00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الكهف 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير شبر   ||   تأليف : العلامة المحقق الجليل السيد عبدالله شبر

سورة الكهف

 (18) سورة الكهف مائة وعشرة آيات (110) مكية

إلا واصبر نفسك الآية.

بسم الله الرحمن الرحيم

(الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) القرآن (ولم يجعل له عوجا) باختلال الألفاظ وتناقض المعنى .

(قيما) مستويا لا تناقض فيه أو قيما بمصالح العباد أو على الكتب مصدقا لها وانتصابه بمقدر أي جعله قيما أو على الحال من الكتاب (لينذر) كفار قريش (بأسا) عذابا (شديدا من لدنه) صادرا من عنده (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا) هو الجنة بدليل .

(ماكثين فيه أبدا) لا إلى نهاية .

(وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا) كرر الإنذار مخصصا بهم لعظم كفرهم وحذف المنذر به لسبق ذكره .

(ما لهم به من علم) وإنما صدر عن جهل وتقليد (ولا لآبائهم) القائلين به من قبلهم (كبرت) عظمت مقالتهم هذه أو الضمير مبهم يفسره (كلمة) وهي تمييز (تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا).

(فلعلك باخع) قاتل (نفسك

[290]

على آثارهم) بعد توليهم عنك (إن لم يؤمنوا بهذا الحديث) القرآن (أسفا) على إيمانهم .

(إنا جعلنا ما على الأرض) ومن المواليد الثلاثة وغيرها (زينة لها) لأهلها (لنبلوهم) لنختبرهم (أيهم أحسن عملا) فيه وهو الأزهد فيه ومن لا يغتر به .

(وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا) أرضا مستوية (جرزا) لا نبات فيها .

(أم) بل (حسبت أن أصحاب الكهف) هم فتية هربوا من ملكهم إلى كهف وكان جبارا عاتيا (والرقيم) هو لوح من رصاص رقم فيه حديثهم وأسماؤهم أو اسم الوادي أو الجبل الذي فيه كهفهم أو قريتهم (كانوا من آياتنا عجبا) أي ما كانوا عجبا فإن خلق السموات والأرض وما فيهن أعجب .

(إذ أوى) التجأ (الفتية إلى الكهف) هربا بدينهم من دقيانوس وقد ادعى الربوبية وكانوا من خواصه ويسرون الإيمان (فقالوا ربنا ءاتنا من لدنك رحمة) مغفرة ورزقا وأمنا (وهيىء لنا من أمرنا رشدا) نكون به راشدين .

(فضربنا على ءاذانهم) ألقينا عليهم النعاس (في الكهف سنين عددا) ذوات عدد .

(ثم بعثناهم) أيقظناهم (ليعلم) ليظهر معلومنا أو لنعلم واقعا ما علمنا أنه سيقع (أي الحزبين) المختلفين في مدة لبثهم من الكتابيين والمؤمنين (أحصى) فعل ماض أي ضبط (لما لبثوا) للبثهم حال من المفعول وهو (أمدا) غاية .

(نحن نقص عليك نبأهم بالحق) بالصدق (إنهم فتية) شباب (ءامنوا بربهم وزدناهم هدى) بالتثبت .

(وربطنا على قلوبهم) قويناها بالألطاف فأظهروا الحق وصبروا على المشاق (إذ قاموا) بين يدي دقيانوس أو خلف المدينة (فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا) قولا ذا شطط أي بعد مفرط عن الحق أن دعونا إلها غيره .

(هؤلاء) مبتدأ (قومنا اتخذوا من دونه ءالهة لو لا) هلا (يأتون عليهم) على عبادتهم (بسلطان بين) بحجة ظاهرة (فمن) أي لا أحد (أظلم ممن افترى على الله كذبا) بنسبة الشريك إليه .

(وإذ اعتزلتموهم) خطاب بعضهم لبعض (وما يعبدون) ومعبوديهم (إلا الله) فإنهم كانوا يعبدونه والأصنام (فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته) يبسطها لكم في الدارين (ويهيىء) يسهل (لكم من أمركم مرفقا) ما ترتفقون به أي تنتفعون .

(وترى الشمس) لو رأيتها (إذا طلعت تزاور) تميل عنه (عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم) تقطعهم وتجوزهم (ذات الشمال) فلا تصيبهم فتؤذيهم لأن باب الكهف كان مستقبلا للقطب الشمالي فتميل عنهم طالعة وغاربة أو لأن الله أمالها عنهم (وهم في فجوة منه) متسع من الكهف ينالهم النسيم (ذلك) المذكور (من آيات الله) دلائل قدرته (من يهد الله) بلطفه (فهوالمهتد) كأهل الكهف (ومن يضلل) يخذله (فلن تجد له

[291]

وليا مرشدا).

(وتحسبهم أيقاظا) ترى أعينهم مفتوحة أو لتقلبهم (وهم رقود) نيام (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) لئلا تأكلهم الأرض (وكلبهم) واسمه قطمير كلب راع مروا به فتبعهم فطردوه فقال أنا أحب أولياء الله فناموا حتى أحرسكم (باسط ذراعيه) حكاية حال ماضية ولذا عمل (بالوصيد) بفناء الكهف أو العتبة أو الباب لم ينم ولم يقم وقيل هو مثلهم في النوم والتقلب (لو اطلعت عليهم) ورأيتهم (لوليت منهم فرارا) هربت منهم (ولملئت منهم رعبا) خوفا لهيبة ألبسهم الله إياها أو لعظم إجرامهم وانفتاح عيونهم .

(وكذلك) كما أنمناهم بقدرتنا (بعثناهم) أيقظناهم (ليتساءلوا بينهم) عن مدة لبثهم فيعرفوا صنع الله بهم فيزدادوا يقينا (قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم) ظنا منهم إذ لا ضبط للنائم (قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) وقيل دخلوا الكهف غدوة وبعثوا عصرا فظنوه يومهم أو الذي بعده فترددوا فيهما فلما رأوا تغير أحوالهم قالوا هذا ثم أخذوا في فهم آخر وقالوا (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه) الورقة الفضة مضروبة أم لا (إلى المدينة فلينظر أيها) أي أهلها (أزكى طعاما) أحل وأطيب (فليأتكم برزق منه وليتلطف) في التخفي لئلا يعرف (ولا يشعرن بكم أحدا).

(إنهم إن يظهروا) يطلعوا (عليكم يرجموكم) يقتلوكم بالرجم (أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا) إن عدتم في ملتهم .

(وكذلك) كما أنمناهم وبعثناهم (أعثرنا) أطلعنا (عليهم) أهل المدينة (ليعلموا) أي المطلعون عليهم (أن وعد الله) بالبعث (حق) فإن من قدر على إنامتهم وإيقاظهم قدر على الموت والبعث (وأن الساعة) القيامة (لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم) أمر دينهم من بعث الأرواح فقط أو مع الأجساد أو أمر الفتية فقيل ماتوا وقيل ناموا (فقالوا) أي الكفار (ابنوا عليهم) حولهم (بنيانا) يسترهم من الناس (ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم) أمر الفتية وهم المؤمنون (لنتخذن عليهم مسجدا) يصلي فيه بنوه في جهة باب الكهف .

(سيقولون) أي المتنازعون في عدهم هم (ثلاثة رابعهم كلبهم) قاله اليعقوبية من نصارى نجران (ويقولون خمسة سادسهم كلبهم) قاله النسطورية منهم (رجما بالغيب) ظنا فيما غاب عنهم مفعول له أو مصدر يرجع إلى القولين (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) هو قول المؤمنين علموه من النبي لرد الأولين ولزيادة الواو وهو مروي عن علي (عليه السلام) (قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل) كالنبي وأوصيائه (فلا تمار فيهم) لا تجادل في شأن الفتية (إلا مراء ظاهرا) وهو أن تتلوا عليهم ما أوحي إليك بلا تعنيف (ولا تستفت فيهم منهم أحدا) لا تسأل أحدا من أهل الكتاب عنهم فإن فيما أوحينا إليك كفاية .

(ولا تقولن لشيء) لأجل شيء تعزم (إني فاعل ذلك غدا) أي فيما يستقبل .

(إلا أن يشاء الله) إلا متلبسا بمشيئته قائلا إن شاء الله

[292]

(و اذكر ربك) أي مشيئته مستثنيا بها (إذا نسيت) الاستثناء ثم ذكرته وروي ولو بعد سنة أو المعنى اذكره بالتسبيح والاستغفار إذا نسيت الاستثناء أو اذكره إذا اعتراك نسيان ليذكرك المنسي ولعل الخطاب من باب إياك أعني (وقل عسى أن يهدين) بالياء وبدونها (ربي لأقرب من هذا) من بناء أهل الكهف (رشدا) أي لما هو أظهر منه دلالة على نبوتي وقد فعل .

(ولبثوا في كهفهم) نياما (ثلاثمائة) بالتنوين وبدونه (سنين) بدل وأضافها بعض على وضع الجمع موضع الواحد (وازدادوا تسعا) تسع سنين وإنما فصل لأن اللبث ثلاثمائة بسني الشمس وزيادة التسع بسني القمر وروي سأل يهودي عليا (عليه السلام) عن ذلك فأخبره بما في القرآن فقال في كتبنا ثلاثمائة فقال (عليه السلام) ذلك بسني الشمس وهذا بسني القمر .

(قل الله أعلم بما لبثوا) فخذوا بما أخبر به ودعوا قول أهل الكتاب.

(له غيب السموات والأرض أبصر به) أي بالله (وأسمع) به صيغتا تعجب أي ما أبصره وأسمعه والهاء فاعل والباء زائدة (ما لهم) لأهل السموات والأرض (من دونه من ولي) يتولى أمورهم (ولا يشرك في حكمه) في قضائه (أحدا) منهم .

(واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته) لا أحد يقدر على تبديلها (ولن تجد من دونه ملتحدا) ملجأ .

(واصبر نفسك) احبسها (مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) في عامة أوقاتهم (يريدون وجهه) رضاه (ولا تعد عيناك عنهم) لا تجاوزهم نظرك إلى غيرهم من الأغنياء الكفرة الذين دعوك إلى طردهم حتى يؤمنوا (تريد زينة الحياة) حال من الكاف أي مريدا مجالسة الأشراف طمعا في إيمانهم (الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه) نسبناه إلى الغفلة أو وجدناه غافلا (عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) متقدما على الحق .

(وقل) الدين (الحق) حصل (من ربكم) أو هذا القرآن الحق منزلا من ربكم (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) تهديد لهم يفيد أنه تعالى لا ينفعه إيمانهم ولا يضره كفرهم (إنا أعتدنا للظالمين) الكافرين (نارا أحاط بهم سرادقها) فسطاطها شبه به النار المحيطة بهم أو دخانها ولهبها أو حائط من نار (وإن يستغيثوا) من العطش (يغاثوا بماء كالمهل) كالنحاس المذاب أو كدردي الزيت (يشوي الوجوه) لحره (بئس الشراب) هو (وساءت) النار (مرتفقا) متكأ مقابل حسنت مرتفقا .

(إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا) منهم .

(أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور) جمع أسورة وهي جمع سوار (من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا) وهي أبهى الألوان من (سندس) ما رق من الديباج (وإستبرق) ما غلظ منه (متكئين فيها على الأرائك) كهيئة الملوك جمع أريكة وهي سرير في الحجلة وهي بيت زين للعروس (نعم الثواب) الجنة (وحسنت) الأرائك (مرتفقا) متكأ .

[293]

(و اضرب لهم مثلا) للكافر والمؤمن (رجلين) بدل وهما أخوان من بني إسرائيل كافر ومؤمن ورثا من أبيهما مالا فاشترى الكافر به ضياعا وعقارا وتصدق المؤمن به (جعلنا لأحدهما جنتين) بستانين (من أعناب) كروم (وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا) فهما جامعتان للفواكه والأقوات والمنافع المتواصلة .

(كلتا الجنتين ءاتت أكلها) ثمرها (ولم تظلم) تنقص (منه شيئا) بل أدته تماما (وفجرنا خلالهما) وسطهما (نهرا) يسقيهما بسهولة ويزيدهما نضارة .

(وكان له) مع جنته (ثمر) أموال مثمرة نامية (فقال لصاحبه) المؤمن (وهو يحاوره) يراجعه الكلام (أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا) رهطا أو خدما أو ولدا .

(ودخل جنته) بصاحبه يريه ما فيها ويفاخره وأفرد الجنة لأنها في حكم الواحدة لتواصلهما (وهو ظالم لنفسه) بكفره (قال ما أظن أن تبيد) تفنى (هذه) الجنة (أبدا) اغترارا بما هو فيه .

(وما أظن الساعة قائمة) كائنة (ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا) مرجعا أقسم على ذلك اعتقادا أنه إنما أعطاه الله ذلك لاستحقاقه له فهو يجده حيث كان .

(قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب) لأنه مادة أصله آدم أو النطفة (ثم من نطفة) نطفة مادته القريبة (ثم سواك) عدلك وكملك (رجلا) إشارة إلى أن القادر على البدء أقدر على الإعادة .

(لكنا) لكن أنا حذفت الهمزة وأدغمت النون في النون (هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا).

(ولو لا) وهلا (إذ دخلت جنتك) وأعجبت بها (قلت ما شاء الله) أي الأمر ما شاء الله أو ما شاء كائن (لا قوة إلا بالله) اعترافا بأنك إنما عمرتها بالله لا بقوتك (إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا).

(فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك) عاجلا أو آجلا (ويرسل عليها حسبأنا من السماء) جمع حسبأنة سهم صغير يعني الصواعق أو مصدر بمعنى الحساب أي الحكم بتخريبها أو عذاب حساب ما كسبت (فتصبح صعيدا زلقا) أرضا ملساء يزلق عليها القدم .

(أو يصبح ماؤها غورا) غائرا (فلن تستطيع له طلبا) حيلة ترده بها .

(وأحيط بثمره) أهلكت أمواله وخبأت من أحاط به العدو أهلكه (فأصبح يقلب كفيه) تحسرا وندما (على ما أنفق فيها) في عمارها (وهي خاوية) ساقطة (على عروشها) دعائم كرومها سقطت وسقط عليها الكروم (ويقول) يا قوم (ليتني لم أشرك بربي أحدا).

(ولم تكن له فئة) جماعة (ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا) ممتنعا بقوته .

(هنالك) في ذلك المقام أو يوم القيامة (الولاية) بفتح الواو النصرة وبكسرها الملك

[294]

(لله الحق) وحده (هو خير ثوابا) من ثواب غيره (وخير عقبا) عاقبة للمؤمنين .

(واضرب لهم مثل الحياة الدنيا) صفتها هي (كماء أنزلناه من السماء فاختلط به) فالتفت بسببه (نبات الأرض) أو امتزج الماء بالنبات (فأصبح هشيما) كسر مهشوما (تذروه الرياح) تطيره وتذهبه شبهت بنبات أخضر بالماء فيبس فتفتت فأذهبته الرياح (وكان الله على كل شيء مقتدرا) قادرا .

(المال والبنون زينة الحيوة الدنيا) يتزين بهما (والباقيات الصالحات) الطاعات لله الباقي ثوابها وفسرت بصلاة الخمس ومودة أهل البيت والتسبيحات الأربع (خير عند ربك ثوابا) من المال والبنين (وخير أملا) لنيل فاعلهما ما يأمله فيها .

(ويوم نسير الجبال) في الجو كالسحاب أو نذهب بها فنعدمها (وترى الأرض بارزة) لا يسترها جبل ولا غيره أو بارزة ما في بطنها (وحشرناهم) جمعناهم إلى الموقف وجاء ماضيا لتحققه (فلم نغادر) نترك (منهم أحدا) من الأولين والآخرين .

(وعرضوا على ربك صفا) مصطفين لا يحجب بعضهم بعضا (لقد جئتمونا) بتقدير القول (كما خلقناكم أول مرة) لا شيء معكم من المال والولد (بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا) للبعث .

(ووضع الكتاب) جنسه أي صحائف الأعمال في الأيمان والشمائل أو هو كناية عن الحساب (فترى المجرمين مشفقين) خائفين (مما فيه) من السيئات (ويقولون يا ويلتنا) هلكنا دعاء على أنفسهم بالهلاك (مال هذا الكتاب) تعجبا من شأنه (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا) مكتوبا كأنهم فعلوه تلك الساعة (ولا يظلم ربك أحدا) لا يزيد عقاب مسيء ولا ينقص ثواب محسن .

(وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس) ذكر القصة تقريرا للتشنيع على أهل الكبر بأنه من سنن إبليس (كان من الجن ففسق عن أمر ربه) خرج عن طاعته (أفتتخذونه وذريته) بنيه وأتباعه (أولياء من دوني وهم لكم عدو) وأنا لكم ولي (بئس للظالمين بدلا) من الله إبليس وأتباعه .

(ما أشهدتهم) أي إبليس وذريته (خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم) لم أستعن بهم على ذلك (وما كنت متخذ المضلين عضدا) أعوانا في الخلق فكيف تطيعونهم .

(ويوم يقول) الله للمشركين وقرىء بالنون (بادوا شركائي) أضيف على زعمهم توبيخا (الذين زعمتم) أنهم شركاء ليشفعوا لكم (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم) بين الكفار وآلهتهم (موبقا) مهلكا يعم جميعهم من وبق هلك أو جعلنا توصلهم الدنيوي هلاكا في الآخرة.

[295]

(و رأى المجرمون النار فظنوا) أيقنوا (أنهم مواقعوها) واقعون فيها (ولم تجدوا عنها مصرفا) معدلا .

(ولقد صرفنا) بينا (في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان) الكافر (أكثر شيء جدلا) خصومة بالباطل وهو تمييز .

(وما منع الناس أن يؤمنوا) من الإيمان (إذ جاءهم الهدى) الدلالة البينة (ويستغفروا ربهم إلا) طلب (أن تأتيهم سنة الأولين) من الإهلاك (أو يأتيهم العذاب) بالسيف أو في الآخرة (قبلا) عيانا أو بضمتين جمع قبيل أي أنواعا .

(وما نرسل المرسلين إلا مبشرين) للمطيعين (ومنذرين) للعاصين (ويجادل الذين كفروا بالباطل) من إنكار إرسال البشر ونحوه (ليدحضوا به الحق) ليبطلوا أو يزيلوا بجدالهم الحق (واتخذوا ءاياتي) أي القرآن (وما أنذروا) من النار (هزوا) استهزاء.

(و من أظلم ممن ذكر بآيات ربه) بالقرآن (فأعرض عنها) ولم يتعظ بها (ونسي ما قدمت يداه) ما عمل من الكفر والمعاصي (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة) أغطية (أن يفقهوه) كراهة أن يفهموا القرآن (وفي ءاذانهم وقرا) صمما فلا يسمعونه مثل لنبو قلوبهم ومسامعهم عن قبوله وأسند إليه تعالى إيذانا بتمكنه منهم كالجبلة (وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا) وقد وقع ما أخبر به فماتوا كفارا .

(وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب) في الدنيا (بل لهم موعد) وهو يوم القيامة (لن يجدوا من دونه موئلا) منجى وملجأ .

(وتلك القرى) أي أهلها كعاد وثمود وغيرهم (أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا) وقتا معلوما .

(وإذ) أذكر إذ (قال موسى لفتاه) يوشع بن نون سمي فتاه لأنه كان يتبعه ويخدمه (لا أبرح) لا أزال أسير حذف الخبر لدلالة حال السفر عليه أو لا أزول عما أنا عليه من السير (حتى أبلغ مجمع البحرين) ملتقى بحري فارس والروم (أو أمضي حقبا) أسير دهرا طويلا .

(فلما بلغ مجمع بينهما) موضع اجتماع البحرين (نسيا حوتهما) تركاه أو ضل عنهما أو نسي موسى تعرف حاله ويوشع أن يحمله (فاتخذ) الحوت (سبيله في البحر سربا) مسلكا قيل أمسك الله جري الماء من الحوت فصار كالكوة لا يلتئم .

(فلما جاوزا) ذلك المكان بالسير إلى وقت الغداء من ثاني يوم (قال لفتاه ءاتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا

[296]

هذا نصبا) تعبا .

(قال أرأيت) ما وقع (إذ أوينا إلى الصخرة) بذلك المكان (فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) بدل اشتمال (واتخذ سبيله في البحر عجبا) سبيلا يتعجب منه موسى وفتاه وقيل مصدر أضمر فعله ختم به كلامه أو أجابه موسى تعجبا من ذلك وقيل اتخذ موسى سبيل الحوت عجبا .

(قال) موسى (ذلك) أي فقد الحوت (ما كنا نبغ) لأنه علامة لمن تطلبه (فارتدا على ءاثارهما) رجعا في الطريق الذي جاءا فيه يقتصان (قصصا .

فوجدا عبدا من عبادنا) هو الخضر (ءاتيناه رحمة) نبوة (من عندنا) أو ولاية (وعلمناه من لدنا علما) من علم الغيب .

(قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن) بدون الياء وبها (مما علمت رشدا) علما فأرشد .

(قال إنك لن تستطيع معي صبرا) وقرىء بفتح ياء معي في الثلاث أي يشق عليك لأن كلا منا يعلم ما لا يعلمه الآخر وموكل بأمر لا يطيقه الآخر .

(وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) وظاهره منكر عندك ولا تعلم باطنه .

(قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا) تأمرني به .

(قال فإن اتبعتني فلا تسئلني عن شيء) تنكره (حتى أحدث لك منه ذكرا) أبتدئك بتفسيره .

(فانطلقا) يمشيان على الساحل (حتى إذا ركبا في السفينة) التي مرت بهما (خرقها) الخضر بأن قلع لوحا منها بفأس (قال) موسى (أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا) عظيما منكرا .

(قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا).

(قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني) تكلفني (من أمري عسرا) مشقة بل عاملني باليسر والمسامحة .

(فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما) يلعب مع الصبيان (فقتله) أضجعه فذبحه أو اقتلع رأسه بيده أو ضربه برجله فمات (قال أقتلت نفسا زكية) طاهرة من الذنوب (بغير نفس) بغير قود وقرىء زاكية (لقد جئت شيئا نكرا) منكرا .

(قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا) زاد فيه على ما قبله تأكيدا لتكرر الإنكار منه .

(قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني) من قبلي (عذرا) في مفارقتك .

(فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية) هي أنطاكية أو أيلة وعن الصادق (عليه السلام) هي ناصرة (استطعما أهلها) سألاهم الطعام ضيافة وكرر الأهل لئلا يلزم خلو الصفة من ضمير الموصوف إذ استطعما صفته وجملة قال جواب ولم يحذف من الأول فيقال أتيا قرية إشعارا بأن المقصود إتيان الأهل لا القرية ويمكن أن يقال تكرير الأهل للتصريح بأن من استطعماه من أهل القرية لا الغرباء الموجودين فيها تنصيصا على قبح فعلهم أو المراد بالأهل الثاني غير الأول

[297]

(فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض) يقرب أن يسقط استعيرت الإرادة للمشارفة بميلانه (فأقامه) رفعه بيده فقام أو نقضه وبناه (قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا) جعلا نسد به جوعنا حيث لم يضيفونا .

(قال هذا فراق بيني وبينك) أي هذا الإنكار سبب الفراق أو هذا وقته (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا).

(أما السفينة فكانت لمساكين) عشرة خمسة زمنى وخمسة (يعملون في البحر) يتكسبون فيه بالسفينة (فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك) قدامهم أو خلفهم ورجوعهم عليه (يأخذ كل سفينة) صحيحة (غصبا) قيل مقتضى الظاهر أن تتأخر .

(فأردت أن أعيبها) عن (وكان وراءهم) لأن إرادة التعقيب سبب عن خوف الغصب لكنه قدم لأن السبب مجموع الأمرين خوف الغصب ومسكنة الملاك فرتبه على أقوى الجزءين وعقبه بالآخر على جهة التتميم (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين) وقرىء وهو طبع كافرا وقرىء فكان كافرا وأبواه مؤمنين (فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا) باتباعهما له بحبهما له وقيل فخشينا قول الله أي فعلمنا أو كرهنا .

(فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكوة) طهارة وصلاحا (وأقرب رحما) رحمة بأبويه قال الصادق (عليه السلام) أبدلهما الله جارية فولدت سبعين نبيا .

(وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما) من ذهب وفضة وروي من كتب العلم وروي لوح من ذهب فيه كلمات علم (وكان أبوهما صالحا) فحفظنا بصلاحه (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما) أي الحلم وإيناس الرشد (ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري) بل بأمر الله (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) أي تستطع حذفت التاء تخفيفا .

(ويسئلونك) أي اليهود أو قريش (عن ذي القرنين) عن علي (عليه السلام) كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه فأمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه فغاب ثم رجع فدعاهم فضربوه على قرنه الآخر وقيل لأنه ملك فارس والروم أو المشرق والمغرب أو كان له قرنان أي ضفيرتان أو انقرض في وقته قرنان (قل سأتلوا عليكم منه ذكرا).

(إنا مكنا له) أمره (في الأرض وءاتيناه من كل شيء) يحتاج إليه (سببا) طريقا يوصله إلى مراده .

(فأتبع سببا) فاتخذ طريقا نحو المغرب .

(حتى إذا بلغ مغرب الشمس) أي آخر العمارة من جانب المغرب (وجدها تغرب في عين حمئة) ذات حمئة وهي الطين الأسود وقرىء حامية أي حارة ولعلها جمعت الوصفين فلا تنافي بين القراءتين وغروبها في بحر العين وهو البحر المحيط في رأي العين (ووجد عندها قوما) كفارا (قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب) القوم بالقتل بكفرهم (وإما أن تتخذ فيهم حسنا) بالهداية إلى الإيمان وقيل بالأسر .

(قال أما من ظلم) بالإصرار على كفره (فسوف نعذبه) في الدنيا (ثم يرد إلى ربه) في الآخرة (فيعذبه عذابا نكرا) منكرا غير معهود .

[298]

(وأما من ءامن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى) فعلته الحسنى أو الإضافة بيانية وقرىء بالتنوين منصوبا حالا (وسنقول له من أمرنا) بما تأمرنا به (يسرا) ذا يسر أي تأمره بما يسهل عليه .

(ثم أتبع سببا) أخذ طريقا نحو المشرق .

(حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا) من لباس ولا بناء لأنهم لم يعلموا صنعة البيوت أو لأن أرضهم لا تحمل بناء ولهم أسراب يغيبون فيها عند طلوع الشمس ويظهرون عند غروبها .

(كذلك) أي أمر ذي القرنين كما حكينا (وقد أحطنا بما لديه) من الجند والعدة والأسبأب (خبرا) علما .

(ثم أتبع سببا) طريقا ثالثا آخذا من الجنوب إلى الشمال .

(حتى إذا بلغ بين السدين) وهما جبلان بمنقطع أرض الترك سد الإسكندر ما بينهما (وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا) لغرابة لغتهم .

(قالوا) بترجمان (يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج) قبيلتان من ولد يافث بن نوح (مفسدون في الأرض) بالقتل والنهب والإتلاف قيل يأكلون الناس وما دب (فهل نجعل لك خرجا) شيئا نخرجه من مالنا وقرىء خراجا (على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) حاجزا فلا يخرجون علينا .

(قال ما مكني) بنونين بلا إدغام أو به (فيه ربي) من المال والملك (خير) مما تجعلونه لي من الخرج (فأعينوني بقوة) بما أتقوى به من عمل أو آلة (أجعل بينكم وبينهم ردما) حاجزا حصينا متراكبا بعضه على بعض .

(ءاتوني زبر الحديد) قطعة على قدر الحجارة التي يبنى بها (حتى إذا ساوى بين الصدفين) بين جانبي الجبلين بنضد الزبر جعل الفحم بينها (قال انفخوا) بالمنافخ في النار في الحديد فنفخوا (حتى إذا جعله) الحديد (نارا) كالنار (قال ءاتوني أفرغ عليه قطرا) نحاسا مذابا .

(فما اسطاعوا) بحذف التاء استثقالا (أن يظهروه) يعلوه لارتفاعه وملاسته (وما استطاعوا له نقبا) خرقا لصلابته وثخنه قيل كان ارتفاعه مائتي ذراع وثخنه خمسين .

(قال) ذو القرنين (هذا) أي السد أو الإقدار عليه (رحمة) نعمة (من ربي) على عباده (فإذا جاء وعد ربي) بخروج يأجوج ومأجوج (جعله دكاء) مدكوكا مسوى بالأرض (وكان وعد ربي حقا) كائنا البتة .

(وتركنا بعضهم يومئذ) جعلنا بعض يأجوج ومأجوج يوم خروجهم (يموج) يختلط (في بعض) كموج البحر لكثرتهم أو بعض الخلق الجن والإنس يختلط ببعض (ونفخ في الصور فجمعناهم) أي الخلائق للجزاء (جمعا).

(وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا) أبرزناها لهم .

(الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري) عن آياتي التي يعتبر بها (وكانوا لا يستطيعون سمعا) أي يعرضون عن استماع ذكري والقرآن ذكر له فكأنهم صم عنه .

(أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي) الملائكة وعيسى وعزير (من دوني أولياء) آلهة

[299]

(إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا) أي هيأناها لهم كالشيء المهيا للضيف .

(قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا).

(الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا) بطل عملهم لكفرهم وعجبهم (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) عملا .

(أولئك الذين كفروا بآيات ربهم) بدلائله من القرآن وغيره (ولقائه) بلقاء جزائه (فحبطت أعمالهم) بطلت بكفرهم (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا) لا نجعل لهم قدرا بل نهينهم ونعاقبهم .

(ذلك) المذكور من حبط أعمالهم ونحوه (جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا ءاياتي ورسلي هزوا) مهزوءا بهما .

(إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كانت لهم) في علم الله (جنات الفردوس نزلا) منزلا .

(خالدين فيها لا يبغون) يطالبون (عنها حولا) تحويلا إلى غيرها إذ لا أطيب منها .

(قل لو كان البحر) أي ماؤه (مدادا) يكتب به (لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي) فإنها لا تنفد لعدم تناهيها كعلمه (ولو جئنا بمثله) أي البحر (مددا) زيادة فيه لنفد ولم تنفد هي .

(قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد) أي يوحى إلي وحدانية الإله (فمن كان يرجو لقاء ربه) يأمل لقاء جزائه بالبعث (فليعمل عملا صالحا) خالصا لله (ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) عن الصادق (عليه السلام) الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21338846

  • التاريخ : 29/03/2024 - 12:07

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net