00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة مريم 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير شبر   ||   تأليف : العلامة المحقق الجليل السيد عبدالله شبر

سورة مريم

 (19) سورة مريم ثمان وتسعون آية (98) مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

(كهيعص) روي معناه أنا الكافي الهادي الولي الصادق الوعد .

(ذكر رحمت ربك) خبر كهيعص إن أول بالسورة والقرآن أو خبر محذوف أي هذا ذكر رحمة ربك (عبده زكريا).

(إذ نادى ربه نداء خفيا) سرا لأن الدعاء الخفي أقرب للإجابة .

(قال رب) يا رب (إني وهن) ضعف (العظم مني) خص لأنه أساس البدن وأصلب ما فيه (واشتعل الرأس شيبا) شبه الشيب في بياضه بالنار وانتشاره في الشعر باشتعالها (ولم أكن

[300]

بدعائك رب شقيا) خائبا بل عودتني الإجابة .

(وإني خفت الموالي) الذين يلوني في النسب وهم بنو عمه (من ورائي) بعد موتي أن يرثوا مالي فيصرفوه فيما لا ينبغي إذ كانوا أشرارا (وكانت امرأتي عاقرا) لا تلد (فهب لي من لدنك وليا) ابنا .

(يرثني ويرث) وقرىء ويرثني وأرث (من ءال يعقوب واجعله رب رضيا) مرضيا عندك .

(يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) لم نسم قبل أحدا بيحيى وقيل مثلا .

(قال) تعجبا من خرق العادة (رب أنى) كيف (يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا) يبسا وجفافا قيل كان له تسع وتسعون ولامرأته ثمان وتسعون .

(قال) الله أو الملك (كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) موجودا .

(قال رب اجعل لي ءاية) علامة لوقت الحمل (قال ءايتك ألا تكلم الناس) لا تقدر على تكليمهم (ثلاث ليال سويا) سليما بلا آفة وتدخل الأيام كما في آل عمران ثلاثة أيام .

(فخرج على قومه من المحراب) المصلى (فأوحى) أومأ (إليهم) أو كتب في الأرض (أن سبحوا) صلوا أو نزهوا الله (بكرة وعشيا) طرفي النهار .

(يا يحيى) أي فوهبنا له يحيى وقلنا (خذ الكتاب) التوراة (بقوة) بجد (وءاتيناه الحكم) النبوة أو فهم التوراة (صبيا) ابن ثلاث سنين .

(وحنانا من لدنا) ورحمة منا عليه أو على العباد (وزكوة) عملا زاكيا أو زكيناه بالثناء منا عليه أو صدقة منا على أبويه أو على الناس (وكان تقيا) مطيعا لم يهم بخطيئة .

(وبرا بوالديه ولم يكن جبارا) متكبرا (عصيا) عاصيا لربه .

(وسلام عليه) من الله (يوم ولد) من عبث الشيطان به (ويوم يموت) من عذاب القبر (ويوم يبعث حيا) من هول المطلع والنار .

(واذكر في الكتاب) القرآن (مريم) قصتها (إذ انتبذت) اعتزلت (من أهلها مكانا شرقيا) في مكان نحو المشرق من بيت المقدس أو من دارها .

(فاتخذت من دونهم حجابا) سترا يسترها لتفلي رأسها أو تغتسل (فأرسلنا إليها روحنا) جبرئيل (فتمثل لها بشرا سويا) في صورة شاب تام الخلق .

(قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) تتقي الله وترتدع بالاستعاذة فإني عائذة به منك أو فاتعظ بتعوذي .

(قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا) طاهرا من الأدناس أو ناميا على الخير أو نبيا .

(قالت أنى يكون لي غلام

[301]

ولم يمسسني بشر) بالحلال (ولم أك بغيا) زانية .

(قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا) لمن يؤمن به (وكان) خلقه (أمرا مقضيا) في علم الله .

(فحملته) بأن نفخ في جيب درعها فأحست بالحمل (فانتبذت به) تنحت بالحمل (مكانا قصيا) بعيدا من أهلها حياء منهم وكان مدة حملها تسع ساعات وقيل ساعة وسنها عشر سنين أو ثلاث عشرة .

(فأجاءها المخاض) ألجأها الطلق (إلى جذع النخلة) ساقها لتستند إليها وكانت نخرة لا رأس لها (قالت) استحياء من الناس أن يتهموها (يا) للتنبيه (ليتني مت قبل هذا) الأمر (وكنت نسيا) بالكسر ما من حقه أن ينسى وقرىء بالفتح (منسيا) متروكا لا يذكر .

(فناداها من تحتها) عيسى أو جبرئيل.

(ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) جدولا ضرب عيسى برجله أو جبرئيل فظهر ماء يجري وقيل شريفا وهو عيسى .

(وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) طريا .

(فكلي) من الرطب (واشربي) من السري (وقري عينا) بالأكل والشرب والتسلية بما فيها من المعجزات المنزهة لها (فإما ترين من البشر أحدا) يسألك عن ولدك (فقولي إني نذرت للرحمن صوما) إمساكا عن تكليم الأناسي (فلن أكلم اليوم إنسيا) بعد إخباري بنذري وقيل أخبرتهم به بالإشارة .

(فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا) منكرا عظيما إذ ولدت من غير زوج .

(يا أخت هرون) هو رجل صالح كان في زمانهم شبهوها به تهكما أو طالح شبهوها به أو أخو موسى لأنها من ولده وكان بينهما ألف سنة (ما كان أبوك امرأ سوء) زانيا (وما كانت أمك بغيا) زانية فكيف أتيت بولد .

(فأشارت إليه) إلى عيسى أن كلموه ليجيبكم (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا).

(قال إني عبد الله) ردا على من يزعم ربوبيته (ءاتاني الكتاب) الإنجيل (وجعلني نبيا).

(وجعلني مباركا) نفاعا معلما للخير (أين ما كنت وأوصاني) أمرني (بالصلوة والزكوة ما دمت حيا).

(وبرا) وجعلني بارا (بوالدتي ولم يجعلني جبارا) متكبرا (شقيا) عاصيا لله .

(والسلام) من الله (علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) مر تفسيره .

(ذلك) الذي وصفناه هو (عيسى ابن مريم) لا ما تصفه النصارى (قول الحق الذي فيه يمترون) يشكون فقالت اليهود ساحر وقالت النصارى ابن الله .

(ما كان لله أن يتخذ من ولد) زيدت من لتأكيد النفي (سبحانه) تنزيها له عن ذلك (إذا قضى

[302]

أمرا فإنما يقول له كن فيكون) من ذلك خلق عيسى من غير أب .

(وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) فسر في آل عمران .

(فاختلف الأحزاب من بينهم) اليهود والنصارى أو فرقهم فمن قائل هو الله ومن قائل ابنه وآخر ثالث ثلاثة أو عبده ونبيه (فويل للذين كفروا) بقولهم في عيسى (من مشهد يوم عظيم) من حضورهم يوم القيامة وهوله العظيم أو وقت حضورهم أو مكانهم فيه .

(أسمع بهم وأبصر) أي ما أسمعهم وأبصرهم (يوم يأتوننا) في الآخرة (لكن الظالمون) أقيم مقام الضمير إيذانا بالعلة (اليوم) أي في الدنيا (في ضلال مبين).

(وأنذرهم) خوف كفار مكة (يوم الحسرة) يوم القيامة بتحسر المسيء فيه هلا أحسن العمل (إذ قضي الأمر) فرغ من الحساب أو أدخل قوم الجنة وقوم النار (و) إذ (هم في غفلة وهم لا يؤمنون) حال متعلقة بأنذرهم يعطي التعليل.

(إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) من العقلاء وغيرهم بأن نهلكهم فلا يبقى فيها مالك ولا ملك غيرنا (وإلينا يرجعون) يردون للجزاء .

(واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا) مبالغا في الصدق أو كثير التصديق للحق (نبيا) لله .

(إذ قال لأبيه) آزر وهو عمه أو جده لأمه (يا أبت لم تعبد ما لا يبصر ولا يغني عنك) لا يكفيك (شيئا) من جلب نفع ودفع شر .

(يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا) طريقا مستقيما .

(يا أبت لا تعبد الشيطان) أي لا تطعه في عبادة الأصنام فتكون كمن عبده (إن الشيطان كان للرحمن عصيا) كثير العصيان .

(يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن) ذكر الخوف ونكر العذاب مجاملة أو تجويزا للتوبة (فتكون للشيطان وليا) لاحقا في اللعن أو قرينا في النار .

(قال أراغب أنت عن ءالهتي يا إبراهيم لئن لم تنته) عن التعرض لها (لأرجمنك) بالحجارة أو بالشتم (واهجرني مليا) دهرا طويلا .

(قال سلام عليك) سلام توديع ومهاجرة أي لا أصيبك بمكروه (سأستغفر لك ربي) بأن يوفقك لما توجب مغفرته (إنه كان بي حفيا) بارا لطيفا .

(وأعتزلكم وما تدعون) أجانبكم وما تعبدون (من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي) بعبادته (شقيا) خائبا مثلكم في دعاء الأصنام .

(فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله) بالهجرة إلى الشام (وهبنا له

[303]

إسحق ويعقوب) عوضا عن من فارقهم (وكلا) منهما أو منهم (جعلنا نبيا).

(ووهبنا لهم) للثلاثة (من رحمتنا) نعم الدين والدنيا (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) ثناء حسنا رفيعا في جميع أهل الأديان عبر باللسان عما يوجد به .

(واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا) أخلص عبادته أو نفسه لله وحده (وكان رسولا) من الله إلى الناس (نبيا) أخر لتأخر الإنباء عن الإرسال وللفاصلة .

(وناديناه) بيا موسى إني أنا الله (من جانب الطور) جبل بالشام (الأيمن) الذي يلي يمين موسى أو الميمون من اليمن (وقربناه) تقريب كرامة (نجيا) مناجيا .

(ووهبنا له من رحمتنا) من أجل نعمتنا أو بعضها (أخاه) أي مؤازرة أخيه إجابة لدعوته واجعل لي وزيرا من أهلي (هرون نبيا).

(واذكر في الكتاب إسماعيل) ابن إبراهيم (إنه كان صادق الوعد) إذا وعد شيئا وفى به وقد وقع الصبر على الذبح فوفى وروي أنه إسماعيل بن حزقيل انتظر من وعده سنة حتى أتاه وهو في مكانه (وكان رسولا نبيا).

(وكان يأمر أهله بالصلوة والزكوة) يبدأ بإصلاح من هو أقرب إليه لأنه الأهم وأنذر عشيرتك الأقربين - قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقيل أهل أمته (وكان عند ربه مرضيا) في أفعاله وأقواله .

(واذكر في الكتاب إدريس) هذا جد أبي نوح ويسمى هرمس وهو أول من خط بالقلم وخاط الثياب (إنه كان صديقا نبيا).

(ورفعناه مكانا عليا) هو شرف النبوة وسمو القدر وقيل السماء الرابعة أو السادسة وقيل الجنة بعد أن قبض روحه في الرابعة وأحيا .

(أولئك) المذكورين من زكريا إلى إدريس (الذين أنعم الله عليهم) بالنعم الدينية والدنيوية (من النبيين من ذرية آدم) كإدريس (وممن حملنا) في السفينة (مع نوح) وهو إبراهيم من ذرية سام (ومن ذرية إبراهيم) أي إسماعيل وإسحق ويعقوب (وإسرائيل) أي ومن ذرية إسرائيل ويعقوب أي موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى ويفيد أن ولد البنت من الذرية (وممن هدينا) أي ومن حملتهم (واجتبينا) واخترنا (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) حالان جمع ساجد وباك وأصل بكى بكوي قلبت الواو ياء وأدغمت وكسر ما قبلها، قيل لعل المراد بالآيات الكتب المنزلة عليهم .

(فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة) بتركها أو تأخيرها عن وقتها (واتبعوا الشهوات) فيما حرم عليهم (فسوف يلقون غيا) شرا أو جزاء غي أو غيا عن طريق الجنة، أو هو واد في جهنم .

(إلا) لكن (من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة) ببناء المعلوم والمجهول (ولا يظلمون) ينقصون (شيئا) من ثوابهم .

(جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب) حال أي غائبين عنها أو غائبة عنهم (إنه كان وعده) أي موعوده (مأتيا) بمعنى آت أي وموعوده الجنة يأتيها أهلها .

(لا يسمعون فيها لغوا) قولا لا طائل تحته (إلا) لكن يسمعون (سلاما) من الملائكة عليهم أو من بعضهم على بعض أو الاستثناء متصل أي إن كان للتسليم لغوا فلا يسمعون سواه (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) أي على قدرهما في

[304]

الدنيا إذ لا نهار فيها ولا ليل بل ضوء ونور، وقيل أريد دوام الرزق.

(تلك الجنة التي نورث) نعطي ونملك كما يملك الوارث مال مورثه (من عبادنا من كان تقيا) بطاعته .

(وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا) من الأماكن أو الأزمنة الماضية والآتية (وما بين ذلك) من المكان والزمان الذي نحن فيه أوله ما يستقبل من أمور الآخرة وما مضى من أمور الدنيا وما بين النفختين (وما كان ربك نسيا) ناسيا تاركا لك أي إنما تأخر النزول لعدم الأمر به لا لترك الله لك كقوله تعالى ما ودعك ربك وما قلى.

(رب السموات والأرض وما بينهما) خبر محذوف (فاعبده واصطبر لعبادته) أي واصبر عليها وعدي باللام لتضمنه معنى الثبات للعبادة (هل تعلم له سميا) أي ليس له مثل ولا شريك له في اسمه فإن الصنم إن سمي إلها لم يسم الله قط.

(و يقول الإنسان) أي جنسه أو المنكر للبعث (أئذا ما مت لسوف أخرج حيا) من القبر أو من حال الموت وقدم الظرف مصدرا بهمزة الإنكار لأن المنكر كون ما بعد الموت وقت الحياة.

(أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) كائنا فيستدل بالابتداء على الإعادة .

(فوربك لنحشرنهم) أي منكري البعث (والشياطين) مقرونين بهم (ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا) على الركب لما يدهشهم من الهول .

(ثم لننزعن) لنميزن (من كل شيعة) فرقة (أيهم أشد على الرحمن عتيا) أي الأعتى فالأعتى فنلقيهم فيها.

(ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها) أحق بجهنم (صليا) دخولا.

(وإن) وما (منكم) أحد (إلا واردها) واصلها ومشرف عليها وقيل داخلها فلا يبقى بر ولا فاجر إلا ويدخلها فتكون بردا وسلاما على المؤمنين وعذابا لازما على الكافرين (كان على ربك حتما مقضيا) واجبا أوجبه على نفسه وقضى بأنه يكون .

(ثم ننجي) بالتشديد والتخفيف (الذين اتقوا) الشرك (ونذر الظالمين) بالشرك على حالهم (فيها جثيا) على الركب.

(وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات) ظاهرات الإعجاز أو الحجج (قال الذين كفروا للذين ءامنوا أي الفريقين) أي نحن أم أنتم (خير مقاما) موضع قيام أو إقامة (وأحسن نديا) مجلسا .

(وكم) وكثيرا (أهلكنا قبلهم من قرن) أهل عصر (هم أحسن أثاثا) أي متاعا وزينة (ورئيا) ومنظرا من الرؤية .

(قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) أي يمده بطول العمر والتمتع استدراجا له (حتى إذا رأوا ما يوعدون) غاية المد وتفصيل الموعود (إما العذاب) بالقتل والأسر (وإما الساعة) أي القيامة ودخولهم النار فيها (فسيعلمون من هو شر مكانا) أهم أم المؤمنون (وأضعف جندا) أعوانا مقابل ل أحسن نديا .

(ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) بالتوفيق (والباقيات الصالحات) الطاعات الباقي ثوابها وفسرت بالصلوات الخمس ومودة أهل البيت والتسبيحات الأربع (خير عند ربك ثوابا

[305]

وخير مردا) عاقبة ومنفعة يرد إليها مما تمتع به الكفار من النعم الزائلة التي يفتخرون بها والخير هنا لمجرد الزيادة.

(أفرأيت الذي كفر بآياتنا) أي أخبر بقصة هذا الكافر عقيب قصة أولئك وهو العاص بن وائل (وقال) لخباب بن الأرت حين طالبه بدين وقال له تبعث بعد الموت (لأوتين) على تقدير البعث كما تزعم (مالا وولدا) فأقضيك ثمة.

(أطلع الغيب) أشرف على علم الغيب المتفرد به الله تعالى حتى علم أن يؤتى مالا وولدا (أم اتخذ عند الرحمن عهدا) عهد الله إليه أن يؤتيه ذلك وقيل العهد العمل الصالح أو كلمة الشهادة .

(كلا) ردع وزجر له (سنكتب ما يقول) إذ الحفظة يكتبونه (ونمد له من العذاب مدا) تزيده بذلك عذابا فوق عذاب كفره .

(ونرثه) بإهلاكه (ما يقول) من المال والولد (ويأتينا) يوم القيامة (فردا) لا مال له ولا ولد .

(واتخذوا) أي كفار مكة (من دون الله ءالهة) أصناما يعبدونها (ليكونوا لهم عزا) شفعاء يعتزون بهم .

(كلا) ردع (سيكفرون بعبادتهم) تجحد الآلهة عبادتهم وتكذبهم كقوله تعالى فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون أو ستجحد الكفرة أنهم عبدوها ويقولون والله ربنا ما كنا مشركين (ويكونون) أي آلهة (عليهم ضدا) أي أعداء وأعوانا في عذابهم أو ضد العز وهو الذل .

(ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين) خلينا بينهم وبينهم كما يقع لمن خلى بين الكلب وغيره أرسله عليه (تؤزهم أزا) تعزيهم أو تحثهم على المعاصي بالتسويلات .

(فلا تعجل عليهم) بطلب هلاكهم (إنما نعد لهم) الأيام والأنفاس (عدا) وما دخل تحت العدد كأنه قد نفد .

(يوم نحشر المتقين) نجمعهم (إلى الرحمن) إلى دار كرامته ولعل العدول من قوله إلينا لما في لفظ الرحمن المولى النعم من الإشارة (وفدا) وافدين، عن علي (عليه السلام) ركبانا على نوق رحالها من ذهب .

(ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) نحثهم على السير إليها واردين عطاشا كالإبل التي ترد الماء .

(لا يملكون الشفاعة) أي الناس المعلوم من القسمين (إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) إلا من استظهر بالإيمان والعمل الصالح أو بكلمة الشهادة أو إلا من وعده أن يشفع كالأنبياء والمؤمنين .

(وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) الضمير لليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله .

(لقد جئتم) التفات للتسجيل عليهم بالجرأة على الله (شيئا إدا) منكرا .

(تكاد السموات) وقرىء بالياء (يتفطرن منه) يتشققن (وتنشق الأرض وتخر الجبال) تسقط عليهم (هدا) كسرا وهدما .

(أن دعوا للرحمن ولدا) منصوب بنزع الخافض علة لتكاد أو لهدا أو مجرور بدل من هاء منه .

(وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا) أي لا يليق به اتخاذ الولد .

(إن كل من في السموات والأرض) أي ما منهم أحد (إلا ءاتي الرحمن عبدا) مقرا بالعبودية خاضعا ذليلا ومنهم عزير وعيسى والملائكة .

(لقد أحصاهم) أحاط بهم علما وقدرة (وعدهم عدا) بعلمه فلا يخفى عليه شيء من أحوالهم .

(وكلهم ءاتيه يوم القيامة فردا) لا مال له ولا نصير ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم .

(إن الذين ءامنوا

[306]

وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) عن ابن عباس أنها في علي فما من مؤمن إلا في قلبه محبة وقيل إنها عامة في جميع المؤمنين جعل الله لهم المحبة في قلوب الصالحين .

(فإنما يسرناه) أي القرآن (بلسانك) بأن أنزلناه بلغتك (لتبشر به المتقين) للشرك والكبائر بالجنة (وتنذر به قوما لدا) جمع ألد أي شديد الجدال بالباطل .

(وكم) أي كثير (أهلكنا قبلهم من قرن) أي أمة من الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتهديد للكفرة (هل تحس) تبصر (منهم من أحد) من مزيدة (أو تسمع لهم ركزا) صوتا خفيا فكما أهلكناهم نهلك هؤلاء.

 (19) سورة مريم ثمان وتسعون آية (98) مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

(كهيعص) روي معناه أنا الكافي الهادي الولي الصادق الوعد .

(ذكر رحمت ربك) خبر كهيعص إن أول بالسورة والقرآن أو خبر محذوف أي هذا ذكر رحمة ربك (عبده زكريا).

(إذ نادى ربه نداء خفيا) سرا لأن الدعاء الخفي أقرب للإجابة .

(قال رب) يا رب (إني وهن) ضعف (العظم مني) خص لأنه أساس البدن وأصلب ما فيه (واشتعل الرأس شيبا) شبه الشيب في بياضه بالنار وانتشاره في الشعر باشتعالها (ولم أكن

[300]

بدعائك رب شقيا) خائبا بل عودتني الإجابة .

(وإني خفت الموالي) الذين يلوني في النسب وهم بنو عمه (من ورائي) بعد موتي أن يرثوا مالي فيصرفوه فيما لا ينبغي إذ كانوا أشرارا (وكانت امرأتي عاقرا) لا تلد (فهب لي من لدنك وليا) ابنا .

(يرثني ويرث) وقرىء ويرثني وأرث (من ءال يعقوب واجعله رب رضيا) مرضيا عندك .

(يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا) لم نسم قبل أحدا بيحيى وقيل مثلا .

(قال) تعجبا من خرق العادة (رب أنى) كيف (يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا) يبسا وجفافا قيل كان له تسع وتسعون ولامرأته ثمان وتسعون .

(قال) الله أو الملك (كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) موجودا .

(قال رب اجعل لي ءاية) علامة لوقت الحمل (قال ءايتك ألا تكلم الناس) لا تقدر على تكليمهم (ثلاث ليال سويا) سليما بلا آفة وتدخل الأيام كما في آل عمران ثلاثة أيام .

(فخرج على قومه من المحراب) المصلى (فأوحى) أومأ (إليهم) أو كتب في الأرض (أن سبحوا) صلوا أو نزهوا الله (بكرة وعشيا) طرفي النهار .

(يا يحيى) أي فوهبنا له يحيى وقلنا (خذ الكتاب) التوراة (بقوة) بجد (وءاتيناه الحكم) النبوة أو فهم التوراة (صبيا) ابن ثلاث سنين .

(وحنانا من لدنا) ورحمة منا عليه أو على العباد (وزكوة) عملا زاكيا أو زكيناه بالثناء منا عليه أو صدقة منا على أبويه أو على الناس (وكان تقيا) مطيعا لم يهم بخطيئة .

(وبرا بوالديه ولم يكن جبارا) متكبرا (عصيا) عاصيا لربه .

(وسلام عليه) من الله (يوم ولد) من عبث الشيطان به (ويوم يموت) من عذاب القبر (ويوم يبعث حيا) من هول المطلع والنار .

(واذكر في الكتاب) القرآن (مريم) قصتها (إذ انتبذت) اعتزلت (من أهلها مكانا شرقيا) في مكان نحو المشرق من بيت المقدس أو من دارها .

(فاتخذت من دونهم حجابا) سترا يسترها لتفلي رأسها أو تغتسل (فأرسلنا إليها روحنا) جبرئيل (فتمثل لها بشرا سويا) في صورة شاب تام الخلق .

(قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) تتقي الله وترتدع بالاستعاذة فإني عائذة به منك أو فاتعظ بتعوذي .

(قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا) طاهرا من الأدناس أو ناميا على الخير أو نبيا .

(قالت أنى يكون لي غلام

[301]

ولم يمسسني بشر) بالحلال (ولم أك بغيا) زانية .

(قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا) لمن يؤمن به (وكان) خلقه (أمرا مقضيا) في علم الله .

(فحملته) بأن نفخ في جيب درعها فأحست بالحمل (فانتبذت به) تنحت بالحمل (مكانا قصيا) بعيدا من أهلها حياء منهم وكان مدة حملها تسع ساعات وقيل ساعة وسنها عشر سنين أو ثلاث عشرة .

(فأجاءها المخاض) ألجأها الطلق (إلى جذع النخلة) ساقها لتستند إليها وكانت نخرة لا رأس لها (قالت) استحياء من الناس أن يتهموها (يا) للتنبيه (ليتني مت قبل هذا) الأمر (وكنت نسيا) بالكسر ما من حقه أن ينسى وقرىء بالفتح (منسيا) متروكا لا يذكر .

(فناداها من تحتها) عيسى أو جبرئيل.

(ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) جدولا ضرب عيسى برجله أو جبرئيل فظهر ماء يجري وقيل شريفا وهو عيسى .

(وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) طريا .

(فكلي) من الرطب (واشربي) من السري (وقري عينا) بالأكل والشرب والتسلية بما فيها من المعجزات المنزهة لها (فإما ترين من البشر أحدا) يسألك عن ولدك (فقولي إني نذرت للرحمن صوما) إمساكا عن تكليم الأناسي (فلن أكلم اليوم إنسيا) بعد إخباري بنذري وقيل أخبرتهم به بالإشارة .

(فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا) منكرا عظيما إذ ولدت من غير زوج .

(يا أخت هرون) هو رجل صالح كان في زمانهم شبهوها به تهكما أو طالح شبهوها به أو أخو موسى لأنها من ولده وكان بينهما ألف سنة (ما كان أبوك امرأ سوء) زانيا (وما كانت أمك بغيا) زانية فكيف أتيت بولد .

(فأشارت إليه) إلى عيسى أن كلموه ليجيبكم (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا).

(قال إني عبد الله) ردا على من يزعم ربوبيته (ءاتاني الكتاب) الإنجيل (وجعلني نبيا).

(وجعلني مباركا) نفاعا معلما للخير (أين ما كنت وأوصاني) أمرني (بالصلوة والزكوة ما دمت حيا).

(وبرا) وجعلني بارا (بوالدتي ولم يجعلني جبارا) متكبرا (شقيا) عاصيا لله .

(والسلام) من الله (علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) مر تفسيره .

(ذلك) الذي وصفناه هو (عيسى ابن مريم) لا ما تصفه النصارى (قول الحق الذي فيه يمترون) يشكون فقالت اليهود ساحر وقالت النصارى ابن الله .

(ما كان لله أن يتخذ من ولد) زيدت من لتأكيد النفي (سبحانه) تنزيها له عن ذلك (إذا قضى

[302]

أمرا فإنما يقول له كن فيكون) من ذلك خلق عيسى من غير أب .

(وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم) فسر في آل عمران .

(فاختلف الأحزاب من بينهم) اليهود والنصارى أو فرقهم فمن قائل هو الله ومن قائل ابنه وآخر ثالث ثلاثة أو عبده ونبيه (فويل للذين كفروا) بقولهم في عيسى (من مشهد يوم عظيم) من حضورهم يوم القيامة وهوله العظيم أو وقت حضورهم أو مكانهم فيه .

(أسمع بهم وأبصر) أي ما أسمعهم وأبصرهم (يوم يأتوننا) في الآخرة (لكن الظالمون) أقيم مقام الضمير إيذانا بالعلة (اليوم) أي في الدنيا (في ضلال مبين).

(وأنذرهم) خوف كفار مكة (يوم الحسرة) يوم القيامة بتحسر المسيء فيه هلا أحسن العمل (إذ قضي الأمر) فرغ من الحساب أو أدخل قوم الجنة وقوم النار (و) إذ (هم في غفلة وهم لا يؤمنون) حال متعلقة بأنذرهم يعطي التعليل.

(إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) من العقلاء وغيرهم بأن نهلكهم فلا يبقى فيها مالك ولا ملك غيرنا (وإلينا يرجعون) يردون للجزاء .

(واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا) مبالغا في الصدق أو كثير التصديق للحق (نبيا) لله .

(إذ قال لأبيه) آزر وهو عمه أو جده لأمه (يا أبت لم تعبد ما لا يبصر ولا يغني عنك) لا يكفيك (شيئا) من جلب نفع ودفع شر .

(يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا) طريقا مستقيما .

(يا أبت لا تعبد الشيطان) أي لا تطعه في عبادة الأصنام فتكون كمن عبده (إن الشيطان كان للرحمن عصيا) كثير العصيان .

(يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن) ذكر الخوف ونكر العذاب مجاملة أو تجويزا للتوبة (فتكون للشيطان وليا) لاحقا في اللعن أو قرينا في النار .

(قال أراغب أنت عن ءالهتي يا إبراهيم لئن لم تنته) عن التعرض لها (لأرجمنك) بالحجارة أو بالشتم (واهجرني مليا) دهرا طويلا .

(قال سلام عليك) سلام توديع ومهاجرة أي لا أصيبك بمكروه (سأستغفر لك ربي) بأن يوفقك لما توجب مغفرته (إنه كان بي حفيا) بارا لطيفا .

(وأعتزلكم وما تدعون) أجانبكم وما تعبدون (من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي) بعبادته (شقيا) خائبا مثلكم في دعاء الأصنام .

(فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله) بالهجرة إلى الشام (وهبنا له

[303]

إسحق ويعقوب) عوضا عن من فارقهم (وكلا) منهما أو منهم (جعلنا نبيا).

(ووهبنا لهم) للثلاثة (من رحمتنا) نعم الدين والدنيا (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) ثناء حسنا رفيعا في جميع أهل الأديان عبر باللسان عما يوجد به .

(واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا) أخلص عبادته أو نفسه لله وحده (وكان رسولا) من الله إلى الناس (نبيا) أخر لتأخر الإنباء عن الإرسال وللفاصلة .

(وناديناه) بيا موسى إني أنا الله (من جانب الطور) جبل بالشام (الأيمن) الذي يلي يمين موسى أو الميمون من اليمن (وقربناه) تقريب كرامة (نجيا) مناجيا .

(ووهبنا له من رحمتنا) من أجل نعمتنا أو بعضها (أخاه) أي مؤازرة أخيه إجابة لدعوته واجعل لي وزيرا من أهلي (هرون نبيا).

(واذكر في الكتاب إسماعيل) ابن إبراهيم (إنه كان صادق الوعد) إذا وعد شيئا وفى به وقد وقع الصبر على الذبح فوفى وروي أنه إسماعيل بن حزقيل انتظر من وعده سنة حتى أتاه وهو في مكانه (وكان رسولا نبيا).

(وكان يأمر أهله بالصلوة والزكوة) يبدأ بإصلاح من هو أقرب إليه لأنه الأهم وأنذر عشيرتك الأقربين - قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقيل أهل أمته (وكان عند ربه مرضيا) في أفعاله وأقواله .

(واذكر في الكتاب إدريس) هذا جد أبي نوح ويسمى هرمس وهو أول من خط بالقلم وخاط الثياب (إنه كان صديقا نبيا).

(ورفعناه مكانا عليا) هو شرف النبوة وسمو القدر وقيل السماء الرابعة أو السادسة وقيل الجنة بعد أن قبض روحه في الرابعة وأحيا .

(أولئك) المذكورين من زكريا إلى إدريس (الذين أنعم الله عليهم) بالنعم الدينية والدنيوية (من النبيين من ذرية آدم) كإدريس (وممن حملنا) في السفينة (مع نوح) وهو إبراهيم من ذرية سام (ومن ذرية إبراهيم) أي إسماعيل وإسحق ويعقوب (وإسرائيل) أي ومن ذرية إسرائيل ويعقوب أي موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى ويفيد أن ولد البنت من الذرية (وممن هدينا) أي ومن حملتهم (واجتبينا) واخترنا (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا) حالان جمع ساجد وباك وأصل بكى بكوي قلبت الواو ياء وأدغمت وكسر ما قبلها، قيل لعل المراد بالآيات الكتب المنزلة عليهم .

(فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة) بتركها أو تأخيرها عن وقتها (واتبعوا الشهوات) فيما حرم عليهم (فسوف يلقون غيا) شرا أو جزاء غي أو غيا عن طريق الجنة، أو هو واد في جهنم .

(إلا) لكن (من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة) ببناء المعلوم والمجهول (ولا يظلمون) ينقصون (شيئا) من ثوابهم .

(جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب) حال أي غائبين عنها أو غائبة عنهم (إنه كان وعده) أي موعوده (مأتيا) بمعنى آت أي وموعوده الجنة يأتيها أهلها .

(لا يسمعون فيها لغوا) قولا لا طائل تحته (إلا) لكن يسمعون (سلاما) من الملائكة عليهم أو من بعضهم على بعض أو الاستثناء متصل أي إن كان للتسليم لغوا فلا يسمعون سواه (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) أي على قدرهما في

[304]

الدنيا إذ لا نهار فيها ولا ليل بل ضوء ونور، وقيل أريد دوام الرزق.

(تلك الجنة التي نورث) نعطي ونملك كما يملك الوارث مال مورثه (من عبادنا من كان تقيا) بطاعته .

(وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا) من الأماكن أو الأزمنة الماضية والآتية (وما بين ذلك) من المكان والزمان الذي نحن فيه أوله ما يستقبل من أمور الآخرة وما مضى من أمور الدنيا وما بين النفختين (وما كان ربك نسيا) ناسيا تاركا لك أي إنما تأخر النزول لعدم الأمر به لا لترك الله لك كقوله تعالى ما ودعك ربك وما قلى.

(رب السموات والأرض وما بينهما) خبر محذوف (فاعبده واصطبر لعبادته) أي واصبر عليها وعدي باللام لتضمنه معنى الثبات للعبادة (هل تعلم له سميا) أي ليس له مثل ولا شريك له في اسمه فإن الصنم إن سمي إلها لم يسم الله قط.

(و يقول الإنسان) أي جنسه أو المنكر للبعث (أئذا ما مت لسوف أخرج حيا) من القبر أو من حال الموت وقدم الظرف مصدرا بهمزة الإنكار لأن المنكر كون ما بعد الموت وقت الحياة.

(أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا) كائنا فيستدل بالابتداء على الإعادة .

(فوربك لنحشرنهم) أي منكري البعث (والشياطين) مقرونين بهم (ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا) على الركب لما يدهشهم من الهول .

(ثم لننزعن) لنميزن (من كل شيعة) فرقة (أيهم أشد على الرحمن عتيا) أي الأعتى فالأعتى فنلقيهم فيها.

(ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها) أحق بجهنم (صليا) دخولا.

(وإن) وما (منكم) أحد (إلا واردها) واصلها ومشرف عليها وقيل داخلها فلا يبقى بر ولا فاجر إلا ويدخلها فتكون بردا وسلاما على المؤمنين وعذابا لازما على الكافرين (كان على ربك حتما مقضيا) واجبا أوجبه على نفسه وقضى بأنه يكون .

(ثم ننجي) بالتشديد والتخفيف (الذين اتقوا) الشرك (ونذر الظالمين) بالشرك على حالهم (فيها جثيا) على الركب.

(وإذا تتلى عليهم ءاياتنا بينات) ظاهرات الإعجاز أو الحجج (قال الذين كفروا للذين ءامنوا أي الفريقين) أي نحن أم أنتم (خير مقاما) موضع قيام أو إقامة (وأحسن نديا) مجلسا .

(وكم) وكثيرا (أهلكنا قبلهم من قرن) أهل عصر (هم أحسن أثاثا) أي متاعا وزينة (ورئيا) ومنظرا من الرؤية .

(قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا) أي يمده بطول العمر والتمتع استدراجا له (حتى إذا رأوا ما يوعدون) غاية المد وتفصيل الموعود (إما العذاب) بالقتل والأسر (وإما الساعة) أي القيامة ودخولهم النار فيها (فسيعلمون من هو شر مكانا) أهم أم المؤمنون (وأضعف جندا) أعوانا مقابل ل أحسن نديا .

(ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) بالتوفيق (والباقيات الصالحات) الطاعات الباقي ثوابها وفسرت بالصلوات الخمس ومودة أهل البيت والتسبيحات الأربع (خير عند ربك ثوابا

[305]

وخير مردا) عاقبة ومنفعة يرد إليها مما تمتع به الكفار من النعم الزائلة التي يفتخرون بها والخير هنا لمجرد الزيادة.

(أفرأيت الذي كفر بآياتنا) أي أخبر بقصة هذا الكافر عقيب قصة أولئك وهو العاص بن وائل (وقال) لخباب بن الأرت حين طالبه بدين وقال له تبعث بعد الموت (لأوتين) على تقدير البعث كما تزعم (مالا وولدا) فأقضيك ثمة.

(أطلع الغيب) أشرف على علم الغيب المتفرد به الله تعالى حتى علم أن يؤتى مالا وولدا (أم اتخذ عند الرحمن عهدا) عهد الله إليه أن يؤتيه ذلك وقيل العهد العمل الصالح أو كلمة الشهادة .

(كلا) ردع وزجر له (سنكتب ما يقول) إذ الحفظة يكتبونه (ونمد له من العذاب مدا) تزيده بذلك عذابا فوق عذاب كفره .

(ونرثه) بإهلاكه (ما يقول) من المال والولد (ويأتينا) يوم القيامة (فردا) لا مال له ولا ولد .

(واتخذوا) أي كفار مكة (من دون الله ءالهة) أصناما يعبدونها (ليكونوا لهم عزا) شفعاء يعتزون بهم .

(كلا) ردع (سيكفرون بعبادتهم) تجحد الآلهة عبادتهم وتكذبهم كقوله تعالى فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون أو ستجحد الكفرة أنهم عبدوها ويقولون والله ربنا ما كنا مشركين (ويكونون) أي آلهة (عليهم ضدا) أي أعداء وأعوانا في عذابهم أو ضد العز وهو الذل .

(ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين) خلينا بينهم وبينهم كما يقع لمن خلى بين الكلب وغيره أرسله عليه (تؤزهم أزا) تعزيهم أو تحثهم على المعاصي بالتسويلات .

(فلا تعجل عليهم) بطلب هلاكهم (إنما نعد لهم) الأيام والأنفاس (عدا) وما دخل تحت العدد كأنه قد نفد .

(يوم نحشر المتقين) نجمعهم (إلى الرحمن) إلى دار كرامته ولعل العدول من قوله إلينا لما في لفظ الرحمن المولى النعم من الإشارة (وفدا) وافدين، عن علي (عليه السلام) ركبانا على نوق رحالها من ذهب .

(ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) نحثهم على السير إليها واردين عطاشا كالإبل التي ترد الماء .

(لا يملكون الشفاعة) أي الناس المعلوم من القسمين (إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) إلا من استظهر بالإيمان والعمل الصالح أو بكلمة الشهادة أو إلا من وعده أن يشفع كالأنبياء والمؤمنين .

(وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) الضمير لليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله .

(لقد جئتم) التفات للتسجيل عليهم بالجرأة على الله (شيئا إدا) منكرا .

(تكاد السموات) وقرىء بالياء (يتفطرن منه) يتشققن (وتنشق الأرض وتخر الجبال) تسقط عليهم (هدا) كسرا وهدما .

(أن دعوا للرحمن ولدا) منصوب بنزع الخافض علة لتكاد أو لهدا أو مجرور بدل من هاء منه .

(وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا) أي لا يليق به اتخاذ الولد .

(إن كل من في السموات والأرض) أي ما منهم أحد (إلا ءاتي الرحمن عبدا) مقرا بالعبودية خاضعا ذليلا ومنهم عزير وعيسى والملائكة .

(لقد أحصاهم) أحاط بهم علما وقدرة (وعدهم عدا) بعلمه فلا يخفى عليه شيء من أحوالهم .

(وكلهم ءاتيه يوم القيامة فردا) لا مال له ولا نصير ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم .

(إن الذين ءامنوا

[306]

وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) عن ابن عباس أنها في علي فما من مؤمن إلا في قلبه محبة وقيل إنها عامة في جميع المؤمنين جعل الله لهم المحبة في قلوب الصالحين .

(فإنما يسرناه) أي القرآن (بلسانك) بأن أنزلناه بلغتك (لتبشر به المتقين) للشرك والكبائر بالجنة (وتنذر به قوما لدا) جمع ألد أي شديد الجدال بالباطل .

(وكم) أي كثير (أهلكنا قبلهم من قرن) أي أمة من الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتهديد للكفرة (هل تحس) تبصر (منهم من أحد) من مزيدة (أو تسمع لهم ركزا) صوتا خفيا فكما أهلكناهم نهلك هؤلاء.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21338321

  • التاريخ : 29/03/2024 - 10:07

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net