00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية ( 259 - 268) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الأول )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

الآية 259 - 268

[ أو كالذى مر على قرية وهى خاوية على عروشها قال أنى يحى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم - لبثت قال - لبثت - يوما - أو بعض - يوم قال بل لبثت - مائة عام فانظر إلى طعامك - وشرابك لم يتسنه - وانظر - إلى حمارك ولنجعلك - ء_اية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شئ قدير(259) ]

(1) الحديث يأتي بقيته.

وفيه باسناده إلى اسحاق بن عمار الصيرفي، عن أبي الحسن الماضي عليه السلام في حديث طويل يقول في آخره: وإن في جوف تلك الحية سبع صناديق فيها خمسة من الامم السالفة واثنان من هذه الامة، قال: قلت جعلت فداك: ومن الخمسة ومن الاثنان؟ قال: أما الخمسة فقابيل الذي قتل هابيل، ونمرود الذي حاج إبراهيم في ربه قال أنا احيي واميت، وفرعون الذي قال أنا ربكم الاعلى، و يهودا الذي هود اليهود، وبولس الذي نصر النصارى، ومن هذه الامة أعرابيان(2).

أو كالذى مر على قرية: تقديره أو رأيت، فحذف لدلالة (ألم تر) عليه، و تخصيصه بحرف التشبيه، لان المنكر للاحياء كثير، والجاهل بكيفيته أكثر من أن

___________________________________

(1) ثواب الاعمال: ص 214، كتاب عقاب الاعمال، عقاب ابن آدم الذي قتل أخاه، ونمرود الذي حاج إبراهيم.

(2) ثواب الاعمال ص 215 كتاب عقاب الاعمال عقاب ابن آدم الذي قتل أخاه، ونمرود الذي حاج ابراهيم.

(*)

[623]

يحصى، بخلاف مدعي الربوبية.

وقيل: الكاف مزيدة، وتقدير الكلام: ألم تر إلى الذي مر.

وقيل: أنه عطف محمول على المعنى، كأنه قيل: ألم تر كالذي حاج، أو كالذي مر.

وقيل: إنه من كلام ذكره جوابا لمعارضته، تقديره: أو إن كنت تحيي فاحي كإحياء الله.

ويؤيده ما روي عن الصادق عليه السلام: إن إبراهيم قال له: أحي من قتلته إن كنت صادقا(1).

قال البيضاوي: الذي مر عزير بن شرحيا، أو الخضر، أو كافر بالبعث ويؤيده نظمه مع نمرود(2) وفي مجمع البيان: أو كالذي مر، هو عزير، وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام.

وقيل: هو أرميا، وهو المروي عن ابي جعفر عليه السلام(3).

أقول: أما ما روي أنه عزير فما روي عن علي عليه السلام أن عزيرا خرج من أهله وامرأته حامل وله خمسون سنة، فأماته الله ماء_ة سنة ثم بعثه، فرجع إلى أهله ابن خمسين وله ابن له ماء_ة سنة، فكان ابنه أكبر منه، فذلك من آيات الله(4).

وما رواه في كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده إلى محمد بن إسماعيل القرشي، عمن حدثه، عن اسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث طويل وقد ذكر بخت نصر وأنه قتل من اليهود سبعين ألف مقاتل على دم يحيى بن زكريا وخرب بيت المقدس وتفرقت اليهود في البلدان، وفي سبعة و أربعين سنة من ملكه بعث الله عزوجل العزير نبيا إلى أهل القرى التي أمات الله عزوجل أهلها ثم بعثهم له، وكانوا من قرى شتى فهربوا فرقا من الموت فنزلوا في

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 367 في تفسيره لآية 258 من سورة البقرة.

(2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 135.

(3) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 370 في تفسيره لآية 259 من سورة البقرة.

(4) رواه في مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 370 في بيان المعنى لآية 259، من سورة البقرة. (*)

[624]

جوار عزير وكانوا مؤمنين وكان عزير يختلف إليهم ويسمع كلامهم وإيمانهم و أحبهم على ذلك وآخاهم عليه، فغاب عنهم يوما واحدا ثم أتاهم فوجدهم موتى صرعى فحزن عليهم وقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها، تعجبا منهم حيث أصابهم وقد ماتوا أجمعين في يوم واحد، فأماته الله عزوجل عند ذلك ماء_ة عام، فهي ماء_ة سنة، ثم بعثه الله وإياهم وكانوا ماء_ة ألف مقاتل، ثم قتلهم الله عزوجل أجمعين لم يفلت منهم أحد على يدي بخت نصر(1).

وما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره: قال: حدثني أبي عن إسماعيل بن أبان، عن عمر بن عبدالله الثقفي قال: أخرج هشام بن عبدالملك أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام من المدينة إلى الشام فأنزله معه، وكان يقعد مع الناس في مجالسهم، فبينا هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك، فقال: ما لهؤلاء القوم؟ ألهم عيد اليوم؟ فقالوا: لا يابن رسول الله، لكنهم يأتون عالما في هذا الجبل في كل سنة في هذا اليوم، فيخرجونه فيسألونه عما يريدون وعما يكون في عامهم، فقال أبوجعفر عليه السلام: وله علم؟ فقالوا: هو من أعلم الناس قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى عليه السلام قال: فهل نذهب إليه؟ فقالوا: ذلك إليك يابن رسول الله قال: فقنع أبوجعفر عليه السلام رأسه بثوبه ومضى هو وأصحابه، فاختلطوا بالناس حتى أتوا الجبل، فقعد أبوجعفر وسط النصارى هو وأصحابه فأخرج النصارى بساطا ثم وضعوا الوسائد، ثم دخلوا فأخرجوه، ثم ربطوا عينيه، فقلب عينيه كأنهما عيني أفعى، ثم قصد أبا جعفر فقال: يا شيخ أمنا أنت أم من الامة المرحومة؟ فقال أبوجعفر: بل من الامة المرحومة، فقال: أمن علمائهم أم من جهالهم؟ قال: لست من جهالهم، فقال النصراني: إني أسالك أم تسألني؟ فقال أبوجعفر عليه السلام: سلني فقال النصراني: يا معشر النصارى رجل من امة محمد يقول: سلني، ان هذا لعالم بالمسائل، ثم قال: يا عبدالله

___________________________________

(1) كمال الدين وتمام النعمة: ص 226، الباب الثاني والعشرون، باب اتصال الوصية من لدن آدم عليه السلام وأن الارض لا تخلو من حجة لله عزوجل على خلقه إلى يوم القيامة، قطعة من حديث 20. (*)

[625]

أخبرني عن ساعة ما هي من الليل ولا هي من النهار أي ساعة هي؟ فقال له أبوجعفر عليه السلام: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، إلى أن قال النصراني: فأسألك أو تسألني؟ قال أبوجعفر عليه السلام: سلني، فقال: يا معشر النصارى والله لاسئلنه مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل، فقال له: سل، فقال: أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت باثنين، حملتهما جميعا في ساعة واحدة و ولدتهما في ساعة واحدة، وماتا في ساعة واحدة، ودفنا في قبر واحد، عاش أحدهما خمسين وماء_ة سنة وعاش الآخر خمسين سنة من هما؟ فقال أبوجعفر: هما عزير و عزرة، كانا حملت امهما بهما على ما وصفت، ووصفتهما على ما وصفت، وعاش عزير وعزرة كذا وكذا سنة، ثم أمات الله عزيرا ماء_ة سنة ثم بعث الله عزيرا فعاش مع عزرة هذه الخمسين سنة وماتا كلاهما في ساعة واحدة، فقال النصراني: يا معشر النصارى ما رأيت بعيني قط أعلم من هذا الرجل لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام، ردوني، فقال: فردوه في كهفه ورجع النصارى مع أبي جعفر(1).

وما رواه العياشي في تفسيره، عن علي بن محمد العلوي، عن علي بن مرزوق، عن ابراهيم بن محمد قال: ذكر جماعة من أهل العلم: إن ابن الكوا قال لعلي عليه السلام: ما ولد أكبر من أبيه من أهل الدنيا؟ قال: اولئك ولد عزير حين مر على قرية خربة وقد جاء من ضيعة له تحته حماره، ومعه سلة فيهاتين، وكوز فيه عصير مر على قرية خربة فقال: " أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله ماء_ة عام " فتوالد ولده وتناسلوا، ثم بعث الله إليه فأحياه في المولد الذي أماته فيه، أولئك ولده أكبر من أبيهم(2). وأما ما يدل على أنه ارميا.

فما رواه العياشي أيضا في تفسيره، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله: " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه

___________________________________

(1) تفسير علي بن ابراهيم: ج 1، ص 98، في تفسيره لآية (زين للناس حب الشهوات) من سورة آل عمران.

(2) تفسير العياشي: ج 1، ص 141، ح 468. (*)

[626]

الله بعد موتها " فقال: إن الله بعث على بني إسرائيل نبيا يقال له ارميا فقال لهم: ما بلد تنقيته من كرائم البلدان، وغرس فيه من كرائم الغرس ونقيته من كل غريبة، فأخلف فانبت خرنوبا(1) قال: فضحكوا واستهزووا به، فشكاهم إلى الله، قال: " فأوحى الله إليه أن قل لهم: إن البلد بيت المقدس والغرس بنوا اسرائيل، تنقيته من كل غرس ونحيت عنهم كل جبار، فأخلفوا فعملوا المعاصي، فلاسلطن عليهم في بلدهم من يسفك دمائهم ويأخذ أموالهم، فإن بكوا لي لم أرحم بكائهم وإن دعوا لم أستجب دعائهم، فشلتهم وفشلت ثم لاخربنها مأة عام، ثم لاعمرنها، فلما حدثهم جزعت العلماء فقالوا: يا رسول الله ما ذنبنا نحن، ولم نكن نعمل بعملهم، فعاود لنا ربك، فصام سبعا فلم يوح إليه شئ، فأكل أكلة ثم صام سبعا فلم يوح إليه شئ فأكل أكلة ثم صام سبعا، فلما أن كان اليوم الواحد والعشرين، أوحى الله إليه لترجعن عما تصنع، أتراجعنى في أمر قضيته أو لاردن وجهك على دبرك، ثم أوحى إليه قل لهم: لانكم رأيتم المنكر فلم تنكروه، فسلط الله عليهم بخت نصر، فصنع بهم ما قد بلغك، ثم بعث بخت نصر إلى النبي فقال: إنك قد نبئت عن ربك وحدثتهم بما أصنع بهم، فإن شئت فأقم عندي وإن شئت فاخرج فقال: لا بل أخرج، فتزود عصيرا وتينا وخرج، فلما أن غاب مد البصر التفت إليها فقال: " أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله ماء_ة عام " أماته غدوة وبعثه عشية قبل أن تغيب الشمس، وكان أول شئ خلق منه عيناه في مثل غرقئ البيض(2) ثم قيل

___________________________________

(1) والخروب بالضم والتشديد: نبت معروف، والخرنوب بالنون لغة فيه، مجمع البحرين: ج 2، ص 53، في لغة (خرب).

(خرنب) قال الازهري في الرباعي: الخروب والخرنوب شجر ينبت في جبال الشام له حب كحب الينبوت، يسميه صبيان أهل العراق القثاء الشامي، وهو يابس أسود. لسان العرب: ج 1، ص 351، في لغة خرنب.

(2) والغرقئ كزبرج: القشرة الملتزقة ببياض البيض، أو البياض الذي يؤكل، ومنه حديث لسفيان الثوري حين دخل على أبي عبدالله عليه السلام فرأى عليه ثيابا كأنها غرقئ البيض، قال الفراء همزته زائدة، مجمع البحرين: ج 5، ص 222، في لغة غرق. (*)

[627]

له: " كم لبثت قال لبثت يوما " فلما نظر إلى الشمس لم تغب قال: " أو بعض يوم قال: بل لبثت ماء_ة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك و لنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما "، قال: فجعل ينظر إلى عظامه كيف يصل بعضها إلى بعض، ويرى العروق كيف تجري، فلما استوى قائما قال: " أعلم أن الله على كل شئ قدير " وفي رواية هارون فتزود عصيرا ولبنا(1).

عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله هكذا: ألم تر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له، قال: ما تبين لرسول الله إنها في السماوات قال رسول الله: أعلم أن الله على كل شئ قدير، سلم رسول الله للرب وآمن، بقول الله: فلما تبين له قال: أعلم أن الله على كل شئ قدير(2).

وما رواه الشيخ الطبرسي في احتجاجه: عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث طويل يقول فيه عليه السلام: وأمات الله ارميا النبي الذي نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاه بخت نصر، فقال: " أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله ماء_ة عام ثم أحياه " ونظر إلى أعضائه كيف يلتئم وكيف يلبس اللحم، وإلى مفاصله وعروقه توصل، فلما استوى قاعدا قال: " أعلم أن الله على كل شي قدير "(3).

وما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره: قال: حدثني أبي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لما عملت

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1، ص 140، ح 466.

(2) تفسير العياشي: ج 1، ص 141، ح 467.

(3) الاحتجاج: ج 2، ص 344، احتجاج أبي عبدالله الصادق عليه السلام في أنواع شتى من العلوم الدينية على أصناف كثيرة من أهل الملل والديانات (*)

[628]

بنوا اسرائيل المعاصي وعتوا عن أمر ربهم، أراد الله أن يسلط عليهم من يذلهم و يقتلهم، فأوحى الله إلى ارميا، يا ارميا ما بلد انتخبته من بين البلدان وغرست فيه من كرائم الشجر، فأخلف فأنبت خرنوبا، فأخبر ارميا أحبار بني اسرائيل، فقالوا له: راجع ربك ليخبرنا ما معنى هذا المثل؟ فصام ارميا سبعا، فأوحى إليه يا ارميا، أما البلد فبيت المقدس، وأما الغرس فاسرائيل وكرائم ولده، وأما ما أنبت فيها فبنوا اسرائيل الذين أسكنتهم فيها، فعملوا بالمعاصي وغيروا ديني وبدلوا نعمتي كفرا، فبي حلفت لامتحننهم بفتنة يظل الحكيم فيه حيرانا ولاسلطن عليهم شر عبادي ولادة وشرهم مطعما، وليسلطن عليهم بالجبرية، فيقتل مقاتلهم، ويسبي حريمهم و يخرب بيتهم الذي يعتزون به، ويلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مائة سنة.

وأخبر ارميا أحبار بني اسرائيل، فقالوا: راجع ربك فقل له: ما ذنب الفقراء والمساكين والضعفاء، فصام ارميا سبعا ثم أكل أكلة فلم يوح إليه شئ، ثم صام سبعا فأكل أكلة فلم يوحى إليه شئ، ثم صام سبعا فأوحى الله إليه يا ارميا لتكفن عن هذا أو لاردن وجهك إلى قفاك، قال: ثم أوحى الله إليه قل لهم لانكم رأيتم المنكر فلم تنكروه، فقال ارميا: رب أعلمني من هو حتى آتيه وآخذ لنفسي وأهل بيتى منه أمانا؟ فقال: أئت موضع كذا وكذا فانظر إلى غلام أشدهم زمنا، وأخبثهم ولادة، وأضعفهم جسما، وأشرهم غذاء فهو ذاك، فأتى ارميا ذلك البلد فإذا هو بغلام في خان زمن ملقى في مزبلة وسط الخان، وإذا له ام تزبي(1) بالكسر وتفت الكسر في قصعة وتحلب عليه لبن خنزيرة لها، ثم تدنيه من ذلك الغلام فيأكله، فقال ارميا: إن كان في الدنيا الذي وصفه الله فهو هذا، فدنا منه فقال: ما اسمك؟ فقال: بخت نصر، فعرف انه هو، فعالجه حتى برء، ثم قال: لا تعرفني؟ قال: لا أنت رجل صالح قال: أنا ارميا نبي بني اسرائيل، أخبرني الله أنه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل رجالهم، وتفعل بهم

___________________________________

(1) الزبيه: حفيرة يشتوى فيها ويختبز، وزبى اللحم وغيره: طرحه فيها.

لسان العرب: ج 14، ص 353. (*)

[629]

كذا وكذا، فتاه الغلام في نفسه في ذلك الوقت، ثم قال ارميا: اكتب لي كتابا بأمان منك، فكتب له كتابا، وكان يخرج إلى الجبل ويحتطب ويدخل المدينة، فدعا إلى حرب بني إسرائيل وكان مسكنهم في بيت المقدس، فأجابوه، وأقبل بخت نصر فيمن أجابه نحو بيت المقدس، وقد اجتمع عليه بشر كثير، فلما بلغ ارميا إقباله نحو بيت المقدس، استقبله على حمار له ومعه الامان الذي كتبه له بخت نصر، فلم يصل إليه ارميا من كثرة جنوده وأصحابه.

فصير الامان على خشبة ورفعها، فقال: من أنت؟ فقال: أنا ارميا النبي الذي بشرتك بأنك سيسلطك الله على بني اسرائيل وهذا أمانك لي، قال: أما أنت فقد أمنتك، وأما أهل بيتك فاني أرمي من ههنا إلى بيت المقدس، فإن وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا أمان لهم عندي وإن لم تصل فهم آمنون، وانتزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس فحملت الريح النشابة حتى علقتها في بيت المقدس، فقال لهم: لا أمان لهم عندي.

فلما وافى، نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة، وإذا دم يغلي وسطه كلما القي عليه التراب خرج وهو يغلي، فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا دم نبي كان لله فقتله ملوك بني إسرائيل ودمه يغلي كلما ألقينا عليه التراب خرج يغلي. فقال بخت نصر: لاقتلن بني اسرائيل أبدا حتى يسكن هذا الدم.

وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا وكان في زمانه ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل، وكان يمر بيحيى بن زكريا، فقال له يحيى: اتق الله أيها الملك لا يحل لك هذا، فقالت له امرأة من اللواتي التي كان يزني بهن حين سكر: أيها الملك اقتل يحيى، فأمر أن يؤتى برأسه فاتى برأس يحيى في طشت، وكان الرأس يكلمه ويقول: يا هذا اتق الله لا يحل لك هذا، ثم غلى الدم في الطشت حتى فاض إلى الارض فيخرج يغلي ولا يسكن.

وكان بين قتل يحيى وبين خروج بخت نصر ماء_ة سنة، فلم يزل بخت نصر يقتلهم، وكان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال والنساء والصبيان وكل حيوان والدم يغلي ولا يسكن حتى أفناهم.

ثم قال: هل بقي أحد في هذه البلاد؟ قالوا: عجوز في موضع كذا وكذا، فبعث إليها فضرب عنقها على الدم فسكن وكانت آخر من بقي.

[630]

ثم أتى بابل فبنى بها مدينة وأقام وحفر بئرا فألقى فيها دانيال وألقى معه اللبوة(1) فجعلت اللبوة يأكل طين البئر ويشرب دانيال لبنها فلبث بذلك زمانا، فأوحى الله إلى النبي الذي كان في بيت المقدس أن أذهب بهذا الطعام والشراب إلى دانيال واقرأه مني السلام، قال: وأين هو يا رب؟ قال: هو في بئر بابل في موضع كذا وكذا قال: فأتاه فاطلع في البئر فقال: يا دانيال قال: لبيك صوت غريب؟ قال: إن ربك يقرئك السلام وقد بعث إليك بالطعام والشراب، فدلاه إليه قال: فقال دانيال: الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه، الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره، الحمد لله الذي يجزي بالاحسان إحسانا، الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة، الحمد لله الذي يكشف ضرنا (حزننا) عند كربتنا، الحمد لله الذي هو ثقتنا حين تنقطع الحيل، الحمد لله الذي هو رجاؤنا حين ساء ظننا بأعمالنا.

قال: فاؤري بخت نصر في نومه كأن رأسه من حديد ورجليه من نحاس وصدره من ذهب، قال: فدعى المنجمين فقال لهم: ما رأيت؟ قالوا: ما ندري ولكن قص علينا ما رأيت، فقال: أنا أجري عليكم الارزاق منذ كذا وكذا ولا تدرون ما رأيت في المنام، فأمر بهم فقتلوا، قال: فقال له بعض من كان عنده، إن كان عند أحد شئ فعند صاحب الجب فإن اللبوة لم تعرض له وهي تأكل الطين وترضعه، فبعث إلى دانيال فقال: ما رأيت في المنام؟ قال: رأيت كان رأسك من حديد ورجليك من نحاس وصدرك من ذهب، قال: هكذا رأيت، فما ذاك؟ قال: قد ذهب ملكك، وانت مقتول إلى ثلاثة أيام، يقتلك رجل من ولد فارس، قال: فقال له: إن علي سبع مدائن على باب كل مدينة حرس، وما رضيت بذلك حتى وضعت بطة من نحاس على باب كل مدينة، لا يدخل غريب الا صاحت

___________________________________

(1) واللبوة بضم الباء: الانثى من الاسود والهاء فيها لتأكيد التانيث كما في ناقة، لانها ليس لها مذكر حتى يكون الهاء فارقة وسكون الباء مع الهمزة وإبدالها واوا لغتان فيها (مجمع البحرين: ج 1، ص 371، في لغة لبا). (*)

[631]

عليه حتى يؤخذ، قال: فقال له: إن الامر كما قلت لك، قال: فبث الخيل وقال: لا تلقون أحدا من الخلق إلا قتلتموه كائنا من كان، وكان دانيال جالسا عنده وقال: لا تفارقني هذه الثلاثة أيام، فإن مضت قتلتك، فلما كان اليوم الثالث ممسيا أخذه الغم فخرج فتلقاه غلام كان يخدم ابنا له من أهل فارس وهو لا يعلم أنه من أهل فارس فدفع إليه سيفه وقال له: يا غلام لا تلقي أحدا من الخلق إلا وقتلته وإن لقيتني أنا فاقتلني، فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله.

فخرج ارميا على حماره ومعه تين قد تزوده وشئ من عصير، فنظر إلى سباع البر وسباع البحر وسباع الجو تأكل تلك الجيف، ففكر في نفسه ساعة، ثم قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها وقد أكلتهم السباع فأماته الله مكانه، وهو قول الله تبارك وتعالى: " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله ماء_ة عام ثم بعثه " أي أحياه.

فلما رحم الله بني إسرائيل وأهلك بخت نصر رد بني اسرائيل إلى الدنيا، وكان عزير لما سلط الله بخت نصر على بني اسرائيل هرب ودخل في عين وغاب فيها، وبقي ارميا ميتا ماء_ة سنة ثم أحياه الله تعالى، فأول ما أحيا منه عينيه في مثل غرقئ البيض، فنظر فأوحى الله تعالى إليه: " كم لبثت قال لبثت يوما " ثم نظر إلى الشمس وقد ارتفعت فقال: " أو بعض يوم " فقال الله تعالى: " بل لبثت ماء_ة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه " - أي لم يتغير - وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما " فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفطرة تجمع إليه وإلى اللحم الذي قد أكلته السباع يتألف إلى العظام من ها هنا وها هنا ويلتزق بها حتى قام وقام حماره فقال: " اعلم أن الله على كل شئ قدير "(1).

فقد ظهر لك من تلك الاخبار: أن تلك الحكاية وقعت بالنظر إلى عزير وارميا كليهما، ويمكن أن يكون قوله: " أو كالذي مر على قرية " إشارة إلى كليهما علي

___________________________________

(1) تفسير علي بن ابراهيم: ج 1، في تفسيره للآية الشريفة من ص 86 إلى ص 91. (*)

[632]

سبيل البدل، والقرية بيت المقدس حين خربه بخت نصر. وقيل: القرية التي منها الالوف.

وقيل: غيرهما، واشتقاقها من القرى وهو الجمع.

وهى خاوية على عروشها: خالية ساقطة حيطانها على سقوفها.

قال أنى يحى هذه الله بعد موتها: اعتراف بالقصور عن معرفة طريق الاحياء، واستعظام لقدرة المحيي و " انى " في موضع نصب على الظرف بمعنى متى، أو على الحال بمعنى كيف. فأماته الله مائة عام: فألبثه ميتا ماء_ة عام. ثم بعثه: بالاحياء. قال أي الله، وقيل: ملك، أو نبي آخر.

كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم: قال قبل النظر إلى الشمس يوما، ثم التفت فرأى بقية منها فقال أو بعض يوم على سبيل الاضراب.

قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه: لم يتغير بمرور الزمان.

واشتقاقه من السنة والهاء أصلية إن قدر لام السنة هاء، وهاء سكت إن قدرت واوا.

وقيل: أصله لم يتسنن، من الحمأ المسنون، فابدلت النون الثالثة حرف علة كتقضى البازي(1).

وإنما أفرد الضمير؟ لان الطعام والشراب كالجنس الواحد.

وقد سبق في الخبر إن طعامه كان تينا وشرابه عصيرا ولبنا، وكان الكل على حاله.

وقرأ حمزة والكسائي (لم يتسن) بغير الهاء في الوصل(2).

وانظر إلى حمارك: كيف تفرقت عظامه، أو انظر إليه سالما في مكانه كما ربطته.

___________________________________

(1) في هامش بعض النسخ التي عندنا ما لفظه (التقضض نزول الطير من الجو، وأصله التقضض ابدلت الضاد الاخيرة ياء) وفي الهامش أيضا (فلما اجتمعت ثلاث نونات قلبت الاخيرة ياء_ا ثم ابدلت الياء بالهاء).

(2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 136. (*)

[633]

[ وإذ قال إبرهم رب أرنى كيف تحى الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء_ا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم(260) ]

ولنجعلك ء_اية للناس: أي وفعلنا ذلك لنجعلك آية.

وانظر إلى العظام: يعني عظام الحمار، أو عظام الموتى التي تعجبت من احيائها، أو عظامه.

كيف ننشزها: كيف يجنيها، او نرفع بعضها إلى بعض، و (كيف) منصوب ب_(ننشزها) والجملة حال من العظام، أي انظر اليها محياة.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبوعمرو ويعقوب ننشرها من أنشر الله الموتى، وقرئ ننشرها من نشرهم، بمعنى أنشرهم(1).

ثم نكسوها لحما فلما تبين له: فاعل تبين مضمر، يفسره ما بعده و تقديره فلما تبين له إن الله على كل شي قدير.

قال أعلم أن الله على كل شئ قدير: فحذف الاول لدلالة الثاني عليه، أو ما قبله، أي فلما تبين له ما أشكل عليه.

وقرأ حمزة والكسائي قال: إعلم، على الار، والامر مخاطبه، أو هو نفسه خاطبها به على طريقة التبكيت(2).

وإذ قال إبرهم رب أرني كيف تحى الموتى: قيل: إنما سأل ذلك؟ ليصير علمه عيانا.

وقيل: لما قال نمرود: أنا احيي واميت، قال له: إن إحياء الله تعالى برد الروح إلى بدنها، فقال نمرود: هل عاينته؟ فلم يقدر أن يقول نعم، وانتقل إلى تقدير آخر ثم

___________________________________

(1 و 2) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 136. (*)

[634]

سأل ربه أن يريه ليطمئن قلبه على الجواب إن سأل عنه مرة اخرى.

قال أولم تؤمن: باني قادر على الاحياء، قال ذلك له وقد علم أنه آمن، ليجيب بما أجاب به فيعلم السامعون غرضه.

قال بلى ولكن ليطمئن قلبى: أي بلى آمنت ولكن سألته لازيد بصيرة بمضامة العيان إلى الوحي.

وفي محاسن البرقي: عنه، عن محمد بن عبدالحميد، عن صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول الله لابراهيم " أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " أكان في قلبه شك؟ قال: لا كان على يقين ولكنه أراد من الله الزيادة في يقينه(1).

وفي تفسير العياشي: عن علي بن أسباط، أن أبا الحسن الرضا عليه السلام سئل عن قول الله عزوجل: " قال ولكن ليطمئن قلبي " أكان في قلبه شك؟ قال: لا ولكن أراد الزيادة في يقينه، قال: والجزء واحدة من عشرة(2).

وفي روضة الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والارض إلتفت فرأى جيفة على ساحل البحر نصفها في الماء ونصفها في البر، تجيئ سباع البحر فتأكل ما في الماء، ثم ترجع فيشد بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا، وتجئ سباع البر فتأكل منها، فيشد بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا، فعند ذلك تعجب إبراهيم مما رأى فقال: " رب أرني كيف تحي الموتى " قال: كيف تخرج ما تناسل الذي أكل بعضها بعضا " قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " يعني أرى هذا كما رأيت الاشياء كلها، ف_" قال خذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل

___________________________________

(1) المحاسن: ص 247، كتاب مصابيح الظلم من المحاسن باب 29 باب اليقين والصبر في الدين، ح 249.

(2) تفسير العياشي: ج 1، ص 143، ح 472. (*)

[635]

على كل جبل منهن جزأ " فقطعهن واخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع التي أكل بعضها بعضا، فخلط " ثم اجعل على كل جبل منهن جزأ ثم ادعهن يأتينك سعيا " فلما دعاهن أجبنه، وكانت الجبال عشرة(1).

قال فخذ أربعة من الطير: نسرا، وبطا، وطاووسا، وديكا.

وروي: الطاووس، والحمامة، والديك، والهدهد(2).

وروي: الديك، والحمامة، والطاووس، والغراب(3). وخص الطير لانه أقرب إلى الانسان، وأجمع لخواص الحيوان. والطير مصدر سمي به، أو جمع كصحب. فصرهن إليك: واضممهن إليك، لتتأملها وتتعرف شأنها، لئلا يلتبس عليك بعد الاحياء. وقرأ حمزة ويعقوب فصرهن بالكسر، وهما لغتان، وقرئ فصرهن بضم الصاد وكسرها، مشددة الراء من صره يصره إذا جمعه وحضرهن من التصرية، وهي الجمع أيضا(4).

ثم اجعل على كل جبل منهن جزء_ا: وقرأ أبوبكر جزء بضم الزاي حيث وقع(5) أي ثم جزهن وفرق باجزائهن على الجبال التي بحضرتك. ثم ادعهن: بأسمائهن. يأتينك سعيا: مسرعات طيرانا. واعلم أن الله عزيز: لا يعجز عما يريد. حكيم: ذو حكمة بالغة في كل ما يفعله ويذره.

وفي عيون الاخبار: حدثنا تميم بن عبدالله بن تميم القرشي، رضي الله عنه

___________________________________

(1) روضة الكافي: ص 305، قطعة من حديث 473.

(2) الخصال: ص 265، قطعة من حديث 146.

(3) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 373، في تفسيره لآية 260 من سورة البقرة قال وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام ورواه السيوطي في الدر المنثور: عن مجاهد في تفسيره للآية الشريفة ج 1، ص 335.

(4 و 5) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 137. (*)

[636]

قال: حدثني أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمد الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليه السلام فقال له: يابن رسول الله أليس من قولك أن الانبياء معصومون؟ قال: بلى، قال: فما معنى قول الله عزوجل " وعصى آدم ربه " إلى أن قال: فأخبرني عن قول إبراهيم: " رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " قال الرضا عليه السلام: إن الله تعالى كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام: إني متخذ من عبادي خليلا إن سألني إحياء الموتى أجبته، فوقع في نفس إبراهيم عليه السلام أنه ذلك الخليل فقال: " رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " على الخلة؟ قال: " فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزأ ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم " فأخذ إبراهيم نسرا وبطا وطاووسا وديكا فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله، وكانت عشرة، منهن جزء_ا، وجعل مناقيرهن بين أصابعه ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبا وماء فتطايرت تلك الاجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الابدان وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه فخلى إبراهيم عن مناقيرهن فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب وقلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله، فقال إبراهيم: بل الله يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير قال المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن(1).

وفيه في باب استسقاء المأمون بالرضا عليه السلام بعد جري كلام بين الرضا و بين بعض أهل النصب من حجاب فغضب الحاجب عند ذلك فقال: يابن موسى لقد عدوت طورك وتجاوزت قدرك أن بعث الله تعالى بمطر يقدر وقته لا يتقدم ولا يتأخر جعلته آية تستطيل بها، وصولة تصول بها كأنك جئت بمثل آية الخليل إبراهيم عليه السلام لما أخذ رأس الطير بيده ودعا أعضاء_ها التي كان فرقها على الجبال فأتينه سعيا وتركبن على الرؤوس فخفقن وطرن بإذن الله عزوجل، فإن كنت

___________________________________

(1) عيون أخبار الرضا: ج 1، ص 198، باب 15 ذكر مجلس آخر للرضا عليه السلام عند المأمون في عصمة الانبياء عليهم السلام، قطعة من حديث 1. (*)

[637]

صادقا فيما توهم فاحي هذين وسلطهما علي، فإن ذلك يكون حينئذ آية معجزة، فأما ماء المطر المعتاد فلست أنت أحق بأن يكون جاء بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوت.

وكان الحاجب أشار إلى اسدين مصورين على مسند المأمون الذي كان مستندا إليه وكانا متقابلين على المسند، فغضب علي بن موسى الرضا عليه السلام وصاح بالصورتين دونكما الفاجر، فافترساه ولا تبقيا له عينا ولا أثرا، فوثبت الصورتان وقد عادت أسدين فتناولا الحاجب ورضاه وهشماه وأكلاه ولحسا دمه والقوم ينظرون متحيرين مما يبصرون، فلما فرغا أقبلا على الرضا عليه السلام وقالا له: يا ولي الله في أرضه ماذا تأمرنا أن نفعل بهذا، نفعل به فعلنا هذا، يشيران إلى المأمون، فغشي على المأمون مما سمع منهما، فقال الرضا عليه السلام: قفا، فوقفا، ثم قال الرضا عليه السلام: صبوا عليه ماء ورد وطيبوه، ففعل ذلك به، وعاد الاسدان يقولان: أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي أفنيناه؟ قال: فإن لله عزوجل فيه تدبيرا ممضيه، فقالا: ماذا تأمرنا؟ فقال: عودا إلى مقركما كما كنتما، فعادا إلى المسند وصارا صورتين كما كانتا، فقال المأمون: الحمد لله الذي كفاني شر حميد بن مهران، يعني الرجل المفترس، ثم قال للرضا عليه السلام: يابن رسول الله هذا الامر لجدكم رسول الله صلى الله عليه وآله ثم لكم ولو شئت لنزلت عنه لك، فقال الرضا عليه السلام: لو شئت لما ناظرتك ولم أسألك، فإن الله عزوجل قد أعطاني من طاعة ساير خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين، إلا جهال بني آدم، فإنهم وإن خسروا حظوظهم فلله عزوجل فيه تدبير، وقال: أمرني بترك الاعتراض عليك؟ وإظهار ما أظهر من العمل من تحت يدك كما أمر يوسف بالعمل من تحت يد فرعون، قال: فما زال المأمون ضئيلا إلى أن قضى في علي بن موسى الرضا ما قضى(1).

وفي كتاب الخصال: عن أبي عبدالله عليه السلام، في قول الله تعالى: " فخذ

___________________________________

(1) عيون اخبار الرضا: ج 2، ص 171، باب 41، استسقاء المأمون بالرضا عليه السلام وما أراه الله عزوجل من القدرة في الاستجابة له، وفي إهلاك من أنكر دلالته في ذلك، قطعة من حديث 1. (*)

[638]

أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء_ا الآية " قال: أخذ الهدهد والصرد والطاووس والغراب فذبحهن وعزل رؤوسهن ثم نحز أبدانهن في المنحاز(1) بريشهن ولحمومهن وعظامهن حتى اختطلت ثم جزأهن عشرة أجزاء على عشرة أجبل ثم وضع عنده حبا وماء، ثم جعل مناقيرهن بين أصابعه، ثم قال: اتين سعيا بإذن الله، فتطاير بعضها إلى بعض اللحوم والريش والعظام حتى استوت الابدان كما كانت وعاد كل بدن حتى التزق برقبته التي فيها رأسه والمنقار، فخلى إبراهيم عن مناقيرهن فوقعن فشربن من ذلك الماء ولتقطن من ذلك الحب ثم قلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله، فقال إبراهيم: بل الله يحيي ويميت، فهذا تفسير الظاهر.

قال عليه السلام: وتفسيره في الباطن، خذ أربعة ممن يحتمل الكلام فاستودعهن علمك، ثم ابعثهن في أطراف الارض حججا على الناس، وإذا أردت أن يأتوك دعوتهم بالاسم الاكبر يأتوك سعيا بإذن الله تعالى(2).

وفي هذا الكتاب: وروي أن الطيور التي أمر بأخذها، الطاوس والنسر والديك والبط(3).

وفي تفسير العياشي: عن عبدالصمد قال: جمع لابي جعفر المنصور القضاة، فقال لهم: أوصى رجل بجزء من ماله، فكم الجزء؟ فلم يعلموا كم الجزء وشكوا فيه، فأبرد بريدا إلى صاحب المدينة أن يسأل جعفر بن محمد عليهما السلام رجل أوصى بجزء من ماله فكم الجزء؟ فقد أشكل ذلك على القضاة فلم يعلموا كم الجزء، فأن هو أخبرك به، وإلا فاحمله على البريد ووجهه إلي، فأتى صاحب

___________________________________

(1) النحز: الدق، والمنحاز: الهاون. لسان العرب: ج 5، ص 414.

(2) الخصال: ص 264، قول الله عزوجل لابراهيم: " فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك " ح 146.

(3) الخصال: ص 64، قول الله عزوجل لابراهيم: " فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك " ح 146. (*)

[639]

المدينة أبا عبدالله عليه السلام فقال له: إن أبا جعفر بعث إلي أن أسألك عن رجل أوصى بجزء من ماله، وسأل من قبله من القضاة فلم يخبروه ما هو، وقد كتب إلي إن فسرت ذلك له، وإلا حملتك على البريد إليه؟ فقال أبو عبدالله عليه السلام: هذا في كتاب الله بين، إن الله يقول: مما قال إبراهيم " رب أرني كيف تحيي الموتى " إلى قوله: " على كل جبل منهن جزء_ا " كانت الطير أربعة والجبال عشرة، يخرج الرجل من عشرة أجزاء جزء واحدا، وإن إبراهيم دعا بمهراس(1) فدق فيه الطير جميعا، وحبس الرؤوس عنده، ثم أنه دعا بالذي أمر به فجعل ينظر إلى الريش كيف يخرج، والى العروق عرقا عرقا حتى تم جناحه مستويا، فأهوى نحو إبراهيم، فقال إبراهيم: ببعض الرؤوس فاستقبله به فلم يكن الرأس الذي استقبله لذلك البدن حتى انتقل إليه غيره فكان موافقا للرأس، فتمت العدة وتمت الابدان(2).

وفي الخرائج والجرائح: وروي عن يونس بن ظبيان قال: كنت عند الصادق عليه السلام مع جماعة فقلت: قول الله لابراهيم: " خذ أربعة من الطير فصرهن إليك " أكانت أربعة من أجناس مختلفة أو من جنس واحد؟ قال: أتحبون أن اريكم مثله؟ قلنا: بلى، قال: يا طاووس، فإذا طاووس طار إلى حضرته، ثم قال: يا غراب، فإذا غراب بين يديه، ثم قال: يا بازي، فإذا بازي بين يديه، ثم قال: يا حمامة فإذا حمامة بين يديه، ثم أمر بذبحها كلها وتقطيعها ونتف ريشها، وأن يخلط ذلك كله بعضه ببعض، ثم أخذ رأس الطاووس فقال: يا طاووس فرأيت لحمه و عظامه وريشه تتميز عن غيرها حتى التصق ذلك كله برأسه وقام الطاووس بين يديه حيا ثم صاح بالغراب كذلك وبالبازى والحمامة كذلك فقامت كلها أحياء بين يديه(3).

___________________________________

(1) المهراس: بكسر الميم حجر مستطيل ينقر ويدق فيه، وقد استعير للخشبة التي يدق فيها الحب فقيل لها المهراس من الحجر (المصباح المنير: ص 876).

(2) تفسير العياشي: ج 1، ص 143، ح 473.

(3) الخرايج والجرائح: ص 35، الباب السابع في معجزات الامام جعفر الصادق صلوات الله عليه. (*)

[640]

[ مثل الذين ينفقون أمولهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضعف لمن يشاء والله وسع عليم(261) الذين ينفقون أمولهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون(262) * قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غنى حليم(263) ]

مثل الذين ينفقون أمولهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة: على تقدير مضاف، أي مثل نفقتهم كمثل حبة، أو مثلهم كمثل باذر حبة.

وإسناد الانبات إلى الحبة مجاز، والمعنى أنه يخرج منها ساق ينشعب منها سبع شعب، لكل منها سنبلة فيها ماء_ة حبة.

وهو تمثيل لا يقتضي وقوعه، وقد يكون في الذرة والدخن وفي البر وفي الاراضي المغلة(1).

___________________________________

(1) قد تصدى أكثر أرباب التفاسير في تفاسيرهم عند وصولهم إلى هذه الآية في هذا التسائل بأنه ما معنى هذا المثل مع العلم بعدم وجوده في الخارج وأجابوا عنه بأجوبة وجيهة أو غير وجيهة ونحن نذكر بعضها على سبيل الاجمال ونذر النظر والحكم إلى القاري الكريم.

مجمع البيان: ومتى قيل: هل رأى في سنبلة ماء_ة حبة حتى يضرب المثل بها، فجوابه أن ذلك متصور و إن لم ير، إلى أن قال: وايضا فقد رأى ذلك في الجاورس ونحوه.

الكشاف: فإن قلت: كيف صح هذا التمثيل والممثل به غير موجود؟ قلت: بل هو موجود في الدخن والذرة وغيرهما، وربما فرخت ساق البرة في الاراضي القوية المقلة فيبلغ حبها هذا المبلغ، ولو لم يوجد لكان صحيحا على سبيل الفرض والتقدير أنوار التنزيل وأسرار التأويل: وهو تمثيل لا يقتضي وقوعه، وقد يكون في الذرة والدخن وفي البر في الاراضي المغلة.

التفسير الكبير: للفخر الرازي: فإن قيل: فهل رأيت سنبلة فيها ماء_ة حبة حتى يضرب المثل بها؟ قلنا: الجواب عنه من وجوه.

الاول: ان المقصود من الآية انه لو علم انسان يطلب الزيادة والربح أنه إذا بذر حبة واحدة أخرجت له سبعماء_ة حبة، ما كان ينبغي له ترك ذلك ولا التقصير فيه، فكذلك ينبغي لمن طلب الاجر في الآخرة عند الله أن لا يتركه إذا علم أنه يحصل له على الواحدة عشرة، وماء_ة، وسبعماء_ة.

وإذا كان هذا المعنى معقولا سواء وجد في الدنيا سنبلة بهذه الصفة أولم يوجد كان المعنى حاصلا مستقيما، وهذا قول القفال ره وهو حسن جدا.

[641]

 

والجواب الثاني: إنه شوهد ذلك في سنبلة الجاورس، وهذا الجواب في غاية الركاكة.

جامع البيان للطبري: فان قال قائل: وهل رأيت سنبلة فيها ماء_ة حبة؟ أو بلغتك؟ فضرب بها مثل المنفق في سبيل الله ماله.

قيل: إن يكن ذلك موجودا فهو ذاك، وإلا فجائز أن يكون معناه كمثل سنبلة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة ماء_ة حبة أن جعل الله ذلك فيها.

ويحتمل أن يكون معناه في كل سنبلة مائة حبة، يعني أنها إذا هي بذرت أنبتت مائة حبة، فيكون ما حدث عن البذر الذي كان منها من الماء_ة حبة مضافا إليها، لانه كان عينها، وقد تأول ذلك على هذا الوجه بعض أهل التأويل.

التبيان للطوسي: فإن قيل: هل رأى في سنبلة مائة حبة حتى يضرب المثل بها؟ قيل: عنه ثلاثة أجوبة أولها: أن ذلك متصور فشبه لذلك وإن لم ير، كما قال إمرء القيس: * ومسنونة زرق كانياب اغوال * وقال تعالى: " طلعها كانه رؤوس الشياطين " الثاني: إنه قد رأى ذلك في سنبل الدخن.

الثالث: إن السنبلة تنبت مائة حبة، فقيل فيها على ذلك المعنى، كما يقال: في هذه الحبة حب كثير، والاول هو الوجه.

الجامع لاحكام القرآن للقرطبي: ثم قيل: المراد سنبل الدخن فهو الذي يكون في السنبلة منه هذا العدد قلت: هذا ليس بشئ، فإن سنبل الدخن يجئ في السنبلة منه أكثر من هذا العدد بضعفين وأكثر على ما شاهدناه قال ابن عطية: وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة، فأما في ساير الحبوب فأكثر، ولكن المثال وقع بهذا القدر، ثم أورد ما نقلناه عن الطبري آنفا.

تفسير أبي السعود: يشاهد ذلك في الذرة والدخن في الاراضي المغلة، بل أكثر من ذلك.

روح البيان للشيخ اسماعيل حقي: كما يشاهد ذلك في الذرة والدخن في الاراضي المغلة، بل أكثر من ذلك.

الميزان للعلامة الطباطبائي المعاصر: ومن أسخف الاشكال ما اورد على الآية. إنه تمثيل بما لا تحقق له في الخارج، وهو اشتمال السنبلة على مائة حبة. وفيه أن المثل كما عرفت لا يشترط فيه تحقق مضمونه في الخارج، فالامثال التخيلية أكثر من ان تعد وتحصى، على أن اشتمال السنبلة على مائة حبة وإنبات الحبة الواحدة سبعمائة حبة ليس بعزيز الوجود هذا ما تيسر عاجلا من أقوال المفسرين في ذلك، والله الهادي إلى الصواب.

[642]

والله يضعف: تلك المضاعفة.

لمن يشاء: بفضله، وعلى حسب حال المنفق من إخلاصه وتعبه.

وفي تفسير علي بن إبراهيم، وقال أبو عبدالله عليه السلام: والله يضاعف لمن يشاء لمن أنفق ماله إبتغاء مرضات الله(1).

وفي كتاب ثواب الاعمال: عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إذا أحسن العبد المؤمن ضاعف الله له عمله بكل حسنة سبعمائة ضعف، وذلك قول الله تعالى: " والله يضاعف لمن يشاء "(2).

والله وسع: لا يضيق عليه ما يتفضل به.

عليم: بنية المنفق وإخلاصه.

وفي تفسير العياشي: عن المفضل بن محمد الجعفي، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله: " حبة أنبتت سبع سنابل " قال: الحبة فاطمة صلى الله عليها، والسبعة السنابل، سبعة من ولدها سابعها قائمهم، قلت: الحسن؟ قال: إن الحسن إمام من الله مفترض طاعته، ولكن ليس من السنابل السبعة أولهم الحسين وآخرهم القائم عليهم السلام فقلت: قوله: في كل سنبلة مائة حبة، قال: يولد الرجل منهم في الكوفة ماء_ة من صلبه وليس ذلك إلا هؤلاء السبعة(3).

الذين ينفقون أمولهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون: المن أن يعتد بإحسانه

___________________________________

(1) تفسير علي بن ابراهيم: ج 1، ص 92.

(2) ثواب الاعمال: ص 168، ثواب الاحسان.

(3) تفسير العياشي: ج 1، ص 147، ح 480. (*)

[643]

على من أحسن إليه، والاذي أن يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه، و " ثم " للتفاوت بين الانفاق وترك المن والاذى، ولعلة لم يدخل الفاء عليه.

وقد تضمن ما اسند إليه معنى الشرط، إيهاما بأنهم أهل لذلك وإن لم يفعلوا، فكيف بهم إذا فعلوا.

وفي كتاب الخصال: عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله كره لكم أيتها الامة أربعا وعشرين خصلة ونهاكم عنها، إلى قوله: وكره المن في الصدقة(1).

عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ثلاثة لا يكلمهم الله، المنان الذي لا يعطي شيئا إلا بمنة، والمسبل إزاره(2) والمنفق سلعته بالحلف الفاجر(3).

عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تعالى كره لي ست خصال وكرهتهن للاوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي، العبث في الصلاة، والرفث في الصوم، والمن بعد الصدقة الحديث(4). قول معروف: رد جميل.

ومغفرة: تجاوز عن السائل الحاجة، أو نيل مغفرة من الله بالرد الجميل، أو عفو عن السائل بأن يعذره ويغتفر رده.

خير من صدقة يتبعها أذى: خبر عنهما، والابتداء بالنكرة المخصصة بالصفة.

والله غنى: عن الانفاق بمن وأذى.

___________________________________

(1) كتاب الخصال: ص 520، ابواب العشرين وما فوقه، النهي عن أربع وعشرين خصلة قطعة من حديث 9.

(2) قد تكرر ذكر الاسبال في الحديث كما ورد فيه ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة المسبل إزاره، هو الذي يطول ثوبه ويرسله إلى الارض إذا مشى، وإنما يفعل ذلك كبرا واختيالا النهاية لابن الاثير: ج 2، ص 339، لغة (سبل).

(3) الخصال: ص 184، ثلاثة لا يكلمهم الله عزوجل، ح 253.

(4) من لا يحضره الفقيه: ج 2، في فضل الصدقة ص 41، ح 34، وتمام الحديث (وإتيان المساجد جنبا والتطلع في الدور والضحك بين القبور). (*)

[644]

[ يأيها الذين ء_امنوا لا تبطلوا صدقتكم بالمن والاذى كالذى ينفق ماله رئاء الناس ولا - يؤمن - بالله - واليوم الاخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب - فأصابه - وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدى القوم الكفرين(264) ]

حليم: عن معاجلة من يمن ويؤذي.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا سأل السائل فلا تقطعوا عليه مسألته حتى يفرغ منه، ثم ردوا عليه بوقار، ولين، إما بذل يسير أو رد جميل، فإنه قد يأتيكم من ليس بإنس ولا جان ينظر كيف صنيعكم فيما خولكم الله تعالى، رواه في مجمع البيان(1).

يأيها الذين ء_امنوا لا تبطلوا صدقتكم بالمن والاذى: لا تبطلوا أجرها بكل واحد منهما.

وفي مجمع البيان: روي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أسدى إلى مؤمن معروفا، ثم آذاه بالكلام أو من عليه فقد أبطل الله صدقته(2).

وفي تفسير العياشي: عن المفضل بن صالح، عن بعض أصحابه، عن جعفر بن محمد وأبي جعفر عليهما السلام في قول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى " إلى آخر الآية قال: نزلت في عثمان وجرت في معاوية و

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 375، في بيان المعنى لآية 263 من سورة البقرة.

(2) مجمع البيان: ج 1 - 2 - ص 377، في بيان المعنى لآية 264 من سورة البقرة. (*)

[645]

أتباعهما(1).

وعن أبي عبدالله عليه السلام في قوله (يا ايها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) لمحمد وآل محمد عليه الصلاة والسلام هذا تاويل قال: نزلت في عثمان(2).

كالذى ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الاخر: كإبطال المنافق الذي يرائي بإنفاقه ولا يريد به رضا الله ولا ثواب الآخرة، أو مماثلين الذي ينفق رئاء، فالكاف في محل النصب على المصدر، أو الحال، و (رئاء) نصب على المفعول له أو الحال بمعنى مرائيا، أو المصدر أي إنفاق رئاء.

وفي تفسير العياشي: عن أبي عبدالله عليه السلام أنه فلان وفلان وفلان ومعاوية وأشياعهم(3).

فمثله كمثل صفوان: كمثل حجر أملس.

عليه تراب فأصابه وابل: مطر عظيم القطر.

فتركه صلدا: أملس نقيا من التراب.

لا يقدرون على شئ مما كسبوا: لا ينتفعون بما فعلوا رئاء، ولا يجدون ثوابه والضمير للذي ينفق باعتبار المعنى، كقوله: * وإن الذي حانت بفلج دمائهم(4).

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1، ص 147، ح 482.

(2) تفسير العياشي: ج 1، ص 147، ح 483.

(3) تفسير العياشي: ج 1، ص 148، ح 484.

(4) استشهد به في تفسير التبيان: ج 1، ص 208، وقال في معجم البلدان ج 4، ص 272، في لغة (فلج) ما لفظه (فلج بفتح اوله وسكون ثانيه وآخره جيم إلى أن قال: قال أبومنصور: فلج اسم بلد، ومنه قيل لطريق تأخذ من طريق البصرة إلى اليمامة: طريق بطن فلج، وأنشد للاشهب:

وان الذي حانت بفلج دمائهم *** هم القوم كل القوم يا ام خالد هم ساعد

الدهر الذي يتقى به *** وما خير كف لا تنوء بساعد

وقال غيره فلج: واد بين البصرة وحمى ضرية من منازل عدي بن جندب إلى آخره.

وفي لسان العرب: ج 2، ص 349، في لغة (فلج) بعد نقل الاقوال فيه، قال: قال الاشهب بن رميلة: وإن الذي حانت بفلج إلى آخره ثم قال: قال ابن بري: النحويون يستشهدون بهذا البيت على حذف النون من الذين لضرورة الشعر.

وفي جامع الشواهد: ص 302، باب الواو بعده الالف، قال: هو من قصيدة للاشهب بن رميلة النهشلي، وقوله حانت بالحاء المهملة والنون وتاء التأنيث ماض بمعنى هلكت، والمراد منه هنا أنه ذهبت هدرا لم يثار به، وفلج كفلس بالفاء والجيم موضع بين مكة والبصرة، وقوله: هم القوم كل القوم، أي هم الكاملون في الرجولية، والمشهورون فيها، وام خالد إسم إمرة.

[646]

[ ومثل الذين ينفقون أمولهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فاتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير(265) أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الانهر له فيها من كل الثمرت وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الايت لعلكم تتفكرون(266) ]

والله لا يهدى القوم الكفرين: إلى الخير والرشاد.

وفي الآية بناء على ما سبق من الخبر تصريح بكفر فلان وفلان وأشياعهم.

ومثل الذين ينفقون أمولهم ابتغاء مرضات الله: في تفسير العياشي: عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله " قال: علي أمير المؤمنين أفضلهم، وهو ممن ينفق ماله ابتغاء مرضات الله(1).

وتثبيتا من أنفسهم: وتثبيتا بعض أنفسهم على الايمان، فان المال شقيق

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1، ص 148، ح 486. (*)

[647]

الروح، فمن بذل ماله لوجه الله ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه ثبتها كلها، أو تصديقا للاسلام، وتحقيقا للجزاء مبتداء من أصل أنفسهم، أو تثبيتا من أنفسهم عن المن والاذى، كما رواه العياشي عن أبي جعفر عليه السلام وقال: انزلت في علي عليه السلام(1).

كمثل جنة بربوة: أي ومثل نفقة هؤلاء في الزكاة كمثل بستان بموضع مرتفع، فإن شجره يكون أحسن منظرا وأزكى ثمرا. وقرأ ابن عامر وعاصم (بربوة) بالفتح، وقرئ بالكسر، وثلاثتها لغات فيها(2).

أصابها وابل: مطر عظيم القطر.

فاتت أكلها: ثمرتها، وقرئ بالسكون للتخفيف.

ضعفين: نصب على الحال، أي مضاعفا، والضعف المثل، أي مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل.

وقيل: أربعة أمثاله.

وقيل: مثل الذي كان تثمر، كما اريد بالزوج الواحد في قوله: " من كل زوجين اثنين "(3).

فإن لم يصبها وابل: أي فيصيبها طل، أو فالذي يصيبها.

فطل: أو فطل يكفيها، لكرم منبتها وبرودة هوائها، لارتفاع مكانها.

و " الطل " ما يقع بالليل على الشجر والنبات، والمعنى: إن نفقات هؤلاء زاكية عند الله لا تضيع بحال وإن كانت تتفاوت باعتبار ما ينضم إليها من أحواله.

والله بما تعملون بصير: تحذير عن الريا، وترغيب في الاخلاص.

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1، ص 148، ح 485.

(2) قال في تحبير التسير في قراء_ات الائمة العشرة، للمحقق الجزري ص 95، ما لفظه: " عاصم وابن عامر بربوة هنا وفي المؤمنين بفتح الراء والباقون بضمها انتهى " ولم يتعرض للغات الثلاث فيها، وفي مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 377، في الشواذ عن ابن عباس بكسر الراء.

(3) سورة المؤمنون: الآية 27. (*)

[648]

أيود أحدكم: الهمزة للانكار.

أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الانهر له فيها من كل الثمرت: جعل الجنة منهما مع ما فيها من ساير الاشجار، تغليبا لهما، لشرفهما وكثرة منافعهما، ثم ذكر إن فيها من كل الثمرات، ليدل على احتوائها على ساير أنواع الاشجار.

قيل: ويجوز أن يكون المراد بالثمرات المنافع.

وأصابه الكبر: أي كبر السن، فان الفاقة في الشيخوخة أصعب.

والواو للحال، أو العطف حملا على المعنى، فكأنه قيل: يود أحدكم أن لو كانت له جنة وأصابه الكبر.

وله ذرية ضعفاء: لا قدرة لهم على الكسب.

فأصابها إعصار: في تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام: إعصار فيه نار قال: ريح(1). فيه نار: صفة إعصار.

فاحترقت: عطف على أصابه، أو تكون باعتبار المعنى.

وفي تفسير العياشي: عن أبي عبدالله عليه السلام قال: الاعصار الرياح فمن امتن على من تصدق عليه كان كمن كانت له جنة كثيرة الثمار، وهو شيخ ضعيف له أولاد ضعفاء فتجيئ نار فتحرق ماله كله(2).

كذلك: أي مثل هذا التبيين.

يبين الله لكم الايت لعلكم تتفكرون: فيها فتعتبرون.

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1، ص 148، ح 487.

(2) لا يوجد هذه الحديث في تفسير العياشي بل في تفسير علي بن ابراهيم، لاحظ تفسير علي بن ابراهيم: ج 1، ص 92. (*)

[649]

[ يأيها - الذين - ء_امنوا - أنفقوا من طيبت ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم باخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غنى حميد(267) الشيطن يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله وسع عليم(268) ]

يأيها الذين ء_امنوا أنفقوا من طيبت ما كسبتم: من حلاله أو جياده.

وفي الكافي: عن أبي بصير عن أبي عبدالله في قوله تعالى: " أنفقوا من طيبات ما كسبتم " فقال: كان القوم قد كسبوا مكاسب السوء في الجاهلية، فلما أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدقوا بها، فأبى الله تبارك وتعالى إلا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا(1).

وفي تفسير العياشي: عن اسحاق بن عمار، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطر إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وفيه عذق(2) يسمى الجعرور(3) وعذق يسمى معافارة(4)، كانا عظيم نواهما، رقيق لحاهما، في طعمهما مرارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للخارص: لا

___________________________________

(1) الكافي: ج 4، كتاب الزكاة باب النوادر ص 48، ح 10.

(2) وهي عنقود التمر والجمع أعذاق كأحمال (مجمع البحرين: ج 5، ص 212، لغة " عذق ").

(3 و 4) وفي حديث الزكاة: تترك معافارة وأم جعرور للمارين أو للحارس والطيور: معافاره وأم جعرور ضربان رديان من اردئ التمر (مجمع البحرين: ج 3، ص 409، لغة " عفر ") وفي النهاية لابن الاثير: ج 1، ص 276، لغة (جعر) وفيه انه نهى عن لونين من التمر الجعرور ولون حبيق، الجعرور: ضرب من الدقل يحمل رطبا صغارا لا خير فيه. (*)

[650]

تخارص عليهم هاذين اللونين لعلهم يستحيون لا يأتون بهما، فأنزل الله تبارك و تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم " إلى قوله: " تنفقون "(1).

وفي مجمع البيان: وقيل: إنها نزلت في قوم كانوا يأتون بالحشف فيدخلونه في ثمر الصدقة عن علي عليه السلام(2).

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الله يقبل الصدقات، ولا يقبل منها إلا الطيب(3).

ومما أخرجنا لكم من الارض: أي من طيباته، فحذف المضاف لدلالة ما تقدم.

ولا تيمموا الخبيث: ولا تقصدوا الردي.

منه: أي من المال، وقرئ بضم التاء وكسر الميم(4).

تنفقون: حال مقدرة من فاعل (تيمموا) ويجوز أن يتعلق به " منه " ويكون الضمير للخبيث والجملة حالا منه.

وقيل: يجوز أن يكون الضمير لما أخرجنا وتخصيصه بذلك، لان التفاوت فيه أكثر.

وفي اصول الكافي: على بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن داود قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا زنى الرجل، فارقه روح الايمان قال: فقال: هذا مثل قول الله عزوجل " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " ثم قال: غير هذا أبين منه، ذلك قول الله عزوجل: " وأيدهم بروح منه " هو الذي فارقه(5).

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1، ص 150، الحديث 493.

(2) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 380، في نقل شأن النزول لآية 267 من سورة البقرة.

(3) تفسير نور الثقلين: ج 1، ص 286، تحت الرقم 1125.

(4) قرأ ابن عباس: ولا تيمموا بضم التاء.

الكشاف: ج 1، ص 314، في تفسير لقوله تعالى (ولا تيمموا الخبيث منه).

(5) الكافي: ج 2، ص 284، كتاب الايمان والكفر، باب الكبائر، ح 17، وقريب منه الحديث 11 في تلك الباب. (*)

[651]

ولستم باخذيه: أي وحالكم أنكم لا تأخذونه في حقوقكم.

إلا أن تغمضوا فيه: إلا أن تتسامحوا فيه، مجاز من أغمض بصره، إذا غضه.

وقرئ من باب التفعيل أي تحملوا على الاغماض، أو توجدوا مغمضين(1).

وفي الكافي: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشا، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الارض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا أمر بالنخل أن يزكى يجيئ قوم بألوان من التمر، وهو من أردئ التمر يؤدونه من زكاتهم تمرا، يقال له: الجعرور والمعافارة، قليلة اللحا عظيمة النوى، وكان بعضهم يجيئ بها عن التمر الجيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تخرصوا هاتين التمرتين ولا تجيئوا منهما بشئ وفي ذلك نزل " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه " والاغماض أن يأخذ هاتين التمرتين(2).

واعلموا أن الله غنى: عن إنفاقكم، وانما يأمركم به لانتفاعكم. حميد: بقبوله وإثابته.

الشيطن يعدكم الفقر: في الانفاق. والوعد في الاصل شايع في الخير والشر.

و قرئ الفقر بالضم والسكون، وبضمتين وفتحتين(3).

ويأمركم بالفحشاء: ويغريكم على البخل. والعرف يسمى البخيل فاحشا.

وقيل: المعاصي. والله يعدكم مغفرة منه: أي في الانفاق.

وفضلا: خلقا أفضل ما أنفقتم.

والله وسع: الفضل لمن أنفق وغيره.

___________________________________

(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 139.

(2) الكافي: ج 4، ص 48، كتاب الزكاة، باب النوادر، ح 9.

(3) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 140. (*)

[652]

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336463

  • التاريخ : 28/03/2024 - 22:46

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net