00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية ( 73 - 82 )  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الأول )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

[277]

الآية 73 - 82

[ فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحى الله الموتى ويريكم ء_ايته لعلكم تعقلون(73) ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهر وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغفل عما تعملون(74) * أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلم الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون(75) ]

وأصله تدارأتم فأدغمت التاء في الدال، واجتلبت بها همزة الوصل.

والله مخرج ما كنتم تكتمون: مظهره.

وأعمل (مخرج) لانه حكاية مستقبل، كما أعمل " باسط ذراعيه "(1) لانه حكاية حال ماضيه.

فقلنا اضربوه: عطف على (ادارأتم) وما بينهما اعتراض، والضمير للنفس، و تذكير على تأويل الشخص أو القتيل.

ببعضها: أي بعض كان، وفيه أقوال اخر مستندها غير معلوم.

روي أنه لما ضرب ببعضها قام حيا وأوداجه تشخب دما، قال: قتلني فلان ابن عمي، ثم قبض.

كذلك يحى الله الموتى: يدل على ما حذف، أي فضربوه فحيي، والخطاب من حضر القتيل، أو نزول الآية.

___________________________________

(1) سورة الكهف: الآية 18. (*)

[278]

ويريكم ء_ايته لعلكم تعقلون: لكي يكمل علقكم، وتعلموا أن من قدر على إحياء نفس، قدر على إحياء الانفس.

وفي الآية مع ما ذكر في بيانه من الاحاديث دلالة على ان التمول والغني من عند الله ينبغي أن يطلب منه، لا بمخالفة أمره، كما ناله الفتى من بني إسرائيل ولم ينله القاتل ابن عمه.

ثم قست قلوبكم: القساوة: الغلظ مع الصلابة كما في الحجر، وقساوة القلب مثل في نبوه من الاعتبار وأن المواعظ لا يؤثر فيه. و (ثم) لاستبعاد القسوة، ونحوه: " ثم أنتم تمترون "(1).

من بعد ذلك: يعني إحياء القتيل، أو جميع ما عدد من الآيات، فإنها مما توجب لين القلب.

فهى كالحجارة: في قسوتها أو أشد قسوة: منها، يعني أنها في القساوة مثل الحجارة، أو زائدة عليها، أو أنها مثلها، أو مثل ما هو أشد منها قسوة كالحديد، فحذف المضاف واقيم المضاف إليه مقامه، ويعضده قراء_ة الجر، بالفتح عطفا على الحجارة، وإنما لم يقل أقسى، لما في (أشد) من المبالغة، والدلالة على اشتداد القسوتين، واشتمال المفضل على زيادة. و (أو) للتخيير أو للترديد، بمعنى أن من عرف حالها شبهها بالحجارة، أو بما هو أقسى منها.

وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله يقسي القلب، وإن أبعد الناس من الله القاسى القلب(2). وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهر وإن منها لما يشقق فيخرج منه

___________________________________

(1) سورة الانعام: الآية 2.

(2) الوسائل: ج 8، كتاب الحج، ص 535، الباب 119، من أبواب احكام العشرة، ح 19. (*)

[279]

[ وإذا لقوا الذين ء_امنوا قالوا ء_امنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون(76) ]

الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله: تعليل للتفصيل، فإن الحجارة ينفعل، فإن منها ما يتفجر منه الانهار، والتفجير: الفتح بسعة، ومنها ما ينبع منه الماء، ومنها ما يتردى من أعلى الجبل انقيادا لما أراد الله تعالى به، وقلوب هؤلاء لا تتأثر من أمر الله تعالى، والخشية مجاز من الانقياد.

وما الله بغفل عما تعملون: وعيد على ذلك. وقرأ ابن كثير(1) ونافع ويعقوب وخلف وأبوبكر بالياء، والباقون بالتاء. أفتطمعون: الخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله). أن يؤمنوا لكم: أي اليهود.

وقد كان فريق منهم: من أسلافهم. يسمعون كلم الله: أي التوراة، أو حين كلم موسى. ثم يحرفونه: يغيرونه أو يأولونه بما يشتهون. من بعد ما عقلوه: ولم يبق لهم فيه ريبة. وهم يعلمون: أنهم مبطلون.

فإذا كان أخيار هؤلاء وأسلافهم بهذه الحالة، فما طمعكم بجهالهم وسفلتهم ! وإذا لقوا الذين ء_امنوا: أي اليهود.

قالوا ء_امنا: أي قال منافقوهم: آمنا بأنكم على الحق، ورسولكم هو المبشر به

___________________________________

(1) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 138. (*)

[280]

[ أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون(77) ومنهم أميون لا يعلمون الكتب إلا أمانى وإن هم إلا يظنون(78) ]

في التوراة.

وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: أي الذين لم ينافقوا عاتبين على من نافق.

أتحدثونهم بما فتح الله عليكم: وبينه في التوراة من نعت محمد (صلى الله عليه وآله)، أو الذين نافقوا لاعقابهم، إظهارا للتصلب في اليهودية، ومنعا لهم عن أنباء ما وجدوا في كتابهم، فيتناول الفريقين، فالاستفهام على الاول تقريع، وعلى الثاني إنكار ونهي.

ليحاجوكم به عند ربكم: ليحتجوا بما فتح الله عليكم، حال كونه ثابتا عند ربكم، أي من جملة ما ثبت عند ربكم أي من جملة ما أنزل الله في كتابه.

أفلا تعقلون: أما من كلام اللائمين، وتقديره: أفلا تعقلون أنهم يحاجوكم فيغلبون به عليكم أو متصل بقوله: (أفتطمعون) والمعنى: أفلا تعقلون حالهم، وأن لا مطمع لكم في إيمانهم. أو لا يعلمون: هؤلاء.

أن الله يعلم ما يسرون: من الكفر، وما فتح الله، وتحريف الكلم وغيره.

وما يعلنون: من الايمان، وغير ما فتح الله، وتأويلاتهم وتحريفاتهم.

ومنهم أميون لا يعلمون الكتب: أي التوراة.

إلا أمانى: استثناء منقطع، والاماني جمع امنيه، وهي في الاصل ما يقدره الانسان في نفسه.

[281]

وإن هم إلا يظنون: لا علم لهم.

روي أن رجلا قال للصادق (عليه السلام): إذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلا ما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره، فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماء_هم فإن لم يجز لاولئك القبول من علمائهم، لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم؟ فقال (عليه السلام): بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم، فرق من جهة و تسوية من جهة، أما من حيث استووا، فإن الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماء_هم كما قد ذم عوامهم، وأما من حيث افترقوا فلا، قال: بين لي ذلك يابن رسول الله.

قال (عليه السلام): إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماء_هم بالكذب الصراح، وبأكل الحرام، والرشا، وبتغيير الاحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات، و عرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم، وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه، وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم، وعرفوهم يقارفون المحرمات، واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز أن يصدق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله، فلذلك ذمهم لما قلدوا من عرفوا ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكاياته، ولا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ كانت دلالته أوضح من ان تخفى وأشهر من أن لا تظهر لهم وكذلك عوام امتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والمعصية الشديدة، والتكالب على حطام الدنيا وحرامها، وإهلاك من يتعصبوا له، وإن كان لاصلاح أمره مستحقا، وبالرفق والبر والاحسان على من تعصبوا له، وإن كان للاذلال والاهانة مستحقا، فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لامر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فأما من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا

[282]

[ فويل للذين يكتبون الكتب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون(79) وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون(80) ]

كرامة لهم(1). فويل: أي تحسر وهلك، مصدر ولا فعل له.

للذين يكتبون الكتب: أي المحرف. بأيديهم: تأكيد.

ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا: أي يحصلوا غرضا من أغراض الدنيا، فإنه قليل بالنسبة إلى عقابهم. فويل لهم مما كتبت أيديهم: من المحرف.

وويل لهم مما يكسبون: من الرشى.

وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة: محصورة قليلة.

روي أن بعضهم قالوا: نعذب بعدد أيام عبادة العجل أربعين يوما، وبعضهم قالوا: مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوما(2).

___________________________________

(1) بحار الانوار: ج 2، ص 87 الباب 14 من يجوز أخذ العلم منه ومن لا يجوز وذم التقليد، قطعة

من حديث 12.

(2) مجمع البيان: ج 1 - 2، ص 147. (*)

[283]

[ بلى من كسب سيئة وأحطت به خطيئته فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون(81) والذين ء_امنوا وعملوا الصلحت أولئك أصحب الجنة هم فيها خلدون(82) ]

قل أتخذتم عند الله عهدا: وعدا فلن يخلف الله عهده: جواب شرط محذوف، أي إن اتخذتم عند الله عهدا، فلن يخلف الله عهده.

وقيل: لا تقدير في مثله، ولكن ضمن الاستفهام معنى الشرط، فاجيب بالفاء.

أم تقولون على الله ما لا تعلمون: أم معادلة لهمزة الاستفهام، بمعنى كلا الامرين كائن على سبيل التقرير للعلم بوقوع أحدهما، أو منقطعة بمعنى، بل تقولون.

بلى: إثبات لما نفوه من مساس النار لهم زمانا مديدا ودهرا طويلا على وجه أعم، ليكون كالبرهان على بطلان قولهم، ويختص بجواب النفي.

من كسب سيئة: والفرق بينها وبين الخطيئة، أنها قد تقال فيما يقصد بالذات، والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض، لانها من الخطأ.

والكسب: استجلاب النفع، وتعليقه بالسيئة على طريق التحكم.

وأحطت به خطيئته: والمراد بها الشرك، لان ما عداه لا يستحق به الخلود في النار عندنا، فالمراد بالاحاطة الاستيلاء عليه حتى لا يخلو عنها شئ من جوانبه، كما هو شأن المشرك، فإن غيره إن لم يكن له سوى تصديق القلب والاقرار باللسان فلم تحط الخطيئة به.

فأولئك أصحب النار: ملازموها في الآخرة، كما أنهم ملازمو

284




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21335859

  • التاريخ : 28/03/2024 - 18:27

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net