81 - سورة التكوير
مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي تسع وعشرون آية بلا خلاف
بسم الله الرحمن الرحيم
(إذا الشمس كورت(1) وإذا النجوم انكدرت(2) وإذا الجبال سيرت(3) وإذا العشار عطلت(4) وإذا الوحوش حشرت(5) وإذا البحار سجرت(6) وإذا النفوس زوجت(7) وإذ المؤودة سئلت(8) بأي ذنب قتلت(9) وإذا الصحف نشرت(10) وإذا السماء كشطت(11) وإذ الجحيم سعرت(12) وإذا الجنة أزلفت(13) علمت نفس ما أحضرت(14))
أربع عشرة آية.
___________________________________
(1، 2) سورة 3 آل عمران آية 106
[280]
قرأ ابن كثير واهل البصرة (سجرت) خفيفة الجيم. الباقون بتشديدها.
وقرأ اهل المدينة وابن عامر وحفص عن عاصم (نشرت) خفيفة الشين. الباقون بالتشديد.
وقرأ نافع وباقي أهل المدينة وابن عامر في رواية ابن ذكوان وعاصم إلا يحيى ورويس (سعرت) بتشديد العين. الباقون بتخفيفها.
وقرأ ابوجعفر (قتلت) مشددة التاء، الباقون بتخفيفها.
يقول الله تعالى مخبرا عن وقت حضور القيامة وحصول شدائدها (إذا الشمس كورت) فاللفظ وإن كان ماضيا فالمراد به الاستقبال، لانه إذا اخبر تعالى بشئ فلابد من كونه، فكأنه واقع. والفعل الماضي يكون بمعنى المستقبل في الشرط والجزاء، وفى أفعال الله، وفى الدعاء إذا تكرر كقولك حفظك الله وأطال بقاءك.
ومعنى (كورت) - في قول ابن عباس وابي بن كعب ومجاهد وقتادة والضحاك - ذهب نورها.
وقال الربيع بن خيثم: معناه رمي بها، والتكوير تلفيف على جهة الاستدارة ومنه كور العمامة، كور يكور تكويرا، ومنه الكارة، ويقال: كورت العمامة على رأسي اكورها كورا وكورتها تكويرا.
ويقال: طعنه فكوره أى رمى به، ذكره الازهرى، ومنه قولهم: اعوذ بالله من الحور بعد الكور أى من النقصان بعد الزيادة فالشمس تكور بأن يجمع نورها حتى يصير كالكارة الملقاة فيذهب ضوءها ويجدد الله - عزوجل - للعباد ضياء غيرها.
[281]
وقوله (وإذا النجوم انكدرت) فالنجوم جمع نجم، وهو الكوكب وجمعه كواكب. ومنه نجم النبت إذا طلع ينجم نجما فهو ناجم، وكذلك نجم القرن، ونجم السن. والانكدار انقلاب الشئ حتى يصير الاعلى الاسفل بما لو كان ماء لتكدر. وقيل: اصل الانكدار الانصباب.
قال العجاج: ابصر خربان فضاء فانكدر(1) وقال مجاهد والربيع بن خيثم وقتادة وابوصالح وابن زيد: انكدرت معناه تناثرت.
وقوله (وإذا الجبال سيرت) فمعنى تسيير الجبال تصييرها هباء وسرابا وقوله (وإذا العشار عطلت) فالعشار جمع عشراء، وهي الناقة التي قد أنى عليها عشرة اشهر من حملها، وهو مأخوذ من العشرة. والناقة إذا وضعت لتمام ففي سنة، وقال الفراء: العشار لقح الابل التي عطلها أهلها الاشتغالهم بأنفسهم.
وقال الجبائي: معناه ان السحاب يعطل ما يكون فيها من المياه التى ينزلها الله على عباده في الدنيا.
وحكى الازهري عن ابي عمرو انه قال: العشار الحساب.
قال الازهرى: وهذا لا اعرفه في اللغة.
والمعنى إن هذه الحوامل التى يتنافس اهلها فيها قد اهملت وقوله (وإذا الوحوش حشرت) قال عكرمة: حشرها موتها.
وغيره قال: معناه تغيرت الامور بأن صارت الوحوش التي تشرد في البلاد تجتمع مع الناس وذلك ان الله تعالى يحشر الوحوش ليوصل اليها ما تستحقه من الاعواض على الالام التي دخلت عليها، وينتصف لبعضها من بعض، فاذا عوضها الله تعالى، فمن قال: العوض دائم قال تبقى منعمة على الابد.
ومن قال: العوض يستحق منقطعا اختلفوا فمنهم من قال: يديمها الله تفضلا لئلا يدخل على العوض غم بانقطاعه.
ومنهم من قال: إذا فعل بها ما تستحقه من الاعواض جعلها ترابا.
___________________________________
(1) مر في 8 / 146
[282]
وقوله (وإذا البحار سجرت) معناه ملئت نارا كما يسجر التنور، وأصل السجر الملا قال لبيد:
فتوسطا عرض السري وصدعا * مسجورة متجاوز أقدامها(1)
أي مملوءة، ومنه (البحر المسجور)(2)
قال ابن عباس وأبي بن كعب: سجرت او قدت، فصارت نارا.
وقال شمر بن عطية: صارت بمنزلة التنور المسجور وقال الحسن ووالضحاك: معناه ملئت حتى فاضت على الارضين فتنسقها حتى تكون لحج البحار ورؤس الجبال بمنزلة واحدة، وقيل: معنى (سجرت) جعل ماؤها شرابا يعذب به أهل النار.
وقال الفراء: معناه افضي بعضها إلى بعض فصارت بحرا واحدا. ومن ثقل أراد التكثير، ومن خفف، فلانه يدل على القليل والكثير.
وقوله (وإذا النفوس زوجت) معناه ضم كل واحد منها إلى شكله، والنفس قد يعبر به عن الانسان ويعبر به عن الروح، وقال عمر بن الخطاب وابن عباس ومجاهد وقتادة: كل إنسان بشكله من أهل النار وأهل الجنة.
وقال عكرمة والشعبي: معنى زوجت ردت الارواح إلى الاجساد.
وقيل: معناه يقرن الغاوي بمن اغواه من شيطان أو إنسان وقوله (وإذا الموؤدة سئلت) فالموؤدة المقتولة بدفنها حية، فكانت العرب تئد البنات خوف الاملاق، وأدها يئدها وأدا، فهي موؤدة أي مدفونة حية، وعلى هدا جاء قوله (ولا تقتلوا أولادكم من املاق)(3)
وقال قتادة: جاء قيس ابن عاصم التميمي إلى النبي صلى الله عليه واله فقال: اني وأدت ثماني بنات في الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه واله (فاعتق عن كل واحدة رقبة) قال اني صاحب أبل.
قال (فاهد إلى
___________________________________
(1) مر في 7 / 118 و 9 / 403.
(2) سورة 52 الطور اية 6.
(3) سورة 6 الانعام آية 151
[283]
من شئت عن كل واحدة بدنة) وقيل موؤدة للثقل الذي عليها من التراب وقوله (ولا يؤوده حفظهما)(1) أي لا يثقله، قال الفرزدق:
ومنا الذي منع الوائدا * ت وأحيا الوئيد فلم يوأد(2)
وإنما يسأل عن الموؤدة على وجه التوبيخ لقاتلهما، وهو أبلغ من سؤاله، لان هذا مما لا يصلح إلا بذنب، فاي ذنب كان لك، فاذا ظهر انه لا ذنب لها جاءت الطامة الكبرى على قاتلها، لانه رجع الامر اليه بحجة يقربها.
وقال قوم: تقديره سئلت قتلها بأي ذنب قتلت، فالكناية عنها أظهر.
وروي في الشواذ، وهو المروي عن ابن عباس وغيره من الصحابة أنهم قرءوا (وإذا المؤودة سألت بأي ذنب قتلت) جعلوها هي السائلة عن سبب قتلها لا المسئولة وهو المروي في اخبارنا وقوله (وإذا الصحف نشرت) فالنشر بسط المطوي، والنشر للصحف والثياب ونحوها. والصحف جمع صحيفة وهي الصحيفة التى فيها اعمال الخلق من طاعة ومعصية، فتنشر عليه ليقف كل انسان على ما يستحقه.
وقوله (وإذا السماء كشطت) فالكشط القلع عن شدة التزاق كشط جلدة الرأس يكشطها كشطا إذا قلعها وفقلع السماء عن مكانها على شدة ما فيها من اعتماد كقلع جلدة الرأس عن مكانها، والكشط والنشط واحد. وفى قراءة عبدالله (وإذا السماء نشطت).
وقوله (وإذا الجحيم سعرت) معناه اشتعلت واضرمت، فالتسعير تهيج النار حتى تتأجج، ومنه السعر، لانه حال هيج الثمن بالارتفاع والانحاط، واسعرت الحرب والشربين القوم من هذا ومن شدد أراد التكثير، ومن خفف فلانه يدل على القليل والكثير.
وقال قتادة: يسعرها غضب الله وخطايا بني آدم.
___________________________________
(1) سورة 2 البقرة آية 255.
(2) ديوانه 1 / 203 واللسان (وأد)
[284]
وقوله (وإذا الجنة أزلفت) أى قربت من أهلها يوم القيامة فالازلاف إدناء ما يجب، ومنه الزلفة القربة، وأزدلف إلى الامر اقترب منه. ومنه المزدلفة لانها قريب من مكة.
وقوله (علمت نفس ما أحضرت) هو جواب (إذا الشمس كورت) وما بعدها من الشروط، والمعنى إن عند ظهور الاشياء التي ذكرها وعددها تعلم كل نفس ما عملته من طاعة أو معصية، وقد كان غافلا عنه. وهو كقوله (أحصاه الله ونسوه)(1).
قوله تعالى: (فلا أقسم بالخنس(15) الجوار الكنس(16) والليل إذا عسعس(17) والصبح إذا تنفس(18) إنه لقول رسول كريم(19) ذي قوة عند ذي العرش مكين(20) مطاع ثم أمين(21) وما صاحبكم بمجنون(22) ولقد رءاه بالافق المبين(23) وما هو على الغيب بضنين(24) وما هو بقول شيطان رجيم(25) فأين تذهبون(26) إن هو إلا ذكر للعالمين(27) لمن شاء منكم أن يستقيم(28) وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين(29))
خمس عشرة آية.
قرأ ابن كثير وابوعمرو والكسائي ورويس (بظنين) بالظاء أي ليس على الغيب، بمتهم، والغيب هو القرآن، وما تضمنه من الاحكام وغير ذلك من اخباره عن الله. الباقون بالضاد - بمعنى انه ليس بخيلا لا يمنع أحدا من تعليمه ولا يكتمه دونه. وفى المصحف بالضاد.
___________________________________
(1) سورة 58 المجادلة آية 6
[285]
قوله (فلا اقسم بالخنس) معناه إقسم و (لا) صلة. وقد بينا نظائره فيما مضى.
و (الخنس) جمع خانس، وهو الغائب عن طلوع، خنست الوحشية في الكناس إذا غابت فيه بعد طلوع.
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أن الخنس النجوم لانها تخنس بالنهار وتبدو بالليل.
وقيل: تخنس في مغيبها بعد طلوعها، وبه قال الحسن ومجاهد.
وقال ابن مسعود وسعيد بن جبير والضحاك: هي الظباء.
وقيل: القسم بالنجوم الخنس بهرام وزحل والمشتري وعطارد والزهرة.
وقوله (الجوار الكنس) معناه النجوم التى تجري في مسيرها ثم تغيب في مغاربها على ما دبره تعالى فيها ففي طلوعها، ثم جريها في مسيرها، ثم غيبتها في مواقفها من الاية العظيمة والدلالة الباهرة المؤدية إلى معرفته تعالى ما لا يخفى على متأمل معرفته وعظيم شأنه، فالجارية النجوم السيارة، والجارية السفن في البحار، والجارية المرأة الشابة.
وقوله (الكنس) نعت ل (الجوار) وهو جمع (كانس) وهي الغيب في مثل الكناس، وهو كناس الوحشية بيت تتخذه من الشجرة تختفي فيه، قال طرفة:
كأن كناسي ضالة مكنفانها * واطرقسي تحت صلب مؤيد(1)
وقوله (والليل إذا عسعس) قسم آخر، ومعنى (عسعس) أدبر بظلامه - في قول أمير المؤمنين علي عليه السلام وابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد - وقال الحسن ومجاهد في رواية والفضل بن عطية: أقبل بظلامه، وتقول العرب: عسعس الليل إذا أدبر بظلامه.
قال علقمة بن قرط:
حتى إذا الصبح لها تنفسا * وانجاب عنها ليلها وعسعسا(2)
___________________________________
(1) ديوانه 25 وتفسير القرطبي 19 / 236.
(2) مجاز القرآن 2 / 288 والطبري 30 / 43
[286]
وقيل: عسعس دنا من أوله واظلم، والعس طلب الشئ بالليل، عس يعس عسا، ومنه أخذ العسس.
وقال صاحب العين: العس نقض الليل عن أهل الريبة والعس قدح عظيم من خشب أو غيره، وكأن أصله امتلاء الشئ بما فيه، فقدح اللبن من شأنه أن يمتلئ به، ويمتلى، الليل بما فيه من الظلام، وعسعس أدبر بامتلاء ظلامه.
وقال الحسن (والليل إذا عسعس) معناه إذا أظلم والصبح إذا تنفس إذا أسفر.
وقوله (والصبح إذا تنفس) قسم آخر بالصبح إذا أضاء وامتد ضوءه يقال: تنفس الصبح وتنفس النهار إذا امتد بضوئه، والتنفس امتداد هواء الجوف بالخروج من الفم والانف يقال: تنفس الصعداء وقوله (إنه لقول رسول كريم) جواب الاقسام التى مضت، ومعنى (انه لقول) يعني القرآن (رسول كريم) وهو جبرائيل عليه السلام - في قول قتادة والحسن - بمعنى إنه سمعه من جبرائيل، ولم يقله من قبل نفسه.
وقال: يجوز أن يراد به محمد صلى الله عليه واله فانه أتى به من عند الله.
وقوله (ذي قوة) معناه قوي على أمر الله.
وقيل: معناه قوي في نفسه - في قول من قال: عنى به جبرائيل - لان من قوته قلبه قريات لوط بقوادم اجنحته.
وقوله (عند ذي العرش) معناه عند الله صاحب العرش (مكين) أى متمكن عنده وفي الكلام تعظيم للرسول بأنه كريم، وأنه مكين عند ذي العرش العظيم وأن الله تعالى أكد ذلك اتم التأكيد.
وقوله (مطاع ثم أمين) من قال المراد بالرسول جبرائيل، قال معناه إنه مطاع في الملائكة، أمين على وحي الله.
وقال: عنى به الرسول صلى الله عليه واله قال: معناه إنه يجب أن يطاع وأن من أطاعه فيما يدعوه اليه كان فائزا بخير الدنيا والاخرة. ويرجو بطاعته الثواب ويأمن
[287]
من العقاب، وإنه صلى الله عليه واله كان يدعى الامين قبل البعث فالامين هو الحقيق بأن يؤتمن من حيث لا يخون، ولا يقول الزور، ويعمل بالحق في الامور.
ثم خاطب تعالى جماعة الكفار فقال (وما صاحبكم بمجنون) أي ليس صاحبكم الذي يدعوكم إلى الله وإخلاص عبادته بمؤف العقل على ما ترمونه به من الجنون. والمجنون المغطى على عقله حتى لا يدرك الامور على ما هي به للافة الغامرة له، فبغمور الافة يتميز من النائم، لان النوم ليس بآفة ولا عاهة.
وقوله (ولقد رآه بالافق المبين) معناه إن النبي صلى الله عليه واله رأى جبرائيل عليه السلام على صورته التى خلقه الله عليها بالافق المبين، فالافق ناحية من السماء يقال: هو كالنجم في الافق، وفلان ينظر في أفق السماء.
وقوله (مبين) أي هو ظاهر انه في أفاق السماء من غير تخيل لا يرجع إلى يقين.
وقال الحسن وقتادة: الافق المبين حيث تطلع الشمس.
وقوله (وما هو على الغيب بضنين) قال ابن عباس وسعيد بن جبير وابراهيم والضحاك:، معناه ليس على وحي الله وما يخبر به من الاخبار بمتهم أي ليس ممن ينبغي أن يظن به الريبة، لان أحواله ناطقة بالصدق والامانة، ومن قرأ بالضاد معناه ليس ببخيل على الغيب.
وقوله (وما هو بقول شيطان رجيم) معناه أنه ليس هذا القرآن قولا لشيطان رجيم، قال الحسن: معناه رجمه الله باللعنة. وقيل رجيم بالشهب طردا من السماء، فهو (فعيل) بمعنى (مفعول).
وقوله (فأين تذهبون) معناه أين تذهبون عن الحق الذي قد ظهر أمره وبدت أعلامه إلى الضلال الذي فيه البوار والهلاك، وهو استبطاء لهم في القعود عن النبي صلى الله عليه وآله، والعمل بما يوجبه القرآن، فالذهاب هو المصير عن شئ إلى شئ بالنفوذ في الامر.
[288]
قال بعض بني عقيل:
تصيح بنا حنفية إذ رأتنا * وأي الارض نذهب بالصباح(1)
يعني إلى أي الارض، وقيل معناه فأي طريق يسلكون أبين من الطريق الذي بينه لكم (إن هو إلا ذكر للعالمين) يمكنكم أن تتوصلوا به إلى الحق. والذكر ضد السهو وعليه يتضاد العلم وأضداده، لان الذاكر لا يخلو من أن يكون عالما او جاهلا مقلدا أو شاكا، ولا يصح شئ من ذلك مع السهو الذي يضاد الذكر.
وقال الرماني: الذكر إدراك النفس الذي يضاد للمعنى بما يضاد السهو.
و (العالمين) جمع عالم. وقد فسرناه في ما مضى.
وقوله (لمن شاء منكم ان يستقيم) على أمر الله ووعظ.
وقوله (وما تشاؤه إلا أن يشاء الله رب العالمين) قيل في معناه ثلاثة اقوال: احدها - وما تشاؤن من الاستقامة إلا وقد شاءها الله، لانه قد جرى ذكرها فرجعت الكناية اليها، ولا يجوز أن يشاء العبد الاستقامة إلا وقد شاءها الله، لانه أمر بها ورغب فيها أتم الترغيب، ومن ترغيبه فيه إرادته له.
والثاني - وما تشاؤن شيئا إلا أن يشاء الله تمكينكم منه، لان الكلام يقتضي الاقتدار على تمكينهم إذا شاء ومنعهم إذا شاء.
الثالث - وما تشاؤن إلا أن يشاء الله ان يلطف لكم في الاستقامة لما في الكلام من معنى النعمة.
وروي عن النبي صلى الله عليه واله أنه قال شيبتني (هود) وأخواتها (الواقعة) و (إذا الشمس كورت) وهو جميع ما وعظ الله به عباده.
فان قيل: اليس ان أنسا لما سئل هل اختضب رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما شأنه الشيب، فقال: أو شين هو ياأبا حمزة. فقال كلكم يكرهه؟
___________________________________
(1) تفسير القرطبي 19 / 241
[289]
قيل عنه جوابان احدهما - أنه روي أن عليا عليه السلام لما غسل رسول الله صلى الله عليه واله وجد في لحيته شعرات بيضاء، وما لا يظهر إلا بعد التفتيش لا يكون شيبا. الثاني - أنه أراد لو كان أمر يشيب منه إنسان لشبت من قراءة ما في هذه السورة، وما فيها من الوعيد كما قال (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى)(1) وإنما أراد عظم الاهوال على ما بيناه.
|