00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الفتح 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة ـ ج 2   ||   تأليف : السيد شرف الدين علي الحسيني الاسترابادي النجفي

" 48 "

" سورة الفتح " " وما فيها من الآيات في الائمة الهداة "

 منها: قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم إنا فتحنا لك فتحا مبينا (1) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر 1 - تأويله: قال أبو جعفر محمد بن بابويه (رحمه الله): حدثنا سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن علي بن مهران (1) عن علي بن عبد الغفار، عن صالح ابن حمزة ويكنى بأبي شعيب (2) عن محمد بن سعيد المروزي، قال: قلت لرجل: أذنب محمد صلى الله عليه وآله قط ؟ قال: لا. قلت: فقول الله عزوجل (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) ما معناه ؟. قال: إن الله سبحانه حمل محمدا صلى الله عليه وآله ذنوب شيعة علي عليه السلام، ثم غفر له ما تقدم منها وما تأخر (3). 2 - عنه (رحمه الله) " في كتاب العلل " باسناده عن الصادق عليه السلام في علة عدم إطاقة علي عليه السلام حمل النبي صلى الله عليه وآله لما أراد حط الاصنام من سطح الكعبة مع قوته عليه السلام وشدته وما ظهر منه في قلع باب خيبر وغيره، أنه عليه السلام برسول الله صلى الله عليه وآله شرف وارتفع و وصل إلى إطفاء نار الشرك وإبطال كل معبود من دون الله، ولو كان المحمول هو

___________________________

(1) في نسخة " أ " مهزيار.

 (2) لم نجد في كتب الرجال والاحاديث ذكرا له، نعم ذكر النجاشي بعنوان صالح بن خالد المحاملى أبو شعيب، وفي نسخة " ب " سعيد.

 (3) أخرجه في البرهان: 4 / 195 ح 7 عن ابن بابويه ولم نجده في كتبه.

 

[ 592 ]

النبي صلى الله عليه وآله لكان علي عليه السلام أفضل منه. صلوات الله عليهما. ألا ترى أن عليا عليه السلام لما كان على ظهره صلى الله عليه وآله قال: شرفت وارتفعت حتى لو شئت أن أنال السماء لنلتها. أما علمت أن المصباح [ هو ] (1) الذي يهتدى به في الظلمة وانبعاث فرعه من اصله و [ قد ] (2) قال علي عليه السلام " أنا من أحمد كالضوء من الضوء " !. أو ما علمت أن محمدا صلى الله عليه وآله وعليا عليه السلام كانا نورا بين يدي الله عزوجل قبل خلق الخلق بألفي عام، وأن الملائكة لما رأت ذلك النور أن له أصلا قد انشق منه شعاع لامع قالت: إلهنا وسيدنا ما هذا النور ؟ فأوحى الله تعالى إليهم هذا نور [ من نوري ] (3) أصله نبوة، وفرعه إمامة أما النبوة فلمحمد صلى الله عليه وآله عبدي ورسولي، وأما الامامة فلعلي حجتي (4) ووليي ولولاهما ما خلقت خلقي. أو ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله رفع يد (5) علي عليه السلام بغدير خم [ حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما، فجعله مولى المسلمين، وإمامهم وقد ] (6) احتمل الحسن والحسين عليهما السلام يوم حضيرة بنى النجار، فقال له بعض أصحابه: ناولني أحدهما يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وآله: نعم المحمولان ونعم الراكبان وأبوهما خير منهما، وكان صلى الله عليه وآله يصلي بأصحابه، فاطال سجدة من سجداته، فلما سلم قيل له في ذلك. فقال: رأيت ابني الحسين عليه السلام قد علا ظهري فكرهت أن اعاجله حتى ينزل من قبل نفسه. فأراد بذلك رفعهم وتشريفهم، فالنبي صلى الله عليه وآله رسول. نبي (7).

___________________________

(1) من المصدر.

 (2) من المصدر، وفي الاصل هكذا: في الظلم واتباع فرعه عن أصله.

 (3) من المصدر.

 (4) في الاصل: نجيى.

 (5) في الاصل: بيد.

 (6) من المصدر، وفي الاصل: وحمل بدل " احتمل ".

 (7) في العلل: امام ونبي، وفي المعاني: فالنبي رسول بني آدم.

 

[ 593 ]

ثم ذكر عليه السلام وجوها أخر، آخرها أن النبي صلى الله عليه وآله حمله عليه السلام ليعلم أنه ما حمله إلا لانه معصوم، فتكون أفعاله عند الناس حكمة وصوابا. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: يا علي إن الله تبارك وتعالى حملني ذنوب شيعتك ثم غفرها لي، وذلك قوله تعالى (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (1) الحديث. 3 - علي بن إبراهيم (رحمه الله)، عن محمد بن جعفر، عن محمد بن أحمد عن محمد بن الحسين، عن علي بن النعمان، عن علي بن أيوب، عن عمر بن يزيد بياع السابري قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: قول الله تعالى في كتابه (ليغفر لك الله ما تقدم..) الآية ؟ قال: ما كان له ذنب ولا هم بذنب، ولكن الله حمله ذنوب شيعته، ثم غفرها له (2). 4 - ويؤيده: ما روي مرفوعا عن أبي الحسن الثالث عليه السلام أنه سئل عن قول الله عزوجل (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) فقال عليه السلام: وأي ذنب كان لرسول الله صلى الله عليه وآله متقدما أو متأخرا ؟ وإنما حمله الله ذنوب شيعة علي عليه السلام ممن مضى منهم ومن بقي، ثم غفرها الله له (3). 5 - ويؤيد هذا " أن شيعة علي عليه السلام مغفور لهم " ما روي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام: يا علي إني سألت الله عزوجل أن لا يحرم شيعتك التوبة حتى تبلغ نفس أحدهم حنجرته فأجابني إلى ذلك وليس ذلك لغيرهم (4) (لان شيعة علي عليه السلام تمحص عنهم الذنوب بأشياء في الدنيا، ولا يخرج أحدهم وعليه ذنب)

___________________________

(1) العلل: 173 ح 1، في البحار: 38 / 79 ح 2 والبرهان: 4 / 195 ح 5 عنه وعن معاني الاخبار: 350 ح 1.

 (2) تفسير القمى: 635 وعنه البحار: 17 / 89 ح 19 والبرهان: 4 / 195 ح 6 ونور الثقلين: 5 / 54 ح 13 وحديثا: 2، 3 نقلناهما من نسخة " أ ".

 (3) عنه البحار: 24 / 273 ح 57 والبرهان: 4 / 195 ح 8.

 (4) عنه البحار: 27 / 137، وما بين القوسين ليس في نسخة " م ".

 

[ 594 ]

6 - وروى الشيخ أبو جعفر الطوسي (قدس الله روحه) عن رجاله، عن زيد بن يونس الشحام، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: الرجل من مواليكم عاق (1) يشرب الخمر، ويرتكب الموبق من الذنب نتبرأ منه ؟ فقال: تبرؤوا (2) من فعله ولا تتبرؤوا (3) من خيره وابغضوا عمله. فقلت: يتسع لنا أن نقول: فاسق فاجر ؟ فقال: لا، الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا ولاوليائنا، أبى الله أن يكون ولينا فاسقا فاجرا، وإن عمل ما عمل، ولكنكم قولوا: فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النفس، خبيث الفعل طيب الروح والبدن لا والله لا يخرج ولينا من الدنيا إلا والله ورسوله ونحن عنه راضون، يحشره الله على ما فيه من الذنوب مبيضا وجهه، مستورة عورته، آمنة روعته، لا خوف عليه ولا حزن. وذلك أنه لا يخرج من الدنيا حتى يصفى من الذنوب، إما بمصيبة في مال أو نفس أو ولد أو مرض، وأدنى ما يصنع بولينا أن يريه الله رؤيا مهولة فيصبح حزينا لما رآه، فيكون ذلك كفارة له، أو خوفا يرد عليه من أهل دولة الباطل، أو يشدد عليه عند الموت، فيلقى الله عزوجل طاهرا من الذنوب، آمنة روعتة بمحمد وأمير المؤمنين، صلوات الله عليهما. ثم يكون أمامه أحد الامرين: رحمة الله الواسعة التي هي أوسع من أهل الارض جميعا، أو شفاعة محمد وأمير المؤمنين، صلوات الله عليهما، إن أخطأته رحمة الله أدركته شفاعة نبيه وأمير المؤمنين، صلوات الله عليهما، فعندها تصيبه رحمة الله الواسعة، وكان أحق بها وأهلها وله إحسانها وفضلها (4). وقوله تعالى: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل

___________________________

(1) في البحار: 27 عاص، وفي البحار: 68 يكون عارفا.

 (2، 3) في نسخة " ب " نتبرأ.

 (4) عنه البحار: 27 / 137 ح 139، وأخرجه في البحار: 68 / 147 ح 96 عن كتاب زيد النرسى: 51.

 

[ 595 ]

السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا (18) 7 - تأويله: قال محمد بن العباس (رحمه الله): حدثنا محمد بن أحمد الواسطي عن زكريا بن يحيى، عن إسماعيل بن عثمان، عن عمار الدهني (1) عن أبي الزبير عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: قول الله عزوجل (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) كم كانوا ؟ قال: ألفا ومائتين. قلت: هل كان فيهم علي عليه السلام ؟ قال: نعم، علي سيدهم وشريفهم (2). وقوله تعالى: وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها 8 - تأويله: رواه الحسن بن أبي الحسن الديلمى (رحمه الله) بإسناده عن رجاله، عن مالك بن عبد الله قال: قلت لمولاي الرضا عليه السلام: قوله تعالى (وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها) قال: هي ولاية أمير المؤمنين عليه السلام (3). فالمعنى: أن الملزمين بهاهم شيعته " وكانوا أحق بها وأهلها ". 9 - وذكر علي بن إبراهيم (رحمه الله) في تفسيره قال: قال أبو جعفر عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما عرج بي إلى السماء فسح في (4) بصري غلوة كما يرى الراكب خرق الابرة من مسيرة يوم، فعهد إلي ربي في علي كلمات فقال: اسمع يا محمد " إن عليا إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، ويعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة، وهو الكملة التي ألزمتها المتقين وكانوا أحق بها وأهلها فبشره بذلك ". قال: فبشره رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، فالقي علي ساجدا شكرا لله. ثم قال: يا رسول الله وإني لاذكر هناك ؟

___________________________

(1) في نسخ " أ، ب، م " الذهبي.

 (2) عنه البحار: 24 / 93 ح 4 وج 36 / 55 ح 1 والبرهان: 4 / 196 ح 2.

 (3) عنه البحار: 24 / 180 ح 13 وج 36 / 55 ذح 1 والبرهان: 4 / 199 ح 3.

 (4) في نسخة " ب " عن.

 

[ 596 ]

فقال: نعم، إن الله ليعرفك هناك، وإنك لتذكر في الرفيق الاعلى (1). 10 - ويؤيده: ما رواه محمد بن العباس (رحمه الله)، عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن محمد بن هارون، عن محمد بن مالك، عن محمد (2) بن الفضيل، عن غالب (3) الجهني، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: قال لي النبي صلى الله عليه وآله: لما اسري بي إلى السماء ثم إلى سدرة المنتهى اوقفت بين يدي ربي عزوجل فقال لي: يا محمد. فقلت: لبيك ربي وسعديك. قال: قد بلوت خلقي فأيهم وجدت أطوع لك ؟ قلت: ربي (4)، عليا. قال: صدقت يا محمد فهل اتخذت لنفسك خليفة يؤدي عنك، ويعلم عبادي من كتابي ما لا يعلمون ؟ قال: قلت: لا، فاختر لي فإن خيرتك خير لي (5). قال: قد اخترت لك عليا، فاتخذه لنفسك خليفة ووصيا، وقد نحلته علمي وحلمي وهو أمير المؤمنين حقا لم ينلها أحد قبله، وليست لاحد بعده. يا محمد ! علي راية الهدى وإمام من أطاعني، ونور أوليائي، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني، فبشره بذلك يا محمد. قال: فبشره بذلك، فقال علي عليه السلام: أنا عبد الله وفي قبضته، إن يعاقبني فبذنبي لم يظلمني، وإن يتم لي ما وعدني فالله أولى بي. فقال النبي صلى الله عليه وآله: اللهم أجل قلبه، واجعل ربيعه الايمان بك.

___________________________

(1) عنه البرهان: 4 / 199 ح 4، ولم نجده في تفسير القمى.

 (2) كذا في البرهان، وفي نسخة " ج " محمد (أحمد - خ ل -)، وفي نسخة " ب " والبحار: 36 أحمد، وفي نسختي " أ، م " والبحار: 24 نعمة بدل " محمد "، والصحيح ما اثبتناه لعدم ذكر نعمة في كتب الرجال والاحاديث، ولوجود محمد بن الفضيل بن موارد كثيرة.

 (3) في رجال الشيخ: غانم الجهنى.

 (4) في نسخة " ج " يا ربى.

 (5) في نسخة " ج " خيرتي.

 

[ 597 ]

قال الله سبحانه: قد فعلت ذلك به يا محمد، غير أني مختصه من البلاء بما لا أختص به أحدا من أوليائي. قال:: قلت: ربي، أخي وصاحبي. قال: إنه قد سبق في علمي أنه مبتلى (ومبتلى) (1) به ولولا علي لم تعرف أوليائي ولا أولياء رسلي (2). 11 - وقال أيضا: حدثنا محمد بن الحسين، عن علي بن منذر، عن مسكين الرجل (3) العابد - وقال ابن المنذر عنه: وبلغني أنه لم يرفع رأسه إلى السماء منذ أربعين سنة ! -. قال: حدثنا فضيل (4) الرسان، عن أبي داود، عن أبي برزة (5) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الله عهد إلي في علي عهدا. فقلت: اللهم بين لي. فقال لي: أسمع. فقلت: اللهم قد سمعت. فقال الله عزوجل: أخبر عليا بأنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين (6) وأولى الناس بالناس، والكلمة التي ألزمتها المتقين (7). فيكون المراد بالمتقين شيعته الذين ألزمهم كلمته، وفرض عليهم ولايته فقبلوها ووالوا بولايته ذرية (8) الذين أكمل بهم دينه وأتم نعمته، ومنحهم فضله، وجعل عليهم صلاته وسلامه وتحيته وبركاته التامة العامة ورحمته.

___________________________

(1) ليس في البحار.

 (2) في نسخة " م " رسولي، عنه البحار: 24 / 181 ح 14 وج 36 / 159 ح 140 والبرهان: 4 / 199 ح 6.

 (3) في نسخة " م " الرحال، وفي كشف اليقين والبحار: 37 عن سكين الرحال.

 (4) كذا في الكشف والبحار: 37 عنه، وفي نسخة " أ " وعن فضل الرسان، وفي نسختي " ج، م " " وقال أيضا: حدثنا فضل "، وفي البحار: 24 وكتب الرجال وسورة التوبة ح 11 فضيل.

 (5) في نسخة " ج " أبي بردة.

 (6) في نسخة " ج " المرسلين.

 (7) عنه البحار: 24 / 181 ح 15 والبرهان: 4 / 200 ح 8، وأخرجه في البحار: 37 / 306 عن كشف اليقين: 50 ب 74 وص 88 ب 107.

 (8) في الاصل: بولايته.

 

[ 598 ]

وقوله تعالى: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا (28) محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطئه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما (29) بيان تأويله مجملا ومفصلا: فقوله " ليظهره على الدين كله " وهو دين الاسلام المفضل على سائر الاديان بالحجة والبرهان والغلبة والقهر والسلطان في جميع البلدان، ولا يكون ذلك إلا في ولاية دولة القائم صاحب الزمان، صلى الله عليه وعلى آبائه في كل عصر وأوان " وكفى بالله شهيدا " بذلك. ثم بين سبحانه من الرسول المرسل إلى الانس والجان فقال " محمد رسول الله " ثم أثنى على أصحابه الذين معه على دينه ونبه على فضلهم فقال " والذين معه أشداء على الكفار " أي يلقون الكفار بالشدة والغلظة والبأس الشديد والسيف الحديد " رحماء بينهم " أي أن المؤمنين يظهرون التراحم والمودة بينهم حتى بلغ من تراحمهم أن المؤمن إذا رأى المؤمن صافحه وعانقه. ومثل ذلك قوله تعالى (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) (1). وقوله (تراهم ركعا سجدا - أخبر الله سبحانه عن (2) كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها - يبتغون - بذلك - فضلا من الله ورضوانا) أي يلتمسون زيادة فضل في الدنيا ورضوانا في الآخرة. وقوله (سيماهم في وجوههم - أي علاماتهم في جباههم - من أثر السجود). قيل: إنه يكون في الدنيا مثل ركب المعزى (3)، وفي الآخرة يكون موضع سجودهم

___________________________

(1) سورة المائدة: 54.

 (2) في نسخة " ج " من.

 (3) أي مثل ركبة العنز 

[ 599 ]

كالقمر ليلة البدر. وقوله (ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل) أي أن هذا الوصف الذي وصفوا به في القرآن، وصفوا به في التوراة والانجيل. وقوله (كزرع أخرج شطئه - أي فراخه - فآزره - أي الفرخ، آزر الزرع (1) أي قواه - فاستغلظ - أي غلظ الزرع بفراخه - فاستوى على سوقه - أي قام على ساقه أي اصوله وبلغ الغاية في الاستواء - يعجب الزراع - الذين زرعوه زرعه - ليغيظ بهم الكفار) وهذا مثل ضربه الله سبحانه لمحمد صلى الله عليه وآله وللمؤمنين الذين معه فقيل: الزرع: كناية عن النبي صلى الله عليه وآله وشطئه: كناية عن المؤمنين حيث كانوا في ضعف وقلة كما يكون أول الزرع دقيقا ثم يغلظ ويقوى ويتلاحق بعضه ببعض، وكذلك المؤمنون قوى بعضهم بعضا حتى استغلظوا واستووا. " ليغيظ بهم الكفار " أي إنما كثرهم الله وقواهم ليكونوا غيظا للكافرين. فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المعني بقوله " والذين معه " هو أمير المؤمنين عليه السلام لان هذه الصفات المذكورة لا توجد إلا فيه، وإن قيل إنه ذكر الذين وهو جمع فقد جاء في القرآن كثير في معناه خصوصا مثل قوله (إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا) (2) ومثل قوله (هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين) (3) وإنما يذكر الجمع ويراد به الافراد. وقد ورد من طريق العامة أن بعض هذه الصفات فيه، وذكر البعض يستلزم ذكر الكل لان الآيات بعضها مرتبط ببعض وهي ختام السورة. 12 - فالاول ما نقله ابن مردويه الحافظ وأخطب خوارزم قال: قوله تعالى (تراهم ركعا سجدا) نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام.

___________________________

(1) في نسخته " ج " الزراع.

 (2) سورة المائدة. 55.

 (3) سورة الانفال: 62.

 

[ 600 ]

ومثله روي عن الكاظم عليه السلام (1). وقوله (فاستوى على سوقه) نقل ابن مردويه عن الحسن بن علي عليهما السلام قال: استوى الاسلام بسيف علي عليه السلام (2). 13 - وقال محمد بن العباس (رحمه الله): حدثنا محمد بن أحمد (3) بن عيسى ابن اسحاق، عن الحسن بن الحارث بن طليب (4) عن أبيه، عن داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله عزوجل (كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار) ؟ قال: قوله (كزرع أخرج شطئه - أصل الزرع عبد المطلب و - شطئه - محمد صلى الله عليه وآله و - يعجب الزراع) قال: علي بن أبي طالب عليه السلام (5). 14 - وجاء في تأويل قوله تعالى (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) خبر من (6) محاسن الاخبار ورد من طريق العامة، نقله أخطب خوارزم بإسناد يرفعه إلى ابن عباس (رضي الله عنه) قال: سأل قوم النبي صلى الله عليه وآله فيمن نزلت هذه الآية ؟ طال: إذا كان يوم القيامة عقد لواء من نور أبيض، ونادى مناد: ليقم سيد المؤمنين ومعه الذين آمنوا بعد بعث محمد، فيقوم علي بن أبي طالب فيعطى اللواء من النور الابيض بيده، وتحته جميع السابقين الاولين من المهاجرين والانصار، لا يخالطهم

___________________________

(1) أخرجه في البحار: 36 / 187 ح 188 عن كشف الغمة: 1 / 322، وأخرجه الالوسى في روح المعاني: 26 / 117 عن ابن مردويه.

 (2) رواه في كشف الغمة: 1 / 316 مرسلا، وأخرجه في البرهان: 4 / 201 ح 4 عن ابن مردويه وفي خصائص الوحي المبين: 139 عن أبي نعيم.

 (3) في نسخة " ج " أحمد بن محمد، وفي نسخته " م " محمد بن أحمد، عن عيسى بن اسحاق.

 (4) في نسخة " أ " طلبة، وفي نسخة " م " طلبت.

 (5) عنه البحار: 24 / 322 ح 32 والبرهان: 4 / 201 ح 5.

 (6) في نسخة " ج " في.

 

[ 601 ]

غيرهم حتى يجلس على منبر من نور رب العزة، ويعرض الجميع عليه رجلا رجلا فيعطيه أجره ونوره، فإذا أتى على آخرهم قيل لهم: قد عرفتم صفتكم (1) ومنازلكم في الجنة، إن ربكم يقول: إن لكم عندي مغفرة وأجرا عظيما. يعني الجنة. فيقوم علي والقوم تحت لوائه معه حتى يدخل بهم الجنة. ثم يرجع إلى منبره، فلا يزال يعرض عليه جميع المؤمنين فيأخذ نصيبه منهم إلى الجنة، وينزل (2) أقواما على النار. فذلك قوله تعالى (والذين ءامنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم) يعني السابقين الاولين والمؤمنين وأهل الولاية له. (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم) (3) يعني كفروا وكذبوا بالولاية وبحق علي عليه السلام وهذا ذكره الشيخ في أماليه (4). وحق علي هو الواجب على جميع العالمين. صلوات الله عليه وعلى ذريته الطيبين صلاة باقية إلى يوم الدين.

___________________________

(1) في الامالى: موضعكم.

 (2) في الامالى: ويترك.

 (3) سورة الحديد: 19.

 (4) عنه البحار: 23 / 388 ح 95 وفيه (روى شيخ الطائفة باسناده عن أخطب خوارزم) وقال في حاشية البحار (هذا وهم واضح فان الشيخ متقدم على أخطب خوارزم زمانا ولا يصح روايته عنه، إذ توفى الشيخ في سنة 460، وأخطب خوارزم في نسة 658 ومنشأ الوهم ان الشولستانى نقل الحديث عن أخطب خوارزم ثم قال بعد تمام الحديث: وهذا ذكره الشيخ في أماليه ومراده أن الشيخ ذكره ايضا في أماليه. فتوهم المصنف أنه رواه فيه عن أخطب خوارزم)، وأخرجه في البحار: 8 / 4 ح 6 والبرهان: 4 / 202 ح 6 عن أمالى الشيخ: 1 / 387 وفي آخره: هم الذين قاسم عليهم فاستحقوا الجحيم، وفي البحار 39 / 213 عن مناقب ابن شهر اشوب: 3 / 27 وفي البرهان: 4 / 202 ح 7 عن موفق بن أحمد، ورواه ابن المغازلى في مناقبه: 322 ح 369.

 

[ 602 ]




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21404413

  • التاريخ : 20/04/2024 - 06:31

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net