00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية ( 198 - 207 )  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الأول )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

الآية 198 - 207

[ - ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفت فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هديكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين(198) ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم(199) ]

وفي نهج البلاغة: اوصيكم عباد الله بتقوى الله التي هي الزاد وبها المعاذ(1).

واتقون يأولى الالبب: فان قضية اللب خشية وتقوى. حثهم على التقوى ثم أمرهم بأن يكون المقصود بها، هو الله، فيتبرؤوا عن كل شئ سواه، وهو مقتضى العقل العري عن شوائب الاوهام، فلذا خص اولي الالباب بهذا الخطاب. ليس عليكم جناح أن تبتغوا: أن تطلبوا.

فضلا من ربكم: عطاء ورزقا منه، يريد به الربح في التجارة.

في مجمع البيان: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم، قيل: كانوا يتأثمون بالتجارة في الحج، فرفع سبحانه بهذا اللفظ الاثم عمن يتجر في الحج عن ابن عباس والمروي عن أئمتنا عليهم السلام، وقيل: لا جناح عليكم أن تطلبوا المغفرة من ربكم، رواه جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)(2).

فإذا أفضتم من عرفت: دفعتم منها بكثرة، من افضت الماء، إذا صببته

___________________________________

(1) نهج البلاغة: ص 169، خطبة 114.

(2) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 295، ذيل الآية 198. (*)

[483]

بكثرة.

وأصله أفضتم أنفسكم فحذف المفعول كما حذف في رفعت من البصرة و عرفات. جمع سمي به كأذرعات.

وانما نون وكسر، وفيه العلمية والتأنيث؟ لان تنوين الجمع، تنوين المقابلة، لا تنوين التمكين، ولذلك يجتمع مع اللام، وذهاب الكسرة، يتبع ذهاب التنوين من غير عوض لعدم الصرف، وهاهنا ليس كذلك، أو لان التأنيث إما أن يكون بالتاء المذكورة، وهي ليست تاء تأنيث، و إنما هي مع الالف التي قبلها علامة جمع المؤنث، أو بتاء مقدرة كما في سعاد، ولا يصح تقديرها لان المذكورة تمنعه من حيث أنها كالبدل لها لاختصاصها بالمؤنث كتاء بنت. وإنما سمي الموقف عرفة لانه نعث لابراهيم عليه السلام فلما أبصره عرفه روي ذلك عن علي عليه السلام. أو لان جبرئيل كان يدور به في المشاعر، فلما أراه قال: قد عرفت.

أو لان آدم وحواء التقيا فيه فتعارفا رواه أصحابنا أيضا(1)، أو لان الناس يتعارفون فيه(2).

وفي كتاب علل الشرايع: بإسناده إلى معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن عرفات، لم سمي عرفات؟ فقال: إن جبرئيل عليه السلام خرج بإبراهيم صلوات الله عليه يوم عرفة فلما زالت الشمس قال له جبرئيل (عليه السلام): إعترف بذنبك واعرف مناسكك، فسمي عرفات لقول جبرئيل عليه السلام: اعترف، فاعترف(3).

وفي الكافي باسناده إلى أبي بصير أنه سمع أبا جعفر وأبا عبدالله عليهما السلام يذكران أنه قال جبرئيل عليه السلام لابراهيم عليه السلام: هذه عرفات فاعرف بها

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 295، ذيل الآية 198.

(2) ما اورده من وجوه التسمية بتمامه مذكورة في الكشاف: ج 1، ص 245، في تفسيره الآية 198، من سورة البقرة.

(3) علل الشرايع: ج 2، ص 121، باب 173، العلة التي من أجلها سميت عرفات، ح 1. (*)

[484]

مناسكك واعترف بذنبك فسمي عرفات، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(1).

فاذكروا الله: بالتلبية والتهليل والدعاء، وقيل بصلاة العشائين.

عند المشعر الحرام: قيل: جبل وسمى قزح.

وقيل ما بين مأزمي عرفة ووادي محسر، وسمي مشعرا، لانه معلم العبادة، ووصف بالحرم لحرمته، ومعنى عند المشعر الحرام، مما يليه ويقرب منه فإنه أفضل.

واذكروه كما هديكم: كما علمكم، و (ما) مصدرية أو كافة.

وإن كنتم من قبله: أي الهدى.

لمن الضالين: الجاهلين بالايمان والطاعة، و (إن) هي المخففة، واللام هي الفارقة، وقيل: (إن) نافية، واللام بمعنى إلا، كقوله: " وان نظنك لمن الكاذبين "(2).

ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس: في مجمع البيان: من حيث أفاض الناس، قيل فيه قولان: أحدهما: أن المراد الافاضة من عرفات، وأراد بالناس سائر العرب، فإنه أمر لقريش وحلفائهم وهم الحمس(3) لانهم كانوا لا يقفون مع الناس بعرفة، ولا يفيضون منها، ويقولون: نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه، وكانوا يقفون بالمزدلفة و يفيضون منها، فأمرهم الله بالوقوف بعرفة والافاضة منها كما يفيض الناس، وأراد

___________________________________

(1) الكافي: ج 4، ص 207، كتاب الحج، باب حج ابراهيم واسماعيل وبنائهما البيت ومن ولي البيت بعدهما عليهما السلام، قطعة من حديث 9.

(2) سورة الشعراء: الآية 186.

(3) الحمس جمع الاحمس وهم قريش ومن ولدت قريش وكنانته، وجديلة قيس، سموا حمسا لانهم تحمسوا في دينهم، أي تشددوا، والحماسة: الشجاعة، كانوا يقفون بمزدلفة ولا يقفون بعرفة، ويقولون: نحن أهل الله فلا نخرج من الحرم، وكانوا لا يدخلون البيوت من أبوابها وهم محرمون. النهاية لابن الاثير: ج 1، ص 440، " في لغة حمس ". (*)

[485]

بالناس ساير العرب، وهو المروي عن الباقر (عليه السلام).

والثاني: أن المراد به الافاضة من المزدلفة إلى مني يوم النحر قبل طلوع الشمس للرمي والنحر.

ومما يسأل على القول الاول أن يقال: إذا كان ثم للترتيب، فما معنى الترتيب هنا؟ وقد روى أصحابنا في جوابه: إن ها هنا تقديما وتأخيرا، وتقديره " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم، ثم افيضوا من حيث أفاض الناس، فاذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واستغفروا الله إن الله غفور رحيم "(1).

وفي تفسير العياشي: عن زيد الشحام، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن قول الله: " أفيضوا من حيث أفاض الناس " قال: اولئك قريش كانوا يقولون: نحن أولى الناس بالبيت، ولا يفيضون إلا من المزدلفة فأمرهم الله أن يفيضوا من عرفة(2).

وعن رفاعة، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن قول الله " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " قال: إن أهل الحرم كانوا يقفون على المشعر الحرام و يقف الناس بعرفة ولا يفيضون حتى يطلع عليهم أهل عرفة، وكان رجلا يكنى أبا سيار وكان له حمار فاره، وكان يسبق أهل عرفة، فاذا طلع عليهم قالوا: هذا أبوسيار ثم أفاضوا، فأمرهم الله أن يقفوا بعرفة وأن يفيضوا منه(3).

وعن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله: " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " قال: هم أهل اليمن(4).

وفي روضة الكافي: ابن محبوب، عن عبدالله بن غالب، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب قال: سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول: إن رجلا جاء إلى

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 296، في ذيل الآية 199.

(2) تفسير العياشي: ج 1، ص 96، ح 263.

(3) تفسير العياشي: ج 1، ص 97، ح 264.

(4) تفسير العياشي: ج 1، ص 98، ح 269. (*)

[486]

أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرني إن كنت عالما عن الناس وعن أشباه الناس وعن النسناس؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: يا حسين أجب الرجل فقال الحسين عليه السلام: أما قولك أخبرني عن الناس، فنحن الناس ولذلك قال الله تبارك وتعالى ذكره في كتابه " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " فرسول الله الذي أفاض بالناس، وأما قولك عن أشباه الناس، فهم شيعتنا وهم موالينا وهم منا، وكذلك قال إبراهيم عليه السلام: " فمن تبعني فإنه مني "(1) وأما قولك عن النسناس فهم السواد الاعظم وأشار بيده إلى جماعة الناس، ثم قال: " إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا "(2 / 3).

واستغفروا الله: من جاهليتكم في تغيير المناسك.

إن الله غفور رحيم: يغفر ذنب المستغفر وينعم عليه.

وفي الكافي: علي بن ابراهيم، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله عليه السلام وقال: في حديث طويل: ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة بالبطحاء هو وأصحابه ولم ينزلوا الدور، فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلوا بالحج، وهو قول الله تعالى الذي أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله: " و اتبعوا ملة أبيكم ابراهيم "(4) فخرج النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه مهلين بالحج حتى أتى منى فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر، ثم غدا والناس معه، وكانت قريش تفيض من المزدلفة، وهي جمع، ويمنعون الناس أن يفيضوا منها فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وقريش ترجو أن يكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون، فأنزل الله تعالى " ثم أفيضوا من حيث افاض الناس " يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم، فلما رأت قريش أن قبة

___________________________________

(1) سورة إبراهيم: الآية 36.

(2) سورة الفرقان: الآية 44.

(3) الكافي: ج 8، ص 244، ح 339.

(4) سورة الحج: الآية 78. (*)

[487]

رسول الله صلى الله عليه وآله قد مضت كأنه دخل في أنفسهم شئ للذي كانوا يرجون من إفاضته من مكانهم حتى انتهى إلى نمرة(1) وهي بطن عرنة بحيال الاراك فضربت قبته وضرب الناس أخبتيهم(2) عندها، فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم، ثم صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ثم مضى إلى الموقف فوقف به، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جانبها، فنحاها ففعلوا مثل ذلك، فقال: أيها الناس ليس موضع إخفاف ناقتي بالموقف، ولكن هذا كله، وأومى بيده إلى الموقف، فتفرق الناس، وفعل ذلك بالمزدلفة، فوقف الناس حتى وقع قرص الشمس، ثم أفاض وأمر الناس بالدعة، حتى انتهى إلى المزدلفة، وهي المشعر الحرام(3).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: إن المشركين كانوا يفيضون من قبل أن تغيب الشمس، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وأفاض بعد غروب الشمس، قال: وقال أبو عبدالله عليه السلام: إذا غربت الشمس فافض مع الناس وعليك السكينة والوقار، وافض بالاستغفار، فإن الله عزوجل يقول: " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله " والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(4).

___________________________________

(1) وفي حديث الحج: " حتى آتى نمرة " هو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم بعرفات.

النهاية لابن الاثير: ج 5، ص 118، لغة (نمرة).

(2) (خبا) في حديث الاعتكاف: " فأمر بخبائه فقوض " الخباء: أحد بيوت العرب من وبر أو صوف ولا يكون من شعر ويكون على عمودين أو ثلاثة، والجمع أخبية، وقد تكرر في الحديث مفردا ومجموعا.

النهاية لابن الاثير: ج 2، ص 9، لغة (خبا).

(3) الكافي: ج 4، ص 245، باب حج النبي (صلى الله عليه وآله) قطعة من حديث 4.

(4) الكافي: ج 4، ص 467، باب الافاضة من عرفات، قطعة من حديث 2. (*)

[488]

[ فإذا قضيتم منسككم فاذكروا الله كذكركم ء_ابآء_كم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربناء_اتنا في الدنيا وما له في الاخرة من خلق(200) ومنهم من يقول ربناء_اتنا في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة وقنا عذاب النار(201) أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب(202) ]

فإذا قضيتم منسككم: فاذا أديتم العبادات الحجية وفرغتم منها.

فاذكروا الله كذكركم ء_ابآء_كم: فاكثروا ذكره وبالغوا فيه كما تفعلون بذكر آبائكم في المفاخرة.

أو أشد ذكرا: إما مجرور معطوف على الذكر، بجعل الذكر ذاكرا على المجاز، والمعنى: فاذكروا الله ذكرا كذكركم آبائكم، أو كذكرا أشد منه وأبلغ. أو على ما اضيف إليه بمعنى أو كذكر قوم أشد منكم ذكرا.

وإما منصوب بالعطف على آبائكم وذكر من فعل المذكور، بمعنى أو كذكركم أشد مذكورا من آبائكم.

أو بمضمر دل عليه المعنى، تقديره أو كونوا أشد ذكرا لله منكم لآبائكم.

في الكافي: أبوعلي الاشعري، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله تعالى " واذكروا الله في أيام معدوات " قال: هي أيام التشريق، كانوا إذا أقاموا بمنى بعد النحر تفاخروا فقال الرجل منهم: كان أبي يفعل كذا وكذا، فقال الله تعالى: " فاذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا " قال: والتكبير: الله اكبر الله اكبر لا إله الا الله والله اكبر الله اكبر ولله الحمد الله اكبر على ما هدانا الله اكبر على

[489]

ما رزقنا من بهيمة الانعام(1).

وفي مجمع البيان: " كذكركم آبائكم " معناه ما روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): إنهم كانوا إذا فرغوا من الحج يجتمعون هناك ويعدون مفاخر آبائهم ومآثرهم، ويذكرون أيامهم القديمة وأياديهم الجسيمة، فأمرهم الله سبحانه أن يذكروه مكان ذكر آبائهم في هذا الموضع (أو أشد ذكرا) أو يزيدوا على ذلك بأن يذكروا نعم الله سبحانه ويعدوا آلائه ويشكروا نعمائه، لان آبائهم وإن كانت لهم عليهم أياد ونعم، فنعم الله سبحانه عليهم أعظم وأياديه عندهم أفخم، ولانه سبحانه المنعم بتلك المآثر والمفاخر على آبائهم وعليهم(2).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: " فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا " قال: كانت العرب إذا وقفوا بالمشعر، يتفاخرون بآبائهم، فيقول: لا وأبيك، لا و أبي، فامرهم الله أن يقولوا: لا والله وبلى والله(3).

وفي تفسير العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله بدون لفظ يتفاخرون بآبائهم(4).

فمن الناس من يقول: تفسير للذاكرين، إلى مقل لا يطلب بذكر الله إلا الدنيا، ومكثر يطلب به خير الدارين، اريد به الحث على الاكثار والارشاد إليه. ربناء_اتنا في الدنيا: اجعل ايتائنا في الدنيا.

وما له في الاخرة من خلق: أي نصيب وحظ، لان همه مقصور بالدنيا، أو من طلب خلاق.

ومنهم من يقول ربناء_اتنا في الدنيا حسنة: السعة في الرزق والمعاش

___________________________________

(1) الكافي: ج 4، ص 516، باب التكبير ايام التشريق، ح 3.

(2) مجمع البيان: ج 2، ص 297، ذيل الآية 200.

(3) تفسير علي ابن ابراهيم القمي: ج 1، ص 69.

(4) تفسير العياشي: ج 1، ص 98، ح 272، ولفظ الحديث هكذا (عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قوله: " اذكروا الله كذكركم آبائكم أو أشد ذكرا " قال: إن أهل الجاهلية كان من قولهم: كلا وأبيك بلى وأبيك، فامروا أن يقولوا: لا والله وبلى والله ". (*)

[490]

وحسن الخلق. وفى الاخرة حسنة: رضوان الله والجنة. وقنا عذاب النار: بالعفو والمغفرة.

أولئك: إشارة إلى الفريق الثاني، أو إليهما.

لهم نصيب مما كسبوا: أي من جنسه، وهو جزائه، أو من أجله، كقوله: خطيئاتهم اغرقوا "(1) أو مما دعوا به نعطيهم منه ما قدرناه، فسمي الدعاء كسبا، لانه من الاعمال.

والله سريع الحساب: يحاسب العباد على كثرتهم وكثرة أعمالهم في مقدار لمحة، أو يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب الناس فبادروا إلى الطاعات واكتساب الحسنات.

في كتاب معاني الاخبار: وحدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزوجل: " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة " قال: رضوان الله والجنة في الآخرة والسعة في الرزق والمعاش وحسن الخلق في الدنيا(2).

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: طف بالبيت سبعة أشواط وتقول في الطواف اللهم إني أسألك، إلى أن قال عليه السلام: وتقول فيما بين الركن اليماني والحجر الاسود " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار "(3).

___________________________________

(1) سورة نوح: الآية 25.

(2) معاني الاخبار: ص 174، باب معنى حسنة الدنيا وحسنة الآخرة، ح 1.

(3) الكافي: ج 4، ص 406، كتاب الحج، باب الطواف وإستلام الاركان. قطعة من حديث 1. (*)

[491]

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: يستحب أن تقول بين الركن والحجر " اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " وقال: إن ملكا موكلا يقول: آمين(1).

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عزوجل " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة " رضوان الله والجنة في الآخرة والمعاش وحسن الخلق في الدنيا(2).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد القاساني جميعا، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينه، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سأل رجل أبي بعد منصرفه من الموقف فقال: أترى يخيب الله هذا الخلق كله؟ فقال أبي: ما وقف بهذا الموقف أحد إلا غفر الله له مؤمنا كان أو كافرا، إلا إنهم في مغفرتهم على ثلاث منازل، مؤمن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر واعتقه الله من النار، وذلك قوله تعالى: " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب " وسنذكر تتمة الحديث إن شاء الله تعالى(3).

وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي رحمه الله: روي عن موسى بن جعفر عن أبيه، عن آبائه، عن الحسن بن علي، عن أبيه عليهم السلام قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله جالس إذ سأل عن رجل من أصحابه.

فقالوا يا رسول الله: إنه صار في البلاء كهيئة الفرخ لا ريش عليه، فأتاه عليه السلام فاذا هو كهيئة الفرخ لا ريش عليه من شدة البلاء فقال له: تدعو في صحتك دعاء؟ قال: نعم أقول: يا رب أيما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فعجلها لي في الدنيا، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: ألا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، فقال: فكانما

___________________________________

(1) الكافي: ج 4، ص 408، كتاب الحج، باب الطواف واستلام الاركان: ح 7(2) الكافي: ج 5، ص 711، كتاب المعيشه، باب الاستعانه بالدنيا على الآخرة: ح 2(3) الكافي: ج 4، ص 521، كتاب الحج، باب النفر من منى الاول والآخر، ح 10. (*)

[492]

[ * واذكروا الله في أيام معدودت فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون(203) ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام(204) ]

نشط من عقال وقام صحيحا وخرج معنا، والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(1).

وفي مجمع البيان: " والله سريع الحساب " ورد في الخبر: أنه سبحانه يحاسب الخلائق كلهم في مقدار لمح البصر(2). وروي بقدر حلب شاة(3).

وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: معناه أنه يحاسب الخلائق دفعة كما يرزقهم دفعة(4).

واذكروا الله في أيام معدودت: في أدبار الصلوات في أيام التشريق.

في الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حرير، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزوجل " واذكروا الله في أيام معدودات " قال: التكبير في أيام التشريق من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من يوم الثالث، وفي الامصار عشر صلوات، فاذا نفر بعد الاولى أمسك أهل الامصار، ومن أقام بمنى فصلى بها الظهر والعصر فليكبر(5).

___________________________________

(1) لم نعثر عليه.

(2 و 3 و 4) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 298، في ذيل الآية 202.

(5) الكافي: ج 4، ص 516، كتاب الحج، باب التكبير ايام التشريق، ح 1. (*)

[493]

وفي كتاب معاني الاخبار: أبي رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي بن الصلت، عن عبدالله بن الصلت، عن يونس بن عبدالرحمن، عن المفضل بن صالح، عن زيد الشحام، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، في قول الله عز وجل: " واذكروا الله في أيام معدودات " قال: المعلومات والمعدودات واحدة، وهي أيام، التشريق(1). وقد سبق من الاخبار ما يدل على صورة التكبير.

فمن تعجل: النفر في يومين: أي نفر في ثاني أيام التشريق. فلا إثم عليه: باستعجاله.

ومن تأخر: في النفر حتى رمي اليوم الثالث.

فلا إثم عليه: بتأخيره، ومعنى نفي الاثم بالتعجيل والتأخير، التخيير بينهما، والرد على أهل الجاهلية، فإن منهم من إثم المستعجل، ومنهم من إثم المتأخر.

لمن اتقى: أي الذي ذكر من التخيير لمن اتقى الصيد، فإن من لم يتق الصيد ليس له التخيير، بل يتعين عليه التأخير.

في تهذيب الاحكام: محمد بن عيسى، عن محمد بن يحيى، عن حماد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الاول، ومن نفر في النفر الاول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس، وهو قول الله عزوجل " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه لمن اتقى " قال: إتقى الصيد(2).

عن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد، عن علي، عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: في رجل بعث بثقله يوم النفر الاول وأقام هو إلى الاخير؟ قال: هو ممن تعجل في يومين(3).

وفي من لا يحضره الفقيه: وروى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام

___________________________________

(1) معاني الاخبار: ص 296، باب معنى الايام المعلومات والايام المعدودات، ح 3.

(2) التهذيب: ج 5، ص 490، باب 26، من الزيادات في فقه الحج، ح 404.

(3) التهذيب: ج 5، ص 490، باب 26، من الزيادات في فقه الحج، ح 403. (*)

[494]

قال: سمعته يقول في قول الله عزوجل: " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى " فقال: يتقي الصيد حتى ينفر أهل منى في النفر الاخير(1).

وفي رواية ابن محبوب، عن أبي جعفر الاحول، عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: لمن اتقى الرفث والفسوق والجدال وما حرم الله عليه في إحرامه(2).

وفي رواية علي بن عطية، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لمن اتقى الله عزوجل(3).

وروي انه يخرج من ذنوبه كهيئته يوم ولدته امه(4).

وروي: من وفى، وفى الله له(5).

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد القاساني جميعا، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينه، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سأل رجل أبي بعد منصرفه من الموقف فقال: أترى يخيب الله هذا الخلق كله؟ فقال أبي: ما وقف بهذا الموقف أحد إلا غفر الله له مؤمنا كان أو كافرا، إلا أنهم في مغفرتهم على ثلاث منازل، إلى قوله: ومنهم من غفر الله له ما تقدم من ذنبه.

وقيل له: أحسن فيما بقى من عمرك، وذلك قوله تعالى: " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " يعني من مات قبل أن يمضى فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى الكبائر(6).

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن داود بن النعمان عن أبي أيوب قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام إنا نريد أن نتعجل السير، وكانت

___________________________________

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 288، باب 194، النفر الاول والاخير، ح 2.

(2) من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 288، باب 194، النفر الاول والاخير، ح 3(3) من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 288، باب 194، النفر الاول والاخير، ح 4.

(4) من لا يحضره الففيه: ج 2، ص 288، باب 194، النفر الاول والاخير، ح 5.

(5) من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 288، باب 194، النفر الاول والاخير، ح 6.

(6) الكافي: ج 4، ص 521، كتاب الحج، باب النفر من منى الاول والآخر، قطعة من حديث 10. (*)

[495]

ليلة النفر حين سألته، فأي ساعة ننفر؟ فقال لي: أما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس، وكانت ليلة النفر، وأما اليوم الثالث فاذا ابيضت الشمس فانفر على بركة الله، فإن الله تعالى يقول: " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " فلو سكت لم يبق أحد إلا تعجل، ولكنه قال: " ومن تأخر فلا إثم عليه "(1).

حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن معاوية بن وهب، عن إسماعيل بن نجيح الرماح قال: كنا عند أبي عبدالله عليه السلام بمنى ليلة من الليالي فقال: ما يقول هؤلاء: " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه "؟ قلنا: ما ندري، قال: بلى يقولون: من تعجل من أهل البادية فلا إثم عليه، ومن تأخر من أهل الحضر فلا إثم عليه، وليس كما يقولون، قال الله جل ثنائه: " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " ألا لا إثم عليه " ومن تأخر فلا إثم عليه " ألا لا إثم عليه، لمن اتقى، إنما هي لكم، والناس سواد وأنتم الحاج(2).

عدة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عبدالاعلى قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: كان أبي يقول: من أم هذا البيت حاجا أو معتمرا مبرء من الكبر رجع من ذنوبه كهيئة يوم ولدته امه، ثم قرء " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى " قلت: ما الكبر؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أعظم الكبر غمص الخلق وسفه الحق، قلت: ما غمص الخلق وسفه الحق؟ قال: يجهل الحق ويطعن على أهله، فمن فعل ذلك نازع الله ردائه(3).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا

___________________________________

(1) الكافي: ج 4، ص 519، كتاب الحج، باب النفر من منى الاول والآخر، ح 1.

(2) الكافي: ج 4، ص 523، كتاب الحج، باب النفر من منى الاول والآخر، ح 12.

(3) الكافي: ج 4، ص 252، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة وثوابهما، ح 2. (*)

[496]

إثم عليه لمن اتقي " قال: يرجع لا ذنب له(1).

وفي كتاب معاني الاخبار: حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عبدالله بن عامر، عن محمد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبدالله بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى " قال: يرجع ولا ذنب له. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة(2).

وفي تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن العبد المؤمن حين يخرج من بيته حاجا لا يخطو خطوة ولا تخطو به راحلته إلا كتب الله له بها حسنة، ومحى عنه سيئة، ورفع له بها درجة، فإذا وقف بعرفات فلو كانت ذنوبه عدد الثرى رجع كما ولدته امة، فقال له: إستانف العمل، يقول الله: " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى "(3).

عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " الآية قال: أنتم والله هم، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا يثبت على ولاية علي إلا المتقون(4).

عن حماد، عنه عليه السلام في قوله: " لمن اتقى " الصيد، فإن ابتلي بشئ من الصيد ففداه، فليس له أن ينفر في يومين(5). واتقوا الله: في مجامع اموركم ليعبأ بكم. واعلموا أنكم إليه تحشرون: للجزاء بعد الاحياء.

وأصل الحشر الجمع، وهو ضم المتفرق.

ومن الناس من يعجبك قوله: يروقك ويعظم في نفسك والتعجب: حيرة تعرض

___________________________________

(1) الكافي: ج 4، ص 337، كتاب الحج، باب ما ينبغي تركه للمحرم من الجدال وغيره، قطعة من حديث 1.

(2) معاني الاخبار: ص 294، باب ما اشترط الله عزوجل على الناس في الحج وما شرط لهم، قطعة من حديث 1.

(3 و 4 و 5) تفسير العياشى: ج 1، ص 100، ح 283 و 285 و 286. (*)

[497]

[ وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد(205) وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد(206) ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رء_وف بالعباد(207) ]

الانسان لجهله بسبب المتعجب منه.

في الحيوة الدنيا: متعلق بالقول، أي ما يقول في امور الدنيا وأسباب المعاش، وفي معنى الدنيا، فإنها مرادة من إدعاء المحبة وإظهار الايمان.

أو بيعجبك، أي يعجبك قوله في الدنيا حلاوة وفصاحة ولا يعجبك في الآخرة، لما يعتريه من الدهشة والحبسة، أو لانه لا يؤذن له في الكلام. ويشهد الله على ما في قلبه.

يحلف ويشهد الله على أن ما في قلبه موافق لكلامه.

وهو ألد الخصام: شديد العداوة والجدال للمسلمين، والخصال: المخاصمة، و يجوز ان يكون جمع خصم كصعب وصعاب، بمعنى أشد الخصوم خصومة.

قيل: نزلت في الاخنس بن شريق الثقفي، وكان حسن المنظر، حلو المنطق، يوالي رسول الله صلى الله عليه وآله ويدعي الاسلام، وقيل: في المنافقين كلهم(1).

وإذا تولى: أدبر وانصرف عنك، وقيل: إذا غلب وصار واليا.

سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل: كما فعل الاخنس بثقيف إذ بيتهم وأحرق زروعهم وأهلك مواشيهم، أو كما يفعله ولاة السوء بالقتل والاتلاف، أو بالظلم حتى يمنع الله بسوء منهم القطر، فيهلك الحرث والنسل.

___________________________________

(1) أنوار التنزيل وأسرار التأويل: ج 1، ص 148. (*)

[498]

والله لا يحب الفساد: لا يرتضيه، فاحذروا غضبه عليه.

وفي تفسير العياشي، عن الحسين بن بشار قال: سألت أبا الحسن عليه السلام، عن قول الله " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " قال: فلان وفلان " و يهلك الحرث والنسل " النسل هم الذرية والحرث الزرع(1).

عن سعد الاسكاف: عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله يقول في كتابه " وهو ألد الخصام " بل هم يختصمون قال: قلت: وما الفرق؟ قال: الخصومة(2).

عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام قال: سألتهما عن قوله " و إذا تولى سعى في الارض " إلى آخر الآية، فقال: النسل: الولد، والحرث: الارض(3).

وقال أبو عبدالله عليه السلام: الحرث: الذرية(4).

وفي روضة الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن محمد بن سليمان الازدي عن أبي الجارود، عن أبي إسحاق، عن أمير المؤمنين عليه السلام " وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل " بظلمه وسوء سريرته " والله لا يحب الفساد "(5).

في مجمع البيان: روي عن الصادق عليه السلام إن الحرث في هذا الموضع الدين، والنسل: الناس(6).

وفي تفسير علي بن إبراهيم قال: الحرث في هذا الموضع الدين، والنسل: الناس و نزلت في الثاني، وقيل في معاوية(7).

وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم: حملته الانفة على الاثم وألزمته إياه،

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1، ص 100، ح 287.

(2) تفسير العياشي: ج 1، ص 101، ح 291 وفيه (قلت ما ألد؟ قال: شديد الخصومة).

(3) تفسير العياشي: ج 1، ص 100، ح 288.

(4) تفسير العياشي: ج 1، ص 101، ح 289.

(5) الكافي: ج 8، ص 289، ح 435.

(6) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 300، ذيل الآية 205، من سورة البقرة.

(7) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 71. (*)

[499]

من قولك: أخذته بكذا حملته عليه. فحسبه جهنم: كفته جزاء وعذابا.

وجهنم علم لدار العقاب، غير منصرف للتأنيث والعلمية، وهو في الاصل مرادف للنار، وقيل: معرب.

ولبئس المهاد: جواب قسم مقدر، والمخصوص بالذم محذوف، للعلم به، و " المهاد " الفراش وقيل: ما يوطأ للجنب. ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله: طلبا لرضاه.

روى الثعلبي في تفسيره قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وآله الهجرة خلف عليا عليه السلام لقضاء ديونه ورد الودايع التي كانت عنده، وأمره ليلة خروجه إلى الغار، وقد أحاط المشركون بالدار، أن ينام على فراشه، وقال له: يا علي أتشح ببردي الحضرمي، ثم نم على فراشي، فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله.

ففعل ما أمره به، فأوحى الله عزوجل إلى جبرئيل وميكائيل: إني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كل منهما الحياة، فأوحى الله عزوجل إليهما، ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد، فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الارض، فاحفظاه من عدوه، فنزلا، فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يا علي بن أبي طالب، يباهي الله بك ملائكته، فأنزل الله عزوجل على رسوله صلى الله عليه وآله، وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب عليه السلام " ومن الناس من يشري " الآية(1).

وروى أخطب خوارزم حديثا يرفعه بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: نزل علي جبرئيل عليه السلام صبيحة يوم الغار فقلت: حبيبي جبرئيل مالي أراك فرحا مستبشرا فقال: يا محمد وكيف لا أكون كذلك وقد قرت عيني بما أكرم الله به أخاك ووصيك وإمام امتك علي بن أبي طالب، فقلت: وبماذا أكرمه الله؟ قال: باهى الله بعبادته البارحة ملائكته،

___________________________________

(1) تفسير البرهان: ج 1، ص 207، ح 1، نقلا عن تفسير الثعلبي، مع اختلاف يسير. (*)

[500]

وحملة عرشه وقال: ملائكتي انظروا إلى حجتي في أرضي على عبادي بعد نبيي وقد بذل نفسه وعفر خده في التراب تواضعا لعظمتي، اشهدكم بأنه إمام خلقي ومولى بريتى(1).

وفي أمالي شيخ الطائفة رحمه الله: بإسناده إلى حكيم بن جبير، عن علي بن الحسين صلوات الله عليه في قول الله عزوجل: " ومن الناس من يشري نفسه إبتغاء مرضات الله " قال: نزلت في علي عليه السلام حين بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله(2).

وبإسناده إلى سعيد بن أوس قال: كان أبوعمرو بن العلا إذا قرء " ومن الناس من يشري نفسه إبتغاء مرضات الله " قال: كرم الله عليا عليه السلام فيه نزلت هذه الآية(3).

وبإسناده إلى أنس بن مالك قال: لما توجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الغار ومعه أبوبكر أمر النبي صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام أن ينام على فراشه ويتوشح ببردته، فبات علي عليه السلام موطنا نفسه على القتل، وجاء_ت رجال قريش من بطونها يريدون قتل رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم، لا يشكون أنه محمد صلى الله عليه وآله فقالوا: أيقظوه ليجد ألم القتل ويرى السيوف تأخذه فلما أيقظوه فرأوه عليا تركوه، فتفرقوا في طلب رسول الله صلى الله عليه وآله، فأنزل الله عزوجل " ومن الناس من يشري نفسه إبتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد "(4) وفي تفسير علي بن إبراهيم قوله: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله " قال: ذاك أمير المؤمنين عليه السلام، ومعنى " يشري نفسه " يبذلها(5). وفي مجمع البيان: روى السدي، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في

___________________________________

(1) المناقب للخوارزمي: ج 1، ص 288، الفصل التاسع عشر، في فضائل له شتى، وليس فيه كلمة (الغار) ولا (بذل نفسه).

(2 و 3 و 4) الامالي للطوسي: ج 2، ص 61، (الجزء السادس عشر).

(5) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 71، في تفسيره للآية الشريفة. (*)

[501]

علي بن أبي طالب عليه السلام حين هرب النبي صلى الله عليه وآله من المشركين إلى علي بن أبي طالب عليه السلام حين هرب النبي صلى الله عليه وآله من المشركين إلى الغار ونام علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وآله، ونزلت الآية بين مكة والمدينة(1).

وروي أنه لما نام على فراشه قام جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، و جبرائيل ينادي بخ بخ من مثلك يا علي بن أبي طالب يباهي الله تعالى الملائكة بك(2).

وما روي عن علي عليه السلام: من أن المراد بالآية: الرجل يقتل بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر(3).

فلا ينافي ما سبق من الاخبار، لان ما ذكر في الاخبار سبب نزوله أولا، ثم جرى فيمن يشاركه في بعض أوصافه ممن ذكر في هذا الخبر.

وقد روي في كتاب الخصال عن الحسن بن علي الديلمي مولى الرضا عليه السلام قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: من حج بثلاثة نفر من المؤمنين فقد اشترى نفسه من الله عزوجل بالثمن ولم يسأله من أين كسب ماله من حلال أو حرام(4).

والله رء_وف بالعباد: حيث أرشدهم على مثل هذا الشراء، ويجازيهم عليه الجزاء.

وورد في تفسير الامام أبي محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما قال عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: معاشر عباد الله عليكم بخدمة من أكرمه الله بالارتضاء واجتباه بالاصطفاء وجعله أفضل أهل الارض والسماء بعد محمد صلى الله عليه وآله سيد الانبياء علي بن أبي طالب وبموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه، وقضاء حقوق إخوانكم الذين هم في موالاته ومعاداة أعدائه شركائكم، فإن رعاية علي أحسن من رعاية هؤلاء التجار الخارجين بصاحبكم الذي ذكرتموه

___________________________________

(1 و 2) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 301، في سبب نزول الآية 207.

(3) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 301، في سبب نزول الآية 207.

(4) الخصال: ص 118، باب الثلاثة، ح 103. (*)

[502]

إلى الصين الذي عرضوه للفناء وأعانوه بالشراء، أما إن شيعة علي من يأتي يوم القيامة وقد وضع له في كفة ميزانه من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسي والبحار السيارة، يقول الخلائق: قد هلك هذا العبد، فلا يشكون أنه من الهالكين وفي عذاب الله من الخالدين، فيأتيه النداء من قبل الله تعالى عزوجل، أيها العبد الجاني هذه الذنوب الموبقات فهل لك بازائها حسنات تكافيها، فتدخل جنة الله برحمة الله، أو تزيد عليها فتدخلها بوعد الله؟ فيقول العبد: لا أدري، فيقول منادي ربنا عزوجل: فإن ربي يقول: ناد في عرصات القيامة: ألا وإني فلان بن فلان من أهل بلد كذا وكذا وقرية كذا وكذا، قد رهنت بسيئاتي كأمثال الجبال والبحار ولا حسنات لي بازائها، فأي أهل هذا المحشر كان لي عنده يدا وعارفة فليغثني بمجازاتي عنها، فهذا أوان شدة حاجتي إليها، فينادي الرجل بذلك، فأول من يجيبه علي بن أبي طالب عليه السلام: لبيك لبيك أيها الممتحن في محبتي المظلوم بعدواتي.

ثم يأتي هو ومعه عدد كبير وجم غفير، وإن كانوا أقل عددا من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات.

فيقول ذلك العدد: يا أمير المؤمنين نحن إخوانه المؤمنون وقد كان بنا بارا ولنا مكرما، وفي معاشرته إيانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعا، وقد بذلنا له عن جميع طاعتنا وبذلناها له، فيقول علي عليه السلام فبماذا تدخلون جنة ربكم؟ فيقولون: برحمة الله الواسعة التي لا يعدمها من والاك ووالى وليك يا أخا رسول الله، فيأتي النداء من قبل الله تعالى يا أخا رسول الله هؤلاء إخوانه المؤمنون قد بذلوا له، فأنت ماذا تبذل له، فإني أنا الحكم، ما بيني وبينه من الذنوب فقد غفرتها له بموالاته إياك، وما بينه وبين عبادي من الظلامات، فلا بد من فصل الحكم بينه وبينهم، فيقول علي عليه السلام: يا رب أفعل ما تأمرني، فيقول الله تعالى: يا علي أضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله، فيضمن لهم علي عليه السلام ذلك، ويقول: اقترحوا علي ما شئتم اعطيكم عوضا عن ظلاماتكم، فيقولون: يا أخا رسول الله تجعل لنا بازاء ظلاماتنا قبله ثواب نفس من أنفاسك ليلة بيتوتك على فراش محمد

[503]

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336736

  • التاريخ : 29/03/2024 - 00:21

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net