سورة سبأ
(34) سورة سبأ أربع أو خمس وخمسون آية (54 - 55) مكية
وقيل إلا آية ويرى الذين أوتوا العلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد لله الذي له) لا لغيره (ما في السموات وما في الأرض) من نعمة وغيرها فهو المنعم المختص بكل كماله (وله الحمد) في الدنيا وله الحمد (في الآخرة) خصت تفضيلا لها على الزائلة (وهو الحكيم) في تدبيره (الخبير) بخلقه .
(يعلم ما يلج في الأرض) من مطر وكنز وميت (وما يخرج منها) من حيوان ونبات ومعدن (وما ينزل من السماء) من ملك ووحي ونعمة ونقمة (وما يعرج فيها) من ملك وعمل وأبخرة (وهو الرحيم) بإمهال العصاة (الغفور) لمن شاء من الموحدين .
(وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة) إنكار لمجيئها (قل بلى) رد لقولهم (وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب) لا يغيب (عنه مثقال ذرة) زنة أصغر نملة (في السموات ولا في الأرض
[406]
ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) رفعا بالابتداء لا بالعطف على مثقال لقوله (إلا في كتاب مبين) بين هو اللوح .
(ليجزي الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) علة لمجيئها (أولئك لهم مغفرة ورزق كريم) في الجنة .
(والذين سعو في ءاياتنا) بالإبطال (معاجزين) مسابقين لنا ظانين أن يفوتونا (أولئك لهم عذاب من رجز) سيىء العذاب (أليم).
(ويرى) يعلم (الذين أوتوا العلم) من الصحابة أو مؤمني أهل الكتاب أو الأعم منهما (الذي أنزل إليك من ربك) القرآن (هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد).
(وقال الذين كفروا) بعضهم لبعض (هل ندلكم على رجل) أي محمد (ينبئكم) يخبركم بأمر عجيب (إذا مزقتم كل ممزق) فرقت أوصالكم كل تفريق وعامل إذا ما دل عليه (إنكم لفي خلق جديد) أي تبعثون .
(أفترى على الله كذبا) استغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل (أم به جنة) جنون يخيل له ذلك فيهذي به واحتج بمقابلتهم إياه بالافتراء مع عدم اعتقادهم صدقه على ثبوت واسطة بين الصدق والكذب ورد بأن الكذب أعم من الافتراء (بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد) عن الحق .
(أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم) ما أحاط بجوانبهم (من السماء والأرض) فيستدلون بهما على قدرته (إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا) قطعة (من السماء) لكفرهم (إن في ذلك) الذي يرونه (لآية) لدلالة (لكل عبد منيب) راجع إلى ربه .
(ولقد ءاتينا داود منا فضلا) على غيره بالنبوة والكتاب (يا جبال أوبي) ارجعي (معه) التسبيح وذلك إما بخلق صوت فيها أو ببعثها له على التسبيح إذا تفكر فيها أو يسري معه حيث سار (والطير) عطف على محل جبال أي ودعوناها تسبح معه (وألنا له الحديد) فصار في يده كالشمع يعمل به ما شاء .
(أن) أمرناه بأن أو أي (اعمل سابغات) دروعا تامات وهو أول من عملها (وقدر في السرد) في نسجها بحيث تتناسب حلقها (واعملوا صالحا) أي أنت وأهلك (إني بما تعملون بصير) فأجازيكم به .
(ولسليمان) وسخرنا له (الريح غدوها شهر ورواحها شهر) بالغداة والعشي مسيرة شهر (وأسلنا له عين القطر) النحاس المذاب (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه) بأمره (ومن يزغ) يعدل (منهم عن أمرنا) له بطاعته (نذقه من عذاب السعير) النار في الآخرة أو في الدنيا يضربه ملك بسوط من نار فيحرقه .
(يعملون له ما يشاء من محاريب) أبنية رفيعة وقصور منيعة (وتماثيل) صور الملائكة والأنبياء ليقتدى بهم، وعن الصادق (عليه السلام) أنها صور الشجر وشبهه (وجفان) صحاف جمع جفنة
[407]
(كالجواب) جمع جابية حوض كبير تبعد عن الجفنة ألف رجل (وقدور راسيات اعملوا ءال داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) المجتهد في أداء الشكر بجنانه ولسانه وأركانه .
(فلما قضينا عليه) على سليمان (الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض) مصدر يقال أرضت الخشبة بالبناء للمفعول أرضا أي أكلتها الأرضة (تأكل منسأته) عصاه (فلما خر تبينت الجن) علمت (أن لو كانوا يعلمون الغيب) كما يزعمون لعلموا موته ولو علموه (ما لبثوا) بعده سنة (في العذاب المهين) العمل الشاق .
(لقد كان لسبأ في مسكنهم) باليمن (ءاية) دالة على كمال قدرة الله وسبوغ نعمه (جنتان عن يمين وشمال) جماعتان من البساتين جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله، كان كل جماعة لتداينها جنة واحدة (كلوا من رزق ربكم واشكروا له) نعمته (بلدة) هذه بلدة (طيبة) نزهة (ورب غفور).
(فأعرضوا) عن الشكر (فأرسلنا عليهم سيل العرم) سيل المطر الشديد أو الجرذ لأنه نقب سكرا عملته بلقيس لمنع الماء أو واد أتى السيل منه أو المسناة التي يمسك الماء جمع عرمة وهي الحجارة المركومة (وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي) تثنية ذوات مفرد على الأصل ولامه ياء (أكل) ثمر (خمط) هو كل نبت فيه مرارة أو كل شجر لا شوك له أو الأراك (وأثل وشيء من سدر قليل).
(ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور) معطوفان على الأكل لا على خمط إذ لا أكل للأثل وهو الطرفاء وتقليل السدر لطيب ثمرة وهو النبق .
(وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها) بالماء والشجر وهي قرى الشام التي يتجرون إليها (قرى ظاهرة) متواصلة من اليمن إلى الشام (وقدرنا فيها السير) بحيث يقيلون في قرية ويبيتون في أخرى إلى انقطاع سفرهم وقلنا (سيروا فيها ليالي وأياما) متى شئتم من ليل أو نهار (ءامنين) من المخاوف والمضار .
(فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا) إلى الشام سألوه أن يجعلها مفاوز ليتطاولوا على الفقراء ركوب الرواحل وحمل الزاد (وظلموا أنفسهم) بالكفر والبطر (فجعلناهم أحاديث) لمن بعدهم واتخذهم مثلا يقولون تفرقوا أيدي سبأ (ومزقناهم كل ممزق) فرقناهم في البلاد كل تفريق (إن في ذلك) المذكور (لآيات لكل صبار) عن المعاصي (شكور) على النعم .
(ولقد صدق عليهم) أي بني آدم أو أهل سبأ (إبليس ظنه) في ظنه أو يظن ظنه (فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين).
(وما كان له عليهم من سلطان) تسلط بوسوسة (إلا لنعلم) علما يترتب عليه الجزاء (من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك) إلا ليتميز المؤمن من الشاك فيجازي كلا منهما (وربك على كل شيء حفيظ) رقيب .
(قل) لكفار مكة (ادعوا الذين زعمتم) زعمتموهم آلهة (من دون الله لا يملكون مثقال ذرة) من خير وشر (في السموات
[408]
ولا في الأرض) ذكرا تعميما للنفي أو لأن آلهتهم منها سماوية كالملائكة والكواكب ومنها أرضية كالأصنام (وما لهم فيهما من شرك) شركة (وما له منهم من ظهير) معين على شيء .
(ولا تنفع الشفاعة عنده) رد لقولهم في آلهتهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله (إلا لمن أذن له) أن يشفع أو أذن أن يشفع له (حتى إذا فزع) كشف الفزع (عن قلوبهم) بالإذن وقيل الضمير للملائكة (قالوا) قال بعضهم لبعض (ماذا قال ربكم) في الشفاعة (قالوا الحق) أي قال القول الحق وهو الإذن بها لمن ارتضى (وهو العلي) بقهره (الكبير) بعظمته .
(قل من يرزقكم من السموات والأرض) إلزاما لهم فإن تلعثموا (قل الله) إذ لا جواب غيره ولا يسعهم إنكاره (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) والإبهام إنصاف من الخصم وتلطف به مبكت له وهو أبلغ من التصريح بمن هو على هدى ومن هو في ضلال .
(قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون) فيه زيادة إنصاف .
(قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح) يحكم (بيننا بالحق) فيدخل المحقين الجنة والمبطلين النار (وهو الفتاح) الحاكم (العليم) بالحكم بالحق .
(قل أروني) أعلموني (الذين ألحقتم به شركاء) في استحقاق العبادة (كلا) ردع لهم (بل هو الله العزيز) الغالب بقدرته (الحكيم) في تدبيره فلا إله غيره .
(وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا) إلا رسالة عامة (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ذلك لتركهم النظر .
(ويقولون متى هذا الوعد) البعث والجزاء (إن كنتم صادقين) فيه يا معاشر المؤمنين .
(قل لكم ميعاد يوم) مصدر أو اسم زمان إضافته بيانية (لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون) وهو يوم القيامة سألوا تعنتا فأجيبوا بالتهديد .
(وقال الذين كفروا) من أهل مكة (لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه) أي تقدمه كالتوراة والإنجيل المتضمن للبعث أو صفة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) (ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم) للحساب (يرجع بعضهم إلى بعض القول) يجادلون (يقول الذين استضعفوا) الأتباع (للذين استكبروا) القادة (لو لا أنتم) صددتمونا عن الإيمان (لكنا مؤمنين) بالله .
(قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن) إنكار أي ما نحن (صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم قوما مجرمين) بإعراضكم عن الهدى .
(وقال الذين استضعفوا للذين
[409]
استكبروا بل مكر الليل والنهار) رد لإضرابهم أي لم يصدنا إجرامنا بل مكركم بنا ليلا ونهارا صدنا (إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا) شركاء وأضيف مكر إلى الظرف اتساعا (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب) أخفاها الفريقان خوف الفضيحة أو أظهروها فإنه للضدين (وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا) وضع موضع الضمير إيذانا بموجب الجعل (هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) إلا جزاء عملهم .
(وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها) رؤساؤها المتنعمون خصوا بالذكر لأنهم أصل في العناد وهو تسلية للنبي (إنا بما أرسلتم به كافرون).
(وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا) فنحن أكرم عند الله منكم (وما نحن بمعذبين) لذلك .
(قل) رد عليهم (إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) يوسعه ويضيقه بحسب المصالح لا لكرامة وهوان (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ذلك .
(وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) قربى أي تقربا (إلا) لكن (من ءامن وعمل صالحا) أو استثناء من مفعول يقربكم أي ما يقرب أحدا إلا المؤمن الصالح المنفق ماله في البر والمعلم ولده للخير أو من فاعله بحذف مضاف (فأولئك لهم جزاء الضعف) أي يجازوا الضعف إلى العشر وأكثر من إضافة المصدر إلى مفعوله (بما عملوا وهم في الغرفات ءامنون) من كل مكروه .
(والذين يسعون في ءاياتنا) بالإبطال (معاجزين) مسابقين لنا ظانين أن يفوتونا أو معجزين مثبطين عن الخير (أولئك في العذاب محضرون).
(قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له) لشخص واحد في حالين وما سبق لشخصين فلا تكرير (وما أنفقتم من شيء) في الخير (فهو يخلفه) عاجلا وآجلا (وهو خير الرازقين) لأنه الرازق حقيقة وغيره واسطة .
(ويوم يحشرهم جميعا) المشركين (ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون) توبيخا للمشركين .
(قالوا سبحانك) تنزيها لك عن الشريك (أنت ولينا) الذي نواليه (من دونهم بل كانوا يعبدون الجن) الشياطين بطاعتهم لهم في عبادتهم لنا (أكثرهم بهم مؤمنون) مصدقون فيما يزينون لهم .
(فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا) إذ الأمر فيه لله وحده خطاب للملائكة والكفرة (ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون) عنادا .
(وإذا تتلى
[410]
عليهم ءاياتنا بينات قالوا ما هذا) أي محمد (إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد ءاباؤكم) بالدعاء إلى اتباعه (وقالوا ما هذا) أي القرآن (إلا إفك) كذب (مفترى) على الله (وقال الذين كفروا للحق) أي القرآن (لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين) بين وفي التصريح بكفرهم وحصرهم الحق في السحر مبادهة لمجيئه بلا تأمل أبلغ إنكار وتعجيب .
(وما ءاتيناهم من كتب يدرسونها) تصحح لهم الإشراك (وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) يأمرهم به فلا مستند لهم سوى التقليد والعناد .
(وكذب الذين من قبلهم) كما كذبوا (وما بلغوا) أي هؤلاء (معشار ما ءاتيناهم) عشر ما أعطيناهم أولئك من القوة والنعمة والتعمير أو ما بلغ أولئك عشر ما آتينا هؤلاء من الدلالة (فكذبوا رسلي فكيف كان نكير) إنكاري عليهم بالتدمير فليحذر هؤلاء مثله .
(قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله) تهموا بالأمر له مجانبين الهوى (مثنى وفرادى ثم تتفكروا) في أمر محمد فتعلموا (ما بصاحبكم من جنة) جنون (إن هو إلا نذير لكم بين يدي) قدام (عذاب شديد) في القيامة .
(قل ما سألتكم من أجر) على التبليغ (فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد) مطلع يعلم صدقي .
(قل إن ربي يقذف بالحق) يلقيه إلى أنبيائه أو يرمي به الباطل فيدمغه (علام الغيوب).
(قل جاء الحق) الإسلام (وما يبديء الباطل وما يعيد) أي يزهق الكفر ولم يبق له أثر لا بدءا ولا إعادة .
(قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي) أي وبال إضلالي عليها (وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي) من الهدى تفضلا (إنه سميع) للأقوال (قريب) لا تخفى عليه الأحوال .
(ولو ترى إذ فزعوا) عند الموت أو البعث أو يوم بدر لرأيت فظيعا (فلا فوت) فلا يفوتوننا (وأخذوا من مكان قريب) من ظهر الأرض إلى بطنها أو من الموقف إلى النار وعنهم (عليهم السلام) هو جيش السفياني بالبيداء يخسف بهم من تحت أقدامهم .
(وقالوا ءامنا به) بمحمد أو القرآن (وأنى) ومن أين (لهم التناوش) تناول الإيمان بسهولة (من مكان بعيد) فإنه في دار التكليف وهم في دار الآخرة .
(وقد كفروا به من قبل) في وقت التكليف (ويقذفون بالغيب) يرجمون بما غاب علمه عنهم من نفي البعث ونحوه (من مكان بعيد) من جهة بعيدة عن حال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) وحال الآخرة .
(وحيل بينهم وبين ما يشتهون) من نفع الإيمان في الآخرة (كما فعل بأشياعهم من قبل) بأمثالهم من كفرة الأمم قبلهم (إنهم كانوا في شك مريب) موجب للريب.
[411]
|