...)) لتأكيد تعففهم الذي وصفهم به من قبل، كما تقول: فلان مهذّب وليس فحّاشاً ـ إذا كان في مجتمع اعتادوا على الفحش ـ فانه لا يدل على صدور الفحش القليل منه، بل على مجرّد استثنائه منهم تأكيداً لتهذيبه.

 

((الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُون)) (274) 

 

س 112 ـ لماذا ذكر الإنفاق علانية مع أن الإنفاق سرّاً أفضل؟

ج ـ الآية بصدد مدح الذين يداومون على الإنفاق، فينفقون كلما تحقق موجبه، ليلاً ونهاراً سرّاً وعلانية، وعن أبي إسحاق أن الآية نزلت في علي(عليه السلام) حيث أنفق في الليل والنهار سرّاً وعلانية(79).

 

((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) (275)  

س 113 ـ ما هو وجه الشبه بين المرابي وبين المصروع أو المجنون ((الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ))؟

ج ـ إن تراكم أموال المرابي بسبب الربا ينمي في نفسه حبّ المال حتى يتهالك على جمعه ويصبح همّه ومحور تفكيره وسعيه إلى أن تعمى بصيرته وينعدم شعوره الإنساني، ولذلك نجد المرابي لا يتورّع عن مراباة من يضطر إلى اقتراض قليل من المال لعلاج أو سد رمق أو غير ذلك، ولتوجيه مشروعية الربا يقول هؤلاء المرابون: ((إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا)).

 

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ))( 282)  

س 114 ـ ما فائدة قولـه ((بِدَيْنٍ)) مع أنّه معلوم من قولـه ((إِذَا تَدَايَنْتُمْ))؟

ج ـ قيل: لأن التداين يأتي بمعنى التعامل، فذكر الدين لتوضيح المقصود. ولعلّ فائدته أن يرجع ضمير ((فَاكْتُبُوهُ)) إليه، إذ لو لم يذكره لقال: فاكتبوا الدّين، والأوّل أحسن نظماً(80).

 

((لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ  قَدِيرٌ)) (284)  

س 115 ـ كيف ينسجم ذلك مع ما دلّ من أنّ الله لا يحاسب الإنسان على نيّة المعصية؟

ج ـ ليس كل ما في النفس لا يحاسب عليه الإنسان، إذ هناك كثير من المحرّمات من أفعال الجوانح مثل سوء الظن بالله والانحراف العقائدي، كما أنّ اختلاف النوايا قد يوجب اختلاف حكم الفعل الواحد مثل التقرب لله بالعبادة والرياء بها، فالآية بصدد بيان عموم قدرة الله تعالى وانّه عالم بخفايا النفوس كما يعلم بالأمور الظاهرة، ولعل في هذه الآية إشارة إلى أن مخالفة التكاليف الإلهية التي أشارت إليها الآيات السابقة لا تخفى على الله سبحانه سواء منها المعاصي الظاهرة أم غيرها، مثل كتمان الشهادة، حيث يخفي الشاهد شهادته أمام الناس والقضاء، لكنها لا تخفى على الله تعالى، فيحاسبه على ذلك يوم القيامة.

 

((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير)) (285)

 

س 116 ـ كيف يقول ((لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ))مع أن لفظة (بين) لا تضاف إلاّ إلى الاثنين أو أكثر؟

ج ـ هذا من باب التضمين، فان قولـه ((لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)) يتضمن معنى التمييز، فكأنه قال لا نميّز أحداً من رسله على آخر في الإيمان.

 

((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) (286)  

س 117 ـ بما أن الناسـي معذور في مخالفة التكليف فما معنى قولـه ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا))؟

ج ـ باعتبار أنّ سبب النسيان قد يكون هو الإهمال وعدم الشعور الكافي بمسؤولية التكليف الإلهي، فيستحق بذلك العقاب أو العتاب ويصح الدعاء بعدم المؤاخذة، ومن دلائل الإهمال المذكورة كثرة النسيان والغفلة، بعكس من كان عل درجة عالية من الإهتمام والشعور بالمسؤولية، إذ قلّما ينسى الإنسان ما يحرص عليه ويشعر بأهمية. 

 

س 118 ـ كيف ينسجم قولـه ((وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)) مع حكم العقل باستحالة التكليف بما لا يطاق؟

ج ـ ليس المقصود ما يستحيل تحمّله لأن صدر الآية شاهد على عدم التكليف به، بل المقصود ما فيه مشقّة كبيرة حيث قد يضعف أمامها الإنسان، واستعمال اللفظ بهذا المعنى شائع في النصوص وفي الاستعمالات العرفية المتداولة، كما تقول لا أطيق تحمّل الألم، ولا أُطيق الحرّ أو البرد. وكأن الآية تشير إلى طلبهم من الله سبحانه أن لا يكلّفهم بما لا ينسجم مع ظروفهم ووضعهم كي لا ينهاروا أمام مشقته فيرتكبوا المعصية لضعفهم، وكم شاهدنا أُناساً مؤمنين قضوا فترةً طويلة من حياتهم في طاعة الله، لكنّهم انهاروا في مواجهة ظروف معيّنة لم يحصّنوا أنفسهم ولم يتهيأوا لمواجهتها من قبل، ولذلك ينبغي للمؤمن أن يتهيأ لمواجهة الفتن المتنوعة، لأنه لا يعرف نصيبه منها، ولا يغتر بصموده ونجاحه في تحمّل محنة معيّنة، ويسأل الله ـ بدلاً عن ذلك ـ أن لا يُحمّله ما يضعف عن حمله، وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين أبداً، مع خلوص النيّة وصدق التوكّل.

ربنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبداً ((رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)) (81). 

 

ــــــــــــــــــ

(1) تصنيف نهج البلاغة: 212.

(2) النساء:155.

(3) الأنفال: 17.

(4) اصول الكافي 2 / 273 باب الذنوب.

(5) لسان العرب 1 / 685 مادة قلب.

(6) لسان العرب 1 / 687 مادة قلب.

(7) الأعراف: 195.

(8) يس: 30.

(9) مجمع البيان: 1 / 161.

(10) الأعراف: 172.

(11) ص: 26.

(12) تفسير العياشي: 1 / 47.

(13) تفسير العياشي: 1 / 51.

(14) يراجع تفسير الميزان: 1 / 116 ـ 120.

(15) الكهف: 50.

(16) الأعراف: 12.

(17) لسان العرب: 5/ 146 مادة كف.

(18) يراجع مجمع البيان: 1 / 189.

(19) طه: 118 ـ 119.

(20) طه: 121.

(21) سورة البقرة: 264.

(22) سورة طه: 117.

(23) سورة طه: 22.

(24) سورة طه: 122.

(25) سورة آل عمران: 33.

(26) سورة التوبة: 117.

(27) سورة المائدة: 12.

(28) يراجع لسان العرب: 13 / 272.

(29) تفسير العياشي: 1 / 62.

(30) سورة آل عمران: 110.

(31) سورة طه: 109.

(32) سورة سبأ: 23.

(33) سورة النجم: 26.

(34) سورة يونس: 3.

(35) سورة الأنبياء: 28.

(36) التفسير الكبير: 2 / 55 ـ 56.

(37) سورة يونس: 18.

(38) سورة الأنعام: 94.

(39) سورة الأنعام: 15.

(40) سورة الروم: 13.

(41) سورة الاعراف: 142.

(42) سورة النساء: 162.

(43) تفسير العياشي 1: 46 حديث: 56.

(44) سورة الاسراء: 44.

(45) وسائل الشيعة 18: 94. أبواب صفات القاضي الباب:10 الحديث:20.

(46) تفسير مجمع البيان: 9/65.

(47) لسان العرب: ابن منظور: 15/415.

(48) لسان العرب: 9: 271.

(49) لسان العرب: 8/163.

(50) يراجع لسان العرب: 12/417.

(51) سورة النساء: 2.

(52) سورة الأنفال:42..

(53) الكافي: 4/245.

(54) تفسير العياشي: 1/ 89.

(55) أحكام القرآن لأبي بكر بن عربي: 1/ 46 ـ 47.

(56) مجمع البيان: 1/147.

(57) يراجع منهاج الصالحين لسماحة الوالد السيد محمد سعيد الحكيم:3/230، وبداية المجتهد: 1/498.

(58) القاموس المحيط:2/106.

(59) التفسير الكبير: 3/45.

(60) أصول الكافي:2/628.

(61) المعجم الكبير / الطبراني: 12/ 26.

(62) تصحيح اعتقاد الإمامية: 103.

(63) تلخيص التمهيد: 1/68.

(64) العين: 251، مادة خيط.

(65) معجم مقاييس اللغة: 2/232.

(66) لسان العرب: 7/299.

(67) تفسير العياشي: 1/103.

(68) لسان العرب: 15/33.

(69) المصدر السابق: 15/34.

(70) الكافي: 4/517. باب التكبير أمام التشريق.

(71) سورة البقرة:209.

(72) مجمع البيان: 2/547.

(73) ترتيب كتاب العين: 448.

(74) سورة الحج: 40.

(75) سورة البقرة: 257.

(76) سورة البقرة: 259.

(77) سورة آل عمران: 164.

(78) سورة الحجرات: 17.

(79) تفسير العياشي: 1 / 171.

(80) يراجع تفسير اسئلة القرآن الكريم وأجوبتها: 23.

(81) سورة البقرة: 286. 

 

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336688

  • التاريخ : 29/03/2024 - 00:11

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net